الأحد، 31 أغسطس 2008

يوميات فينيسيا 5



هل أفلام المسابقة الرسمية في مهرجان فينيسيا على المستوى الذي يليق بمهرجان دولي كبير؟
هذا هو السؤال الذي يردده نقاد كثيرون حاضرون هنا.
الناقد البريطاني المخضرم ديريك مالكولم كان أمس يحادثني في هذا الموضوع. ديريك أراه يجوب المهرجانات منذ عام 1985، أي منذ أن كان مديرا لدورة واحدة فقط لمهرجان لندن السينمائي، وكانت لي معه صولات وجولات أخذ يذكرني بها أمس وهو الذي فاجأني بأنه تجاوز السادسة والسبعين من العمر.
هو غير راض عن افلام المسابقة، وهناك ناقدة أخرى ألمانية أبدت استياءها من اختيار فيلمين يابانيين من افلام الرسوم داخل المسابقة هذا بالطبع بالاضافة إلى فيلم المخرج تاكيشي كيتانو الذي يهيم به صحفيون سينمائيون (وليس نقادا) في أوروبا ويجدون في أفلامه غرابة وتوحشا طريفا مضحكا يدخل البهجة على قلوبهم.
المخرج الفرنسي الكبير باربيت شرودر الذي أدهشنا جميعا العام الماضي بفيلمه الوثائقي الكبير "محامي الإرهاب" عن المحامي الفرنسي الشهير المثير للجدل جاك فيرجاس الذس دافع عن كل الشخصيات المعروفة من جميلة بوحيرد إلى كلاوس باربي.
شرودر اموجود في فينيسيا حاليا يشارك في المسابقة بفيلم غريب يستوحي فيه أفلام الرعب اليابانية، بل ان الفيلم في معظمه يدور في اليابان وحواره ناطق باليابانية في أجزء كثيرة منه.
فيلم لا يمكن اعتباره خيالي، ولا يمكن قبوله كعمل واقعي، بل هو أقرب إلى اللهو الطفولي
الساذج وهو بعنوان "إنجو: الشيطان في الظلال".
كثير من النقاد انسحبوا، عن حق، من العرض الصحفي للفيلم الذي يسبق العرض العام الرسمي.
أما الفيلم الإيطالي الذي أخرجه مخرج تركي يعيش ويعمل في ايطاليا فهو ميلودراما أخرى من الفواجع الايطالية عن العلاقات الزوجية وبين الآباء والأبناء، وعن الجنون الذي يمكن ان يقود إلى القضاء على الأسرة وتدمير النفس. وأراه لو أن هذا الفيلم راقتبس في فيلم مصري لما فكر أحد من المشرفين على مهرجان فينيسيا حتى بمجرد مشاهدته للاطلاع!
علمت طبعا من مدة أن المخرج مجدي أحمد علي أرسل للمهرجان نسخة للمشاهدة من فيلمه "خلطة فةوية" أراد أن يشترك به في المهرجان، لكن الواضح أن المهرجان رفض الفيلم. والطريف أن الخبر الذي تردد في الصحف العربية نقلا عن بعضها البعض كما هي عادتها السيئة، يقول إن "إلهام شاهين تطالب مهرجان فينيسيا بعرض فيلمها "خلطة " في مسابقته!
ولست أولا متأكدا ما إذا كانت إلهام شاهين سمعت بشئ اسمه مهرجان فينيسيا أصلا، وإذا كانت قد سمعت فلا أظن أن الأمر يعنيها أكثر مما يعنيها مثلا الاشتراك في مهرجان جمعية الفيلم!
الواضح لي أن المهرجان هنا في عهد ماركو موللر (يعتبره بعض العرب صديقا للسينمائيين العرب وهو ليس كذلك!) يرفض أي مشاركة عربية باستثناء الأفلام الممولة من الغرب وخصوصا أفلام المغرب العربي التي يصنعها مخرجون لا يعيشون أصلا في بلادهم، دون أن يعني هذا اي تشكيك في مواهبهم. كان هذا واضحا في اشتراك "الرحلة" قبل 4 سنوات ممثلا المغرب وهو من الانتاج الفرنسي، وفي 2006 "روما ولا انتما" الذي مثل الجزائر (وهو فرنسي مائة بالمائة)، وفيلم "انه حقا عالم رائع" لفوزي بن سعيد وهو مغربي من التمويل الفرنسي بالكامل، و"كسكسي بالسمك" من الانتاج الفرنسي ايضا وإن اعتبرناه تونسيا بحكم جنسية مخرجه والحاصل على جائزة مهمة هنا العام الماضي، وكذلك فيلم يوسف شاهين (البعض يصر على أنه فيلم خالج يوسف فليكن) "هي فوضى" وإن كان شاهين في حد ذاته مؤسسة كاملة رحمه الله.
وهذا العام يعود مخرج "روما..." بفيلم جديد هو بعنوان Gabbla وهي كلمة اجتهدت واخطأت في ترجمتها ويترجمونها في كتالوج المهرجان بالانجليزية Inland فإذا كان أحد يعرف ما معنى هذه الكلمة في اللهجة الجزائرية فليتفضل ليقول لنا لأنني عشت 4 سنوات في الجزائر وفشلت في أن أفهم معناها اللهم أن تكون "قبلا" أو قبل بمعنى مل حخدق في الماضي.. من قبل، فليس ممكنا أن كون المعنى المقصود "قبلة" (للصلاة) أو جبلة (أخت الجبل!).. والله وحده أعلم!

السبت، 30 أغسطس 2008

يوميات فينيسيا 4


أخيرا اعترف المسؤولون عن البينالي وعن مهرجان فينيسيا السينمائي بأن المنشآت الحالية التي يقام عليها المهرجان غير كافية وهي "صالة جراندا" أو القاعة الكبرى التي أقيمت منذ أكثر نحو 70 عاما، وقاعة بيرلا داخل الكازينو الذي كان مكانا لألعاب القمار وضمه المهرجان إلى ممتلكاته ليصبح المقر الصحفي ومقر المؤتمرات الصحفية وقاعة العروض الصحفية بيرلا. وهناك ايضا قاعة قصر الليدو التي تستوعب 1200 مقعد وأقيمت أصلا منذ حوالي 14 سنة بشكل مؤقت وتحسنت حالتها بعد ذلك وإن ظل سقفها وتجهيزاتها تشبه خيمة السيرك الكبيرة. وهناك قاعة قصر البينالي وهي أيضا مجهزة بشكل مؤقت من خيام كبيرة وتتسع لنحو 1600مقعد وهي مخصصة للعروض الجماهيرية. وليس هناك بعد ذلك سوى قاعات صغيرة جدا مثل قاعة بيزانتي وقاعة فولبي (30 و40 مقعدا لعروض الفيديو وما شابه.
والخلاصة أن معظم المنشآت القائمة إما أقيمت بشكل مؤقت مع توسع المهرجان، أو أنها قديمة لم تعد تصلح في العصر الحديث وخصوصا لمهرجان يعتبر نفسه الثاني في الأهمية بعد مهرجان كان.
المجمع الجديد للمهرجان سيكتمل بناؤه عام 2011 مع الدورة الثامنة والستين من المهرجان ومع نهاية الفترة الثاية لادارة ماركو موللر الذي أكمل 4 سنوات العام الماضي وبدأ 4 سنوات أخرى تنتهي مع افتتاح المنشآت الجديدة التي تصادف أيضا الاحتفالات بمرور 150 سنة على الوحدة الايطالية.
وتشمل القاعات الثلاث الجديدة للمجمع 2700 مقعد، وتغطي القاعات وغيرها من المنشآت 3600 متر مربع من الأرض أي بحجم الكوليزيوم الشهير في روما، أو أشهر الآثار الرومانية الباقية.
والمثير أن المهندس الذي تولى تصميم المبنى الجديد لقصر المهرجان هو المهندس رودي ريشيوتي وهو فرنسي من أصل جزائري.
وسيقام القصر الجديد أو المجمع الذي يضم منشآت المهرجان في نفس البقعة التي يوجد فيها حاليا مبنى الكازينو وقاعة صالة جراندا حسب ما أعلن ماركو موللر. وستتكلف أعمال الانشاءات 70 مليون يورو. ويأمل المسؤولون أن يحول القصر الجديد بقاعاته وامكانياته الحديثة جزيرة الليدو إلى ملتقى للمؤتمرات على مدار العام.
المبنى القديم للقاعة الكبرى التي أقيمت عام 1938 سيظل قائما، فلا غنى عنه بعد كل تاريخه الحافل ومكانه في ذاكرة عشرات الآلاف من عشاق السينما الذين يرتادون مهرجان فينيسيا السينمائي منذ سنوات وسنوات.
* أيضا المخرج المتجدد الشباب مانويل دي أوليفييرا (100 سنة) موجود في فينيسيا، يتمتع بصحة جيدة ويدلي بالمقابلات، ويعرض له 3 أفلام قصيرة منها
الفيلم الذي عرض في الافتتاح.

الجمعة، 29 أغسطس 2008

يوميات فينيسيا 3

في فينيسيا لا أثر حتى الآن للنقاد والصحفيين العرب باستثناء عرفان رشيد مراسل "الحياة" الذي يحضر سنويا بحكم اقامته في إيطاليا قريبا من المهرجان.
تردد الكثير من الأقاويل حول هروب أعداد كبيرة من النقاد، الأوروبيين اساسا، إلى مهرجانات أخرى، بسبب الغلاء الفاحش في الليدو خلال فترة المهرجان، فهناك مبالغة شديدة في أسعار الفنادق والمطاعم وكل شئ، بل إن العثور على غرفة في فندق أصبح أمرا أقرب إلى المعجزة. ولا توجد في الليدو مساكن خاصة للاستئجار على نحو ما هو متوفر في "كان" مثلا.
وقد قابلت كثيرا من المشاركين هنا من الذين يقيمون في جزر أخرى مثل جزيرة الميستير، وينتقلون باستخدام القوارب وهو عبء آخر لا أستطيع شخصيا تحمله بحكم اضطراري للعودة إلى الفندق مرتين أو ثلاث مرات خلال النهار بسبب اضطراري لاستقبال المكالمات الهاتفية من الإذاعة (اليوم فقط تحدثت 3 مرات في بي بي سي إكسترا، وعالم الظهيرة، وبرنامج بالانجليزية في قسم غرب أفريقيا).
في الثمانينيات والتسعينيات كان المهرجان يعج بالصحفيين العرب الذين من الواضح أن انهيار في العملات المحلية في بلادهم بسبب الفساد والتسلط الذي لا يريد أن يرحل عن كاهل العباد) أصبح يحول بينهم وبين الذهاب إلى فينيسيا، وتفضيلهم الادخار لكان حين السوق السينمائي التجاري الأوسع الذي بات يستوعب بعض المنتجين من مصر مثل عماد الدين أديب.
كان يأتي إلى هنا قصي درويش وغسان عبد الخالق وسمير فريد وعبد الستار ناجي ومحمد رضا وحسن شاه وعبد النور خليل وعرفان رشيد بالطبع، بل وجاء ذات مرة المذيع في التليفزيون المصري المرحوم عب الرحمن علي. وحتى قبل عامين كان يأتي عز الدين مبروطي الناقد الجزائري، والمخرج الجزائري سعيد ولد خليفة، لكني لم ارهما بعد هذا العام.
لا أعرف طبعا ماذا حدث لهؤلاء الآن. لا أظن أن العملة هي السبب الأساسي لتراجع معظمهم، بل ربما أيضا لأن المهرجان كان يستضيف الجميع ولو لمدة أسبوع واحد على الأقل وأصبح الآن لا يستضيف النقاد فقط بل ويطلب من كل منهم دفع 75 يورو مقابل الحصول على البطاقة الصحفية وكتالوج المهرجان الذي كان يوزع بالمجان!
كان الحضور الصحفي العربي مرتبطا أيضا في الماضي بالاهتمام الأكبر بالسينما العربية الذي انحسر وأصبح يتركز في فيلم واحد (عادة من المغرب العربي ومن التمويل الفرنسي تحديدا).
ليالي فينيسيا مستمرة، وقد شاهدنا أمس الفيلم الإيراني "شيرين" للمخرج الشهير الذي يهيم بعض نقادنا به وهو عباس كياروستامي. اليوم في موقع بي بي سي مقالي عنه متصل بهذه الصفحة. وحاولت فيه أن اعطيه حقه بموضوعية شديدة.. لا أعرف ما اذا كنت قد وفقت.

الخميس، 28 أغسطس 2008

يوميات مهرجان فينيسيا 2


تكريم أولمي والسينما على طريقة منتخبات كرة القدم



هذه الدورة من المهرجان مهداة إلى الراحل الكبير يوسف شاهين. حفل الافتتاح تميز بالبساطة والبعد عن الشكليات.. الرقص والاستعرض السخيف على المسرح على نحو ما تفعل بعض المهرجانات السينمائية الفولكولورية العربية لاخفاء ضعفها في السينما.
قبل فترة قصيرة سألني صديق عزيز عن فيلم شاعري يفيض بالمشاعر من تلك الأفلام التي أطلق عليها أفلاما سماوية أرشحه له لكي يشاهده.
فكرت قليلا ثم سألته: هل شاهدة فيلم "اسطورة السكير المقدس" The Legend of the Holly Drinker لإيرمانو أولمي؟ قال إنه لم يسمع عنه أصلا.
هذا الفيلم العظيم يعود إلى عام 1993. وقد أخرجه المخرج الايطالي "الكبير" – وأنا في الحقيقة لا أستطيع أن أكتفي بوصفه كمخرج سينمائي وإلا لأصبحنا نقول مثلا المخرج صلاح أبو سيف، والمخرج برتولوتشي، والمخرج أحمد رشوان باعتباره انتهى أخيرا من إخراج فيلمه الروائي الأول، وبالتالي لأصبح كلهم مخرجين دون أي تفرقة أو تمييز، علما بأن وصف الكبير، والمعلم، والعظيم موجود في اللغة الانجليزية التي لا يعترف البعض إلا بما يكتب في مطبوعاتها وخصوصا مجلة "فاريتي" التي يعتبرها هذا البعض المرجع الرئيسي لهم. فهذه المجلات تستخدم أوصافا من نوع the great و the legendary و the master في مجال وصفهم لكيروساوا وبيرجمان وجودار وكوبريك مثلا.
أعود إلى الكبير أولمي لأقول إنه كان دائما مخرجا كاثوليكا ممسكا بالمبادئ الدينية دون أن يعني هذا في أي شكل من الأشكال، أنه مخرج تقليدي أو متزمت أو رجعي أو حتى محافظ.. بل هو مخرج مجدد منذ ظهوره.
وقد كان من دواعي سروري الشخصي أن أكتشف أن مهرجان فينيسيا هذا العام كرم هذا السينمائي الايطالي الفذ بأن منحه جائزة الأسد الذهبي عن مجمل انجازه السينمائي.
وقد عرض المهرجان فيلم "أسطورة السكير المقدس" تحية إلى هذا السينمائي العظيم.
وليت صيقي كان معي لمشاهدته لأنه لم يجده على اسطوانات دي في دي فلايزال الفيلم غير متوفر في بريطانيا عن طريق هذه الوسيلة.
طبعا أولمي هو الشخصية الوحيدة المكرمة هنا. وكان من الممكن أن تكون الشخصية السينمائية التي تحظى بالتكريم شخصية غير ايطالية.
لكن المهم انهم هنا لا يلجأون إلى التكريم بالجملة على شاكلة مهرجاناتنا التي أصبحت تكرم حتى ممثلي الدرجة الثانية والثالثة، بدعوى أنهم قدموا الكثير للسينما عبر سنوات عمل طويلة.
وأنا شخصيا لا أجد أن تقديم الكثير من الأفلام التافهة أمرا يستحق التكريم، وإلا لكنا نحتفي بالتفاهة. ولكن قد يسأل سائل عن حق: ولكن أليست التفاهة هي الشعار السائد في حياتنا الآن؟
فالذين يتكلمون عن السينما في محطات التليفزيون المحلية والأرضية والفضائية يغلب عليهم طابع "الأمية" الثقافية. لقد درسوا في جامعات لم تعد تعلم شيئا، وتدربوا على "الكلام" في السينما على طريقة الكلام في كرة القدم. فأنت مثلا مطلوب منك كناقد ليس الاحتفاء بالفيلم الجيد، بل بالفيلم الذي يخرج من بلدك إلى أي مهرجان دولي، كقضية مقدسة، كما لو كان الفيلم المصري يمثل مصر ولا يمثل صاحبه الذي صنعه مثلا!
وطبقا لهذا المنطق أصبح مطلوبا "تشجيع" حتى الأفلام الرديئة كما لوكنا نشجع "المنتخب"!
والموضوع له شجون وإلى اللقاء غدا!

يوميات فينيسيا 1


كم تختلف جزيرة الليدو عما كانت عليه في الشتاء. قمت بزيارة فينيسيا مع أسرتي الصغيرة في فبراير الماضي واصطحبتهم إلى الليدو للوقوف على ما تبدو عليه الجزيرة بعيدا عن أجواء الصخب خلال المهرجان. ولم أكن قد شاهدتها قط في الشتاء. وفوجئت بأنني في جزيرة أشباح.. المطاعم مغلقة، والفنادق معطلة، والمواصلات شحيحة على أرضها، وأبخرة الضباب الكثيف تكاد تحجب الرؤية. طعم الشتاء يسري في كل شئ.
أمس وصلت قادما من لندن، ثم قطعت الطريق من المطار إلى الليدو بالقارب واستغرقت تلك الرحلة 50 دقيقة. درجة الحرارة 29 مئوية مرشحة للارتفاع. وعند وصولي فوجئت بالازدحام الشديد، الذي يجعلك لا تستطيع أن تشق طريقك بسهولة. فهذا زمن المهرجان وزمن المصيف الذي يزدحم بالمصيفين من الايطاليين. شئ شديد الاختلاف.. كل شئ يعمل على مدار الساعة بل إن كثيرا من المحلات والمطاعم أصبح يعمل بدون توقف وليس كما كان الحال في الماضي.
المهرجان نفسه أصبح لحسن الحظ أكثر استرخاء عما كان خلال السنوات الماضي. التفتيش الاليكتروني واليدوي على بوابات الدخول إلى منطقة المهرجان اختفى لحسن الحظ. هناك قاعة كاملة مجددة هي قاعة "بيرلا" مخصصة للصحفيين العاملين في الصحافة اليومية، وهو ما يخفف كثيرا من الزحام على أبواب القاعة التي توفر المشاهدة لكل الصحفيين والضيوف من السينمائيين ومديري المهرجانات.
شاهدت صباح اليوم في عرض الصحافة اليومية فيلم الافتتاح الذي سيعرض مساء اليوم وهو الفيلم الامريكي "إحرق بعد القراءة" للأخوين كوين. سينشر مقالي غدا في موقع بي بي سي المرتبط بهذه الصفحة على اليمين. المقال الأول عن المهرجان بشكل عام منشور في أعلى العمود الأيمن.
يكفي أن أقول إن عشاق الممثل النجم الشهير جورج كلوني سيجدونه بصورة مختلفة كليا عما ألفوه من قبل في هذا الفيلم الذي يضم إلى جانب كلوني كلا من جون مالكوفيتش والممثلة الانجليزية تيلدا سوينتون (التي أجدها ثقيلة الظل جدا وجامدة ولكنها محظوظة) والممثلة المفضلة لدى الأخوين كوين فرانسيس ماكدورماند.
لا حديث عن الفيلم الآن.. سننتظر إلى أن يعرض رسميا في الافتتاح مساء اليوم، لكي ننشر غدا كما أشرت في المربع الأيمن في أعلى العمود الأيمن المرتبط بموقع بي بي سي.
إلى اللقاء.

الأربعاء، 27 أغسطس 2008

حان الآن وقت السينما في فينيسيا



تداعيات وذكريات وحكايات من الماضي

عن الحب والموت والسينما في فينيسيا


بقلم: أمير العمري
amarcord222@gmail.com

مهرجان فينيسيا السينمائي بات على الأبواب الآن (من 27 أغسطس إلى 5 سبتمبر)، وأصبح يتعين علي أن أستعد له، بدراسة البرنامج بدقة، والتأكد من عدم نسيان أي شئ ضروري في رحلة ستستغرق 11 يوما، وتنشيط الدورة الدموية استعدادا للـ "المارثون" اليومي الذي يبدأ عادة في الثامنة صباحا، لمتابعة الأفلام، ولقاء السينمائيين، وحضور المؤتمرات الصحفية، وإعداد رسالة يومية إذاعية أو تليفزيونية، والتعليق الاذاعي اليومي على أحداث المهرجان، وكتابة مقال يومي للموقع الذي أعمل له، وربما أيضا تزويد هذه المدونة بمفكرة يومية، واللهاث من أجل قضاء احتياجات الحياة اليومية وتوفيرها في مكان يصبح من أغلى الأماكن على سطح الأرض.
مهرجان فينيسيا هو الأقدم والأعرق بين المهرجانات السينمائية في العالم، وهو صاحب "الاكتشاف" لفكرة التسابق بين الأفلام من دول مختلفة، ومنح جوائز، وإقامة مؤتمرات لتبادل الأفكار رغم أن مؤسسيه في زمن الفاشية كانوا يرغبون أساسا في جعله قلعة لإبراز تفوق الفن السينمائي في ايطاليا.
هذا المهرجان له عندي مذاق خاص، فقد كان أول المهرجانات السينمائية "الكبيرة" التي ابدأ التردد عليها عام ،1986، وكنت شاهدا على الكثير من المتغيرات التي أحاطت بهذا المهرجان السنوي الذي اطلق عليه مؤسسوه (في عهد الزعيم الفاشيستي بنيتو موسوليني عام 1932) اسم "موسترا" Mostra أي المعرض، فقد عرفت إيطاليا معارض الفن التشكيلي منذ زمن أبعد كثيرا من ظهور السينما نفسها كفن وصناعة. وكان الموسترا ولايزال، جزءا من "البينالي" الدولي للفنون التشكيلية والعمارة الذي يقام كل عامين. وقد تأسس في نفس عام مولد السينما رسميا أي عام 1895.
وللمهرجان عندي أيضا ذكريات كثيرة حميمية، ففي فينيسيا السينما وقعت في الحب، وكدت أقع في إحدى قنواتها، وقضيت أياما أعيش حلما سينمائيا ممتدا حينما كانت فينيسيا حقا مدينة مفتوحة، أي قبل أن يتحول المهرجان إلى قلعة حصينة، فأنت تخضع للتفتيش عند الدخول وعند الخروج من مقر الصحافة، وقاعات العروض، وكل حركتك مراقبة ومحسوبة، ولكنك لا تستطيع أن تتذمر أو تحتج أو حتى تشعر بالضيق في قرارة نفسك، فأنت تعرف جيدا أن هذا كله طبعا بسبب سلوكيات محسوبة على عدد من أبناء جلدتنا بكل أسف والمتباهين بفكرة اختطاف الحقيقة المطلقة!

شئ من التاريخ
لا أعرف السبب الذي حدا بمؤسسي "الموسترا ديلا تشينما" أو معرض السينما، أو مهرجان فينيسيا السينمائي كما نعرفه نحن، إلى إقامته في جزيرة "ليدو" Lido الصغيرة، وليس في قلب الجزيرة الرئيسية قرب ساحة سان ماركو الشهيرة التي تستقطب يوميا آلافا مؤلفة من السياح والزوار.
تاريخ المهرجان يقول إن الدورة الأولى منه عام 1932 أقيمت في قاعة في فندق إكسلسيور في ليدو. والفندق لايزال قائما ويستقبل نجوم السنيما وكبار السينمائيين وكانت به قاعة مخصصة حتى أوائل التسعينيات للعروض والندوات الصحفية التي تعقب عرض الأفلام.
أما أول فيلم عرض في المهرجان وفي اي مهرجان سينمائي في عالمنا فكان فيلم"دكتور جيكل ومستر هايد" الأمريكي للمخرج روبين ماموليان. ولم تكن هناك جوائز رسمية في الدورة الأولى، بل جوائز للجمهور من خلال استفتاءات خاصة.
أما الدورة الثانية فأقيمت بعد عامين، أي عام 1934 ومنح المهرجان جوائز في تلك السنة ولكن الذي منحها كان رئيس البينالي بعد أن تشاور مع عدد من السينمائيين الإيطاليين، أي من دون وجود لجنة تحكيم دولية. وكانت هناك جائزتان فقط لأحسن فيلم أجنبي واحسن فيلم ايطالي.

مع صلاح أبو سيف
وربما يكون سبب اختيار جزيرة الليدو كونها المصيف التقليدي تاريخيا للأرستقراطية الإيطالية، ومكانا رفيع المستوى يتميز بوجود عدد كبير من قصور الأثرياء. وقد صور فيسكونتي العظيم جزءا من فيلمه الشهير "الموت في فينيسيا" Death in Venice (1971) على شاطئ الليدو، وفي ردهات وقاعات فندق دي بان Des Bains، وهو ايضا لايزال قائما على فخامته القديمة الكلاسيكية. وقد جلست في بهو هذا الفندق مع المخرج الكبير الراحل صلاح أبو سيف عام 1986 عندما جاء لعرض فيلمه "البداية"، وكان المهرجان أيضا قد أقام له تكريما خاصا تلك السنة. وقد أجريت مقابلة مسجلة مع أبو سيف عن فيلمه ومسيرته السينمائية عموما، لم ينشر منها سوى الجزء الخاص بفيلم "البداية".
وكان مهرجان فينيسيا في الثمانينيات أكثر انفتاحا على السينما المصرية ورموزها، ربما لأن الكثير من كبار رموز تلك السينما كانوا لايزالون على قيد الحياة، وكانوا يثرون السينما بأعمالهم، وربما لأن مديري المهرجان كانوا أقرب في اهتماماتهم إلينا وإلى السينما العربية عموما: كان هناك في نفس العام 1986 المخرج التونسي الطيب لوحيشي مشاركا بفيلمه "مجنون ليلى".


الموت في فينيسيا
تذكرت وأنا جالس مع أبو سيف فيلم "الموت في فينيسيا" ومشاهده الكلاسيكية وموسيقاه التي تتسلل تحت جلد الصور وتشكل معها سيمفونية بصرية سمعية فريدة ذات مذاق خاص. إنه فيلم من أفلام التأملات الرفيعة، في الحياة والفن والمعاناة من أجل الإبداع، بطله كاتب، ينشد الوصول إلى لحظة الاستنارة، لحظة التجلي التي يخلص فيها لأفكاره، كما يقدم بإخلاص عصارة موهبته وفنه لقارئه. لكن العالم أيضا تغير، لم يعد على ما كان عليه، فقد انتهى قرن وبدأ قرن جديد هو القرن العشرين، انتهى عصر، وبدأ عصر جديد. وعندما تتجلى للكاتب- الفنان لحظة الأمل في عالم أفضل، يكون الوقت قد تأخر، فقد امتدت أصابع الموت من داخل مدينة غارقة في الوباء، مدينة تموت، ويبحث من لم يدركه الوباء بعد ويتمكن منه عن طوق نجاة للخروج من مدينة الموت.
أعتقد أنني شاهدت "الموت في فينيسيا" ما يقرب من سبع عشرة مرة. وكنت في كل مرة أكتشف فيه مناطق جديدة للتأمل. وقد كان هذا الفيلم هو الذي افتتحت به عروض نادي السينما الذي أسسته عندما كنت طالبا في الجامعة في السبعينيات. ولا يستطيع أي عاشق للسينما الحقيقية (وليس لسينما التسالي الأمريكية السريعة الشبيهة بالوجبات السريعة) أن ينسى مشهد موت الكاتب البطل (ديريك بوجارد) على الشاطئ، والصبغة السوداء تسيل على خده بينما تغمض عيناه تدريجيا، وهو مسترخ على أحد مقاعد الشاطئ الطويلة الممددة للخلف.

المشهد يبدأ كالتالي: الصبي الغامض الذي يسحر بطلنا ويتمثل فيه الأخير الحياة بكل براءتها وشقاوتها وحيوتها وغموضها أيضان يسير متجها نحو البحر في صورة شبحية بينما نسمع موسيقى ناعمة حزينة شجية بأوتار آلات الكمان والشتيللو مع البيانو.
الكاتب يجلس على مقعد خشبي قماشي من مقاعد البحر بملابسه الكاملة البيضاء، يلهث شاحب الوجه.. يعاني من اشتداد نوبة المرض عليه.. لقد أصيب على ما يبدو بعدوى الكوليرا الذي انتشر في المدينة..
لقطة قريبة لوجه الكاتب.. العرق يتصبب على جبينه.. الحزن الشديد يكسو وجهه.. ثم ننتقل إلى الصبي وهو يتجه تدريجيا ويغوص في الماء بقدميه.. الموسيقى تصبح أكثر تراجيدية وعنفوانا.. آلات الكمان تطغى عليها..
الكاتب يشتد لهاثه وتقطع أنفاسه.. الصبغة السوداء تسيل على وجهه.. يتوقف الصبي، يتطلع إلى الوراء، إلى الرجل الذي يحتضر.. يشير بيده إلى الأمام. وكأنه ينادي الرجل أن يلحق به نحو الأفق المفتوح..
الكاتب في مقعده يحاول جاهدا النهوض بمشقة.. لكنه لا يقدر.
لقطة بعيدة من وجهة نظر الكاتب للفتى وهو يدخل أكثر في البحر ويتطلع خلفه.. الكاتب ينهار ويسقط ميتا على الشاطئ.
لقطة عامة بعيدة.. شاب يقترب من الكاتب وبمساعدة رجل آخر يحملاه ويتجهان به خارج الرمال، إلى الفندق. الموسيقى تصل إلى الكريشندو بآلات الكمان.. وينتهي الفيلم.

لماذا ليدو؟
انتقل المهرجان عدة مرات، إلى "فينيسيا سان ماركو" لكنه كان يعود دائما ليستقر على شاطئ جزيرة الليدو. ربما لأنها أكثر أمانا، وقدرة على توفير الحماية للضيوف الذين يؤمنون على حياتهم ومجوهراتهم بمئات الملايين من الدولارات. وربما لأن المكان أيضا مفتوح على البحر الكبير مع وجود قنوات صغيرة محدودة جدا، وأيضا لأن الليدو جزيرة فيها شوارع تستوعب السيارات والحافلات، وبالتالي فإن الحركة فيها يمكن أن تكون أسرع مما هي في أزقة وحواري فينيسيا الأخرى. وتظل هذه كلها بالطبع مجرد اجتهادات.
شخصيا أفضل مهرجان فينسيا كثيرا على مهرجان "كان"، رغم أن "كان" ربما يستقطب أفلاما أهم. لكن في فينيسيا أيضا كانت للمهرجان اكتشافاته لسينمائيين أصبحوا فيما بعد من العلامات الكبيرة في تاريخ السينما، فمن ينسى مثلا أن مهرجان فينيسيا هو الذي كشف عن الموهبة الهائلة عند أكيرا كيروساوا الياباني عام 1950 عند عرض فيلمه "راشومون" داخل المسابقة، وهو الفيلم الذي حصل على جائزة الاسد الذهبي، وكانت الجائزة مفتاحا لكيروساوا إلى أوروبا وأمريكا بل والعالم بأسره. وقد شهدت بنفسي بزوغ الموهبة الكبيرة للمخرج الصيني تشانج ييمو (يكتبه كثيرون زانج أو زانغ حسب موقع كل كاتب على خريطة العالم العربي) بفيلمه الكبير "ارفعوا المصابيح الحمراء" Raise the Red Lantern الذي عرض في دورة 1991، أو فيلم "اللعبة الباكية" (1992) The Crying Game للمخرج البريطاني نيل جوردان الذي عرض خارج المسابقة في تلك السنة إلا أنه ذهب بعد ذلك لكي يحصل على 18 جائزة عالمية بينها أوسكار أحسن سيناريو، وبافتا لأحسن فيلم.

بعيدا عن الزحام المجنون
في مهرجان فينيسيا، يتنفس المرء هواء نقيا حقا لأن الأحداث الرئيسية للمهرجان تتركز في بقعة شديدة الجمال تطل على البحر الادرياتيكي المفتوح، بعيدا عن زحام السياح في فينيسيا سان ماركو، وبعيدا عن الزحام المجنون على شاطئ الكروازيت في "كان". وهذا سبب آخر للتمسك بالليدو. وهناك يمكن لنقاد وهواة سينما مثلي، أن يتمكنوا من الدخول إلى قاعات العروض المخصصة للنقاد والصحفيين بدون كل ذلك الهوس والتزاحم والانتظار الطويل في الطوابير كما يحدث في "كان" حسب النظام الطبقي السخيف المطبق هناك. ففي "كان" يصنفون النقاد إلى طبقات، ويمنحون بطاقات ملونة تشير إلى الطبقة التي ينتمي إليها كل منهم (هناك بطاقات ملونة أيضا في فينيسيا لكن بدرجة اخف وأقل عددا ولأسباب منطقية وليست تكريمية فارغة)، فنقاد كان الذي يترددون بانتظام منذ عشرين عاما بدون انقطاع مثلا يحصلون على البطاقة البيضاء (كارت بلانش) التي تتيح لهم الدخول في كل القاعات وفي أي وقت، أما نقاد البطاقة الحمراء بنجمة صفراء فلهم تقريبا نفس الحق فيما عدا أن عليهم انتظار دخول السادة من الطبقة البيضاء أولا. ثم يأتي دور حاملي البطاقة الحمراء بدون نجمة للصحافة اليومية الذين يذهبون أحيانا وينقطعون أحيانا أخرى مثلما في حالتي أنا الذي لا ولاء أبديا عندي لكان خصوصا مع انتشار التقاليع والخزعبلات العربية، ثم يأتي دور البطاقة الزرقاء (للصحافة الأسبوعية والشهرية) ثم الصفراء التي لا أعرف لمن.. ربما لطلاب المعاهد السينمائية. زميل لنا قال ذات مرة مازحا: إنها مخصصة للذين يتعين عليهم الوقوف أمام بوابات الخروج في انتظار أن يروي لهم الخارجون قصة الفيلم.
في "كان" هناك هوس حقيقي يدفع الصحفيين، وهم بالآلاف، إلى المرابطة أمام قاعة عروض الصحافة المسماة دي بوسيي على إسم موسيقار فرنسي شهير (وهي قاعة صغيرة ورديئة ومتخلفة لم يدخلها تغيير منذ سنوات طويلة، ولم يعد يصلح لها أي تحديث بسبب تكوينها المعماري البشع، فعرضها أكبر من طولها، ولها زاوية منحنية بطريقة تجعل المشاهدة غير مريحة، فضلا عن سقفها المحلق فوق رأسك مباشرة والذي هو أرضية الطابق العلوي، مما يسبب لك الاختناق.
يتعين عليك الوقوف من 30 إلى 60 دقيقة قبل بدء العرض لكي تضمن لك مكانا في الداخل.. ويتعين عليك بالطبع أن تننتظر دورد في السلم الطبقي الذي لا أساس له في أحيان كثيرة إلا أن تكون من الكاتبين بالفرنسية، فلك بالطبع الأفضلية حتى ولو كانت علاقتك بالمهرجان قريبة لم تبدأ سوى منذ سنتين أو ثلاث.

فيلليني مع زوجته جوليتا مازيني عندما عرض "لاسترادا" في المهرجان
اللهاث وراء النجوم
عموما المناخ العام في فينسيا أفضل كثيرا.. البشر أهدأ.. الطابع الفني للمهرجان يغلب على الطابع التجاري والتسويق والاستعراضات التافهة وحفلات الكوكتيل البازخة التي أصبح حتى العرب من "محدثي السينما" ينفقون عليها الملايين، من أجل الدعاية لحلاوة وجمال مهرجاناتهم التي أصبحت حاليا "موضة" يتنافسون على اقتنائها، بعد أن كنا نكافح من أجل إقناع مطبوعاتهم العديدة بتخصيص مساحة ولو محدودة للكتابة الجادة في النقد السينمائي، وكانوا وربما مازالوا، يفضلون الكتابة عن أخبار النجوم والمقالات المسلوقة مع الممثلين والممثلات. وشخصيا أعرف صحفيا من أولئك الذين كانوا يترددون على المهرجانات السينمائية الدولية كثيرا، كان يترجم مقابلات مع النجوم وينتهز أي فرصة لالتقاط صورة له مع هذا النجم أم تلك النجمة، ثم ينشر المقابلة المترجمة على اعتبار أنه انتزعها انتزاعا من بين أنياب الأسد، ناسيا أننا نعرف أن كبارالنجوم يستقبلون الصحفيين عادة في افواج، أي كمجموعة مكونة من 9 أو 10 صحفيين، لا يسمح للواحد منهم بتوجيه أكثر من سؤال أو سؤالين على الأكثر!
سأتوقف الآن.. لن أتكلم عن الأفلام المعروضة في الدورة الخامسة والستين للمهرجان وهي كثيرة ومتنوعة، ولكن التغطية اليومية للمهرجان بأحداثه وأفلامه ستتبدأ في الظهور تباعا في موقع بي بي سي على الأقل اعتبارا من الأربعاء.

صورة شخصية في فينيسيا 1996

الأحد، 24 أغسطس 2008

كلاسيكيات معاصرة: "إمبراطورية الحواس"


الجنس كتعبير عن رفض الواقع


عندما عرض فيلم "إمبراطورية الحواس" للمخرج الياباني ناجيزا أوشيما Oshima للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي عام 1976، انقسمت الآراء حوله كما لم يحدث من قبل بالنسبة لأي فيلم. البعض اعتبره مجرد عمل مثير للغرائز وبالتالي للاشمئزاز والنفور والغضب، وفيلما من الأفلام الجنسية الإباحية أو ما يعرف بـ "الأفلام الزرقاء" (أو البورنوجرافيا) pornography. والبعض الآخر اعتبره تحفة سينمائية وقصيدة بصرية بليغة حول البحث المطلق في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، والتأمل في جوهر وطبيعة العلاقة الحميمية الحسية كمعادل للوجود الإنساني نفسه أو ربما كتجسيد له.
منذ ذلك الحين برز اسم المخرج ناجيزا أوشيما على خريطة السينما العالمية، واعتبر أكثر السينمائيين اليابانيين تحررا في الفكر والصياغة الدرامية والقدرة على اقتحام المواضيع الصعبة وسبر أغوار الجوانب المسكوت عنها.
إلا أن "إمبراطورية الحواس" The Empire of Senses واجه مصاعب عدة مع الرقابة في الولايات المتحدة وبريطانيا رغم التصريح بعرضه دون مشاكل في فرنسا. وبمجرد وصول نسخة الفيلم إلى الولايات المتحدة، قام ضباط الجمارك بمصادرتها على الفور باعتبار أن الفيلم يتضمن تصويرا فاحشا اعتبر – على نحو ما- عملا منافيا للآداب العامة. وتكرر الأمر نفسه في بريطانيا.

في مملكة الحواس
هنا قام الطرف الفرنسي في الإنتاج بإعادة تصدير الفيلم إلى بريطانيا مرة أخرى بعد تغيير اسمه إلى "في مملكة الحواس" In the Realm of the Senses
ومنحت الرقابة البريطانية الفيلم تصريحا مقيدا يقضي بقصر عرض الفيلم على نوادي السينما ودور الفن والتجربة بعد أن حصل على علامة "إكس" المزدوجة التي لا تمنح عادة إلا لأفلام "البورنوجرافيا". ولم يعرض الفيلم بالتالي إلا في دارين لعروض الفن والتجربة في العاصمة البريطانية هما "سكالا" و"جيت نوتنج هيل". وكلاهما اليوم لم يعد له وجود مع زحف قيم أخرى ومفاهيم أخرى في السينما.
وبعد نحو خمسة عشر عاما من ظهوره سمحت الرقابة البريطانية (أي عام 1991) بعرض الفيلم عروضا عامة في دور العرض التجارية على نطاق واسع، ولكن نسخة الفيديو من هذا الفيلم ثم الدي في دي أو الاسطوانات الرقمية كان عليها أن تنتظر إلى ما بعد بداية األفية الثالثة لكي تصل إلى البيوت.
شاهدت هذا الفيلم للمرة الأولى في العاصمة الفرنسية عام 1981، وبهرني الفيلم، ليس فقط بجرأته الشديدة واقتحامه لخفايا وأسرار عالم قائم بذاته هو عالم الجسد، بل أيضا لأسباب تعود إلى التقنية العالية لمخرجه، وللأداء التمثيلي المقنع بشكل مدهش لبطليه، وكأنهما ارتبطا معا بالفعل بعلاقة عاطفية مشبوبة، خاصة أن الفيلم يعتمد اعتمادا رئيسيا على أداء البطلين ومناجاتهما الحارة وظهورهما معا في لقطات حب طويلة وتفصيلية.
وعدت لمشاهدة الفيلم مرة أخرى في عرض خاص نظمته الشركة البريطانية التي اشترت حقوق توزيعه في بريطانيا وهي معهد الفيلم البريطاني أو مؤسسة السينما البريطانية British Film Institute المدعومة من مجلس الفنون أي من المؤسسة الرسمية التي تعنى بشؤون التنشيط السينمائي من الناحية الثقافية. إذن فقد حصل الفيلم على اعتراف مؤكد من قبل أرقى هيئة سينمائية بريطانية، واعتبر عملا فنيا ذا قيمة طليعية وتجريبية.. ثم عدت لمشاهدته بعد ان صدر قبل سنوات في اسطوانة رقمية. ولكن ما الذي حدث أصلا وسبب كل ما سببه من متاعب للفيلم وصاحبه؟

عودة إلى الماضي
ربما يكون مناسبا العودة إلى الفترة التي شهدت ظهور الفيلم للمرة الأولى لكي نضعه في السياق التاريخي الصحيح لتطور التعبير السينمائي البصري في حينه.

كانت فترة منتصف السبعينيات فترة حافلة بأعمال فنية قطعت شوطا طويلا في استخدام الجنس صراحة، فقد اعتبرته محورا رئيسيا للعمل الفني، وصورته بجرأة تجاوزت كل ما كان مسموحا به من قبل. وكان هذا بالطبع محصلة للطفرة التي تحققت بفضل ما عرف في الستينيات بـ"الثورة الجنسية".
ولازلت أذكر الدراسة التي نشرها د. لويس عوض في صحيفة "الأهرام" وتحديدا في ملحقها الأدبي، عن مسرحية "هير" أي الشعر، وقت أن كانت للملاحق الأدبية سمعة محترمة، وقبل انهيار الأهرام نفسه مع انهيار الفكر السياسي على صعيد النخبة المستاثرة على الساحة وليس على صعيد النخب المهمشة التي تحتفظ بحيويتها طيلة الوقت.
وكانت تلك المسرحية تعتمد على ما يطلق عليه البعض الآن "مسرح الكباريه السياسي". وكانت تعبر – على نحو ما – عن غضب واحتجاج الشباب الأمريكي وإحساسه بالاغتراب، على خلفية الحرب التي كانت لا تزال مشتعلة في فيتنام. وكان التحرر قد وصل إلى أقصاه في تلك المسرحية: ممثلون يؤدون لأول مرة ربما في تاريخ المسرح- رقصات وهم عراة تماما، ويتخذون أوضاعا جنسية مباشرة. بعدها ظهرت مسرحية أخرى على خشبة المسرح الإنجليزي يمارس فيها البطلان – الممثل والممثلة – وهما هنا يلعبان دوري زوج وزوجة- الجنس صراحة كل ليلة على خشبة المسرح أمام الجمهور مباشرة.
ثم كان ظهور فيلم "التانجو الأخير في باريس" Last Tango in Paris للمخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي عام 1973 بمثابة صدمة كبرى للأوساط الرقابية والسينمائية. وقد ثارت حول هذا الفيلم ضجة هائلة، وأثار عروضه أصداء واسعة وقضايا متشابكة، فقد منع لفترة في معظم العواصم الأوروبية، بل ووصل الأمر إلى حد صدور حكم قضائي في روما بسجن مخرجه بتهمة المشاركة في صنع عمل يدعو إلى الانحلال.
وعادت الضجة مرة أخرى عندما قدم الإيطالي بيير باولو بازوليني فيلم "سالو" Salo (أو 120 يوما في حياة سادوم) الذي كان بالمناسبة آخر ما يخرجه من أفلام. وجاء "سالو" متجاوزا كل الحدود المعروفة والمألوفة، فقد كان بازوليني يصور فيه بجرأة وبأسلوب فني متميز وخلاق، العلاقة بين العنف الفاشي المجنون والشذوذ الجنسي، ليس بمعناه المثلي البسيط، بل بمعنى الإغراق في أكثر أنواع الجنس سادية ودموية عنيفة تصل إلى الحيوانية والبدائية المطلقة التي تذكرنا بفترة الانحطاط الأخيرة في عصر الإمبراطورية الرومانية. كان هناك بالطبع ربط مباشر وواضح – لمن يريد أن يقرأ بصريا ويدرك- بين دموية المنهج السياسي المعادي للإنسان، وبين الممارسات السلوكية الفردية التي يتحول خلالها الفرد إلى عضة في قطيع همجي يمارس كل ما يمكن تخيله من جرائم وبشاعات: من اغتصاب وقتل وقطع للأثداء وتمثيل بالأعضاء الجنسية وإرغام الآخرين الضحايا على أكل البراز وغير ذلك.
الفاشيون في إيطاليا – وهم ما زالوا موجودين حتى يومنا هذا – فهموا الرسالة بالطبع. ولم يكن غريبا أن يتربصوا بالفيلم ومخرجه، يقيمون الدنيا من حوله حتى قبل أن ينتهي مخرجه من إخراجه. وعلى إثر ذلك فقد بازوليني حياته في حادث بشع لا يزال البعض يرى من وراءه أصابع الفاشية.
كان "سالو" يعتمد على إعادة تجسيد أحداث حقيقية وقعت في الشمال الإيطالي قبيل اكتمال عملية تحرير البلاد في نهاية الحرب العالمية الثانية، في آخر معاقل الفاشية الإيطالية المهزومة.
ناجيزا أزشيما ومساعده وبطلا فيلمه "جوباتو"

أجواء الفاشية
أجواء الحرب وصعود الفاشية في اليابان ربما كان أيضا وراء ظهور فيلم "إمبراطورية الحواس" الذي يعتمد – شأن "سالو" – على حادثة حقيقية وقعت في طوكيو عام 1936 قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة.
تبدأ تلك الحادثة بقيام رجال الشرطة بالقبض على بائعة هوى قتلت عشيقها بطريقة وحشية عن طريق تجريده بقسوة من عضوه التناسلي، ثم هامت على وجهها في الشوارع وهي تحمل عضو الرجل الذكري. ووراء المرأة قصة هي التي يرويها أوشيما في فيلمه برصانة كبيرة، ويجعل عشرات المشاعر والتساؤلات تجول بخاطرك وأنت تشاهد فصولها المتعاقبة.
يبدأ الفيلم بامرأة شابة من بائعات الهوى تدعى "سادا" تهجر مهنتها وتلتحق بالخدمة في أحد منازل السادة في طوكيو. المنزل يملكه رجل متزوج حديثا، والخادمة واحدة من خادمات مثيرات غيرها يسهرن على شؤون المنزل وخدمة سيده الذي يعشق فيما يبدو، حياة اللهو الاسترخاء والكسل.
تقوم زوجته كل صباح بمساعدته على الاستحمام، ويمارس الإثنان الحب معا، برغم النظرات المتلصصة للخادمات الفضوليات من فرجة الباب ومعهن "سادا" التي تتفتح شهيتها الجنسية تجاه سيدها الشاب القوي، إلا أنه لا يبدو مدركا لوجودها. وذات يوم تقع مشاجرة عنيفة في المطبخ بين ربة البيت وسادا التي تصل في تهورها وحنقها إلى حد تهديد سيدتها بالسكين. ف يتلك اللحظة يصل الزوج وتلفت سادا نظره، بتوحشها وجمالها الفائق وفورانها الطبيعي، وسرعان ما تبدأ بين الاثنين علاقة حسية أو علاقة عشق ملتهب لا يعرف قيودا، تصبح علاقة شبه معلنة يعرف بها كل سكان المنزل.
الرجل – ويدعى "كيشي" – يكاد يصبح متفرغا لشؤون الحب والهوى، والمرأة من ناحيتها ترغب في الاستيلاء عليه استيلاء تاما كاملا غير منقوص، فهي تحظر عليه أن يقرب زوجته، تريد أن يكون معها ليلا ونهارا.

مفهوم الحب
ويستمر الإثنان في ممارسة الحب الحسي الجارف بكل صنوفه وأشكاله الممكنة وغير الممكنة. وأثناء ذلك يدور حوار طويل ممتد عبر الفيلم بأكمله، عن مغزى الرغبة وعن مفهوم الحب، عن معنى الألم وعلاقته باللذة، وعن الجاذبية الطبيعية بين الرجل والمرأة. تتفنن المرأة في ابتكار صور وأشكال الحب والجنس، وتكتشف باستمتاع خاص العلاقة بين اللذة والألم، وبين الجنس والسيطرة القدرة على تحطيم الحاجز القائم تاريخيا بين الطبقات.
يقضي العشيقان ليلة معا في أحد بيوت المتعة حيث تلحق بهما إحدى فتيات الجيشا، ثم تحضر مغنية عجوز تجلس أمام العشيقين، تغني وتعزف على آلة وترية شبيهة بالعود فيما العشيقان يمارسان الجنس أمامها، ثم يدور حوار غريب بين سادا والمغنية:
- كيف ترين هذا الرجل؟
- أجده جذابا شابا وسيما.
- كم عمرك؟
- ثمانية وستون عاما.
- هل تشعرين بالرغبة وأنت في هذه السن؟
- مشاهدة الشباب تغوي المرء!
- هل تريدين مضاجعته؟
- نعم.. ولكن...

من المشهد الأخير في "امبراطورية الحواس"

تتردد المرأة برهة، تتطلع بنوع من الاشتهاء إلى جسد الرجل العاري، وعلى الفور ينهض الرجل يجذبها ويمارس معها الجنس أمام سادا التي تراقب بانبهار ما يحدث، تكتشف على ما يبدو ألغازا كانت خافية عليها من خفايا عالم الجسد.تبتكر سادا فيما بعد طريقة شاذة للحصول على أقصى إحساس بالمتعة عن طريق المزج بين الجنس والألم، فهي تستخدم حبلا رقيقا تخنق به رقبة حبيبها أثناء ممارسة الجنس. يقول الرجل لها إنه لا يمانع طالما أن هذا يدخل السعادة على نفسها، لكنها تغضب وتلح عليه أن يغمض عينيه ويندمج مع الفكرة ومع الإحساس بها وأن يشعر بما تشعر به من لذة. يوافقها الرجل الذي يشعر بالانجذاب الشديد إليها ولا يمانع في إرضائها بأي شكل.
تدريجيا تتسلل إلى نفس سادا رغبة واضحة في الامتلاك.. امتلاك الرجل والسيطرة المطلقة عليه. إنها تغار من مجرد أنه يفكر في الرغبة في الحصول على قسط من الراحة بين أشواط المطارحات الجسدية التي لا تنتهي ولا تتوقف إلا لكي تبدأ مجددا. يريد هو أن يذهب لقضاء حاجته، لكنها لا تريد أن تمكنه من ذلك، فقد سيطرت عليها الرغبة سيطرة كاملة وأصبحت أسيرة لفكرة الانتحار في الآخر ومع الآخر، تريده أن يمتلكها كما تريد امتلاكه، ليس تحقيقا لتطلعات مادية أو شخصية بل فقط من أجل استمرار اللذة حتى النهاية.. نهاية الحياة المرتبطة بنهاية اللذة!
يسقط الرجل في النهاية فريسة للإرهاق الطبيعي. يسترخي يحاول أن ينال قسطا من الراحة. إلا أن سادا تواصل خنقه بالحبل لعلها توقظ فيه الرغبة مرة أخرى. تكاد تخنقه وهي تشدد من ضغطها على الحبل في إلحاح لإعادة الرغبة إليه. إلا أن الرجل يصل إلى ذروة الإجهاد فيستغرق في النوم. ينتهي الأمر بقيامها بتنفيذ رغبتها الراسخة المبيتة في امتلاكه إلى الأبد، فتقوم بطريقة وحشية بإخصائه باستخدام سكين، في مشهد صادم للعين.

الخوف من الموت
الموضوع الذي يطرحه أوشيما في "إمبراطورية الحواس" هو موضوع الجنس، ليس في حد ذاته، بل في ارتباط الحب بالجنس، اللذة بالألم، الألم بالسيطرة وبشهوة تحقيق التسيد إخفاء لضعف طبيعي يرتبط بالخوف من المستقبل، من النهاية أي من لحظة تنتهي فيها اللذة إلى الأبد ولا يمكن استعادتها كمعادل الموت. إنه الخوف من الموت، هو الموضوع الذي يشغل مخرجنا هنا. إنه نوع من البحث الصوفي المعذب عن الخلود، عن تخليد اللحظة، وعن مغزى الوجود من خلال العلاقة الحميمية اللصيقة مع الآخر.
أما على المستوى الأكثر شمولية يتعامل الفيلم مع الشخصية اليابانية لكي يجسد من خلالها حالة الفراغ المطلق والخوف من المجهول التي كانت تسيطر عليها قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، أي خلال فترة القلق فيما بين الحربين، وهي نفسها فترة قمع: اجتماعي ونفسي وجسدي مع صعود الفاشية التي تلغي الفرد لحساب الكتلة الصماء للمجموع.
إنه يعكس بوضوح رغبة عارمة في إغماض العين عما يحدث في الخارج (نحن مثلا لا نعرف اي شئ عما يجري خارج المنزل)، في الهروب من الواقع الكئيب الذي يتجه حثيثا نحو الحرب، ويجعلنا نتساءل: كيف يمكن لتلك التركيبة الرقيقة المعذبة بفكرة البحث عن اللذة أن تتجه إلى انكار الفرد تماما ودفعه دفعا إلى الذوبان وسط المجموع حسب الأفكار الفاشية التي لا ترى إلا أن الفرد ترس صغير في آلة الدولة، ولا تبالي بالتضحية به في سبيل بقاء الدولة.
إن الجنس في "امبراطورية الحواس" معادل موضوعي للتمرد، لرفض القيم السائدة الجامدة المتشنجة، والعاوى القومية الفاشية التي تطالب المرء بل ترغمه، على الذوبان في المجموع، أي ان يتحول إلى جزء من "قطيع" مدفوع بهاجس واحد فقط: خدمة الامبراطور الذي يعتبر إلها في اليابان، والامبراطور رمز لا يراه أحد، أماالمقصود فهو خدمة مؤسسة الدولة: التي ترغب في السيطرة والقهر والتوسع والتمدد الخارجي وإعادة صياغة إنسان جديد يتخلص من المشاعر الفردية، ويذوب في "الخف" الأكبر من جسده كثيرا، أي في جسد الأمة.
ولعل هذه النغمة حول العلاقة المعقدة بين الفرد وتطلعاته الذاتية ومشاعره من ناحية، وبين كونه جزءا من قطيع يمارس وظيفة "مبرمجة" هو الموضوع الذي مده أوشيما على استقامته في فيلمه المهم "عيد ميلاد سعيد يامستر لورنس" (1982).
ورغم الصدمة والقسوة إلا أن الفيلم يبدو عملا شاعريا يذوب فيه المجازي مع الواقعي، المتخيل مع المعاد تجسيده من الخيال، في بناء شديد التركيب رغم بساطته الظاهرية، وهذه هي عظمة العمل الفني الأصيل.

الهرب إلى الطبيعة
الهرب إلى الجسد هو ما يميز "إمبراطورية الحواس"، والاعتداء القاسي على العين، أي صدم المشاهدين بمشاهد لم يكن يمكن تخيل أن توجد في فيلم "جاد" من قبل ربما يذكرنا بفيلم آخر مثير للشجن كان أيضا نتاجا لثقافة الستينيات هو الفيلم السويدي الجميل "إلفيرا ماديغان" Elvira Madigan (1967) للمخرج بو فيدربرغ الذي يصور كيف يهجر ضابط في زوجته وأبناءه والخدمة العسكرية ويهرب مع فتاة سيرك، يتركان العالم الحديث في المدينة بأسره ويندمجان وسط الطبيعة في الريف، يمارسان الحب ويأكلان ما تجود به الطبيعة احتجاجا على القيم المتزمتة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر.

من فيلم "عيد ميلاد سعيد يامستر لورنس"

"موضوع "إمبراطورية الحواس" حاول أوشيما أن يمده على استقامته فيما بعد في فيلمه التالي "إمبراطورية العواطف" (1978) إلا أنه لم ينجح تماما شأن كل صناع "الاستكمالات الفنية"، ثم اتجه إلى محاولة سبر أغوار العلاقة المستحيلة المستغلقة بين التكوين النفسي الياباني، بعنفه الكامن وهواجسه الجنسية الخفية التي قد تتحول إلى طاقة مدمرة وولعه بالعمل وسط المجموع، والتكوين الغربي بحساسيته الخاصة: برودته وفرديته واعتزازه بنفسه، وذلك في فيلمه الأهم "كريسماس سعيد يا مستر لورنس" Merry Christmas Mr Lawrance.
والجنس في "امبراطورية الحواس" ايضا معادل للهروب من مواجهة ما يحدث في الخارج: خارج المنزل، وخارج الحي، بل وخارج اليابان. ففيلم أوشيما الجرئ هو نتاج مباشر أيضا – على الصعيد الياباني – لثقافة وفكر الستينيات، ثقافة التمرد على المجتمع بشتى أشكاله وصوره. هذا التمرد يتمثل هنا في الهرب والعزلة عن المجتمع، الإثنان يغلقان الباب عليهما بعيدا عن الخارج الذي لا نراه كثيرا، ويندمجان في لعبة اللذة والبحث عن مغزى لوجودهما الفردي من خلال إغماض العين عما يقع في العالم. إنه التمرد في أجلى معانيه.
"إمبراطورية الحواس" أخيرا فيلم قد يصدم الكثيرين من الذين لم يعتادوا ذلك النوع من التصوير الصريح الظاهر مع رسالة باطنية تحت جلد الصورة، من خلال خطاب بصري شديد الاقتحام والجرأة، إلا أنه يظل أحد الأفلام الأساسية التي يتعين على كل عشاق السينما مشاهدتها لمعرفة كيف تطور هذا الفن واكتسب لنفسه مساحة حيث يستطيع أن يجترئ على المحظور!

السبت، 23 أغسطس 2008

السينمائيون الشباب يكشفون الوجه القبيح للرقابة


الرقيب علي أبو شادي كما يظهر على ملصق الفيلم


من يخاف من السيد الرقيب؟

(شاهد الفيلم بالفيديو في نهاية هذا الموضوع)

محمد مخلوف صحفي ومخرج وناشط سينمائي ليبي مقيم في لندن، لكنه لا يهدأ له بال، ينتقل من مكان إلى آخر،ومن بلد إلى بلد، يبحث وينقب عن مواضيع ساخنة، ينفق من ماله الخاص على إنتاج أفلامه القصيرة التي يخرجها، ويبحث بعد ذلك عن جهة يمكن ان تعرضها.
إنه عاشق حقيقي لثقافة الصورة إذا جاز التعبير، فأفلام مخلوف وتجاربه البصرية العديدة تأتي أساسا نتاجا لكاميرا الديجيتال الصغيرة. وهو يعتبر نفسه على نحو ما، ابن السينما المستقلة، ويرتبط بعلاقات عديدة مع السينمائيين المصريين ابناء هذه الحركة الجديدة التي لم تنل حقها بعد من الدراسة والفحص. ومخلوف هو أيضا مؤسس ومدير أول مهرجان للسينما المستقلة، في لندن ثم في الدوحة.
أحدث أفلام مخلوف التسجيلية فيلم (10 دقائق) يحمل عنوانا مثيرا هو "من يخاف من الرقيب" متمثلا عنوان مسرحية إدوارد ألبي "من يخاف من فيرجينيا وولف"؟

صراع ممتد
هذا الفيلم يصور الصراع القائم والممتد بين السينمائيين من جهة، والرقابة على السينما من جهة أخرى. هذه المرة يتركز الموضوع على جيل جديد من السينمائيين الشبان المستقلين عن المؤسسات الكبيرة وعن التليفزيون المصري الرسمي، يحاولون تلمس طريقهم بوحي من المساحة الواسعة للحرية التي أصبحت متوفرة اليوم، ليس فقط مع ظهور وانتشار كاميرا الديجيتال، بل من خلال الانترنت وأفلام الموبيل وغير ذلك من الوسائل التي يسعى الشباب من خلالها إلى التعبير عن رؤاهم ومواقفهم، وهي ظاهرة لو كانت في أي مجتمع راشد عاقل، لاعتبرها ظاهرة شديدة الصحية والإيجابية لأن هؤلاء الشباب هم الذين سيتولون المسؤولية في المستقبل، وكونهم مهمومون بقضايا الواقع ومشاكله والتعبير عنها، فهذا يثبت انتماءهم ورغبتهم في رؤية الواقع يتطور وينضج ويتجه نحو آفاق اكثر رحابة في الحريات.
لكن هناك ذلك البطل اللابطل، واقف لهم بالمرصاد.. إنه الرقيب الذي يجعله محمد مخلوف بطلا لفيلمه، ربما على سبيل المحاكمة. فالفيلم يضع الرقيب علي أبو شادي في مواجهة هؤلاء الشباب، ويعتمد على الشهادات المباشرة المنطلقة من قلب الحدث والواقع والصورة تشهد تماما على ذلك. المخرج أحمد رشوان يتكلم عن المشاكل الأمنية التي يتعرض لها بينما نراه لحظة تصويره فيلمه الروائي الطويل الأول "البصرة" في الشوارع، ورجال الشرطة حوله ووراءه.

المخرج محمد مخلوف

الرقيب الناقد
اما السيد الرقيب الذي لا يكف ليلا أو نهارا عن تذكيرنا بأنه "الناقد، المثقف، صديق الفنانين، والذي لولاه لأصبحت الرقابة أشد وأعنف وربما انتهت السينما في مصر"، فإنه يبدو في الفيلم وهو يدافع بشراسة عن دوره، ويبرره بشتى الوسائل ويستخدم لهجة سلطوية و"تهديدية" في حديثه عما ينبغي أن يلتزم به السينمائيون الشباب وإلا.. ويبدو بشكل عام مستفزا من أسئلة المخرج، متشنجا في ردوده عليها، دون أن يظهر على وجهه شبح ابتسامة واحدة طوال الوقت.
ويبدو هذا الفيلم متوازنا في معالجته لموضوعه، بين الأطراف المختلفة، وفيه يظهر المخرج محمد خان لكي يبدي رأيه فيما يتعلق بمشكلة الرقابة، لكنه لا يدينها ولا يؤيدها إلا أنه يقر بوجودها وبضرورة التعامل معها.
ويفتتح المخرج الفيلم بلقطة لمدير الرقابة وهو يجلس على مكتبه يطالع جهاز كومبيوتر محمول لكنه يخفي وجهه وراء شاشة الجهاز الصغير، ونحن نسمع صوته فقط دون أن نراه، وكأنه شبح يحتبئ في الظلام.
وفي اللقطة الأخيرة من الفيلم يصوره من زاوية منخفضة وهو يقف أمام مبنى "المجلس الأعلى للثقافة" (وهو كيان يتناقض بالكامل حتى من الناحية الشكلية البحت، مع فكرة الرقابة). وكأن مخلوف يريد ان يظهر لنا أبو شادي ككيان مهيمن مسيطر او كرجل سلطة يصفه هو في تعليقه المصاحب للصورة بأنه "أقوى رقيب في العالم العربي"!

** هنا يمكنك أن تشاهد الفيلم كاملا عن طريق وصلة الفيديو هذه.

الخميس، 21 أغسطس 2008

عودة المخرج الأسطوري خودوروفسكي



عبقري السينما السيريالية المجنون يعود إلى الشاشة
شاهد مقابلة معه بالفيديو (في نهاية هذا الموضوع)
كان أهم واجمل خبر بلغني أخيرا هو إعلان المخرج والمنتج الأمريكي الكبير ديفيد لينش ("الرجل الفيل" و"القطيفة الزرقاء" و"توين بيكس" و"مولاهولاند درايف") توقع عقد مع المخرج الأسطوري أليخاندرو خودوروفسكي Alejandro Jodorowsky لإخراج فيلم جديد بعنوان "كنج شوت" king Shot سيحفر عودة مخرجه العظيم إلى الإخراج بعد توقف دام نحو 18 عاما.
وخودوروفسكي لمن لا يعرفه، هو أحد رواد السينما السيريالية في العالم، وإن كان لم يخرج طوال 40 عاما سوى 6 افلام كان يكفي واحد منها هو "الطوبو" (El Topo (1970 لكي يجعل منه نبيا للسينما الجديدة في عصره. وهو يتجاوز كثيرا سيريالية بونويل "العقلاني"، لكي يحلق فيما وراء العقل والمنطق والطبيعة، صانعا لغة خاصة لها إشاراتها وجزيئاتها وسحرها الخاص.
خودوروفسكي مخرج من مواليد تشيلي عام 1929 لأبوين مهاجرين من روسيا، اخرج افلامه في المكسيك، ويعيش في فرنسا. وهو الآن في التاسعة والسبعين من عمره لكنه يقول إنه سيعيش حتى الـ 150 سنة. وهو في مقابلاته يبدو أكثر شبابا منا جميعا.
فيلمه الأول كان بعنوان "فاندو وليز" Fando y Lis عام 1978 (يعرف أيضا باسم أطفال الزفت) وهو عبارة عن رحلة سيريالية يقوم بها رجل وامرأة بحثا عن مدينة خيالية لا يمكن الوصول إليها. ويقول المخرج العبقري المجنون إن الفيلم عرض للمرة الأولى في مهرجان أكابولكو بالمكسيك، وإن الجمهور من شدة حماسه تحول إلى الشغب في نهاية العرض بل أراد قتله بشكل فعلي وليس مجازي، وإنه اضطر إلى مغادرة قاعة العرض من الباب الخلفي والهرب في سيارة قبل أن يفتكوا به!
من فيلم "الطوبو"
وقد أدى هذا إلى منع عرض هذا الفيلم لمدة 32 عاما، وإلى إلغاء المهرجان، ويضيف إنه شاهد نسخة من الفيلم في نيويورك عام 2002 ورأى أنه مازال صالحا للمشاهدة. وقد اتاح له هذا النجاح إخراج "الطوبو" الذي ظل يعرض في مسرح Elgin في نيويورك لمدة ستة أشهر في قاعة تمتلئ كل ليلة بنحو الف متفرج، وتحول بذلك إلى إحدى ايقونات السنما الجديدة التي تتمرد على كل الاشكال القديمة.
وكان "الطوبو" فيلما لا يمكن تصنيفه بسهولة، فهو يجمع ما بين نغمة أفلام الويسترن بلمسات سيريالية واضحة مشبعة بالميثولوجيا الدينية والأساطير القديمة. وقد رحب الجمهور به بجنون، لأن جمهور نيويورك في ذلك الوقت بعد ثورة الشباب في الستينيات كان مؤهلا لاستقبال عمل بصري خالص يعتدي بقسوة على الـ genre التقليدي لأفلام الغرب الأمريكي.
شاهد الفيلم في عروض منتصف الليل نجم فرقة البيتلز الراحل جون لينون فأقنع ألان كلاين بشراء حقوق توزيعه وسحبه لتوزيعه خارج عروض منتصف الليل، ونظم عروضا خاصة لنقاد نيويورك أذهلتهم واقنعتهم أنهم أمام موهبة صاعدة خارقة. وقد أنتج كلاين فيلم خودوروفسكي التالي "الجبل السحري" (1973) وذهب لعرضه في مهرجان "كان" في تلك السنة.
فشل لاحق وتوقف
أخرج خودوروفسكي بعد ذلك فيلمين ثلاثة أفلام هم "توسك" Tusk عام 1980، ثم "الدماء المقدسة" Santa Sangre عام 1989(سنعود لاحقا لتقديم نقد تفصيلي له)، ثم "لص قوس قزح" Rainbow Thief مع عمر الشريف وبيتر أوتول وكريستوفر لي، ويقول خودوروفسكي إنه لم يكن حرا وهو يعمل في فيلمه الأخير، وإن المنتج كان يرغب في تقديمه كهدية لزوجته!
أما فيلم "توسك" فقد وقد تبرأ تماما منه وتخلى عنه قبل عمل المونتاج بسبب مشاكل إنتاجية.
أما أطرف ما حدث لهذا المخرج الغريب أنه اختلف مع المنتج والموزع الن كلاين (الذي يملك حقوق اوزيع أفلامه الثلاثة الأولى) بسبب رفضه إخراج فيلم على مزاج كلاين فما كان من الأخير إلا أن عاقبه بمنع عرض أفلامه طوال 30 عاما، إلى أن اصطلحا أخيرا وأصبحت الأفلام متوفرة حاليا على اسطوانات رقمية في طبعة ممتازة.
فنان شامل
غير أن خودوروفسكي ليس فقط مخرجا سينمائيا بل مؤسس حركة مسرحية في الستينيات هي حركة مسرح البانيك Panic نسبة إلى إله إغريقي يدعى "بان" Pan. وهو أيضا محاضر يمارس العلاج الجماعي عن طريق التحليل النفسي، ورسام ومؤلف لمجلات الرسوم المصورة المضحكة، ومخرج مسرحي وممثل. وجدير بالذكر أيضا انه قام ببطولة فيلم "الطوبو" وأخرجه والفه وكتب موسيقاه وعمل له المونتاج.
** هنا مقابلة نادرة بالانجليزية مع العبقري خوردروفسكي، يتحدث فيها عن أفلامه التي نشاهد مقاطع منها.. تكشف لنا حجم الخيال الجامح، ومفردات لغة الشعر التي يعبر من خلالها خودوروفسكي عن رؤيته للعالم كأحد الفوضويين العظماء في عصرنا.
شاهد واسمع:

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

فيلمان من المغرب والجزائر: تبديد المال بالتجريب في الهواء


لقطة من الفيلم الجزائري "روما ولا انتما"

تطرقت في مقال سابق إلى المخرجين العرب الذين يحصلون على دعم جيد لأفلامهم من جهات أوروبية تهتم بدعم أفلام البلدان النامية (وهو التعبير المهذب الشائع للبلدان الفقيرة) لكنهم لا يجيدون استخدام هذا الدعم، بل يبددونه في الهواء.
ولعل من النماذج الدالة على هذه الفرضية فيلمان: الأول هو الفيلم الروائي الثاني للمخرج المغربي فوزي بن سعيدي "دبليو دبليو دبليو. إنه حقا عالم رائع"، والثاني هو الفيلم الروائي الأول للمخرج الجزائري طارق تقية "روما ولا انتما" (أي رما أحسن منكم) وهو عنوان يعبر عن الرغبة في الهجرة.
الفيلم المغربي الذي حصل على تمويل فرنسي ألماني، يدور في مدينة الدار البيضاء من خلال شخصيات تتقاطع مسارات حياتها مصادفة. ورغبة المخرج أن يلمس ما يحدث في المغرب، ولكن عن طريق اللهو والتلاعب بالشكل: أسلوب الفيلم البوليسي ولكن بعد تكسيره وتحويله إلى عمل هزلي يستوحي اسلوب ما بعد الحداثة، وينقلك من مكان إلى آخر بدون أي مقدمات.
غياب الرؤية
المقارنة بين الأسلوب ما بعد الحداثي كما استخدمه الفلسطيني إيليا سليمان في فيلم "يد إلهية"، مقارنة لا مكان لها، فشتان بين العملين، فالفيلم المغربي يفتقد أساسا إلى وجود "رؤية" فلسفية أو إنسانية داخل هذه الدائرة اللامنطقية من الأحداث: قاتل محترف يستقي معلوماته من إشارات، يترجمها إلى أرقام، ثم إلى كلمات مرور عبر الانترنت، لكي يتلقى تعليمات بالقتل. وشاب آخر يرغب في الهجرة ويسعى لتزوير عقد عمل مع شركة ايطالية للحصول على تأشيرة، وعاهرة على علاقة بالقاتل، وصديقتها شرطية المرور التي تؤجر هاتفها المحمول في أوقات الفراغ.
وفوزي بن سعيدي من خلال أسلوب السرد الذي يستخدمه: القطع الخشن، والإضاءة المبهرة، والموسيقى الصاخبة حتى الفزع، والانتقال في المكان بطريقة مشوشة تماما، يجعل فيلمه أقرب إلى الإعلانات التليفزيونية المصورة (الفيديو كليب)، بل وعلى العكس تماما من الفيلم الفلسطيني، يفتقر إلى حس الفكاهة والمرح.
هناك حقا محاولة للتجريب في الشكل، خاصة وأن المخرج هو نفسه الكاتب والممثل الأول والمونتير، أي أنه يسيطر تماما على مادته بنفسه ويدفعها في الاتجاه الذي يريده. لكن محاولته التجريبية تبدو بعيدة نائية عن السينما التي تنتج في بلده، ولا يبدو أنها يمكن أن تلعب أي دور في تطويرها ونقلها خطوة إلى الأمام مستقبلا، وهو الهدف الأساسي للتجريب، وإلا
أصبح تجريبا في الهواء.
محاكاة فاشلة
أما الفيلم الجزائري فهو يسعى للتطرق إلى مشاكل الجزائر المعاصرة: الحرب الأهلية بين المسلحين الإسلاميين والحكومة، البطالة والرغبة في الهجرة، ولكن عن طريق محاكاة أسلوب أنطونيوني في بيئة وجماليات محددة لتلك البيئة بعيدة كل البعد عن تلك التي خرج منها أسلوب أنطونيوني، بل وأساسا، دون موهبة حقيقية تفضر نفسها، على الاقل حتى الىن أي بالحكم على هذا الفيلم الأول.
إننا أمام فيلم من أفلام الطريق لا يحدث فيه على الطريق ما يجعلنا نجلس ونتأمل.
كمال بطل الفيلم شاب يبحث عن وسيلة لمغادرة الجزائر والعودة إلى ايطاليا التي كان يقيم فيها من قبل يعمل في مطعم للبيتزا. وهو يقنع صديقته زينة بالهرب من الجزائر معه، فيقترض سيارة يطوفان بها مناطق صناعية في ضواحي العاصمة بحثا عن "بوسكو" المهرب الذي يمكنه إخراجهما خلسة من الجزائر. وخلال البحث عن بوسكو، يتعرضان لمضايقات من الشرطة بدون سبب سوى مظهرهما الخارجي (الفتاة متحررة في ملبسها)، ويقضيان أمسية في منزل أصدقاء، حيث يشرب الجميع حتى الثمالة.. ثم يغادران.. ولا يحدث شئ بعد ذلك، فكما بدأ الفيلم، ينتهي دون أي تطور بل ودون أن يطرأ شئ على مصير الشخصيات، أوعلى مسار الفيلم!
استطرادات وتكرار
ويعاني الفيلم من التكرار والحشو والاستطرادات والترهل، ويكفي أن المخرج يجعل بطليه يدوران بالسيارة في منطقة صحراوية لمدة 20 دقيقة، دون أي مبرر ولا حتى شكلي، بل تبدو لقطاته معتمة معزولة عن المكان.
وينتقل المخرج من لقطة لأخرى فجأة وقبل أن تكتمل اللقطة الأولى، ودون أن تكشف الثانية عن شئ ما في الأولى، في محاكاة ساذجة للغة انطونيوني وجودار ولكن بطريقة سطحية.
ويستخدم المخرج حوارا أكبر من وعي شخصياته، لكي ينقل لنا سخريته الشخصية، فهو يجعل كمال يقول لصديقه: كافكا يقول إن تمثال الحرية يحمل في يده عصا غليظة، فيجيبه صديقه: لابد أنه فشل في الحصول على تأشيرة!
الفيلم الجزائري، مثله في ذلك مثل الفيلم المغربي، حصل على تمويل فرنسي ألماني، مما أتاح الفرصة لمخرج شاب جديد أن يعبر عن نفسه بحرية، فماذا كانت النتيجة في الحالتين؟
العرض الصحفي للفيلمين في مهرجان فينيسيا العام الماضي شهد انسحابا جماعيا للنقاد من شتى أنحاء العالم من قاعة العرض، بعضهم غادر بعد 10 دقائق من بداية العرض، ثم لم يتوقف خروج الصحفيين حتى فرغت قاعة العرض سوى من حفنة من النقاد "الذين لا تزال تراودهم الآمال في مستقبل سينما العالم الثالث.. التي أصبحت - بكل أسف- تلهث وراء أطياف ماضي سينما العالم الأول الغابرة.

الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

المهرجانات السينمائية: أفكار وتساؤلات

لقطة من مهرجان روتردام


ماذا تقدم المهرجانات السينمائية العربية للسينما؟

بقلم: أمير العمري
amarcord222@gmail.com

لعل إحدى المشاكل البارزة في مهرجانات السينما العربية التي تتعدد وتتوالد على نحو كبير وبدون أي تخطيط أو معايير، أو حتى سبب في الكثير من الأحيان، هي أن هذه المهرجانات تركز كثيرا على فكرة التنافس على من يمكن لهذه المهرجانات جذبه من "نجوم" سينما العرب، وأنصاف نجوم سينما الغرب وما إلى ذلك.

فقد أصبح الممثل والممثلة أهم في بعض المهرجانات، من الفيلم نفسه، بل وأصبح وجود المخرج السينمائي أحيانا أمرا لا قيمة له. وقد شاهدت بنفسي كيف كان بعض المخرجين اللامعين الذين يفخر أي مهرجان بوجودهم، يكادوا أن يموتوا مللا وهم يذرعون بهو الفندق الذي يقيمون فيه، بسبب الإهمال بل والتجاهل التام من الصحافة والإعلام بل وممن يعتبرون أنفسهم من "النقاد"، الذين يفضلون جميعا، اللهاث وراء ممثلة محلية تجاوزت الخمسين مت عمرها، أو ممثلا هزليا صاعدا لا نعرف ما إذا كان الجمهور يضحك عليه أم على أفلامه.
أما الملفت أكثر للنظر، فهو أن الأغلبية العظمى من مهرجاناتنا العربية (في العالم العربي عموما) قد تولي اهتماما للأفلام، أي تهتم باستهلاك الأفلام، إلا أنها تهمل تماما دعم الأفلام.
نعم هناك كثير من الندوات والمؤتمرات والموائد المستديرة والمستطيلة التي تخصص لمناقشة "أزمة الإنتاج" "وطرق دعم الإنتاج" و"الإنتاج المشترك" والتنسيق بين "الشمال والجنوب". لكن لا أحد يكلف نفسه الاهتمام بوضع "آلية" محددة لدعم الإنتاج السينمائي الذي يتميز بجرأة تتجاوز السائد في السوق السينمائي، حتى لو جنح العمل إلى أقصى حدود التجريب، فبدون هذا التجريب لا تتطور السينما بل تظل تدور حول نفسها دون أن تجاوز الأساليب القديمة، في السرد أو في الإخراج.

الاهتمام بالدعاية
مهرجاناتنا السينمائية لا تهتم بدعم مشاريع لأفلام جديدة تمتلئ بالطموح وتكشف عن موهبة أصحابها، من خلال ورش الإنتاج ومسابقات السيناريو ومؤسسات راسخة تستطيع الحصول على التمويل من جهات متعددة، وتتمكن من الاستمرار في تمويل المشاريع السينمائية الجريئة (شريطة الاعتماد في الحكم على هذه المشاريع على لجان متخصصة من السينمائيين والخبراء من العالم الخارجي وليس على "شلل" المرتزقة والمنتفعين سيئة السمعة. فهذه المهرجانات يهمها أساسا الجانب الاحتفالي الاستعراضي الدعائي، والتفاخر الكاذب بأننا أصبحنا لا نقل عن مهرجان "كان" بعد أن نجحنا في فرش البساط الأحمر، وبعد أن ظهر السيد الوزير لكي يؤكد لنا أن "السينما فن يعمل من أجل بناء الإنسان" و"تطوير الذوق العام في المجتمع"، وهي بالطبع مقولات متكررة ومضحكة.. أسمعها منذ أن بدأت اهتمامي بالسينما، دون أن أدري عن أي إنسان حقا يتحدثون، وهل السينما تبني الإنسان؟ أو تبنيه عشرات الأشياء الأخرى.

لكن هناك من يقول لنا ببراءة: ولكن هل يدعم مهرجان "كان" إنتاج الأفلام؟ "عقدة كان" هذه تتجاهل أن مهرجان كان ليس مهرجانا يقام في دولة نامية تخلو اساسا من حركة سينمائية ونقدية، أو تعاني السينما فيها من حصار الرقابة والفكر المتزمت الذي ينتمي للقرون الوسطى، بل مهرجان أوروبي- دولي، يهتم بالترويج لما يختار عرضه من أفلام، ويكتشف الكثير من المواهب السينمائية الجديدة ويدعمها بشكل غير مباشر ويسلط الأضواء عليها، مما يساهم في الترويج لأفلامها التي تجد طريقها بسرعة للتوزيع والعرض في السوق الفرنسية والأوروبية، بل وتجد التمويل والدعم من شركات الانتاج الفرنسية. وانظروا مثلا حالة مخرج مثل البولندي الراحل كريستوف كيشلوفسكي مثلا.

مبدأ الدعم
عودة إلى موضوعنا الأساسي، نقول إن الملاحظ أنه خلال السنوات الأخيرة، أخذ عدد من المهرجانات السينمائية الدولية يقتفي أثر مهرجان روتردام السينمائي في عدم الاكتفاء بالعروض والاحتفالات، وتنظيم دعم مباشر لأفلام "أجنبية" أي غير هولندية، وبطريقة علمية لها أسسها وقواعدها، من خلال مؤسسة "هيوبرت بالس" التي تأسست في روتردام عام 1988 وأصبحت تقدم دعما ماليا لأفلام قطع مخرجوها شوطا في الإنتاج لكنهم لا يستطيعون استكمالها، على شرط أن تتميز بالطموح الفني والابتكار وتكشف عن مواهب سينمائية حقيقية من "البلدان النامية" (حسب بيان إنشاء المؤسسة).
وهي تقدم أيضا منحا مالية لاستكمال العمليات الفنية التي تعقب التصوير، ودعما للأفلام التسجيلية، ودعما ماليا لتوزيع هذه الأفلام في السوق الهولندية. وإضافة إلى هذا، تعمل المؤسسة على إقناع المنتجين الهولنديين بتبني مشاريع مشتركة للإنتاج السينمائي مع منتجين من القارات الثلاث وأوروبا الشرقية.
مهرجان أمستردام ومهرجان جوتنبرج اتبعا سياسة مماثلة في دعم الأفلام التسجيلية من خارج أوروبا. واتبع مهرجان لوكارنو ما أطلق عليه "الإنتاج المشترك المفتوح الأبواب" لمساعدة ما يطلقون عليه تأدبا "سينما البلدان النامية"، وخصص مهرجان برلين قبل 4 سنوات ما أطلق عليه "صندوق دعم سينما العالم". وها هو مهرجان فيينا يعلن عن برنامج "لأمل الجديد المتوج" للغرض نفسه.
إلا أن كثيرين في هذه الدول بدأوا في الفترة الأخيرة، في طرح تساؤلات حول جدوى تمويل أفلام العالم الثالث، خاصة وأنهم يعرفون أنها تتعرض لانتقادات شديدة محلية تتهم صناع هذه الأفلام بتبني قوالب وأنماط ترضي مموليهم في الغرب، أكثر مما تتفق مع الواقع.

الرقابة
غير أن هناك من يدافعون عن سياسة دعم "أفلام العالم" متعللين بأن السينمائيين من العالم النامي أصبحوا في أشد الحاجة للعثور على وسيلة تفتح الأبواب أمام أفلامهم لكي تصل إلى الجمهور في الغرب، أو في العالم عموما، بعد ان ضيقت الرقابة عليهم في بلادهم، وجعلت استمرارهم في العمل أمرا بالغ الصعوبة، وهذا هو على سبيل المثال، حال المخرج الإيراني (الكردي) بهمن قبادي الذي منع من العمل نهائيا بعد ظهور فيلمه الأخير "تسلل"، والمخرج الصيني لو يي الذي منع من العمل في بلاده لخمس سنوات بعد أن عرض فيلمه في مهرجان "كان" دون إذن من السلطات!

نظرية المؤامرة

المدافعون عن استمرار التمويل يقولون أيضا إن هناك احتياجا لدى الجمهور في الغرب للإطلاع على أفلام تمثل ثقافات لا يعرفون عنها كثيرا، كما تتيح لهم هذه الأفلام الفرصة للوقوف على تجارب جديدة في الإبداع.
ولا يجب أن يتصور أحد أن القضية محسومة ببساطة بسبب وجود "مؤامرة إمبريالية صهيونية" لتدميرالسينمائيين من العرب والعالم الثالث عن طريق تمويل بعض الأفلام. فهناك في هولندا مثلا، من يطالبون بالتركيز على دعم الإنتاج السينمائي الهولندي (المهمل تماما- كما يقولون) بدلا من تقديم الدعم لـ "الأجانب".
وإذا كنا ننفي وجود "مؤامرة" في هذا المجال، إلا أننا لا ننفي وجود بعض السينمائيين من العالم العربي والعالم الثالث، يميلون متطوعين إلى تقديم ما يتصورون أنه يشبع ذوق الجمهور الغربي عند تناول مواضيع معينة. فهناك من يميلون إلى الإفراط في "الفولكلور" بصورة مجانية، واللجوء إلى قوالب وأنماط من الشخصيات يعرفون أنها تجد لها صدى لدى المتفرجين الغربيين بسبب اتساقها مع الصور التي تعرض يوميا على شاشة التليفزيون للقتل والتفجيرات واضطهاد المرأة، والتفرقة الدينية، والقمع المنظم، وتدني الخدمات إلى درجة مثيرة للقرف، ولكن تقديم هذه الأنماط والقوالب، لا يتم بالطبع من خلال تحليل موضوعي رصين يقرأ ما يجري تحت جلد الواقع ويفهمه، بل بغرض "تسويق" التخلف والاستفادة منه أيضا إذا أمكن. والاختيار بالطبع متروك للسينمائي نفسه: أن يكون لديه الاستعداد من البداية لتقديم تنازلات معينة أو لا يكون.
وهناك ايضا من يلجأون إلى استخدام أشكال سينمائية تتحرر تماما في السرد، لكنها تنتهي إلى "فوضى" درامية، تجعلك تتحسر على ما أنفق عليها من أموال، وهي أفلام عادة ما تدفع جمهور الدولة الممولة إلى الفرار من قاعة العرض.
وهذا ما حدث تحديدا خلال عرض فيلمين هما "دبليو دبليو دبليو. ياله من عالم رائع" المغربي، وفيلم "روما ولا أنتما" الجزائري خلال مهرجان فينيسيا السينمائي 2007. وهو موضوع سأناقشه في مقال قادم.

الأحد، 17 أغسطس 2008

عودة إلى ملف الوزير"الرسام" فاروق حسني

فاروق حسني مع زاهي حواس عند الهرم الأكبر

القيمة الحقيقية لأعمال الوزير االفنية

وهل يستقبل فاروق حسني في معارض العالم كوزير أم كرسام؟

في مصر، الدولة المركزية الضاربة في عمق التاريخ، يوجد هيكل عتيق من موظفي الدولة الذين يحرصون بعد أن يتولوا مناصب رسمية عليا، على ارتداء الملابس الرسمية الرمادية الكئيبة لإضفاء نوع من الأهمية والخطورة على مظهرهم، أحيانا بدرجة مبالغ فيها خصوصا عندما يصعد أحدهم إلى منصة مسرح مثلا لافتتاح مهرجان فني، فيبدأ قبل كل شئ، بقفل أزرار السترة، وإلا اعتبر أنه ظهر بمظهر غير لائق امام الوزير والخفير مثلا. من المقومات الأساسية لهذا الهيكل العتيق، أن كهنته لا يعرفون التمرد على أولياء نعمتهم من المسؤولين الأكبر نفوذا، وإذا حدث نادرا أن اضطر أحد الكهنة إلى مناقشة "الكبار" فإنه يستخدم كلمات التمجيد والتعظيم والترفيع قبل إبداء أي ملاحظة ولو على استحياء شديد. اما التقليد الأكثر رسوخا فهو أن ينافق الموظف الكبير رئيسه الوزير ويشيد به في كل محفل، ويعتبره القدوة الحسنة والمثل الأعلى. وإذا وقع الوزير في ورطة أو أزمة، يسارع إلى حشد الموظفين الذين يخضعون تحت إمرته، لتأييد الوزير والتوقيع على بيانات وعرائض تعلن مبايعة الوزير وزيرا مدى الحياة، كما فعل حفنة من موظفي وزارة فاروق حسني ونفر من المثقفين والمتثاقفين المنتحرين في دولاب الدولة عندما استقال الوزير الرسام عقب محرقة بني سويف التي راح ضحيتها 52 مثقفا ورجل مسرح. هذا كله من الأمور المعروفة والمألوفة في حياتنا، ولها بالطبع أسبابها التاريخية والنفسية المتراكمة التي لا نود الخوض فيها هنا. مقال الفرعون الصغير في إطار النفاق البين والمبالغات المفتعلة، التي تصل إلى درجة الغش والتزوير، قد يكتب المسؤول الكبير من المقالات ما يتناقض تماما مع حقائق الأمور، عن جمال الوزير، وحلاوة الوزير، وبراعة الوزير.. وتميز رسوم الوزير! وهذا تحديدا ما فعله الفرعون الصغير زاهي حواس وكيل أول وزارة فاروق حسني والذي يرأس ما يسمى بالمجلس الأعلى للآثار. فقد نشر زاهي حواس مقالا بتاريخ 22 مايو الماضي في جريدة "الشرق الأوسط"، مكتوبا بلغة بدائية ومليئا بالأخطاء، ويعكس لهاث كاتبه من أجل لوي عنق الحقائق، دون أن ينتبه إلى أنه وهو في ذروة حماسه لتدبيج هذه الكتابة الرديئة، كان أحيانا يبدأ فقرة ما ثم ينسى أن يكملها! إقرأ: مقال زاهي حواس في "الشرق الأوسط" بعنوان "لوحات فاروق حسني في تكساس

وتعالوا معا نرى عينة مما كتبه حواس عن قيمة فاروق حسني الفنية كرسام يشار إليه بالبنان في مدن العالم الكبرى. يقول حواس وكأنه نصب من نفسه محاميا عن وزيره: " يتهم بعض المثقفين فاروق حسني أن لوحاته الفنية قد اشتهر. ت نظراً لوضعه كوزير للثقافة، ولكن في الحقيقة أن هذا اتهام ظالم تماماً فقد حضرت افتتاح معرضه منذ حوالي ستة أشهر بمتحف الفن بمدينة فورت لودرديل بولاية فلوريدا وأخيراً نقل المعرض إلى متحف الفنون الجميلة بمدينة هيوستن بولاية تكساس". أول مرة ثم يواصل حواس موال المديح المجاني الفارغ فيقول "وعندما وصلنا إلى المتحف ودخلنا لنشاهد هذه اللوحات أحسست أن اختيار الألوان والموضوعات جعلت النقاد يشيدون بالفنان المصري الذي استطاع أن يخرج من المحلية إلى العالمية لأول مرة حتى طلب المتحف الذي عرض فيه هذه اللوحات بفلوريدا أن يقتني لوحة لكي توضع داخل المتحف وفي نفس الوقت طلب متحف هيوستن أن يعرض لوحة أخرى ليصبح أول فنان مصري تعرض لوحاته بصفة دائمة داخل المتاحف العالمية". وليس صحيحا بالطبع أن فاروق حسني هو أول فنان مصري تعرض لوحاته بصفة دائمة داخل المتاحف العالمية فالفنان عادل السيوي، كمثال، تعرض له 10 من لوحاته بصفة دائمة في المتحف البريطاني فقط! حواس يمارس هواياته المثيرة للسخرية في التشبه بملوك الفراعنة
 
إلا أن حواس يعود فيكشف عن الكذب والادعاء فيكتب: "وقد أشاد مدير المتحف بالمعرض وبالفنان فاروق حسني ولم يشر الكثيرون إلى وضعه كوزير لأن كونه فنان (هكذا كتبها حواس ونشرتها الجريدة كما هي!) طغت على وظيفته كوزير، وقد أسعده هذا تماماً حتى أن إحدى الصحف كتبت عن معرض الفنان فاروق حسني وزير الثقافة السابق". أحقا؟ لم يشر أحد إلى كونه وزيرا؟ واعتبروه وزيرا سابقا. أحقا.. تجاهلوا كونه وزيرا، وكتبت الصحف عنه مشيدة به؟
في الموضوع الذي نشر في هذه المدونة قبل أيام بعنوان "لماذا يجب منع فاروق حسني من الوصول إلى اليونسكو" قلنا بالحرف الواحد إن "فاروق حسني رسام متواضع المستوى، لم يكن أحد يأخذه على محمل الجد بل هو من الرسامين محدودي الموهبة أو ما يطلقون عليه بالإنجليزية mediocre ، ومعنى هذا أن لوحاته لا تساوي كل تلك الملايين التي تدفع فيها والتي يزعم هو انها المصدر الأساسي لدخله. وهو يؤكد في مقابلاته الصحفية إنه وصل إلى ما وصل إليه في مجال الفن التشكيلي بسبب موهبته وحدها. ويضيف متحديا نقاده أنه حتى بافتراض أن هناك من يجاملونه بسبب منصبه داخل مصر، فماذا عن نقاد الغرب الذين لا يعرفون المجاملة. نعم.. النقاد لا يعرفون المجاملة في الغرب. تعالوا إذن نأخذ مثالا ما كتبه ناقد مهم هو دوجلاس بريت Douglas Britt في .chron.com. إقرأ: مقال دوجلاس بريت "مذاق مصر المعاصرة
تحت عنوان "مذاق مصر المعاصرة" وبتاريخ 11 أغسطس 2008 كتب دوجلاس فريت يقول "نحن لا نشاهد الفن المصري المعاصر كل يوم هنا في تكساس، ولذا من الممكن أن نتصور أن متحف الفنون الجميلة في هوستون Houston يستحق الثناء بعد أن أتى إلى المدينة بمعرض "طاقة التجريد" لفاروق حسني. ويواصل قائلا: (لكنك قد تقرر الاحتفاظ بالثناء إلى حين أن تعرف وظيفة فاروق حسني خلال النهار (على اعتبار أنه يمارس الرسم ليلا!). إنه وزير ثقافة مصر منذ عام 1987. وهذا ما يفسر التقديم المنشور في كتالوج المعرض بتوقيع كل من بيتر مارزيو مدير متحف الفنون الجميلة في هوستون، وإرفين ليبمان المدير التنفيذي لمتحف الفن في لدرديل، وهو المتحف الثاني الذي استضاف المعرض نفسه. والاثنان يتوجهان بالشكر إلى فاروق حسني على "التزامه الحفاظ على الآثار المصرية القديمة، وكذلك خلق أعمال فنية قادرة على الحياة بشكل مستقل). ويستطرد الكاتب بكلمات تقطر بالسخرية قائلا: (لو كان فاروق حسني سائق تاكسي، فإنني أشك في أن المتحفين كانا سيتوجهان له بالشكر على التزامه بتوصيل الركاب إلى المطار في الوقت المناسب، ولا كانت مجموعة انشونز لدعم الفنون المعروفة بتنظيم المعارض الكبيرة، قد اهتمت بتقديم أعماله التي لا يمكن اعتبارها من الأعمال الكبيرة). بعد ذلك يتطرق الناقد إلى مناقشة القيمة الفنية للوحات فاروق حسني المعروضة فيلاحظ مثلا (في أعمال مثل "تجريد 8" تبدو الألوان مسطحة. أما لوحات "الكانفاه" الصغيرة فهي في معظمها، منفرة وتجريبية، وكل اللوحات الملونة بألوان الأكريلك سريعة الجفاف، تبدو باهتة كما لو كان الرسام قد وضع عشرات الطبقات من الألوان ولم يستطع الاحاطة بحوافها، ثم اضاف أشكالا كاريكاتورية أو تخطيطية بفرش مختلفة السٌمك". عرض مثير للاستياء ويختتم الكاتب مقاله بالقول: (مارزيو يقول- وهو ما يحسب له- إنه مهتم بأن يعرض على جمهور متحف الفنون الجميلة أعمال الفن المعاصر من الشرق الأوسط. ولكن هذا المعرض لا يتيح الفرصة أبدا للجمهور لوضع الفن المصري المعاصر- أو أعمال حسني في هذه الحالة- في هذا السياق. لقد كنت سأشعر بالسعادة لو عرضت مختارات من أفضل لوحاته خلال المراحل المختلفة بدلا من هذا المعرض المثير للاستياء، الذي لا يوجد فيه ما يمكن أن يجعله متميزا عن المعارض التجارية، باستثناء أنه يحمل خاتم متحف الفنون الجميلة.. ألن يكون من الأفضل اختيار مجموعة منتقاة من الرسامين المختلفي المذاهب، لتقديم مثال للفن المعاصر في الشرق الأوسط). انتهى المقال، لكن أحدا داخل مصر لا يعرف، ولا يقرأ، سوى ما يكتبه الجهلة والمنافقون في صحف الحكومة وغيرها. لوحتك ياوزير واقرأ هذا اللغو الفارغ لأحد شعراء العامية كمثال بارز على ما بلغه التدهور: "فاروق حسني باندهلك.. كسر البرواز وطلعني من اللوحة بتعتك.. شدني من ورا القزاز.. لوحتك خطفتني من عنيه.. زي لغم قابض على الرجلين.. حبستني جوه البرواز.. كتفتني.. حللتني.. بالظبط زي الأرض ما بتحلل الميتين.. طلعني يافنان.. لوحاتك.. وقعت دماغي في دماغي.. جوه الألوان.. وروحي بتتنطط في جسمي.. جسمي اللي نايم في اللوحة الرابعة.. المتعلقة على الجدران.. لوحتك اللي موقعة الزمان.. ونايمة فوق الزمان.. طلعني يافنان"!
** أدعو القراء الأفاضل والفنانين التشكيليين والنقاد المستقلين عن حظيرة فاروق حسني إلى التعليق على هذا المقال وشكرا.

الجمعة، 15 أغسطس 2008

كشف حساب السينما المصرية

سمية الخشاب في لقطة من فيلم "حين ميسرة"


تآكل الطبقة الوسطى وتلاشي "الشفرة" الخطابية وتغير الجمهور


بقلم: أمير العمري
amarcord222@gmail.com

يحفل تاريخ السينما المصرية بالكثير من الإنجازات: حركة سينمائية كانت تمور بشتى الاتجاهات والتيارات، مخرجون ومصورون ومونتيرون على مستوى كبير يضارع أفضل المستويات العالمية، ممثلون اكتسبوا خبرات كبيرة متنوعة وثرية في الوقوف أمام الكاميرا، وتقنيون أتقنوا "الصنعة" وقطعوا أشواطا كبيرة في مجال الابتكار والخلق والإبداع، وثرات من الأفلام التي تتبدى فيها شتى الأفكار، وتتنوع الأساليب.
صنع السينمائي المصري الفيلم الاستعراضي والتاريخي والبوليسي والاجتماعي والسياسي والخيالي، من الميلودراما إلى الواقعية، ومن التقليدية إلى الحداثة.
كثير من السينمائيين نجحوا في صنع بصماتهم الخاصة المميزة، وابتكاراتهم، وتركوا تأثيرهم الكبير في المحيط السينمائي داخل مصر وخارجها.
ولعل أكبر ما حققته السينما المصرية من نجاح يكمن في قدرتها على ابتكار "شفرة" خطابية خاصة، أصبحت وسيلة "مضمونة" للتخاطب بين السينمائيين والمشاهدين، أو بين الفيلم – كوسيط، والجمهور كمتلقي.
تكونت تلك اللغة الخاصة أو "الشفرة" المميزة في لغة التخاطب والتي تستند إلى الثقافة الشعبية، عبر أعمال متعددة صنعتها أجيال من المبدعين والسينمائيين، تأثرت بالسينما في الشرق والغرب، لكنها نجحت في خلق "خيالها الخاص" الذي يستطيع المشاهد أن يتعرف عليه ويتمثله ويجد نفسه في داخله. قد يدور هذا الخيال حول "الحكاية" أو رواية قصة، تحتوي على الصراعات بقدر ما تحوي من دروس وعبر أخلاقية واجتماعية، مع تقديم هذ ه "الرؤية" في إطار من التزويق والمشهيات والمشاهد المثيرة التي تشد المتفرج لاجتذابه داخل "الحلم" الذي ينتهي نهاية سعيدة. ورغم أن هذه النهاية السعيدة اصبحت معروفة سلفا، إلا أن الجميع يتطلع إليها وينتظرها.
كان الجمهور العام الذي يشتري تذاكر الدخول إلى دور العرض يتكون في معظمه من الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة، بحكم التوجه الفكري لصناع تلك الأفلام، والاستعداد الطبيعي لدى جمهور الطبقة الوسطى للتعامل مع ذلك "الخيال المصور المتحرك" كسلعة لا غنى عنها للتسلية، بل وكإطار للمعرفة بما يدور في المجتمع أيضا، ولو على مستوى المتخيل.

جمهور السينما
كان هذا الجمهور يشد معه جمهور الطبقات الأدنى الأكثر شعبية. وكانت تلك الشريحة الثانية من الجمهور تتماثل مع "أبطال" بعينهم من نجوم "الترسو"، دون أن يمنع هذا من تماثلهم أيضا مع نجوم من أبطال الطبقة الوسطى حتى في شريحتها العليا (شخصيات الأبطال التي قدمها يحيى شاهين وأنور وجدي وكمال الشناوي وأحمد مظهر وعماد حمدي ثم شكري سرحان وعمر الشريف وحسن يوسف، إلى جانب فريد شوقي ومحمود المليجي: كمنوذجين بارزين للبطل ونقيض البطل anti-hero في الدراما المصرية).

من فيلم "شباب امرأة"

تغير جمهور السينما بعد بداية عصر الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وبداية تدهور واضمحلال الطبقة الوسطى في مصر بعد أن كانت تمسك بتلابيب سوق العمل، وأصبح مفهوم النجاح يرتبط بمنطق آخر وبقيم أخرى سادت المجتمع: الفهلوة والغش والاحتيال واستغلال النفوذ والاعتماد على سوق بعينه له مواصفاته الخاصة (في التجارة عموما وفي السينما خصوصا) ورواج السياحة بما تجلبه من قيم أخرى وبما تولده من رغبة في التسابق من أجل إرضاء ذلك "الآخر" القادم من الخارج بمواصفات مختلفة وذوق مختلف.
نتيجة لكل هذه العوامل اتجهت السينما وجهة أخرى مختلفة أشد الاختلاف: فبعد أن كانت الطبقة الوسطى (الشريحة الأساسية لجمهور السينما) تشعر بنوع من الثقة الاجتماعية، تريد من خلال السينما معرفة ما يحدث في الواقع لكي تفهم ما يدور حولها، وفي الوقت نفسه قد ترحب أيضا بالهروب إلى الأفلام الرومانسية التي تشعر الناس بأن المصاعب التي يواجهونها في الحياة عابرة أو مؤقتة، وأن رحلة الحياة لاشك أنها ستنتهي بتحقيق أحلامهم: في الحب والثروة والصعود الوظيفي والسيطرة على مقدراتهم بأنفسهم، أصبحت هذه الطبقة تكافح أساسا، من أجل ألا تنهار بالكامل، بعد أن تجاوزتها المتغيرات السريعة في عصر الانفتاح، وبعد أن أصبحت "مصر لها ثمن" حسب تعبير الرئيس السادات!
هذ الطبقة التي تآكلت تدريجيا، أو ذهب أبناؤها للعمل في بلدان الخليج وعادوا ببعض ثروة وقيم وأفكار أخرى مختلفة جديدة تماما على المجتمع، كان من الطبيعي أن تنسحب بشكل شبه تام عن التعامل مع السينما: سواء بسبب النظرة "الجديدة" المتدنية إلى السينما كفن من فنون "التسلية" السريعة كما يقولون، أو بسبب سطوة العامل الايديولوجي الرافض للسينما كلية كونها تتناقض مع المعتقدات المكتسبة من ثقافة أخرى: صحراوية، جافة، متشددة، ماضوية، ذات طبيعة جامدة تميل إلى نفي الحداثة عموما والنفور من تجلياتها طالما أن هذا الموقف لا يتعارض مع طموحها لامتلاك الثروة، والانتقال بعد ذلك للتطلع إلى السيطرة على السلطة.

ثقافة جديدة
سينما الماضي القريب اختفت مع اختفاء العديد من الإبداعات والأشكال الأخرى، أو في أحسن الأحوال، تبدلها من حال إلى حال.
لقد لحق ما لحق بالسينما خلال أكثر من 30 عاما من تدن في الرؤية والخيال وطبيعة المواضيع المطروحة وأشكال التعبير عنها، والتنكر حتى لفكرة "رواية قصة محكمة" بأدوات متقدمة تقنيا، مع ظهور نوع جديد من الغناء المرئي- إذا جاز التعبير- أو شيوع ثقافة "الفيديو كليب" وتفكك المسرح وتخليه عن دوره التاريخي، وشيوع الظاهرة الاحتفالية في الثقافة عموما، والفنون بوجه خاص، على حساب الإبداع والتأصيل الفكري والنقد.
فقد أصبح المهرجان أهم من المنتج الفني نفسه، والمسؤول المهرجاني أهم من الفنان، والموظف الكبير أعظم من القيمة التي يتم تحصيلها من وراء إدارته.
ورغم ما تنتجه الدولة من كتب لا تجد وسيلة ناجعة حتى الآن لتوزيعها توزيعا سليما، وتتزايد أعداد كتب السحر والشعوذة والخرافات والنصائح الجنسية والتفسيرات الخاطئة والفتاوى التي لا تستند إلى اساس حقيقي وتتناقض تناقضا تاما مع العصر.

المخرج المسلياتي

هيمنة التليفزيون هيمنة شبه كاملة على الساحة مع الانتشار الهائل للقنوات الفضائية أيضا، أدى إلى إحجام الجمهور من بقايا الطبقة الوسطى والمثقفين الذين لم يرتموا بعد في أحضان ثقافة "النوم اللذيذ والخلود الأبدي"، عن الذهاب إلى السينما، كما أدى إلى تواري أعداد كبيرة من السينمائيين المتميزين في العمل السينمائي أو من كانوا يحملون مشاريع متميزة: مخرجون وممثلون وكتاب سيناريو ومصورون. وأصبح المطلوب، ليس حتى ما كنا نطلق عليه "المخرج الحكواتي"، فالحكاية لها أيضا تقاليد في الحكي، وتاريخ السينما في عمومه يمكن اعتباره، على نحو ما، تاريخ تطور لغة الحكي، ولكن أصبح لدينا المخرج "المسلياتي" العدمي الذي لا يقيم وزنا لأي شئ، والذي تتساوى عنده القيمة واللا قيمة، والمقصود بالطبع القيمة الفنية، حتى من زاوية الإخلاص البحت لتقاليد الصنعة.
والأخطر من هذا كله أن السينما فقدت أهم ما كان يميزها أي تلك الشفرة الخطابية المميزة التي كانت تربط بين الشرائح المختلفة من الجمهور: الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية.
أصبحت هناك اليوم لغة جديدة تماما في السينما، في الحكي وطريقة السرد، كما في الأداء وطريقة الإخراج بل وحتى تحريك الكاميرا. هذه اللغة لا تقوم على أسس واضحة أو تنبع من حاجة حقيقية تصب في إطار تطوير الفيلم كمنتج إبداعي، بل كنتاج للعشوائية المتفشية في الفن كما في الواقع.

عادل إمام واسعاد يونس في "عمارة يعقوبيان"

المضحكون الجدد

كان نجيب الريحاني في المسرح والسينما، بطلا يصارع من أجل إثبات وجود ابن الطبقة الوسطى الصغيرة، يسخر من القيم السائدة الجوفاء والمظاهر البراقة، مفلس لكنه يتمسك بالمبادئ، أكثر إخلاصا في مشاعره من أبناء الطبقة العليا. كان الريحاني ببساطة، يعبر عن فكر يمتزج فيه الذكاء بالثقافة بخفة الظل بالقدرة على الإيقاع بأعدائه والانتقام للبسطاء (على الشاشة).
وفي عصر الانفتاح أصبح عادل إمام نموذجا في الكوميديا المصرية، للبطل الشعبي المتمرد على الفساد، الذي يرفض الاستسلام لألاعيب الكبار ومكائدهم، والذي يدفعه وعيه الفكري إلى التمرد (فيلم "الغول" مثالا). وفي مرحلة أخرى، أصبح عادل إمام يعبر عن البطل الجديد القادم من القاع، الذي يعبر عن شريحة الحرفيين والهامشيين ويحقق أحلامهم في السخرية والاستهزاء والضحك على ذقن الطبقة الأخرى الميسورة التي بنت ثرواتها من الغش والتهريب والتجارة في السوق السوداء وغير ذلك.
وكان هذا بالطبع مفهوما ومقبولا في إطار التعبير عما حدث من خلل اجتماعي دفع بالبعض إلى صعود السلم إلى قمته، وأزاح الآخرين بقسوة إلى أسفل سافلين.
وبعد أن اصبح الواقع نفسه بثباته وعناده، يهزم السينما وغيرها، ويرفض التغيير، فقد ابتكر صناع الأفلام شخصيات أخرى لا تمت للفكر الكوميدي المتقدم بصلة، كل مهمتها التهريج باسم الكوميديا. هنا وجدنا أنفسنا نعود إلى المسرح الزاعق الذي يعتمد على أدنى أنواع "الفودفيل"، لا يغرنا هنا حتى إدعاء النقد السياسي والوطنية والبطولة (كما في فيلم مثل "ليلة سقوط بغداد") كما نعود إلى أشكال من التهريج التي لا يربطها بالمشاهد غير الرغبة العدمية – ليس فقط في الهروب من الواقع- بل في صب اللعنات عليه وعلى الماضي وعلى كل ما يمثله. ويكفي تأمل أسماء الأفلام التي تحقق ما تحققه في دور العرض ثم تذهب إلى غياهيب التاريخ (اللمبي، اللي بالي بالك، لخمة راس، خللي ماما تقولك، عوكل... إلخ).

من فيلم "اللمبي"

تهريج باسم الكوميديا

هنا لسنا أمام نوع جديد من فنون السخرية التي ترمي إلى تحقيق "الساتيرية"، أي العرض المبهر الساخر الذي يتولى تشريح كل شئ بدقة، يخلق من الفوضى الظاهرية المحيطة، نظاما دقيقا له، دون أن يفقد القدرة على الإمتاع، بل نحن في الحقيقة نشاهد نوعا من التهريج الذي يعتمد على أدنى الحركات وعلى نوعية من الممثلين لا يمتلكون أصلا القدرة على السخرية، بقدر ما يتماهون مع أدنى الأنماط والنماذج البشرية التي هي نتاج لمجتمع "التوربيني" وأتباعه.
يحدث هذا كله باسم الكوميديا، وبدعوى أن الجمهور يبحث عن الكوميديا كوسيلة للتنفيس عن إحباطاته، بعد سقوط الكثير من المفاهيم والقيم (أو الأوهام) القديمة.
هذه "الرؤية" الغريبة في تفسير التردى والعجز والتكرار الممل واستلهام ابشع الأنماط، توازيها تبريرات "نقدية" متهافتة صارت منتشرة انتشارا كبيرا الآن بفضل الأحاديث المتواصلة في القنوات الفضائية التي تتكاثر بسرعة كبيرة، والتي تبحث عن كل من يستطيع "الكلام" عن السينما لكي يحدثوننا طيلة الوقت عن "فلسفة المضحكين الجدد" والكوميديا الجديدة"!
لم يعد الجمهور يذهب إلى قاعة العرض السينمائي لكي يعيش حلما من نوع ما، بل لكي يتماثل مع أبطاله التافهين والمزورين والمحتالين ورافضي العمل، ويغيب الجمهور تماما عن الوعي معهم، في انفصال تام عما يحدث في الخارج حتى على مستوى الحلم.

ثقافة المشعوذين الجدد
والنتيجة أن القيم المتخلفة القادمة من العصور السحيقة وكهوف التصحر، تزحف بانتظام وصمود لكي تفرض نوعا من "المقاطعة" الشعبية للسينما، وتفرض على المرأة الخروج من التاريخ، والاستقالة من دورها الطبيعي في المجتمع جنبا إلى جنب مع الرجل، لعلها تكتفي بقراءة كتيبات السحر والشعوذة والاستماع إلى "المشعوذين الجدد" في الفضائيات، إلى أن أصبحت صورة المرأة المصرية في ملامحها الخارجية على الشاشة تبدو وكأنها تنتمي إلى كوكب آخر.

دور الدولة
يحدث هذا كله بينما الدولة لا تزال تتساءل: كيف يمكن دعم السينما؟ فإذا كانت الدولة قد خرجت من عملية الإنتاج السينمائي قبل حوالي 40 عاما استجابة لمطلب السينمائيين أنفسهم، فلماذا يطالبها البعض اليوم بالعودة إلى التدخل في الإنتاج وتنظيم العملية السينمائية؟
هذا السؤال يمكن فقط الرد عليه بالقول إنه يتعين على الدولة أن تعيد للسينما حيويتها ورونقها القديم ليس من خلال الإنتاج السينمائي، فهذا لم يعد في مقدور الدولة أصلا، ولا أحد يرغب في أن يجعل الرقيب يعود منتجا، بل من خلال آلية حضارية تتعامل مع السينما كمنتج حضاري وثقافي وفكري وصناعي، للدولة دور في تنميته وتشجيع نماذجه الجيدة الجادة الطموح.
ولعل النموذج الأفضل هنا هو الذي يعتمد على اكتشاف الجديد المتميز من السيناريوهات التي لا تجد من يمولها، وتقديم تسهيلات في التصوير والإنتاج والعمليات الفنية الضرورية بعد التصوير، كما يمكن أن تدعم الدولة التوزيع. وهنا لا يصبح الأمر متركزا فقط في توزيع حفنة من المال على الأفلام التي تفوز في مهرجان أو آخر، بل في اكتشاف الجديد والسعي إليه وتقديمه دون تدخل في العملية الإبداعية نفسها.


العزلة عن العالم
السينما المصرية بعد مائة عام "مفترضة" من تاريخها، تبدو وقد أصبحت فريسة للعشوائية التي أصبحت تسيطر على الكثير من الجوانب في المجتمع، فليس من الممكن أن تنعزل السينما عما يدور حولها بطبيعة الحال، كما لا يمكنها التواصل مع التقدم العلمي والفني الذي يحدث في هذا المجال خارج مصر بسبب العزلة التي فرضها السينمائيون المصريون على أنفسهم منذ سنوات طويلة، استنادا إلى حصانة التراث وحده، أو بالأحرى "الموروث" من التراكم السينمائي الذي بنى أمجادا في الماضي.

شادي عبد السلام

والنتيجة أن سينما عمرها مائة عام كان يفترض أن تأخذ بيد السينمات الأخرى المحيطة في المنطقة بل وأن تتجاوز الكثير من السينمات الأوروبية والتجارب السينمائية في القارات الثلاث، أصبحت حتى غائبة عن الوجود على الساحة الدولية بعد أن فقدت وجودها في الداخل.
لغة التعبير في السينما المصرية شهدت تقدما كبيرا في الستينيات والنصف الأول من السبعينيات، والسبب يعود في المقام الأول، إلى الانفتاح الثقافي والفكري والسينمائي الكبير على العالم في تلك الفترة. وقد يبدو هذا للكثيرين وكأنه مفارقة غريبة، فكيف يمكن أن تكون السينما منفتحة على العالم في وقت كانت مصر "منغلقة" على نفسها، بينما أصبحت السينما منعزلة عن العالم بعد أن أصبحت مصر في قمة انفتاحها، بل وفي عصر العولمة، وبعد أن اصبح كل شئ متاحا للمشاهدة وأصبح السفر للخارج "روتينا" بالنسبة للكثير من السينمائيين.

تدهور اللغة
غير أن المتأمل جيدا كيف كان الوضع وكيف أصبح، يجد الكثير من الأدلة على صحة فرضيتنا، فقد كانت الثقافة السينمائية في الستينيات والسبعينيات أكثر انفتاحا على سينما العالم وعلى تجاربه، سواء من خلال ما كان يعرض من نوعيات متقدمة كثيرا من الأفلام، أو من خلال حركة نوادي السينما التي بدأت مع مولد نادي القاهرة للسينما عام 1968 والذي استقدم للعرض عشرات الأفلام الفنية، في وقت كانت أوروبا الشرقية والغربية تثور على الواقع "الاستاتيكي" التي تكرس بعد الحرب العالمية الثانية.
كانت تلك مرحلة الثورة والتمرد والغضب التي انعكست بشكل كبير في الادب والفن، وفي السينما بوجه خاص. وكان هناك وهج خاص للسينما الجديدة عند السينمائيين المصريين الذي أصبحوا بعد هزيمة 1967 جزءا من تيار الرفض والغضب والاحتجاج والبحث عن تساؤلات صعبة تبدأ بالرغبة في معرفة أسباب الهزيمة، ولا تنتهي بسؤال البحث في الهوية نفسها.
وقد كان من الطبيعي أن تتأثر السينما المصرية في الكثير من تجاربها بالواقعية الجديدة الايطالية وبالموجة الجديدة الفرنسية وبالسينما الحرة البريطانية وبالكثير من مدارس التجديد في سينما أوروبا الشرقية التي كانت تقدم في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا بوجه خاص، أرقى ما لديها.

زخم ثقافي
كان الواقع "المتحول" فيما بعد 1967 قد صنع زخما ثقافيا وفنيا، وكانت هناك رغبة لدى الأجيال الصاعدة من السينمائيين المصريين في الالتحاق بالعالم، والاندماج في قضاياه (هل كان محض مصادفة مثلا أن يكون أول فيلم يخرجه سعيد مرزوق فيلما تجريبيا عن التفرقة العنصرية بعنوان "طبول" من إنتاج التليفزيون المصري؟).
وكانت حركة الثقافة السينمائية قد اتخذت موقعا مميزا واصبحت منذ أواخر الستينيات، تتعامل مع السينما في إطار المنظومة الثقافية الجادة (الأدب والمسرح والشعر والفن التشكيلي). وتمثلت في تأسيس نادى القاهرة للسينما ثم نوادي السينما في الثقافة الجماهيرية (التي أصبحت فيما بعد الهيئة العامة لقصور الثقافة).
هذا "المشروع" الذي كان يرمي لجعل الثقافة السينمائية ذراعا موازية لذراع الابداع السينمائي، كان مرتبطا بمفهوم يستند إلى أن الجمهور الواعي هو الذي يستطيع أن يفرض سينما واعية.
وكان الإحساس بإيقاع التجديد قد بدأ منذ منتصف الستينيات مع الأفلام الثلاثة الأولى لحسين كمال "المستحيل" و"البوسطجي" وشئ من الخوف"، وامتد على استقامته أكثر وأكثر وصولا إلى "المومياء" تحفة شادي عبد السلام.
وفي أوائل السبعينيات انعكست الرغبة في التجديد في عدد كبير من الأفلام الروائية لمخرجين من شتى الجيلين القديم والجديد، من أول "غروب وشروق" لكمال الشيخ و "زوجتي والكلب" لسعيد مرزوق، ثم "ليل وقضبان" لأشرف فهمي و"الاختيار" ليوسف شاهين، مرورا بأفلام مثل :الحب الذي كان" و"شفيقة ومتولي" لعلي بدرخان و"على من نطلق الرصاص"لكمال الشيخ، ثم "السقا مات" لصلاح أبو سيف و"اسكندرية ليه" ليوسف شاهين.

من فيلم "حمام الملاطيلي" لصلاح أبو سيف (1973)

كانت هناك رغبة حقيقية في تحدي النموذج المستقر للسينما القديمة التي تقوم على رواية قصة وعظية مباشرة، سمتها الأساسية الميلودراما. بدلا من ذلك كان سينمائيون رواد مثل كمال الشيخ وصلاح أبو سيف قد اقتربوا من سينما العقل والتحليل الرصين للقضايا الفلسفية والاجتماعية أكثر فأكثر (غروب وشروق وعلى من نطلق الرصاص والسقا مات)، كما سيطر الطموح على مخرجي الجيل الأحدث لتقديم سينما حداثية جديدة تستفيد من مكونات وعناصر الصورة، تلغي الزمن الثابت والبعد الأحادي للمكان، وتلعب داخل المنظور السينمائي نفسه باستبعاد أشياء وإضافة اشياء أخرى.
وكان طبيعيا أن يحمل أول تجمع جاد للسينمائيين الجدد الصاعدين اسم "جماعة السينما الجديدة"، وهي تجربة سرعان ما أدت المتغيرات السريعة التي عصفت بتجربة مؤسسة السينما نفسها إلى القضاء عليها.

تراجع
ومن دواعي الأسف أن هذا النزوع إلى المعرفة والتجريب والاحتكاك والإقبال على مشاهدة النماذج المتقدمة من الأفلام، قد تراجع على نحو مخيف حتى بعد الانتشار الهائل للفيديو ثم الاسطوانات الرقمية المدمجة (دي في دي، وأصبحت ضغوط السوق إضافة إلى نوع من الكسل الطبيعي الناتج عن الشعور باليأس من التغيير في مجتمع ما بعد أكتوبر 1973، عوامل مهمة في أن أصبح السينمائي المصري لا يشاهد النماذج المتقدمة من السينما العالمية، وإذا شاهدها فهو لا يتأثر بها، وفي حالة تاثره بها، فإنه يرفض أن يعكس هذا التأثر في الأفلام التي يصنعها بدعوى أن اللغة فيها تسبق وعي الجمهور المصري، وهو تبرير غير صحيح لأن الجمهور نفسه يقبل على النوعية الجيدة من الأفلام القادمة من الخارج عندما تتوافر على جرعة جيدة من المتعة ايضا إلى جانب التجديد في الشكل: في لغة الخطاب وطريقة السرد.
وقد أدى هذا الاستسلام - سواء لدواعي السوق أو لدواعي الكسل الشخصي والخشية من الجديد والتجديد - إلى أن اصبح السينمائيون يكتفون بمشاهدة أفلام بعضهم، وتهئنة بعضهم البعض على ما أنجزوه، بل وقد أصبح كثير من السينمائيين المصريين يرفضون ليس فقط النماذج الغربية المتقدمة في السينما، بل ويهاجمون بشدة النماذج الجيدة التي تنتج في بلدان عربية بدعوى أنها "فولكولورية" و"ممولة من أوروبا" و"تحمل أفكارا صهيونية" و"مصنوعة لسينما بلا سوق بل للتسويق الغربي".. وغير ذلك من المقولات الجاهزة المقولبة.
هنا وجد الفيلم المصري نفسه خاضعا تماما لقوالب السوق المحلية دون أدنى محاولة للبحث عن "جمهور جديد" سواء داخل هذه السوق أم خارجها، وأصبحت كل محاولة لمد تجارب الماضي القريب السينمائية على استقامتها، والتعامل مع كل أنواع الأفلام، والبحث عن طرق متقدمة لرواية قصة، وتطوير فن الكتابة السينمائية، في خبر كان، في حين أصبح المنتجون والمخرجون يبحثون فقط عن الشكل السهل السلس البدائي للسرد: قصة خفيفة تمتلئ بمفارقات الفودفيل، تسير في اتجاه افقي إلى أن تنتهي كما بدأت، دون أن نعرف لماذا. وأصبح ضمان النجاح في تصورهم، يتركز في العثور على كاتب يمتلك القدرة على "تنميط" عدد من الشخصيات الهائمة الهامشية، وكتابة أكبر قدر من اللوازم الكلامية (الإفيهات) التي تثير ضحكات جمهور سئم من مسلسلات التليفزيون التي تروي له بدورها قصصا يغيب عنها المنطق بشكل فادح وفاضح.
وعلى العكس مما حدث في أوروبا الغربية من مساهمة التليفزيون في تطوير السينما والإبقاء على التجارب الجديدة الأكثر طموحا (أفلام البريطاني بيتر جريناواي مثالا) كان تأثير التليفزيون المصري على الفيلم السنيمائي مدمرا بحق.


تأثير التليفزيون
لقد ساهم الانتشار الهائل لأجهزة التليفزيون المنزلية في رواج المسلسلات الطويلة، دون أدنى توازن مثلا، مع الفيلم التليفزيوني الذي ينتهي في ساعة ونصف. ومع ظهور سوق خليجية مستعدة لاستهلاك المسلسلات المصرية، اتجه صناع هذه المسلسلات إلى اصطناع كل أنواع الحيل لجعل المسلسلات أطول تحقيقا لمزيد من الفوائد المالية.
هنا تشكل إيقاع آخر للحركة داخل المشهد، وأصبح السيناريو التليفزيوني يدور داخل عدد محدود من الديكورات، بعدد محدود للغاية من اللقطات في كل مشهد، ويعتمد أكثر فأكثر على الحوار الطويل بين الشخصيات، وهو حوار أقرب عادة إلى "المونولوج" منه إلى "الديالوج".
واصبح المطلوب من ممثلي المسلسلات الوقوف إلى جوار بعضهم البعض ومواجهة الكاميرا، والحديث الذي يبدو موجها إلى بعضهم في حين أنه موجه مباشرة إلى الجمهور، أو إلى الذات، في مناجاة عقيمة ساهمت أكثر في تكريس صورة "استاتيكية" جامدة أصبحت السمة السائدة حتى اليوم للمسلسل المصري.
وإضافة إلى الشكل العقيم المكرر الذي لا طموح فيه حتى في حالة الخروج للشارع بالكاميرا السينمائية، أصبحت معظم المسلسلات تعتمد على ملاحم طويلة "ممطوطة" لا نهاية لها، وأجيال تموت وأخرى تظهر، على تلخيص عصور بأكملها أو مفاهيم فكرية في شخوص تقف في المنتصف بين الرمز والواقع، فهذه الشخصية رمز مصر الأم، وتلك ترمز إلى الطبقة الوسطى الوطنية، والأخرى إلى فساد الانفتاح، والرابعة إلى قهر السلطة.. وهكذا، في أنماط متكررة ساذجة ادمنها جمهور أصبح أساسا، يخشى الذهاب إلى دور العرض السينمائي ويفضل البقاء في البيوت امام التليفزيون لأسباب اجتماعية واقتصادية عديدة.
والمتأمل لوضع الدراما في التليفزيون المصري منذ ظهوره حتى الآن يجب أن يدرك على الفور، ان هذا الجهاز الهائل الذي دخله آلاف المخرجين والكتاب والممثلين، لم يستطع في تاريخه كله أن يصنع مخرجا واحدا للفيلم التليفزيوني ككيان درامي متقدم ومستقل، في حين نرى عشرات من مخرجي المسلسلات.
وعندما أرادت سينما اليوم اجتياز إيقاع المسلسلات وطابعها، لجأت إلى التصوير في الأماكن المبهرة: جنوب افريقيا وتايلاند واليونان وهولندا وايطاليا وأخير دبي، تحت تصور أننا بهذه الطريقة سنتمكن من منافسة أفلام هوليوود!
محصلة هذه الأوضاع كلها أن السينمائيين القادرين على إعادة النبض إلى الفيلم المصري، أصبحوا عاجزين عن العمل في سوق بمثل هذه الشروط، فخرجوا منها، إما إلى الفيديو أي إلى مسلسلات التليفزيون التي تمنحهم مكافآت مالية يستطيعون أن يعولوا عليها في استمرار دورة الحياة، أو خرجوا من السينما إلى الصمت والترقب من بعيد، لعل وعسى أن يأتي القادم بما يعجز عنه الحاضر.

أمل قادم
على الرغم من قتامة الصورة على نطاق السوق العريضة للسينما في مصر، إلا أن هناك أملا قد يتحقق على ايدي مجموعات من الشباب الذين آمنوا باستخدام كاميرا الديجيتال في تحرير أنفسهم من الخضوع لشروط ومواصفات السوق، وتمكنوا من خوض عدد من التجارب الجديدة، ومنهم من لجأ فيما بعد إلى تحويل صورة الفيديو الديجيتال إلى صورة سينمائية. ولعل تجارب يسري نصر الله هنا جديرة بالانبتاه، ثم تجربة ابراهيم بطوط في فيلم "عين شمس"، ثم أحمد رشوان في فيلمه الجديد "بصرة"، وفي عشرات الأفلام المتوسطة والقصيرة التي تصنع تراكما فنيا وتقنيا لاشك أنه سينتج مستقبلا شيئا كبيرا. وقد غامر بعض السينمائيين الكبار وشقوا الطريق للآخرين عندما قدم محمد خان تحفته "كليفتي"، واخرج خيري بشارة فيلمه "ليلة في القمر" بكاميرا الديجيتال.
إلا أنه يتعين على هؤلاء السينمائيين الجدد أيضا البحث عن وسائل وطرق جديدة، ليس في الإنتاج والتصوير فقط، بل في عرض افلامهم وتوصيلها إلى جمهور جديد في قاعات مجهزة بأجهزة لعرض هذا النوع من الأفلام، وإلا لأصبح منفذها الوحيد العرض على شاشة التليفزيون، وهو أيضا حل لا بأس طالما أنه يسمح باستمرار هذا النوع من السينما.
إن السينما الجديدة التي لابد أنها ستولد في مصر في حاجة أيضا إلى جمهور جديد، وكلا الطرفين، أي السينمائيون الجدد والجمهور الجديد، في حاجة إلى بعضهم البعض.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger