الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

صحف المعارضة بين الفن والسياسة

صحف المعارضة المصرية ومعظم ما يسمى بالصحف المستقلة في مصر، تضحكني كثيرا جدا. فهذه الصحف معارضة فقط فيما يتعلق بالشأن السياسي الداخلي، فهي تنشر الكثير جدا في نقد الرئيس وابن الرئيس وزوجة الرئيس. أما في الشأن الثقافي والفني فهي صحف "موالاة" كاملة باستخدام التعبير اللبناني!

تستطيع صحف المعارضة المصرية التفتيش في دفاتر حسني مبارك وجمال مبارك حتى أدق التفاصيل وبجرأة مفتعلة أصبحت مسار تندر البعض، لدرجة أنني أصبحت احيانا أشعر بتعاطف مع حسني مبارك، بعد أن أصبح مسؤولا وحده - حسب ما تقوله لنا هذه الصحف - عن كل ما يحدث من فساد على أرض الكنانة- بينما لا تتجرأ نفس الصحف على انتقاد شخصيات أخرى أقل كثيرا في مجال الثقافة والفن.

كانت جريدة "العربي الناصري" مثلا قد دشنت صدورها قبل سنوات طويلة بحملة ضد وزير الثقافة فاروق حسني، انتقدت خلالها أشياء مثل نظام منح جوائز الدولة والمنح وأشياء من هذا القبيل، ثم فجأة، توجه المحرر نفسه (رحمه الله) الذي كتب كل هذه القنابل الشديدة الانفجار إلى مكتب الوزير لكي "يحاوره". ونشر الحوار على صفحتين في عددين متتاليين من الجريدة المذكورة (ملحوظة: عندما قامت العربي الناصري أخيرا بتحديث طبعتها الاليكترونية قامت بمسح كل أرشيفها في السنوات السابقة بحيث يتعذر على أي باحث العودة حتى إلى ما كان قد نشره قبل أشهر في الصحيفة نفسها.. هل هناك شئ من هذا يحدث في أي صحيفة على سطح الكرة الأرضية!!).

المهم أن الوزير تكفل وقتها بكل لباقته وذكائه بتفنيد كل ما ورد في سلسلة مقالات المحرر الثقافي للجريدة. ومنذ ذلك الحين والجريدة لا تكتب إلا كل إشادة بالوزير وما يفعله الوزير، بل إن الصحفية مديحة عمارة التي تتمتع بعمود ثابت في الجريدة المشار إليها، كتبت ذات مرة تشكر الوزير بعد أن استنجدت به لكي يمنع لها فيلما، وتقول إنه تدخل على الفور واستجاب لطلبها أي منع الفيلم. (بالمناسبة الفيلم هو فيلم شارك فيه 11 مخرجا منهم الراحل يوسف شاهين عن 11 سبتمبر وكان يتضمن فيلما قصيرا جدا للمخرج الاسرائيلي آموس جيتاي، ولم يكن في الفيلم شئ يستدعي المنع سوى أن جيتاي اسرائيلي الجنيسية وإن كان قد أخرج عددا من الأفلام التي تنتقد بشدة السياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين وتدعو للسلام على أساس الدولتين وهو ما يعترف به الحزب الناصري المناضل جدا على صفحات الصحف فقط!)- راجع مقال مديحة عمارة في العدد 1027 بتاريخ 24/ 9/ 2006).

الوزير إذن تحول بقدرة قادر، من وزير في حكومة حسني مبارك الذي لا يكفون عن توجيه أقسى الانتقادات له، إلى وزير في حكومة المعارضة "الوطنية التي تقمع الأصوات الأخرى التي تختلف معها في الرأي والتي لن تأتي أبدا إلى الحكم - لحسن الحظ! وهناك عشرات الشخصيات الأخرى التي لا تستطيع صحف المعارضة أن تمسها أو تقترب منها إلا بالنفاق والمديح ونشر الأخبار التي تزينها وتجعلها من "أكبر كبراء المثقفين والفنانين بل وفناني الشعب!!) منهم مثلا الأخ وحيد حامد كاتب السيناريو، والأخ الحاكم بأمره في كل العصور ممدوح الليثي، والممثل عادل إمام (الذي أصبح يفرض ولديه على السينما المصرية حاليا: الأول كمخرج، والثاني كممثل).

ولم تكن تلك الصحف تجرؤ على التصدي للأخ علي أبو شادي كرقيب طبعا يمثل سلطة الرقابة وليس كشخص، فليست لدينا قضية مع الأشخاص إّذا ما رحلوا عن المنصب بل مع المنصب نفسه والوظيفة والهدف والأداء، ومن الطبيعي ان تكون المشكلة أفدح إذا ما ظل الرقيب يعتبر نفسه ناقدا سينمائيا أيضا رغم أنه متوقف عن ممارسة النقد بحكم منصبه، فكيف يمكن الجمع بين "الفكر" و"الرقابة".

وقد رفض سارتر أن يكون رقيبا في حكومة ديجول، وهل كان أندريه بازان مثلا، يقبل بأن يكون رقيبا. والكلام هنا عن "أهل الحرفة" أو المهنة كلام مبتذل لأن النقد ثقافة أي موقف وليس مجرد حرفة أو مهنة يرتزق منها الكاتب أو الناقد. المهم وحتى لا ننجرف في الرد على ما ينشر من تفاهات من دفاع مفاجئ ومثير للشبهات عن "الزميل الرقيب" لأغراض لا يعلمها إلا الله، نقول إن نقد شخصيات لها علاقة بالثقافة أو الفنون في صحف المعارضة أمر ليس واردا في معظم الأحيان، لأن هؤلاء أصبحوا يمثلون "مراكز قوى" تستخدم الرشاوى والبلطجة أو الثواب والعقاب، أي سلاح العصا والجزرة تماما كما يفعل فاروق حسني نفسه منذ مجيئه للوزارة، وهذه الرشاوى تشمل الدعوات إلى المهرجانات والعروض الخاصة وإنتاج أفلام تسجيلة وقصيرة على نفقة الدولة وتوزيع منح التفرغ من المجلس الأعلى للثقافة وإرسال بعض المثقفين إلى الخارج لتمثيل الدولة في المحافل الثقافية (وأشهرها مثلا معرض فرانكفورت للكتاب).. وغير ذلك الكثير من الفتات الذي يجد فيه بعض المثقفين أيضا للأسف الشديد، منافع ومزايا كبرى بسبب حالة الجفاف والحرمان بل والانغلاق الثقافي التام الذي تعيشه البلاد في عصر الانفتاح الاقتصادي السعيد الممتد منذ السبعينيات!

وقد صار من المضحكات المبكيات أن يصدق البعض أو يروج- لفكرة أن هذا الوزير مثلا، أو ذلك الرقيب، أو الممثل أو كاتب السيناريو هم من "الناصريين" و"الوطنيين"، أو يروج أحد هؤلاء لذلك في الأوساط اياها، وهو ما يكفي لأن يجعله يصبح من "العجول المقدسة" عند اخواننا الناصريين مثلا أو المعارضين "اليسارجيين" عموما.

صحف المعارضة (وبعض المستقلة أيضا) تستطيع أن تفتح أحشاء شخصية سياسية مثل أحمد عز إلى آخر وتر في عضلات جسده وعقله وحياته الشخصية وغير الشخصية، إلا أنها عندما تنشر في الفن والسينما فإنها تزين صفحاتها الفنية بآخر أخباء النجوم، أو بأخبار قديمة مترجمة ترجمة رديئة عن الانترنت، أو بمقابلات استهلاكية سريعة مع ممثلات ومطربات من الدرجة الثانية بهدف التلميع والدعاية.. والأمثلة حاضرة أمامنا بالمئات. وعندما تنشر تلك الصحف في النقد السينمائي فإنها تنشر كلاما لا يمكن أن تبتلعه وإلا أصابتك حالة من التلبك المعوي الحاد. والأمثلة أمامنا أيضا بالآلاف.

والكتابة عن السينما في تلك الصحف أقرب إلى أجواء النميمة والقيل والقال، على طريقة: سمعنا أنك تغيرين 50 فستانا في الفيلم الواحد وأنك اشتريتها من باريس.. فهل هذا صحيح؟!

هذا المفهوم الأعرج للصحافة يعود في حقيقة الأمر إلى كون معظم الصحفيين العاملين في صحف المعارضة هم أولا وأساسا، موظفون في صحف الحكومة. وبعضهم يذهب في الصباح لكي "يثبت حضوره" في صحف الحكومة، ثم يمضي إلى حال سبيله لكي يخون الحكومة مع المعارضة بعد الظهر. والأغلبية العظمى منهم لا تذهب أصلا إلى صحف الحكومة إلا مرة أول كل شهر لقبض المعلوم. والحكومة نفسها طبعا تعلم وتتستر على ذلك، فهي من ناحية ترغب في ربط الصحفيين بها، ربط مستقبلهم المهني بها بحيث لا يندفعون إلى ساحة المعارضة وتصديق أنهم مستقلون بالكامل عن الحكومة.

والطريف أيضا أن مطابع الحكومة هي التي تطبع صحف المعارضة، بل إن هذه الصحف التي يتبع معظمها أحزابا سياسية قائمة ولو شكليا، يحصل على دعم مباشر من الدولة شأنها في ذلك شأن الأحزاب التي تمثلها والتي تحصل أيضا على مبالغ مالية سنوية من الدولة لممارسة معارضتها لها.. فهل هناك "مسخرة" أكثر من ذلك. الأحزاب السياسية القائمة، وصحفها بالتالي لا تنتمي لمدارس سياسية مذهبية في الفكر وتتبع منهجا محددا في المعارضة، لأنها لا تمثل مصالح شعبية حقيقية (أي لا تمثل طبقة أو شريحة ما في المجتمع)، وهنا يكمن تحديدا سبب غجزها عن رؤية الأشياء في كليتها، فالسياسة الثقافية جزء من السياسة العامة، ولا يمكن أن يكون هناك رئيس فاسد، ووزير ثقافة جيد لأن الثاني يمثل السياسة التي يضعها الأول، والمزايدة على موضوع التطبيع يدخلنا في الطفولة السياسية لأن الموضوع ملئ بالألغام والترهات أيضا ولا علاقة له بمواقف سياسية أصيلة، ولكن هذا موضوع آخر.

من ناحية أخرى، ولأن الحكومة تدفع أقل من الحد الأدنى من الأجور للصحفيين، فهي لا تمانع في أن يحصلوا من "أبواب أخرى" على ما يكفي احيتاجاتهم الأساسية، وهي السياسة التي تتبعها الحكومة مع كل شرائح المجتمع، والمسؤولة عن تفشي الرشوة والفساد واستغلال النفوذ على كافة المستويات: من سائقي التاكسيات إلى الوزراء. المعارضة إذن تكون عند هذه الصحف "سياسية" فقط، أساسها الهجوم على الرئاسة، وكلما بالغت في الهجوم على الرئاسة وشخص الرئيس أصبحت أكثر شجاعة من غيرها.. بينما هي لا تقدر على الهجوم المبرر تماما على الرقيب مثلا ورقابته مثلا، أو على وزارة الوزير الفنان جدا الذي يهيمون به حبا ويهيم هو بهم غراما وولعا!

المحصلة أننا نلف وندور في نفس الحلقة: حلقة الحكومة ومعارضتها المضمونة والموجودة في جيبها.. ولم يعد من الغريب بعد ذلك أن تُكسر يد كل من يتجرأ وينتقد أداء أو مواقف "فنان الشعب" عادل إمام الذي تطبل له صحف الحكومة والمعارضة ظالما كان أو مظلوما حتى بعد أن تدهور وأصبح يدور في حلقة مفرغة، فيما يواصل هو ادعاءاته السياسية الجريئة جدا بينما يعرف القاصي والداني مثلا أنه من مساندي الحكومة بل ومن مهرجي الخليفة وحلقته. أما من حيث التمثيل فعادل إمام ممثل نمطي لم يتطور منذ "مدرسة المشاغبين".. وليختلف معي كل من يريد، ولكن هذا موضوع نفحصه في مقال تفصيلي قادم.

ومن يتجرأ وينتقد شخصيات أخرى أقل من الرئيس وأقل حتى من الزعيم "عادل إمام" لا يجلب لنفسه سوى المشاكل ولا يفوز في النهاية إلا بالمقاطعة من جانب صحف كل من الحكومة والمعارضة. والحديث في هذا المجال طويل وملئ بالقصص القصيرة والطويلة التي لم تنته فصولها بعد.

الاثنين، 8 سبتمبر 2008

ابراهيم البطوط والتمويل الأجنبي والسينما العربية

لقطة من فيلم "عين شمس"
ابراهيم البطوط يتسلم جائزة مهرجان تارومينا

المخرج المصري ابراهيم البطوط (مخرج إيثاكي وعين شمس) بعث برسالة يطرح فيها بعض التساؤلات على ضوء المقال الذي نشر قبل فترة في هذا الموقع بشأن المهرجانات والتمويل الغربي للأفلام العربية.
رسالة البطوطي ننشرها أولا كاملة قبل التعليق عليها. وهنا ترجمة أرجو أن تكون دقيقة لها، لأن البطوطي يفضل الكتابة باللغة الانجليزية (نص الرسالة منشور كتعليق على الموضوع المشار إليه في هذا الموقع).
(أود أن أشكرك أولا على مدونتك المليئة بالمعلومات التي تعوض بشكل ما، الافتقاد إلى مجلة سينمائية، خاصة مع محدودية ما هو متوفر من حرية التعبير في مجتمعاتنا في الوقت الحالي.
ما أود أن أشارك فيه هنا هو موضوع حصول السينمائيين العرب على تمويل من أوروبا لمساعدتهم على تحقيق مشاريعهم السينمائية. وأنا هنا أطرح تساؤلات
أكثر مما أقدم إجابات.
في دولة مثل مصر حيث ننتج 50 فيلما سنويا هل نحن فعلا نفتقر إلى تمويل
لأفلامنا، أم أن الأفلام التي يرغب بعضنا في صنعها لا تجد تمويلا لأنها تغرد خارج السرب، أي تختلف عما هو سائد. أو أنها لن تحقق نجاحا تجاريا كبيرا.
أو ليس هذا مؤشرا على أن هذه الأفلام تعكس مزاج وطموح مجتمعنا؟
لماذا إذن نسعى للحصول على تمويل أجنبي؟ ألكي ننتج أفلاما لا يمكن تمويلها محليا؟ لجمهور لا يهمه مشاهدة مثل هذه الأفلام في
المقام الأول؟
أليس الأكثر منطقية أن ننتج أفلاما بميزانيات منخفضة للغاية وبما هو متوفر لدينا من إمكانيات بدلا من الجري وراء تمويل قد يأتي أو لا يأتي؟
بعد أن ذكرت ذلك أود أن أعترف أنني صنعت فيلمين بدون ميزانية، وعندما كتبت بحرية وبدون تفكير في الميزانية كمشكلة، فإنني كتبت فيلما سيحتاج بشكل مؤكد إلى تمويل أجنبي.
وإذن فإنني اكتب ما اكتب لكي يكون مرجعا أمامي
إذا ما أردت العودة إليه ذات يوم، سواء نجحت في الحصول على تمويل لفيلمي أم لا، وسواء تمكنت من صنع الفيلم الذي أحلم بصنعه أم لا.

ابراهيم البطوط
20 اغسطس

تعليق على رسالة البطوطي:
أولا أشكرك على إشادتك بالمدونة المتواضعة (حياة في السينما) التي بدأتها كمدونة شخصية للتعبير بحرية عن أفكاري الشخصية، إلا أن ما حصدته المدونة من نجاح خلال فترة زمنية قصيرة جعلني أفكر عمليا في تحويلها إلى موقع أكبر، يفتح أبوابه لكتاب ونقاد آخرين، خاصة أننا في أمس الحاجة إلى ادفع بجيل جديد من نقاد السينما اتمنى أن يجدوا في هذا الموقع المستقبلي مكانه الصحيح.
أما بخصوص ما ورد في هذه الرسالة فأقول أولا إن إشكالية التمويل الأجنبي لها شقان: الأول أن بعض الشركات الأجنبية ترحب بتمويل أفلام لسنمائيين يتمتعون بموهبة خاصة بارزة في بلادهم، ويطرحون أفلاما قد توفر للمشاهدين في الغرب الاطلاع على جوانب خفية في ثقافات شعوب أخرى في الشرق.
كان هذا صحيحا بالتأكيد في حالة سينمائيين موهوبين لا يمكن لأحد أن يشكك في موهبتهم مثل محسن مخملباف الإيراني، وبهمن قبادي الكردي الإيراني (زمن الجياد السكرانة)،
وأحمد المعنوني المغربي في فيلمه الأخير "القلوب المحترقة" مثلا، والصيني تشين كايج (الامبراطور والمغتالة) والروسي نيكيتا ميخالكوف (العيون السوداء وأورجا) ورضوان الكاشف (في عرق البلح)، ويوسف شاهين (منذ العصفور).
وهذه الشركات التي تحصل على أفضل مستوى بميزانيات محدودة تحقق لنفسها أرباحا من تززيع هذه الافلام في شبكات توزيع الافلام الفنية، وليست التجارية، والبيع لمحطات التليفزيون التي تهتم بهذه النوعية من الأفلام.
وهناك جهات إنتاجية أخرى لديها بالتأكيد ايضا، أجندتها الخاصة، وهي أساسا، أجندة سياسية أي أنها تتصيد بعض السينمائيين الذين يمكنهم أن يقدموا ما هو متوقع منهم لجمهور يتوقع أيضا صورة محددة: غرائبية، استشراقية، تتاجر بالتخلف وتبيع الفولكلور، تعتمد على البلاغات السياسية المباشرة: التي تناهض، وتنتقد، وتدين، وتطالب، دون أن تحتوي أولا على ما يغري فنيا.
جهات التمويل نوعان، والسينمائيون أيضا نوعان: نوع يرغب في العمل بأي ثمن، وهو على استعداد لتقديم ما يتوقعونه منه دون بذل أي جهد لتجميله، ونوع آخر لا يرغب إلا في تقديم الفيلم الذي يحبه ويحلم به (إذا ما استعرنا تعبير ابراهيم البطوط) ويصبح بالتالي على استعداد لأن يقاتل من أجل تحقيقه، دون تقديم تنازلات رخيصة في الصور.
المحك هنا يكمن في الأصالة والصدق، وأساسا، في الموهبة الحقيقية.
ولكن كيف نعرف الحقيقي من الزائف، الأصيل من المزيف، الموهوب من الدعي؟
الإجابة البسيطة: هذه قضية جمهور ووعي، كما أنها قضية حركة نقدية.
أي أنها قضية ثقافة مجتمع في المقام الأول. وهو موضوع طويل له منعرجاته، لكن يكفي القول إنه ما لم يحدث التغيير السياسي المنشود سنظل نواصل السباحة في المستنقع!

لقطة من فيلم "إيثاكي"

شاهد ابراهيم البطوط يتحدث عن نفسه وعن أفلامه

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

مقابلتي مع ماركو موللر مدير مهرجان فينيسيا

ماريان خوري وأمير العمري وماركو موللر
هناك تقصير من جانبنا لكن المنتجين العرب لا يهتمون بالمشاركة في المهرجانات الدولية

عرف السينمائيون العرب ماركو موللر ناشطا رئيسيا في مهرجان روتردام السينمائي، الذي قدم دعما للكثير من أفلام السينما العربية من خلال مؤسسة خاصة أنشأها موللر ولاتزال تعمل في تنظيم ورش عمل لتمويل الأعمال الطموح.
وتولى موللر بعد ذلك منصب مدير مهرجان لوكارنو الذي رحب بالأعمال الجديدة لأسماء البكري ويسري نصر الله ومحمد ملص والناصر الخمير وغيرهم. لكن موللر أهمل السينما العربية وأخذ يتعامل معها بالجملة، متناسيا أن هناك سينما مصرية عريقة
تملك وحدها تراثا أكبر من تراث 7 من دول أورونبا الغربية مجتمعة، والسينما السورية، والسينما اللبنانية، ولا يهتم بالتعامل مع المواهب الجديدة التي تنشأ في هذه البلدان بل يكتفي بفيلم واحد (عادة من المغرب العربي وممل فرنسيا) للقول إن السينما العربية ممثلة والسلام. وقدحملت تساؤلاتي وذهبت إلى لقاء نوللر لكي أعرف منه كيف يعمل وماذا يتوقع للمستقبل، وأيضا أواجهه بما يقال عنه ومن تعمده تهميش الأفلام العربية. وقد دار حواري معه على النحو التالي:

** أولا حدثنا عن طريقتك في العمل لإقامة مهرجان كبير بحجم فينيسيا سنويا.. هل تعتمد على لجان للمشاهدة والاختيار أم تشاهد الأفلام بنفسك خصوصا أفلام المسابقة؟
* أولا المهرجان جزء من مؤسسة كبيرة هي مؤسسة بينالي فينيسيا للفنون، وهي مؤسسة تقيم مهرجانات للمسرح والموسيقى وتنظم معارض مختلفة للفنون التشكيلية والعمارة، ولذلك لدينا أطقم مدربة من الموظفين على درجة عالية من الكفاءة
تعمل على مدار العام. أما بالنسبة للاختيار فلدينا نظام متكامل من المستشارين والمراسلين.
هناك درة بو شوشة،
وهي تونسية لكنها تنتقل إلى مهرجانات وبلدان كثيرة، وقد أصبحت حاليا مديرة مهرجان قرطاج السينمائي، وهي ترشح الأفلام لنا. ثم لدينا لجنة اختيار تتكون من 5 أشخاص معظمهم من الشباب بين 30 و40 عاما، ثم هناك أنريكو ماجريللي الذي يقوم بدور "كاجيموشا" أو الرجل البديل لي شخصيا، وكنا قد بدأنا العمل معا لمهرجان فينيسيا في عام 1979 أي منذ حوالي 30 عاما.
ما يحدث هو أننا نشاهد الأفلام معا، ولكن
لا أستطيع مشاهدة كل الأفلام لأنني أكون أحيانا مشغول في الرد على مكالمات هاتفية ومخاطبة السينمائيين ومكاتبتهم عن طريق البريد الالكتروني. لقد شاهدنا جميعا معا حوالي 3 آلاف فيلم طويل، شاهد المراسلون والمستشارون منها حوالي النصف، أما النصف الآخر فقد شاهدت منه حوالي 800 فيلم. وأنا أفضل الترحال بنفسي خصوصا إلى آسيا لأنني أتكلم عدة لغات آسيوية، إلى الصين وهونج كونج وتايوان واليابان. ولدينا أحد المساعدين في لجنة الاختيار يجيد اللغتين الكورية والأندونيسية، ةقد قضى حوالي شهرين في فيتنام وتايلاند وكوريا.

** وهل أنت سعيد باختيارات هذا العام خاصة أفلام المسابقة الرئيسية التي تضم فيلمين من أفلام الرسوم من اليابان، أليس معنى هذا أنك ربما أردت ان تستكمل العدد الى 21 فيلما بينما كان يمكن الاكتفاء بـ 19 فيلما مثلا أو 20.
* لقد اخترنا 21 فيلما لأن الأفلام فرضت نفسها. إذا لم تكن قد شاهدت فيلم المخرج الياباني هايو ميازاكي إذهب وشاهده بعد ظهر اليوم لأنه أحد الأفلام التي تدخل السعادة على القلب وتجعل المرء يتمتع بالحيوية لمدة يومين أو ثلاثة على الأقل. أما فيلم الرسوم الياباني الثاني فهو فيلم مختلف تماما وقريب من عالم بيتر بان الذي نعرفه جيدا في مجتمعاتنا المعاصرة.

** أنت عرفت بتشجيع الأفلام القادمة من العالم العربي عندا كنت مديرا لمهرجان لوكارنو.. ما الذي حدث الآن.. يقال إنك لم تعد تبالي بهذه الأفلام، فيما عدا اهتمامك بالأفلام التي تمثل المغرب العربي التي نعرف جميعا أنها فرنسية الانتاج والتمويل مائة بالمائة. وأنت أيضا متهم بأنك تهمل السينما المصرية مثلا بدعوى أنها سينما تتمتع بالشعبية داخل بلدها وليست في حاجة للتشجيع على الساحة الدولية.. كيف ترد على هذا؟
* كان يهمنا كثيرا تقديم فيلم مثل
الفيلم المصري الذي حصل على جائزة أحسن فيلم في مهرجان تاورومينا وهو فيلم "عين شمس" للمخرج ابراهيم البطوط، لكن لم يتقدم أحد بالفيلم إلينا، وقد عرفنا عنه بعد أن كان الوقت قد أصبح متأخرا. وقد ضمته مندوبة المهرجان درة بوشوشة إلى أفلام مسابقة مهرجان قرطاج.
كان هناك فيلم مصري كنت أرغب تماما في العثور على مكان له في المهرجان وهو فيلم "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي. وأنا من المعجبين بالأفلام التي يصنعها مجدي لأنه واحد من السينمائيين القليلين في مصر الذين يعملون عند الخط الرفيع بين الفيلم الفني والفيلم التجاري، بين الجماهيري والنخبوي، وهو يفعل هذا في فيلمه الجديد الذي أعجبني حقا. ولكن لأنني يجب أن أشرك لجنة الاختيار معي، كنا في حاجة إلى أن نرى هذا الفيلم قبل فترة كافية وأن نناقشه،
لكنه لم يصل إلينا إلا يوم 20 يوليو الماضي ونحن ننتهي من الاختيارات، وقد شاهد أعضاء اللجنة الفيلم ولم يفهموه. لم يفهموا أهمية الفيلم أو جرأته. لكني لا أحاول التماس الأعذار لهم. ولكن يجب أن تعلم أنه في توقيت صعب كهذا يجب أن يحصل الفيلم على إجماع اعضاء اللجنة على الفور لكي يشارك، وإلا يستبعد. وهذا للأسف ما حدث. ولم أستطع إعادته للمناقشة مرة أخرى.
أعتقد أنه يتعين علينا أن نجذب اهتمام السينمائيين العرب إلى مهرجان فينيسيا بأن نبذل جهدا أكبر، أعرف أن المخرجين مهتمون بالأمر أما منتجو الأفلام فليس لديهم اهتمام بالمهرجانات الدولية الكبيرة.

** هل ما أعلنتم عنه أخيرا عن إقامة منشآت جديدة للمهرجان هنا في ليدو لتجديد شباب المهرجان العجوز ستتيح له الفرصة لاستعادة مجده القديم ومنافسة مهرجان كان مثلا؟
* لا أعرف ما إذا كان هذا ما نريده، بمعنى أننا لن نستطيع أن نكون مهرجانا له سوق كبير للأفلام لأن مواعيد اقامة المهرجان ليست مناسبة. فلأن مهرجان فينيسيا ينعقد في أواخر الصيف وبداية الخريف فنحن نريد أن نسلط الإضواء على أفلام جديدة ستعرض خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في العام قبل هجوم أفلام أعياد الكريسماس، لأن الأفلام التي نعرضها هي أفلام جادة تحتاج إلى جمهور مختلف أكثر معرفة وثقافة. "
مشكلتنا هي أننا نخضع
لنوع من رقابة السوق التي تفرض أفلاما معينة في ايطاليا وفي البلدان الأوروبية المجاورة. وهذا يشمل استبعاد الأفلام العربية والأفريقية. لا أعتقد أنه تم توزيع أي فيلم عربي أو افريقي في ايطاليا خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة. ولهذا السبب نحن في حاجة إلى مهرجانات لليسنما، وأيضا هذا يجعلني أحرص على احترام آراء لجنة الاختيار التي تضم نقادا من الشباب أساسا، لأنهم يقولون لي ما هي الأفلام التي يمكنها أن تستمر في الحياة بعد عرضها في المهرجان وتجد طريقها للتوزيع. وهذه أيضا إحدى مهامنا أي ضمان حياة أطول للأفلام فيما بعد المهرجان. القصر الجديد للمهرجان سيضم قاعات للاجتماعات وقاعات للمشاهدة ويسعى لجعل فينيسيا مدينة حية طوال العام.
المنتجون السينمائيون الجدد الذين يتمتعون بالحيوية في العالم العربي يعرفون أنني عندما أنشأت جوائز هيوبرت بالس في مهرجان روتردام، ثم نظام دعم الأفلام في لوكارنو، كان هدفي الأساسي أن يكون لدينا مهرجان للأفلام الموجودة، ومهرجان للأفلام التي نريدها أن توجد، المنشآت الجديدة أيضا سيكون لها مضمون، وبهذا المعنى يمكنني أن أجيب عن سؤالك الخاص بعلاقتنا بالعالم العربي والسينمائيين العرب بأننا سنسعى لتحسين علاقتنا بالمشرق.

** ماذا يعني لديك إهداء هذه الدورة من المهرجان للسينمائي المصري الراحل يوسف شاهين؟
* أعتقد أنه بسبب الوضع الحالي للسينما فنحن في حاجة للعودة إلى الفنان نفسه وعالمه، إلى فنان وإنسان رائع أحب السينما الأمريكية، ودرسها وعرف ما يأخذه منها وما يتركه، ثم ابتكر سينما جيدة، هو والمخرج السنغالي عثمان سمبان الذي كان أيضا صديقا مقربا، وربما كان يتعين علي أن أهدى الدورة الماضية إلى سمبان.
لقد علمنا الإثنان أن السينما هي الأفلام التي نشاهدها، وكان يوسف شاهين يتعامل مع كل فيلم جديد يخرجه كما لو أن السينما لم تخترع
بعد، وكان بالتالي يتيح لنفسه الفرصة للابتكار والخلق، وهذا النوع من الحرية هو شئ نفتقده بشدة اليوم.

يوميات فينيسيا 10

من فيلم "تيزا" الاثيوبي

مسافر اليوم، عائد إلى وطني الثاني بريطانيا.. لا يجب أن يستهجن البعض هذا القول فهذه حقيقة لاشك فيها بحكم التجربة الطويلة والجنسية التي أحملها و أتحرك وأسافر بها إلى كل مكان.
مهرجان فينيسيا سيختتم مساء غد السبت. لا أحب حفلات الختام كما لا احب أبدا حفلات الافتتاح التي يتقاتل الصحفيون عادة من أجل الحصول على بطاقات الدعوة لحضورها. هذه الحفلات عادة مليئة بالنفاق والتظاهلر الكاذب والشخصيات المفتعلة. دائما ما أرحل عن أي مهرجان قبل الختام بيوم لأن هذا اليوم تحديدا لا يحدث فيه اي شئ عادة سوى انتظار عرض فيلم الخنتم الذي يشاهده الصحفيون عادة قبل ذلك بيوم. وبالتالي لا يوجد ما يمكن عمله بالاضافة بالطبع إلى أنني أكره سكن الفنادق لمدة طويلة، وانا اقيم في هذا الفندق في الليدو منذ 10 ايام.. كفى وألف كفى، ولم يكذب من قال: من خرج من داره اتقل مقداره!
الأمر الثاني أن اعلان الجوائز بات يمثل مجرد خبر بالنسبة لأي ناقد أو صحفي ولم يعد ذلك الحدث الذي ننتظره بشغف للإبراق به على الفور، فالانترنت جعل من الممكن وصول الخبر اليك وأنت في الطائرة.
دورة هذا العام ضعيفة وهذا هو حديث كل الموجودين هنا. لكن الحديث الأهم حاليا الذي يشغل الجميع يدور حول: من سيفوز بالأسد الذهبي؟
حاليا هناك ثلاثة أفلام مرشحة بقوة: أولا فيلم الرسوم المتحركة "فوق ربوة على جبل" الياباني وأنا شخصيا أستبعد فوزه، وثانيا الفيلم الاثيوبي "تيزا" أو العودة لهيلا جيريما وهو تحفة من السينما الافريقية يستحق مقالا منفردا. وثالثا فيلم "السهل المحترق" أو Burning Plain للمخرج المكسيكي أرياجا. وربما يحصل فيلم بوبي أفاتي سعيد الحظ دائما، على احدى الجوائز المهمة عن فيلمه "والد جيوفانا". وربما تحدث مفاجأة كما هو معتاد هنا ويفوز فيلم باهت غادر الجميع القاعة وقت عرضه كما حدث قبل عامين عندما فاز فيلم صيني ضعيف اسمه "طبيعة صامتة" عرض ايضا كفيلم المفاجأة في المهرجان دون ان يعلن عنه مسبقا ضمن افلام المسابقة في مخالفة صريحة للقواعد المعمول بها في المهرجانات.
المهم أننا في هذه اللحظة لا يمكننا التنبؤ بالفيلم الفائز أو الذي سيفوز، والأفضل أن يتمسك المرء بشعار: كذب المنجمون ولو صدقوا... وإلى اللقاء في مهرجان آخر.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger