مقال أمير العمري الجديد المنشور في جريدة "البديل"
في كل بلاد الأرض تدرك "النخبة" معنى ومغزى وأهمية وجود جيل آخر جديد من السينمائيين، وأهمية إتاحة كل الفرص أمامهم، للتجريب والسباحة في مناطق غير تقليدية، في ثقافة الصورة، بعيدا عن كل القيود التقليدية التي يفرضها السينمائي عادة على نفسه لكي يتواءم مع ما يسمى بـ"متطلبات السوق".
ومهرجانات السينما الدولية الكبيرة حقا، تاريخا ومقاما، والتي تريد أن يحسب لها أنها لا تستبعد الجديد مهما كان جامحا في تجريبيته وأفكاره، عادة ما تسمح بمساحة على الهامش لتلك "السينما الأخرى".
منذ عام 1969، أي بعد عام على موجة التمرد والثورة والغضب في فرنسا، بدأ اتحاد السينمائيين الفرنسيين تنظيم وإقامة ما يعرف باسم "نصف شهر المخرجين" على هامش مهرجان "كان" السينمائي، وهي تظاهرة خاصة مستقلة تماما عن المهرجان، أو مهرجان مواز للتجارب الابداعية السينمائية الشابة. ومن قلب هذه التظاهرة خرجت إلى العالم عشرات المواهب السينمائية الأصيلة الجامحة التي سرعان ما ذهبت أفلامها فيما بعد للعرض في برنامج مهرجان كان الرسمي لكي تلقى الكثير من الاحتفاء بها وبأعمالها. ويمنح "نصف شهر المخرجين" جوائزه الخاصة، ويصدر مطبوعاته، ويوجه دعوات خاصة للسينمائيين وينظم مناقشات أفلامهم بعيد عن أروقة مهرجان كان الرسمية.
ويوجد على هامش مهرجان برلين حدث مواز للمهرجان الرسمي هو "الفوروم" الذي أقامه عدد من السينمائيين والنقاد الشباب لعرض الأفلام الطليعية التي قد لا يرحب المهرجان الرسمي بضمها إلى مسابقته.
ويقيم شباب السينمائيين الايطاليين ما أطلقوا عليه تظاهرة "أيام فينيسيا" على هامش مهرجان فينيسيا السينمائي سنويا، وهو حدث مشابه لنصف شهر المخرجين، والفوروم، أي أنه "معرض" لأفلام المخرج المؤلف صاحب الرؤية "المستقلة" التي تختلف وتتباين مع المقاييس السائدة.
ولكن الغريب أن يكون في مصر مهرجان سينمائي دولي كبير منذ 32 عاما هو مهرجان القاهرة السينمائي، دون أن يسمح أبدا في أي وقت، بوجود حدث مواز يقام على هامشه للسينما الأخرى، المصرية على الأقل، التي تعكس هموم وأحلام شبباب السينمائيين الذين يتخرجون من مدرس السينما سنويا، ولا يجدون فرصة حقيقية لإخراج أفلامهم في إطار منظمومة السينما السائدة في مصر.
وعندما يحاول تجمع ما يسمى بالسينما المستقلة في مصر إقامة مهرجان خاص بأفلامهم التي تنتج عادة بدون ميزانيات حقيقية، اعتمادا على العمل التطوعي، أو المغامرة عن طريق التمويل الذاتي المحدود، يتدخل المسؤولون في مهرجان القاهرة السينمائي لوقف هذا الحدث وإبادته من أساسه.
ولا يقتصر تدخل المسؤولين في المهرجان الكبير فقط على رفض وجود مهرجان لا ينافس ولا يهدف إلى انتزاع الأضواء من ذلك الحدث الآخر "الكبير" بل لقد وصل الأمر إلى حد إبلاغ الشرطة لكي تتدخل، كما حدث، وتقوم بقطع التيار الكهربائي عن القاعة التي استأجرها السينمائيون الشباب المستقلون لعرض أفلامهم، في حدث هو الأول في العالم، فهل هذه التصرفات البوليسية الإرهابية في صالح مستقبل السينما!
والغريب أن أي منطق في العالم يقول إن الترحيب بمهرجان مستقل للسينما المستقلة في مصر، يضيف إلى مهرجان القاهرة السينمائي، ولا ينتقص منه، ويقويه ويدعمه، لا يضعفه أو يهز صورته أمام ضيوفه. وكان حري بهؤلاء المسؤولين تشجيع ذلك الحدث الموازي لعله يساهم في إضفاء صبغة ما من الجدية على ما يقام في القاهرة في هذا الوقت سنويا!
كيف يمكن أن نبرر "قمع" الصوت الآخر في مجتمع تتردد فيه ليلا ونهارا فكرة التعددية والليبرالية الاقتصادية وحرية السوق، في حين تريد الدولة، ممثلة في مؤسساتها الرسمية ومن ضمنها مهرجان القاهرة السينمائي، احتكار العمل الثقافي ومحاربة العمل المستقل بدلا من دعمه وإعداده لكي يحل محل المؤسسات الرسمية القائمة التي تنوء بموظفيها!
إن موقف مهرجان القاهرة السينمائي لا يعكس فقط رفضا للجديد، وعداء له، ورغبة في استئصاله، بل في محاولة صارخة وفظة للوقوف أيضا في وجه المستقبل، مستقبل السينما، واحتكار الحديث عنه باسم تشجيع تجارب الديجيتال في نفس الإطار الرسمي المتهالك الذي فشل حتى في العثور على فيلم واحد يليق باسم السينما المصرية للعرض في المسابقة الرسمية لهذا المهرجان العجوز الذي آن الأوان لمراجعة أسسه ولائحته بل ووجوده نفسه بهذا الشكل المتهالك الحالي.
ولا ينفصل هذا الحدث المشين الذي تعرض له السينمانيون المستقلون في مصر عما وقع أخيرا من قيام الشرطة بمداهمة منزل بسيط في بلدة العياط أثناء تصوير فيلم قصير عن الحجاج واحتجاز مخرج الفيلم التليفزيوني البراء أشرف، الذى كان يصور فيلماً تسجيلياً مستقلاً عن طقوس الحج عند المصريين، ومظاهر الفرحة بالحج، وقيام الشرطة بمصادرة الشرائط.
هذه الواقعة قد يفسرها البعض في ضوء أن القانون يشترط الحصول على تصريح بالتصوير، لكن في هذه الحالة تحديدا كان التصوير داخل البيوت وليس في الشارع، وهو أمر لا يستلزم الحصل على أي تصريح. ومن جهة أخرى لماذا لا يطالب هؤلاء بتعديل ذلك القانون البالي المتخلف الذي عفا عليه الزمن، ومن قال إن القوانين صنعت لكي تعيش إلى الأبد رغم تغير العالم من حولنا طولا وعرضا!
إن هذه الواقعة المشينة أيضا تعكس حالة الهلع التي أصابت بعض الأجهزة أخيرا من زحف السينما المستقلة بهدوء وإصرار، لكنها تؤكد على نحو ما أيضا، أن السينما المستقلة قادمة، يؤكد وجودها انتصار فيلم "عين شمس" لابراهيم البطوط، في معركته الدامية مع الرقابة بعد أن رضخت أخيرا للأمر الواقع وقررت السماح بعرضه كفيلم مصري وليس مغربيا، متغاضية عن عدم حصوله على تصريح مسبق على السيناريو أو التصوير، وهو ما يؤرخ لبداية نهاية الرقابة بشكلها القائم المتخلف.
1 comments:
this article was written in exactly the perfect timing , the same night Cairo Independent festival opened to a public of hundreds in a place that couldnt take them so the festival director Mohamed Abdel Fatah briliantly took the decision to make a simultaneous screening in the garden where people sat in the cold weather to show their support for the idea. and here i Quote the brilliant line from the film V for Vendeta:
beneath this nask there is more than flesh. . beneath this mask there is an idea mr Creedy. . . and ideas are bullet proof.
thank you mr Amir for being aware.
Ibrahim El Batout
إرسال تعليق