الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

في مهرجان أبو ظبي: عودة اليازرلي، وأفلام أخرى!


لاشك أنه مما يحسب لمهرجان أبو ظبي وهيئة التراث والثقافة، الجهة المنظمة للمهرجان، إحضار نسخة جديدة من فيلم "اليازرلي" أحد الكلاسيكيات الكبير في السينما العربية للعرض في المهرجان، وبالتالي إحياء هذا العمل الكبير الذي لم يشاهد منذ سنوات بعيدة، خصوصا وأنه ضرورة فنية بالنسبة للأجيال الجديدة من هواة السينما الفنية الرفيعة.
إن "اليازرلي" الذي أخرجه قيس الزبيدي قبل نحو 34 عاما، من إنتاج مؤسسة السينما السورية في عصرها الذهبي، دليل بارز على قدرة السينمائي العربي الموهوب على أن يصبح جزءا من عصره، عصر بونويل وخودوروفسكي، ولكن قدرته أيضا على الاستفادة من تراث السينما السوفيتية الصامتة في أهم نماذجها أي أيزنشتاين وفيرتوف بودوفكين.

ينسج قيس الزبيدي هنا قصيدة سينمائية تشع بالجمال، وتعيد اكتشاف الإنسان من خلال الصورة والإيقاع والعلاقة الحيوية بين الصورة والموسيقى، وبين التكوين والمونتاج، وإعادة خلق الزمن بحيث لا يصبح هو نفسه الزمن الحقيقي أو الذي يريد السينمائي الإيهام بواقعيته، بل زمنه الخاص الذي يختاره لكل لقطاته ومشاهده المنسوجة ببراعة بكاميرا ترصد وتتابع وتعبر عن القلق الذي تشعر به الشخصيات، تقترب وتبتعد، تخترق وتكاد تتسلل أحيانا إلى ما تحت جلد الشخصيات البسيطة ولكن المعبرة عن قسوة الحياة، وعن الاضطهاد الطبقي، عن المشاعر الإنسانية: الرغبة الجنسية، الحب الصامت، الألم، الغيرة، الجشع، عبودية الخاضع لسيده وتبعيته التي يرغب في التخلص منها لكنه لا يستطيع.

ليس من الممكن تلخيص هذا العمل البديع الذي يفيض بالمشاعر ويدعو إلى التأملات. إن مشاهدته بعد كل هذه السنوات تؤكد أنه لايزال يتمتع بروح الحداثة أكثر من كل أفلامنا الحديثة. إنه درس في البلاغة السينمائية. ولاشك أن خروج قيس الزبيدي من حلبة السينما الروائية مبكرا يعد من أكبر ما منيت به السينما في العالم العربي من نكسات وخيبات جاءت بفعل التراجع المستمر في الطموح الثقافي، وزحف القيم الاستهلاكية المريضة على الحياة العربية عموما. لكني آمل أن تكون لي عودة للتوقف أمام هذا الفيلم بالتحليل.
شاهدت أيضا فيلم "داخل خارج الغرفة" وهو وثائقي جديد للمخرجة المصرية الشابة دينا حمزة.
الفكرة جريئة ومثيرة، وتعكس قلقا فلسفيا ربما كان من الصعب التعبير عنه بسبب طغيان الصور المباشرة القاسية والشخصية البسيطة- المركبة لبطل الفيلم، وهو جلاد حقق رقما قياسيا في شنق نحو ألف شخص من الذين حكم عليهم بالإعدام شنقا.

أرادت دينا حمزة التوقف أمام نموذج إنساني غير عادي، لا نقابله بالطبع في كل يوم، وصورته وهو بين أسرته، وبين أصدقائه، على المقهى يتسامر ويلعب الطاولة، في الشارع وسط أهل المنطقة، يروي لها أمام الكاميرا، كيف كنت تجربته في عالم الإعدام، وكيف أمكن أن يواصل حياته العادية رغم عمله الصارم والقاسي.

لاشك في أن "البورتريه" الذي تقدمه لنا المخرجة الشابة موحيا، يدفع إلى الكثير من التساؤلات عن معنى الحياة والموت. لكن بطل القصة، لا يترك أمامنا مجالا كبيرا عندما يختم قصته بالاستتناد إلى "الدين" أي إرجاع كل ما يقوم به إلى إرادة الله، وإلى أنه إنما ينفذ هذه الإرادة الإلهية، أي أنه أصبح كما يقول حفيا في الفيلم "يد الله" التي تنزل العقاب بالمذنب.

أحد أبناء الجلاد يعبر عن تعاطفه الشديد مع ما يقوم به والده فيقول إنه أحيانا يرغب في أن يشنق المجرمين بيديه بسبب ما ارتكبوه من بشاعات، أما الولد الأصغر، فيعبر عن رفضه القيام بما يقوم به والده، معربا بوضوح عن رفضه قتل الآخري بموجب أي مبرر.
إنها "حالة" إنسانية خاصة كانت دائما تثير اهتمام الناس في بلادنا، حالة ذلك الجلاد الذي يقول بوضوح إنه يجد الشنق أسهل ألف مرة من جلد إنسان. فيلم معبر، مصنوع باتقان، وجرأة، وقدرة على التعامل البصري مع اللقطات القريبة للشخصيات الكثيرة التي تظهر في الفيلم.

 
أما فيلم "بحبك ياوحش" للمخرج اللبناني محمد سويد، فمن الممكن القول إنه يدور في اتجاه البحث المرهق لسويد عن الشخصية اللبنانية من خلال المكان: بيروت، صيدا، لبنان الكبير.

إنه يتوقف أمام عدد من الشخصيات العادية، التي يسجل شهاداتها عن الواقع، عن الحياة، عن معنى الحياة، عن الحب، عن الحرب، وعن الماضي والحاضر وكيف يرون المستبقل، ولكن في بناء مفتوح، يمزج بين الشخصيات اللبنانية، والفلسطينية، وبين أهل البلد، والمهاجرين الباحثين عن عمل. لكن يعيب الفيلم أنه يفتقد إلى حد كبير إلى وحدة الموضوع، فالمنهج الذي يستخدمه سويد في بناء الفيلم يجعلك تتساءل كثيرا عما يشير إليه، فهو أيضا ينحرف كثيرا عن الموضوع عندما يتوقف طويلا مثلا، أمام شخصية مهاجر سوداني يعمل في بيروت، يتحدث عن حياته السابقة في سورية ويعقد مقارنات بين الحالتين. والواضح أن محمد سويد يريد ن يقدم لبنان بسكانه المختلطين من اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم، لكن الفكرة لا تتجسد بوضوح، والفصول التي تتعاقب تحت أسماء محددة مثل "الحرب، الحب، طق طق، بحبك ياوحش (في اشارة بالطبع إلى وحش الشاشة الراحل فريد شوقي).. إلخ تبدو أحيانا مضللة أكثر مما هي مضيئة، فمن الممكن أن يستمر الفيلم هكذا، أي في هذه الاستطرادات إلى ما لانهاية، ومن الممكن أيضا أن ينتهي في أي لحظة، وهو ما يعكس غياب البناء القصصي المحدد حتى في فيلم تسجيلي، وخلل الايقاع.

أخيرا جاء الفيلم الدنماركي "دموع غزة" وهو وثائقي طويل (90 دقيقة) للمخرجة الدنماركية فبيكة لوكزبرج عملا تقليديا عن الأوضاع الفلسطينية المأساوية في غزة قبل وأثناء وبعد التوغل الاسرائيلي في القطاع في أواخر 2008 وأوائل 2009، من خلال التركيز على مصائر ثلاثة شخصيات لأطفال فلسطينيين.

هناك الكثير من المشاهد الدامية التي تدمي القلب وتقتحم العين، والكثير من اللقطات المقتنصة من قلب الحدث رغم ما فرضته السلطات الإسرائيلية العسكرية من تعتيم على حملتها الدموية. لكن رغم ذلك يبدو أن لا جديد يقدمه لنا هذا الفيلم، فأنت تخرج بانطباع أنك سبق أن شاهدت كل هذه اللقطات في سياق مشابه من قبل. لكنه بلاشك، مفيد بالنسبة للمشاهد الأوروبي الذي يتوجه إليه بالدرجة الأولى.

السبت، 16 أكتوبر 2010

"الغرب هو الغرب": بريطانيا الحلم والألم والزواج المختلط

من الأفلام التي يحتفي بها كثيرا مهرجان أبو ظبي الفيلم البريطاني الجديد "الغرب هو الغرب"، بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان تورنتو، ثم في مهرجان لندن السينمائي المستمر في نفس الوقت مع مهرجان أبو ظبي.
قبل أكثر من عشر سنوات حقق فيلم "الشرق هو الشرق" East is East نجاحا تجاريا كبيرا في دور العرض البريطانية رغم أنه يقوم على الكشف عن التناقضات بين الشخصية الانجليزية والشخصية الباكستانية، من خلال كوميديا خفيفة ساخرة، تسعى لسبر أغوار المشاكل التي يمكن أن تنتج عن الزواج المختلط، بين رجل باكستاني، وامرأة انجليزية، ينجبان أطفالا يتمسكون بتقاليد البيئة التي نشأوا فيها، أي البيئة الانجليزية، ويرفضون الخضوع للتقاليد الباكستانية المختلفة تماما، التي يحاول الأب أن يلقنهم إياها ولو قسرا.
الآن، في "الغرب هو الغرب" West is West نعود إلى نفس البطلين، أي الزوج والزوجة بعد مرور 11 عاما على قيامهما بالدورين، إلا أن أحداث الفيلم تدور في منتصف السبعينيات، حينما يدرك الأب الذي يطلق على نفسه اسم "جورج خان"- مقتبسا الاسم الأول من البيئة الانجليزية، والثاني يحافظ على لقب العائلة الأصلي، أن ابنه الأصغر "ساجد" لا يعرف شيئا عن وطنه الأصلي، فيقرر القيام برحلة معه إلى البلدة التي ينتمي إليها الأب، في باكستان، رغم رفض ساجد وتمرده بل وسخريته المريرة في النصف الأول من الفيلم، من اللغة والعادات والتقاليد قبل أن يلتقي بولد من عمره، وكهل من المنطقة، ويحتك بهما ويتعلم منهما الحكمة ويتعرف على تقاليد بلد والده.
بالطبع تقع مفارقات عديدة بعد حضور الزوجة الانجليزية ومواجهتها مه الزوجة الباكستانية التي هجرها "جورج" قبل ثلاثين عاما، مع بناته منها، مكتفيا بارسال بعض المال بين حين وآخر. ولكن الأحداث تنتهي نهاية سعيدة، غالأب الذي يشعر بأنه غريب في بلاد الانجليز وغريب في وطنه أيضا، يكفر عن فعلته باقامة منزل حديث لأسرته الأصلية، والإبن الثاني الشاب من الزوجة الانجليزية، يجد عروسا ملائمة له، باكستانية عادت إلى بلدها لكي تتزوج من أحد أبناء بلدها، والإبن الأصغر ساجد يحقق نوعا من التوازن بين ثقافته الأصلية وثقافتة البيئة التي نشأ فيها، والزوجتان تحققان مصالحة من نوع ما.. ويعود جورج مع "إيلا" إلى بريطانيا، وتبقى الزوجة الهندية مع بناتها بعد أن تدرك أن الماضي لن يعود، وأن جورج اختار لنفسه حياة جديدة مختلفة من دهر وبات من المستحيل تغيير دفة الأحداث.
وحسب طبيعة الموضوع الذي تتفجر من خلاله الكثير من المفارقات والتناقضات والأحداث الطريفة، كان الطابع الكوميدي هو الأنسب.. ولكن لأنه موجه أساسا إلى جمهور بريطانيا، سواء من الأصليين أو المهاجرين من باكستان أو الأجيال الاجديدة التي تنتمي إلى ثقافة باكستان دون أن تكون قد نشأت على ترابها بالضرورة، يلعب سيناريو الفيلم على إبراز هذه التناقضات لكي يضحكنا عليها، ولكي يكشف كيف أن الصورة النمطية الراسخة في خيال كل طرف عن الآخر ليست بالضرورة الصورة الصحيحة، وأن التعايش والتسامح أفضل من البقاء داخل سجن الذات الحديدي.
أسلوب إخراج قريب من مسلسلات "السوب أوبرا" التليفزيونية التي يشاهدها الملايين يوميا، وأداء تمثيلي لافت من كل الممثلين المشاركين في الفيلم، واستخدام موفق كثيرا للموسيقى والأغاني والايقاعات الباكستانية.
أما إذا كانت هذه الخلطة ستنجح في تكرار ما حققه الفيلم السابق من نجاح، فأمر يظل محل اختبار حقيقي عند نزول الفيلم إلى أسواق بريطانيا التي تغيرت نظرة جمهور السينما فيها مثيرا خلال العقد الماضي، واختلفت اهتماماته. لكن العرض التليفزيوني قد يكون مناسبا أكثر، ولذلك دخل بي بي سي طرفا مباشرا في إنتاج الفيلم.

الخميس، 14 أكتوبر 2010

افتتاح تقليدي لمهرجان أبو ظبي


افتتحت الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي مساء الخميس 14 أكتوبر، وتمتد حتى الثالث والعشرين من الشهر نفسه. وكما هي العادة في المهرجانات التي تقام في البلدان العربية بلا استثناء، يتقدم مسؤول كبير يمثل الدولة التي يقام فيها المهرجان، لكي يلقي كلمة طويلة، تتطرق كالعادة إلى أهمية السينما للإنسان، وأهميتها في التواصل بين البشر، وكوسيلة للتعبير. هذه الأفكار نفسها عادت مجددا فترددت في الكلمة التي ألقاها المدير التنفيذي للمهرجان الأمريكي بيتر سكارليت.
لكن سكارليت أعد فقرة لتسليط الأضواء على المهرجان بالاشتراك مع أحد مقدمي البرامج في التليفزيون المحلي، قام خلالها باستعراض قدراته التمثيلية الفكاهية، لتقديم الأنواع المختلفة من الأفلام التي سيقدمها المهرجان لجمهوره عبر أيامه العشرة، من الفيلم الوثائقي الذي يهتم بالبيئة، إلى أفلام الرعب.
بطبيعة الحال لا يجرؤ مدير أي مهرجان دولي يقام في العالم العربي على القيام بهذا الدور الذي قام به سكارليت، فعادة ما يترك مديرو المهرجانات ذلك النوع من التقديم التمثيلي لأشخاص محترفين من الممثلين أو غيرهم. ولو فعل أي مدير عربي مثلما فعل سكارليت فربما تعرض لهجوم شرس من جانب الصحافة السائدة اتي تميل إلى المحافظة بشكل عام، بل وربما أعفي أيضا من مهمته بدعوى خروجه عن التقاليد (التي يجب أن تكون دائما جادة، متجهمة، رسمية، تعرض أرقاما يتصور المدير- الموظف (في معظم الأحيان) أنه يقدمها لإرضاء الوزير، الذي قد يكون فنانا أو معاديا للفنون!
المهم أن بيتر سكارليت أقر من العام الماضي، هذا المبدأ الذي يخلط بين دور المدير الفني، ورجل الاستعراض، وبين المسؤول المهرجاني، والممثل. ولا أعرف مقدار نجاحه في هذا الدور الأخير، لكن المؤكد أنه أعد للمناسبة بشكل جاد جدا، واستعد لها.
نجح سكارليت العام الماضي في تقديم دورة غير عادية في مستواها، أو متقدمة جدا بنوعية ما عرض من أفلام، كان بينها عدد كبير لافت من أفلام شهدت عرضها العالمي الأول في أبو ظبي، غير أن هذا النجاح لا أظن أنه قادر على تكراره بنفس الدرجة العام الحالي، وذلك استنادا إلى برنامج الأفلام المعلن، وأسماء لجان التحكيم، التي زاد عددها بموجب لجنتين لتحكيم أفلام قسم آفاق جديدة، ومسابقة أفلام من الإمارات.
لاشك أن هناك جهدا كبيرا في الاختيار والمحاولة والتنويع والانفتاح على ثقافات عديدة في الشرق والغرب، لكن أفلام العرض العالمي الأول تكاد تغيب كمثال، عن أفلام المسابقة الرسمية الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، فمعظمها أفلام عرضت في مهرجانات أخرى بل وداخل مسابقات دولية أخرى أيضا مثل "الحفرة" الصيني، و"سيرك كولومبيا" البوسني، وميرال" الأمريكي الفرنسي، و"أرواح صامتة" الروسي، و"مزهرية" الفرنسي (وبالمناسبة الترجمة خاطئة لأن التعبير الفرنسي potiche مقصود به في هذه الحالة تحديدا المرأة المعتدة بنفسها كثيرا التي تتدلل على زوجها وتسبب له المتاعب، ويصلح بالتالي أن نطلق عليه "المرأة المدللة" أو صعبة المراس. لكن ليست هذه هي المشكلة على أي حال.
المشكلة أيضا أن فيلم الافتتاح الأمريكي "سكريتاريا" Secretariat للمخرج راندال والاس، بدأت عروضه الأمريكية بالفعل، أي أن عرضه في افتتاح مهرجان كبير مثل مهرجان أبو ظبي، ليس العرض العالمي الأول، كما أنه ليس من الأفلام التي تظل طويلا في الذاكرة، بل سبق أن شاهدنا عشرات الأفلام المشابهة التي تدور عادة، حول فكرته أي فكرة القدرة الخاصة لـ "الحلم الأمريكي"، فكرة "التحدي"، والرغبة في التفوق، والمنافسة، وتحقيق المستحيل. ولكن بدلا من وجود ملاكم فردي عنيد شرس مثل "روكي" مثلا، هنا امرأة (ربة منزل) تمتلك حصانا تطلق عليه اسما سخيفا هو "سكريتاريا"، وهذه المرأة تحاول أن تثبت لنفسها ولأبنائها كيف يمكنها أن تحقق المستحيل وأن تحعل هذا الحصان يتفوق ويحقق ما لم يحققه أي حصان قبله في الفوز بأهم ثلاثة سباقات في أمريكا، وتحقق بذلك ما عجز والدها الراحل عن تحقيقه، وهو الذي ترك لها تلك الثروة من الخيول والممتلكات التي ترفض أن تتخلى عنها حتى لو كان معنى هذا أن تغامر أو بالأحرى، تقامر وتتعرض لخسارة كل شيء (مرة أخرى، المغامرة فكرة عميقة في الفكر الأمريكي الفردي، يحتفي بها الفيلم كثيرا بل ويمجدها في شخص المرأة التي تبرع ديان لين في أداء دورها أمام جون مالكوفيتش الذي يلعب دور مدرب الخيول المغرم بارتداء قبعات رديئة الذوق، والذي ينجح في تدريب "سكريتاريا" حتى يحقق ما يحققه من تفوق ونجاح مبهر.
أسلوب إخراج الفيلم لا يخرج، عن أسلوب إخراج أفلام الملاكمة أو سباق السيارات أو البطولات الرياضية عموما، التي تدور حول بطل فردي، يسعى لتحقيق ما يتصور الجميع من حوله أنه من المستحيلات، بالعزيمة والإصرار وعدم اليأس، مع مزج "البيزينس" بفكرة التفوق الفردي، والتلويح للمشاهدين بإمكانية تحقيق الحلم الأمريكي اعتمادا على الإرادة والعزيمة، رغم أن الفيلم يدور بالطبع في أوساط طبقة تتمتع بالثراء والجاه.
معظم مشاهد الفيلم في نصفه الثاني وما تنتهي إليه، متوقع سلفا: الهزيمة المريرة، ثم التغلب عليها بالإرادة الحديدية، ومن ثم الفوز الساحق المبهر على الخصم في منافسة لم يتردد سيناريو الفيلم في تشبيهها بالصراع بين اثنين من الملاكمين فعلا.
تبرير بيتر سكارليت لاختياره هذا الفيلم في الافتتاح تبرير لم يتعاطف معه أحد فقد قال إنه يعلم حب الناس في الشرق الأوسط للخيول، وخصوصا في منطقة الخليج، وحماسهم الكبير لها، أو شيئا بهذا المعنى، وهي نظرة نمطية ضيقة للعلاقة بين الناس والسينما في العالم العربي، أو فكرة نمطية تقليدية عن العربي عموما وثقافته "المحدودة".
وعلى أي حال، سوف نتفق ونختلف حول مستوى الكثير من الأفلام في هذا المهرجان، وهو أمر طبيعي، لكن لا خلاف على أن أهم ما يميزه عن سائر المهرجانات التي تقام في المنطقة، ليس فقط جوائزه المالية الضخمة أو الأكبر في العالم (مليون دولار بالتمام والكمال لصناع الأفلام الفائزة أصحاب الخظ السعيد جدا)، بل النصف مليون دولار التي يقدمها الصندوق الخاص الذي أنشأه المهرجان لدعم عدد من المشاريع المتنوعة السينمائية للمخرجين العرب. وهو بلاشك أمر يستحق التقدير والإشادة والاحترام. فهذا مهرجان يحتفي بالسينما بشكل جاد، ليس فقط عن طريق استهلاكها، بل والمساهمة في صنعها وتطويرها أيضا.

السبت، 9 أكتوبر 2010

أضواء على مهرجان أبو ظبي السينمائي الرابع


من فيلم "كارلوس" الفرنسي أحد أفلام المسابقة


يشمل برنامج مهرجان أبوظبي الرابع (14- 23 أكتوبر) خمس مسابقات: مسابقة الأفلام الروائية، ومسابقة الأفلام الوثائقية، ومسابقة تجمع بين الروائي والوثائقي تحت اسم "آفاق جديدة"، ومسابقة للأفلام القصيرة، وأخيرا مسابقة "أفلام من الإمارات".
وإذا كان مفهوما أن تكون هناك مسابقت للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية إلا أنه ليس من المفهوم أن تخصص مسابقة ثانية للأفلام الروائية والوثائقية الطويلة هي مسابقة "آفاق جديدة" فهذه ازدواجية لا معنى لها، بل ولا نظير لها في أي مهرجان نعرفه، وعادة ما تعرض الأفلام التي يرغب المهرجان في تسليط الأضواء عليها، في قسم خاص للتعريف بهذه الأفلام، ولكن ربما يكون اتجاه مهرجان كان منذ عامين إلى تخصيص جائزة لأفضل الافلام في قسم "نظرة ما" هو الدافع وراء هذه المسابقة الجديدة المبتدعة.
المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة تشمل عرض 15 فيلما هي "كارلوس" لأوليفييه أسايس (فرنسا)، و"شيكو وريتا" لثلاثة مخرجين (اسبانيا)، و"سيرك كولومبيا" لدانيش تانوفيتش (البوسنه)، و"الخندق" لوونج بنج (الصين- فرنسا)، و"شتي يادنيا" لبهيج حجيج (لبنان)، و"في عالم أفضل" لسوزان بيير (الدنمارك- السويد)، و"المهمة" لدينيس فلينيف (كندا)، و"حياة سمكة" لماتياس بيز (شيلي)، و"رسائل البحر" لداود عبد السيد (مصر)، و"ميرال" لجوليان شنابل (أمريكا)، و"لا تدعني أذهب" لمارك رومانيك (بريطانيا)، و"أرواح ساكنة" لألكسي فيدروشنكو، و"المراة المدللة" لفرنسوا أوزون (فرنسا)، و"روداج" (أو ترويض) لنضال الدبس (سورية)، و"العنزة العذراء" لمورالي ناير (الهند).

ثلاثة أفلام
ويوجد في المسابقة ثلاثة أفلام فقط من العالم العربي، من مصر وسورية ولبنان، أي خمس أفلام المسابقة وهذا ليس كافيا، وواضح أن مهرجان الدوحة تمكن من الحصول على عدد أكبر من الأفلام العربية الجديدة، وربما فضل السينمائيون التوانسة عرض أفلامهم الجديدة (4 افلام) في مهرجان قرطاج، كما يغيب تمثيل المغرب (التي تنتج 15 فيلما سنويا) علما بأن فيلم "الجامع" لداود أولاد السيد سيشارك في مهرجان الدوحة.
ويغيب عن المسابقة أفلام من تركيا وإيران، أي من الفضاء الطبيعي الاقليمي كما كان في العام الماضي، ربما لأنه المهرجان تخلص من فكرة أنه مخصص لأفلام ما يسمى بـ"الشرق الأوسط" حتى تستبعد تماما فكرة أنه يعتزم فتح الباب أيضا أمام الأفلام الإسرائيلية، ولو لتلك التي تعتبر من الأفلام المتوازنة، في حين يبدو أن مهرجان الدوحة يسير في هذا الاتجاه.
لكن لاشك أن المسابقة تتميز بوجود أفلام مهمة مثل الروسي، والبوسني والاسباني والأمريكي (ميرال) الذي يتوقع أن يثير الكثير من المناقشات أينما يعرض (سيعرض في الدوحة أيضا). وتنوع الأفلام واضح كما هو واضح أيضا الابتعاد عن غلبة الأفلام الغربية والأمريكية تحديدا وكما كانت العادة في الدورتين الأولى والثانية من هذا المهرجان.
وليس مفهوما أن يقبل المهرجان عرض نسخة سينمائية مختصرة كثيرا جدا من الفيلم الفرنسي "كارلوس" الذي شاهدناه في مهرجان كان، في نسخة تصل إلى نحو خمس ساعات ونصف الساعة، وكان يجب أن تعرض النسخة المختصرة (159 دقيقة) خارج المسابقة ضمن البرامج الخاصة.
أما مسابقة الأفلام الوثائقية فتضم 13 فيلما طويلا من الولايات المتحدة والصين والمانيا وهولندا ولبنان والأرجنتين وبريطانيا، ويعرض فيلم جديد للمخرج العراقي لعطية الدراجي ومحمد الدراجي خارج المسابقة.
من لبنان يشارك محمد سويد بفيلم جديد بعنوان "بحبك ياوحش"، وهناك فيلمان عن القضية الفلسطينية هما "أطفال الحجارة.. أطفال الجدار" من ألمانيا، و"وطن" من هولندا. وهناك الفيلم البديع للمخرج الأرجنتيني باتريشيو جوزمان "حنين للضوء" الذي شاهدناه في مهرجان كان، ولاشك أنه درس في السينما الوثائقية من معلم كبير.
وتضم مسابقة الأفلام القصيرة 18 فيلما من ايطاليا وفرنسا وبولندا بلغاريا وألمانيا والسويد وبريطانيا وتونس والجزائر والمكسيك وبولندا وإيران والنرويج واستراليا. وهناك مسابقة أخرى للأفلام القصيرة التي صنعها طلاب معاهد السينما وتشمل عرض 15 فيلما.

ماذا فعلنا بعالمنا؟
وتحت عنوان "ماذا فعلنا بعالمنا" يعرض المهرجان ثلاثة أفلام تسجيلية هي "ملكة الشمس" من أمريكا، و"دموع غزة" من النرويج، و"شيوعيين كنا" من لبنان، والأخير عرضه مخرجه ماهر أبي سمرة العام الماضي في نسخة غير مكتملة.
أما مسابقة "آفاق جديدة" فتشمل عرض 17 فيلما طويلا، ما بين روائي ووثائقي من الأرجنتين وأمريكا (3 أفلام) وإيران (فيلمان) ومصر (فيلمان) وفرنسا ولبنان (فيلمان) وسورية والعراق وباكستان والإمارات وكندا وتركيا.
هنا نجد التوازن العالمي والاقليمي والعربي متحقق في اختيارات الأفلام دون أن تطغى السينما الغربية أو الأمريكية تحديدا كما هو معتاد.
من فيلم "اليازرلي" لقيس الزبيدي

الأفلام العربية المشاركة في هذا القسم هي "داخل.. خارج الغرفة" للمخرجة الشابة دينا حمزة من مصر، و"جلد حي" لفوزي صالح من مصر، والفيلمان من النوع الوثائقي، و"طيب.. خلاص، ياللا" لرانيا عطية ودانييل جارثيا من لبنان، و"مرة أخرى" لجود سعيد من سورية، و"كارانتينا" لعدي رشيد من العراق (وهذا هو فيلمه الثاني)، و"ثوب الشمس" لسعيد سلمان من الإمارات، و"مملكة النساء: عين الحلوة" لدهنا أبو رحمة (لبنان) وهو وثائقي.
وتشمل مسابقة "أفلام من الإمارات" 46 فيلما قصيرا صورت بفضل كاميرا الديجيتال التي تطورت كثيرا خلال السنوات الأخيرة.
ومرة أخرى نجد قسما بعنوان "ماذا فعلنا بعالمنا" يشمل 7 أفلام وثائقية طويلة من استراليا وألمانيا والسويد وفرنسا والمكسيك والبرازيل وبريطانيا.
الأفلام التي تعرض خارج المسابقات تحت عنوان "سلة الأفلام" Showcase  سيشاهد جمهور المهرجان عشرة أفلام منها فيلم "نسخة موثقة" لعباس كياروستامي الذي عرض في مسابقة مهرجان كان الأخير، و"لعبة عادلة" (عن حرب العراق)، وعرض في كان أيضا، و"الغرب هو الغرب" لآندي دو إيموني (بريطانيا)، و"القسم" The Oath للورا بوتراس (أمريكا)، والنساء بطلات" (تسجيلي من فرنسا)، و"ملوك المعجنات" من فرنسا (تسجيلي).

كنوز الأرشيف
ومن أهم أقسام المهرجان قسم يشمل عرض عدد من الأفلام الكلاسيكية التي تم ترميمها مثل "السيرك" لشابلن، و"متروبوليس" لفريتز لانج، و"المومياء" لشادي عبد السلام.
وفي قسم خاص للأفلام التي توصف بـ"التجريبية" يعرض فيلم "اليازرلي" لقيس الزبيدي من عام 1967، و"يد إلهية" و"سجل اختفاء" لإيليا سليمان. ولست واثقا من صحة تصنيف هذه الأفلام الثلاثة على اعتبار أنها من الافلام "التجريبية"، كما أنني وجدت بينها فيلما مصريا جديدا من إنتاج 2009 بعنوان "سياحة داخلية" (62 دقيقة) للمخرجة مها مأمون، يعتمد على لقطات من الأفلام المصرية القديمة.
وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال لم تعلن أسماء لجان التحكيم كما لم تتضح تماما طبيعة النشاط الثقافي الموازي للعروض باستثناء الإعلان عن مؤتمر يقام لمدة 3 أيام (13- 15 أكتوبر) يستضيف عددا من السينمائيين من بلدان مختلفة، ويمزج بين المحاضرات والورشة، ولا يتضح لي تماما الهدف من هذا المؤتمر ولا من الذي سيستفيد منه حقا، ولا حجم الوجود العربي فيه، فالأسماء لاتزال غائبة، لكن من ينتظر سيعرف بكل تاكيد.
من فيلم "الدمية" لريم البيات من السعودية في
مسابقة "أفلام من الإمارات" وهو أمر غير مفهوم
فهل هي أفلام إماراتية كما يقول اسمها أم خليجية؟
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger