الأحد، 18 نوفمبر 2012

الطريق لوسط البلد" نموذج للفيلم التسجيلي العشوائي!



أمير العمري


من أهم خصائص الفيلم التسجيلي الجيد تركيزه على الموضوع الذي يريد مخرجه وصانعه أن يتناوله. من الممكن أن يلجأ مخرج الفيلم إلى استخدام الكثير من العناصر المرئية والصوتية، سواء الموجودة في الواقع أو تلك التي يمكن أن يخلقها خلقا لتأكيد رؤيته، شريطة أن يكون ملما بكل دقائق هذه العناصر التي يستخدمها، وأن يكون أيضا مسيطرا على دقائقها وتفاصيلها بحيث لا يطغي عنصر على عنصر آخر.
من الممكن له أن يستخدم الكثير من الشخصيات التي يتابعها في مسارها اليومي- الحياتي، أو يستمع إلى تجاربها الخاصة، أو يطلب منها إعادة تمثيل مواقف ما تدفع سياق الفيلم وتضيف إلى موضوعه وتؤكد على ما يريد المخرج توصيله للمشاهد أو ما يرغب في تحقيقه من "تأثير" حتى لو كان تأثيرا مجردا، جماليا.
لم يعد ممكنا أن نكتفي بالقول إن الفيلم التسجيلي الجيد هو الذي يكون مخلصا في تسجيله للواقع. فمهما بذل المخرج من جهد فهو لن يستطيع في النهاية، تقديم الواقع كما هو، بل ستظل هناك زاوية ما للرؤية، أو صورة محددة للواقع يريد المخرج نقلها إلينا كمشاهدين، وتفاصيل معينة في الصورة هي التي تحظى باهتمامه.
من حق السينمائي أن يختار البناء الذي يراه مناسبا، لكن يتعين عليه السيطرة على كل عناصر الفيلم لكي يدفعها في اتجاه الموضوع الذي يرويه الفيلم أو يناقشه. والفرق كبير بين الفوضى المنظمة والفوضى العشوائية.
هذا المدخل أراه ضروريا قبيل تناول الفيلم المصري التسجيلي "في الطريق لوسط البلد" للمخرج شريف البنداري. (الصحيح لغويا "في الطريق إلى وسط البلد"). أما إذا توقفنا أمام العنوان في علاقته بمادة الفيلم نفسه فسنرى أن موضوع الفيلم لا يتعلق فقط بالطريق الذي يسلكه الناس في طريقهم إلى وسط مدينة القاهرة، أو  إلى ذلك "المربع السحري" الذي يصفه بالتفصيل، الكاتب الأمريكي ماكس رودنبك في كتابه الممتع Cairo, The City Victorious بل أساسا، بوسط البلد نفسه، أجواؤه وأناسه وأرصفته ومبانيه.

الدوران حول الفكرة
لكن من حيث أراد المخرج تصوير منطقة وسط القاهرة بخصوصيتها المعروفة التي قام بتفصيلها علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" مثلا، فإنه يجد نفسه مهتما أكثر بالكثير من الشخصيات والأشياء التي تعتبر خارج نطاق "وسط البلد"، وبالتالي فهو يفقد التركيز على الموضوع، ويقع في عشوائية السرد بعد أن لجأ إلى طريقة في المونتاج لا تبني مشهدا بعد آخر لكي يضيف شيئا إلى الفيلم من خلال كل مشهد، بل يعيد ويكرر، ويعود إلى ما سبق أن صوره، لا لكي يطوره أو يجعلنا ننتقل إلى الأمام، نحو اكتشاف مناطق جديدة في الموضوع، بل للدوران حول الفكرة دون الدخول في عمق الموضوع، وأصبح الفيلم بالتالي فاقدا للتوزان الفني المطلوب في أي عمل.
كيف حدث هذا؟ وما هو الدليل عليه؟
من المعروف في الفن السينمائي، أن الفيلم، سواء الروائي أو التسجيلي، الذي يحتوي على لقطات منفصلة جميلة في حد ذاتها، لا يكون بالضرورة فيلما جيدا، بل قد تصبح مثل هذه اللقطات "الجميلة" عبئا عليه، كما أن ليس كل ما يلتقطه المخرج- أو صانع الفيلم، من لقطات أثناء تصوير الفيلم، تصلح لأن يضمها إلى جسد الفيلم. فالفيلم له منطقه الداخلي الخاص. وكل مشاهده وشخصياته يجب أن تخضع لهذا المنطق، مهما بدا هناك من فوضى "ظاهرية". 
يبدأ فيلم شريف البنداري من "وسط البلد" بالفعل، وليس من الطريق إلى وسط البلد"، فمن اللقطات الأولى في الفيلم نرى ميادين وسط القاهرة الشهيرة، لافتات المحلات التجارية في شارع قصر النيل، زحام سيارات الأجرة، الباعة الذين افترشوا أرضية الأرصفة يعلنون عن بضاعتهم، والمشاجرات بينهم على احتلال الأرصفة.. إلخ
هناك فتاة تقود سيارة تحاول الوصول إلى صديقة لها تقطن في شارع عدلي لكنها تعجز عن تحقيق هدفها، نراها من حين إلى آخر، وهي في الطريق، لا تستطيع أن تترك سيارتها في مكان أمين، تمر – كما تقول لصديقتها عبر الهاتف- مرات عديدة من أمام العمارة السكنية المقصودة لكنها لا تجد مكانا تقف فيه بالسيارة. وجود المنزل الذي تقصده بالقرب من المعبد اليهودي بما يقتضيه من تأمين، يزيد من تعقيد المشكلة. هذه الفتاة سيتكرر ظهورها عبر الفيلم، ونعرف أنها كانت مقيمة في الخارج وعادت للقاهرة وشاركت في ثورة 25 يناير وأنها تسترجع مع المخرج ذكرياتها وتتحدث عن ميدان التحرير وما أصبح يمثله لها.
وهناك إمرأة أخرى، نصف أجنبية، تقيم في شقة في وسط القاهرة، تزور في البداية مكانا لبيع المشغولات اليدوية، يديره فرنسي يحدثها عن اضطراره لغلق المكان أثناء الثورة بسبب خشيته على العاملين من قنابل المولوتوف. وسنعرف فيما بعد أن المرأة ربما تكون صاحبة ومؤسسة معطم شهير في وسط المدينة هو مطعم أستوريل، وأن لديها ذكريات خاصة في المنطقة، تستعيد بعضها من خلال مجموعة من الصور القديمة. وهي تتكلم في البداية بالإنحليزية رغم أنها تعود فتتكلم بالعربية بسلاسة!
وهناك شخص آخر نراه داخل مكتبه يحدثنا عن ذلك المنهج الدراسي الذي يقوم بتدريسه عما يطلق عليه "الفراغات البينية" في منطقة وسط القاهرة، دون أن يفهم المشاهد ما هي الفراغات البينية وما هي أهميتها وأهمية دراستها فالفيلم لا يوضح هذا الجانب ولا يسلط عليه الضوء بل يمر عليه مرور الكرام، لكن المخرج يعود إلى الباحث الأكاديمي نفسه، عبر الفيلم، مرات ومرات، فقط لكي نراه وهو يقوم بتجميع أجزاء ذلك النموذج الخشبي الدقيق (الماكيت) الذي صنعه الطلاب الدارسون للمنطقة، ولا نفهم أيضا أهميته وما يرمي إليه المخرج من وراء هذه الشخصية وهذا النموذج.



وهناك الكاتب الروائي المكاوي سعيد (الذي لا يعرف المشاهد المحايد من هو لأن المخرج لا يقدم الشخصيات بوضوح دائما بل يترك الأمر لفراسة للمشاهد ومعرفته الشخصية). وهو ككاتب من الكتاب الذين كتبوا عن وسط القاهرة في رواياته (هذا أيضا متروك لاستنتاج المشاهد) يزور محلا لبيع الأثريات والأشياء القديمة: الصور واللوحات والأسطوانات والمقاعد.. إلخ
صاحب المحل (أمجد) يبدو رجلا مثقفا يعرف تاريخ وأصل كل ما يعرضه للبيع من مقتنيات، أما سعيد فهو يسأله عن شخصيات مثل مونولوجست قديم من الثلاثينيات، كان يدعى سيد قشطة، وقد أطلق الناس إسمه- كما يقول سعيد- على حيوان فرس النهر عندما جاء إلى حديقة الحيوانات بالجيزة، أو يستمع الإثنان معا إلى أسطوانة قديمة بواسطة جهاز جرامافون قديم إلى أغنية من أغاني الماضي. هنا نحن نخرج من خصوصية "وسط البلد" إلى موضوع يتعلق ببعض المعروضات القديمة التي ترتبط- ليس بوسط البلد تحديدا- لكي ندخل في قصص عن شخصيات أخرى وحكايات أخرى تستغرق صانع الفيلم لطرافتها لكنها تنزلق بالفيلم بعيدا عن مادته الأساسية.
وهناك القاص والرسام عبده البرماوي الذي يتردد كثيرا على منطقة وسط البلد ويشرح للمخرج كيف أن المثقفين لا يخرجون عن نطاق مثلث معين في المنطقة يرتبط بعدد من المقاهي المعروفة، كما يتطرق أيضا إلى مشاركته في الثورة الأخيرة.
وهناك البائع المتجول أو بائع الرصيف (وهو وصف أكثر دقة في رأيي) ويدعى حسين الذي يتحدث كثيرا عما كانوا يتعرضون له هو وزملاؤه على يد الشرطة قبل الثورة.
هناك الكثير من التشتت في الأفكار، وكثير من التنافر في الشخصيات، فمعظمها أساسا، شخصيات جاءت من خارج المنطقة، وهي تقدم لنا من على مسافة معينة، تحافظ على القشرة الخارجية لها دون النفاذ إلى أعماق أي شخصية منها. ولا نعرف هل اهتمام الفيلم بالمنطقة كمكان هو اهتمام بتاريخها الثقافي، أو بطرازها المعماري، أم بكونها كانت بؤرة لثورة يناير 2011 بسبب ملاصقتها لعاصمة الثورة أي ميدان التحرير!
من الممكن أن يقول قائل بالطبع: إنها كل هذه الأسباب مجتمعة، لكن العبرة بالقدرة الفنية على تحقيق التوازن فيما بينها، بل وعلى تقديمها بشكل عميق وليس العبور السطحي عليها من الخارج، وهو ما نفتقده كثيرا في الفيلم، فأنت لن يمكنك أن تحشد كل شيء يصادفك لمجرد ما تعتقد أنه "طرافته" و"تعبيره عن شيء ما". وما ينتج عن هذه "المزاجية" أن الفيلم يمكن ان يستمر في الخروج من قصة للدخول في قصة أخرى، والتوقف أمام المزيد من الشخصيات التي تصادف وجودها في "وسط البلد"، وبذلك يمكن أن يستمر السرد لساعات، كما يمكن أن ينتهي في أي لحظة، وهذا ما نطلق عليه خللا خطيرا في البناء.


تراكم اللقطات
يعتمد المخرج في تقديم كل شخصيات الفيلم التي تظهر مرات عدة جميعها، تتحدث سواء مع بعضها البعض أو مع المخرج من وراء الكاميرا، على إعادة التجسيد، أي على نوع من التمثيل.. تمثيل "وجود"  هذه الشخصيات في "وسط البلد"، مما أدى إلى الكثير من الافتعال.. افتعال التلقائية في التصرفات والحوارات والأداء أمام الكاميرا.
ومع تكرار ظهور تلك الشخصيات تتراكم اللقطات دون أي إضافة حقيقية تثري الفيلم الذي أخذ مخرجه يواصل الدوران حول الفكرة دون الاقتراب منها، فقد خرجنا ونحن أبعد ما نكون معرفة بوسط القاهرة، فكل ما شاهدناه مجموعة من الأنماط التي يمكن أن تجدها في أي حي في العاصمة، وما تقوله تلك الشخصيات لا أهمية له في سياق التعريف بخصوصية المنطقة.
 نحن مثلا نرى الفتاة التي تحاول الوصول إلى صديقتها تشكو من عدم وجود أماكن يمكن استئجارها للتدرب على الرقص، وهو موضوع لا علاقة له بموضوع الفيلم، بل ولا تقول لنا قصتها هي داخل الفيلم سوى أن "وسط البلد" مكان مزدحم يصعب أن تترك فيه سيارتك، وأن الأرصفة لم تعد تصلح للاستخدام، وتشكو من أن الناس لم تعد تسير على الأرصفة، وهذا كله ليس اكتشافا، بل وجانب لا قيمة له أصلا في السياق، وصاحب الماكيت الضخم لا يضيف إلى معارفنا بالمنطقة والحي وطبيعته وأناسه شيئا بل يبدو وكأن الفيلم مشغول بأمر واحد فقط هو تجميع أجزاء الماكيت معا لكي يعرض لنا صورة عامة له دون أن يضيف ذلك شيئا إلى الفيلم. والسيدة التي تروي لنا كيف أن البعض يقوم بسرقة أغطية البالوعات وأسلاك التليفونات وترينا صورا التقطتها للشوارع وقد بدت فيها البالوعات مفتوحة، لا تقول لنا شيئا يضيف أو يكشف لنا عن جانب من جوانب الخصوصية في "وسط البلد" فهذا ما يحدث أيضا في أماكن عديدة أخرى في القاهرة.
إن "الطريق لوسط البلد" فيلم يعيبه أساسا ذلك القدر من العشوائية في البناء، والسطحية في التناول، والفشل في التعامل مع الموضوع من زواياه المختلفة بسبب الخروج باستمرار عن بؤرة الموضوع.
ومرة أخرى، نحن لا نعرف هل هو فيلم عن الزحام، أم عن الثورة؟ عن تاريخ المكان وأهميته (وهو غائب عن الفيلم بشكل عام) أم عن الباعة الجائلين ومشاكلهم؟ عن العلاقة بين الشرطة والناس، أم عن الشعور بالإحباط من الزحام؟ عن محلات العاديات (التي توجد أيضا بعيدا عن وسط المدينة في حي المعادي مثلا) أم عن رسوم الثورة الجرافيكية؟
ولهذا فالفيلم يفتقد إلى الوحدة الفنية بشكل ظاهر. ويبقى الجانب الأساسي الغائب عن الفيلم، هو ذلك التعبير عن سحر ذلك "المربع السحري".. رغم أغطية البالوعات المفتوحة وأسلاك التليفونات المنهوبة. لكن هذه هي حدود فيلم أراد أن يقول كل شي فلم ينجح في إشباع أي من جوانبه.


(( نشر هذا المقال في موقع "الجزيرة الوثائقية بتاريخ 15 نوفمبر 2012))

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

أبوشادى يستثمر "المزرعة" ويطيح بخطاب

سيد خطاب مدير الرقابة السابق
 


"عندما تتضارب المصالح تغيب العقول"، حكمة قديمة تثبت في كل يوم أنها حقيقية، وتجسدها اليوم أزمة وقع فيها الدكتور سيد خطاب رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية، حيث تقرر عدم التجديد له فترة ثانية، وهو ما لم يحدث لرئيس رقابة علي مدي السنوات الماضية.. ترددت أنباء عن أن السبب الحقيقي وراء هذا القرار هو رفض «خطاب» للتصريح بإنتاج مسلسل «المزرعة» الذي كتبه محسن الجلاد، لأنه يتناول شخصيات النظام السابق، مستنداً في ذلك إلي عدم صدور أي أحكام قضائية علي الأسماء التي ذكرت في المسلسل، وبالتالي يمكن أن يتعرض من يوافق عليه للمساءلة القانونية.. والسؤال المطروح: لماذا وافق عبدالستار فتحي مدير عام الرقابة علي إجازة المسلسل رغم أنه كان ضمن لجنة الرقباء الذين رفضوه؟.. وهل موافقته جاءت بعد وعود بأن يتولي هو منصب الرئيس خلفاً لخطاب؟
والسؤال الآخر: هل تدخل بالفعل علي أبوشادي رئيس لجنة التظلمات بوزارة الثقافة بإقناع الوزير بقرار عدم التجديد لـ «خطاب» نظراً لعلاقته القوية بمؤلف العمل محسن الجلاد؟.. الذي تربطه به علاقات مصالح قبل العلاقات الشخصية.


جريدة الوفد الوفد - 24 أكتوبر 2012

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

عن التسجيلي والريبورتاج والسياسة




أمير العمري


نقلا عن "الجزيرة الوثائقية"



لاشك أن تطور صناعة الكاميرات الرقمية الصغيرة، محدودة التكاليف، شجعت، ولاتزال، الكثير من الراغبين في التعبير عن مواقفهم السياسية من خلال "أفلام" يصورونها، دون تكاليف كبيرة، على صنع هذا النوع من "الوثائقيات" أو الأعمال التوثيقية التي تعتمد في معظم الأحوال، على الجهود الذاتية.
ولعل هذا هو سر ذلك الزحام الكبير الذي تشهده عشرات المهرجانات السينمائية حول العالم، بمئات الشرائط المصورة من خلال كاميرا "الديجيتال"، منها أفلام حقيقية يمكن بالفعل اعتبارها من الأفلام الوثائقية التي تعبر عن رؤية مبدعيها المركبة تجاه الكثير من القضايا الإنسانية والسياسية في عالمنا، إلا أن معظمها لا يزيد عن كونه أعمالا مصورة يدخل قطاع كبير منها ضمن دائرة الريبورتاج التليفزيوني ، والباقي ضمن التجارب التوثيقية التي لا تحمل أي قيمة فنية معينة.

الوعي بالوثائقي
الفرق بين الريبورتاج التليفزيوني وبين الفيلم التسجيلي أو الوثائقي، يكمن في أن الأول يركز على فكرة معينة يظل يبحث حولها، ويتظاهر بالموضوعية حينما يلجأ إلى استقصاء آراء عدد من الأشخاص يمثلون مختلف أطراف القضية، دون أن يعني هذا أنه يتخلى عن وضع كل تلك الشهادات ضمن "سياق" معين يخضع لوجهة نظر مسبقة في القضية المطروحة في معظم الأحيان.
يستخدم صانع الريبورتاج أساسا، التعليق الصوتي، سواء المباشر الموضوعي القادم من خارج العمل، ويكون في هذه الحالة هو صوت صانع العمل نفسه أو من يمثله ويعبر عنه، أوغير المباشر من خلال صوت إحدى الشخصيات التي يصورها التي تنقب في الموضوع، أو يستخدم أكثر من صوت داخل العمل بالتناوب.

يهتم الريبورتاج كثيرا بالشخصيات المتكلمة، ولا يعير الكثير من الاهتمام للغة الفيلم الوثائقي أو طرائق المونتاج المختلفة: كيف يصوغ المادة المصورة ضمن سياق فني، فالمهم هو توصيل المعنى السياسي وليس البحث عن نسق فني يصوغ من خلاله أفكاره.
الفيلم الوثائقي له شكل، بناء، خط قصصي أيضا، ومحور واضح لا يشترط أن يكون داخل سياق يدعي "الموضوعية".. بل يمكن جدا أن يكون فيلما ذاتيا، يعبر فيه المخرج عن رؤيته الخاصة أو عن ذكرياته أو مواقفه السياسية دون أن يخشى الاتهام بخيانة النوع، في حين أن الريبورتاج يتلاشى فيه الخاص لحساب العام.. تحت تصور أنه بهذا يخدم القضية!
هذه المقدمة كانت ضرورية في رأيي قبل التطرق إلى عمل عرض في الدورة السادسة من مهرجان أبوظبي السينمائي تحت عنوان "كما لو أننا نمسك بكوبرا" للمخرجة السورية المقيمة في فرنسا هالة العبد الله. وسبق لهالة أن صنعت عملا بالاشتراك مع عمار البيك يحمل أيضا عنوانا شاعريا أدبيا هو "أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها".

القضية والتعبير
هالة في فيلمها "التسجيلي" الجديد (120 دقيقة) تسعى لتقديم عمل ينتمي إلى ما يمكن أن نطق عليه فيلم "القضية" وهو ما يعيد إلى أذهاننا ما كان ينتج في الستينيات من أعمال كان يطلق عليها "السينما النضالية" أو "المنشورات السينمائية" آخذين في الاعتبار أننا لسنا هنا أمام فيلم "سينمائي" بل أمام عمل صور بكاميرا الفيديو الرقمية وليس الكاميرا السينمائية، والفرق لايزال كبيرا بين النوعين في رأي كاتب هذا المقال!
إغواء التصوير بالديجيتال يتمثل في الوقوع في التقاط الكثير من اللقطات للشوارع والمحيط الذي يجري فيه التصوير، لا تضيف شيئا إلى العمل نفسه، كما يغوي أيضا بتحريك الكاميرا بضرورة أو دون أي ضرورة على الإطلاق أحيانا. ولا يهتم صانع فيلم الديجيتال كثيرا بالإضاءة بل لا يهتم بها في معظم الأحيان، ولا يهمه كثيرا جماليات الصورة السينمائية (أو ما يطلق عليه البعض "الكادر" السينمائي) أي مكوناتها التشكيلية ناهيك عن الإهمال التام لما يعرف بـ"عمق المجال" في الصورة وهو من أهم خصائص فن السينما أو الفيلم!


حالة ثورية
"كما لو اننا نمسك بكوبرا" (من إنتاج مشترك بين الإمارات وفرنسا) عمل تطمح مخرجته هالة العبد الله إلى التعبير عن تلك "الحالة" الثورية القائمة حاليا في كل من سورية ومصر، من خلال إظهار عدد من رسامي الكاريكاتير الذين يعبرون في رسوماتهم عن الثورة وعن غضب الشعوب، لكن الملحوظة الأولى التي تلفت النظر هنا تتمثل في سوء اختيار معظم هؤلاء الرسامين، بل وإغفال عرض رسوماتهم وكيف تعكس الثورة، اكتفاء بتصويرهم وهم يتحدثون عن العلاقة بين النقد السياسي وفن الكاريكاتير.

أهم من يظهر من الجانب السوري في الفيلم الرسام المعروف علي فرزات الذي اعتدى عليه قبل فترة من عملاء النظام السوري، ومن مصر الرسام محيي الدين اللباد قبيل وفاته، وهو ما لم أر له ضرورة لأن الرجل ظهر وهو في حالة من الضعف لا تسمح له بالحدث فبدا مثيرا للشفقة كثيرا، لكنها أرادت إطهاره كملهم ومعلم لأجيال الجديدة من الرسامين الذين كظهر بعضهم في العمل.


وتظهر رسامة مصري شابة تبدو متزمتة دينيا واجتماعيا، لكنها مع الثورة سياسيا دون ان تتوقف المخرجة مثلا أمام هذا التناقض الخطير الذي أصبح يصبغ شكل الحياة في مصر اليوم!
ويظهر الرسام فرزات متحدثا عن تجربته من خلال نظام التخاطب "سكايب" أي عبر شاشة الكومبيوتر لأن المخرجة لم تستطع التصوير في سورية. كما تظهر الكاتبة السورية سحر يزبك لتحتل المساحة الأكبر من الفيلم في الحديث حول الكثير من الجوانب النظرية حول السخرية والمبالغة في الأدب العربي، وتتطرق كثيرا الى الرقابة وما تقوم به من محاولة قمع حرية التعبير في سياق كلامي يختلط فيه المطلق بالنسبي، والعام الذي يبتعد كثيرا عن موضوع العمل، بالخاص الذي يرتبط بتجربتها هي الخاصة في الاعتقال بسبب آرائها ثم قرارها بمغادرة البلاد إلى الخارج وكأن هذا هو الحل!

فقر الصورة
يعاني العمل من فقر الصورة إلى درجة كبيرة واضحة، ومن غياب الخط القصصي، والبناء المحكم الذي يملك إيقاعه الداخلي الخاص، كما يعاني من افتقاد شخصيات الرسامين الذين يظهرون- خصوصا من مصر، إلى أي نوع من "الكاريزما" الشخصية أو التألق الفني، بل تركز المخرجة عليهم وهم يجلسون على مقاعد في المقاهي العامة يدخنون الشيشة كما لو كانت تقول إن تدخين الششيشة هي مصدر الإلهام الفني لديهم!
يمتليء العمل بالكثير من الحكي والكلام والأحاديث التي يتم تقطقعها ودمجها معا بعيدا عن أي سياق فني محدد، ومن دون أن يؤدي أحد المشاهد إلى الآخر في سلاسة ومنطق، فالانتقال هنا مزاجي تماما، من هذه الشخصية إلى تلك، ومن مصر إلى سورية أو العكس، ومن استخدام صور مباشرة إلى استخدام صور ضبابية مركبة فوق صور آخرى لمنظر طبيعي مثلا، كما في اللقطات الأخيرة لسحر يزبك، دون أن يكون هناك أي منطق فني لهذا الاختيار بل هو محض محاولة للتحلي بالتجريبية والحداثة الظاهرية!
ريبورتاج هالة العبد الله عن دور الكاريكاتير التحريضي في الثورة غير مكتمل بل ويعاني من الفقر الشديد في المادة المصورة التي يمكن أن تعكس قوة الكاريكاتير وكيف يمكنه أن يكون استفزازيا للسلطات كما يتردد كثيرا في الفيلم على ألسنة من يتحدثون، دون أن نرى ذلك على أرضية الواقع.
لهذا كله لا أظن أن هذا العمل سيضيف الكثير إلى وثائقيات الربيع العربي!

الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

مهرجان طهران السينمائي للأفلام القصيرة





أمير العمري- طهران



هذه هي المرة الثانية التي أشارك فيها في عضوية لجنة التحكيم بمهرجان طهران السينمائي للأفلام القصيرة الذي يقام سنويا ويعرض أكثر من 400 فيلم من الأفلام القصيرة والتسجيلية وأفلام الرسوم (التحريك) وما يسمى بـ"الأفلام التجريبية".
افتتح المهرجان يوم الإثنين الأول من أكتوبر ويستمر حتى 8 أكتوبر ويعرض أيضا من خلال المسابقات الوطنية للأفلام الإيرانية عددا كبيرا من الأفلام تصل إلى حوالي مائتي فيلم إيراني من إنتاج مختلف الجمعيات والشركات التي تكونت خصيصا لتشجيع الشباب على تصوير الأفلام والتعبير من خلال السينما.
يدير المهرجان السيد هاشم مزرخاني، وتنظم المهرجان جمعية سينما الشباب في إيران ولها نحو 16 فرعا في مدن إيرانية مختلفة، وهي تنتج سنويا أكثر نحو 1200 فيلم قصير وتجريبي وتسجيلي، وهو عدد كبير حتى بمقاييس الدول الكبرى في السينما.
إضافة إلى المسابقات العالمية ومسابقات الفيلم الإيراني، هناك قسم خاص لعرض عدد من أحدث الأفلام القصيرة من البرازيل، ومسابقة خاصة لأفلام دول آسيا الإسلامية تضم 26 فيلما وتشكلت لها لجنة تحكيم دولية (يشارك فيها كاتب هذه السطور أيضا) لمنح جائزة أفضل فيلم يعكس القيم الإسلامية.
لجنة التحكيم الدولية تكونت هذا العام من أحمد نجفي (مخرج وممثل من إيران)، ومحمد رضا إسلام (مخرج إيراني) وجوليان بليسييه (أكاديمي فرنسي)، وفرنشيسكو لوبو دي أفيلا مدير مهرجان بورتو 7 للأفلام القصيرة في البرتغال، وسوراف سارانجي وهو مخرج تسجيلي من الهند، واميليو ديلا شيسا وهو مخرج تسجيلي ومدير مهرجان نهر بورتيللو في ايطاليا، وكاتب هذه السطور.
أما لجنة تحكيم أفضل فيلم من دولة إسلامية في آسيا فتتكون من محمد رضا إسلام وأمير العمري وسفيتلانا يونوسوفا من تاترستان، وهي مديرة مهرجان سينمائي في تلك الجمهورية الصغيرة التي استقلت عن موسكو.


أفلام كثيرة
تكتظ المسابقات الدولية الأربع بعدد كبير من الأفلام، فمسابقة الأفلام التسجيلية تضم 40 فيلما من الصين واسبانيا وألمانيا وغانا والفليبين وبريطانيا والبرازيل وبولندا وكيرغستان وجمهورية التشيك والمجر وإيطاليا وأمريكا وإيران وسويسرا وفرنسا وتايوان والنرويج وفلسطين وهولندا والعراق .
الملاحظة الأساسية على هذه المسابقة بل وباقي المسابقات أنها تضم أفلاما من إنتاج السنوات الثلاث الماضية، أي أن هناك أفلاما تعود إلى عام 2009، وهو ما يعني أن المهرجان لا يبحث بالضرورة عن أحدث الأفلام بل يسعى لضم أكبر عدد ممكن من هذه الأفلام، وهي نقطة لا أظن أنها تعمل لصالحه.
هذه الملحوظة تتضح أكثر إذا ما علمنا أن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة تضم وحدها 122 فيلما بالتمام والكمال وهو ما يلقي عبئا مضاعفا على لجنة التحكيم. وتضم مسابقة أفلام التحريك 61 فيلما ومسابقة الافلام التجريبية 33 فيلما، أي أن مجموع الأفلام المتسابقة في المسابقات الأربع يبلغ  256 فيلما.
أما مسابقة الأفلام الآسيوية فتضم 45 فيلما من إيران ومصر وماليزيا والأردن وتركيا وفلسطين وكيرغستان والمغرب وسورية والعراق.
وبطبيعة الحال يأتي أكبر عدد على الإطلاق من الأفلام في كل المسابقات من الدولة المضيفة إيران. وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة وحدها هناك 25 فيلما.
خلال حفل الافتتاح تم تكريم عدد ممن قدموا الكثير للسينما الايرانية من شخصيات ايرانية واجنبية، واكتفى المنظمون بالقاء الكلمات وتقديم عرض موسيقي غنائي ولكن دون عرض أي أفلام وهو أمر مستغرب في مهرجان سينمائي.

جدران سراييفو
من أفضل أفلام مسابقة الفيلم الروائي القصير فيلم "4 جدران سراييفو" للمخرج نديم جوش من تركيا. وهو يقع في 24 دقيقة، ويدور في أجواء سراييفو الواقعية تماما من حيث الصورة.. الشوارع.. أطلال البنايات.. ولكنه عبارة عن حكاية خيالية مؤثرة عن التأثير المدمر للحرب على الوعي الفردي وعلى العقل البشري. والقصة تدور حول علاقة إبن بأبيه المقعد الذي فقد زوجته وابنته في حادث انفجار قنبلة في ساحة سوق سراييفو اثناء الحرب التي دارت هناك في منتصف التسعينيات، ونتجت عاهته بعد إصابته إصابة مباشرة جراء انفجار قنبلة السوق التي قضت على عدد كبير من الأبرياء.
الأب (سميل) يرقد الآن عاجزا، يعتمد في تدبير أمور حياته على ابنه الذي نجا من الموت "ميرزا"، وهو يقوم على خدمته، ويحمله لقضاء حاجته ثم يخرج للحصول على بعض الطعام لهما لنراه وهو يسير بين الأطلال والخرائب في حذر، يرتعد من فكرة التعرض لرصاصة من رصاصات القناصة. وعندما يعود بمشقة إلى الغرفة الأرضية الرطبة التي يقيم فيها مع والده يخشى أن يفتح الباب لرجل يأتي فجأة يطرق على الباب، ويؤكد على والده مرارا ألا يفتح الباب لأي إنسان فربما يكون القادم الغريب من الأعداء. لكن ميرزا يغادر ذات يوم متحسسا طريقه في رعب كعادته، ويأتي الرجل يطرق على الباب باصرار فيلقي له العجوز بالمفتاح من أسفل الباب لكي يدخل ونعرف أنه صديق قديم لسميل يدعى "معمر". يتعانق الرجلان، ويقول له الرجل إنه جاء من قبل حاملا معه بعض الطعام لكنه لم ينجح في الوصول إليه، وعندما يتطرق سميل إلى القول بأنه وابنه انتقلا للإقامة في هذه الغرفة بعد أن تهدم منزلهما في القتال، وإنها أفضل مكان للاحتماء من سقوط القنابل يقول معمر في دهشة: عن أي قنابل تتحدث وقد انتهت الحرب منذ سنتين!
لا يصدقه سميل ويعتقد أنه يمزح. لكن معمر يسأله كم مضى عليه دون أن يغادر هذه الغرفة إلى الخارج؟ فيقول له إنه لم يخرج منذ عامين ونصف العام.
يحمله صديقه ويخرج به إلى سراييفو حيث تسير الحياة الطبيعية، في حين نرى ابنه وهو يعود متلمسا طريقه في حرص بالغ كعادته، محتميا بالأشجار بين كل خطوة وأخرى.
لقد فقد الإبن عقله تماما، وأصبح أسيرا لفكرة الخوف من القناصة، ومن الموت العبثي على قارعة الطريق.
فيلم مصنوع ببراعة وفي بساطة آثرة، ودون استطرادات كثيرة.
أداء تمثلي واثق ومعبر من الممثلين الثلاثة الرئيسيين. موسيقى كلها ترقب وحذر وقلق وخوف. تصوير حساس يعرف كيف يتعامل مع الأحجام المختلفة للقطات، ومونتاج ينتقل بين اللقطات في اللحظة المناسبة. ومخرج يسيطر على مادته بحيث يوصل للمتفرج الحالة النفسية التي يريد أن يعكسها من خلال تلك الحكاية الرمزية عن أثر الحرب على العقل البشري، دون ثرثرة أو استغرق طويل في الوصف والشروح. وهذه هي طبيعة بل وجوهر الفيلم الروائي القصير، تماما مثل القصة القصيرة الناجحة الناجعة. 

الحب من أول نظرة
يعرض المهرجان أيضا فيلما روائيا قصيرا آخر يدور في أجواء سراييفو ولكن في الوقت الراهن بعد أن انتهت الحرب: هنا نرى من خلال هذا الفيلم "الحب من أول نظرة" (14 دقيقة) للمخرج البريطاني مارك بلاين، شوارع سراييفو الضيقة المرصوفة بالأحجار. المنازل المتلاصقة، نساء عجائز يذرعن الطرقات الصغيرة. شاب أسمر غريب يهبط إلى المدينة، يتجه إلى مسكن استأجره، يلمح جارته الحسناء في شرفة المنزل المقابل، يقع في غرامها على الفور.
يحاول الشاب أن يلفت نظر الفتاة الجميلة، لكنها لا تنتبه إلى وجوده. يبتكر حيلة بعد أخرى لكي يلفت نظرها لكنها ليست هنا، إلى أن يرى ذات يوم رجلا يدخل إلى الشرفة حيث تقف الفتاة ويجذبها للداخل في حب.
صدمة الشاب تدفعه للهرب إلى الخيال.. إلى أحلام اليقظة. في المقهى بينما يتناول قهوته. يغمض عينيه ويتخيل الفتاة تدخل للمقهى وتسير ببطء في اتجاهه وتجلس إلى جواره. تمد يدها في بطء شديد وتلمس يده. لكن الواقع أقوى من الخيال، تنتقل الكاميرا إلى مسكن الشاب حيث الورقة التي رسم فيها صورة تعبر عن اعجابه بالفتاة وأراد إرسالها إليها في الماضي القريب غير أنه لم يفعل. الورقة تطيروتسقط من النافذة، تلتقطها امرأة عجوز تقوم بتنظيف الشارع في أسفل. تتطلع المرأة إلى الصورة المعبرة، تبتسم وتتطلع إلى شرفة في الأعلى، تلمح رجلال يراها ويرى الصورة ويبتسم. تعتقد أنه هو مرسلها. هو أيضا لا يمانع من أن تفهم هي إعجابه بها. يبتسم الإثنان لبعضهما البعض. ربما يكون هذا هو الحب من أول نظرة، وينتهي فيلم آثر في خياله وفي قدرة مخرجه على التعبير من دون كلمة حوار واحدة.
هذا فيلم يعتمد أساسا، على التعبير بالصورة، من خلال حجم اللقطات، الانتقال السلس من لقطة إلى أخرى، الموسيقى الناعمة التي تصاحب الصورة، وتعكس القلق والرغبة في التواصل مع التردد، والحب الفياض العاجز عن التحقق، التكوينات التشكيلية المعبرة والاهتمام الكبير بالخلفية وبعمق المجال، والانتقال بين الحركة العادية والحركة الناعمة البطيئة، ومن اللقطات القريبة (كلوز أب) التي تعكس فوران المشاعر، إلى اللقطات البعيدة أو المتوسطة العامة التي توضح التناقض بين موقفي كل من الشاب والفتاة، وحركة الكاميرا التي تهبط تدريجيا وببطء لكي تتوقف على وجه المرأة وهي تلتقط الرسالة السحرية.
الفيلم أيضا من تلك التي سبق لها الحصول على عدد من الجوائز وربما يحصل أيضا على جائزة في مهرجان طهران السينمائي للأفلام القصيرة.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger