هم يصنعون الأفلام
ونحن طبعا أحرار إذا أكملناها او لم نكملها فالمشاهدة ليست فرضا مقدسا كما يتصور
بعض الهواة، اي أنه ليس أمرا محتوما وفريضة على الناقد الذي يوجد في مهرجان
سينمائي دولي كبير حيث تعرض مئات الأفلام، أن يقضي وقته في مشاهدة ما لا يثير
اهتمامه ولن يتوقف أمامه لكي يمارس العملية النقدية التحليلية أو حتى على سبيل
المتعة الشخصية التي تتحقق عادة من مشاهدة عمال ممتع.
من الأفلام التي
لم استطع إكمال مشاهدتها واعتبرتها نسيا منسيا، الفيلم الأوكراني
"الميدان" (هذا هو اسمه باللغة العربية مكتوبا بحروف لاتينية) والإسم
لاشك أنه مستمد من الكلمة المصرية تحديدا التي تطلق على ميدان التحرير أو على كل
ما يصفه العرب من غير المصريين عادة بـ"الساحة" Square فالبعض
يعتبر أن "الميدان" لابد أن يكون فقط "ميدان الحرب" وليس الساحات
العامة في المدن، وعموما الكاتبون بالعربية لا يتفقون على آلاف الكلمات حتى الىن
بل ولا يسعون أصلا للاتفاق حولها، بل يتباهى الكثيرون منهم بطريقته في الكتابة
والتعبير فلايزال الإخوة في المغرب مثلا يصرون على كتابة "التاكسي" بحرف
الطاء أي طاكسي، وهكذا كل الأسماء الأجنبية مثل برطولوطشي وكن لوطش وهلم جرا!
أما
"الميدان" فهو فيلم يفترض أنه تسجيلي، يصور التجمع المعارض الذي اشتهر
أخيرا واتخذ له مكانا في الميدان الرئيسي في العاصمة الأوكرانية كييف وه والميدان
الذي أطلقوا عليه "ميدان الاستقلال". لكن الفيلم لا يروي شيئا ولا يصف
شيئا ولا يقدم أي نوع من الوثائق سوى أنه يضع الكاميرا أمام الناس في الميدان
وتستمر اللقطة عدة دقائق ثم تتغير زاوية الكاميرا، ويتغير الزمن، وكل ما تراه من
لقطات هي من نوع اللقطات العامة الثابتة، بدون اي تعليق أو موسيقى او تدخل من
المونتاج. وليس بوسع أحد خاصة لو كانت تنتظره في اماكن أخرى أفلام كثيرة يمكن أن
تفوته مع مرور كل دقيقة، أن يجلس ليحملق في لقطات فارغة لتوافد الناس على الميدان
مع ترديد خطب جوفاء طويلة تسب في بوتين وفي السياسة الروسية، وتدعو المواطنين
للاحتجاج بكلمات انشائية.
وقد قضيت أربعين
دقيقة أشاهد تلك الصور منتظرا أن يتطور الفيلم ليتخذ أي شكل من أشكال الفيلم
التسجيلي المعروفة، فلم أجد شيئا. علما بأن الفيلم يفترض ان يستغرق ساعتين وعشر
دقائق، ولا أظن أنه سيخرج عن هذا الأسلوب الذي يعتقد صاحبه، المخرج سيرجي
لوزينيتسا، أنه أسلوب "طليعي" يمكنه أن يبهر المشاهدين في
"كان" أو غير كان، وهو الفيلم الذي تحمس له مدير المهرجان تيري فريمو
وجاء بنفسه بصحبة مخرجه لتقديمه للجمهور في قاعة "بازان" في اليوم قبل
الأخير من ايام المهرجان، حتى لو لم يحضر العرض سوى بضعة أشخاص فلابد أن العرض
السابق للفيلم قد تسبب في انتقال التعليقات عليه الى النقاد الحاضرين فعزفوا عن
الحضور. لكن لعل اتساف الفيلم مع السياسة الروسية تجاه كييف هي السبب في ضم هذا
الفيلم الى البرنامج الرسمي للمهرجان!
المشكلة الحقيقية
أنه بعد 40 دقيقة من "اللاشيء" سوى توافد الناس على "الميدان"
(علما بأن الفيلم يصور الميدان في الفترة من ديسمبر 2013 لى فبراير 2014، هي أن
هذه المدة كافية بالمسبة لاي مخرج سينمائي لأنه يدخلك في قلب الفيلم، أن يشدك وأن
يعثر على أسلوب أكثر فعالية واثارة في تناول الموضوع ولكن هنا نجد أن معظم
الحاضرين في هذا العرض وهم من النقاد العالميين المخضرمين، انسحبوا مفضلين الخروج
الى ضوء النهار أو ربما الى فيلم آخر أكثر اثارة للاهتمام!
هل كان يجب أن
أكتب ما كتبته هنا رغم أنني لم أكمل مشاهدة الفيلم؟ نعم أعتقد هذا في اطار شرح
السبب الذي جعلني اغادر العرض، ولأنني لست من النقاد "الاورثوذوكس"
الذين يرون ضرورة أن يربط الناقد السينمائي نفسه بالمقعد الذي يجلس فوقه لا يغادره
أبدا إلا مع انتهاء عرض الفيلم. وعموما أنا لم أكتب هنا عن الفيلم بل كتبت فقط
انطباعاتي عما شاهدته منه!
0 comments:
إرسال تعليق