الأربعاء، 20 أغسطس 2008

فيلمان من المغرب والجزائر: تبديد المال بالتجريب في الهواء


لقطة من الفيلم الجزائري "روما ولا انتما"

تطرقت في مقال سابق إلى المخرجين العرب الذين يحصلون على دعم جيد لأفلامهم من جهات أوروبية تهتم بدعم أفلام البلدان النامية (وهو التعبير المهذب الشائع للبلدان الفقيرة) لكنهم لا يجيدون استخدام هذا الدعم، بل يبددونه في الهواء.
ولعل من النماذج الدالة على هذه الفرضية فيلمان: الأول هو الفيلم الروائي الثاني للمخرج المغربي فوزي بن سعيدي "دبليو دبليو دبليو. إنه حقا عالم رائع"، والثاني هو الفيلم الروائي الأول للمخرج الجزائري طارق تقية "روما ولا انتما" (أي رما أحسن منكم) وهو عنوان يعبر عن الرغبة في الهجرة.
الفيلم المغربي الذي حصل على تمويل فرنسي ألماني، يدور في مدينة الدار البيضاء من خلال شخصيات تتقاطع مسارات حياتها مصادفة. ورغبة المخرج أن يلمس ما يحدث في المغرب، ولكن عن طريق اللهو والتلاعب بالشكل: أسلوب الفيلم البوليسي ولكن بعد تكسيره وتحويله إلى عمل هزلي يستوحي اسلوب ما بعد الحداثة، وينقلك من مكان إلى آخر بدون أي مقدمات.
غياب الرؤية
المقارنة بين الأسلوب ما بعد الحداثي كما استخدمه الفلسطيني إيليا سليمان في فيلم "يد إلهية"، مقارنة لا مكان لها، فشتان بين العملين، فالفيلم المغربي يفتقد أساسا إلى وجود "رؤية" فلسفية أو إنسانية داخل هذه الدائرة اللامنطقية من الأحداث: قاتل محترف يستقي معلوماته من إشارات، يترجمها إلى أرقام، ثم إلى كلمات مرور عبر الانترنت، لكي يتلقى تعليمات بالقتل. وشاب آخر يرغب في الهجرة ويسعى لتزوير عقد عمل مع شركة ايطالية للحصول على تأشيرة، وعاهرة على علاقة بالقاتل، وصديقتها شرطية المرور التي تؤجر هاتفها المحمول في أوقات الفراغ.
وفوزي بن سعيدي من خلال أسلوب السرد الذي يستخدمه: القطع الخشن، والإضاءة المبهرة، والموسيقى الصاخبة حتى الفزع، والانتقال في المكان بطريقة مشوشة تماما، يجعل فيلمه أقرب إلى الإعلانات التليفزيونية المصورة (الفيديو كليب)، بل وعلى العكس تماما من الفيلم الفلسطيني، يفتقر إلى حس الفكاهة والمرح.
هناك حقا محاولة للتجريب في الشكل، خاصة وأن المخرج هو نفسه الكاتب والممثل الأول والمونتير، أي أنه يسيطر تماما على مادته بنفسه ويدفعها في الاتجاه الذي يريده. لكن محاولته التجريبية تبدو بعيدة نائية عن السينما التي تنتج في بلده، ولا يبدو أنها يمكن أن تلعب أي دور في تطويرها ونقلها خطوة إلى الأمام مستقبلا، وهو الهدف الأساسي للتجريب، وإلا
أصبح تجريبا في الهواء.
محاكاة فاشلة
أما الفيلم الجزائري فهو يسعى للتطرق إلى مشاكل الجزائر المعاصرة: الحرب الأهلية بين المسلحين الإسلاميين والحكومة، البطالة والرغبة في الهجرة، ولكن عن طريق محاكاة أسلوب أنطونيوني في بيئة وجماليات محددة لتلك البيئة بعيدة كل البعد عن تلك التي خرج منها أسلوب أنطونيوني، بل وأساسا، دون موهبة حقيقية تفضر نفسها، على الاقل حتى الىن أي بالحكم على هذا الفيلم الأول.
إننا أمام فيلم من أفلام الطريق لا يحدث فيه على الطريق ما يجعلنا نجلس ونتأمل.
كمال بطل الفيلم شاب يبحث عن وسيلة لمغادرة الجزائر والعودة إلى ايطاليا التي كان يقيم فيها من قبل يعمل في مطعم للبيتزا. وهو يقنع صديقته زينة بالهرب من الجزائر معه، فيقترض سيارة يطوفان بها مناطق صناعية في ضواحي العاصمة بحثا عن "بوسكو" المهرب الذي يمكنه إخراجهما خلسة من الجزائر. وخلال البحث عن بوسكو، يتعرضان لمضايقات من الشرطة بدون سبب سوى مظهرهما الخارجي (الفتاة متحررة في ملبسها)، ويقضيان أمسية في منزل أصدقاء، حيث يشرب الجميع حتى الثمالة.. ثم يغادران.. ولا يحدث شئ بعد ذلك، فكما بدأ الفيلم، ينتهي دون أي تطور بل ودون أن يطرأ شئ على مصير الشخصيات، أوعلى مسار الفيلم!
استطرادات وتكرار
ويعاني الفيلم من التكرار والحشو والاستطرادات والترهل، ويكفي أن المخرج يجعل بطليه يدوران بالسيارة في منطقة صحراوية لمدة 20 دقيقة، دون أي مبرر ولا حتى شكلي، بل تبدو لقطاته معتمة معزولة عن المكان.
وينتقل المخرج من لقطة لأخرى فجأة وقبل أن تكتمل اللقطة الأولى، ودون أن تكشف الثانية عن شئ ما في الأولى، في محاكاة ساذجة للغة انطونيوني وجودار ولكن بطريقة سطحية.
ويستخدم المخرج حوارا أكبر من وعي شخصياته، لكي ينقل لنا سخريته الشخصية، فهو يجعل كمال يقول لصديقه: كافكا يقول إن تمثال الحرية يحمل في يده عصا غليظة، فيجيبه صديقه: لابد أنه فشل في الحصول على تأشيرة!
الفيلم الجزائري، مثله في ذلك مثل الفيلم المغربي، حصل على تمويل فرنسي ألماني، مما أتاح الفرصة لمخرج شاب جديد أن يعبر عن نفسه بحرية، فماذا كانت النتيجة في الحالتين؟
العرض الصحفي للفيلمين في مهرجان فينيسيا العام الماضي شهد انسحابا جماعيا للنقاد من شتى أنحاء العالم من قاعة العرض، بعضهم غادر بعد 10 دقائق من بداية العرض، ثم لم يتوقف خروج الصحفيين حتى فرغت قاعة العرض سوى من حفنة من النقاد "الذين لا تزال تراودهم الآمال في مستقبل سينما العالم الثالث.. التي أصبحت - بكل أسف- تلهث وراء أطياف ماضي سينما العالم الأول الغابرة.

1 comments:

غير معرف يقول...

أريد التعليق على مقال برامج التليفزيون السينمائية وليس على الفيلمين .. حسنا ربما قرأ هذا الأمير أبو الجهل قصيدة نزار وسأل مستشاريه من كبار مفكرينا المبدعين عن جدوى الثقافة التي يريد نزار تركهاىلنا وعرف أن تخريب الثقافة هو المعبر النهائي لسعودة أمة كانت في غابر الأزمان عظيمة، أذكر مثلين حدثا أمامي في يوم واحد، كنت في تاكسي والسائق يضع شريط قرآن بصوت قبيح طفولي لا يكف عن النهنهة وسط التلاوة ووسط تكبير وتهليل المستمعين السعداء، سألت الرجل، مالهم المقرئين المصريين، أليسوا أجمل صوتا؟ قال أن أحدهم رمى له الشريط من شباك السيارة ولإنه " قرآن كريم" فهو يسمعه، والأخرى باتت شائعة للغاية أن ترى ستيكر يلصقونه على الزجاج الخلفي للسيارات مكتوب عليه " لا إله إلا اله، محمد رسول الله" طبعا المفروض حسب القانون ألا تحمل السيارات دعاية دينية/ ذلك لا يحدث بالطبع ولكن لماذا ينتهي الستيكر بعلم السعودية: النخلة والسيفين؟؟؟ ولإننا هبل وعبط ومتخلفين فنحن نلصقها لإن فيها اسم الله، تماما مثل منطق أهو قرآن كريم مش أحسن م الأغاني،هذه الستيكرات توزع مجانا أيضا، ولا أدري حقيقة ماذا نفعل بالمقابل؟ ألا قاتل الله السعودية وكل ما يأتي منها

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger