الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

في مهرجان أبو ظبي السينمائي (2)

من فيلم "الليل الطويل"


الآن بدأت معالم المسابقات تتضح بل وتشتد المنافسة بعد عرض حوالي نصف الأفلام المتسابقة.
النظام دقيق للغاية، وحركة الانتقال بين الفنادق وأماكن العروض متصلة ومنتظمة، وعدد المتطوعين وغيرهم من العاملين في المهرجان كبير بدرجة ملفتة، وبمجرد أن تطا قدماك أرض قصر الإمارات مثلا تجد الجميع في خدمة الضيوف والصحفيين بدون أدنى تفرقة.
مشكلة العرض في مهرجان أبو ظبي هي نفسها في كل مهرجانات السينما التي تقام من المحيط إلى الخليج كما سبق أن كتبت قبل عام بالضبط وأنا في صدد رصد سلبيات مهرجان قرطاج السينمائي ،وأقصد بالطبع أن المهرجان لا يخصص قاعة للعروض الصحفية أو للعروض التي يقتصر حضورها على الضيوف من السينمائيين والصحفيين شأن كل المهرجانات الكبيرة المعروفة في العالم. وهو ما يجعل النقاد مضطرين إلى حجز بطاقات المشاهدة للعروض مسبقا، فالبطاقة الصحفية حتى لا تكفي لدخولهم إلى قاعات العروض، وهو أمر أجد استمراره غريبا في ظل إدارة بيتر سكارليت الذي يمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال. لكني أضيف أيضا للموضوعية، أن الحصول على بطاقات للمشاهدة سهل وميسور بل ومن الممكن أن يحجز الصحفي بطاقات كل العروض حتى نهاية المهرجان من اليوم الأول.
* لاشك على الإطلاق، وهذا أمر يجب تكراره والتذكير به دائما، على أن من أهم ما توفره المهرجانات العربية لنا نحن النقاد فرصة الالتقاء وتجديد الصلات والاتصالات بيننا وبعضنا البعض، وبيننا وبين السينمائيين أيضا.
* التقيت هنا بالصديق القديم الناقد السينمائي المصري كمال رمزي الذي تربطني به علاقة قديمة تاريخية من أيام بداياتي الأولى، من الزمن الذي ذهب ولن يعود، أيام نادي سينما القاهرة في السبعينيات. وميزة كمال أنه إنسان طيب ومتسامح وأيضا لا ينسى الأيام الجميلة والصحبة وما يعرف بالعيش والملح، وبالتالي هو على استعداد لأن يغلب الجانب الإنساني الجميل على أي شيء آخر. وكمال هو الناقد الرسمي لمسابقة أفلام من الإمارات هذا العام.
والتقيت أيضا بالناقد اللبناني والمخرج حاليا محمد سويد الذي لم أره منذ أن التقينا في مهرجان كان في منتصف التسعينيات تقريبا، كما قابلت الصديق الناقد المغربي الكبير مصطفى المسناوي، والمخرج التونسي الصديق محمد زرن (وسويد وزرن لهما فيلمان في المهرجان) وبالمناسبة صديقنا الناقد التونسي الكبير خميس الخياطي اعتذر لأسباب صحية عن عدم حضور هذا المهرجان شفاه الله وعافاه.
وهنا أيضا الناقد المصري المقيم في الكويت عماد النويري الذي لم أعد أراه كثيرا في المهرجانات العربية التي أحضرها، أقصد المهرجانات غير الخليجية، والناقد السوري الشاعر فجر يعقوب، وطبعا الناقد الأردني الكبير عدنان مدانات الذي لم أره منذ أن قابلته آخر مرة في أحد مهرجانات المغرب قبل نحو 17 عاما!
وقابلت الناقد الأردني الصديق ناجح حسن، وهو يدوم على المهرجانات العربية، وقد بادرني عندما رآني بضرورة حضور هذه المهرجانات، فلما أبديت بعض التحفظ استطرد قائلا "لكي نراك أساسا"!
هنا أيضا الصديق أحمد الحسني مدير مهرجان تطوان السينمائي، والصحفي طارق الشناوي، والصحفي وائل عبد الفتاح ومن السينمائيين الذين أرتبط بصداقات والموجودين هنا أيضا معهم محمد خان عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية، ويسري نصر الله الذي يرأس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، وأسامة فوزي (الذي سيعرض فيلمه "بالألوان الطبيعية" بعد يومين، في عرضه العالمي الأول بعد أن انتهى من استكماله أخيرا)، والمخرج الفلسطيني الصديق رشيد مشهراوي (عضو لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية). وهنا أيضا الممثل البارز محمود حميدة، وطبعا كل أو معظم المثلين والممثلات في فيلم "هليوبوليس" (حنان مطاوع وهي ممثل رائعة لم تحصل بعد على فرصتها للوصول للنجومية)، وخالد أبو النجا، والممثلة الناشئة يسرى اللوزي (التي تحتاج بالتأكيد إلى تدريبات على الأداء الصوتي)، وغيرهم وغيرهن.
* وبمناسبة لجان التحكيم من ضمن ما يؤخذ على هذا المهرجان، وما أجده شخصيا أمرا شاذا ومثيرا للاستنكار أن تخلو لجان التحكيم الثلاث في المهرجان (الروائية الطويلة، والوثائقية الطويلة، والأفلام القصيرة) من النقاد السينمائيين تماما، كما لو كان نقاد السينما قد أصبحوا أعداء للسينما، في حين أن النقاد هم الأكثر قدرة في الحكم على الأفلام من الممثلين والممثلات بل وإحداث نوع من التوازن داخل لجان التحكيم لأنهم لا ينحازون إلى أسلوب سينمائي معين (أو هذا ما يفترض أساسا) بل ينحازون للأفلام الجيدة بغض النظر عن أسلوب الإخراج.
والأمر الآخر الأشد غرابة أن تضم لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الممثلة هند صبري التي لا يعرف لها أي اهتمام أو ساق خبرة، لا بممارسة نقد وتحليل الأفلام الوثائقية أو صنعها، فكيف يمكن أن تحكم ممثلة على أفلام وثائقية أو تسجيلية. إنها المرة الأولى على حد علمي الشخصي، التي أرى فيها شيئا شاذا كهذا، بل وأضيف أيضا أن هند صبري قد لا تكون قادرة على الحكم على الإخراج في فيلم سينمائي بحكم النظرة الضيقة التي تنظر بها أي ممثلة عادة إلى الفيلم فهي عادة تقف أمام الكاميرا للقيام بدورها في سياق ربما سيقوم المخرج يتغييره وتعديله وإعادة توليفه على طاولة المونتاج.
أحمد عبد الله وخالد أبو النجا أثناء تصوير فيلم "هليوبوليس"

ومن ناحية أخرى تضم لجنة تحكيم الأفلام القصيرة الممثلة منة شلبي التي لا أعرف أيضا كيف يمكنها أن تحكم على هذه الأفلام بخبرتها المحدودة في العمل السينمائي عموما. ورأيي أنه إذا كان ولابد أن تضم لجان التحكيم ممثلين أو ممثلات للحكم على مستوى التمثيل في الأفلام المتنافسة فيجب أن تكون تلك الأسماء من الممثلين أصحاب الخبرة الطويلة في التمثيل، وليس من ممثلات شابات ناشئات مهما كان اعجابنا الشخصي بهن!
* شاهدت فيلم "الليل الطويل" السوري لحاتم علي، وهو دراما ثقيلة عن الاعتقال السياسي في سورية ولاشك في جرأته الفكرية، وشاهدت فيلم "هليوبوليس" المصري للمخرج الشاب أحمد عبد الله، وهو تجربة جديدة من تجارب "السينما المستقلة"، وطبعا يجمع بين الفيلمين أنهما صورا بكاميرا الديجيتال ثم جرى تحويلهما إلى شريطين سينمائيين. وقد توجهت بسؤال خلال المؤتمر الصحفي لفيلم "هليوبوليس" بعد ظهر اليوم إلى مخرج ومنتج الفيلم حول ما اذا كانت هناك أصلا "ضرورة" فنية وإنتاجية لتصوير الفيلم بكاميرا الديجيتال (الرقمية) فكان رأي المخرج أن طبيعة الموضوع الذي صور في حي مصر الجديدة بالقاهرة، في شوارع تمتليء بالرحكة والبشر، كانت تفرض الاستعانة بكاميرا صغيرة من نوع الديجيتال، وأضاف أن التكلفة الكلية للفيلم قلت بشكل واضح أي أن استخدام هذه الكاميرا أدى إلى تقليل التكلفة، في حين قال المنتج شريف مندور (صاحب تجربة انتاج فيلم "عين شمس") إن التصوير بكاميرا الديجيتال لم يقلل كثيرا من التكلفة إذا أخذنا في الاعتبار التكاليف الكبيرة التي تنفق لتحويل الفيلم إلى شريط سينما. ولكنه أوضح أنه والمخرج، ناقشا الأمر في البداية وكان القرار أن تستخدم كاميرا الديجيتال لأسباب فنية تماما وأساسا.
* وقد شاهدنا أيضا فيلم "كاريوكا" التسجيلي المنتظر للمخرجة نبيهة لطفي التي لم تقدم أفلاما منذ أكثر من عقد من الزمان، وفيلم "ما هتفت لغيرها" لمحمد سويد، وسنعود فيما بعد لتناول كل هذه الأفلام بالنقد والتحليل.
أخيرا، وعلى العكس من تقارير صحفية كثيرة في الماضي، تحدثت عن عدم وجود جمهور للأفلام في مهرجان أبو ظبي، أشهد أن الجمهور موجود، ويقبل على معظم العروض بل إن الأفلام الوثائقية أيضا لها جمهورها، وقد شاهدت أفلاما خارج قصر الإمارات (المقر الرسمي للعروض) في المجمع السينمائي بسيني ستار مثلا ووجدت إقبالا، بل وقابلت اثنين من الأصدقاء اللذين يأتيان يوميا خصيصا من دبي لمشاهد الأفلام والعودة في آخر الليل.. غير الطويل!
وللحديث بقية بالطبع.

الأحد، 11 أكتوبر 2009

في مهرجان أبو ظبي السينمائي (1)


أكتب من مهرجان أبو ظبي السينمائي الذي أطلق عليه منظموه مهرجان الشرق الأوسط وهي تسمية لا غبار عليها من وجهة نظري مثلما نقول صحيفة "الشرق الأوسط" و"إذاعة الشرق الأوسط" وغير ذلك. وليس بالضرورة أن يعني إطلاق هذا الإسم على المهرجان أنه يخفي وراءه دعوة إسرائيل أو أفلام إسرائيلية، وإذا كانت هناك أي نية لـ"ارتكاب" تلك الجريمة لكانت قد ظهرت الآن وأصبحت مكشوفة للجميع. لكن الصحيح أن مهرجان أبو ظبي (الجميع يسمونه هكذا على أي حال) لم يقبل أفلاما إسرائيلية، وربما كانت هناك محاولة من قبل مسؤول معين (سابق) في المهرجان للقيام بذلك في الدورة الأولى عام 2007، غير أن هذه المحاولة انتهت كما هو معروف للجميع، إلى لاشيء.
التسمية إذن لا تستحق كل ما يثار حولها من ضجيج بدليل أننا نتعامل مع "كيانات" أخرى تحمل اسم "الشرق الأوسط" دون أن نتحفظ عليها.
أما المهرجان نفسه بعيدا عن التسمية، فهو حقا يقام في بلد غير معروف بنشاطه السينمائي، ربما تكون هناك أفلام مصورة بكاميرا الفيديو الرقمية طويلة أو قصيرة، قد ظهرت خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لاتزال تواجه المشكلة الأخطر من الإنتاج أي العرض والتوزيع والقدرة على الوصول لجمهورها الطبيعي ولو من خلال التليفزيون.. فهل يحدث هذا قريبا؟
الإجابة ليست عندي، والطريق لايزال طويلا وشاقا، ليس فقط أمام صناع الأفلام في الإمارات، بل في منطقة الخليج العربي بأسرها بما فيها السعودية بالطبع التي لا يجب أبدا استثنائها تحت أي مبرر.
وربما يكون من المهم كثيرا التذكير بأن مخرجي الأفلام المصورة بكاميرا الديجيتال، أحيانا على نفقتهم الخاصة، يتحملون الكثير من المشاق، ويعجزون عن الوصول بأفلامهم إلى الجمهور وهذا يحدث في مصر أيضا، الدولة التي يحسدها الكثيرون على وجود "صناعة" سينمائية عريقة فيها وحر كة سينمائية وإنتاج سينمائي متنوع!
المعاناة إذن ليست قاصرة على فئة دون أخرى، بل يشمل الجميع، والتواصل والتعاون بين هذا القطاع "المستقل" الذي نشأ حديثا، مهم أيضا لفتح طرق جديدة للعرض وللإنتاج أيضا.
أعود إلى مهرجان أبو ظبي الذي لم أحضره من قبل. وربما اكون أيضا قد أبديت الكثير من التحفظات عليه وعلى غيره من المهرجانات التي تقام في الخليج، وكانت تحفظاتي أساسا، وربما ستظل، تتركز في نقطة واحد هي المبالغة الشديدة في الاعتماد على المال وحده: في الجذب.. أي جذب الأفلام والمخرجين والصحفيين والنجوم من العرب والأجانب، والاهتمام الشديد بالسينما الأمريكية على حساب سينما المنطقة (سمها العالم العربي، أو الوطن العربي، أو الشرق الأوسط). وهنا لا فرق لدي بين أي من هذه المهرجانات: دبي (أقدمها وربما أكثرها طموحا .. لا أدري)، وأبو ظبي، والدوحة ترابيكا الوليد الذي يبدو أنه سيبدأ في أواخر الشهر الجاري من حيث بدأ مهرجان أبو ظبي أي بالاهتمام بالسينما الأمريكية والناطقة بالانجليزية عموما (هناك 23 فيلما من أمريكا وبريطانيا من بين 33 فيلما هي كل ما سيعرض المهرجان).
وهذه أسباب أظن (وبعض الظن إثم) أنها أسباب موضوعية تماما وتستحق الانتباه والاهتمام، من النقاد ومن غير النقاد، وأساسا من القائمين على أمر تلك المهرجانات. ويبدو لي أن مهرجان أبو ظبي هذا العام تحديدا في عهد مديره الجديد بيتر سكارليت الذي تولى مسؤوليته بعد دورتين ترددت أصداء فشلهما في الصحافة العربية، اللتين لم أحضرهما ولا رأي لي فيهما غير أنني اطلعت على برنامج العروض واتفقت مع المنتقدين على أنه كان شديد الاهتمام بالأفلام الأوروبية والأمريكية التي كانت تخرج ايضا من المهرجان بحصة الأسد من الجوائز المالية الضخمة في حين كانت السينما العربية بأفلامها تمنح هامشا ضيقا وتبدو كاليتيم!
عن دورة هذا العام سبق أن كتبت وقلت إن البرنامج جيد ومتوازن، بل وإن الأفلام الجديدة التي تعرض من آسيا وأوروبا وأمريكا يبدو الكثير منها مهموما بالكثير من المشاكل التي تهمنا في هذه المنطقة من العالم، وبالتالي يمكن أن يصبح المهرجان فرصة للحوار حول القضايا المشتركة.

ومما أعجبني أيضا قبل أن أتوجه إلى المهرجان "التقسيمة" الجديدة للجوائز، أي جعلها أقل جنونا بكثير عما كانت فأكبر جائزة لا تزيد عن 100 ألف دولار بعد ان كان ربع مليون (وهو يظل بالتأكيد مبلغا ممتازا) ويمنح لأفضل فيلم في مسابقة الأفلام الروائية ويمنح مثيله للأحسن في مسابقة الأفلام الوثائقية كما تمنح جائزتان لأفضل الأفلام من الشرق الأوسط بنفس القيمة المالية وهو ما يحقق توازنا جيدا. وهناك 50 ألف دولار تمنح لأفضل مخرج روائي جديد وأفضل مخرج وثائقي جديد، وهي مبادرة جيدة لتشجيع السينمائيين الناشئين.
مؤكد أنني لا أوافق على أن يصبح سلاح المال هو السلاح الحاسم في المنافسة بين مهرجان ابو ظبي وغيره من مهرجانات المنطقة سواء المهرجانات التي تقام في الدول النفطية مثل دبي والدوحة، أو في الدول المائية مثل القاهرة ودمشق وقرطاج وتطوان (لا أذكر مهرجان مراكش أبدا ولم يسبق لي أن أشرت إليه لا من قريب ولا من بعيد، وهذا اختيار مقصود لأنني ببساطة لا أعتبره مهرجانا عربيا بل أمريكي يقام في المغرب (العربي) لأسباب "شخصية".. ولن أزيد على ذلك، ومن لا يفهم هذه العبارة عليه أن يعيد القراءة أو يتصل بصديق!
سمعت بالطبع ما تردد عن دفع الكثير من الأموال لبعض المخرجين للحصول على حق العروض الأولى لأفلامهم، وهو سلوك مرفوض أساسا لأنه يفسد السينمائيين ويجعل المال هو القيمة الأساسية في مشاركتهم بالمهرجانات، كما أنه سلاح لا يأخذ في الاعتبار أن الذين يستخدمونه يسيؤون إلى أنفسهم ايضا وإلى مهرجاناتهم، لأنه يظهرهم باعتبارهم أناسا من فصيلة "محدثي النعمة" الذين يستسلهون كثيرا اخراج دفاتر شيكاتهم وشراء كل من يمكن شراؤه بالمال.
الجانب الآخر الذي أود التأكيد عليه أن مهرجانات السينما التي تتكاثر في العالم العربي (ولا أظن أبدا أن أحدا ضد وجودها من ناحية المبدأ) تفتقر كثيرا إلى القيام بدور "ثقافي" واضح وبارز أو يغيب عنها التواجد ضم مشروع ثقافي متكامل وشامل يسعى للتنوير واشاعة الوعي بأهمية السينما والفنون البصرية عموما، ويعلي من شأن ثقافة الصورة، ويهتم بالمطبوعات السينمائية وبنقاد السينما وما يساهمون به من "فكر"- وأضع هذه الكلمة بين أقواس لأن من المهم أن تستوعب هذه المهرجانات أن هناك نقادا للسينما، وهناك صحفيون للمنوعات. وفاروق كبير بين النوعين، فالنوع الأول ينتج "فكرا" تحليليا ناتجا عن ثقافة وتعمق في الفهم والرؤية والمعرفة، بينما يقدم النوع الثاني "معلومات وأخبارا وتحقيقات سريعة. ولا ينبغي أن ينفي النوع الثاني النوع الأول أو العكس. بل يجب الاهتمام بالنوعين على قدم المساواة. وليس معنى أن هناك ندوة دولية أو عربية للنقد قد قشلت أن نوقف الاهتمام بالنقد بل علينا أن نبحث عن وسائل لتطويرها وتخليصها من الشللية والمحسوبية والوساطة ومن الاعتماد على "نقاد وزرات الثقافة" و"المؤسسات الرسمية"، والتوقف عن الاعتماد على "التقارير" التي تصب في مكاتب المسؤولين عن السينما في الدول "المائية" قبل أن نقرر من يحضر ومن لا يحضر، من يأتي ومن لا يأتي، كما يجب التوقف عن محاربة المهرجانات بعضها البعض، بخطف هذا الفيلم من هنا أو من هناك، واطلاق الشائعات ضد هذا المهرجان، أو تشكيل فرق من الميليشيات التي تسبح بحمد هذا المسؤول المهرجاني أو ذاك، بدعوى أنه الأفضل والأنقى والأقدر حتى لو قضى عمره "الافتراضي" كله جاثما على صدر المهرجان كنموذج يتحدى الطبيعة، وعلى مقاومة التغيير ووقف مبدأ التطور، وقبل هذا كله، يجب التوقف عن سياسة معاقبة النقاد والمفكرين السينمائيين على آرائهم ومواقفهم ورؤاهم السينمائية وتجاهلهم أو وضعهم في قوائم سوداء، فهذا يجعل المهرجان، أي مهرجان، مهرجانا لقارعي الطبول وعشاق الأكل على كل الموائد والكتابة حسب مستوى الطعام وكميته.. وأشياء أخرى ونوعيات أخرى أربأ بنفسي عن ذكرها!
وقد كان من دواعي سروري الشخصي أن أسمع من الصديق انتشال التميمي، مستشار مهرجان الشرق الأوسط، أن المهرجان اقتنع هذا العام بضرورة حضور النقاد الكبار الذين أدوا واجبهم وتقاعدوا عن ممارسة النقد وإن استمروا في عطائهم في مجالات أخرى، على سبيل التكريم والتحية، ومنهم الصديق الأستاذ خميس الخياطي (من تونس) مثلا، فهذا موقف متقدم لابد من تحيته وتشجيعه.
وللحديث بقية.

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

مهرجان لندن السينمائي الـ53


تنعقد الدورة الـ53 من مهرجان لندن السينمائي في الفترة من 14 إلى 30 اكتوبر الجاري بمشاركة أكثر من 200 فيلم من 50 دولة. هذا المهرجان العريق يعرض عشرات الأفلام من سينما العالم في برامجه المختلفة ومنها أفلام عربية.


الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

"موت البديل": معنى السينما المستقلة



بقلم: عماد إرنست



تستضيف مدونة "حياة في السينما" الكاتب والمخرج الصديق عماد إرنست أحد السينمائيين البارزين في مجال الفيلم التجريبي والفيلم الفني الذي يمزج بين الروائي والتسجيلي وغير الخيالي ويستخدم مفردات السينما في أفلامه ويصوغها بطريقته وطبقا لأسلوبه الخاص. في هذا المقال الذي يمكن اعتباره شهادة شخصية لكاتبه على علافته بالسينما وبالتعبير بالصورة، يناقش عماد العلاقة بين الفيديو والسينما ونظرته الخاصة لما يسمى بالسينما المستقلة في مصر. ولعل هذا المقال بحميميته يفتح الباب للمناقشة واتعليقات من جانب السينمائيين الشباب والمتطلعين لأن يصبحوا مخرجين في المستقبل.

بعد عرض فيلمي التسجيلي القصير، المصور والموَّلف بتقنيات الڤيديو الرقمية، وذلك ضمن أسبوع لأعمال الڤيديو بمصر، جلست بإحدى قاعات المجلس الأعلى للثقافة مع مخرجين زملاء لنتلقى ردود الفعل على أعمالنا المختلفة. وعلى مشارف انتهاء النقاش توجه أحد الحضور بسؤال لم يتم الإجابة عليه، لا أتذكر لماذا !كان السؤال مثيراً ، على الأقل بالنسبة لي ، هذا هو السؤال ..هل الڤيديو بديل للسينما ؟

سؤال مفاجئ رغم بساطته ، وأذكر عقب طرحه أني ابتسمت بلا سبب واضح في ذهني .شيء ما مرح، لكنه مرير في ذات الوقت، كان يتسلل بخلفية هذه الابتسامة. ولأني اعتدت على أخذ هذه الابتسامة بجدية كلما لمحتها تعبر وجهي. لذلك، ولدى مغادرتي مع صديقتي غامرت بالصمت غير المبرر والمقلق لها .
أقول : "غامرت" ؛ هذا لأني أعرف خطورة تعقب هذه الابتسامة الملتبسة !"
لقد أعجبهم الفيلم ، فلم أنت شارد !؟ "
" أنت تعرفين أني أقدر الأسئلة المفاجئة وقد واجهني اليوم أحدها . "
" أي سؤال تعني !؟ "
" هل ( أنا ) بديل ( لي ) !!؟ "
" لم يسألك أحد هذا السؤال !
كل ما أعرفه أن أكثر الحضور فهماً للسينما قال عنه رائع .
"ابتسمت لها بود وهي تطمئن راحة يدي برفق .
ركبنا تاكسي طرازه قديم عبر بنا جسر الأسود ثم وسط المدينة، وسؤال الرجال يطارد جبهتي من اليمين لليسار والعكس.
أعادتني اهتزازات التاكسي للحظة دخولي معهد السينما كطالب يسعى للتحقق بفن السينما.
تذكرت وقوفي المتوتر في بهو المعهد الداخلي، وترددي بالحديث مع زملائي، فقد كانت عيني تحاول احتواء البهو، والغرف، والممرات والسلالم، والنوافذ. كانت مشغولة في صراع بدائي متكرر مع المكان .. بين الحين والأخر كنت أشارك زميلاً، وأتعاطف مع أخر، الكل يصافح الكل بحرارة.
صافحت السائق وهو يعيد باقي الخمسة جنيهات لصديقتي، فضحكت صديقتي بصوت عال. تذكرت ضيق الرجل لعدم إجابة سؤاله، ووقوفه صامتاً وسط الحضور بالقاعة، لقد شعر أنه وحده مع سؤاله، تجمد للحظات وأخرج سيجارة، فإذا بأمن القاعة يمنعه بسرعة فتراجع متلفتاً حوله باحثاً عن تكملة .أحياناً تتحول علامة الاستفهام لمخلب وحشي يطاردك وسط الحشد ؟
هل الڤيديو بديل للسينما ؟لم أجد علاقة بين ذكرياتي وسؤاله ، فعدت ليدي صديقتي الحانية ، واستمتعت معها بالتنزة بأرصفة وسط القاهرة بين المارة المتلكئين أمام احتفالية الأوكازيون . تدفقنا معهم أكثر ثم أقل ، فأكثر ..
وإذا بالسؤال يعود ليواجهني بأفيش احدى دور العرض تعرض "للجمهور" "فيلماً" "روائياً" "طويل" : هل الڤيديو بديل للسينما التجارية ؟
فتحت باب مسكني وتوجهت إلى الكامير الـ Mini DV. أمسكت بحقيبتها ورفعتها، فإذا بها "خفيفة" فتوقفت عند نسب خفتها . خفيفة بالنسبة لأي شيء .. .. !؟
في شتاء ١٩٩١، وفي السنة الدراسية الثانية، طلب منا عمل فيلم تسجيلي عن أي موضوع نرغبه، ثم تسلمنا كاميرا V.H.S للتصوير بها. ولأنها كانت المرة الأولى التي سأضع فيها عيني بكاميرا تنتج صوراً متحركة؛ لذلك قررت أن أصور بنفسي. لم يكن بداخلي رغبة للخروج عن نطاق الحي الذي أسكنه، فنزلت بها يوماً كاملاً لأبحث عن موضوع من خلالها. "اللي عشته أحسن من اللي ماعشتهوش".
عدت خائباً، لكني اكتشفت شيئاً مشجعاً ، وهو أني بدونها كنت أفعل نفس الشيء ، كنت أمتلك قدرة تحديد الـ FRAME . لكن أي FRAME سيوقفني !!؟
غفوت شاعراً بتدفق ألم شديد بالكتف الأيمن .
اليوم الثاني تحركت بها بداخل الحي القديم المتهالك والأثري ( الجمالية ) . لم أرفعها أو أديرها ، توغلت بها حتى وصلت لحي اليهود ، وعبرت بوابة خان قديم ، وهنا بدأت تجتاحني العين المحتوية للمكان !!
شعور متدفق بأنك مألوف للبشر والجدران، وأن هذا المكان ينتمي إليك وأنت إليه ، شعور يزداد ثم ينقص لكنه لا يختفي أو ينقطع ، شعور خطي متصل !
أحسست بخفة الكاميرا بيدي لكني لم أجرؤ على إخراجها ؛ فقد كان الشعور يلتهم قراري بالتفاعل كمخرج، أو بالأحرى كمصور . أذكر بطئ حركتي وثقل خطواتي في الممرات والدهاليز المتكلسة .. وإذا بي أعود فجأة للخلف لأرى شيئاً قد مر علي !!
وقفت أرقب ما أراه وأنا منغمس مع حركتهم المتكررة بعمق القديم المتهالك . ندائهم من الداخل يأتي ."لم تعد الكاميرا موجودة" .. واندمج ما هو حسي مع ما هو معرفي في علامات ترقيم لغوية، وقرارات قوية حتى أصل إلى " لماذا توقفت وعدت للخلف لأرى ما قد مر علي " ؟
طلب مني الفنان مدكور ثابت (لاحظ الخلفية التجريبية لهذا المخرج) أن أكتب ورقة عما أنوي الوصول إليه من المادة المصورة. وقعت في حيص بيص. كان أكثر المواقف التي واجهتني قسوة، ولكني، ولكي أخرج من هذا المطلب، قدمت له ورقة أقل ما توصف به أنها هروب. لكنه بخبرته تفهم أني باحتياج للجلوس بغرفة المونتاچ، وبكم مفتوح من الساعات، ليكتمل حظي الاستثنائي بأن أضع قدمي على أول الطريق الحقيقي للتمتع بجدية بصنع الأفلام .. الانحياز للإسثثناء !
أغلقت الكاميرا الـ Mini DV ، ثم وضعتها بحقيبتها وأخرجت البطارية حتى لا تنفذ .شتاء ١٩٩١، كانت من نوع الـ V.H.S. ، استعدت تجربتي معها كاملة وتعرفت على نسب الخفة.
الأنالوج والديچيتال الخطي والرقمي مفردتان تستخدمان خارج النطاق التقني في التفسيرات الحديثة لعلم الإيكولوچيا فالاتصال الخطي يتضمن كماً متدفقاً بلا فراغات دالة ، ولا يوجد به " لا " ، و لا يتساءل " إما أو " كل شيء فيه أكثر أو أقل ، مثل كل الإيماءات والتحولات والإيقاعات غير التقليدية، والسياق الإتصالي ذاته. أما الاتصال الرقمي فيتضمن عناصر حرص ، وانقطاعات أو فراغات ، ويسمح بقول الـ " لا " و " إما / أو " بدلاً من " كِلا / و " ( مثل كل اتصال دلالي لغوي ) " .. هذان .. " الشكلان ليسا في موقف تعارض، فالوظيفة العامة لما هو رقمي أن يرسم حدوداً بداخل ما هو خطي، مثله في ذلك مثل مفتاح غلق وفتح دائرة كهربائية تعمل بداخل تيار متدفق " .
هذه ترجمة لتعريف موجز لـ "بيل نيكولز" لمفهومي الخطي والرقمي لدى "جريجوري بيتسون" صاحب كتاب "خطوات نحو إيكولوچيا العقل" .الآن .. السؤال يحتاج إلى إجابة أكثر وضوحاً !
فما سبق كان لعبة " سرد وأسلوب "" لماذا " يطارد الرجل ذاكرتي ؟ و " لماذا " كان السؤال هاماً له لحظتها !؟
"نصصت" أداتي الاستفهام لأنهما التجسد اللغوي لكاميرتين، الأولى ڤيديو والثانية سينما ٣٥ميلي .. الأولى ابتسامتي المرحة والمريرة والثانية تتمثل في قلقه من عدم تحققه في سؤاله. الاثنتان اندمجتا بلا صراع تقليدي بفراغ القاعة.
هنا نستطيع رؤية العلاقة الملتبسة بين مفهومي الخطي والرقمي عند بيتسون؛ فالابتسامة كانت إيماءة غير تقليدية (خطي/ متدفق) أعقبها صمت تأملي فيها (رقمي/حرص)، بينما بالنسبة له كان هناك أشخاص تتحدث بتدفق (خطي/مثرثر) قطعها ذهنه بسؤال متكلس (رقمي / لا) ثم فعل إنتظار متدفق لبرهة، أعقبه عدم السيطرة على سلوكه، بالتجمد وإشعال السيجارة، ثم الحيرة (خطي/ متدفق ومتحول). وهكذا تشابكت صراعاتنا الحسية والمعرفية ما بين تدفقات خطية وإنقطاعات رقمية. ويمكن متابعة الجزء السردي "في البداية" من هذا المنظور، إلى أن تتوقف عند كلمتي ..
السينما التجارية: هذه السينما غير معنية إلا بالجاهز من تفسيرات السلوك البشري، وبما يخدم صراعها التقليدي الأرسطي ذي الثلاث فصول، والتي لا تريد المغامرة بتغييره ، لأنه مستقر التواصل ومربح . وهنا يكمن خطأها ؛ فالقلق المتزايد التجزئة في الاتصال بين البشر لن يجد التهدئة بشاشتها ( لاحظ قلة البطولة الخارقة بعد ١١ سبتمبر، ولجوء السينما التجارية الأمريكية لأبطال ذوي بشرة غير بيضاء للتخفيف من القلق تجاه نسيج المجتمع. ومن قبل نجاح جماهيري لفيلم تلاعب فقط بسرد الصراع التقليدي وبأبطاله ـ ليس بطلاً واحداً ـ مثل فيلم Pulp Fiction ).
ولأن هذا القلق الاتصالي يحمل بداخله احتمالات ووعوداً بالضحك، لذلك أتوقع صعود أكثر لموجة الكوميديا بمصر ( لاحظ مقولات ممثلي الكوميديا بأنهم يأخذون قفشاتهم من الشارع . وعلى النقيض ، يتم الهرب بالحدوتة لخارج مواقع القلق مثل الجامعة الأمريكية ، هولندا ، شرم الشيخ ، أفريقيا ، ومواقع صراع عالمية وعربية جاهزة التفسيرات الصحفية ) . ثمة فيلم واحد اشتبك مع مواقع القلق على مستوى الفكرة الأولى بين ما هو حسي وما هو معرفي وهو " فيلم ثقافي".هل هذه هي السينما التي سيصبح الڤيديو بديلاً لها؟
يا صاحب السؤال ، أعرف أنك تعني العرض العاملكني أتخيل ذلك اليوم الذي سيحل بغرفة ماكينة العرض بمصر المحروسة جهاز صغير يُعرَض من خلاله اسطوانات الـ D.V.D وجهاز آخر فوقه ، أقل حجماً، ومن نفس الشباك السحري سيصدر صوراً، على نفس الشاشة االبيضاء ، في ذات القاعة المظلمة ، للآخر الجالس بكرسيه يطبق تذكرته و ينتظر ..
السؤال الآن أصبح ملكي ، إذن فالاجابة تتطلب تحديد إلى أي سينما أنتمي !
هناك ثلاثة أنواع من السينما تهتم بالمتفرج "المجهول" وشباك التذاكر مؤشر مهم لها ، حتى إذا إدعى من لا يعرفها غير ذلك !
وهم بترتيب درجة الاهتمام بالتواصل مع الآخر المجهول ـ المتفرج ـ وكذلك سبب الرغبة في هذا التواصل : ( سينما البحث ، السينما التجارية ، السينما المستقلة.سينما البحث : هي تلك السينما التي تعتبر البحث بعناصر صناعة الفيلم شرطاً أساسياً ورئيسياً لتجديد وتغيير اللغة السينمائية لكي تتجه بالفن السينمائي لخصوصيته السيميولوچية. وأمثلتها متروبوليس، والمواطن كين، وسايكو، وساتيركون، وتيوريما، وبرسونا، والقربان، ونظرة عوليس وهكذا .. العزيمة والسوق السوداء، المخدوعون، المومياء، الإختيار، السقا مات، مرسيدس، الطوق والإسورة، البحث عن سيد مرزوق، الحريف، وهكذا .. وهي تعمل على وتر الخيال الجمعي بمفهوم الإنعتاق المرفرف تحت راية الحداثة كمشروع فني وثقافي .
السينما المستقلة : هي تلك السينما التي راجعت أخطاء الطليعة بفن السينما، وأحدها الانجراف المبالغ فيه في التخصص اللغوي، نتج عنه الانفصال عن المتفرج والحديث للصفوة. وتعلمت أيضاً من نقاط القوة بالسينما التجارية، فيجب الابتعاد فيها عن الغموض الملتبس بالسرد، حتى إذا كان خطياً متقطع الصراع أو مغاير تماماً للسرد الأرسطي. وهي تنظر بحرص للماضي ومشروعه الحداثي ، وكذلك تنتقد بشدة الحاضر والمستقبل في مشروعهما المندفع "الما بعد حداثي"، إلا أنها تتبنى بعض أفكاره عن اللغة السينمائية التي تتواءم مع نقدها لسلبيات المشروع الحداثي . لافظة فكرة الإنعتاق وموجهة إهتمامها التام صوب اليومي والهامشي بألعابه الكامنة والعنيفة والبريئة معاً .
سقط بالقانون، دخان، حزن في الوش، رمبل فيش، بلب فيكشن، عاري، مقابر خاوية، جنس وأكاذيب وشرائط فيديو ، وهكذا ..يسري نصر الله و زكي فطين عبد الوهاب و أسامة فوزي، مخرجون كان لهم تماس متواتر مع ما سبق!
أنا أنتمي للسينما المستقلة، التي أعلن أحد ممارسيها العنيدين "چيم چاراموش" أنه لم يعد يعرف معناها بالتحديد. ذلك ربما لتسلق بعض الراغبين في السينما التجارية من خلالها، أو لجذب أضواء النيون للفراشات .. وربما أيضاً، والأهم، "نزول" بعض مخرجي سينما البحث لآليات التنفيذ المستقل بحثاً عن الخروج من أزمة إنتاج أفلامهم. كل هذا لا يهم، المهم أن هذه السينما قد طرحت نفسها بقوة، وساهمت في بث الحيوية بالوسيط السينمائي العالمي منذ السبعينات وبمصر منذ التسعينات . وكما ذكرت، هناك مخرجون بمصر كان لهم اقتراب قوي لمنطق السينما المستقلة، أولهم، وأعني نصر الله، صور فيلمه على ١٦مم بإرادة صلبة، ثم وبمساعدة تمويل فرنسي، أخرجه للنور وهو "سرقات صيفية". إلا أن بداخله صفات تميزه كسينما بحث أكثر من كونه مستقلاً، لذلك نجد فيلمه التالي "مرسيدس" ينتمي في طرحه اللغوي للتعقيد والغموض السردي، في محاولة لاكتشاف "الجديد" باللغة السينمائية على طريقة سينما البحث.
والملحوظة المهمة بهذا الفيلم، إنه بداخله وعود بسينما مستقلة، نراها في عالم سينما الدرجة الثالثة، وكذلك النقد الواضح لمشروع الحداثة السياسي والتخوف والريبة من فساد الحاضر الما بعد حداثي (مرسيدس)، وبالأخير ذلك القلق الكامن بمجمل رحلة البطل بين الحسي والمعرفي. ثم يأتي فيلم "المدينة"، الذي يزداد فيه اقتراب المخرج من السينما المستقلة، وابتعاده عن سينما البحث، ليس فقط بآليات الإنتاج، ولكن الأهم هو في ابتعاده عن الغموض والتعقيد السردي .
زكي فطين عبد الوهاب ، لسبب واحد لن أستطيع أن أتحدث عن فيلمه "رومانتيكا" وذلك لعدم اكتماله بالطريقة التي كان يريدها، وهنا تظهر فكرة التداخل الإنتاجي بين السينمات الثلاث التي قد تجهَض لعدم تحديد النوع بذهن الانتاج وصانع الفيلم. لكن اختيارات المخرج زكي فطين لفئة الخيرتية بالقاهرة وشخصياته الاستثنائية جعلت عالمه مستقل وقوي، وأرجو عودة هذا المخرج لصناعة الفيلم بأي إمكانية.
أسامة فوزي، ومصطفى ذكري، سينمائيان من العيار الغنوصي، فيلمهما الأول "عفاريت الإسفلت" فتح إطار جديد للسيناريو للنظر للهامشي، لكن طموحه لخلق مجتمع فيلمي ينتمي لطموحات سينما البحث؛ فالكثافة العددية للشخصيات المساعدة جنحت بالفيلم لكتابة تقترب لنوع تبتعد عنه السينما المستقلة، ألا وهي كتابة "الملحمة" بمفهومها القديم للإنعتاق .
جرأة الفكرة سمة أساسية ترتبط بالاستقلال . إلا أن نموها وتطورها يقع على عاتق الجهد وعدم التسرع. إن "جنة الشياطين" وبرغم عدم إجابته على : لماذا عزل ومسرحة الهامشي ؟ إلا أنه أصبح من أهم محاولات السينما المخلصة .هل الفيديو بديل للسينما ؟ بلقاء للمخرج "ڤيم ڤيندرز" مع شباب السينما بإيطاليا ، وذلك بعد تجربته بعمل فيلم روائي طويل بكاميرا Digital Hi 8 ، حثهم على عدم التنازل عن الأفكار ، والعمل بأي إمكانيات متاحة لهم .
وحيث أن فرص تمويل الأفكار المختلفة تقابل بمعوقات كثيرة ومتنوعة لتنفيذها بآليات السينما داخل مصر المحروسة ، أهمها التحمس وسرعة التنفيذ .ولأني أؤمن بأن صدأ القلب والعقل يجعلا ( البقاء ) هو الرهان الوحيد وليس " الحياة " !لذلك ، سأرد على سؤالك هل الڤيديو بديل للسينما بسؤالي لنفسي في البداية ، وهو ..هل أنت ( شتاء ٩١ ) بديل لك ( أبريل ٢٠٠٢) ؟
اختفاء تدريجي ترقيمي ـ Digital Fade Out

* نشِرَ ببرنامج السينما المستقلة بمهرجان الإسماعيلية سبتمبر ٢٠٠٢ وبنشرة ملتقى الأفلام المستقلة ٢٠٠٦

* بعد ما يقرب من ثلاث شهور عمل على المادة كانت النتيجة فيلم بعنوان "حمام تركي" ٢٤ دقيقة ١٩٩١ سيناريو وتصوير وإخراج عماد ارنست، ومونتاچ هناء ارنست، وصوت أحمد الجزار. وهو فيلم لا يخضع لشروط النوع عن عمال معالجة وتنقية أتربة ورش الصاغة بالجمالية من خلال أداء حركة واحدة لمدة ثماني ساعات يومياً للحصول على بواقي الذهب أو الفضة المتناثر بتلك الورش.

* نتيجة لفتوح الثورة العلمية وزيادة وتيرة التخصص بدأ علم الإيكولوچيا Ecology في أواخر القرن التاسع عشر كفرع من البيولوجيا. ويعود المصطلح للعالم الألماني إرنست هايكل عام ١٨٨٦ كنحت من كلمة oikos الإغريقية وتعني منزل الأسرة وكدراسة للعلاقات التي تربط ما بين أعضاء كوكب الأرض. وبعام ١٩٠٩ أصبح العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائن الحي وبيئته، ثم توسعت بحوثه لتتحرى التشوهات التي أصابت العقل والثقافة في مختلف أوجه الحضارة متطرقة للجدل والصراع الخاص بما هو حسي وما هو معرفي.

* لأنه لا يوجد نموذج واحد أمثل، وأنه لا توجد سينما واحدة بل سينمات ثلاث يندرج تحتها عدد متنوع من السينمات تعمل تحت مسماها بحسب ثقافة مكانها وصانعها، يأتي هذا التحليل المقتضب للسينمات الثلاث ـ مُنحياً التجريبية لمنطق سردها الخاص ـ ليصبح هذا الرأي شخصي مثله مثل هذا النص المُهدى لصاحب السؤال.

* لست من المحبذين لفكرة أن معيار المال قادر على تحديد من يقع بنطاق الإستقلال ومن بخارجه، وإلا سيصبح الأغنى مستقل أكثر من الفقير، والمستقيم أفضل من المكافح، وبالتأكيد سيترك العمل الفني ويبحث بالنيات مُسقِطاً المصطلح بدائرتي الثنائيات الكسولة و صيغة أفعل التفضيل المنغمس فيهما العقل المصري والعربي لدهور طويلة. لذا فالنص يبحث بالأساس في جدل الحسي والمعرفي بالفن، وأتى كمحاولة "شبه" تنظيرية لتأسيس المصطلح على أرضية "ثقافية" و"فنية" لا مراهقة سياسية تجادل بأمور تمويل بديهية الرفض في حالة خلافها مع قناعات صاحب العمل، طالما هو على قدر من الوعي والتمسك بهذه القناعات. وهو أيضاً ليس مراهقة إجتماعية تجعل من الدولة جزء منفصل عن الفرد، حتى وإن كانت مؤسساتها تمر بأوهن مراحلها، فما يحدث مجرد ظرف تاريخي، قاسي بلا شك، الرهان فيه على "صلابة الوعي والإرادة" ومدى "تماسك القناعات" وبالأخير على حب "السينما المصرية" دون شوفينية تحجم من إمكاناتها الكثيفة والغنية للغاية !!!

* يرجح ظهور الغنوصية كإتجاه فلسفي وديني لمصر القرن الأول الميلادي في الرسائل الرمزية لهرمز مثلث الحكمة أو العظمة. وكل مفاهيمها وتصوراتها تتمحور حول مفهوم التحرر والانعتاق. وخلاصها لا يأتي عبر عبادات شكلية أو طقوس ما لم تترافق مع المعرفة وتكون مقدمة لخلاص من الجسد والعالم بآن واحد. فبعثها هو بعث للأرواح لا للأجساد. لذا يعد صراعها الانساني صراع بين عرفان يؤدي به للخلاص، وبين جهل يبقيه في دورة الميلاد والموت. ولمن شاهد فيلم "جنة الشياطين" قد يلحظ التماس الشديد مع هذا البعد الفلسفي مع مزيج من الأبيقورية والنتشوية مغلفة بسحر بيرجماني كجماليات سينمائية جاذبة بشدة لهذه التوجه الفني.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger