لم يعد هذا وقت السينما، بل وقت الثورة، والثورة فقط. الثورة التي ستجتاح العالم العربي كله، من تونس إلى مصر إلى اليمن إلى الجزائر ثم إلى سورية وليبيا.. وهي ليس كما قالوا لنا طويلا وكثيرا، ثورة الماضويين الانعزاليين أو الانتهازيين من رموز ما يسمى بالأحزاب السياسية القديمة التي سقطت في عفن النظام الذي صنعها، بل هي ثورة الجماهير التي يقودها المثقفون الشباب، وهي بهذا المعنى ثورة الشباب الحقيقية الأولى التي تشهدها المنطقة العربية.
ستنتصر ثورة الشباب الواعي على الدهماء والبلطجية واللصوص الذين صنتعهم الأنظمة لكي تستخدمهم ضد الحركة الديمقراطية الوطنية. وستنتصر ثورة الشباب والجماهير بلجانها الشعبية التي بدأت تعيد تنظيم الحياة، تحمي السكان، وتنظم حركة الشارع، لأنها من الناس والى الناس، وبعد ان سقطت كل مؤسسات النظام: الأمنية والسياسية وتلاشت وبعد أن فر من البلاد رموز النهب والفساد الذين يطلقون عليهم رجال الأعمال وهم النهابون واللصوص الكبار الذين لم يجدوا أفضل من اللصوص الصغار لحمايتهم فانقلب عليهم هؤلاء اليوم أيضا واقتحموا قصورهم ومنتجعاتهم.
إن السلب والنهب هو من صنع النظام. لكني على ثقة من أن الشباب الواعي العظيم الذي صنع تلك الثورة العظيمة، سينتصر على الجهل، بل وسيقهر الأوليجاركية والطغمة المستبدة التي لا تريد أن تغادر السلطة ولا أن تسلم القرار للشعب بل وتفضل أن تهدم الدولة وتغتال الشعب، كل الشعب على أن تستسلم لارادته، وهو درس لكل شعوب العالم الثالث لكي لا تراهن أبدا على أن أي طغمة استبدادية مدعومة من الغرب (لكونها تلعق أحذية ربيبة الغرب، اسرائيل ليلا ونهارا) يمكن أن تسلم السلطة طواعية، فلا يمكن لطاغية استمرأ الحكم عشرات السنين، أن يستيقظ من النوم فجأة لكي يعترف بأخطائه ويشفق على شعبه ويعترف بأن هؤلاء الناس يستحقون أن يعيشوا حياة ديمقراطية، وأن يتحرروا. فدروس التاريخ كلها تعلمنا أن مثل هؤلاء الطغاة، لا يرحلون عن مقاعد السلطة سوى بالتضحيات وبتقديم الشهداء وعبر أنهار من دماء الأبرياء بكل اسف.
لكن الدرس الآخر الذي يجب أن يترسخ في أذهاننا جميعا أن الطغاة تصنعهم ايضا أقلام أولئك الذين يروجون لهم في الصحف واجهزة الاعلام وهؤلاء يجب أيضا محاسبتهم ومحاكمتهم وجعلهم أمثولة أمام شعوبهم.. كل الذين تواطأوا أو صمتوا أو روجوا ودافعوا عن الظلم والفساد، وكتبوا في مديحه النظريات الفكرية، وكل المثقفين الذين نافقوا وزينوا الشرور لحكام الاستبداد يجب أن يدفعوا الثمن بعد ان جاء "يوم الحساب".
إن مسؤولية ما يحدث الآن في مصر من فوضى وعنف وتخريب وحرائق، هي أساسا واولا مسؤولية حاكم مستبد فرد، لا يريد أن يغادر إلا على أشلاء شعبه، وهي مسؤولية طغمة زينت له الطغيان، ومسؤولية أجهزة عجزت في النهاية حتى عن حماية نفسها، ومسؤولية مجموعة من المثقفين الانتهازيين الذين تصوروا أن وسيلتهم للصعود والحصول على المنافع تعني التخلي الكامل عن النضال وعن مجرد توجيه النقد إلى أنظمة فاسدة، بل والالتحاق للعمل في خدمتها وتلميع صورتها بشتى الطرق، وهؤلاء لا يجب أن يفلتوا من الحساب في يوم الحساب.. يوم حساب الشعوب.
أريد هنا أن أحيي السينمائيين والفنانين المصريين الذين أدركوا أن وجودهم في وسط شعبهم هو الأصل والأساس وأن التاريخ لن يرحم كل من يبيع ضميره الفني لسلطة غاشمة.
تحية صمود الى خالد الصاوي وخالد النبوي ومحمد دياب واحمد ماهر ومنى زكي وجيهان فاضل وخالد أبو النجا وعمرو واكد وعمرو سلامة وبلال فضل ويسري نصر الله وتامر حبيب وكل الذين يشاركون في انتفاضة الشعب المصري.
0 comments:
إرسال تعليق