الخميس، 16 ديسمبر 2010

مهرجان دبي السينمائي 2


بلاغة التعبير في فيلم "مطر أيلول"


في إطار مسابقة الأفلام الروائية العربية الطويلة (المهر العربي) في مهرجان دبي السينمائي عرض الفيلم الجديد للمخرج السوري الكبير عبد اللطيف عبد الحميد، في عرضه العالمي الأول بعد عرضه الوحيد في بلده في إطار الدورة الأخيرة من مهرجان دمشق السينمائي.
ويمكنني القول إن فيلم "مطر ايلول" درس حقيقي رفيع في بلاغة استخدام الصورة والصوت في الفيلم السينمائي. وفيه يعود عبد اللطيف عبد الحميد مرة أخرى إلى ملامسته العابثة المثقفة لموضوعه، وتلاعبه بالشكل وبالشخصيات المتعددة التي يستخدمها بهدف "عرض حالة" أو تصوير مناخ عام، يرتبط فيه الحب بالقمع، يغيب فيه التحقق، وينمو فيه الشعور بالخوف: الخوف من عبور الشارع، من نظرات الجيران المتلصصة، من قمع الأب والأم، من سلطة هزلية تسجل حتى ارتفاع الأشجار، لكنها تلعب على الخوف المتغلل في النفوس وإن كان يمكن هزيمتها وتهميشها.
هذا فيلم عن عدم اكتمال الأحلام، عن البحث عن الحب في ظل مناخ عام يجثم بسطوته على كل شيء، فالحب لا يكتمل أبدا، فهو إما يقطعه الموت المفاجيء، أو نفاذ الهمة والحيلة بسبب الخوف، أو العجز عن اجتياز العتبات الممنوعة.
فيلم "مطر أيلول" ليس فيلما بسيطا في تركبيه رغم ما يبدو للمتفرج من على السطح الخارجي للفيلم، من أننا أمام مجرد "كوميديا ساخرة" عن البشر في دمشق المعاصرة.
إن عبد اللطيف، المخرج الذي يكتب أفلامه بنفسه، يستخدم المبالغة للتقريب، لتقريبنا من تلك الشخصيات العادية التي قد نصادفها يوميا في حياتنا دون أن ننتبه إلى ما يكمن في حياتها من مفارقات، ومن مآس أيضا.
بطل الفيلم أو شخصيته المحورية لأب – أرمل يعول ستة من الأبناء الشباب بعد وفاة زوجته، أحدهم متيم بحب جارته الحسناء، يأخذ على عاتقه أن يغسل يوميا سيارتها ويزينها بالورود وكأنه محكوم عليه بتنفيذ عقوبة.. هي عقوبة الحب المستحيل.. فالفتاة صامتة تماما، تكتفي بالابتسامات، وفي معظم الأحيان تبدو وكأنها قد استمرأت الفكرة، فكرة استعذاب تلك العبودية التطوعية.. إلى أن يخفق قلبها فتعترف للمرة الأولى والأخيرة بالحب همسا في أذن الشاب المشدوه، لكنها تفارق الحياة بعد ثوان في حادث اصطدام.

هناك أربعة من الأبناء منهم بائع البطيخ الذي يتوجه يوميا لكي يتطلع عبر نافذة إلى الفتاة التي يحبها والتي تداعبه بالنظرات والغمزات دون أن تكتمل أبدا هذه العلاقة الغريبة على أي مستوى، بل ويفاجأ صاحبنا ذات يوم بأن نافذتها أصبحت مغلقة بطبقة كثيفة من البناء الأسمنتي. ماذا حدث؟ لا نعلم وليس مهما أن نعلم، فنحن لسنا أمام فيلم من أفلام الشروحات، والمقدمات والتوالي، والدوافع النفسية للأبطال، بل أمام لوحة سينمائية يمكننا أن نستقبلها ونستمتع بها من خلال تلك اللمسات البسيطة الموحية، والإشارات الدالة، والرموز التي ترتبط معا بشيفرة ما تحت جلد الصورة.
أما الأبناء الأربعة الآخرون فهم متشابهون في اهتمامهم الكبير بل عشقهم للموسيقى، يكونون معا فرقة لا تكف طوال الفيلم عن عزف أجمل الألحان العربية لأغاني الحب الرومانسية من عصر مضى.. عندما كان للموسيقى والأغاني، معنى ومغزى ودلالات وحلاوة خاصة أيضا. وكأن الاحتفال بالموسيقى يمكنه أن يهزم الخوف أو أن هذا هو الانطباع الذي يرغب عبد اللطيف في ترسيخه.
يرتبط هؤلاء العازفون الأربعة بالخطوبة بأربع فتيات من أسرة من أسر الطبقة الوسطى، ولكن غير مسموح للفتيات بالخروج مع خطابهن، فقط يجتمعن معهم في منزل الأسرة بين حين وآخر، حيث يشرف الأب والأم على "الجلسة" التي قد تدور خلالها محاولات للتلامس من تحت مائدة الطعام، أو غمزات الحب، وهمسات الشوق والاشتياق، أو مناجاة عن طريق العزف الموسيقي البديع!
أما الأب فهو عاشق الموسيقى الأصيلة والطرب، يحاول أيضا موزانة حياته الرتيبة بعد تقاعده، باحثا أيضا عن الحب، عن التحقق الذاتي، وعن نوع من الاشباع العاطفي الذي فقده منذ دهر، لكنه يختار اقامة علاقة حب مع المرأة الخادمة التي تتولى نظيف مسكنه. وهو يضرب لها مواعيد في أماكن خلوية: في الغابة خارج المدينة، حيث يجلسان في سيارته القديمة يتناجيان ويغمضان عيونهما ويختلسان قبلات بريئة. وتعبيرا عن ولعه بالمرأة التي تبدو نموذجا جميلا للعاشقة التي تتمتع بذوق موسيقي رفيع، يستأجر من يستطيع أن يجعل الدنيا تمطر في أيلول ولو بطريقة صناعية، ورغم انكشاف الحيلة الطفولية، لا تغضب المرأة بل تبدو وقد راقت لها الفكرة وفهمت مغزاها الجميل.
هناك بين طيات هذا الفيلم احساس، ليس فقط بالعجز عن اقامة علاقات مكتملة، بل وبنوع من العجز عن التواصل أيضا بين الأبناء والأب من خلال الكلام، فهناك الموسيقى التي تتردد طوال الفيلم، وهناك ذلك الابن الذي يتابع قصة الحب التي يعيشها والده لكنه يتحدث معه بالهاتف المحمول قائلا إنه لا يستطيع أن يتكلم معه في مثل هذه الأمور ويتطلع إلى عينيه مباشرة.
الجيران تحولوا إلى جمهور للنظارة، مجموعة من المتفرجين الذين يتجمعون يوميا في الشرفات لمشاهدة الشاب الذي يغسل سيارة حبيبته، ويتابعون مسار القصة، ويعلقون على الأحداث، وهناك مجموعة الموظفين الحكوميين ورئيسهم المتسلط، وهو رغم تكونيه الهزلي، قاس، متجبر، يحاول أن يفرض حتى على صاحب الملهى تغيير الفرقة الموسيقية التي تتغنى بأغاني الحب، فهو معاد للحب، لا هم له سوى اشاعة الخوف. وعبد اللطيف باستخدام هذا النموذج لرجل السلطة يهزأ منه ويسخر، بل ويتمادى ايضا في إظهار غبائه، وجبنه وعدم قدرته على المواجهة.
إن فيلم "مطر أيلول" يقع في المسافة القائمة بين الوعي واللاوعي، بين الواقع وما ورء الواقع، وبين الحلم والحقيقة. وهو ينتمي إلى مدرسة سينما الحداثة التي تخاطب العقل والعاطفة معا، تعرض أكثر مما تشرح، وتدعوك للبحث في مغزى الأشياء من خلال الربط بين الصور واللقطات والاشارات والرموز الظاهرة والكامنة.
إن عبد اللطيف عبد الحميد، يستخدم الصورة السينمائية في سياق قريب من بناء القصيدة: صور تعقبها صور، تفيض بالمشاعر والاسقاطات، التي يختلط فيها الذاتي بالموضوعي، السياسي بالاجتماعي بالإنساني عموما.
وفي هذا النوع من السينما يصبح إغواء الوقوع في غرام المشهد السينمائي في حد ذاته أحيانا، أمرا واردا من جانب المخرج، فهو يتوقف أكثر مما ينبغي أحيانا أمام مشهد معين، ويبالغ في الضغط على الفكرة التي يمكن استنباطها منه كما في المشهد الذي يقوم فيه الأب بتنظيف الجروح والقرح المنتشرة في قدمي ابنه الذي يذرع طرق دمشق جريا كل يوم لكي يصل الى شباك الحبيبة المجهولة.
ورغم الاهتمام الكبير بضبط الإيقاع، هناك أيضا بعض التكرار واللعب على الفكرة الواحدة، والانتقالات المفاجئة بين عدد من المشاهد.
  لكن أي ملاحظات سلبية لا تفقد هذا الفيلم البديع رونقه وسحره وقدرته على أن يشدك إلى داخل عالمه، بكل عنفوانه وسخريته ونماذجه الإنسانية التي لا تتعاطف فقط، معها وتفهم سر أزمتها رغم ما فيها من جموح وسذاجة، أو بالأحرى، سذاجة الجموح، بل وتضحك من قلبك على المآزق العديدة الفكرية والبصرية التي يورط فيها عبد اللطيف تلك الشخصيات ويورطنا معها.
ويهتم عبد اللطيف كثيرا في فيلمه بفكرة "السيميترية" من الزاوية البصرية، أو التماثل بين الجانبين، ما هو مرأي على اليمين وعلى اليسار، خاصة في المشاهد التي يصور فيها اجتماع الخاطبين والخطيبات، وهو اهتمام نابع من اهتماماته التشكيلية الكبيرة بتفاصيل الصورة، بالاكسسوارات حتى أكثرها دقة، وبالضوء والمحافظة على مصادره الطبيعية طوال الفيلم، ومنح الصورة جمالا يأتي من تفاصيل المكان، ومن طريقة توزيع الممثلين واختيار زاوية التصوير، كما يتبدى مثلا في المشاهد التي تدور في الشارع أسفل العمارة السكنية المميزة بشرفاتها التي يتحلق فيها السكان يتطلعون على ما يجري في الأسفل، ويبدون التعليقات الطريفة. وهو أسلوب أيضا يسير في اتجاه كسر الاندماج أحيانا، بل ويصل التحرر في الأسلوب في أكثر من مشهد، الى ذروته خاصة عندما نرى الشباب الأربعة يتحدثون من خلال التليفونات المحمولة مع فتياتهم الأربع من جهة أخرى، وهن تحملن ايضا الهواتف المحمولة.. والجميع يتحركون في اطار المكان، سواء في مسكن الشباب، أوفي مسكن الفتيات، ونحن نسمع همهمات الأحاديث الحميمية الدائرة بين مختلف الأطراف دون أن نتبين على وجه التحديد ما يقال، إلى أن ينتهي المشهد مع ظهور الأم المتسلطة، والدة الفتيات الأربع، حيث تمتزج الصورتان معا وتتداخلان بحيث ينتهي المشهد والأم واقفة وسط الشباب الأربع كما لو كانت قد خرجت من المكان الآخر، من مسكنها وانتقلت عبر المكان إلى مسكن الشباب، وهو تلاعب فريد بالمكان في السينما، وتحطيم لقيوده ربما يكون غير مسبوق في السينما السورية.
ولعل فيلم "مطر أيلول" يستحق وحده أيضا دراسة أكثر عمقا في شريط الصوت الذي يتسع للكثير من الإشارات والمعاني التي تنبع من الأعاني والموسيقى البديعة التي يحفل بها، وقد تم اختيارها كلها بدقة وإحساس رفيع بقيمتها الفنية، ولكني أعترف بأنني لم أر علاقة ما بين هذا الشريط البديع وبين المقدمة التي تسبق نزول عناوين الفيلم التي نرى فيها الموسيقار السوري أو عازف البزق الشهير الراحل محمد عبد الكريم.

عبد اللطيف عبد الحميد

وربما يكون عبد اللطيف قد أراد أن يهدي الفيلم إلى تلك الشخصية الموسيقية التي تنتمي إلى العصر الذهبي في الموسيقى العربية في نوع من "النوستالجيا" الخاصة.
ولابد هنا من الإشارة إلى قدرة عبد اللطيف على قيادة هذه المجموعة الكبيرة من الممثلين والممثلات، وتقديم وجوه جديدة شديدة الجاذبية ربما يكون للكثير منها مستقبل واعد، وهم يبرع، ولو في أداء مشهد أو أكثر، أمام عملاق مثل أيمن زيدان في الدور الرئيسي، بقدرته الخاصة على الاستحواذ على أنظار المتفرج، حتى وهو في لحظات الهمس الرقيق، والتعبيرالتلقائي الرفيع عن الحب. ولابد أيضا من الإشادة بالأداء الكبير الفذ للممثلة سمر سامي، التي قامت بدور المرأة الخادمة العاشقة المثقفة.. وكان يكفي أن تعبر بجملة أو جملتين، وبنظرة من عينيها، وبصوتها المميز ذي النبرة الرخيمة المنومة، وتعبيرات وجهها، لكي نتوحد كمشاهدين مع هذا العمل، ونعيش في تلك المنطقة بين الحلم والواقع، التي منها تظهر عادة الأعمال الكبيرة في الفن.

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

في مهرجان دبي السينمائي 1


أفلام العالم ومسك الختام

أمير العمري- دبي


الممثل المصري هشام سليم: عضو لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي
يختتم مهرجان دبي السينمائي عام 2010 كأحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، ليس فقط بعدد ما يعرضه من أفلام، وهو عدد كبير يتجاوز المائة والخمسين فيلما روائيا، بل بتعدد أقسامه وفروعه ومسابقاته، وتنوع أنشطته الثقافية وانفتاحه الكبير على السينمائيين الشباب، ودعم تجاربهم الجديدة واتاحة الفرصة امامهم في العثور على تمويل لها من خلال تنظيم سوق يربط بين هؤلاء الشباب الساعين إلى خوض تجاربهم الأولى أو التالية، وبين المنتجين والموزعين من شتى أنحاء العالم.

المهرجان اذن لم يكتف بدوره في عرض الأفلام ودعوة جمهوره الكبير الذي تزدحم به القاعات، إلى الفرجة والاستمتاع والمناقشة الجادة مع السينمائيين، بل وامتد تأثيره ودوره إلى الترويج للنماذج السينمائية المتقدمة التي تمتلك ملامح محددة خاصة، بحيث يمكن القول إن مهرجان دبي، بفضل وعي مديره الفني ومعاونيه وعلى رأسهم مدير البرامج العربية الناقد الزميل عرفان رشيد، ومجموعة من خبراء المهرجانات من الشرق ومن الغرب، ينحاز تحديدا لنماذج الحداثة السينمائية، وإلى التجارب الجديدة الشابة، التي تطرح أفكارا جريئة تتجاوز السائد والمألوف، والانفتاج الكبير على التجارب السينمائية التي تنتج في الخليج، رغم ما يكمن في هذا الانحياز والتشجيع من مواجهة مع الكثير من الأفكار السائدة المحافظة والمتشددة أحيانا في المنطقة بشكل عام، الأمر الذي يجعل من مهرجان دبي السينمائي أداة ثقافية هامة للترويج لقيم التسامح، والفهم المشترك، والتعاون والتبادل الثقافي بين السينمائيين من بلدان مختلفة، وتخصيص مكان بارز للاحتفاء بالنماذج السينمائية المتقدمة والجيدة من العالم العربي دون تعصب ودون انحياز أو انغلاق على سينما معينة، أو الإعلان عن "كراهية"نوعية محددة من السينما كما يحدث في مهرجانات أخرى!
ورغم صعوبة الحصول على أفلام جديدة تشد الانتباه ونحن في أواخر عام 2010، وهو الوقت الذي يقام فيه المهرجان، إلا أنه يمكن القول إن مسعود أمر الله وفريقه من المساعدين والخبراء، تمكن بنجاح كبير من وضع برنامج جيد جدا من الأفلام واللقاءت الثقافية والندوات.
وتتميز الأفلام بالتنوع الشديد، من الفيلم التجريبي القصير إلى الفيلم التقليدي الكبير، وما بينهما من أفلام طليعية ووثائقية من سينما الدنيا.
يقول مسعود أمر الله في تقديمه للمهرجان "مؤشرات كثيرة: استحداث مسابقة المهر الإماراتي، إعادة هيكلة سوق دبي السينمائي، لتشمل التدريب وخلق فرص الإنتاج في ملتقى دبي السينمائي، إلى برنامج "إنجاز" الذي يحتفل المهرجان بجني ثماره الآن، وانتهاء بـ"فيلم مارت" لايجاد فرص التوزيع في الصالات السينمائية، عروض عالمية أولى تصل إلى 41، ومسابقة "المهر" التي أضفت نكهة خاصة للمهرجان".

مسعود أمر الله المدير الفني للمهرجان
 إذن، على الرغم من استحواذ المهرجانات العالمية التي سبقت مهرجان دبي الذي يختتم العام 2010، على الكثير من الأفلام الجديدة إلا أن المهرجان تمكن من الحصول على عدد كبير من هذه الأفلام (41 فيلما) تعرض للمرة الأولى في العالم، من بينها عدد كبير من الأفلام العربية التي تشترك في مسابقة المهر العربي التي يتميز بها مهرجان دبي عن سائر المهرجانات التي تقام في العالم العربي، وأنا هنا أقصد المهرجانات ذات المرجعية وتلك التي تسعى أيضا إلى تأسيس قيم جديدة وتستند إلى إمكانيات حقيقية، ليست فقط مادية، ولكن أساسا، بشرية وفكرية وثقافية، لدعم فكرة ومفهوم "المهرجان" السينمائي بعيدا عن تسلط فكرة البساط الأحمر، ونجوم السينما الأمريكية، وجاذبية عروض الأزياء التي تجري في حفلي الافتتاح والختام، والتهافت على الترويج لسينما "الآخر" على حساب السينما المحلية والاقليمية.
يشمل المهرجان ثلاث مسابقات رئيسية هي مسابقة المهر الافريقي الآسيوي للسينما الافريقية والآسيوية، باعتبار أن دبي تقع في مفترق الطرق بين هذه البلدان، وهذا هو البعد الكبير أو الدائرة الأوسع للمهرجان، ومسابقة المهر العربي لأفلام العالم العربي، وهذا هو البعد العربي أو الاقليمي لمهرجان يقام في مدينة عربية مهمة، ومسابقة المهر الاماراتي، وهذا هو البعد المحلي للمهرجان الذي أضيف هذا العام لكي يسلط الأضواء على التجارب السينمائية الجديدة لشباب الامارات.
أعضاء في فريق المهرجان مع مسعود
وتتعدد لجان التحكيم بسبب تعدد الأقسام النوعية للمسابقات الرئيسية، فمسابقة المهر العربي تتفرع الى ثلاث مسابقات: الأفلام الروائية والأفلام التسجيلية والافلام القصيرة.
ويحتفي المهرجان بثلاث شخصيات سينمائية هي صباح (الممثلة اللبنانية في السينما المصرية)، والممثل الأمريكي الكبير شون بن، والمخرج الافريقي (من مالي) سليمان سيسي. ولهؤلاء الثلاثة أفلام تعرض خلال المهرجان، لكن تغيب الكتب التي تتناول مساراتهم السينمائية والفنية وأعمالهم بالتحليل.
إلى جانب المسابقات يخصص المهرجان أقساما مثيرة للاهتمام مثل قسم "ليال عربية" ومعظم الأفلام التي تعرض في اطار هذا القسم أفلام أجنبية عن قضايا ومواضيع تتعلق بالانسان العربي، سواء من اخراج سينمائيين أوروبيين أو عرب يقيمون في المهجر.
ومن أهم أقسام المهرجان أيضا قسم سينما العالم الذي يشمل الكثير من العروض الأولى للأفلام الأجنبية من أهمها الفيلم البريطاني "127 ساعة" الذي سبق أن شاهدناه في ختام مهرجان لندن السينمائي، وهو دون شك، أحد أهم وأفضل أفلام العام. وهناك ايضا فيلم "بيوتيفول" للمكسيكي أليخاندرو جونزاليس، والفيلم الروماني الحاصل على جائزة رئيسية في مهرجان برلين "عندما أريد أن أصفر سأصفر".
ويمكنني القول هنا بكل دقة وحسم ووضوح إن قيمة أي مهرجان سينمائي في العالم تكمن في اختياراته. طبيعي أن العوامل الأخرى التي تدخل في تحديد قيمة أي مهرجان تشمل علاقته بالجمهور، وتنظيمه العام وسلاسة عروضه واتساق برنامجه وسهولة متابعته، لكن العامل الأول الحاسم الذي يحدد شخصية وهوية أي مهرجان في العالم هي اختياراته أي مجموعات الأفلام التي يتم اختيارها، عادة من قبل مجموعة من الأشخاص، يعملون بالتنسيق معا طيلة الوقت، بحيث تأتي النتيجة متجانسة في نغمة ونوعية وطبيعة الأفلام مهما تباينت في أنواعها وأطوالها. وهذه السمة واضحة بشكل كبير في مهرجان دبي السينمائي كما أوضحت في بداية هذا المقال.
وهذه النقطة تحديدا تعد ردا عمليا على الذين يتقولون إن الميزانيات الكبيرة هي التي تصنع المهرجانات، فليس هذا صحيحا على إطلاقه، فعلى الرغم من أهمية توفر ميزانية معقولة، إلا أنه ليس بالميزانية وحدها تقام مهرجانات السينما، ولا بالنوايا الحسنة أيضا، ولا بالاستناد إلى التاريخ وجاذبية الآثار القديمة، ولا بالاغداق بجنون على سينمائيين فرنسيين وأمريكيين (لأن شخصية مهمة رئيسية في دولة ما تحب أن تجالسهم أن تلتقط لها صورا معهم)!
والنقطة الرئيسية الثانية المهمة أنك عندما تقيم مهرجانا سينمائيا تأتي فيه بضيوف تستضيفهم، يجب أن تضمن لهؤلاء الضيوف حدا أدنى من الظروف الموضوعية التي تسمح لهم بالتردد على العروض بسهولة ويسر ومشاهدة الافلام في قاعات عرض صالحة للاستهلاك الآدمي، أي أنه من دون بنية أساسية صالحة لا توجد مشاهدة سينمائية جيدة. وهذه النقطة تتوفر تماما في عروض مهرجان دبي السينمائي، خلافا مثلا لما هو قائم في مهرجان آخر عريق في أحد بلدان المغرب العربي، يفشل حتى في ضمان مقاعد للصحفيين والنقاد والسينمائيين في عروضه العامة، مع غياب تام لأي عروض خاصة. وعفوا إذا كانت هذه المقارنة قد قفزت إلى ذهني الآن، فالمعاناة والتوتر والكفاح من أجل الدخول لمشاهدة فيلم سينمائي، أي فيلم على الإطلاق، تفسد للمشاهدة كل قضية.. أليس كذلك!

* في الحلقة القادمة: عبد اللطيف عبد الحميد: بلاغة التعبير بالصورة والصوت في "مطر أيلول".

الأحد، 12 ديسمبر 2010

مهزلة وهران تعيد إنتاج نفسها

المخرج مجدي أحمد علي وسط نحوم فيلمه "خلطة فوزية" الفائز بالجائزة التي سرقها المهرجان
بدلا من أن يتوارى القائمون على أمر أكذوبة كبرى تسمى بـ"مهرجان وهران السينمائي" خجلا، ويحاولون إسدال ستائر النسيان على تظاهرتهم البدائية الفاشلة التي انتهت بلحاقهم بركب جماعات من غوغاء كرة القدم، وبدلا من طلب المغفرة من جمهور دورة المهرجان الثالثة التي انعقدت في يولية 2009، ومن لجان التحكيم التي منحت فيه تلك الدورة جوائز لم يحترمها المهرجان مهما كانت الأسباب، ولم يف بتعهداته العلنية أمام العالم، ها هى الطغمة الفاشلة التي لا تعرف كيف تدير مطعما، وتوظف في إدارة مكتبها الصحفي على سبيل المثال شخصا يخجل من الحديث من الصحفيين والنقاد، ويتوارى أمام فتاة أو أخرى، يرسل من خلالها دعوات هزلية باسم رئيس جديد وهمي لا قيمة له ولا تاريخ له في العمل السينمائي على أي مستوى، ها هي تعلن بكل وقاحة عن إقامة دورة رابعة للمهرجان في آخر أيام العام، لكي تسجل أنها اقامت المهرجان في 2010 بأي كيفية كانت حتى لو كانت عن طريق لملمة مجموعة من الأفلام من هنا وهناك، كيفما اتفق، وبطريقة الهواة المبتدئين، موهمين بعض السذج من صناع الافلام أو الذين سينالون عار المشاركة في لجان تحكيمهم التي سيكون المهرجان اول من يتنكر لأحكامها، أنهم بصدد مهرجان يحتفي بالسينما العربية وبالأفلام التي تنتج في العالم العربي. وبمنتهى الوقاحة وقلة الأدب، يتقول بعض المشرفين على تلك الفضيحة بألفاظ منحطة في حق السينمائيين والنقاد الشرفاء المعروف عنهم أنهم ليسوا للبيع في أسواق النخاسة السينمائية، سواء في وهران أو في غيرها.

ولكن هؤلاء المعروفين بجهلهم الفادح والفاضح بأبسط قواعد المهرجانات السينمائية الدولية، وسبق أن أثبتوا من قبل فشلهم الذريع في اقامة مهرجان سينمائي او ثقافي واحد، يتمتع بأدنى قدر من الاحترام والقيمة في تلك الدولة، عرفوا في الوقت نفسه، وبشكل ما، قدر أنفسهم فقرروا هذا العام شطب جائزة النقد التي جلبت لهم الصداع بعد ان أعلنا من جانبنا، التبرع بقيمتها المالية للفقراء والمشردين، وتحديناهم أن يعلنوا هم من جانبهم، اسم المؤسسة الخيرية التي ترعى أعمال البر والخير للفقراء، التي منحوها تلك القيمة المالية، فلم يفعلوا.
إلا انهم أبقوا على جائزة أحسن فيلم عند نفس مستواها أي 50 الف دولار دون أدنى إحساس بالخجل بعد أن امتنعوا عمدا، عن إرسال قيمة الجائزة إلى المخرج السينمائي الذي حصل عليها بقرار لجنة التحكيم منذ سنة ونصف السنة. ومع ذلك سنجد بعض السذج والموهومين من سينمائيين مبتدئين او مجاملين، يشاركون بأفلامهم في مهرجان أقرب ما يكون إلى عصابة احتيال وغش وكذب.
ولكن البعض يحاول التماس الأعذار لهم حتى الآن بالقول إن المدير السابق للمهرجان حمراوي حبيب شوقي، كان هو الضامن الأساسي للحصول على التمويل والالتزام بمنح قيمة الجوائز فلما غادر البلاد في ظروف "انقلابية" تتسق مع طبيعة ذلك النظام العسكري الفاشي الذي يحكم قبضته على الرقاب والعباد في الجزائر منذ ما بعد الرئيس بن بلا، تلاشت تلك القدرة السحرية على توفير الأموال اللازمة. وهو تبرير يسيء في الواقع إلى المهرجان بل والى وزارة الثقافة الجزائرية كلها، ويدمغ كل هذه الأنشطة المفتعلة للمدفوعة اساس بالدعاية والدعاية فقط، دون ان تخدم اي مشروع ثقافي حقيقي.
ويبقى موضوع وأمر تلك الفئة من الباحثين عن الاعتراف بأي ثمن، سواء ممن هم محسوبون على مجال النقد أم السينما، الذين يبدو أنهم ارتضوا لأنفسهم المشاركة في مهزلة جديدة باسم السينما وباسم الثقافة. وهؤلاء أظن انه ستكون لنا معهم وقفة فيما بعد أن نشهد كيف ستعلن المهزلة عن نفسها خلال أيام!

روابط مهمة عن تاريخ المهزلة:
** فضيحة تتردد
** عودة إلى الملف القذر

الجمعة، 10 ديسمبر 2010

مهرجان دبي يعيد الاعتبار لنقاد السينما

أخيرا وجد ذلك المهرجان السينمائي في العالم العربي الذي يعترف بنقاد السينما وبأهمية نقاد السينما ووجودهم في لجان التحكيم لمسابقاته الدولية.
هذا المهرجان المقصود هو مهرجان دبي السينمائي الدولي (من 12 إلى 19 ديسمبر) الذي أعلن أخيرا تشكيل لجان تحكيمه الثلاث.
الزميل والصديق الناقد سمير فريد سيرأس لجنة تحكيم أفلام المهر الإماراتي التي تحكم الافلام المنتجة في الإمارات وهي مسابقة جديدة، وهي أول فرصة لمشاركة سمير فريد في مهرجان دبي منذ تأسيسه.
ويشارك الناقد البريطاني الصديق ديريك مالكولم في عضوية لجنة تحكيم مسابقة المهر الآسيوي الافريقي للأفلام الروائية الطويلة.
وتشترك الناقدة البريطانية هانا ماكجيل في عضوية لجنة تحكيم مسابقة المهر الآسيوي الافريقي للأفلام القصيرة.
وكان الناقد مصطفى المسناوي قد شارك في عضوية لجتة تحكيم مسابقة المهر العربي العام الماضي.
بالاضافة الى لجان التحكيم الرسمية، هناك أيضا لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للنقاد التي ستمنح جائزة في مهرجان دبي، وهناك ندوة دولية مخصصة لبحث تطور النقد السينمائي في عصرالانترنت.
وبهذا يضرب مهرجان دبي المثل لغيره من المهرجانات التي تقام في تلك المنطقة من العالم (من المحيط إلى الخليج) في ضرورة الاستعانة بخبرات نقاد السينما المتخصصين الذين يتمتعون بخبرة واسعة، في تحكيم الأفلام وإضافة عنصر التوازن على تشكيلها الذي يغلب عليه عادة وجود السينمائيين.
ولاشك أن المسؤول عن هذا التطور الواضح هو المدير الفني للمهرجان مسعود أمر الله، الذي يتابع العروض السينمائية في مهرجانات السينما العالمية الكبرى التي يذهب إليها، مع النقاد، أي يوما بيوم، ولا يعزل نفسه كما يفعل عادة مديرو المهرجانات، في دائرة الترويج والحفلات. ولا شك لدي أيضا في أن مسعود يعرف أيضا كيف ينصت ويستمع للنقاد، كما يمكنه، بذكائه الخاص، التفرقة بين من لا يملكون سوى التزلف والنفاق والمداهنة، ومن يعكسون دائما أفكارهم وآرائهم الخاصة بحرية وصدق.
ولابد هنا من القول ردا على من قد يتساءلون: كيف تقول إن المهرجانات السينمائية الدولية في العالم العربي لا تستعين بالنقاد؟ ويكفي في معرض الإجابة عن ذلك السؤال أن نؤكد أن مهرجان القاهرة السينمائي منذ تأسيسه قبل 34 عاما، لم يسبق أن استعان بناقد سينمائي واحد في عضوية لجان تحكيمه، علما بأن في مصر عددا لا بأس به من نقاد السينما المرموقين بل وأكبر تجمع في المنطقة لنقاد السينما وأقدمها وهو جمعية نقاد السينما المصريين (عضو الاتحاد الدولي للنقاد) التي تأسست عام 1972
وقد حذا مهرجان مراكش السينمائي الدولي حذو نظيرة المصري في ذلك فقاطع كل نقاد السينما في المغرب وغير المغرب.
وأصبحت مهرجانات السينما الأخرى تفضل الممثلين والممثلات، حتى لو كانوا من أنصاف النجوم، أو من النجمات اللاتي تجاوزن السن القانونية. وهل هناك سن قانونية وأخرى غير قانونية؟ من الأفضل أن يظل المعنى هنا في بطن الكاتب!
(7 ديسمبر 2010)
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger