الجمعة، 19 يونيو 2009

فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية": إشارات ومفردات ما بعد الحداثة

تقديم:
((كتبت عن فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" من قبل مقالا عند عرض الفيلم في مهرجان لندن السينمائي (2006) لكني أعدت الكتابة عنه بطريقة أكثر تعمقا وتفصيلا ضمن فصل من كتاب جاهز للنشر حاليا لدي باسم "سينما الخوف والقلق". ورأيت بعد نشر مقالي التحليلي لفيلم إيليا سليمان "الزمن الباقي" أن أنشر هذا المقال الذي يسبح في الاتجاه المعاكس للمقال السابق ويوضح للقارئ الفرق بين فيلم حداثي وآخر تنطبق عليه بشكل مدهش أهم مفردات ما بعد الحداثة وهو مدخل نقدي ربما لم يتطرق إليه النقاد الغربيون الذين تناولوا هذا الفيلم، فقد انصب اهتمامهم أساسا على الجانب السياسي الذي بدا معتدلا- أمير العمري)).
(1)

أثار الفيلم الإسرائيلي "زيارة الفرقة الموسيقية" The Band's Visit اهتماما نقديا كبيرا منذ عرضه في الدورة الستين لمهرجان كان السينمائي (مايو 2007).
وقد حصل الفيلم على جائزة فرعية في كان، هي الجائزة الثالثة التي تمنح للأفلام التي تعرض خارج المسابقة الرسمية في قسم "نظرة خاصة" أي خارج المسابقة، تسمى جائزة أكثر الأفلام المؤثرة عاطفيا Coup de Coeur .
أما في إسرائيل فقد حصد الفيلم 8 جوائز من بين 14 جائزة في المسابقة السنوية الرسمية للسينما الإسرائيلية التي تقام على غرار الأوسكار، منها جائزة أحسن فيلم وأحسن إخراج وأحسن تمثيل وموسيقى، كما حصل على جائزة أحسن فيلم في مهرجان القدس السينمائي.
ولعل ما أثير من ضجة واهتمام كبير في الصحافة العربية، وما أثاره الفيلم من جدل في الأوساط السينمائية في مصر وغيرها، يعود أساسا إلى التصريحات التي أطلقها مخرجه عيران كويليرين، حينما أكد مرارا أنه يرغب في عرض فيلمه في العالم العربي، وأنه يعتبره "فيلما عربيا" على نحو ما، وأنه صنعه من أجل التقارب مع الآخر وتحقيق التفاهم، بل وإنه على استعداد لنزع كل عناوين الفيلم وأسماء العاملين فيه باللغة العبرية ووضعها بالعربية من أجل أن يعرض "كفيلم عربي" على حد قوله.
الزاوية "السياسية" في التعامل مع فيلم "زيارة الفرقة" ليس من السهل تجاهلها، فهذا أساسا فيلم إسرائيلي تظهر فيه شخصيات مصرية وإسرائيلية داخل إسرائيل، في إطار من الموسيقى والشعر والبوح، والتعبير المتبادل عن مكنونات الذات، وكلمات الحب، والانتصار في النهاية للتواصل وضرورة الفهم المشترك وعبور الماضي.
ولكن ما الذي يستند إليه الفيلم في طرحه لهذا الموضوع الواضح تماما منذ أول لقطة من لقطاته؟
يصور الفيلم كيف تصل فرقة موسيقية مصرية إلى إسرائيل ولا تجد أحدا في انتظارها في المطار، ثم تضل طريقها في أحد ايام السبت، العطلة الأسبوعية اليهودية، وبدلا من أن تبلغ مقصدها وهو بلدة بتاح تيكفاه، حيث تقصد مركزا ثقافيا عربيا بدعوة لإقامة حفل موسيقي هناك، تجد نفسها في قرية إسرائيلية تدعى بيتا تيكفا تقع في منطقة صحراوية معزولة.
الفرقة مكونة من 8 أفراد يرتدون ملابس عسكرية زرقاء لا نظير لها في الواقع في مصر، ويطلق عليها في الفيلم "فرقة شرطة الإسكندرية للموسيقى الكلاسيكية" وهي أيضا فرقة متخيلة تماما حيث لا نظير لها في الواقع المصري.
وبعد أن يدرك الجميع المأزق، يحاول رئيس الفرقة اللواء توفيق زكريا (ساسون جاباي) تدبر الأمر، فيتجه إلى مقهى تملكه امرأة إسرائيلية تدعى دينا لكي ترشده إلى الطريق فتقول له إنهم لا يستطيعون التوجه إلى البلدة الأخرى اليوم لأن المواصلات انقطعت، ولا توجد فنادق في هذه القرية، ثم سرعان ما تبدي كرما وأريحية مدهشة عندما تستضيف أولا أفراد الفرقة على الغذاء، ثم تدبر لهم أماكن للإقامة في بيتها وبيت أحد معارفها.
وخلال اليوم تقترب الشخصيات العربية والإسرائيلية من بعضها البعض، يتعرف توفيق على حقيقة "دينا" الإسرائيلية التي تعاني من الوحدة والملل في تلك القرية المعزولة في الصحراء، وتتعرف هي إلى ما يكمن وراء شخصيته من حزن نبيل.
من جهة أخرى يقيم العازف الشاب في الفرقة ويدعى خالد، علاقة صداقة مع شابين إسرائيليين أحدهما عاجز عن التعامل مع الفتيات، يعلمه خالد كيف يتعامل مع فتاة تحاول الاقتراب منه، ويعطيه درسا في الحب من خلال الشعر الصوفي العربي القديم.
اللواء توفيق قائد الفرقة يقضي المساء مع دينا التي تصحبه إلى الخارج، وتتجول معه في البلدة الصغيرة، وتحدثه عن اعجابها بالأفلام المصرية القديمة التي اعتادت مشاهدتها، وتروي له كيف كانت الشوارع تخلو من الناس في اسرائيل وقت عرض الأفلام المصرية بعد ظهر يوم الجمعة من كل اسبوع، وكيف أصبحت تعشق كلمات الغزل والحب في تلك الأفلام، وكيف تأثرت بأداء فاتن حمامة وعمر الشريف، حتى أصبحت حياتها - كما تقول- فيلما عربيا.
إنها دعوة إلى ليلة من الحب لا يستطيع اللواء بتكوينه المحافظ الذي ينتمي إلى الماضي قبولها، بينما يقبلها خالد الشاب المتحرر من قيود الماضي.
بعد أحداث ذلك اليوم وتلك الليلة، لا تعود الشخصيات إلى ما كانت عليه، بل تصبح أكثر فهما لبعضها البعض، وأكثر قدرة على الاستمتاع بطعم الحياة، ولو من خلال الموسيقى والشعر والغناء. وفي النهاية يرحل أفراد الفرقة نحو هدفهم، وتبقى كلمات الحب التي نستمع إليها من خلال الغناء الجميل.

(2)
المغزى الأساسي للفيلم هو الدعوة إلى ضرورة التقارب والفهم المشترك، ونبذ الماضي القائم على الحروب والصراع والكراهية والأحقاد. لهذا السبب، ولأن هذه "الرسالة" تأتي من الطرف الأقوى، الذي يفرض إرادته يوميا في الواقع على الأطراف الأخرى، فإنها تجد كل هذا الاستقبال الحماسي من جانب الجمهور في المهرجانات الغربية، فياله من "تسامح جميل"، بل و"تنازل" من جانب الطرف الأقوى للطرف الأضعف.
إلا أن الاستقبال النقدي المبالغ فيه للفيلم يستند أساسا، إلى رسالته "الإنسانية"، وإلى محاولته الموازنة بين الطرفين: من طرف هناك التعاطف الإنساني والرغبة في التقارب (لدى الطرف الإسرائيلي)، وهناك، لدى الطرف الآخر، العربي، التاريخ والفن والحس الفني الصوفي والغناء.
إن فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" من نوع الأفلام التي توصف في أدبيات النقد السينمائي بالـ miniature أي الأفلام الصغيرة البسيطة المحدودة التي لا تقوم على بناء مركب من الشخصيات والتفاصيل الفنية المعقدة فشخصياته محدودة، فالبناء فيه أقرب إلى "الاسكتشات" المسرحية، التي تعتمد على الأداء، وتغيب عنه "الحبكة" تماما، فهو يعرض للشخصيات دون أن يهتم بخلق أي صراع درامي بينها، لكنه مع ذلك، يصدر الكثير من الإشارات التي تتولد من خلال العلاقات الخفية بين الشخصيات التي تسري تحت جلد السطح الساكن للفيلم، المجرد من الأحداث الكبيرة.
يقص الفيلم حكاية بسيطة مفترضة، لا علاقة لها بالواقع بل تعكس ما يتمناه صانعه وما يحلم به، في شكل سردي تقليدي، تلتقي فيه الشخصيات وتفترق خلال يوم وليلة.
ويتعمد المخرج تجريد الموضوع من الجوانب الأساسية في العلاقة بين العرب والإسرائيليين عموما، أي السياسة والتاريخ، تاريخ الحروب والنزاعات المسلحة، فالشخصيات لا تقترب من السياسة أو الحديث عن الماضي وآثار الماضي، لا من قريب ولا من بعيد.
والمجتمع الإسرائيلي، من خلال تلك البلدة الصغيرة أو المستوطنة، لا تتبدى فيه أي آثار للعسكرة أو لوجود الدولة من خلال الشرطة مثلا، حتى مع وجود فرقة من الغرباء تسير في شوارع البلدة يرتدي أفرادها الملابس العسكرية، ويحملون حقائب ضخمة منتفخة.
كذلك ليس هناك أي مظهر من مظاهر الرفض أو العنصرية تجاه الغرباء أو حتى مجرد حب الاستطلاع الذي قد يدفع البعض من سكان البلدة إلى التعرض لهؤلاء العرب الغرباء بأي شكل من الأشكال، والشخصيات الإسرائيلية التي تتكلم في الفيلم لا تعبر عن القلق أو عن الخوف من تجدد الحروب أو من صواريخ تنطلق من قطاع غزة على قريتهم الجنوبية.. لا شئ سوى السكون والحياة العائلية التي تعاني من الملل والرتابة وقد تسبب بعض المشاحنات بين الأزواج.

(3)
هذه "اليوتوبيا" مقصودة تماما لتبيان التناقض: أولا هناك التناقض بين المظهر الخشن لأفراد الفرقة الموسيقية بملابسهم العسكرية، والاسترخاء الناعم في الطرف الاسرائيلي من خلال شخصية المرأة (دينا).
فرقة "الذكور" المصرية يحمل أفرادها آلاتهم الموسيقية الطويلة المنتصبة، فهم "الذكر" القادم من الخارج، المقتحم فجأة ودون سابق إنذار، لم يكن مقصده إسرائيل بل ما يسمى بأراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
أما إسرائيل فهي ليست مجتمع الكيبوتز الخشن الذي تشارك نساؤه بالسلاح في حراسته مع الرجال، بل واحة سلام ودفء، يعادلها المطعم والمقهى، ترعاها إمراة ناعمة متفتحة للحب والحياة، تفور بالرغبة، في الذوبان داخل ذلك الآخر.
هناك من ناحية إذن مصر، العرب، الآخر، العدو السابق الذي لا يزال مترددا في مد يد الصداقة، وهو هنا "مذكر" متجهم، الجيل القديم فيه عاجز عن الفعل (العجز الجنسي عند توفيق)، في مقابل الجيل الجديد الذي يبدو أنه ولد بعد اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل، وهو يتمثل في "خالد"، المتطلع إلى الحياة بقوة، المتحرر من قيود الماضي وعداءاته، الراغب من طرفه أيضا في الاقتراب من الآخر الإسرائيلي والامتزاج معه وكأنه يلتقي بأصدقاء جدد يحملون ملامح إنسانية خالصة.
وهناك من ناحية أخرى الاسرائيليون الذين يتجسدون إما في شباب يتطلع إلى اللهو والعبث والسهر واللعب مثل اي شباب في العالم (لا أحد يبدو أنه يخدم إجباريا في الجيش أو يتدرب على مواجهة اي عدو بل يرحب ببساطة بالغرباء ويسعى لاقامة علاقات معهم)، أو مثل ذلك الشاب العاجز بدوره عن فهم الجنس الآخر أو التعامل معه على الصعيد العاطفي، أو يتجسدون في أزواج يعيشون حياة "عادية" طبيعية، يتشاجرون ويختلفون معا، لكنهم على استعداد للاستماع والانصات إلى صوت الآخر ورسالته.
وتتمثل الرسالة القادمة من ذلك الآخر في الموسيقى والغناء الرومانسي الشاعري. لكن النغمة الجديدة التي يسعى للوصول إليها ذلك العازف المصري الذي تستضيفه أسرة إسرائيلية في منزلها لقضاء الليلة، ظلت – كما يقول- تخذله طيلة سنوات. إلا أنه يدرك، بمساعدة اصدقائه الجدد، أن ما أبدعه منها قد يكون كافيا، قد يكون هو النغمة الكاملة التي يتعين عليه التوقف عندها وعدم تعذيب نفسه بفكرة أنها ناقصة.
إنها إيحاءات غير مباشرة وتنويعات على فكرة قبول الأمر الواقع، القناعة بأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، التصالح مع النفس كبداية للتصالح مع الآخر.
هنا يتدخل ذلك العربي الغريب (خالد) بثقافته الرومانسية، لكي يعطيه درسا في الحب. وخالد هو نفسه الذي يقيم علاقة جنسية واضحة وصريحة مع دينا الإسرائيلية، التي تختصر وتلخص هنا إسرائيل نفسها.
فعلى العكس من "ذكورة" المصريين، هنا إسرائيل هي الأنثى المسالمة الوديعة المعطاءة، التي ترحب بالغريب وتمنحه كل وسائل الأمان: الطعام والشراب والفراش بل والحب أيضا.
لكن الجنرال توفيق عاجز عن الحب، بسبب مشاكل الماضي المؤلمة: انتحار ابنه واحساسه بالذنب نتيجة لذلك. وهو جزء من ذلك الماضي، ماضي الصراع والتوتر والقلق، لكنه لا يستطيع التخلص منه بسهولة، وما حوار "دينا" معه طيلة الأمسية التي تقضيها معه، في المقهى ثم في مكان شاعري على مقعد تحت الأشجار على إضاءة رومانسية، إلا دعوة لنسيان الماضي، ودرس في الأمل والتفاؤل والقدرة على الحب، ولذلك يقول لها توفيق في نهاية الأمسية وهما في الطريق إلى بيتها: "أنت امرأة عظيمة حقا".
إنه فقط يصل إلى حالة تصالح مع نفسه بعد تلك الأمسية التي يقضيها في الخارج مع المرأة الإسرائيلية "دينا" التي تعطيه بدورها، درسا في الإقبال على الحياة، في التخلص من الماضي، في التطلع إلى مستقبل يمتلئ بالحب والأمل.
وعندما يتطلع توفيق في وقت لاحق من تلك الليلة فيرى دينا تمارس الجنس مع خالد، ينفجر في الغناء العاطفي بسعادة غامرة "أنا أحببت" دلالة على استعادته توازنه العاطفي والنفسي.
إنها صورة مجردة لمجتمع إسرائيلي خيالي بالطبع، يتعامل معه المخرج كلوحة يرص فوقها شخصيات تحمل الكثير من الإشارات التي تحمل في النهاية "رسالة" الفيلم السياسية.

(4)


رغم أن فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" فيلم تقليدي في بنائه، إلا أنه يحمل الكثير من مفردات سينما ما بعد الحداثة يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- تصوير ما لا يمكن تخيله في الواقع: أفراد فرقة موسيقية عسكرية من مصر يسيرون في طريق تحيط به الصحراء في بلدة إسرائيلية، بدون دعوة ولا شرطة ولا أمن ولا أي تدخل من أي طرف مؤسساتي، فالمؤسسة تبدو وقد انسحبت من ذلك العالم المصغر الذي يخلقه المخرج.

2- الحنين أو النوستالجيا: المرأة الإسرائيلية، "دينا"، تتفجر، في أحد أهم مشاهد الفيلم بل وذروته، في شبه "مونولوج" عاطفي، تستدعي خلاله الماضي، وتتذكر عندما كانت الشوارع تخلو عند عرض فيلم مصري من أفلام الماضي الرومانسي في التليفزيون الإسرائيلي، وكيف أنها وقعت في غرام الشخصيات المصرية من خلال تلك الأفلام.
3- خلط أساليب متعددة معا في وعاء واحد: هنا خلط بين الكوميديا الخفيفة التي تعتمد على الكاريكاتورية أي المبالغة في رسم الشخصيات، والدراما النفسية التي تكتشف عبرها الشخصيات بعض الأشياء عن نفسها، وأسلوب الفيلم الرومانسي، والفيلم الموسيقي الغنائي وخلط الأداء التمثيلي بالغناء المفاجئ والتعبير الموسيقي، مع لمحات من سينما التشويق والإثارة أيضا.
4- التلصص والتعبير المباشر عن الرغبة الجنسية وتجسيد الجنس: توفيق ينهض من فراشه، لكي يتلصص على ما يجري في الغرفة الأخرى بين خالد ودينا في حين نسمع أصوات الممارسة الجنسية بينهما. والجنس هنا شكل طبيعي للتواصل، وليس عملا منافيا للأخلاق، بل وحتى اللواء توفيق، يراه طبيعيا بعد أن كان يستنكره في البداية. ورموز الجنس واضحة منذ المشهد الأول لدخول توفيق وخالد إلى بيت "دينا" حيث يجلسان في المطبخ، ويكون أول ما تفعله هي أن تشق بطيخة حمراء شهية تبدو مثيرة للشهية في ذلك المناخ الصحراوي الحار.
5- الصورة المغايرة للمرأة: فشخصية "دينا" هنا هي شخصية مقتحمة، مبادرة، مغوية، أكثر قوة في شخصيتها من ذلك "الجنرال" الذي يفترض أن يكون هو القائد بحكم تكوينه العسكري، لكنه على النقيض: ضعيف، مهتز، وجل متردد، عاجز عن الفعل، متلعثم في التعبير عما يجيش في صدره.
من ناحية التمثيل فشل صانع الفيلم في العثور على ممثلين يجيدون الحديث باللهجة العامية المصرية، فاستعان بعدد من الممثلين الفلسطينيين وبالممثل اليهودي العراقي ساسون جاباي في دور اللواء، واستخدم هؤلاء اللهجة المصرية بدون إقناع، وبشكل مبالغ فيه، ولكن هذا الجانب لا يلحظه بالطبع الجمهور "الأجنبي" الذي يستقبل الفيلم عبر الترجمة.
ولكن لاشك أن المخرج يجيد التعامل مع الممثلين، ولا شك أيضا في تميز الأداء التمثيلي للممثل ساسون جاباي، وكذلك الممثلة الإسرائيلية رونيت الكابيتز في دور دينا التي ملأت الفيلم بالحيوية وبلمسة خاصة من الرقة والنعومة والبساطة.
"زيارة الفرقة"، بفكرته البسيطة الخيالية، ينتهي، رغم كل ما توفر لصانعه من نوايا طيبة، إلى أن يصبح فيلما من أفلام "الرسالة" الرومانسية، التي تتلخص في دعوته إلى ضرورة التعايش، بغض النظر عن الماضي، وبغض النظر عن الحاضر أيضا، وبعيدا عن التعقيدات السياسية القائمة، غير أنها دعوة يهزمها الواقع نفسه يوميا مرات ومرات.
((تحذير: جميع الحقوق محفوظة))

الثلاثاء، 16 يونيو 2009

الفيلم الفرنسي "نبي" هل هو فيلم عنصري؟

من أهم وأفضل الأفلام التي عرضت في مسابقة مهرجان كان الأخير الفيلم الفرنسي "نبي" A Prophet للمخرج جاك أوديار.
كان هذا الفيلم، عن حق، من أكثر الأفلام ترشيحا للفوز بالسعفة الذهبية، إلا أن السعفة ذهبت إلى "الشريط الأبيض"، ليحصل "نبي" على الجائزة التالية في الأهمية، أي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم.
وقد بلغ الأمر حد أن كتب أحد النقاد في إحدى المطبوعات التي تصدر خلال المهرجان يقول إنه إذا لم يحصل هذا الفيلم على جائزة رئيسية في كان "فسيشهد شاطيء الكروازيت أعمال شغب"!
كنت من المعجبين بالفيلم لأسباب عديدة، تتلخص في أنه جاء متكاملا في بنائه ومستوى إخراجه وتمثيله، ورغم أنه أحد "أفلام السجن" التي يمكن عادة توقع ما سيحدث فيها إلا أن مدخله إلى موضوعه وطريقة معالجته له تحقق المتعة والترقب وإثارة الفكر أيضا، فهو، يتيح مساحات جيدة للتفكير والتأمل.
هذا فيلم عن شاب من عرب فرنسا (جزائري الأصل) يدعى "مالك" يدخل السجن بتهمة لا نعرفها، لكي يقضي ست سنوات، حيث يصبح عرضة لاضطهاد بشع من جانب عصبة إجرامية كورسيكية يتزعمها "قيصر" الذي يرغمه على القيام بكل الأعمال القذرة بل وحتى التجسس لحسابه على الفئات الأخرى من المجرمين، ويحظر عليه الاختلاط بأقرانه من العرب أو المسلمين الذين يقضون عقوبات داخل السجن.
"مالك" من الأصل، يبدو نموذجا للامنتمي، بل هو أقرب إلى طفل ولد وألقي به داخل العالم "الحقيقي" لكي يتعلم كيف ينجو ويستمر في الحياة.

الإنسان والهوية
وهو يبدو منفصلا عن جذوره الثقافية، لا يتشبث أصلا بالتقاليد والقيم الإسلامية. وعندما يسأله الحارس عند استكمال إجراءات إدخاله السجن، ضمن أسئلة أخرى بالطبع: هل تأكل لحم الخنزير؟ يتردد في البداية، ثم يوافق.
إنه الإنسان العربي فاقد هويته، الذي يريد أن يحيا وأن يتجاوز محنة السجن بأي ثمن، لكنه أيضا يتمتع بذكاء من نوع خاص، ويتعلم من خلال الإنصات والاحتكاك كيف يستغل الثغرات لحسابه، ثم يحقق انتقامه الشخصي من الذين أهانوه وأذلوه ويوجه لهم الضربة القاضية. وفي هذا السياق أيضا هو فيلم عن "البقاء" بالمعنى الوجودي.
يكلفه "قيصر" زعيم الكورسيكيون بقتل سجين عربي يدعى "رجب"، باستغلال شذوذه الجنسي وميله نحو "مالك". وتهدده عصبة الكورسيكيين بالقتل في حالة تخاذله. ويحاول مالك تنبيه إدارة السجن لكنهم يسلمونه لقيصر لكي ينال عقابا بدنيا كفيلا بإقناعه بالقيام بالمهمة البشعة. ويضطر بالتالي، في أحد أكثر مشاهد السينما عنفا، إلى قتل مالك رجب بشيفرة حادة صغيرة كان يخفيها داخل فمه كما دربه على استخدامها الكورسيكيون، فيقطع الشريان الأكبر في رقبة رجب ويتناثر الدم في أرجاء الزنزانة.
لا أريد أن أستطرد في سرد أحداث هذا الفيلم المثير، لكن "مالك" يصبح عين الكورسيكي "قيصر" على السجناء خاصة السجناء العرب، بل ويحصل له الكورسيكي الذي يسيطر بنفوذه على إدارة السجن، على تصاريح بالخروج من السجن من وقت لآخر، لقضاء يوم واحد في الخارج حيث يقوم بمهام لحسابه، لكنه ينجح في استغلال الفرصة المتاحة للقيام بأعمال لحسابه الخاص أيضا بالاشتراك مع صديقه "رياض" الذي كان زميلا له في السجن ثم خرج. ويتعرف مالك على أسرة رياض: زوجته وابنته، ويوصيه رياض بهما خيرا في حالة وفاته وهو المريض بسرطان البروستاتا.
وينتهي الفيلم بعد أن يتحول مالك من سجين مبتديء يرضخ كعبد ذليل لعصابة الكورسيكيين، إلى إمبراطور في عالم الإجرام، تخشاه العصابات المنافسة، بعد أن يقضي تماما على نفوذ "قيصر" ويذله.
ويكون مالك خلال رحلته في العالم السفلي، وتعرض حياته للخطر المميت أكثر من مرة، قد اكتشف تدريجيا أن ولاءه الحقيقي هو لثقافته ولرفاقه ولأبناء جلدته، فيترك في النهاية حقيبة تمتليء بعشرات الآلاف من الدولارات استولى عليها من إحدى عصابات تجارة المخدرات بعد معركة دموية، في المسجد الذي يؤمه رفاقه في الدين، فربما يكون في هذا سبيله إلى الخلاص.
فيلم "نبي" جاء اسمه بعد أن يتنبأ مالك بمهاجمة حيوان بري (غزال) السيارة التي كان يستقلها مع صديقه رياض وهو ما يتحقق بالفعل، وبذلك ينجو رياض من الموت، فيتساءل بدهشة: هل أنت نبي لكي تعرف ما سيحدث.

الفيلم والعنصرية
هذا فيلم عن البحث عن الهوية، عن العنصرية المقيتة التي تجعل السجن رمزا مصغرا للمجتمع في الخارج حيث يمارس الأقوياء القهر على الضعفاء، كما يمارس الآخرون (الكورسيكيون) عدوانهم العنصري الفظ بتعليقاتهم المهينة لمالك وأصله العربي والإسلامي طوال الوقت وهو أيضا فيلم عن فساد مؤسسة الشرطة والسجون الفرنسية وخضوعها المهين للمجرمين والأشقياء وتجار المخدرات، على نحو يذكرنا بفيلم آخر عظيم هو "انتهى التحقيق المبدئي.. إنس الموضوع" من عام 1972 L'istruttoria è chiusa dimentichi للمخرج الإيطالي داميانو دامياني. ولا أدري كيف يمكن قراءة فيلم كهذا على اعتبار أنه "يكرس" العنصرية في حين أن المتفرج يشاهد الفيلم من زاوية التعاطف التام مع مالك (ضحية العنصرية) من البداية إلى النهاية.
إنه ينجح وهو الأمي، في تعليم نفسه القراءة والكتابة داخل السجن، بل وينجح أيضا في تعلم لغة الكورسيكيين ويتمكن بذكائه الخاص، عن طريق الإنصات إلى أحاديثهم ومراقبة حركات شفاههم، من معرفة نقاط الضعف في علاقاتهم ويستغلها لحسابه الخاص، وهو يغير موقفه في النهاية، فينتقل من معسكر الكورسيكيين إلى معسكر العرب المسلمين داخل السجن الذين كان يرفض أي علاقة بهم في البداية وكانوا هم يعتبرونه "خائنا".
وعندما يغادر السجن في النهاية تكون في انتظاره أرملة صديقه رياض وابنته اللتان سيتولى هو رعايتهما بعد وفاة صديقه في لمسة وفاء جديرة بالإعجاب، بل ويشير الفيلم أيضا إلى أنه سيحقق وصية صديقه الراحل ويتزوج من أرملته ويكفل ابنته.
لهذه الأسباب أظن أن القراءة المحايدة الموضوعية للفيلم تقول إنه فيلم يناهض العنصرية ويستنكرها، ويجعل من شخصية "مالك" شخصية لها جاذبيتها، يتماثل المتفرج معها، ويتعاطف، كما يتمنى لو يتمكن من القضاء على حفنة الأشرار العنصريين الذين ظنوه لقمة سائغة يمكنهم أن يفعلوا به ما يشاءون.
الفيلم يدور في أوساط المجرمين داخل السجن، وإن كنا لا نعرف طبيعة الجريمة التي كانت سببا في دخول مالك السجن، ويشير الفيلم على نحو ما، إلى انه ربما يكون قد حكم عليه ظلما بسبب أصله العربي، ويجعله السيناريو شخصية لا تميل في البداية إلى العنف، بل ويرفض بإصرار ارتكاب جريمة قتل، غير أنه يجد نفسه مضطرا إليها اضطرارا بعد أن يتعرض لتهديدات الشيطان الكورسيكي العنصري "قيصر" الذي يدينه الفيلم ويقدمه في أبشع الصور وأكثرها قسوة.
نعم هناك أيضا كلام عن الدين الإسلامي يرد على لسان "رجب" الشاذ الذي قتله مالك، والذي يعود فيظهر له خلال الفيلم في مشاهد شبه سيريالية على هيئة رؤى وأحلام وهواجس وكوابيس، تعكس نوعا من تأنيب الضمير. لكن هذه الأحاديث التي تدور حول كيف كان النبي محمد أميا وكيف تمكن من القراءة بعد أن أمره جبريل (عليه السلام) بذلك مع نزول القرآن، لا يمكن تفسيرها على أنها أحاديث مسيئة للإسلام على أي مستوى، بل هي أحاديث تعكس تغلغل الثقافة الإسلامية في نفوس العرب حتى لو كانوا من السجناء بل وخاصة بعد أن يصبحوا سجناء فيعودون إلى الله وإلى الاحتماء بالدين من الشر المحيط لهم، وليست مشاهد أداء الصلاة جماعة داخل السجن سوى تأكيد على هذه الفكرة، وليس إهانة الإسلام بدوافع عنصرية.

دور المخرج
من الناحية الفنية، نجح المخرج جاك أوديار تماما في خلق الأجواء الخاصة داخل السجن، وتنفيذ المشاهد الصعبة خارجه: المطاردات والاشتباكات العنيفة بالأسلحة، والتصفيات المتبادلة بل إنه يجعل بطله يبدو مثل طفل يشعر بتوتر مشوب بالسعادة، أو الشاب الذي ينمو وعيه بنفسه، بذاته، بحقيقة جذوره وثقافته وانتمائه، ومعرفته بضراوة العالم المحيط به الذي لا يقبل سوى الأقوياء، وهو يركب الطائرة للمرة الأولى في حياته، أثناء إحدى المرات التي يحصل فيها على إفراج مؤقت، لكي يؤدي مهمة خاصة كلفه بها قيصر في مارسيليا، وكأنه يتخلص من أحمال تشده إلى الأرض في اللحظة التي ترتفع فيها الطائرة إلى السماء.
ويستخدم أوديار الإضاءة استخداما مبدعا، فيحيط وجه بطله بالظلال في المشاهد الأولى بعد دخوله السجن، ويركز على نظرات عينيه الطفولية المتطلعة الخائفة، كما يهتم بإبراز تلك الانفعالات من خلال اللقطات القريبة "كلوز اب"، كما ينجح في خلق إيقاع متماسك ومتدفق، وتحقيق توازن داخلي في بناء الفيلم، في انتقالاته بين المشاهد المختلفة: ساحة السجن، الزنازين، خارج السجن، الإدارة.. وغير ذلك، وبما يحافظ على الإيقاع العام للفيلم، فلا يشعر المتفرج بطوله رغم أنه يصل إلى أكثر من ساعتين ونصف الساعة.
ولعل سيطرة أوديار المدهشة على أداء مجموعة الممثلين وراء ذلك الرونق والقوة الكامنين في هذا العمل السينمائي الكبير الذي يعيد للسينما قوة تأثيرها وقدرتها على رواية قصة ذات دلالات شتى بطريقة فنية جذابة.
وقد نجح الممثل الجزائري الأصل طاهر رحيم الذي جاء إلى السينما من خارج عالم التمثيل، ووقف للمرة الأولى أمام الكاميرا في هذا الفيلم، في تقمص الدور الرئيسي، دور مالك، ببراعة جعلت الكثيرين يرشحونه للفوز بجائزة أحسن ممثل في مهرحان كان. وقد نجح رحيم في التعبير بعضلات وجهه ونظراته الطفولية المندهشة التي تزداد ذكاء وتكشف عن نضج شخصيته عبر الفيلم، خاصة في لقطات "الكلوز أب" القريبة التي يهتز أمامها الكثير من الممثلين خاصة المبتدئين والذين لا سابق خبرة لديهم.
وأخيرا، لعل أفضل رد على اتهام هذا الفيلم بالعنصرية أن كاتب السيناريو الأصلي للفيلم هو عبد الرحيم دفري (عربي)، واشترك في كتابة الحوار والتمثيل عدد من الممثلين العرب المحترفين وغير المحترفين مثل عادل بن شريف وهشام يعقوبي ورضا الكاتب وفريد الوردي وسالم كالي وفؤاد ناصح وعلاء أوموزان.

((تحذير: جميع الحقوق محفوظة))

الاثنين، 15 يونيو 2009

فاروق حسني وإسرائيل والكائنات الخرافية

* وصلتني رسالة من الصديق محمود الطويل يسأل فيها: هل تعتقد أن وزير الثقافة المصري فاروق حسني سيفوز بمنصب مدير اليونسكو بعد كل ما حدث؟ ولماذا توقفت عن الكتابة في هذا الموضوع؟* لا أعرف هل سيفوز فاروق حسني أو لن يفوز، والحقيقة أيضا أنني لم أعد مهتما بهذا الموضوع بعد أن أشبعته اهتماما في الماضي بما فيه الكفاية وبعد أن رأيت أن الكثير من الذين أعرفهم يتمنون أن أتوقف عن مهاجمة ترشيح الوزير- الفنان- لهذا المنصب الخطير من باب اليأس السائد الذي يتمثل في الدعاء إلى الله بأن يذهب الوزير بعيدا إلى أي مكان، حتى لو كان اليونسكو، وأن يترك الثقافة المصرية للمرة الأولى منذ 22 عاما، بدون وزير فنان بهذا الشكل، بعد أن شهد عصره أكبر وأفظع الكوارث في تاريخ الثقافة المصرية من السرقات إلى التهريب إلى الحرائق إلى الخراب العام والتدهور في الذوق والحس على كل المستويات. أما موضوع أن إسرائيل تعارض الوزير ولذا ينبغي أن نؤيده نحن على اعتبار أن كل ما يعارضه عدوي يتعين علي أن أسانده، فهو يحول موضوع فاروق حسني إلى قضية وطنية، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، فالذي رشح فاروق لليونسكو نظام يتعامل مع إسرائيل ويغتفر لها الأعذار طيلة الوقت، والذين يؤيدون الوزير من داخل المؤسسة الإعلامية والسياسية الرسمية معروفون بكونهم من "الحمائم" فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، ومنهم من يدعو علانية إلى القبول بها والتعامل معها، بل وهناك مسؤولون ملتزمون بحكم مناصبهم بسياسة النظام الحاكم الذي يستقبل القادة الاسرائيليين ويرتبط معهم بمعاهدات سياسية وتجارية. ومن الطبيعي أن هؤلاء لا يصلحون لإعطائنا دروسا في مقاومة إسرائيل، بل وقد أصبح الوزير نفسه أخيرا أيضا يخطب ود إسرائيل ويسعى لنيل رضاها عنه بشتى الطرق وآخرها إعلانه أن وزراته ستطبع كتبا مترجمة عن العبرية. أخيرا.. تأثرا بفيلمي المخرج الفلسطيني إيليا سليمان "يد إلهية" و"الزمن الباقي"، ربما أصبحت أنا أيضا أنتظر ولو على سبيل الحلم والأمل، هبوط كائنات أسطورية عملاقة من السماء، تدمر النظام العنصري القائم في إسرائيل وتدمر معه كل الأنظمة العربية في وقت واحد!
== =============================================
* تلقيت من الباحثة في الجامعة الأمريكية في القاهرة مريم سعيد مكاوي البحث الذي أعدته أخيرا حول اليهود في السينما المصرية، وفيه تناقش كيف قدمت السينما المصرية شخصية اليهودي منذ بداياتها حتى اليوم، وهو مشروع لبحث طموح قد يتطور بلاشك ليصبح رسالة علمية تصلح فيما بعد للنشر في كتاب. الجديد في البحث أنه يتبع منهجا علميا يدقق في المصطلحات ويناقش الكتابات "العشوائية" الكثيرة السائدة في الموضوع. كما يرصد أيضا كيف تحول المجتمع من مجتمع متسامح يقبل بالتعددية العرقية والدينية، إلى مجتمع متشنج يرتد عن منجزات العصر والحداثة لكي يتبنى أكثر الأفكار إيغالا في الرجعية وعلى رأسها الدعوة إلى عزل المرأة عن المجتمع عن طريق تحويلها إلى "كائن حي" يحرم النظر إليه!الملاحظات التي كتبتها لمريم حول بحثها لقيت لديها ترحيبا كبيرا أسعدني، وبناء عليه قررت هي إعادة كتابة البحث مرة أخرى. تمنياتي لها بالتوفيق.

السبت، 13 يونيو 2009

الأفلام الإسرئيلية في مهرجان كان

عرضت ثلاثة أفلام إسرائيلية طويلة في مهرجان كان السينمائي الـ62، وفيلمان قصيران. لم أشاهد الفيلمين القصيرين، لكني شاهدت الأفلام الثلاثة الطويلة وهي "يافا" Jaffa، و"عيون مفتوحة على اتساعها" Eyes Wide Open، و"عجمي" Ajami.
وقد عرض الفيلم الأول خارج المسابقة ضمن العروض الخاصة، والثاني ضمن قسم "نظرة خاصة"، والثالث في ختام برنامج "نصف شهر المخرجين".
فيلم "يافا" Jaffa للمخرجة كيرين يدايا، فيلم روائي تقليدي في بنائه وشكله وموضوعه، وهو يتناول العلاقة بين فلسطينيي الداخل الذين يطلقون عليهم "عرب إسرائيل"، وبين يهود إسرائيل، من خلال دراما- أو بالأحرى ميلودراما- تدور حول الحب والظلم، والحواجز النفسية التي يدعو الفيلم من خلال طريقة معالجته لها، إلى ضرورة تجاوزها، من أجل تحقيق العيش المشترك. ولاشك أن بالفيلم الكثير من النوايا الحسنة، كما أن فيه الكثير أيضا من المبالغات التي تعكس ما تتمناه المخرجة أكثر من علاقتها بحقائق الواقع.
أحداث الفيلم تدور حول العلاقة بين فتاة يهودية هي "مالي"، وشاب فلسطيني هو "توفيق". وهي علاقة حب، يرغب الاثنان في تتويجها بالزواج، غير أن توفيق يعمل مع والده حسن في ورشة إصلاح السيارات التي يملكها "ريوفن" والد "مالي" وهو يهودي طيب، ويعمل فيها أيضا "مائير" شقيق مالي وهو يهودي "شرير" أي متعصب.
يستعد توفيق ومالي للهرب والزواج، ولكن تعصب مائير يؤدي إلى مشاجرة عنيفة مع توفيق الذي يسقطه أرضا فيقتله بطريق الخطأ. ويدخل توفيق السجن، حيث يقضي 9 سنوات. وتعترف مالي لوالديها بأنها حامل، لكنها تقول لهما إن الحمل نتيجة علاقة مع يهودي متزوج. وتنجب مالي ابنة هي شيران، يقومان بتربيتها، وتمر السنون، ويخرج توفيق من السجن لكي يبحث عن مالي التي لم تخبره بأنها أنجبت منه لكنها تلتقيه في نهاية الفيلم مع شيران، بما يوحي بأنهما سيقطعان معا طريقا جديدا ربما يكون أكثر سعادة.
هذا فيلم بسيط، مصنوع على طريقة الميلودراما التقليدية: أي من شخصيات من الأخيار والأشرار، إنه يصور كيف يعامل "مائير" العاملين الفلسطينيين: توفيق ووالده حسن، بغلظة وكراهية ونفور، بل ويمارس على توفيق، كونه شابا متفوقا في مهنته قياسا إليه، نوعا من العنصرية المقيتة أيضا في مقابل ذلك هناك شخصية صاحب الورشة "ريوفن" والد مائير ومالي، فهو طيب القلب إلى حد كبير، يبدو غير مهتم كثيرا بأصل العاملين في ورشته بل بمقدار ما يتمتعان به من كفاءة في العمل، بل إنه في مواقف عديدة بالفيلم، يقف ضد تعصب ابنه مائير ضدهما في أعقاب مشاجرة بين مائير وتوفيق، ثم يقوم بطرده من منزل الأسرة بعد أن يوجه إهانة إلى أمه أثناء تدخلها في مناقشة ما حدث.
التعقيدات الدخيلة على الفيلم تساهم في بطء الإيقاع، ولا تضيف أبعادا جديدة إلى تلك الشخصيات الخمس المسطحة القريبة من الصور النمطية، بل وتعد شخصية والدة مالي "أوزنات" شخصية زائدة عن الدراما، وتصبح في المشاهد التي تظهر فيها عبئا على الفيلم ونمطا مشتتا أيضا للمتفرج، فما المقصود بتصويرها أصغر كثيرا من زوجها أولا، وما المقصود ثانيا من إظهارها في صورة "مثيرة" جنسيا، تتلوى وتتخذ أوضاعا مغرية، بشكل مقحم تماما على الفيلم وموضوعه. وتقوم بدور الأم هنا الممثلة رونيت الكابيتز (يهودية من أصل مغربي)، وهي الممثلة التي تألقت من قبل في فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" The Bandit's Visit في دور "دينا" صاحبة المطعم.
الإيقاع العام للفيلم بطيء، بسبب عدم تطور الأحداث، والاستطرادات الكثيرة، خاصة في تكرار مشاهد تناول الطعام، وبدون نجاح في توصيل الفكرة المقصودة من وراء تلك المشاهد وهي انعدام التواصل بين أفراد الأسرة، فالحوار فيها بارد، عادي إلى درجة صرف الاهتمام.
ولا يتضح أثر مرور الزمن في الفيلم سواء على الفتاة مالي، أو على أمها أوزنات، أو على توفيق بعد خروجه من السجن الذي يقضي فيع تسع سنوات رغم أن جريمته هي القتل الخطأ.
ولا يبدو أن هناك معنى خاصا في الفيلم للمكان (يافا) فمعظم الأحداث يجري تصويرها في الداخل (مسكن الأسرة، أو الورشة)، وعندما تخرج المخرجة بالكاميرا إلى المدينة لا نكاد نلمح منها شيئا بسبب التصوير السريع من السيارة، وهي تنتقل إلى ضاحية رمات جان إحدى ضواحي تل أبيب التي يقطنها العرب لتصوير لقاء لميتم بين مالي وتوفيق، لكنها تكتفي بتصوير بضعة شباب يجلسون خارج مقهى على الرصيف يتجاذبون أطراف الحديث، كما تستخدم الموسيقى العربية بتكاسل وفي تكرار للنغمات بحيث تبدو خارج الفيلم.
ربما يكون أداء الممثل الفلسطيني محمود شلبي في دور توفيق هو الأداء الأفضل في هذا الفيلم بتلقائيته وردود فعله لكن الشخصية التي يقوم بها شخصية أحادية الجانب للضحية، بينما يعاني الفيلم من الأداء البارد الجاف الذي لا يضفي اي أبعاد على الشخصيات، وأبرز مثال على ذلك الممثلة دانا إفجي التي قامت بدور "مالي" فأداؤها لا يتطور بل يظل أحاديا من أول الفيلم إلى آخره، ولعل مرجع ذلك يعود إلى كون الشخصية التي تقوم بها مسطحة فاقدة لأي أبعاد، لدرجة أننا نبدأ في التساؤل: لماذا تتخذ هذه الفتاة الإسرائيلية "العادية للغاية" قرارا خطيرا من هذا النوع، بالارتباط بعلاقة عاطفية مع مواطن من "الدرجة الثانية" هو توفيق بل وتنجب منه أيضا وتخاطر بفقدان أسرتها ورد الفعل الغاضب من المجتمع.
المخرجة أرادت أن تقدم "المأزق" القائم في إسرائيل، ليس من خلال لمس الأوضاع والتناقضات السياسية الملتهبة القائمة هناك، بل من خلال دراما تقليدية تتركز حول فكرة ذلك الصراع المكتوم، ولكن في سياق لا يحقق أي تقدم في معالجة الموضوع، وبلا أي تأثير حقيقي على المتفرج في النهاية، فالمرء يخرج بعد انتهاء مشاهدة هذا الفيلم دون أن يزداد وعيه بالصراع، ودون أن تبقى في ذهنه أسئلة مقلقة من أي نوع، بل إن تلك "النهاية السعيدة" التي يجتمع خلالها شمل الأسرة بسبب تلك الإبنة- الرمز للتعايش المشترك تبدو بلا أي معنى.

عيون مفتوحة على اتساعها
فيلم "عيون مفتوحة على اتساعها" للمخرج حاييم تاباكمان، الذي يلعب على عنوان الفيلم الأخير لستانلي كوبريك، ربما تتمثل قيمته الوحيدة في أنه يتجرأ فيقتحم موضوعا يندرج في إطار "المسكوت عنه" في الثقافة اليهودية عموما، فيصور علاقة جنسية مثلية بين شابين داخل مجتمع اليهود الأرثوذوكس في إسرائيل.
أحد هؤلاء الشابين متزوج ولديه أربعة أبناء. وهو صاحب محل جزارة، وبعدما يموت والده ويجد نفسه وحيدا في المحل يرحب بالاستعانة بشاب ينتمي أيضا إلى نفس الطائفة، لمساعدته في العمل ويقوم بتعليمه كيف يقطع اللحم وكيف يزنه ويبيعه، وسرعان ما يقع الانجذاب بين الشابين، ثم الخطيئة المحرمة، ويتسلل الشك في نفس الزوجة، ثم تشعر الطائفة وحاخاماتها بما يجري، ويحاولون لفت نظر صاحبنا ويطلبون منه طرد هذا الشاب الغريب، لكنه لا يفعل. يصطحبه الخاحام معه إلى الصلاة ويحذره مما يمكن أن يتعرض له. لكنه لا يستجيب، فيتعرض لهجمات على محله من اليهود الغاضبين من دعاة الفضيلة، ثم يواجه أيضا الاستجواب أمام ما يعرف بشرطة الآداب بعد أن يبلغ أهل الحي عن سلوكه. لا تواجهه الزوجة مباشرة بما يفعله لكنها تتألم وتتعذب في صمت. إنها نموذج للزوجة والأم اليهودية التي تضحي بسعادتها الشخصية حفاظا على الأسرة. وبعد أن يتحمل الرجل كل أنواع الضغوط دون أن يستجيب للاستفزازات والاعتداءات كما لو كان "نبيا" يبشر بديانة جديدة في شعب يرفضه، تنتهي الضعوظ إلى النهاية المأساوية المتوقعة.
هذا فيلم لا يقول لنا شيئا، ولا يقدم أي أبعاد إنسانية من وراء تلك القصة التي تدور في أجواء اليهود الأثوذوكس، وتصوير منازلهم والشوارع الضيقة في الحي الذي يقطنون فيه، معابدهم ومحلاتهم وتقاليدهم كما لو كنا نشاهد فيلما من أفلام الدراسة البشرية لفصيل بشري معين anthropological فليس هناك أي مغزي اجتماعي أو سياسي يعبر مثلا عن رفض المجتمع المغلق أو فكرة التزمت الأخلاقي أو الاحتجاج عليها، ولا توجد أي ملامح خاصة إنسانية داخل مؤسسة الزواج تدفع إلى البحث عن تلك "العلاقة الأخرى". إنه باختصار ليس فيلما عن التمرد بل المقصود فقط تقديم صورة مثيرة غريبة تتناقض مع ما هو قائم على السطح، لإثارة خيال المتفرج.
أما على الصعيد السينمائي فهناك إيقاع شديد البطء حد الملل، وموسيقى متكررة مفتعلة، وإضاءة خافتة قد تناسب تلك الأجواء القاتمة الكئيبة التي يصورها، وتمثيل أحادي سطحي لأن العلاقة بين الشابين في الفيلم هي بوضوح علاقة جسدية أساسها الشهوة بل ولا يوجد أي حوار من أي نوع يعكس الجوانب الإنسانية المرهفة داخل هذين الشابين، بل نرى أنهما يندفعان نحو تلك العلاقة بقوة غامضة، وكأنه لقاء قدري بينهما من أجل الحصول على المتعة حتى لو كان الثمن هو الموت. "هيون مغتوحة على اتساعها" لا يفتح أي أفق للرؤية أمام المشاهد. إنه أقرب إلى أفلام التقاليع "الليبرالية" الإسرائيلية التي تريد أن تقول للعالم إن إسرائيل ليست مجتمعا "دينيا" متزمتا يخظر تصوير العلاقات المحظورة، بل يمكن أن تخرج منه أيضا أفلام الشذوذ الجنسي والعلاقات المحرمة المجسدة بوضوح.. ولا أظن أن هذا في حد ذاته" هدف عظيم!

"عجمي"
قيل كلام كثير عن فيلم "عجمي" Ajami ، واحتفي به البعض باعتباره أول فيلم يشترك في إخراجه مخرج اسرائيلي يهودي هو يارون شاني، ومخرج فلسطيني (ممن يطلق عليهم عرب إسرائيل) هو اسكندر قبطي. وقد اختتم به برنامج نصف شهر المخرجين الذ يصح أن نطلق عليه "مهرجان" فهو حدث كبير منفصل تماما عن المهرجان الرسمي في كان، وتنظمه نقابة المخرجين الفرنسيين.
سر الاهتمام الكبير الذي تبدى أيضا في التنويه بالفيلم من جانب إحدى لجان التحكيم في "كان" أنه يتغلغل في حياة مجموعات بشرية متنوعة (إذا جاز التعبير) داخل إسرائيل ويحاول رصد التناقضات الكامنة فيما بينها والتي يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
هناك شخصيات من البدو العرب أو الفلسطينيين، ومن الفلسطينيين في إسرائيل، القادمين من خارج إسرائيل تسللا، ومن المسيحيين الفلسطينيين، واليهود الإسرائيليين، يجمع بينهم جميعا أنهم يقطنون حي "العجمي" أحد أحياء مدينة يافا، المعروف بانتشار الجريمة وتجارة المخدرات فيه، أو بالأحرى بإيوائه العناصر التي تتعامل مع الجريمة والمخدرات.
أكثر من أربعين دقيقة منذ بداية الفيلم ربما تكون أهم وأفضل ما فيه على الإطلاق، نرى فيها تصويرا مكثفا ودقيقا وباستخدام عشرات الأشخاص من البدو في لقطات قريبة ومشاهد صاخبة بالحركة والشجار والنقاش المتفجر، على طريقة السينما الوثائقية أو منهج "سينما الحقيقة"، وبدون أدنى شعور بوجود الكاميرا التي تنجح في اقتناص الأداء التلقائي الممتد من ممثلين معظمهم من غير المحترفين بل من الأهالي. ولعل التدريبات التي استغرقت عشرة أشهر مع الأشخاص الذي استعين بهم للظهور في هذا الفيلم وراء تلك الدقة الفوتوغرافية في سواء في الصورة أو في الحوار.
والمدخل إلى الموضوع أو بالأحرى إلى هذا الفصل الأول، جريمة قتل بشعة باطلاق الرصاص في عز الظهر، يروح ضحيتها شخص يقطن الحي لكنه لم يكن المقصود بالقتل بل قتل نتيجة خطأ من القاتل الذي كان يستهدف رجلا آخر من العائلة نفسها في إطار الانتقام لمقتل رجل من تلك القبيلة التي انطلقت من عقالها كغول متوحش، تسعى الآن للانتقام، والتي أعلنت الحرب على عائلة المعتدي الأصلي.
وهنا يدخل الشاب "عمر" إلى بؤرة الحدث فهو يسعى لإنقاذ عمه من الموت الذي يترقبه انتقاما، ووقف تلك السلسلة الرهيبة من القتل التي تعتزم قبيلة البدو ارتكابها. ويستقر الأمر على ضرورة دفع مبلغ من المال يصل إلى أكثر من 40 ألف دولار مقابل شطب قرار القتل. ويصبح لا حل أمام عمر سوى الانغماس في بيع المخدرات من أجل تدبير المبلغ.

من جهة أخرى هناك "مالك" المتسلل إلى يافا من غزة، والذي يعمل سرا في مطعم يملكه فلسطيني في العجمي، وهو يرتبط بعلاقة حب مع فتاة مسيحية تعمل معه، دون أي أمل في الزواج بسبب التوتر الذي يمكن أن ينشأ من العلاقة بين مسلم ومسيحية.
وهناك "بينج" (الذي يقوم بدوره اسكندر قبطي) وهو فلسطيني يرتبط بعلاقة حب مع يهودية ويعتزم الفرار معها من "العجمي" لكي يتزوجا. أصدقاؤه يعارضون قراره هذا، ويجد هو نفسه في مأزق عندما يقتل شقيقه يهوديا في مشاجرة بينهما في الحي طعنا بالسكين، ويهرب تاركا وراءه حقيبة من المخدرات.
وهناك ضابط الشرطة الاسرائيلي الذي اختفى شقيقه في ظروف غامضة، غالبا أيضا لعلاقته بعالم المخدرات وهو على استعداد لتجاوز كل القوانين من أجل الوصول إلى شقيقه واستعادته.
هذه الشخصيات التي يقدمها الفيلم من خلال فصول متفرقة لا تلتزم بوحدة الزمان بل بوحدة المكان فقط، يسعى بعد ذلك قبيل النهاية إلى الربط بينها لتقديم صورة لمأزق الوضع الراهن داخل المجتمع الإسرائيلي.
ولكن هل هذا هو حقا "المجتمع الإسرائيل، أو هل يمكن اعتبار "العجمي" صورة مصغرة "ميكروكوزم" لإسرائيل كلها؟
لا أظن أن هذا مقصد الفيلم الأساسي بل إن مقصده هو تصوير استحالة "التعايش" في ظل الأوضاع القائمة، لكنه يبتعد كثيرا عن الجوانب السياسية المباشرة التي تؤكد تلك الاستحالة، ويتجه لإلقاء اللوم على الناس أنفسهم وليس على السياسات، بل ويشعر المتفرج وهو يتابع الـ40 دقيقة الأولى منه أنه يشاهد فيلما "انثروبولوجيا" عن بدو إسرائيل العرب المنغمسين في الثأر وعمليات القتل بدون رحمة، والابتزاز من أجل الحصول على المال، وكيف يناقشون بالتفصيل موضوع "الفدية" بدم بارد، بينما يبدو القتل عندهم أمر طبيعي يرتكبونه دون أدنى شعور بالشفقة، والشيء الوحيد الذي يمكنه وقف القتل هو المال.
من الناحية السياسية إذن هناك "انحراف" مقصود عن التوجه السياسي الرئيسي الذي يغذي العنصرية والصراع والتوتر بين الجيران داخل الحي الواحد، بل ينحى باللائمة على النمط المتخلف في العلاقات بين الطوائف نفسها، وهو ما قد يكون صحيحا إلا أنه ليس المسؤول عن تلك الحالة العصابية التي أصابت الجميع داخل ذلك المجتمع المصغر.
من الناحية الأخرى، الدرامية، لا ينجح الفيلم في جذب المتفرج بسبب افتقاده للحبكة أو للعلاقة الواضحة بين الشخصيات والأحداث من البداية، فهذه العلاقة لا نصل إليها، سوى في المشاهد الأخيرة من الفيلم، وبصورة ليست متماسكة، وفي سياق مترهل يسقط إيقاعه في الرتابة والبطء، ويعاني من الثرثرة.
وهناك أيضا الكثير من الاستطرادات التي يغري بها التوغل داخل تلك المجتمعات (البدو بشكل خاص)، والتكرار، والاهتمام بالجانب التوثيقي أو الوثائقي على حساب الجانب الدرامي، وهو ما يجعل الفيلم رغم قوة تصويره، نسيجا غير مترابط، يمكن اقتطاع نحو نحو نصف ساعة منه دون أن نفقد شيئا بل ربما يصبح أكثر انضباطا، إذا أراد صانعوه له أن يصل للمتفرج دون أن يرهقه، خاصة وأن مصير فيلم كهذا سيكون على الأغلب، العرض على شاشات التليفزيون الأوروبية والأمريكية.
((تحذير: جميع الحقوق محفوظة))
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger