الخميس، 26 يونيو 2014

"رسامو الكاريكاتير: جنود الديمقراطية"






ضمن عروض مهرجان كان السينمائي السابع والستين عرض- خارج المسابقة- الفيلم الفرنسي الوثائقي الطويل ""رسامو الكاريكاتير: جنود الديمقراطية" Caricaturists, the Foot Soldiers of Democracy وهو من إنتاج السينمائي الروماني راضو ميهائيلينو الروماني المقيم في باريس، ومن إخراج الفرنسية ستيفاني فالواتو Stephanie Valloatto . وتعتمد فكرة الفيلم على تقديم صورة لما تتعرض له حرية الصحافة في 12 دولة حول العالم، من انتهاكات وتضييق من خلال ما يتعرض له 12 رساما للكاريكاتير السياسي الساخر في هذه البلدان.

تتألف مادة الفيلم من مقابلات مصورة مع رسامي الكاريكاتير الإثني عشر من تونس والجزائر والمكسيك وروسيا وأمريكا وفرنسا واسرائيل وفلسطين وفنزويلا والصين وبوركينا فاسو وساحل العاج. والشخصية الرئيسية في الفيلم التي تظهر في البداية وفي النهاية ويعود إليها الفيلم كثيرا هي شخصية رسام الكاريكاتير الفرنسي الشهير "بلانتو" الذي يعمل في صحيفة لوموند الفرنسية اليومية منذ عاما، وهو يروي تجربته مع عالم الكاريكاتير وكيف اكتشف ميله إلى هذا النوع من الهجاء الساخر وفرحته عندما قبلت رسومه في "لوموند". في البداية نتعرف على الشخصيات المختلفة لرسامي الكاريكاتير ثم ننتقل بنوع من التركيز للوقوف أمامهم والاطلاع على تجربة كل منهم مع عرض بعض رسوماته البارزة.Plantu 40


الجزائر- تونس

الرسام الجزائري "منوار مرابطين" الذي يعمل في صحيفة "لوسوار دالجير" (أي مساء الجزائر) عاش تجربة ما قبل الاستقلال ثم ما بعدها، وهو يقول إنه تعلم الرسم من والده الذي كان يرسم النازيين بصورة ساخرة بعد الحرب. وكان أول كاريكاتير سياسي له يسخر من الرئيس الشاذلي بن جديد عام 1984 وعلى الفور حاصرت قوات الشرطة الصحيفة وصادرت 80 ألف نسخة منها وأعدمتها. ونرى لقطات وثائقية من المظاهرات التي شهدتها الجزائر في الفترة من 1988 الى 1991، وكيف أمر بن جديد الجيش بفتح النار على المتظاهرين، اغتيال الرئيس الأسبق محمد بوضياف في اجتماع رسمي، ويعلق الرسام: "كل ما كنت أرسمه كان فقط يتعلق بالعنف".

الرسامة التونسية نادية خيري التي تقول إن الكاريكاتير هو الذي اختارها وليس العكس، و تتخذ لنفسها نموذجا ثابتا في كل رسوماتها السياسية هي صورة القط الذي تقول إنه "دليل العصيان" فهو لا يستجيب لما يطلب منه. وهي ترسم على جدران المنازل المهدمة وبسبب رفض الصحف رسوماتها لجأت الى الرسم من خلال عالم الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، وتحررت بذلك من ضغوط الرقابة. وهي تبدو مهمومة بقضية الحفاظ على المكتسبات التي حققتها المرأة في تونس في الماضي.



فلسطين- إسرائيل

أما الرسام الفلسطيني بهاء بخاري فهو كالعادة وكما في معظم الأفلام الغربية، يظهر في موازاة مع رسام إسرائيلي هو ميشيل كيشكا وهو من دعاة السلام مع الفلسطينيين. والذي يجمع بينهما في الفيلم هو الرسام الفرنسي بلانتو. يشرح الرسام الفلسطيني مأساة شعبه ويروي كيف أنه يقيم الآن في رام الله وكيف أنه غادر القدس القديمة عندما كان في الرابعة من عمره. وفي مشاهد وثائقية يصطحب المخرجة ليطلعها على الجدار الفاصل الذي يقول إنه بدلا من أن يكوا عازلا للفلسطينيين، فقد عزل إسرائيل نفسها عن العالم، ويتنبأ بأنه سيسقط لا محالة في المستقبل القريب، ويتحدث عن المستوطنات وواقع الاحتلال وكيف أنه لا يستطيع أن يبتعد في رسوماته عن قضيته الرئيسية. ويقول الرسام الاسرائيلي أن أكثر من يواجهه من انتقادات بسبب رسوماته تأتي من طرف اليهود الاسرائيليين وليس العرب، فهناك الكثير من "الممنوعات" التي تكبر يوما بعد يوم، وليس مسموحا له برسمها، لكنه على الأقل الوحيد الذي يمكنه رسم "الأنف اليهودي" الشهير.

الرسام الفرنسي يتذكر كيف أنه ذهب الى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (نرى اللقاء موثقا بالصورة والصوت) واقنعه برسم علمين متجاورين، هما علما فلسطين واسرائيل. ثم نراه وهو يأخذ الرسم نفسه ويذهب به فيما بعد الى شيمون بيريز ويطلب منه وضع توقيعه عليه الى جانب توقيع عرفات. ويقدم الفيلم هذه القصة كما لو كانت تطرح الرؤية الليبرالية الرومانسية الفرنسية لحل القضية الفلسطينية. كما أن الجمع بين الرسامين الفلسطيني والاسرائيلي في القدس يبدو تحقيقا لنوع من المصالحة على الشاشة رغم ان الفلسطيني يؤكد في لقطات عديدة على أنه محروم من زيارة مدينته إلا بموجب تصريح مثل أي سائح بل إنه يطلع المصور والمخرجة على منزله الاصلي الذي صودر في المدينة ولم يعد مسموحا له بدخوله. وفي عبارة ذات دلالة يقول بالم: عندما أريد زيارة وطني فإنني أمر عبر حاجز قلنديا مثل الماشية.. وأتعرض للتفتيش.. هذه قمة الاهانة!

وتقول الرسامة الفنزويلية إن الرئيس الراحل شافيز كان قد وضع مادة في الدستور الذي صدر في عهده تنص على عدم جواز رسم وجه الرئيس ونرى كيف أنها التفت حول هذه المادة فأصبحت تضع بدلا من وجه شافيز، إصبعا من الموز، وكان الجميع في فنزويلا يفهمون المقصود!

ويبدو الرسام الصيني بي سان Pi San مهتما أكثر بتحويل الكاريكاتير عن طريق فريق من الرسامين الذين تمكن من تشغيلهم لحساب شركته، إلى مادة لأفلام تحريك ساخرة توجه النقد الاجتماعي، وتبث عبر موقع يوتيوب.

أما الرسام أنجيل بوليجان وهو كوبي شارك في الثورة الكوبية وانتقل منذ سنوات بعيدة الى المكسيك فيقول إنه كان يفرض على نفسه رقابة في كوبا، أما في المكسيك فكان أول تحذير تلقاه عند وصوله إلى المكسيك ألا يرسم الرئيس أو الجيش أو العذراء، لكنه خالف التعليمات من اليوم الأول وتعرض بالتالي للكثير من التهديدات والمتاعب.

ويروي الأمريكي جيف دانزيجر كيف أنه رسم كاريكاتيرا لنائب الرئيس الامريكي السابق ديك تشيني ولكنه امتنع عن وضع توقيعه عليه خشية من العواقب فقد كتب اسمه معكوسا (تشني ديك) بما له من معنى سيء عند الأمريكيين، ثم صوره وهو يمسك بواق ذكري مرسوم عليه صورة الرئيس بوش الإبن وهو يلقي به في المرحاض!


بوتين: ممنوع

أما الرسام الروسي ميخائيل زولاتكوفسكي فهو يواجه المنع من العمل منذ عهد برجنيف، ويقول انه سمح له فقط بالعمل في "إزفستيا" بعد إعلان سياسة البريسترويكا (الانفتاح السياسي) من قبل جورباتشوف في منتصف الثمانينيات، لكن فقط لكي يروج لصورة الديمقراطية الجديدة في روسيا. ويتحدث الرجل عن القيود المفروضة على الكاريكاتير في روسيا وكيف تحظر الصحف نشر أي رسوم كاريكاتورية للرئيس بوتين، وكيف أنه لا يمكنه وهو في منزله مع أفراد أسرته على المائدة ذكر الرئيس بوتين بالإسم بل يشيرون إليه فقط باسم رمزي!

وتروي الرسامة الفنزويلية كيف أنه يتعين حتى الآن على كل من يشتري سلعا من "سوبرماركت" مثلا، أن يقدم للبائع عند الدفع معلومات شخصية عنه مثل إسمه ورقم بطاقته وعنوان مسكنه، وبالتالي فهم يعرفون كل شيء عما يشتريه وكيف ينفق ماله!


قلة الرسوم

ينتقل الفيلم بين الحوارات واللقطات الحية للرسامين، ويجمع بين الرسام الفرنسي بلانتو وكوفي عنان في حفل تحت رعاية الأمين العام السابق للامم المتحدة، وهو يشرح مفهوم ودور الكاريكاتير في تعزيز السلام العالمي. ويروي الفرنسي في مشهد تال كيف أنه يتلقى حتى الآن مكالمات هاتفية من الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يبدي اعتراضه على رسوماته من وقت لآخر!

غير أن الفيلم يعاني من كثرة الاستطرادات في الأحاديث والمقابلات، ويخرج بعض الشيء عن الفكرة الرئيسية عندما تستغرق مخرجته فكرة تحقيق التعايش في فلسطين، وهو موضوع آخر مختلف عن اطار النقد السياسي، ولكن الفيلم يبدو أيضا مفتقدا الى مادة الرسوم نفسها، صحيح أن المخرجة تقدم نماذج لرسومات الرسامين لكن الفيلم كان في حاجة إلى المزيد منها وربما أيضا، إلى تحقيق التقابل فيما بينها. ويعيب الفيلم أيضا انحرافه عن سياقه لمناقشة موضوع الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول، وما تعرض له الرسام من تهديدات، ويبرر ما فعله بأنه أراد إدانة الارهاب وكيف عقد كوفي عنان مؤتمرا صحفيا أدان فيه الرسوم المسيئة ودعا الى ضرورة احترام جميع الأديان.

ويتعرض هذا الجزء دون اشباع أيضا، لما تعرض له رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات من اعتداء بسبب رسومه التي تنتقد النظام السوري وممارساته.

ورغم طرافة المادة وطموح الفيلم لتقديم صورة شاملة لما يتعرض له رسامو كاريكاتير النقد السياسي ف يالعالم من متاعب، إلا أن الفيلم يظل في الكثير من جوانبه التي تتناول البنية السياسية في بعض البلدان، أحادي الجانب، فهو يكتفي بعرض وجهة نظر واحدة، وتبدو بعض الأجزاء فيه أكثر هيمنة وامتدادا من غيرها، فالجزء المصور في اسرائيل يقتطع مساحة كبيرة وكذلك الجزء الفرنسي، على حساب ما يصور في ساحل العاج وبوركينا فاسو مثلا.

لكن الفيلم مع ذلك، يوفر مادة مشوقة تصلح للعرض في إطار افلام حقوق الإنسان والأفلام السياسية عموما، فهو فيلم عن قضية الحرية عموما وحرية الفنان بوجه خاص.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger