من الأحداث الأخيرة السعيدة صدور طبعة جديدة من كتاب "السينما كفن تخريبي" Film As a Subversive Art لآموس فوجل Amos Vogel. والأسباب كثيرة بالتأكيد، منها مثلا أن هذا الكتاب الذي صدر للمرة الأولى في نيويورك عام 1975، اعتبر وربما لا يزال، البيان الرسمي للسينما الجديدة في العالم.. أو بيان السينما المتحررة من التقاليد البالية، تقاليد فن وأدب القرن التاسع عشر، فن وأدب المضمون والرسالة الاجتماعية المباشرة والحكمة الأخلاقية والحدوتة المسلية والسرد السلس البسيط. ظهر هذا الكتاب عندما كانت السينما الأمريكية قد بدأت تتمرد على نفسها، على مدرسة هوليوود بتقاليدها العتيقة وأيديولوجيتها وأفكارها السياسية العتيقة، وكانت السينما الأوروبية قد اعلنت ثورتها العظيمة على الشكل، كما تبدى في سينما كوكتو وبرجمان وجودار وأنطونيوني وبونويل وبرتولوتشي وتريفو، وبدت ملامح التمرد في سينما أوروبا الشرقية على كل تقاليد الواقعية الاشتراكية لتسبح في محيط "الواقعية بلا ضفاف" من خلال أفلام مثل "قطارات تحت حراسة مشددة" و"الغاز الكائن البشري" و"الشقة" و"مأساة عاملة تليفون"،
وكانت السينما الثورية في العالم الثالث خاصة في أمريكا اللاتينية، تسعى للبحث عن "السينما الثالثة" التي تعتمد على "جماليات الجوع" حسب تعبير جلوبير روشا. نحن لسنا إذن أمام كتاب عادي من النوع الذي يغرق في التنظير القائم على الأماني والأحلام، أو يسقط في أسر الطابع الأكاديمي الموغل في النظرية، بل أمام "بيان" تحليلي عنيف، ومع ذلك، يمتلئ بالحب والإحساس بما في السينما الجديدة من شعر، ورغبة في نسف القديم، وهي رغبة موغلة في الوحشية والتمرد والعنف والرفض.
"السينما كفن تخريبي" لا يسعى إلى التثقيف السينمائي بالمعنى المحايد الذي يعرض للأفلام "الجميلة"، بل إلى هدم أفكار وإحلال أفكار أخرى مكانها، وإلى إعلاء دور الصورة ومكانتها وأهميتها ومحاولة فهم ألغازها وإشاراتها ومغزاها وموقعها وسط غيرها من الصور.يحتوي الكتاب على أكثر من 300 صورة بالأبيض والأسود (في 335 صفحة) مأخوذة من عشرات الأفلام التي نقلت السينما كفن من مجال رواية القصص المحكمة، إلى فن بصري متحرر من كل القوالب.هذه الصور منها ما كان يعد في ذلك الوقت، من المحرمات، بسبب ما تحتويه من عري وتصوير جنسي وأوضاع غير مألوفة للجسد البشري.
ورغم محاولته التعبير عن آرائه في الأفلام بأقل قدر من الكلمات، وأكبر كم من الصور، يعتذر مؤلف الكتاب هنا عن أمرين: الأول ما يراه من محدودية الصور الثابتة المنشورة في الكتاب، وحدودها الضيقة في التعبير عن الفيلم: "الصورة الثابتة ليست فيلما. إنها تفتقد إلى الأبعاد والزمان والحركة التي تعد من المكونات الأساسية لفن الفيلم، وتمثل فقط جزءا ضئيلا من الثانية من فيلم سينمائي". . وثانيا يعتذر عن اضطراره لاستخدام الكلمات بشكل عام "لأن الكلمات ليست أفضل وسيلة للتعامل مع وسيط بصري".
ويكفي أن نتأمل عناوين فصول الكتاب المختلفة لكي نحيط بما يحتويه: تخريب الشكل، متمردون جماليون ومهرجون متمردون، تدمير الزمان والمكان، تدمير الحبكة وطريقة السرد، الاعتداء على المونتاج، التخلص من الواقعية، تخريب الوهم، التخلص من الصورة، التخلص من الشاشة، التخلص من الكاميرا، التخلص من الفنان، أسلحة التخريب: قوة التابو البصري، الاعتداء على البيوريتانية: العري، نهاية المحظور الجنسي.يقول فوجل "إن كل عمل فني إذا كان أصيلا، يقطع الصلة مع الماضي بدلا من إعادة تصويره، هو فن تخريبي". أخيرا آموس فوجل مؤلف الكتاب هو مؤسس أول مركز للسينما التجريبية في الولايات المتحدة، ثم قسم السينما في مركز لينكولن، ومؤسس مشارك لمهرجان نيويورك السينمائي
2 comments:
هل يوجد ترجمة لهذا الكتاب بالعربية
نعم سبق أن صدرت ترجمة لكتاب "السينما كفن تخريبي" باسم "السينما التخريبية" عن دار الحصاد فى سوريا فى منتصف التسعينات لكني لم أحصل على نسخة منه بل اعتمدت على الطبعة الانجليزية المتوفرة حاليا عن طريق مؤسسة (أمازون) وكانت قد ظلت متوفرة على الانترنت لسنوات قبل صدور الطبعة الجديدة.
إرسال تعليق