أول سؤال يتبادر إلى ذهنك وأنت تشاهد الفيلم اللبناني (من الإنتاج المصري) "دخان بلا نار"للمخرج سمير حبشي هو: إلى أين يقودنا هذا الفيلم الذي تتعاقب لقطاته ومشاهده أمامنا؟
تدور أحداث الفيلم كلها في لبنان وموضوعه هو ما يحدث في لبنان منذ سنوات، من قتل وقتل متبادل وتفجيرات واغتيالات وتصفيات وصراعات بين أجهزة المخابرات الدولية والعربية. لكن "المشكلة اللبنانية" رغم ذلك تائهة في الفيلم.
والسبب أن سيناريو الفيلم يفتقد إلى أهم عنصرين في كتابة السيناريو: الأول عنصر التركيز focusing في تناول الشخصية الرئيسية على الأقل، إن لم يكن باقي الشخصيات الأساسية في الفيلم.
والثاني: الاقتصاد في السرد، أي الاكتفاء بما هو ضروري وما يخدم الموضوع ويطوره، واستبعاد أي شطحات أخرى قد تشتت المتفرج، ولا تخدم الخيط الرئيسي للفيلم بل تبعدنا عنه، وتجعل هناك نوعا من الاستحالة في فهم ما يتعاقب من لقطات وصور على الشاشة.
موضوع الفيلم يدور حول مخرج سينمائي مصري (يقوم بالدور خالد النبوي) يذهب إلى بيروت لكي يكتب سيناريو فيلم روائي عن انتهاك الحريات في العالم العربي. وهناك يفترض أنه يتعرف على الوضع اللبناني.
ولكن ما هو الوضع اللبناني تحديدا الذي يتعرف عليه؟ هنا يكمن الخطأ الأول في الفيلم من حيث البناء أو طريقة السرد، وهو أننا لا نشاهد أحداث الفيلم من وجهة نظر البطل، بل إن معظم ما نراه من وقائع وأحداث: انفجارات، اغتيالات، مشاهد التعديد على الميت، التحكم القبلي والطابع العشائري للصراع، تصفية الحسابات بالسلاح، مطاردة العناصر الرافضة للوجود السوري في لبنان، تآمر أجهزة المخابرات، كل هذه الأحداث مصورة من وجهة نظر "مراقب موضوعي" للأحداث أي من عين المخرج وليس البطل، وبالتالي لا يصبح البطل صاحب العين المحايدة الذي يتفرج على على أن ينمو وعيه بما شاهده في نهاية الفيلم.
تدور أحداث الفيلم كلها في لبنان وموضوعه هو ما يحدث في لبنان منذ سنوات، من قتل وقتل متبادل وتفجيرات واغتيالات وتصفيات وصراعات بين أجهزة المخابرات الدولية والعربية. لكن "المشكلة اللبنانية" رغم ذلك تائهة في الفيلم.
والسبب أن سيناريو الفيلم يفتقد إلى أهم عنصرين في كتابة السيناريو: الأول عنصر التركيز focusing في تناول الشخصية الرئيسية على الأقل، إن لم يكن باقي الشخصيات الأساسية في الفيلم.
والثاني: الاقتصاد في السرد، أي الاكتفاء بما هو ضروري وما يخدم الموضوع ويطوره، واستبعاد أي شطحات أخرى قد تشتت المتفرج، ولا تخدم الخيط الرئيسي للفيلم بل تبعدنا عنه، وتجعل هناك نوعا من الاستحالة في فهم ما يتعاقب من لقطات وصور على الشاشة.
موضوع الفيلم يدور حول مخرج سينمائي مصري (يقوم بالدور خالد النبوي) يذهب إلى بيروت لكي يكتب سيناريو فيلم روائي عن انتهاك الحريات في العالم العربي. وهناك يفترض أنه يتعرف على الوضع اللبناني.
ولكن ما هو الوضع اللبناني تحديدا الذي يتعرف عليه؟ هنا يكمن الخطأ الأول في الفيلم من حيث البناء أو طريقة السرد، وهو أننا لا نشاهد أحداث الفيلم من وجهة نظر البطل، بل إن معظم ما نراه من وقائع وأحداث: انفجارات، اغتيالات، مشاهد التعديد على الميت، التحكم القبلي والطابع العشائري للصراع، تصفية الحسابات بالسلاح، مطاردة العناصر الرافضة للوجود السوري في لبنان، تآمر أجهزة المخابرات، كل هذه الأحداث مصورة من وجهة نظر "مراقب موضوعي" للأحداث أي من عين المخرج وليس البطل، وبالتالي لا يصبح البطل صاحب العين المحايدة الذي يتفرج على على أن ينمو وعيه بما شاهده في نهاية الفيلم.
ثلاثة أشياء
أما ما يفعله البطل فليس أكثر من ثلاثة أشياء لا يبدو أنها تقنعنا بكونه محورا لأي أحداث، وبالتالي تجعل هناك استحالة لأن تأتي النهاية، أي نهاية الفيلم ونهاية البطل، على نحو ما جاءت عليه، وبما يتناقض تماما مع "علم المنطق السينمائي".
إن خالد أولا، يحمل كاميرا فيديو يصور بها أشياء كثيرة بعضها لا يبدو أن له أي قيمة، إلا إذا كان سيستخدمها في صنع فيلم تسجيلي مثلا.
وهو ثانيا: يكتب بانتظام سيناريو الفيلم الذي يعتزم إخراجه، على الورق ويعلقه على جدار الشقة التي يقيم فيها.. ولا ندري ما هي الحكمة في تعليق الأوراق بهذا الشكل إلا إذا كان الغرض أن يتوقف أمامه كل من يدخل إلى شقته ويتساءل في فضول ودهشة: ما هذا؟
الشئ الثالث الذي يمارسه البطل هو العلاقة الحسية المحسوبة ببرود مع صديقته "رنا"، في الوقت الذي يشتهي فيه "يُمنى" التي تحاول إغواءه بالفعل، ويتطلع إلى إقامة علاقة جسدية معها.
أما علاقة خالد بالواقع اللبناني وفهمه له رغم بقائه مدة طويلة نسبيا داخل هذا الواقع فلا تزيد عن معرفة أي شخص ظل في بلده مكتفيا بمشاهدة نشرات الأخبار في التليفزيون، ولم يتكبد مشقة الذهاب للعيش في بيروت لكتابة سيناريو عن القمع كما يصرح في بداية الفيلم.
خارج المنطق
وعندما نقول إن ما تنتهي إليه الشخصية مقطوع الصلة بما تبدو عليه هذه الشخصية طيلة الوقت، وأن هذا بالتالي خارج "المنطق السينمائي، فليس المقصود فرض رؤية أو "طريقة" معينة على المخرج، فمن حقه بكل تأكيد أن يسبح بخياله إلى أي آفاق يرغب، ولكن على شرط أن يكون مقنعا أولا، ومتسقا مع بنائه الفني نفسه ثانيا، فالمنطق إذن هو منطق داخلي، أي من داخل العمل نفسه وليس مفروضا من الخارج.
منطق الفيلم هنا أن "خالد" شخص برئ، لا يعرف الكثير، بل إنه لا يدري عندما يستجوبه رجال المخابرات (الذي يعمل لحساب السوريين) عن أي موكب يتحدثون، وعن أي اطلاق نار.
وعندما يلقى شخص ما مصرعه في انفجار قنبلة يدوية أراد أن يزرعها داخل سيارته بطريقة ما لكي تقيه شر لصوص السيارات، فتنفجر وتحرق السيارة، يكون كل ما يفعله خالد أن يسارع بالكاميرا لتصوير الحريق. ولا ندري بم سيفيده هذا في كتابة سيناريو فيلم روائي عن القمع.
هذه البراءة لا تجعله بأي منطق ينتهي موصوما بأشنع تهمة في العالم، أي تزعم تنظيم تابع لتنظيم القاعدة في لبنان يقوم باغتيال السياسيين، إلا إذا كان غرض صانع الفيلم يتلخص في التعريض بالمخابرات الأمريكية والسخرية منها بطريقة فكاهية. وكان هذا الجانب الفكاهي يستدعي على أي حال، بناء آخر مختلفا، ولغة أخرى شديدة الاختلاف سواء في الإخراج أم في الأداء.
هناك رغبة مؤكدة في تقديم صورة ساخرة للواقع اللبناني الذي غرق لسنوات، وربما لايزال، في لعبة القتل والقتل المضاد، وتصوير سيطرة الروح القبلية والنزوع الدموي للانتقام والعنف، وتدخل الكثير من الجهات الخارجية في الشأن الداخلي اللبناني.
سخرية ناقصة
إلا أن المشكلة أن المخرج سمير حبشي، بكل حسن نيته ودوافعه النبيلة لتقديم فيلم هجائي يستنكر ويدين ما يقع في لبنان، يعتمد كما أشرت، على سيناريو يفتقد التركيز، فبدلا من كشف المزيد من الوقائع والأحداث المرعبة، يتوقف طويلا عند مشاهد "فولكولورية" تمتلئ بالتعديد على الميت، ويمزج بين مشهد البكاء والنحيب على القتيل الذي فقدته الأسرة، ومشهد الولادة والمولود الجديد القادم إلى العالم.
بل يصبح هذا المزج أيضا حرفيا، بكل دلالاته المباشرة الفجة عندما نرى الأم ترفع مولودها في يديها تلوح به وتهتز يمنة ويسرة بينما تنوح على القتيل وسط قطيع من النساء النائحات!
ولا نفهم كيف يمكن أن ينتهي البرئ القادم من الخارج، أي المخرج السينمائي المصري خالد، متهما بالضلوع في تنظيم القاعدة وفي اغتيال شخصية كبيرة (قد تكون رفيق الحريري نفسه) وأن يقبض عليه ويساق إلى معتقل يمكن أن يكون جونتانامو مثلا!
وإذا كانت هذه سخرية هجائية من أجهزة المخابرات، التي يتهمها الفيلم بتلفيق اتهامات وهمية، فكيف يصورها في مشاهد عديدة وهي تمارس التعذيب المنهجي بغرض انتزاع الاعترافات.
أي اعترافات وهي تعرف أن المتهم برئ وأن اتهمة ملفقة، أم أن الغباء بلغ حد أنها يمكن أن تهتم بمراقبة وتعقب شخص مثل خالد يمضى معظم وقته إما في كتابة أوراق لا نعرف ما فيها، أو في اللهو مع حسناوات يتصارعن عليه!
وفي بناء مفكك كهذا، لا يمكنك أن تعرف ما إذا كان البطل الذي يخاطر بحياته من أجل كتابة سيناريو حقيقي صادق عن الواقع اللبناني، مشغولا بالفعل بمعرفة هذا الواقع، أم بالمغامرات النسائية والسهر في النوادي الليلية حيث تتمايل "الحسناء" سيرين عبد النور على الإيقاعات الراقصة، ويرقص هو معها مما يثير غيرة صديقته وغضبها وهجرها له، ثم عودتها، واستجابتها لنداء الغريزة معه، وما ينتج من متاهة ممتدة تبعدنا تماما عن موضوع الفيلم وقضيته وأجوائه.
ومع غياب الخيط القوي الذي يربط الأحداث والشخصيات معا، وغياب السيطرة على الإيقاع العام للفيلم، والوقوع في الاستطرادات والحشو الذي فشل المونتاج في التخلص منه، يصبح أداء خالد النبوي باردا، خاليا من الانفعالات حتى بعد أن يتعرض لأكثر من موقف صعب.
إن "دخان بلا نار" كان بلا شك مشروعا طموحا لفيلم كبير عن المأزق اللبناني، لكنه انتهى إلى مجموعة من المشاهد المتفرقة المفككة، وإلى مضمون يضيع، وسط دخان الغموض الذي يلف الموضوع.
إلا أن المشكلة أن المخرج سمير حبشي، بكل حسن نيته ودوافعه النبيلة لتقديم فيلم هجائي يستنكر ويدين ما يقع في لبنان، يعتمد كما أشرت، على سيناريو يفتقد التركيز، فبدلا من كشف المزيد من الوقائع والأحداث المرعبة، يتوقف طويلا عند مشاهد "فولكولورية" تمتلئ بالتعديد على الميت، ويمزج بين مشهد البكاء والنحيب على القتيل الذي فقدته الأسرة، ومشهد الولادة والمولود الجديد القادم إلى العالم.
بل يصبح هذا المزج أيضا حرفيا، بكل دلالاته المباشرة الفجة عندما نرى الأم ترفع مولودها في يديها تلوح به وتهتز يمنة ويسرة بينما تنوح على القتيل وسط قطيع من النساء النائحات!
ولا نفهم كيف يمكن أن ينتهي البرئ القادم من الخارج، أي المخرج السينمائي المصري خالد، متهما بالضلوع في تنظيم القاعدة وفي اغتيال شخصية كبيرة (قد تكون رفيق الحريري نفسه) وأن يقبض عليه ويساق إلى معتقل يمكن أن يكون جونتانامو مثلا!
وإذا كانت هذه سخرية هجائية من أجهزة المخابرات، التي يتهمها الفيلم بتلفيق اتهامات وهمية، فكيف يصورها في مشاهد عديدة وهي تمارس التعذيب المنهجي بغرض انتزاع الاعترافات.
أي اعترافات وهي تعرف أن المتهم برئ وأن اتهمة ملفقة، أم أن الغباء بلغ حد أنها يمكن أن تهتم بمراقبة وتعقب شخص مثل خالد يمضى معظم وقته إما في كتابة أوراق لا نعرف ما فيها، أو في اللهو مع حسناوات يتصارعن عليه!
وفي بناء مفكك كهذا، لا يمكنك أن تعرف ما إذا كان البطل الذي يخاطر بحياته من أجل كتابة سيناريو حقيقي صادق عن الواقع اللبناني، مشغولا بالفعل بمعرفة هذا الواقع، أم بالمغامرات النسائية والسهر في النوادي الليلية حيث تتمايل "الحسناء" سيرين عبد النور على الإيقاعات الراقصة، ويرقص هو معها مما يثير غيرة صديقته وغضبها وهجرها له، ثم عودتها، واستجابتها لنداء الغريزة معه، وما ينتج من متاهة ممتدة تبعدنا تماما عن موضوع الفيلم وقضيته وأجوائه.
ومع غياب الخيط القوي الذي يربط الأحداث والشخصيات معا، وغياب السيطرة على الإيقاع العام للفيلم، والوقوع في الاستطرادات والحشو الذي فشل المونتاج في التخلص منه، يصبح أداء خالد النبوي باردا، خاليا من الانفعالات حتى بعد أن يتعرض لأكثر من موقف صعب.
إن "دخان بلا نار" كان بلا شك مشروعا طموحا لفيلم كبير عن المأزق اللبناني، لكنه انتهى إلى مجموعة من المشاهد المتفرقة المفككة، وإلى مضمون يضيع، وسط دخان الغموض الذي يلف الموضوع.
0 comments:
إرسال تعليق