الجمعة، 20 نوفمبر 2009

مهرجانات السينما و"وهم" العالمية!


يغالط البعض أنفسهم عند الكتابة عن المهرجانات "الدولية"، وخصوصا عند المقارنة الدائمة التي يدمنون عليها مع مهرجان "كان" السينمائي، المرجعية الأساسية عندهم.
هناك من يروج في الفترة الأخيرة مثلا، إلى أن مهرجان الشرق الأوسط (أو أبو ظبي) السينمائي تراجع عن الطابع العالمي، واصبح مهرجانا اقليميا، فقط لمجرد أنه أصبح يخصص جوائز لأفضل الأفلام من تلك المنطقة التي يحمل اسمها بينما كان- حسب ما يزعم هؤلاء- خلال الدورتين السابقتين دوليا، أي يفتتح ويختتم بفيلمين من أوروبا وأمريكا.
وليس هذا دفاعا عن مهرجان ابو ظبي أو عن غيره من المهرجانات التي تقام في العالم العربي، فكلها مهرجانات لنا عليها الكثير من التساؤلات والملاحظات، لكن الأمر يتعلق فقط بنقطة العالمية التي انبرى البعض للدفاع عنها من منطق أراه خاطئا بل ومضللا في الفترة الأخيرة. وهؤلاء يعرفون جيدا أنك يمكنك فقط أن تصبح عالميا إذا كنت أوروبيا أو أمريكيا. والفيلم العالمي هو في الحقيقة الفيلم الأمريكي فقط بحكم انتشار شبكات توزيع الأفلام الأمريكية في العالم وقدرة الشركات الامريكية على توفير ميزانيات ضخمة لإنتاج أفلام تتمتع بالقدرة على الإبهار.
وينسى هؤلاء الذين لا يكفون عن الترويج لوهم العالمية، أن مهرجان كان وغيره من المهرجانات الأوروبية الكبرى مثل فينيسيا وبرلين، هي مهرجانات "أوروبية- أمريكية" في المقام الأول، أي أن هدفها الأساسي هو الترويج للأفلام الأوروبية والأمريكية (من الولايات المتحدة تحديدا وليس من أمريكا الشمالية عموما ولا من أمريكا اللاتينية خصوصا). ولا يمنع هذا الهدف والتوجه بطبيعة الحال من وجود "بعض الأفلام" من القارات الثلاث: آسيا وافريقيا أمريكا اللاتينية.
ليس هناك شيء اسمه "مهرجان دولي" هكذا على إطلاقه، بل إن كل مهرجان له توجهاته وأجندته الخاصة واهدافه، فلن يدافع مهرجان برلين مثلا عن سينما المغرب العربي، ولن يهتم مهرجان هونج كونج بالترويج للأفلام المصرية، وأما نحن فنموت في فكرة أن نفنى في الآخر، أن نخصص له أضعاف ما نخصص لأنفسنا، وأن نحتفي به، ونمنح سينماه الجوائز، ونأتي برموز سينماه من مخرجين وممثلين وراقصين وراقصات وغيرهم وغيرهن، لكي يضفوا علينا صفة "العالمية" التي نتهافت للحصول عليها بأي ثمن، فوجود ممثل من الدرجة الثالثة من هوليوود أهم مائة مرة من أعظم مخرج عربي، وتواجد راقصة مبتذلة يثير اهتمامنا أكثر من أي ناقد أو مفكر سينمائي، لأنها ضمنت لنا "العالمية" أو هكذا نتخيل.. في حين أن أمم العالم تضحك علينا. والذي يكتب هذا الكلام رجل يعيش في قلب أوروبا منذ ربع قرن أو اكثر، ويعرف تماما عم يكتب!

وقد سبق أن سألت مدير مهرجان روما لأفلام التليفزيون (في يوليو الماضي) سؤالا مباشرا يتعلق باهمال السينما القادمة من العالم العربي والشرق الأوسط عموما، فقال ان هناك فيلما من ايران، ولكن اهتمامهم الأساسي هو "ابراز الأعمال التي تمثل أوروبا لأن هذه هي ثقافتنا ومجال اهتمام جمهورنا" حسب نص كلماته حرفيا في لقاء مسجل تليفزيونيا!
الثابت أن نسبة الأفلام الأمريكية والأوروبية في برامج مهرجان "كان" مجتمعة مثلا تصل إلى نحو 85 في المائة وقد ترتفع إلى 90 في المائة في بعض البرامج أو إلى 100 في المائة.
مسابقة مهرجان كان الأخيرة مثلا ضمت 20 فيلما منها 14 فيلما أوروبيا وأمريكيا، و6 أفلام من الإنتاج الفرنسي وان حملت جنسية مخرجيها ومنها فيلم "الزمن الباقي" لإيليا سليمان.
وعرض خارج المسابقة في "كان" 8 أفلام كلها من أوروبا والولايات المتحدة أي بنسبة 100 في المائة.
وعرض في مسابقة مهرجان فينيسيا 25 فيلما منها 18 فيلما من أوروبا وأمريكا، وفيلمان من الإنتاج الأوروبي المشترك. وعرض في برنامج "أيام فينيسيا" وهو برنامج مواز 16 فيلما كلها من الانتاج الأوروبي والأمريكي بما فيها فيلم "حراقة" لمرزاق علواش.. فعن أي عالمية نتكلم إذن!
وليس صحيحا مثلا أن تخصيص مسابقات للأفلام العربية في مهرجاني القاهرة ودمشق يفقدهما الطابع العالمي، فهناك مسابقة مماثلة للأفلام الايطالية في مهرجان فينيسيا، وهناك برامج سنوية للاحتفاء بتاريخ السينما الإيطالية (ريتروسبكتيف) وكذلك برنامج "آفاق السينما الفرنسية" في مهرجان كان السينمائي، دون أن يقلل هذا من "دولية" هذين المهرجانين في نظر هؤلاء الخبراء!
وكل مهرجانات العالم الكبرى ذات هوية محددة فمهرجان موسكو مثلا يهتم بسينما شرق أوروبا رغم عالميته، أي رغم أن مسابقته تضم أفلاما من أوروبا وأمريكا وغيرهما أيضا، ومهرجان طوكيو يهتم بالسينما الآسيوية رغم عالميته، وزاوية مهرجان تسالونيك زاوية بحر- متوسطية رغم عالميته، ومهرجان سان سباستيان أوروبي الهوى والتوجه رغم عالميته، ومهرجان ترايبيكا أمريكي التوجه رغم عالميته.. وأرجو أن تكون الفكرة قد وضحت. ويمكن لمن يرغب في التدقيق مراجعة قوائم أفلام مسابقات عدد من تلك المهرجانات مثل كان وفينيسيا وبرلين وطوكيو وموسكو لكي يدرك صحة ما نقوله هنا.

ومهرجان قرطاج السينمائي العريق كان دائما ولايزال، يهتم بالسينما الافريقية والعربية (التي يخصص لها مسابقته) في حين يعرض الأفلام من كافة أرجاء العالم بما فيها الأفلام الأمريكية المتميزة. وكان مهرجان دمشق يركز على الزاوية الآسيوية العربية وسينما العالم الثالث أو القارات الثلاث عموما قبل أن يأتي السيد محمد الأحمد ليحوله إلى كرنفال "كوزموبوليتاني" باسم الدولية والعالمية، وكأن السينما السورية بانتاجها المحدود يمكنها منافسة السينما الأمريكية مثلا في مسابقة "دولية"!
إذن ليس عيبا أن يصبح أي مهرجان عربي مهرجانا دوليا ويهتم في الوقت نفسه، بالزاوية الشرق أوسطية أو العربية، بل إن من المعيب أن يظهر مهرجان "دولي"- أي مهرجان- يهمل السينما الاقليمية والوطنية التي يظهر في محيطها، والمعروف أن أي مهرجان يسعى أساسا إلى دعم سينماه الوطنية أولا.
إننا نوجد على "الهامش" في مهرجانات السينما التي تسمى "عالمية" أي تلك الأوروبية، فلماذا نقبل أن نظل على الهامش أيضا في هذه المهرجانات "الدولية" التي تقام في منطقتنا!

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger