الخميس، 20 مايو 2010

يوميات كان 8: يوم إبن آوى.. كارلوس

لقطة من الفيلم

نقاد مجلة الفيلم الفرنسي منحوا أكبر تقدير من العلامات للفيلم البريطاني "عام آخر" لمايك لي (6 سعفات) بينما جاء فيلم "جميل" لإيناريتو جونزاليس في المركز الثاني (5 سعفات)، وفي المركز الثالث الفيلم الفرنسي "عن الرجال والآلهة" (4 سعفات). وقد عرض حتى الآن 12 فيلما من بين 19 فيلما هي أفلام المسابقة (منها فيلمان عرضا بالفعل اليوم ولم تظهر نتائج استطلاع نقاد المجلة عليها بعد) وتبقى 7 أفلام تعرض خلال الأيام القادمة.
أما اليوم فقد كان بحق يوم إبن آوى، أو كارلوس الذي طبقت شهرته الآفاق خلال السبيعينات والثمانينيات، وهو يعرف نفسه باعتباره مناضلا ضد الإمبريالية بينما تعتبره أجهزة الاستخبارات الغربية قائدا من قاد الإرهاب الدولي.
عرض أخيرا فيلم "كارلوس" للمخرج الفرنسي أوليفييه أسايس، المصور للتليفزيون في خمس ساعات و33 دقيقة على ثلاثة أجزاء، واستراحة قصيرة بين الجزئين الأول، والثاني من ناحية، والثالث من ناحية أخرى. وامتلأت قاعة لوميير، أكبر قاعات المهرجان بالجمهور رغم الطول المفرط للفيلم بسبب ما أحاط به من دعاية، وما يحيط شخصية كارلوس نفسها في فرنسا، من هالة خاصة، ومشاعر متضاربة تتراوح بين الإعجاب، والكراهية الشديدة. وقد رأيت بنفسي رجلا إلى جواري يهتف بعد انتهاء الجزء اأول من الفيلم "فيفا كارلوس"!
طبعا هذا العمل الطويل (المصنوع على غرار فيلم "تشى" عن جيفارا لستيفن سودربرج)، يسعى إلى تقديم كارلوس الإرهابي الذي يتميز بشجاعة نادرة، وقوة إرادة، وقدرة تنظيمية عالية جعلته يتمكن من القيام بعمليات كبيرة، وينجح في النجاة بجلده في كل مرة، رغم خطورة ما قام به.
ويتوقف الفيلم تفصيلا أمام اعداد وتنفيذ عملية اقتحام اجتماع وزراء البترول في دول الأوبك الشهير في فيينا في ديسمبر 1975 واختطاف الوزراء وعلى رأسهم وزير البترول السعودي الشيخ أحمد زكي اليماني. ولكن الفيلم أولا يعيبه الإيقاع البطيء جدا، والاستغراق في تفاصيل كثيرة ثانوية لا تضيف شيئا إلى الحبكة بل تساهم في تبريد الأحداث وتخل بالتوازن، كما في التفاصيل الخاصة مثلا بعملية إقلاع الطائرة ثم هبوطها في الجزائر وما نتج من مفاوضات، والرغبة في التوجه إلى ليبيا ورفض السلطات الليبية ثم العودة للجزائر.. إلخ
ويعاني الجزء الثاني من الفيلم تحديدا من تشتت الإيقاع، وتكاثر التفاصيل، وعدم القدرة على السيطرة على الشخصيات، فأصبحت هناك شخصيات تخرج فجأة، وشخصيات أخرى تدخل دون تمهيد كاف، مما أدى إلى ارتباك الفيلم.
المخرج أوليفييه أسايس مع أبطال فيلمه في كان

يقوم ممثلون من جنسيات مختلفة بأداء أدوارهم باللهجة الخاصة بهم، فأدوار الفلسطينيين يقوم بها ممثلون فلسطينيون، وأدار اللبنانيين يقوم بها ممثلون من أصل لبناني، وكذلك العراقيوم والجزائريون. وتتردد في الفيلم حوالي ست لغات من بينها العربية إلا انه من غير المفهوم مثلا أن تتحادث شخصيتان من العرب مع بعضهما البعض فيتكلمان بالإنجليزية كما رأينا، في حين أن بطل الفيلم أي كارلوس، يتحدث بعدة لغات وينتقل فيما بينها بطلاقة تامة بما فيها العربية.
مشكلة هذا النوع من الأفلام الأساسية أيضا أنه يحاول إضافة الكثير من التوابل والمبالغات والاختراعات الإضافية التي يمكن أن تضفي نكهة من الإثارة على الحبكة الدلارامية على حساب الحقيقة والتاريخ، وهو ما جعل كارلوس نفسه يحتج على الفيلم بل ويرفع الأمر عن طريق محاميته (وهي في الوقت نفسه زوجته) إلى القضاء الفرنسي.
ومن ناحية أخرى كيف يمكن أن تصنع فيلما تاريخيا عن شخصية "تاريخية" مع الإخلال بالدقة التاريخية، أي بما يتعارض مع حقيقة ما حدث في الواقع.
كارلوس مثلا قاد الهجوم على مقر الأوبك الشهير في فيينا في ديسمبر 1975، حيث احتجز ورفاقه المسلحين 11 وزيرا من وزراء البترول في دول الأوبك على رأسهم الشيخ أحمد زكي اليماني وزير البترول السعودي وقتها ومعهم أكثر من 50 رهينة أخرى، بدعم وتحريض من ليبيا، وليس العراق، ولم يكن صدام حسين حتى قد انفرد بالسلطة بعد، بينما يشير الفيلم ويؤكد في العديد من مشاهده على أن المخابرات العراقية، بتعليمات من صدام، كانت هي التي مولت وخططت لعملية أوبك.
ويقول الفيلم إن طائرة كارلوس (اتي حصل عليها من النمساويين) أقلعت من الجزائر إلى ليبيا لكن السلطات الليبية لم تسمح لها بالهبوط مما أدى إلى عودتها إلى الجزائر، وهو ما لم يحدث، والصحيح أن الطائرة هبطت أولا في ليبيا ثم عاد إلى الجزائر لكي يتم استبدالها بطائر أخرى من نوع بوينج يمكنها التوجه إلى بغداد. ولكن الفيلم يحال إبعاد أي شبهة عن الليبيين، وإلصاقها بصدام حسين.
ويصور الفيلم كارلوس كرجل طامع في المال وأنه حصل على عشرين مليون دولار من السعودية مقابل إطلاق سراح اليماني وغيره من وزراء أوبك، بينما لم تحدث صفقة من هذا النوع أصلا بل أفرج كارلوس مضطرا عن الرهائن بعد أن أدرك فشل العملية وأن السلطات الجزائرية ستقتحمها كما أبلغ ارئيس بومدين.

كارلوس الحقيقي في المحكمة


الحقيقة التاريخية أيضا تشير إلى أن رجال المخابرات الفرنسية الثلاثة الذين طرقوا باب شقة كان يقيم فيها كارلوس في الحي اللاتيني في باريس أثناء اندماجهم في الغناء اللاتيني، وكان معهم الشخص اللبناني الذي أرشد عنه ففتح كارلوس الباب بنفسه، فلما طلبوا منه الاطلاع على جواز سفره، اختفى في الداخل وعاد بعد دقيقتين وهو يحل رشاشا وأخذ يطلق الرصاص فقتل ثلاثة منهم وجرح الرابع، ثم هرب على الفور.
أما في الفيلم فقد تحول المشهد إلى نحو نصف ساعة من التفاصيل والحوارات المملة التي لا طائل من وراءها في غرف الاستقبال بالشقة، وذهب أحد الضباط للإتيان بأندريه اللبناني، وقدم كارلوس كأسا من الويسكي للضابط الذي بقى مع كارلوس وأصدقائه الثوريين، ثم المواجهة بين أندريه اللبناني وكارلوس، وإنكار كارلوس معرفته به، ثم ذهابه للمطبخ وعودته وهو يحمل مسدسا وإطلاقه النار على الجميع، فقتل الأربعة، ثم عاد لكي يتأكد أنه قتل أندريه بأن أطلق رصاصة ثانية على رأسه.
ويختلق الفيلم مشهدا نرى فيه أندروبوف مدير المخابرات السوفيتية، يجتمع في بغداد، بحضور مسؤولين في المخابرات العراقية، مع كارلوس ويطلب منهم بشكل مباشر الانتقام من الرئيس المصري أنور السادات بتصفيته جسديا، انتقاما منه لاتجاهه نحو "الإمبريالية الأمريكية" وإدارة ظهره للروس رغم ما حصل عليه منهم من مساعدات لبلاده، وهو حدث مختلق تماما، لا تشير أي مراجع إليه.
ويعزو الفيلم عملية اختطاف طائرة شركة العال الإسرائيلية واحتجاز ركابها رهائن في مطار عتيبة بأوغندا عام 1976 إلى التعاون بين مجموعة تابعة لكارلوس من الخلايا الثورية الألمانية، والفلسطينيين، في حين أن العملية لا تمت بأي صلة إلى كارلوس.

وبغض النظر عن دقة الأحداث التاريخية بين الفيلم والواقع، فقد تجاهل الفيلم تماما وضع الشخصية في إطار الفترة التاريخية وظروفها، وأدخل موضوع العداء للسامية بطريقة مقحمة، كما استخدم لقطة لياسر عرفات وهو يلقي خطابه اشهير في الأمم المتحدة الذي قال فيه "جئتكم أحمل في يدي اليمنى بندقية، وفي الثانية غصن زيتون، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" لكن السياق الذي تستخدم فيه اللقطة يجعلها تبدو كما لو كانت تحمل تهديدا بدلا من الرجاء.
ويكاد دور المخابرات الإسرائيلية "الموساد" يغيب تماما عن الفيلم، رغم أنها هي التي وشت بكارلوس للمخابرات الفرنسية وتسببت في وقوع مأساة قتل ضابطين فرنسيين وإصابة الثالث بجروح. رغم أن ضباط الموساد كانوا يراقبون كل شيء وكانوا على مقربة من شقة كارلوس في تلك اللحظة تحديدا، كما هو ثابت من اعترافات ضباط الموساد فيما بعد في كتب منشورة منها "كل جاسوس أمير".
ومع ذلك يبقى من الفيلم محاولته الجادة التعامل مع تلك الشخصية "الأسطورية"، وتقديم معادل درامي لها لا تنقصه الجاذبية الشخصية بل والكاريزما التي لاشك انها كانت تميز كارلوس، عندما كان يتربع بثبات على عرش الإرهاب الثوري في العالم، قبل سقوط ج
دار برلين ثم الاتحاد السوفيتي، عندما أصبح يبيع مواهبه في التخطيط والعمليات العنيفة (كمرتزق)، لمن يدفع، فالتحق بخدمة المخابرات البلغارية والمجرية والالمانية الشرقية ثم السورية، وهو ما يرصده الجزء الثالث من الفيلم، ولكن دون أن يوضح لنا تماما، ما الذي قدمه للمخابرات السودانية في نهاية مشواره، لكي يحصل في البداية على حق اللجوء ويقيم هناك لسنوات قبل أن تسلمه السلطات السودانية للمخابرات الفرنسية في عملية أذهلت العالم عام 1994.
يبقى من الفيلم أيضا ذلك الأداء الممتاز من جانب الممثل الفنزويلي إدجار راميريز الذي يقوم ببراعة وإقناع، بأداء دور كارلوس.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى ظهور ستة أفلام سينمائية (منها فيلم وثائقي) عن كارلوس قبل فيلمنا الأخير هذا أو ثلاثية أوليفييه أسايس.

الأربعاء، 19 مايو 2010

يوميات كان 7: "عن الآلهة والبشر" وغيرهم


في تقديري الشخصي أن فيلم "عن الآلهة والبشر" الفرنسي لزافييه بوفواه هو الفيلم الأفضل حتى الآن من بين أفلام المسابقة، يليه فيلم إيناريتو "جميل".
الفيلم الأول يجسد تفاصيل العلاقة بين مجموعة من الرهبان الكاثوليك في دير بقرية جبلية بالجزائر، وبين سكان تلك القرية، في معالجة شفافة رقيقة، تمهيدا للحدث الذي تعرفه جميعا أي تعرض الدير في التسعينيات لاعتداء من جانب أفراد ينتمون إلى ما يعرف بالجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر واختطاف الرهبان (أو معظمهم) وإعدامهم بدون أي مبرر رغم ما يقدمونه من أعمال الخير للمحيط السكاني الذي يقيمون في إطاره.
فيلم لا يدين ولا يبريء، لا يشوه دينا لحساب دين، بل على العكس يعد من أكثر الأفلام التي تعاملت باحترام وتقدير كبيرين مع الدين الإسلامي.
إنه فيلم عن حالة الجنون التي وصلنا إليه الآن بسبب الهوس بالفكرة الدينية. فيلم لا ينبغي أن يثير غضب أحد بل على العكس تماما، فهو يجب أن يثير التعاطف مع أولئك الذين اختاروا البقاء ومواجة الأقدار بكل ما تأتي به، على التخلي عن مهمتهم والهرب مفضلين النجاة بأنفسهم في الأرض.
هذا فيلم عميق في فلسفته الإيمانية، بديع وخلاب في تصميم مشاهده ولقطاته. وسأكتب عنه تفصيلا بعد أن ينتهي مولد مهرجان كان.

"جميل"
أما فيلم إيناريتو، فهو لا يبتعد فلسفيا عن فيلمنا هذا، في كونه ايضا يصور التدهور الذي بلغه عالمنا حاليا، قمع الإنسان للإنسان، النزول إلى الدرك الأسفل، ومع ذلك القدرة على الاحتفاظ من الداخل، بنوع من البراءة والقيم الروحانية. هذا التناقض يجسده ايناريتو المخرج المؤلف، من خلال بطله الفردي (الذي يجسده خافيير بارديم) كرجل يعيش على استغلال الآخرين ولكنه يبدأ في صحوة ضمير ويقظة روحية شاملة تعيد إليه إنسانيته عندما يدرك أنه قد أصبح مقضي عليه بعد ن يعلم باصابته بمرض السرطان الذي تمكن منه.
إنه فيلم عن الحياة في مواجهة الموت، عن الأب الذي يريد أن يستعيد أبوته، وأن يعوض ما فاته ولكن الوقت لم يعد متاحا أمامه، بل والأسوأ أيضا أنه وهو في سبيله إلى انقاذ الروح المعذبة، يتسبب في مقتل 25 إنسانا من الأبرياء الباحثين عن فرصة للتنفس والعيش في عالم تمزقه التناقضات.
أداء بارديم التمثيلي من أفضل ما شاهدنا حتى الآن وربما ينال عن دوره هنا جائزة أحسن ممثل.
هناك مشكلة واحدة فقط وهي مشكلة أراها كبيرة، تتمثل في صعوبة ضمان التعاطف من طرف المشاهدين مع شخصية بمثل هذه الخلفية الرديئة، شخصية واقعة في مستنقع الرزايا البشرية، تتعيش من استغلال الآخرين، كيف يمكننا أن نغتفر لها الأعذار. لا أدري. هذه النقطة عموما بدت محيرة لي.

الثلاثاء، 18 مايو 2010

يوميات كان 6: اختيارات مخيبة للآمال.. ولكننا في انتظار القادم


مر الأسبوع الأول من مهرجان كان والمسابقة تكشف يوما بعد يوم عن كارثة تلو أخرى، أو على الأقل، لا تكشف لنا عن التحف التي كنا ننتظرها، وهو ما يجعلنا نقول إن الاختيارات هذا العام لم تكن موفقة.
فمن بين 19 فيلما عرض حتى الآن 9 أفلام ليس بينها سوى فيلم مايك لي "عام آخر" والفيلم الاسباني المكسيكي "جميل" لجونزاليس، من الأفلام التي "فيها أمل" لكنها أقل من أن نعتبرها من "التحف" السينمائية. ولاشك أن اختيار أفلام مثل "الغضب" لتاكيشي كيتانو، و"في الترحال" الفرنسي لماتيو أمالريك، و"تشونج كينج بلوز" وغيرها، لم يكن موفقا، كما لم يكن اختيار فيلم "رجل يصرخ" للمخرج التشادي محمد صالح هارون موفقا وكان الفيلم جديرا بالعرض في قسم "نظرة خاصة".. بل يمكنني القول أيضا أن "أمير مونبنسييه" الفرنسي لتافرنييه لا يرقى للتسابق في كان رغم ولع عدد من النقاد الفرنسيين به وترشيحهم له لنيل جائزة الإخراج، لكني وجدته مليئا بالحشو والتفصيل التاريخية اتي تتعلق بتقاليد البلاط الفرسي في القرون الغابرة، ووجدت حبكته فيها الكثير من التكرار والضرب على نفس النغمة والابتعاد عن التركيز الذي كان مفترضا على شخصية راعي الأميرة ومرشدها (النبيل الذي يحبها في صمت لكنه لا يحلم بأن ينال حبها) بل ويساعدها في تحقيق أحلامها مع الحبيب المنتظر رغم علمه بهدم اخلاصه لها، ولكن الفيلم انحرف في اتجاه ادخال الكثير من الشخصيات الأخرى، والتباري على نيل قلب الأميرة، وافتعل مبارزات لا تتم، وحروب لا معنى لها، وتطويل في مشاهد لا معنى لها مثل مشهد استقبال الملكة للأميرة وغيره. وعموما هذا النوع من الدرامات التاريخية لا يجيد الفرنسيون صنعه باستثناء وحيد هو فيلم "سيرانو دي برجراك" لأنهم يميلون إلى توجيهه لأنفسهم بتفاصيل لا تهم أحدا غيرهم.
وكان فيلم "أورورا" يستحق أن يدخل المسابقة، كما كان يستحق في رأيي الفيلم الوثائقي العظيم "العملية من الداخل" Inside Job لكنه استبعد خارجها ربما لأنه ليس من اخراج مايكل مور فقد استبعد رغم أنه يتجاوز فيلم "الرأسمالية قصة حب" لمور، وعن الموضوع نفسه، أي أزمة الوضع الاقتصادي العالمي والمتسببين فيها من مجرمي السياسة الأمريكية.

لازلنا بالطبع في انتظار فيلم رشيد بوشارب "الخارجون عن القانون" وهو كما يجب أن نؤكد، فيلما فرنسيا مصنوع بإرادة فرنسية وتمويل فرنسي، الذي حصل على تمويل وامكانيات هائلة لاعادة تجسيد المذابح التي راح ضحيتها الآلاف من الجزائريين في 1945 بعد اعلان نهاية الحرب العالمية الثانية، والمطالبة الشعبية الجزائرية بالاستقلال الفوري حسب وعود فرنسا. وجاء التمويل بنسبة كبيرة من فرنسا، مع مشاركة انتاجية (3 مليون دولار) من المنتج التونسي طارق بن عمار، و4 مليون دولار من الحكومة الجزائرية وشركة النفط الجزائرية، والباقي وهو 13 مليون دولار جاءت من الشركات الفرنسية. وعموما المؤسسة الفرنسية تقبل النقد والجدل حول قضايا التاريخ، كما قبلت عام 2006 الطرح التاريخي حول دور المقاتلين من بلدان المغرب العربي في صفوف القوات الفرنسية في الحرب العالمية الثانية.
ولازلنا أيضا في انتظار الفيلم الأمريكي الوحيد في المسابقة "لعبة عادلة"، والفيلم الفرنسي "بشر وآلهة" وله صلة أيضا بالإرهاب القادم من الجزائر إلى فرنسا تحت ستار التأسلم.
كما لم يعرض بعد الفيلم البريطاني الثاني في المسابقة "الطريق الأيرلندي" لكن لوتش الذي ربما يحمل مفاجأة ثقيلة العيار من مخرج معروف بانتزاع الجوائز في كان.
وأنا شخصيا أيضا في انتظار الفيلم الروسي "حرقته الشمس 2" للمخرج الروسي الكبير نيكيتا ميخالكوف بعد أن كان الفيلم الأول أو الجزء الأول من الفيلم قد هزني بقوة قبل نحو خمسة عشر عاما. وغدا نعود ونرى.. فإل اللقاء.

الاثنين، 17 مايو 2010

يوميات كان 5: الولع بالدماء على الطريقة اليابانية!


منذ أن بدأ الممثل الياباني تاكيشي كيتانو إخراج الأفلام في أواخر الثمانينيات، وأنا أتابعه بقدر ما أستطيع، وفي معظم الأحيان، بقدر ما أطيق، فأفلامه تمتليء بالكثير من العنف والدماء وتمزيق الأوصال وغير ذلك من المشاهد البشعة التي تقشعر لها الأبدان.
وقد أخرج كيتانو حتى الآن 16 فيلما، منها أفلام تركز على عالم الياكوزا، أي المافيا اليابانية، وصراعاتها مع غيرها من عصابات الجريمة المنظمة. ويقوم كيتانو نفسه عاد، بدور البطولة في مثل هذا الأفلام، ويحاول أن يصنع لنفسه شخصية مميزة، للبطل البارد، قليل الكلام، الذي تبدو في عينيه بعض البراءة الطفولية، إلا أنها نظرات تخفي ميلا ساديا للعنف.
ورغم كل ما يكمن من عبثية في أفلام تاكيشي كيتانو، أقصد عبثية، ليس بالمعنى الفلسفي، بل بمعنى أنها لا تقول شيئا، ولا تخفي أشياء وراء تلك الصورة التي يقدمها لعالم الياكوزا، مما يمكن أن تعكس لنا "فلسفة" خاصة، أو رؤية ما للعالم، كما كانت حالة مخرج مثل سام بكنباه مثلا في السينما الأمريكية، بل إن العنف عند كيتانو، هو عنف مجاني، يجعل منه شيئا شديد الصدمة للعين، حتى المدربة منها، كما يجعله في الوقت نفسه، "كرتونيا" أي مبالغا فيه للغاية، بحيث يصبح عند التلقي "غير واقعي" بل ويثير ضحكات السعادة والمتعة عند معظم مشاهدي أفلامه. ويجب أن نعلم أن له عشاقا كثيرين عبر العالم، بل ومن بين نقاد السينما المتخصصين والصحافة السينمائية، في المهرجانات السينمائية التي ترحب بعرض أفلامه بل وعرضها أيضا داخل مسابقتها الرئيسية التي يتبارى فيها عادة عدد محدود من بين أفلام العالم، للحصول على جائزة أو أخرى، وإن لم يكن، فلعل المشاركة في المسابقة، كما في حالة مهرجان كان مثلا، تعد شرفا في حد ذاتها للفيلم المشارك، الذي يكون قد وقع الاختيار عليه من بين مئات الأفلام التي تقدمت.
وهنا تحديدا تكمن مشكلة مهرجان كان، الذي أتى بالفيلم الأحدث لتاكيشي كيتانو، وهو فيلم "غضب" Outrage لعرضه داخل مسابقة كانت أصلا تعاني من قلة توفر الأفلام التي تصلح للتسابق، ولكي تكون واجهة مميزة لسينما العالم في 2010، خصوصا وأن المهرجان كافح لكي يصل بعدد أفلام المسابقة في النهاية إلى 19 فيلما، وهو عدد قليل مقارنة مع السنوات العشر الأخيرة مثلا.
وقد شاهدنا الفيلم، وجاء كما هو متوقع، كعمل يلهو بالعنف، ويتفنن مخرجه (الذي بدا أصلا كممثل، شارك في 47 فيلما حتى الآن، وكان قد لفت أنظارنا بقوة في "عيد ميلاد سعيد يامستر لورنس" للمخرج الكبير ناجيزا أوشيما عام 1982).

أما هنا فكيتانو الذي يقوم ببطولة فيلمه كالعادة، يبتكر فقط في تصوير مشاهد التنكيل بخصومه، من مشاهد قطع الأصابع التي تتناثر في صحن من صحون حساء الخضراوات الذي يقدمه الخادم في المطعم إلى الزبون الذي طلبه، إلى شق فم أحد الخصوم بشفرة حادة مما يؤدي إلى النزيف الشديد، إلى تصويب المسدسات فوق الرأس مباشرة ثم تفجيرها، إلى ربط رجل بحبل بينما هو داخل سيارة ثم تحريك اسيارة بحيث يشنق، إلى القتل الجماعي لعشرات الأشخاص بالرصاص، إلى استخدام منشار كهربائي لنشر جمجمة رجل حي، وغير ذلك الكثير جدا من المشاهد التي لا تكافي أبدا بالإيحاء، بل تصور التفاصيل الدقيقة لعمليات القتل والإعدام الجماعي وما بعدها أيضا، أي ترك على الدماء والإصابات التي ألمت بالأجساد، كما لو كانت تريد أن تجعل من العنف، سيمفونية خاصة للمتعة، أي أن تحوله إلى شيء تألفه العين البشري بل ويمكن أيضا أن يصبح أداة للاستمتاع الخاص.
والغريب الذي أدهشني كثيرا، أن القاعة التي عرض بها الفيلم امتلأت عن آخرها بالصحفيين، الذين اصطفوا في صف طويل ممتد قبل عرض الفيلم بنحو 45 دقيقة، وهو أولا من أطول الصفوف التي وقف فيها في كان حتى الآن على أي فيلم.
ثانيا: أدهشني أن عددا قليلا جدا، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة (هذا إذا لم تكن قد قطعت في خضم تيار العنف الدموي في الفيلم!) قد غادر القاعة أثناء عرض الفيلم، في حين أن عشرات الصحفيين أحيانا ما يغادرون أثناء عرض أفلام أقل من هذا الفيلم كثيرا في مجانيتها واستخفافها بالعقول. أخيرا، مما يثير فضولي بشدة وأنا أشاهد أفلام تاكيشي كيتانو، تلك المتعة الشديدة التي تسيطر على المشاهدين، حتى من النقاد والصحفيين، وهي متعة تجعلهم يضحكون بسعادة بالغة في مشاهد العنف والإغراق في سفك الدماء، ولا أعرف ما إذا كان هؤا الضحك لأنهم يعتبرون ما يشاهدونه نوعا من الكوميديا (وهو ما لا أجده كذلك أبدا!) أم أنهم يحاولون إخفاء مشاعرهم الحقيقي عن طريق الضحك..
أيا كان الأمر، أعتقد أن هذه الجوانب كلها تعكس بلوغ ظاهرة "تاكيشي كيتانو" في الغرب، حدا مرعبا بالفعل!
يحضرني في هذا المجال قول معروف لمنتج انجليزي لأفلام دراكولا.. مصاص الدماء في الماضي. هذا القول يتلخص في أنهم في شركته، كانوا عادة يصنعون ثلاث نسخ من أفلام دراكولا. النسخة الموجهة للجمهور البريطاني كان يكفي فيها أن يضع البطل الخنجر على صدر دراكولا النائم في تابوته، ثم يرفع المطرقة تأهب لأن يطرق فوق الخنجر للقضاء على الوحش الأسطوري قضاء مبرما.
وفي النسخة الثانية الموجهة للجمهور الأمريكي، كان يجب أن نرى البطل وهو يهوي بالمطرقة فوق الخنجر.
أما في النسخة الثالثة الموجهة للجمهور الياباني، فكان يجب أن تتفجر الدماء في بحر هائل بحيث تغرق الشاشة تماما!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger