كتابات نقدية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما............. يحررها أمير العمري
الخميس، 26 يونيو 2014
الاثنين، 9 يونيو 2014
أوراق من "كان": "قاعة جيمي": الثوري الرومانسي عندما يهزمه تحالف القهر
قد يكون المخرج البريطاني كن لوتش،
السينمائي الوحيد في النصف الغربي من العالم، الذي لايزال ملتزما برؤيته
الماركسية المبنية على أساس إنساني، بعد أن أصبحت الإشتراكية عند الكثيرين
الآن، كلمة منفرة، بل وأصبح التعريض بها والهجوم عليها، "موضة" شائعة لدى
الكثير من النقاد، وهو ما قد يكون الدافع، وراء الهجوم القاسي الذي شنه
أخيرا كن لوتش على النقاد في بلاده، متهما إياهم بالانعزال عن الواقع
والانكفاء على أنفسهم داخل قاعات السينما المظلمة، داعيا إلى إستبعادهم من
تقييم الأفلام والحكم عليها!
وقد يكون كن لوتش أيضا، المخرج الوحيد في
الغرب الذي لايزال يعبر ببراعة وبأسلوب فني رفيع، عن أفكاره الإشتراكية
الملتزمة بنضال الطبقة العاملة، قادرا على صنع أفلام ممتعة تعبر عن تجليات
الفكر الاشتراكي من زاويته الأساسية، الإنسانية، وليس من خلال تحويل الفكر
المفتوح على الدنيا بأسرها إلى "فكرة أيديولوجية جامدة" يدور حولها منظرو
عبادة الأفكار والأفراد، ومعظم هؤلاء من الذين وقفوا عاجزين عن فهم مغزى ما
حدث بعد سقوط الأنظمة السياسية في أوروبا الشرقية.
ويمكن إعتبار الكثير من أفلام كن لوتش
توثيقا سينمائيا رائعا لنضال الطبقة العاملة في تلك المنطقة من العالم، أي
في الغرب (بريطانيا، اسبانيا، أيرلندا). ولابد أن نتذكر، في هذا السياق،
أفلاما مثل "رف راف" (1991) Rif Raf، و"ليدي بيرد.. ليدي بيرد" (1994) Lady Bird.. lady Bird ثم فيلمه الملحمي الكبير "الأرض والحرية" (1995) Land and Freedom ثم "الريح التي تهز الشعير" (2006) The Wind that Shakes the Barely الذي توج بالسعفة الذهبية في مهرجان كان.
لا يبتعد الفيلم الجديد لكن لوتش، الذي عرض في المسابقة الرسمية للدورة الـ67 من مهرجان كان السينمائي، وهو فيلم "قاعة جيمي" Jimmy’s Hall،
عن اهتمامات لوتش السياسية بل لعله يمثل أيضا عودة قوية إلى عرض جانب من
التاريخ المجهول للحركة الاشتراكية في أيرلندا. وهو على الرغم من جدية
وصرامة موضوعه، يتميز بنوع من البساطة الشاعرية، والروح الرومانسية،
والكثير من لحظات المرح والاحتفال بالحياة عن طريق الموسيقى والرقص والحب.
الانتقال في الزمن
يعتمد سيناريو الفيلم- الذي كتبه الكاتب المفضل عند لوتش، بول لافرتي- على مسرحية من تأليف دونال أوكيلي Donal O’Kelly
تستند بدورها على أحداث ووقائع وشخصيات حقيقية. ويبدأ الفيلم بلقطات
تسجيلية (بالأبيض والأسود) من مدينة نيويورك في عشرينيات القرن الماضي، نرى
خلالها تظاهرات وتجمعات العاطلين عن العمل ومعظمهم من السود، قبل ان ننتقل
في الزمن ثلاث سنوات إلى الوراء، كما ننتقل من المكان، لنعود إلى منطقة
ريفية تتميز بجبالها الخضراء في أيرلندا بين عامي 1919 و1921 خلال
ما يعرف بـ"حرب الاستقلال" ثم الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بين طرف
لا يمانع من الاستقلال تحت التاج البريطاني، وطرف آخر، جمهوري، يريد تأسيس
جمهورية مستقلة. هذا النزاع الذي خلف الكثير من الندوب والجروح في النفوس،
وهو ما نراه بوضوح وتدور على خلفيته أحداث الفيلم الاسبق الكبير لكن لوتش
أي "الريح التي تهز الشعير".
في تلك الفترة اضطر المناضل الشيوعي الشاب
"جيمي جرالتون" للهجرة إلى الولايات المتحدة هربا من السجن والإعدام، وبنى
حياة مستقلة في نيويورك، واليوم ونحن في 1932، هو يعود إلى بلدته محملا
بذكريات الماضي، عندما كان قد افتتح قاعة للرقص في البلدة، وظل يواجه
الكثير من المشاكل مع ملاك الاراضي الجشعين الذي كانوا يتحايلون على
القانون لطرد الفلاحين من أراضيهم والاستيلاء عليها، الذين نجحزا في
إستصدور حكم من المحكمة باغلاق القاعة ومنع جيمي وأقرانه من دخولها.. وما
عقب ذلك من تعقب جيمي واضطراره للفرار.
الآن مع عودة جيمي، تنهض آمال الكثيرين من
سكان القرية مجددا. لكن جيمي يعلن انه عاد لكي يرعى والدته التي تقدمت في
العمر، وأنه يريد ان يعيش حياة هادئة، يقوم على شؤون المزرعة الصغيرة
للأسرة بعد وفاة شقيقه. لكن الك أهل البلدة يمارسون ضغوطا عليه لاعادة
افتتاح القاعة التي تهدمت، ويقومون باعادة بنائها معا، وتصبح مركزا لتجمع
الشباب، للرقص والغناء وقراءة الشعر ومناقشة القضايا السياسية والبحث في
كيفية واجهة ملاك الاراضي الجشعين الذين يتعاونون مع السلطة لقهر الفقراء.
هنا تتحول القاعة إلى بؤرة للنشاط السياسي الذي يهدد مصالح الأثرياء،
فيتحالف هؤلاء مع مؤسسة الشرطة والكنيسة، من أجل القضاء عليها وإغلاقها.
هجوم الكنيسة
يشن القس شريدان- ممثل الكنيسة
الكاثوليكية في البلدة- هجوما عنيفا على جيمي ورفاقه في الكنيسة، ويتهمهم
بالإلحاد وتشويه الثقافة الوطنية عبر القيم التي عاد بها جيمي من أمريكا،
ويصل في معاداته وتحريضه إلى حد اعتبار جماعة جيمي جماعة من الكفار
والمارقين، واعتبار موسيقى الجاز إعتداء على القيم المسيحية، ويهاجم من
يصفهم بـ"الشيوعيين الملحدين"، ويدعو الناس الى مقاطعتهم ويخيرهم بين طاعة
المسيح، أو الانضمام لأعداء المسيح!
يتم تحرير قائمة بأسماء الذين يحضرون
حفلات الرقص في قاعة جيمي، ومن بينهم فتاة شابة هي إبنة مدير الشرطة القاسي
الغليظ الذي يقوم في مشهد مؤثر بجلدها بالسوط، عقابا لها لكي تكف عن
التردد على القاعة، لكنها تهرب وتلتحق بجيمي الذي يصبح رمزا للبطل الذي
تعقد الجماهير عليه آمالها في الحصول على حقوقها وعلى حريتها، وتصبح
المعركة بين جيمي وبين القس، صراعا بين الدعوة للاحتفال بالحياة والحب في
إطار مقاومة التعنت والجمود، وبين التمسك بالمصالح الطبقية والفكرية
والتعصب الديني الذي يفضي إلى الحض على الكراهية والعنف.
ولكن لا يبدو أن القس شيريدان يشعر
بالسلام مع نفسه، فبل يبدو غير راض عن موقفه العنيف الفظ، بل يصوره
السيناريو البارع، متشككا، يردد مع مساعده أنه لا يرى في "جيمي" ما يشين،
بل يراه صادقا مع نفسه، لا يرى فيه عيوبا كشيوعي، بل هو أقرب إلى فكر
المسيح من كثيرين، ويبدي رغبته ايضا في قراءة كتاب "رأس المال" لكارل
ماركس، لكي يفهم، لكنه مع ذلك لا يمكنه إلا التمسك بموقفه الجامد المتزمت،
دفاعا عن "المؤسسة" التي ينتمي إليها. فهو يرى أن "جيمي" وجماعته نقيض
لجوهر فكرة الكنيسة، فإما أن تكون مع المسيح او مع "جيمي"، وهو صراع بين
مؤسسة ترفض الحياة بمفهوم الحرية والتحرر والاستمتاع حبدون مغالاة، وجماعة
تدافع عن حق الإنسان في الحرية والانعتاق.
وفي واحد من أجمل مشاهد الفيلم، يذهب جيمي
إلى الكنيسة يريد أن يدلي بالاعتراف للقس. وهو يوجه دعوة للقس، إلى أن
يخفف من غلوائه وأن يقوم بزيارة القاعة لكي يطلع بنفسه على ما يفعلونه هناك
بما لا يمثل إعتداء على أحد ولا يخالف القيم الاجتماعية، لكن القس يرفض
ويقول له إنه سيذهب لزيارة القاعة فقط في حالة التخلي عن الرقص وقبول
الإنضواء تحت لواء الكنيسة والخضوع لتقاليدها، فيقول له جيمي وهو يغادر
الكنيسة: نحن لسنا في حاجة إلى نصائح من أصحاب القلوب الغليظة!
تحالف الدفاع عن المصالح
وفي مشهد آخر، تعتدي جماعة مسلحة تمثل
تحالف الشرطة والكنيسة وكبار ملاك الاراضي، على الأهالي وهم يشاهدون فيلما
تسجيليا داخل دار السينما في البلدة. ويجسد الفيلم عبر مساره، ذلك التحالف
رابطا بين الفكر الديني التقليدي المتزمت، وبين المصالح الاقتصادية الطبقية
لكبار ملاك الاراضي، وانحياز الشرطة والقضاء إليهم بدعوى مقاومة الشيوعية،
كما يصور كيف يخشى الجيش الجمهوري الأيرلندي ضياع نفوذه بسبب نشاط جيمي
ورفاقه، والتفاف الأهالي حولهم، فيباركون أيضا الاعتداء على جيمي ومطاردته
أو يتغاضون عنه.
وينسج الفيلم قصة حب بين جيمي وفتاة (تدعى
أونا)، كان يرتبط بها عاطفيا في الماضي ولم تستطع أن ترحل معه إلى أمريكا
بسبب اضطرارها للبقاء بجانب والدتها المريضة، وهي الآن قد اصبحت متزوجة من
رجل آخر، ويستخدم هذا الحب الذي ينمو مجددا، لكي يعبر عن فكرة ما يتعين على
البسطاء دفع، كضحايا للانقسام السياسي الذي شهدته البلاد في تلك الحقبة.
قد يبدو فيلم "قاعة جيمي" فيلما بسيطا،
واضح المعالم، وليس مركبا على نحو ما كان "الريح التي تهز الشعير"، لكن هذا
لا يقلل من كونه واحدا من أكثر افلام كن لوتش تكاملا ورونقا وسحرا واتساقا
في الرؤية السينمائية، وأيضا، تكاملا من الناحية السينمائية. هنا نرى
تصويرا مؤثرا وصادقا للريف الاأرلندي في إطار تلك الفترة الزمنية، وننتقل
من مشهد إلى آخر بسلاسة وبراعة، ونرى تجسيدا للشخصيات لا يتغافل الفيلم عن
التعرض لتناقضاتها الداخلية، ويقدم المناضل السياسي في صورة إنسانية فيها
من الجمال والرقة، ولكن دون أن يصبح الفيلم عملا تثقيفيا دعائيا تعليميا،
بل يظل مقطوعة شاعرية رومانسية، لصورة الثوري الذي كان أول ايرلندي يتم
ترحيله قسرا من بلاده وطرده إلى الولايات المتحدة.
يتميز الفيلم أيضا بإيقاع منضبط، وموسيقة
موازية رفيعة معبرة، وأداء تمثيلي بديع سواء من باري وورد (في دور جيمي)
بشخصيته الكاريزمية الجامحة، وسحره الخاص ورقته وقوة شكيمته، والممثل
الأيرلندي الكبير جيم نورتون (في دور القس)، وبريان اوبايرن (في دور ضابط
الشرطة الفظ)، وسيمون كيربي (في دور أونا).
Labels:
مقالات نقدية
السبت، 31 مايو 2014
خواطر من "كان": العبرة ليست بعدد الأفلام!
يتصور بعض من
يقيمون المهرجانات في العالم العربي أنه كلما زاد عدد الأفلام التي يعرضونها في
مهرجاناتهم كلما أصبح المهرجان "دوليا" وارتفعت قيمته وأهميته بين
المهرجانات. ولكن الحقيقة ومن واقع ما نراه عاما بعد عام في مهرجان كان السينمائي،
أكبر وأهم هذه المهرجانات، أن عدد الأفلام ليس هو المعيار بل اختيار الأفلام التي
تعرض هو الأساس.
وقد يقول قائل:
وهل مستوى الأفلام التي عرضت أو تعرض في مهرجان كان مثلا مستوى جيدا دائما، أليست
هناك أفلام سيئة أو محدودة القيمة؟
الاجابة: كلا
بالطبع ليس كل ما يعرض هو دائما جيد، بل الأهم أن معظم ما يعرض من أفلام أو
الغالبية العظمى منها هي أفلام جديدة أي لم يسبق عرضها في أي مكان في العالم وهي
لذلك تكون مفاجئة سواء سارة أو غير سارة بالنسبة للناقد والمشاهد والسينمائي المهتم
أصلا بمشاهدة الأفلام وليس لعب القمار في كازينو كان الشهير!!
لم يعرضالمهرجان
في برامجه كلها أكثر من 85 فيلما. وعرض في السوق عدد كبير يتجاوز ثلاثة ىلاف فيلم
لكن الأسواق التي تتيح للموزعين الحصول على الافلام لا علاقة لها بالمهرجان الرسمي
وافلامهما لا تخضع للاختيار بل لمنطق شركات التوزيع.
إن أي مهرجان
يتفوق على غيره من مهرجانات، بما يستطيع أن يأتي به من أفلام تعرض للمرة الأولى
عالميا، وبنجاحه في إقناع صناع الفيلم بالحضور ومناقشة أفلامهم مع النقاد
والصحفيين وأحيانا أيضا، مع الجمهور. وكلما نجح المهرجا في استقطاب أفلام جديدة
جيدة كان ناجحا ولكن لا يتوقف النجاح قط على استقطاب الأسماء الكبيرة في عالم
الاخراج السينمائي فقط، فليس بالضرورة أن تكون هذه الأسماء قد حافظت على مستواها
السابق. وقد شاهدنا على سبيل المثال، عددا من أفلام المخرج البريطاني كن لوتش
(ثلاثة على الاقل) خلال السنوات الأخيرة، تعرض في مسابقة مهرجان كان دون أن ترتفع
إلى مستوى المشاركة ولا حتى الى مستوى ما حققه كن لوتش نفسه من قبل في تحفته التي
حصلت على السعفة الذهبية عام 2006 أي فيلم "الريح التي تهز الشعير".
وكان من الغريب
والمهرجان الرسمي يحرص على استقطاب الأسماء الكبيرة أن يذهب الفيلم الجديد
"الملكة والدولة" Queen and Country للمخرج
البريطاني الكبير جدا قيمة وتجربة وعمرا، أي جون بورمان (83 سنة)، إلى تظاهرة
"نصف شهر المخرجين: وليس للمسابقة
الرسمية أو حتى للعرض خارج المسابقة على نحو ما حدث مع فيلم المخرج الصيني المرموق
جانج ييمو "العودة للدار" الذي عرض خارج المسابقة وإن كان رأيي أنه لا
يليق بالمخرج الكبير ولم يأت حسب التوقعات بعد كل هذا الغياب عن التعاون بين ييمو
وبطلته التي صنع معها مجده أي الممثلة جونج لي. وقد بالغ البعض في قيمة هذا الفيلم
بل وفي قيمة تمثيل جونج لي الذي أراه مبالغا في الأداء وعلى وتيرة واحدة لا تتغير.
ولنا مع الفيلم وقفة خاصة فيما بعد لتحليله تحليلا نقديا من داخله بعيدا عن هذه
الانطباعات العابرة التي أسوقها هنا الآن.
لم تتجاوز أفلام
المسابقة عدد 18 فيلما كما لو كان المهرجان المخضرم قد عجز عن الحصول على العدد
المعتاد أي 20 أو 21 فيلما من العالم كله. أيضا لم يكن كل ما في هذه الأفلام جيدا
بل كان هناك ما لا يصلح للاشتراك ـأصلا في أي مسابقة لمهرجان كبير محترم مثل
الفيلم الايطالي الألماني "الرائعون" أو "الأعاجيب" أو سمه
كما تشاء فاسمه نفسه يبدو ملتبسا فلا عرف الى أي شيء يشير. وهو بالانجليزية The
Wonders
والفيلم عبارة عن كوميديا سطحية اجتماعية وراءها فكرة نظرية قد تبدو جيدة عن تقديم
أسرة من الطبقة الدنيا تخوض تجربة جديدة في العمل مع أطفالها في الريف. ولكن
الفيلم يفتقر الى سينارية متماسك والى اخراج يعف هدفه، فيظل يدور في دوائر مغلقة،
دون أي قدر من خفة الظل بل على العكس. ومسار الحكي نفسه يبدو ممطوطا ومفتعلا يبعث
على النعاس ومع ذلك فاز الفيلم بجائزة مهمة في المهرجان هي جائزة لجنة التحكيم
الكبرى التي تأتي في المرتبة التالي للسعفة الذهبية. هذه بلاشك جائزة مجاملة فقط
لمخرجة الفيلم كونها امرأة، ولاشك أن جين كامبيون رئيسة لجنة التحكيم وهي معروفة
بانتمائها الى معسكر "الفيمينزم" أو الحركة النسوانية التي تتحيز للمرأة
على حساب الرجل أيا كان ، بدعوى أن المرأة مضطهدة ومظلومة وأن الرجل يستبعدها عادة
من الصورة، كانت وراء منح تلك الجائزة لهذا الفيلم الضعيف شكلا ومضمونا
المضحك في الأمر
كله أن الكثير من الذين يكتبون وينشرون الأخبار والتقارير في الصحف العربية
اعتبروا- كما قلت من قبل أن يبدأ المهرجان في أكثر من مقال- أن الفيلم الفرنسي
"تمبكتو" فيلم عربي، غالبا لإقناع القائمين على الصحف التي يكتبون لها
بأن هناك ما يستحق التغطية والحصول على بدل سفر وتكاليف اقامة في أغلى مهرجان في
العالم تكلفة، أليس عبد الرحمن سيساكو مخرج الفيلم موريتاني الأصل؟ وأليست
موريتانيا عضوا في الجامعة العربية؟ وأليس الفيلم يدور في موريتانيا ويتناول مشكلة
تتعلق بالتطرف الاسلامي أو بجماعات العنف باسم الاسلام؟ نعم طبعا، لكن موريتانيا
لا تنتج الأفلام، ولا سيساكو نفسه ادعى أنه ذهب الى كان ممثلا لموريتانيا، بل هو
الإبن الروحي للثقافة الفرنسية، وفيلمه وهو من الانتاج الفرنسي بالكامل، يدين
العرب، بقدر ما يتجاهل دور الغرب في صنع ظاهرة التطرف الاسلامي والجهاد الكاذبة،
هذا بالاضافة طبعا الى ضعف الفيلم نفسه كفيلم من حيث السيناريو والاخراج والسيطرة
على المشهد والأداء والتكرار والافتعال..إلخ، لكن هذا لا يهم فالمهم أن الفيلم
"انتصر" وذهب للعرض في المسابقة.
والطريف أنني بعد
أن نشرت في موقع "عين على السينما" مقالي النقدي عن الفيلم عقب عرضه
مباشرة في اليوم الثاني للمهرجان مع ملاحظاتي السلبية على الفيلم من الناحية
الفنية، علق قاريء من موريتانيا بالقول إنني "حسود" وغن الفيلم لقي
ترحيبا واشادة من "جميع" النقاد العرب والأجانب، أي أنني رجل حاقد على
المنجز السينمائي الوطني "الموريتاني"، و"خارج عن الإجماع"
بين نقاد العالم. وهي نزعة عنصرية استعلائية موجودة بين كثير من المشاهدين والقراء
في العالم العربي خصوصا، فالجزائري يعتبر نقدنا السلبي لفيلم مثل "الخارجون
عن القانون" لرشاد بوشارب مثلا، نقدا ينم عن "غيرة" لأن أفلام من
بلادي لم تصل الى مسابقة كان بينما وصل الفيلم (الجزائري- افتراضا). وقد حدث هذا
حرفيا معي، فالعرب يعتبرون المشاركة في "كان" ليست مشاركة تعبر عن
المبدع الفرد أي مخرج الفيلم، بل تمثيلا للدولة وللسطة الرسمية أيضا، ويعتبرون
مشاركة أفلام من بلادهم في مسابقة كان مثل دخول منتخبات بلادهم مسابقة كأس العالم
لكرة القدم، أي يعتبرونه انتصارا قوميا يستحق الاشادة والاعتزاز والتمجيد، حتى لو
خرج هذا المنتخب من الدور الأول مجللا بالفضائح فاشلا من جميع الجوانب الفنية،
عاجزا عن تحقيق أي فوز امام منتخبات أخرى من بلدان ليست لديها عقدة الاضطهاد
وكراهية الآخر، العربي تحديدا، وبغض النظر عن مستوى الفيلم وقيمته الفنية، فمن
الممنوع أن ينتقده أحد بل يجب الاحتفاء به والتهليل بوصفه نصرا قوميا ووطنيا.
شخصيا لم يسبق لي
أبدا- على سبيل المثال- أن سمعت أو قرأت أن مشاهدا من بريطانيا هاجم ناقدا فرنسيا
لأانه لم يعجب بالفيلم البريطاني الذي عرض في مهرجان ما، واتهمه بكراهية بريطانيا
وثقافتها والحقد عليه. ولم أسمع مطلقا أن أمريكيا اتهم ناقدا من ألمانيا بكراهية
السينما الأامريكية والثقافة الأمريكية بسبب ما كتبه عن فيلم أمريكي. إنها عقدة
النقص العربية المخيفة التي تفترض أن الناقد العربي يكتب انطلاقا من مواقف شوفينية
ضيقة وليس استنادا الى ذوقه الشخصي ورؤيته وتكوينه وانفتاحه على الدنيا باسرها
ثقافيا. لكن هذه قضية معقدة!
Labels:
مهرجانات سينمائية
الخميس، 29 مايو 2014
خواطر من مهرجان كان 2014 : عن "الميدان"!
هم يصنعون الأفلام
ونحن طبعا أحرار إذا أكملناها او لم نكملها فالمشاهدة ليست فرضا مقدسا كما يتصور
بعض الهواة، اي أنه ليس أمرا محتوما وفريضة على الناقد الذي يوجد في مهرجان
سينمائي دولي كبير حيث تعرض مئات الأفلام، أن يقضي وقته في مشاهدة ما لا يثير
اهتمامه ولن يتوقف أمامه لكي يمارس العملية النقدية التحليلية أو حتى على سبيل
المتعة الشخصية التي تتحقق عادة من مشاهدة عمال ممتع.
من الأفلام التي
لم استطع إكمال مشاهدتها واعتبرتها نسيا منسيا، الفيلم الأوكراني
"الميدان" (هذا هو اسمه باللغة العربية مكتوبا بحروف لاتينية) والإسم
لاشك أنه مستمد من الكلمة المصرية تحديدا التي تطلق على ميدان التحرير أو على كل
ما يصفه العرب من غير المصريين عادة بـ"الساحة" Square فالبعض
يعتبر أن "الميدان" لابد أن يكون فقط "ميدان الحرب" وليس الساحات
العامة في المدن، وعموما الكاتبون بالعربية لا يتفقون على آلاف الكلمات حتى الىن
بل ولا يسعون أصلا للاتفاق حولها، بل يتباهى الكثيرون منهم بطريقته في الكتابة
والتعبير فلايزال الإخوة في المغرب مثلا يصرون على كتابة "التاكسي" بحرف
الطاء أي طاكسي، وهكذا كل الأسماء الأجنبية مثل برطولوطشي وكن لوطش وهلم جرا!
أما
"الميدان" فهو فيلم يفترض أنه تسجيلي، يصور التجمع المعارض الذي اشتهر
أخيرا واتخذ له مكانا في الميدان الرئيسي في العاصمة الأوكرانية كييف وه والميدان
الذي أطلقوا عليه "ميدان الاستقلال". لكن الفيلم لا يروي شيئا ولا يصف
شيئا ولا يقدم أي نوع من الوثائق سوى أنه يضع الكاميرا أمام الناس في الميدان
وتستمر اللقطة عدة دقائق ثم تتغير زاوية الكاميرا، ويتغير الزمن، وكل ما تراه من
لقطات هي من نوع اللقطات العامة الثابتة، بدون اي تعليق أو موسيقى او تدخل من
المونتاج. وليس بوسع أحد خاصة لو كانت تنتظره في اماكن أخرى أفلام كثيرة يمكن أن
تفوته مع مرور كل دقيقة، أن يجلس ليحملق في لقطات فارغة لتوافد الناس على الميدان
مع ترديد خطب جوفاء طويلة تسب في بوتين وفي السياسة الروسية، وتدعو المواطنين
للاحتجاج بكلمات انشائية.
وقد قضيت أربعين
دقيقة أشاهد تلك الصور منتظرا أن يتطور الفيلم ليتخذ أي شكل من أشكال الفيلم
التسجيلي المعروفة، فلم أجد شيئا. علما بأن الفيلم يفترض ان يستغرق ساعتين وعشر
دقائق، ولا أظن أنه سيخرج عن هذا الأسلوب الذي يعتقد صاحبه، المخرج سيرجي
لوزينيتسا، أنه أسلوب "طليعي" يمكنه أن يبهر المشاهدين في
"كان" أو غير كان، وهو الفيلم الذي تحمس له مدير المهرجان تيري فريمو
وجاء بنفسه بصحبة مخرجه لتقديمه للجمهور في قاعة "بازان" في اليوم قبل
الأخير من ايام المهرجان، حتى لو لم يحضر العرض سوى بضعة أشخاص فلابد أن العرض
السابق للفيلم قد تسبب في انتقال التعليقات عليه الى النقاد الحاضرين فعزفوا عن
الحضور. لكن لعل اتساف الفيلم مع السياسة الروسية تجاه كييف هي السبب في ضم هذا
الفيلم الى البرنامج الرسمي للمهرجان!
المشكلة الحقيقية
أنه بعد 40 دقيقة من "اللاشيء" سوى توافد الناس على "الميدان"
(علما بأن الفيلم يصور الميدان في الفترة من ديسمبر 2013 لى فبراير 2014، هي أن
هذه المدة كافية بالمسبة لاي مخرج سينمائي لأنه يدخلك في قلب الفيلم، أن يشدك وأن
يعثر على أسلوب أكثر فعالية واثارة في تناول الموضوع ولكن هنا نجد أن معظم
الحاضرين في هذا العرض وهم من النقاد العالميين المخضرمين، انسحبوا مفضلين الخروج
الى ضوء النهار أو ربما الى فيلم آخر أكثر اثارة للاهتمام!
هل كان يجب أن
أكتب ما كتبته هنا رغم أنني لم أكمل مشاهدة الفيلم؟ نعم أعتقد هذا في اطار شرح
السبب الذي جعلني اغادر العرض، ولأنني لست من النقاد "الاورثوذوكس"
الذين يرون ضرورة أن يربط الناقد السينمائي نفسه بالمقعد الذي يجلس فوقه لا يغادره
أبدا إلا مع انتهاء عرض الفيلم. وعموما أنا لم أكتب هنا عن الفيلم بل كتبت فقط
انطباعاتي عما شاهدته منه!
Labels:
آراء وتعليقات
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com