الاثنين، 8 سبتمبر 2008

ابراهيم البطوط والتمويل الأجنبي والسينما العربية

لقطة من فيلم "عين شمس"
ابراهيم البطوط يتسلم جائزة مهرجان تارومينا

المخرج المصري ابراهيم البطوط (مخرج إيثاكي وعين شمس) بعث برسالة يطرح فيها بعض التساؤلات على ضوء المقال الذي نشر قبل فترة في هذا الموقع بشأن المهرجانات والتمويل الغربي للأفلام العربية.
رسالة البطوطي ننشرها أولا كاملة قبل التعليق عليها. وهنا ترجمة أرجو أن تكون دقيقة لها، لأن البطوطي يفضل الكتابة باللغة الانجليزية (نص الرسالة منشور كتعليق على الموضوع المشار إليه في هذا الموقع).
(أود أن أشكرك أولا على مدونتك المليئة بالمعلومات التي تعوض بشكل ما، الافتقاد إلى مجلة سينمائية، خاصة مع محدودية ما هو متوفر من حرية التعبير في مجتمعاتنا في الوقت الحالي.
ما أود أن أشارك فيه هنا هو موضوع حصول السينمائيين العرب على تمويل من أوروبا لمساعدتهم على تحقيق مشاريعهم السينمائية. وأنا هنا أطرح تساؤلات
أكثر مما أقدم إجابات.
في دولة مثل مصر حيث ننتج 50 فيلما سنويا هل نحن فعلا نفتقر إلى تمويل
لأفلامنا، أم أن الأفلام التي يرغب بعضنا في صنعها لا تجد تمويلا لأنها تغرد خارج السرب، أي تختلف عما هو سائد. أو أنها لن تحقق نجاحا تجاريا كبيرا.
أو ليس هذا مؤشرا على أن هذه الأفلام تعكس مزاج وطموح مجتمعنا؟
لماذا إذن نسعى للحصول على تمويل أجنبي؟ ألكي ننتج أفلاما لا يمكن تمويلها محليا؟ لجمهور لا يهمه مشاهدة مثل هذه الأفلام في
المقام الأول؟
أليس الأكثر منطقية أن ننتج أفلاما بميزانيات منخفضة للغاية وبما هو متوفر لدينا من إمكانيات بدلا من الجري وراء تمويل قد يأتي أو لا يأتي؟
بعد أن ذكرت ذلك أود أن أعترف أنني صنعت فيلمين بدون ميزانية، وعندما كتبت بحرية وبدون تفكير في الميزانية كمشكلة، فإنني كتبت فيلما سيحتاج بشكل مؤكد إلى تمويل أجنبي.
وإذن فإنني اكتب ما اكتب لكي يكون مرجعا أمامي
إذا ما أردت العودة إليه ذات يوم، سواء نجحت في الحصول على تمويل لفيلمي أم لا، وسواء تمكنت من صنع الفيلم الذي أحلم بصنعه أم لا.

ابراهيم البطوط
20 اغسطس

تعليق على رسالة البطوطي:
أولا أشكرك على إشادتك بالمدونة المتواضعة (حياة في السينما) التي بدأتها كمدونة شخصية للتعبير بحرية عن أفكاري الشخصية، إلا أن ما حصدته المدونة من نجاح خلال فترة زمنية قصيرة جعلني أفكر عمليا في تحويلها إلى موقع أكبر، يفتح أبوابه لكتاب ونقاد آخرين، خاصة أننا في أمس الحاجة إلى ادفع بجيل جديد من نقاد السينما اتمنى أن يجدوا في هذا الموقع المستقبلي مكانه الصحيح.
أما بخصوص ما ورد في هذه الرسالة فأقول أولا إن إشكالية التمويل الأجنبي لها شقان: الأول أن بعض الشركات الأجنبية ترحب بتمويل أفلام لسنمائيين يتمتعون بموهبة خاصة بارزة في بلادهم، ويطرحون أفلاما قد توفر للمشاهدين في الغرب الاطلاع على جوانب خفية في ثقافات شعوب أخرى في الشرق.
كان هذا صحيحا بالتأكيد في حالة سينمائيين موهوبين لا يمكن لأحد أن يشكك في موهبتهم مثل محسن مخملباف الإيراني، وبهمن قبادي الكردي الإيراني (زمن الجياد السكرانة)،
وأحمد المعنوني المغربي في فيلمه الأخير "القلوب المحترقة" مثلا، والصيني تشين كايج (الامبراطور والمغتالة) والروسي نيكيتا ميخالكوف (العيون السوداء وأورجا) ورضوان الكاشف (في عرق البلح)، ويوسف شاهين (منذ العصفور).
وهذه الشركات التي تحصل على أفضل مستوى بميزانيات محدودة تحقق لنفسها أرباحا من تززيع هذه الافلام في شبكات توزيع الافلام الفنية، وليست التجارية، والبيع لمحطات التليفزيون التي تهتم بهذه النوعية من الأفلام.
وهناك جهات إنتاجية أخرى لديها بالتأكيد ايضا، أجندتها الخاصة، وهي أساسا، أجندة سياسية أي أنها تتصيد بعض السينمائيين الذين يمكنهم أن يقدموا ما هو متوقع منهم لجمهور يتوقع أيضا صورة محددة: غرائبية، استشراقية، تتاجر بالتخلف وتبيع الفولكلور، تعتمد على البلاغات السياسية المباشرة: التي تناهض، وتنتقد، وتدين، وتطالب، دون أن تحتوي أولا على ما يغري فنيا.
جهات التمويل نوعان، والسينمائيون أيضا نوعان: نوع يرغب في العمل بأي ثمن، وهو على استعداد لتقديم ما يتوقعونه منه دون بذل أي جهد لتجميله، ونوع آخر لا يرغب إلا في تقديم الفيلم الذي يحبه ويحلم به (إذا ما استعرنا تعبير ابراهيم البطوط) ويصبح بالتالي على استعداد لأن يقاتل من أجل تحقيقه، دون تقديم تنازلات رخيصة في الصور.
المحك هنا يكمن في الأصالة والصدق، وأساسا، في الموهبة الحقيقية.
ولكن كيف نعرف الحقيقي من الزائف، الأصيل من المزيف، الموهوب من الدعي؟
الإجابة البسيطة: هذه قضية جمهور ووعي، كما أنها قضية حركة نقدية.
أي أنها قضية ثقافة مجتمع في المقام الأول. وهو موضوع طويل له منعرجاته، لكن يكفي القول إنه ما لم يحدث التغيير السياسي المنشود سنظل نواصل السباحة في المستنقع!

لقطة من فيلم "إيثاكي"

شاهد ابراهيم البطوط يتحدث عن نفسه وعن أفلامه

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

مقابلتي مع ماركو موللر مدير مهرجان فينيسيا

ماريان خوري وأمير العمري وماركو موللر
هناك تقصير من جانبنا لكن المنتجين العرب لا يهتمون بالمشاركة في المهرجانات الدولية

عرف السينمائيون العرب ماركو موللر ناشطا رئيسيا في مهرجان روتردام السينمائي، الذي قدم دعما للكثير من أفلام السينما العربية من خلال مؤسسة خاصة أنشأها موللر ولاتزال تعمل في تنظيم ورش عمل لتمويل الأعمال الطموح.
وتولى موللر بعد ذلك منصب مدير مهرجان لوكارنو الذي رحب بالأعمال الجديدة لأسماء البكري ويسري نصر الله ومحمد ملص والناصر الخمير وغيرهم. لكن موللر أهمل السينما العربية وأخذ يتعامل معها بالجملة، متناسيا أن هناك سينما مصرية عريقة
تملك وحدها تراثا أكبر من تراث 7 من دول أورونبا الغربية مجتمعة، والسينما السورية، والسينما اللبنانية، ولا يهتم بالتعامل مع المواهب الجديدة التي تنشأ في هذه البلدان بل يكتفي بفيلم واحد (عادة من المغرب العربي وممل فرنسيا) للقول إن السينما العربية ممثلة والسلام. وقدحملت تساؤلاتي وذهبت إلى لقاء نوللر لكي أعرف منه كيف يعمل وماذا يتوقع للمستقبل، وأيضا أواجهه بما يقال عنه ومن تعمده تهميش الأفلام العربية. وقد دار حواري معه على النحو التالي:

** أولا حدثنا عن طريقتك في العمل لإقامة مهرجان كبير بحجم فينيسيا سنويا.. هل تعتمد على لجان للمشاهدة والاختيار أم تشاهد الأفلام بنفسك خصوصا أفلام المسابقة؟
* أولا المهرجان جزء من مؤسسة كبيرة هي مؤسسة بينالي فينيسيا للفنون، وهي مؤسسة تقيم مهرجانات للمسرح والموسيقى وتنظم معارض مختلفة للفنون التشكيلية والعمارة، ولذلك لدينا أطقم مدربة من الموظفين على درجة عالية من الكفاءة
تعمل على مدار العام. أما بالنسبة للاختيار فلدينا نظام متكامل من المستشارين والمراسلين.
هناك درة بو شوشة،
وهي تونسية لكنها تنتقل إلى مهرجانات وبلدان كثيرة، وقد أصبحت حاليا مديرة مهرجان قرطاج السينمائي، وهي ترشح الأفلام لنا. ثم لدينا لجنة اختيار تتكون من 5 أشخاص معظمهم من الشباب بين 30 و40 عاما، ثم هناك أنريكو ماجريللي الذي يقوم بدور "كاجيموشا" أو الرجل البديل لي شخصيا، وكنا قد بدأنا العمل معا لمهرجان فينيسيا في عام 1979 أي منذ حوالي 30 عاما.
ما يحدث هو أننا نشاهد الأفلام معا، ولكن
لا أستطيع مشاهدة كل الأفلام لأنني أكون أحيانا مشغول في الرد على مكالمات هاتفية ومخاطبة السينمائيين ومكاتبتهم عن طريق البريد الالكتروني. لقد شاهدنا جميعا معا حوالي 3 آلاف فيلم طويل، شاهد المراسلون والمستشارون منها حوالي النصف، أما النصف الآخر فقد شاهدت منه حوالي 800 فيلم. وأنا أفضل الترحال بنفسي خصوصا إلى آسيا لأنني أتكلم عدة لغات آسيوية، إلى الصين وهونج كونج وتايوان واليابان. ولدينا أحد المساعدين في لجنة الاختيار يجيد اللغتين الكورية والأندونيسية، ةقد قضى حوالي شهرين في فيتنام وتايلاند وكوريا.

** وهل أنت سعيد باختيارات هذا العام خاصة أفلام المسابقة الرئيسية التي تضم فيلمين من أفلام الرسوم من اليابان، أليس معنى هذا أنك ربما أردت ان تستكمل العدد الى 21 فيلما بينما كان يمكن الاكتفاء بـ 19 فيلما مثلا أو 20.
* لقد اخترنا 21 فيلما لأن الأفلام فرضت نفسها. إذا لم تكن قد شاهدت فيلم المخرج الياباني هايو ميازاكي إذهب وشاهده بعد ظهر اليوم لأنه أحد الأفلام التي تدخل السعادة على القلب وتجعل المرء يتمتع بالحيوية لمدة يومين أو ثلاثة على الأقل. أما فيلم الرسوم الياباني الثاني فهو فيلم مختلف تماما وقريب من عالم بيتر بان الذي نعرفه جيدا في مجتمعاتنا المعاصرة.

** أنت عرفت بتشجيع الأفلام القادمة من العالم العربي عندا كنت مديرا لمهرجان لوكارنو.. ما الذي حدث الآن.. يقال إنك لم تعد تبالي بهذه الأفلام، فيما عدا اهتمامك بالأفلام التي تمثل المغرب العربي التي نعرف جميعا أنها فرنسية الانتاج والتمويل مائة بالمائة. وأنت أيضا متهم بأنك تهمل السينما المصرية مثلا بدعوى أنها سينما تتمتع بالشعبية داخل بلدها وليست في حاجة للتشجيع على الساحة الدولية.. كيف ترد على هذا؟
* كان يهمنا كثيرا تقديم فيلم مثل
الفيلم المصري الذي حصل على جائزة أحسن فيلم في مهرجان تاورومينا وهو فيلم "عين شمس" للمخرج ابراهيم البطوط، لكن لم يتقدم أحد بالفيلم إلينا، وقد عرفنا عنه بعد أن كان الوقت قد أصبح متأخرا. وقد ضمته مندوبة المهرجان درة بوشوشة إلى أفلام مسابقة مهرجان قرطاج.
كان هناك فيلم مصري كنت أرغب تماما في العثور على مكان له في المهرجان وهو فيلم "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي. وأنا من المعجبين بالأفلام التي يصنعها مجدي لأنه واحد من السينمائيين القليلين في مصر الذين يعملون عند الخط الرفيع بين الفيلم الفني والفيلم التجاري، بين الجماهيري والنخبوي، وهو يفعل هذا في فيلمه الجديد الذي أعجبني حقا. ولكن لأنني يجب أن أشرك لجنة الاختيار معي، كنا في حاجة إلى أن نرى هذا الفيلم قبل فترة كافية وأن نناقشه،
لكنه لم يصل إلينا إلا يوم 20 يوليو الماضي ونحن ننتهي من الاختيارات، وقد شاهد أعضاء اللجنة الفيلم ولم يفهموه. لم يفهموا أهمية الفيلم أو جرأته. لكني لا أحاول التماس الأعذار لهم. ولكن يجب أن تعلم أنه في توقيت صعب كهذا يجب أن يحصل الفيلم على إجماع اعضاء اللجنة على الفور لكي يشارك، وإلا يستبعد. وهذا للأسف ما حدث. ولم أستطع إعادته للمناقشة مرة أخرى.
أعتقد أنه يتعين علينا أن نجذب اهتمام السينمائيين العرب إلى مهرجان فينيسيا بأن نبذل جهدا أكبر، أعرف أن المخرجين مهتمون بالأمر أما منتجو الأفلام فليس لديهم اهتمام بالمهرجانات الدولية الكبيرة.

** هل ما أعلنتم عنه أخيرا عن إقامة منشآت جديدة للمهرجان هنا في ليدو لتجديد شباب المهرجان العجوز ستتيح له الفرصة لاستعادة مجده القديم ومنافسة مهرجان كان مثلا؟
* لا أعرف ما إذا كان هذا ما نريده، بمعنى أننا لن نستطيع أن نكون مهرجانا له سوق كبير للأفلام لأن مواعيد اقامة المهرجان ليست مناسبة. فلأن مهرجان فينيسيا ينعقد في أواخر الصيف وبداية الخريف فنحن نريد أن نسلط الإضواء على أفلام جديدة ستعرض خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في العام قبل هجوم أفلام أعياد الكريسماس، لأن الأفلام التي نعرضها هي أفلام جادة تحتاج إلى جمهور مختلف أكثر معرفة وثقافة. "
مشكلتنا هي أننا نخضع
لنوع من رقابة السوق التي تفرض أفلاما معينة في ايطاليا وفي البلدان الأوروبية المجاورة. وهذا يشمل استبعاد الأفلام العربية والأفريقية. لا أعتقد أنه تم توزيع أي فيلم عربي أو افريقي في ايطاليا خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة. ولهذا السبب نحن في حاجة إلى مهرجانات لليسنما، وأيضا هذا يجعلني أحرص على احترام آراء لجنة الاختيار التي تضم نقادا من الشباب أساسا، لأنهم يقولون لي ما هي الأفلام التي يمكنها أن تستمر في الحياة بعد عرضها في المهرجان وتجد طريقها للتوزيع. وهذه أيضا إحدى مهامنا أي ضمان حياة أطول للأفلام فيما بعد المهرجان. القصر الجديد للمهرجان سيضم قاعات للاجتماعات وقاعات للمشاهدة ويسعى لجعل فينيسيا مدينة حية طوال العام.
المنتجون السينمائيون الجدد الذين يتمتعون بالحيوية في العالم العربي يعرفون أنني عندما أنشأت جوائز هيوبرت بالس في مهرجان روتردام، ثم نظام دعم الأفلام في لوكارنو، كان هدفي الأساسي أن يكون لدينا مهرجان للأفلام الموجودة، ومهرجان للأفلام التي نريدها أن توجد، المنشآت الجديدة أيضا سيكون لها مضمون، وبهذا المعنى يمكنني أن أجيب عن سؤالك الخاص بعلاقتنا بالعالم العربي والسينمائيين العرب بأننا سنسعى لتحسين علاقتنا بالمشرق.

** ماذا يعني لديك إهداء هذه الدورة من المهرجان للسينمائي المصري الراحل يوسف شاهين؟
* أعتقد أنه بسبب الوضع الحالي للسينما فنحن في حاجة للعودة إلى الفنان نفسه وعالمه، إلى فنان وإنسان رائع أحب السينما الأمريكية، ودرسها وعرف ما يأخذه منها وما يتركه، ثم ابتكر سينما جيدة، هو والمخرج السنغالي عثمان سمبان الذي كان أيضا صديقا مقربا، وربما كان يتعين علي أن أهدى الدورة الماضية إلى سمبان.
لقد علمنا الإثنان أن السينما هي الأفلام التي نشاهدها، وكان يوسف شاهين يتعامل مع كل فيلم جديد يخرجه كما لو أن السينما لم تخترع
بعد، وكان بالتالي يتيح لنفسه الفرصة للابتكار والخلق، وهذا النوع من الحرية هو شئ نفتقده بشدة اليوم.

يوميات فينيسيا 10

من فيلم "تيزا" الاثيوبي

مسافر اليوم، عائد إلى وطني الثاني بريطانيا.. لا يجب أن يستهجن البعض هذا القول فهذه حقيقة لاشك فيها بحكم التجربة الطويلة والجنسية التي أحملها و أتحرك وأسافر بها إلى كل مكان.
مهرجان فينيسيا سيختتم مساء غد السبت. لا أحب حفلات الختام كما لا احب أبدا حفلات الافتتاح التي يتقاتل الصحفيون عادة من أجل الحصول على بطاقات الدعوة لحضورها. هذه الحفلات عادة مليئة بالنفاق والتظاهلر الكاذب والشخصيات المفتعلة. دائما ما أرحل عن أي مهرجان قبل الختام بيوم لأن هذا اليوم تحديدا لا يحدث فيه اي شئ عادة سوى انتظار عرض فيلم الخنتم الذي يشاهده الصحفيون عادة قبل ذلك بيوم. وبالتالي لا يوجد ما يمكن عمله بالاضافة بالطبع إلى أنني أكره سكن الفنادق لمدة طويلة، وانا اقيم في هذا الفندق في الليدو منذ 10 ايام.. كفى وألف كفى، ولم يكذب من قال: من خرج من داره اتقل مقداره!
الأمر الثاني أن اعلان الجوائز بات يمثل مجرد خبر بالنسبة لأي ناقد أو صحفي ولم يعد ذلك الحدث الذي ننتظره بشغف للإبراق به على الفور، فالانترنت جعل من الممكن وصول الخبر اليك وأنت في الطائرة.
دورة هذا العام ضعيفة وهذا هو حديث كل الموجودين هنا. لكن الحديث الأهم حاليا الذي يشغل الجميع يدور حول: من سيفوز بالأسد الذهبي؟
حاليا هناك ثلاثة أفلام مرشحة بقوة: أولا فيلم الرسوم المتحركة "فوق ربوة على جبل" الياباني وأنا شخصيا أستبعد فوزه، وثانيا الفيلم الاثيوبي "تيزا" أو العودة لهيلا جيريما وهو تحفة من السينما الافريقية يستحق مقالا منفردا. وثالثا فيلم "السهل المحترق" أو Burning Plain للمخرج المكسيكي أرياجا. وربما يحصل فيلم بوبي أفاتي سعيد الحظ دائما، على احدى الجوائز المهمة عن فيلمه "والد جيوفانا". وربما تحدث مفاجأة كما هو معتاد هنا ويفوز فيلم باهت غادر الجميع القاعة وقت عرضه كما حدث قبل عامين عندما فاز فيلم صيني ضعيف اسمه "طبيعة صامتة" عرض ايضا كفيلم المفاجأة في المهرجان دون ان يعلن عنه مسبقا ضمن افلام المسابقة في مخالفة صريحة للقواعد المعمول بها في المهرجانات.
المهم أننا في هذه اللحظة لا يمكننا التنبؤ بالفيلم الفائز أو الذي سيفوز، والأفضل أن يتمسك المرء بشعار: كذب المنجمون ولو صدقوا... وإلى اللقاء في مهرجان آخر.

الخميس، 4 سبتمبر 2008

يوميات فينيسيا 9


لولا التكنولوجيا الجديدة ما كانت هذه المدونة، ولا كنت أستطيع ان أكتب فتصل كلمتي فورا إلى القارئ المفترض (ليتني أعرف أين هو، ومن هو بالضبط، وحتى الذين يعلقون على ما أنشره من حين إلى آخر، يفضلون إخفاء هوياتهم رغم أنها أساسية إذا كنا نسعى حقا للتواصل الحقيقي معا.. أليس كذلك؟).
التكنولوجيا الجديدة هي التي جعلتنا نفكر بسرعة وننفذ بسرعة أكبر، نحصل على المعلومة بشكل أسهل كثيرا عما كان في المضي.
كنا في الماضي مثلا (في العصر الكربوني.. نسبة إلى ورق الكربون الذي كنا نستخدمه في كتابة أكثر من نسخة من المقال الواحد.. واحدة للنشر وأخرى للحفظ في الأرشيف الشخصي) نعاني كثيرا من أجل الحصول على معلومات عن المخرجين والأفلام. وكنا نتزاحم على المكاتب الصحفية في مهرجانات مثل فينيسيا وغيره، للحصول على المطبوعات والصور. أما اليوم فأجد أمامي يوميا أطنانا مما يوجد في صناديق الصحفيين هنا في فينيسيا وقد ألقي بها الصحفيون مباشرة في سلال القمامة، أي أخرجت من الصناديق إلى القمامة مباشرة. وأنا أيضا أفعل مثلهم، أكتفي بإلقاء نظرة عابرة لاستطلاع ما هو منشور في الملف الصحفي أو النشرات الصحفية ثم ألقي معظم ما يقع بين يدي في القمامة.
السبب؟ يعود في تصوري إلى أن شبكة الانترنت توفر كل هذه المعلومات لكل من يستطيع استخدام جهاز الكومبيوتر (عفوا لا أحب كلمات سخيفة مفتعلة مثل الحاسوب أو الشريط لوصف الفيلم أو الخيالة لوصف السينما مع الاعتذار لمن يصرون على تعريب كلمات دخلت كل اللغات الحية وأصبحت جزءا من نسيجها). فما الداعي إذن لحمل أطنان من الورق في حقائبنا طالما أن من الممكن الحصول على ما نريد بكل بساطة. وخصوصا بعد أن وضعت المكاتب الصحفية للمهرجانات كل المعلومات على مواقعها على الانتلرنت؟ هذا أمر لم يكن متخيلا في الماضي.
الشئ الآخر أن بوسعك اليوم تنزيل الصور مباشرة من الموقع المخصصة لذلك ونشرها في ثوان معدودة دون حاجة إلى التقاتل والتزاحم للحصول على الشرائح الملونة ثم استخدام نظام فصل الألوان وغير ذلك من الطرق القديمة في النشر الصحفي.
والحصول
على الفيلم نفسه أو تسجيل صوتي للمخرج أو مقابلة بالفيديو لأي سينمائي أصبح أيضا ممكنا ومن الممكن نشره على مواقع الانترنت (يفضل أيضا بعض الإخوة أنصار تعريب ما لا يعرب أن يطلقوا عليها الشبكة العنكبوتية، وهي تسمية تجعل بدني يقشعر لأنني لا أحب العناكب أو العنكبوتيات خاصة من ينتمي منهم للبشر)!
تكنولوجيا الصورة أيضا أصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ من الفيلم السينمائي. فلولا ما قطعته البشرية في هذا المجال (آسف أقصد البشرية مطروحا منها العالم العربي) لما أمكن تحقيق الكثير من الأفلام الحديثة وإلا لكانت ميزانية بعض الأفلام تتجاوز المليار دولار؟.
طبعا في بلادنا العزيزة لايزال هناك مخرجون لا يمكنهم شراء سيارة جديدة لتحطيمها أو نسفها مثلا في فيلم سينمائي، فالمنتج لا يمكنه أن يتحمل هذا، بل وقد عرفت منتجا سينمائيا يرفض شراء صالون من الكراسي والكنبات لحرقه وأصر على استخدام صالون مستعمل من بيته.
أين نحن من التكنولوجيا؟ سؤال يتردد كثيرا جدا في الصحف العربية، والمؤتمرات العربية، ومحطات التليفزيون العربية، دون أن يملك أحد إجابة حقيقية عنه.
أين نحن من التكنولوجيا سؤال يقتضي العودة لفحص منظومة التعليم بأكملها، ومعرفة ماذا ندرس للطلاب، وما هو المطلوب منهم أكثر من النجاح في الامتحان (والحصول على الشهادة)، وهل المجتمع نفسه يرحب أصلا بفكرة العمل والابتكار والعلم، أم يميل أكثر إلى الخرافة والقيم التواكلية و"مشي حالك ياعم الحاج"؟
وسيدفعنا التفكير أيضا إلى تأمل حالة الانحطاط التي وصلت إليها النخبة التي يفترض أن تقود أي مجتمع نحو التنوير. ماذا يكتب عباقرة الصحف الرسمية من أساتذة الجامعات، وماذا يقول أئمة المعارضة التي لا تريد أكثر من مكان لها على هامش السلطة.. في المعارضة أيضا.. فهل هناك من يجرؤ على اعتبار نفسه بديلا للسلطة.
حتى فكرة النقد في حد ذاتها مازالت غير مرغوب فيها تماما، فهناك من يعتبر النقد خروجا على الإجماع أو ما يطلقون عليه- وهو تعبير هزلي في رأيي يقصد به عادة إرهاب الآخرين - (ضمير الأمة). وهناك من يعتبرون أن كل من ينقد هو حاقد، أو غيور، أو يسعى للفتنة والتخريب، أو في أفضل الأحال "يريد شيئا".
أعتذر فقد سرحت بعيدا عن فينيسيا التي أوجد فيها الآن لكن الأوجاع كثيرة، بل وتصبح أكبر عندما تجد نفسك في بيئة مختلفة، تسير الأمور فيها بشكل طبيعي بعيدا عن المساخر التي نعرفها وخبرناها جيدا في المهرجانات العربية. فأنت تذهب عادة لتكتشف أن "تكنولوجيا" مهرجانات العرب لم تخترع المقص بعد. فقد حدث أنني اكتشفت عندما ذهبت في أحد المهرجانات لاستلام البطاقة الصحفية أنها ليست جاهزة لأن الصورة التي كنت قد أرسلتها لهم كبيرة بعض الشئ وفي حاجة إلى مقص لتصغير أجزاء منها قبل لصقها على البطاقة.
وفي وقت آخر كانوا يفرضون على كل صحفي يزور المهرجان أن يتوجه بنفسه إلى مقر المهرجان البعيد تماما عن الحدث نفسه، لكي يدخل في غرفة مظلمة ليصورونه ثم يعرضون بطاقته على سعادة رئيس المهرجان شخصيا
لتوقيعها بنفسه (لابد من التوقيع والختم!!).
الصديق الرائع مهندس الديكور صلاح مرعي أضحكني وأبكاني كثيرا عندما كنا نتعاون معا في اقامة مهرجان الاسماعيلية السينمائي عام 2001 فقد أراد عمل بطاقات لكل الصحفيين والضيوف تحمل ألوانا معينة حسب نوعيتهم (صحافة، سينمائي، ضيف..). واقترحت اسناد الأمر إلى شركة متخصصة بحيث تكتب الأسماء بالعربية والافرنجية وتغلف بالبلاستيك. لكنه أصر على أن يتولى بنفسه عملها على الكومبيوتر الشخصي في منزله ويصممها بنفسه (لا أدري لماذا). وقد تأخر بالطبع كثيرا بسبب انشغاله في عشرات الأشياء الأخرى. وكنت قلقا لأن الناحية الأمنية تستدعي التدقيق فيمن يدخل وفيمن يخرج خاصة وأن المهرجان اقيم بعد 11 سبتمبر بشهر ونصف فقط. وكان الأمن قلقا للغاية. وعندما أتى صلاح مرعي بالبطاقات في النهاية، لم تكن هناك حاجة إليها، فقد اكتشفنا أن المهرجان نفسه أصبح مفتوحا لكل من هب ودب، بل وكانت هناك حملات لتشجيع أهل المدينة للنزول من منازلهم والتوجه إلى قاعات العرض مجانا لكي لا تقتصر العروض على الضيوف والصحفيين ومحبي السينما الذين أتوا من القاهرة بحافلات خاصة وفرناها لهم. ووقف الأمن يتفرج مع المتفرجين القلائل، ودفع أحدهم بابا للخول كان مغلقا في قصر ثقافة الاسماعيلية فانكسر الباب.. ووقف الأمن يتفرج.. بالله عليكم: لماذا يعكر الأمن صفو حياتنا ليلا ونهارا ثم لا يفعل ما يتعين عليه أن يفعله وهو توفير الحماية للضيوف الأجانب على الأقل!
صباح الخير. وسلم لي على التكنولوجيا ياريس!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger