الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

الأفلام الإسرائيلية في مهرجان فينيسيا (1من 2)

 
أمير العمري- مهرجان فينيسيا

 
 
عرضت ستة أفلام إسرائيلية في الدورة الـ69 من مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي، منها فيلمان للمخرج آموس جيتاي Amos Gitaiلا يستحقان التوقف أمامهما لأن الفيلمين من نوع "الأفلام الشخصية" فالأول عن والده، والثاني عن والدته، والفيلمان لا قيمة لهما من الناحية الفنية، ففيهما الكثير من المعلومات الخاصة بتاريخ العائلة قبل هجرتها من ألمانيا إلى فلسطين، لكن إثارة الملل هو السمة المشتركة التي تجمع بسبب الاستطرادات والتكرار والدخول إلى تفاصيل لا قبل للمشاهد بها بل هي تحمل بعض الدلالات الخاصة بالمخرج نفسه.
 
وجيتاي يكون عادة في أفضل أحواله عندما يتناول الصراع العربي الإسرائيلي في أفلامه، وهي في الواقع، مجموعة الأفلام الليبرالية التوجه، التي صنعت له إسما في الغرب، وبعدها أصبح مستواه الفني متأرجحا، ولغته السينمائية متعثرة، وبحثه عن مواضيع أفلامه مضطربا، فلا هو صمد كسينمائي من إسرائيل يعبر عن بقايا ما يسمى بـ"الوعي" اليهودي بالمأزق المشترك، بين اليهود والفلسطينيين- المحتل والخاضع- داخل "إسرائيل"، ولا هو نجح في تجاوز نجاحاته الأولى الفنية في أفلامه، التسجيلية- وشبه الدرامية مثل "بيت" و"يوميات حملة" و"إستر"، وظل ينتقل من العام إلى الخاص، ترواده دائما فكرة البحث الشاق عن أصوله اليهودية بحيث يصل أحيانا إلى قمة الذاتية المنغلقة عن العالم، متصورا أن كل ما يحدث له يصلح تقديمه للمشاهدين في كل مكان، وهي نزعة "نرجسية" تظهر عند بعض السينمائيين الذين يحققون شهرة كبيرة في العالم دون أن يستطيعوا المحافظة على مكانتهم من خلال أفلام جديدة يقدمونها ويقعون بالتالي، في حلقة الدوران حول أنفسهم!
 
ولعلي لا أبالغ بالقول إن فيلمي جيتاي اللذين عرضا في مهرجان فينيسيا، وهما "الكرمل" و"أنشودة لوالدي" لم يكونا ليجدا طريقهما إلى مهرجان دولي كبير على مستوى مهرجان فينيسيا، لولا ارتباط جيتاي بصداقة شخصية مباشرة مع مدير المهرجان ألبرتو باربيرا، الذي جاء بنفسه لتقديم فيلميه عند عرضهما بالمهرجان، وأكد أنه يرتبط بصداقة شخصية قوية مع جيتاي تعود إلى عام 1989، وأنه طلب الفيلمين وكان سعيدا بوجودهما في البرنامج هذا العام.
 
الأفلام الأربعة الأخرى، فيلم منها في المسابقة الرئيسية وهو فيلم "املأ الفراغ" Fill the Voidوفيلمان في قسم :آفاق" و"أيام فينيسيا". أما الفيلم السادس وهو "الماء" فقد عرض في برنامج أسبوع النقاد ولم أشاهده.
 
 
إملأ الفراغ
الفيلم الإسرائيلي في المسابقة "إملأ الفراغ" هو لمخرجة تدعى راما بيرشتاين، وهذا هو فيلمها الروائي الطويل الأول بعد أن أخرجت عددا من الأفلام القصيرة خصصتها لجمهور من النساء اللاتي ينتمين إلى فئة اليهود المتشددين دينيا.
 
والفيلم الجديد يدور تحديدا في الحي الذي يقطنه اليهود الأصوليون في تل أبيب العصرية، في أجواء شديدة التزمت دينيا وأخلاقيا، حيث نرى اليهود الرجال بملابسهم السوداء وجدائل شعورهم المنسابة على الجانبين تحت تلك القبعات السوداء المميزة، بلحاهم الكثيفة، والنساء اللاتي ترتدي منهن المتزوجات غطاء للرأس، في حين تظهر الفتيات قبل الزواج شعورهن، ويبدو جميع الشباب وكأنهم يدرسون علوم الدين اليهودي لكي يصبحوا من الحاخامات في المستقبل.
 
هذه الأجواء هي نفسها التي سبق أن قدم آموس جيتاي من خلالها واحدا من أهم أفلامه غير السياسية، وهو فيلم "مقدس" Kadoshالذي يتناول العلاقات العاطفية داخل هذه الطائفة، ويصور كيف تقضي التقاليد الجامدة بحرمان المرأة من حقها الطبيعي في الزواج ممن تحب بل وإرغامها على الزواج من رجل آخر لأن من تحبه لا يلتزم بتقاليد اليهود الأصوليين ويعيش خارج "الجيتو"، في حين يرغم رجل وامرأة من داخل مجتمع اليهود الأصوليين، مرتبطان عن حب بل عشق، منذ عشر سنوات، على الطلاق لأن المرأة لا تنجب. وكان الفيلم أيضا الأول من نوعه الذي يصور مشاهد حب صريحة صادمة.
 
 
 
أما فيلمنا هذا فعلى النقيض تماما من رؤية جيتاي النقدية في "مقدس"، فهو يكرس ما نراه بل ويمجده ويضيف إليه طبقة من المبالغات العاطفية التي تجعل المشاهدين يغادرون قاعة العرض وهم على قناعة من أن أفض الحلول هو ما وصلت إليه البطلة الشابة الصغيرة في النهاية، أي نه ليس في الإمكان أفضل مما كان!
 
قصة الفيلم تدور حول فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، بريئة يافعة، متفتحة للحياة، ابنة لحاخام، وأم متدينة، ربيت ونشأت حسب تقاليد اليهود الأصوليين (طائفة رجال الدين تحديدا)، تقوم أسرتها بترتيب زيجة لها من شاب يدرس الدين اليهودي، تراه من بعيد ويعجبها مظهره الخارجي الذي يتناسب مع مظهرها وسنها،لكن دون أن تلتقي به ولا تتبادل معه أي كلمة. شقيقتها تموت فجأة أثناء وضعها مولودها الأول، وبعد فترة يبدأ زوج الشقيقة التي توفيت في البحث عن عروس له ترعى له ولده، ويمل إلى الارتباط بفتاة يهودية من بلجيكا ويعتزم السفر معها إلى هناك.
 
أم الزوجة الراحلة ووالدة "شيا" هي التي ترعى المولود الحفيد، ولا تطيق أبدا فكرة ابتعاده مع والده خارج البلاد، فهو الحفيد الوحيد للأسرة. وللأسرة ابنة أخرى لم تتزوج بعد رغم أنها تكبر "شيا" في العمر.
 
ومشكلة تزويج الفتيات في نطاق تلك الطائفة كما نرى في الفيلم، تبدو إحدى المشاكل الرئيسية التي يوليها أبناء الطائفة اهتمامهم خصوصا الرغبة في تزويجهم في سن صغيرة.
 
تحاول الأم إقناع "شيا" بقبول زوج شقيقتها الراحلة زوجا لها، خصوصا وقد صرفت أسرة الشاب الذي كان ينتظر أن يصبح خطيبها النظر عن الموضوع وهو ما يدفع شيا للإحساس باللوعة والأسى، وتكون الأم قد نجحت بالفعل في إدخال الفكرة إلى رأس الأرمل الشاب. لكن شيا تقاوم لأنها لا تميل لفكرة الزواج من زوج شقيقتها. لكنها تضطر في النهاية أن تفضل مصلحة الأسرة على مشاعرها الشخصية وتقبل بتقديم تلك التضحية، أي أن تصبح أما لابن شقيقتها التي توفيت.
 
 
فولكلور يهودي
يمتليء الفيلم بكل ما يمكن أن نتخيله من استعراض لتقاليد الحياة في "الجيتو" اليهودي: الأناشيد، والاحتفالات، والأعياد، الزيجات، والعزاءات، الزيارات التي تحمل معنى المجاملة، القيل والقال، ومشكلة الفتيات اللاتي كبرن ولم يظهر لهن بعد من يتقدم للزواج منهن، ترتيب الزيجات، اللجوء للحاخام الأكبر للمشورة، الصلاة اليهودية، إعداد الطعام على الطريقة اليهودية، هدهدة الأطفال، وكل هذه المظاهر تقدم بمعزل تام عما يحث في إسرائيل وفي العالم، فالجيتو أو الحي اليهودي التقليدي هنا هو معادل للعالم (الروحاني المثالي)، والأسرة هي أصل الحياة والمجتمع، والدين موجود لضبط العلاقات داخل المجتمع، والحب مبدأ لا معنى له، والزواج هدفه الإنجاب واستمرارية وجود العائلة وتماسك المجتمع، والأم وظيفتها أن تضحي دون أن تطلب شيئا لنفسها فهي أصل العائلة اليهودية.. وهكذا.
 
رؤية مثالية
هذه الرؤية المثالية المجردة التي تميل إلى الإفراط في تصوير الظاهرة في إطار "فولكلوري" كما لو كنا أمام أحد أفلام الأنثربولوجيا الاجتماعية، تقدم في إطار الاحتفاء بالظاهرة الدينية، والإعلاء من شأنها، وتكريس فكرة أن الخروج عن التقاليد اليهودية، خيانة لليهودية. وليس هذا غريبا لأن مخرجة الفيلم ومؤلفته تنتمي إلى هذه الفئة من اليهود المنتمين لأقصى اليمين، والذين يدعمون من الناحية السياسية سياسة التشدد مع الفلسطينيين، والتوسع والسيطرة والاستيطان والطرد والترحيل الجماعي.. لكن الفيلم بالطبع لا علاقة له بهذه الممارسات، بل ولا توجد أدنى إشارة فيه لما يجري خارج عالم هؤلاء اليهود الأصوليين، فهدف الفيلم تحسين صورة هذه الفئة أمام مشاهدي السينما في العالم وليس طرح قضايا مثيرة للخلاف، وقد تكون أيضا، مثيرة للنفور والاستهجان.
 
 
والواضح من خلال المعالجة والأسلوب السينمائي المستخدم في إخراج الفيلم، أن المقصود من "الحبكة" وطريقة صياغتها بنعومة شديدة، القول إن الفتاة لا تتعرض لأي نوع من "الإرغام" في الفيلم لجعلها تقبل الزواج من زوج شقيقتها الراحلة، وهو قول يتردد في الفيلم على لسان أحد الشخوص بشكل مباشر، حين يؤكد وكأنه يخاطب المشاهدين، أنه في اليهودية الأصولية لا ترغم الفتاة على الزواج. لكنها تتعرض فقط كما نرى بالفعل، لنوع من الضغوط "الناعمة" من جانب أمها أساسا، لكي تدرس الفكرة وتصل إلى القناعة بها من تلقاء نفسها، وهو ما يحدث، رغبة من الفتة في الاستجابة للتقاليد "الأخلاقية" اليهودية الأصولية، التي تتمثل في التضحية بمشاعرها لأجل مستقبل العائلة، خصوصا وأنها ستكون "الأم" لابن شقيقتها المتوفاة، وللأم في اليهودية مكانة شديدة الخصوصية فهي أصل الهوية ومنشأها.
 
عن الأسلوب
أسلوب المعالجة ميلودرامي تتصاعد فيه المشاعر، وتستخدم المخرجة اللقطات الطويلة، معظمها من الأحجام اللقطات المتوسطة والقريبة والقريبة جدا لتحقيق التأثير العاطفي، والانتقال بين المشاهد محكوم ببراعة. ويعتمد الفيلم أساسا، على التمثيل والديكورات ودقة تصميم الملابس والإضاءة، والاستخدام الدرامي المكثف للموسيقى والأغاني التي تصل أحيانا إلى ما فوق الذروة، أي تجنح لتحقيق أكبر شحنة من الإثارة العاطفية.
 
الأداء التمثيلي جيد  من جانب بطلة الفيلم التي أدت الدور الرئيسي وهي الممثلة الشابة خداش يارون، والممثلة إريت شيليج التي قامت بدور "رفقة" الأم، والتي يرشحها البعض في فينيسيا لجائزة أحسن ممثلة، وربما يتقاسم الإثنتان الجائزة، بل إن الفيلم نفسه وجد من يذهب به الحماس إلى حد ترشيحه لجائزة الأسد الذهبي. وهذا هوالموقف حتى لحظة كتابة هذه السطور.
 
وقد حدث قبل ثلاث سنوات فقط أن حصل فيلم إسرائيلي على الأسد الذهبي وقد يعيد مايكل مان، رئيس لجنة التحكيم، الكرة، ويستخدم نفوذه في اللجنة لكي تذهب الجائزة إلى هذا الفيلم الذي لا يضيف في الحقيقة، أي جديد، لا سينمائيا، ولا فكريا، بل هو في الأساس، فيلم دعائي لتبييض وجوه اليهود المتشددين الذين يؤيدون سياسيا حزب شاس اليمين المتطرف صاحب السمعة السيئة في العالم.

الأحد، 2 سبتمبر 2012



أمير العمري- مهرجان فينيسيا

أخيرا جاء الفيلم الجديد لمخرج الأمريكي تيرنس ماليك "إلى الأعجوبة" To the Wonderإلى مهرجان فينيسيا حيث عرض في المسابقة الرسمية التي تضم 18 فيلما.
ويعتبر "إلى الأعجوبة" الفيلم الروائي الطويل السادس لماليك (68 عاما) منذ أن بدأ الإخراج عام 1973 أي خلال 39 سنة!
وماليك معروف بأسلوبه السينمائي الذي لا يخضع للأساليب التقليدية، فهو يبني أفلامه عادة على الإحساس بالإيقاع، وبزوايا الصورة، وباللون، والحركة- حركة الكاميرا المستمرة معظم الوقت، ويهتم كثيرا بالتكوينات التشكيلية، وبعلاقة الصور بالموسيقى.
وهو يبدو في فيلمه الجديد مخلصا تماما لأسلوبه الشخصي الذي يميل إلى التجريد مع تلك النزعة الصوفية المعبة التي تتميز بطرح التساؤلات عن مغزى الوجود، في حين يبدو الكثير من لقطات الفيلم احتفاء بالإيروتيكية، بالنزوع إلى تصوير الجسد الإنساني في علاقته بالرغبة، بالعاطفة المشبوبة الجياشة، وبالتهاب المشاعر، وبالاتسفادة الهائلة من قدرات الممثلة الأفرنسية- الأوكرانية الأصل أولجا كيرلينكو، كراقصة باليه وموديل قبل أن تصبح ممثلة ناجحة.
لا توجد في الفيلم "حبكة" أو قصة تقليدية لها بداية وذروة ونهاية، ولا شخصيات تتصارع من أجل الاستحواذ أو التملك أو تحقيق النجاح بالمعنى المادي كما نرى في الفيلم الأمريكي التقليدي، بل هناك تصوير للمشاعر المختلطة، للتناقضات التي تدور داخل الإنسان، في علاقته بالحب، بفكرة التضحية والإخلاص والواجب الذي يتعين عليه الالتزام به تجاه من يحبه، وبالعلاقة مع الله، الصدق، الحق، والإيمان المتجرد.
الحلم الفرنسي
الفيلم يبدأ في باريس حيث يلتقي "نيل" الشاب الأمريكي الوسيم (بن أفليك) بامرأة شابة حسناء مليئة بالحيوية والحياة، هي "مارينا" (أولجا كيرلينكو).. ويقع الاثنان في الحب.. ويذهبان معا بصحبة تاتيانا (10 سنوات) - ابنة مارينا من زواجها الفاشل- إلى جبل سان ميشيل (الأعجوبة) وهناك يقضيان وقتا سعيدا ويقتنع نيل أن مارينا هي فتاة أحلامه، المرأة التي يتمزج معها تماما ويشعر بالصفاء النفسي والحب الدافق الذي لا يعرف حدودا، ويتعهد لنفسه أنه سيظل مخلصا لها وستكون هي امرأته التي يرتبط بها حتى نهاية العمر.
ينتقل الثلاثة- نيل ومارينا وتاتيانا- للعيش في البلدة التي ينتمي إليها  نيل بولاية أوكلاهوما في الولايات المتحدة.
هناك تبدأ المشاعر في التغير، فمارينا لا تشعر بالاندماج الكامل في العالم الجديد، وتاتيانا تشكو من عدم وجود اصدقاء لها وتعلن رفضها قبول نيل كأب لها، ونيل أيضا يبدو مستعدا لاستئناف علاقة عاطفية قديمة كانت تربطه بصديقة يعرفها منذ الطفولة.. شقراء فاتنة.. مستعدة أيضا للعطاء إلى أقصى حد، وإن كانت أقل جموحا في المشاعر من مارينا.. تلك الأوكرانية الأصل التي جاءت الى باريس حيتما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وتزوجت فرنسيا وهي في السابعة عشرة، لكنه تركها وتخلى عنها بعد سنتين من الزواج، وكان يتعين عليها أن تشق حياتها بنفسها لتوفر لابنتها احتياجاتها الأساسية.

الممثلة أولجا كيرلينكو بطلة الفيلم في مهرجان فينيسيا



نيل يتشكك في جدوى العلاقة.. يتساءل عن معنى الحب، وعن مغزى الارتباط العاطفي، يبحث في التناقض بين فكرة الاخلاص، واليقين في الحب، وبين الرغبة العاطفية التي تتخذ منحى آخر. وهنا يطرح الفيلم التساؤلات حول مغزى العاطفة، والحب، وهل الرغبة في "الآخر" حالة ممتدة يمكن أن تستمر أم أنها قد تخبو ثم تستيقظ العاطفة تجاه امرأة أخرى؟
المشكلة التي يواجهها نيل الآن تأتي من خارج العلاقة مع مارينا أيضا، من أهل البلدة، جيرانه الذين يرتبط بهم.. فهو يعمل كملاحظ للبيئة، ويكتشف أن هناك تلوثا خطيرا في المياه نتيجة تسرب مواد معدنية بسبب عمليات التعدين التي يقوم بها جيرانه ويتعيشن منها. وعندما يلف الأنظار الى خطورة التلوث على الأجيال القادمة يواجهونه بالصد والإعراض والرفض.
وتأشيرة إقامة مارينا في أمريكا أصبحت في طريقها للنفاذ دون أن يبدو أن نيل قد حسم أمره بشأن زواجه منها.
هناك أيضا، في ذلك العالم الأمريكي القس اللاتيني كوينتانا (يقوم بالدور خافيير بارديم) الذي يتابع من بعيد العلاقة بين نيل ومارينا، وهي العلاقة التي تجعله على ما يبدو، يطرح التساؤلات حول علاقته بما يفعله، علاقته بالله، هل هو فعلا صادق فيما يقوله للناس، وهل هو على قناعة بدوره كقس، أم كان من الأفضل له لو شق طريقا آخر!
الشك الوجودي
هذه التساؤلات، التشككات، اللوعة التي يشعر بها من يحب، والعاب الي قد يولده الإحساس بفشل الحب أو بعدم قدرته على الصمود والتفاعل والاستمرار، هي ما ينشج منها تيرنس ماليك صورا ولقطات وتشكيلات بصرية، تمتزج بالموسيقى، وبالطبيعة في عمل سينمائي يثير في النفس الكثير من التساؤولت الوجودية المقلقة أيضا، وهنا تكمن عظمة الفيلم بل وجنال أفلام ماليك كلها، فهي أفلام لا تروي حكايات سطحية للتسلية، بل تتوقف أمام شذرات من الحياة، حياة أبطاله المتشككين المعذبين، الباحثين عن التحقق، عن الامتزاج بالطبيعة، عن القرب من الله، من أجل أن تجعلنا نحن أيضا نراجع أنفسنا، ونبحث في مسار حياتنا، وإلى أين نحن سائرين.
هنا اهتمام كبير باللقطات القريبة والقريبة جدا close ups and big close upsوالحركة الدائرية للكاميرا، وقطاع المونتاج الفجائية، والانتقال بين الواقع والخيال، بين الماضي والحاضر.
هناك الكثير من المشاهد التي تدور في الخيال مثل مشهد الزواج، ولكن أساس المشاهد المفصلية في الفيلم هو الكبيعة: دائما نحن في الحقول، في الجبال، وسط الثلوج، أمام قرص الشمس.. لحظة الغروب، حقول القمح الممتدة.. وهكذا.
الحوار في الفيلم محدود بل وقليل جدا، ومعظمه لا يأتي على شكل "ديالوج" بل "مونولوج" أو تعليق خارجي من خارج الصورة على لسان البطل، وكأننا أمام كائن معذب يتساءل لنفسه دون أن يروي لنا بالضرورة.
الغلاف الموسيقي للفيلم يحتوي الصورة، يجعلها نابضة.. وتغير الألوان وتعاقب درجاتها ما بين الأصفر والأحمر والأزرق، تجعلنا أمام سيمفونية بصرية.. أو قصيدة من الشعر المرئي.. تخفي أكثر مما تظهر، تعبر بعبقرية عن الإنسان في لحظات الحب والرغبة والتشكك والألم والرفض والغضب والإحساس بالواجب وبالوفاء.
قبيل النهاية
هل حقا سينضم نيل الى مارينا مرة أخرى كما يوحي لنا الفيلم قبيل نهايته؟ لقد ادت مارينا الى باريس، وانفصلت عنها كما تقول في إحدى رسائلها لنيل، وذهبت للعيش مع والدها، رافضة منطق أمها في العيش، وأصبحت مارينا وحيدة..
ما يجعلنا نقول إن الفيلم عن المشاعر واللحظات المنتزعة من النفس البشرية وليس عن صراعات خارجية، هو أنه لا يشرح ولا يحلل بل يعرض في انطباعية واضحة، ومن خلال خليط من الصور والتداعيات وأنصاف الالتفاتات وزوايا الوجوه، وكاميرا تيرنس ماليك لاشك أنها تولي اهتماما أكبر هنا للمرأة، لسواء لمارينا أو جين (راشيل ماك آدمز).. حبيبته الأخرى. إنه مهموم أكثر بتأمل المرأة في الحب، في أكثر اللحظات حميمية، ولعله في هذا يريد أن يكشف لنا مشاعر الرجل، ولكن كما تنعكس على المرأة. ولعله أيضا أكثر المخرجين اهتماما بالمرأة، بل وقدرة على تأمل وجهها وجسدها دون افراط ودون وقوع في شباك الإثارة.
إنه يستخدم العري والجسد للتعبير البصري بشكل رائع عن الحب، أما الايروتيكية التي تنتج عن تحركات مارينا (والممثلة في الفيلم لا تكف في أي لحظة عن الحركة الأنثوية بدلال ورقة واغراء) فهي جزء أصيل من انجذاب الرجل للمرأة. لكن ماليك يجرؤ على تصويره بأسلوبه الي يتميز بالجمال والدفء الإنساني ودون أن يجعل لقكاته تخرج عن نطاق الفن إلى التجارة. وتلك قيمة كبرى دون شك تضاف الى القيم الأخرى الكثيرة التي تحفل بها أفلام ماليك.

الأربعاء، 29 أغسطس 2012

اليوم افتتاح الدورة الـ69 من مهرجان فينيسيا السينمائي




لقطة من فيلم الافتتاح "الأصولي المتردد"




مشاركة عربية وإسرائيلية كبيرة



أمير العمري- فينيسيا



تفتتح مساء اليوم (الأربعاء 29 أغسطس) على شاطيء الليدو الدورة التاسعة والستون من مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي الدولي التي تحتفل هذا العام بمرور ثمانين عاما على تأسيس المهرجان.

وتتواصل عروض وفعاليات الدورة حتى الثامن من سبتمبر حينما تعلن نتائج المسابقات، وأهمها جائزة الأسد الذهبي لأحسن فيلم والتي تنص لائحة المهرجان على عدم الجمع بينها وبين جوائز التمثيل والإخراج عن نفس الفيلم.

وكان المهرجان قد توقف 11 سنة غير متصلة، تارة بسبب الحرب العالمية الثانية، وتارة أخرى بسبب الاضرابات والاضطرابات العمالية والسياسية التي شهدتها ايطاليا في السبعينيات.

يتوقع أن تتميز الدورة الجديدة بسبب تدقيق المدير الجديد العائد إلى المهرجان ألبرتو بابيرا، في اختيار الأفلام، وتقسيم البرنامج بل وفي تأسيس سوق صغيرة لتبادل وشراء الأفلام للمرة الأولى.

فيلم الافتتاح هو فيلم "الأصولي المتردد" The Reluctant Fundamentalist  للمخرجة الهندية الأصل ميرا ناير (التي اشتهرت بفيلم سلام بومباي).

وكان باربيرا قد تولى إدارة المهرجان في الفترة من 1999 الى 2002 قبل أن يتولى ادارته ماركو موللر الذي استمر في منصبه لثماني سنوات وترك فينيسيا لكي يصبح مديرا لمهرجان روما السينمائي في محاولة لانقاذ مهرجان العاصمة الذي فشل منذ تأسيسه في منافسة أعرق مهرجانات الأرض السينمائي، فينيسيا- البندقية.

مسابقة المهرجان تشهد عرض 18 فيلما روائيا طويلا من بينها فيلم إسرائيلي ينافس على الجوائز هو فيلم "املأ الفراغ" اخراج راما بيرشتاين.

وبالاضافة الى فيلم المسابقة من إسرائيل هناك فيلمان للمخرج الاسرائيلي آموس جيتاي هما :كارمل" الذي سيعرض في قسم "آفاق"، وفيلم "أغنية قبل النوم لوالدي" الذي يعرض خارج المسابقة.

وهناك أيضا من إسرائيل فيلم "الرجل الذي يقطع الماء" The Cutoff Man  وهو من اخراج إيدان هوبيل وسيعرض أيضا في قسم "آفاق".

اما في تظاهرة "أيام فينيسيا"- وهي تظاهرة موازية للمهرجان، فسيعرض بها الفيلم الإسرائيلي "مقدمة: خيوتا وبيرل" للمخرج عمير مانور.

وهناك فيلم إسرائيلي- فرنسي- فلسطيني ايضا هو فيلم "ماء" الذي سيعرض في افتتاح قسم "أسبوع النقاد" الذي ينظمه اتحاد نقاد السينما في ايطاليا. وهو من إخراج ثلاثة سينمائيين هم الاسرائيليان نير سار ومايا سرفاتي والفلسطيني محمد فؤاد. والفيلم من إنتاج جامعة تل أبيب ضمن مشروع لتشجيع الطلاب على الاهتمام بالتعبير من خلال السينما.

بهذا يبلغ عدد الأفلام الإسرائيلية في المهرجان بكل اقسامه ستة افلام.

اما الأفلام القادمة من العالم العربي أو من إخراج مخرجين عرب، فيبلغ عددها أيضا ستة أفلام.

أول هذه الأفلام الفيلم المصري "الشتا اللي فات" للمخرج ابراهيم البطوط (صاحب عين شمس والحاوي) من بطولة وانتاج الممثل عمرو واكد. وهو أحد الأفلام المستقلة التي تدور حول موضوع الثورة المصرية وتناقضاتها.

وهناك الفيلم التونسي التسجيلي الطويل لهند بوجمعة بعنوان "كانت أفضل غدا"، وهو أيضا من الأفلام التي تصور أحداث الثورة التونسية من وجهة نظر فتاة، وسيعرض في قسم "العروض الخاصة" خارج المسابقة.

ومن اخراج الممثلة الفلسطينية هيام عباس، ومن الإنتاج الفرنسي الإسرائيلي الفلسطيني، يأتي فيلم "الميراث"Inheritance  الذي تدور أحداثه في قرية فلسطينية في شمال إسرائيل، حيث يتصارع مجموعة من الأبناء حول الميراث بينما يرقد والدهم على فراش الموت، في حين تدور قصة حب في الخلفية، بين فتاة من العائلة وشاب مسيحي. وسيعرض الفيلم في تظاهرة "أيام فينيسيا".

ومن الجزائر يأتي فيلم "يامة" للمخرجة جميلة صحراوي التي سبق أن قدمت فيلمها المدهش "بركات" (2006). ويتناول الفيلم الذي سيعرض ضمن قسم "آفاق" ويروي الفيلمقصة صمود أم بعد أن مقتل ابنها على يدي شقيقه الذي يتزعم جماعة إسلامية متطرفة في إحدى قرى الجزائر. وشأن معظم ما يمثل الجزائر من أفلام فالفيلم من الإنتاج المشترك مع فرنسا.

أخيرا هناك أول فيلم روائي طويل لمخرجة سعودية هي هيفاء المنصور التي ستقدم فيلمها الجديد (من الإنتاج الألماني) "وجدة" في قسم "آفاق" أيضا.

السبت، 25 أغسطس 2012

خليل الدمون: ليس من حق مديرالمركز السينمائي المغربي إقصاء النقاد!

خليل الدمون



جمعية نقاد السينما ومهرجان خريبكة وادارة المركز السينمائي


حوار مع خليل الدمون




تضمن العدد 13 من جريدة "خريبكة الآن"، أغسطس 2012، ملفا هاما حول الدورة 15 لمهرجان السينما الافريقية ، مكونا من عدة مواد من بينها حوار مع رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما الأستاذ خليل الدمون أجراه الصحافيان نجيب مصباح وعادل حسني.

ونظرا لأهمية ما جاء في هذا الحوار من ملاحظات وانتقادات تهم مهرجان السينما الافريقية بخريبكة تحت ادارة المدير العام الحالي للمركز السينمائي المغربي، الذي هو في الآن نفسه رئيس مؤسسة المهرجان المذكور، نعيد نشره تعميما للفائدة. فيما يلي نص الحوار:


 سؤال 1 : نود منك في البداية أن تحدثنا عن الوضعية الحالية للجمعية المغربية لنقاد السينما؟
جواب: وضعية الجمعية المغربية لنقاد السينما بألف خير. داخليا وبعد الجمع العام الأخير استطاعت الجمعية أن تستقطب أسماء جديدة وهي لشباب يحبون السينما ويحبونها بعمق كبير، وقد أصبحنا نكتشفهم ونكتشف عطاءاتهم وإنتاجاتهم وعمق تحليلاتهم مثل محمد البوعيادي وعادل السمار وفاطمة إيغوضان وعبد الخالق صباح وعبد النبي داشين ، إضافة إلى نقاد آخرين أكدوا حضورهم بشكل كبير في العشر سنوات الأخيرة كمحمد اشويكة وبوشتى فرقزايد ونور الدين محقق ومبارك حسني ، دون أن ننسى ركائز النقد السينمائي في المغرب المتمثلة في محمد كلاوي وحمادي كيروم ومولاي ادريس الجعيدي ومحمد صوف وعمر بلخمار وعبد الجليل لبويري والراحلين نور الدين كشطي ومحمد سكري . وتتبلور قيمة عطاءاتهم في مؤلفاتهم ومداخلاتهم في الندوات واللقاءات والمهرجانات ، وفي كتاباتهم على صفحات الجرائد والمجلات الوطنية والدولية. ولا يمكن أن تخلو أية تظاهرة سينمائية في المغرب من حضورهم لأنهم أصبحوا يؤثثون المشهد النقدي المغربي ولا يمكن تجاوزهم بأي حال من الأحوال.

أيضا استطاعت الجمعية أن تنظم تظاهرات هامة في السنتين الأخيرتين على المستوى الوطني وبتعاون مع هيئات ومؤسسات جامعية وجمعيات المجتمع المدني بحيث مكنتنا من ملامسة أهم القضايا المرتبطة بالنقد السينمائي وبالثقافة السينمائية وبالسينما في المغرب بوجه عام. كما تمكنا من فرض رأي الناقد في المهرجانات وفي كل المحافل السينمائية وأصبح الرأي العام قادرا بشكل كبير على التمييز بين الناقد الحقيقي  الذي يشتغل باستمرار على ملفات سينمائية معينة والناقد الذي يدعي أنه ناقد لكنه لا يشتغل إلا في مناسبات معينة أو عند الطلب.

أؤكد لك بأن النقد السينمائي في تطور واضح وملموس بالرغم من التمييع الذي يلحق به من طرف الإدارة الوصية على قطاع السينما في المغرب ، التي ما فتئت تدعي أن النقد السينمائي في المغرب ضعيف وهزيل ، وبالرغم من أن على رأس هذه الإدارة ناقد سينمائي اشتغل مع النقاد الحاليين منذ مدة ، لما كنا في الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، وللأسف الشديد تعمل هذه الإدارة كل ما في وسعها لقتل النقد السينمائي في المغرب عن طريق إقصاء النقاد من لجن التشاور والتحكيم وتنظيم المهرجانات، وإغراء بعضهم بتعويضات وأسفار، وتفضيل التعامل معهم كأفراد لا كجماعة منتمية لجمعية ، من أجل تشتيتهم ، وخلق هيئات صورية لمحاربة الجمعية الأم، إلى غير ذلك من محاولات التضييق والتدجين، وهي بذلك تتمنى أن تعرف الجمعية المغربية لنقاد السينما حياة على شكل موت سريري تماما كما هو الحال بالنسبة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية التي يتم التفرج عليها وهي تحتضر بدلا من القيام بإنقاذها. والغريب في الأمر أن مدير المركز السينمائي المغربي كان من المؤسسين لهذه الجامعة واستطاع أن يصل إلى ما وصل إليه بفضل هذه الجامعة وبفضل أطر هذه الجامعة  .

 سؤال 2 : يعرف الجميع أن لك علاقة وطيدة بمهرجان خريبكة السينمائي ، ماهي أبرز مميزات هاته العلاقة بالأمس واليوم؟
        جواب: شخصيا أعتبر نفسي من أبناء المهرجان، وأقول بكل تواضع، كنت من المجموعة التي ساهمت في بناء هذا الصرح منذ لحظاته الأولى سواء كممثل لنادي طنجة السينمائي أو كعضو في المكتب الجامعي الذي كان يسهر على أن يبقى للأندية السينمائية حضور متميز في المهرجان سواء من خلال البرمجة أو من خلال تسيير النقاش أو الجلسات الليلية. وكنا نناقش في اجتماعات المكتب الجامعي التفاصيل الدقيقة لكل دورة من دورات المهرجان.
        كما كان لي الشرف أن أكون عضو لجنة المصالحة بين المجلس البلدي لخريبكة والمكتب الجامعي في التسعينات لما كانت العلاقة تصل أحيانا  إلى الباب المسدود حيث كانت تنادي أطراف معينة إلى ضرورة مقاطعة المهرجان أو نقله إلى مدينة أخرى.  
ولن أنسى التغطيات والبرامج الليليلة التي كنت أنجزها لإذاعة طنجة من داخل المهرجان في كل دورة والتي كانت حقيقة علامات بارزة في العمل الإعلامي آنذاك.
        لما أسسنا جمعية النقاد حاولنا دائما احترام مسار المهرجان وكانت مشاركاتنا إيجابية بالرغم من أن إدارة المهرجان كانت ولا زالت تفضل التعامل معنا كأفراد: قدمنا الإصدارات الجديدة وشاركنا في مناقشة الأفلام وقدمنا في إحدى الدورات جائزة النقد كما كانت الأندية السينمائية تقدم جائزة السينيفيليا. إضافة إلى أننا أصدرنا عددا خاصا بمهرجان خريبكة  من مجلة "سينما"  التي كنا نصدرها.

سؤال 3 :سجلت الفعاليات المهتمة بالفن السابع عدم حضورك لمهرجان خريبكة ، ما السبب وراء ذلك؟ كما أصدرتم بيانا احتجاجيا على هامش الدورة 15 لمهرجان السينما الافريقية بخريبكة، ماهي الخلفيات المتحكمة ذلك؟
جواب:  بكل بساطة ، لم أحضر لأنني لم أتوصل بدعوة للحضور والمشاركة، أو لنكن صريحين ، اتخذ رئيس المؤسسة ومدير المهرجان قرارا بإقصائي من الحضور كباقي الإخوة الذين ينتمون للجمعية إضافة إلى كل من تشم منه رائحة معارضة للطريقة التي يدبر بها الشأن السينمائي في بلادنا. والحقيقة أن إدارة المؤسسة تضع في كل دورة لائحة تعرف عندنا وعند الكثيرين باللائحة السوداء. وهذه اللائحة تضم أسماء النقاد والمخرجين والصحفيين الذين لا يمكن لهم أن يتفقوا دائما مع قرارات رئيس مؤسسة مهرجان خريبكة الذي هو في نفس الوقت مدير المركز السينمائي المغربي. فمثلا على لا يمكن أن نتصور حضور محمد العسلي أو سعد الشرايبي أو أحمد المعنوني في مهرجان خريبكة أو يتم استدعاء أحمد سيجلماسي أو يوضع اسم ناقد من جمعيتنا في لجنة من لجن التحكيم، وعلى ذكر لجن التحكيم، في إحدى الدورات السابقة كان الإخوة الذين يعملون في المؤسسة قد اقترحوا بحسن نية اسم ناقد من جمعيتنا ليكون عضوا في لجنة التحكيم، وفعلا تم الاتصال به فقبل، وظل عضوا في لجنة التحكيم لمدة 15 يوما تقريبا إلى أن جاء القرار العلوي للتشطيب عليه نهائيا فعاد الإخوان للاتصال به من جديد للاعتذار له.

نور الدين الصايل

واللائحة السوداء هته تضم كل من تسول له نفسه مناقشة أو معارضة قرار أو فكرة لرئيس المؤسسة سواء كانت هذه المعارضة لها ارتباط بمهرجان خريبكة أم لا. ولذلك كنا نضحك كثيرا مع المرحوم محمد سكري ، الذي كان اسمه يندرج كثيرا في هذه اللائحة ، لأنه كان يحب المهرجان ويحب السينما الإفريقية وكان يمنع أحيانا من الحضور. وبكامل الوقاحة يأتي اليوم رئيس المؤسسة لينظم له تكريما ويقول فيه كلاما منمقا وهو الذي لم يزره قط وهو على فراش الموت بالمصحة ولم يتبع نعشه عند الجنازة. شأنه في ذلك شأن المرحوم نور الدين كشطي الذي كان صديق المهرجان لكن الصايل  تنكر له عندما طلبنا منه أن يساهم كباقي الأفراد والمؤسسات في مساعدة أسرته وأبنائه الذين هم في حاجة إلى مساعدة حقيقية ، لكن لا حياة لمن تنادي...
والحقيقة أننا نتحمل جميعا مسؤولية كبيرة عندما كنا نسكت على كثير من الأشياء التي كانت تحدث في المهرجان، وهي كثيرة وسيأتي وقت الإفصاح عنها لاحقا، على اعتبار أن المهرجان مهرجاننا تربينا وترعرعنا فيه وبالتالي يمكن غض الطرف أحيانا، إلا أن غض الطرف أدى بنا إلى الوضعية الراهنة لأننا كلما غضضنا طرفنا كلما تمادى رئيس المؤسسة في جبروته بحيث أصبح يتصور نفسه الحاكم المطلق في المهرجان ولا أحد يمكن أن يتجرأ على مفاتحته في أمر من الأمور.

سؤال 4 : هل يمكن القول اليوم أن الإدارة المنظمة للمهرجان برئاسة نور الدين الصايل أصبحت تتخوف من النقاد ونقاشاتهم؟ وهل يمكن أن نعتبر ذلك تخوفا استباقيا لخلافة نور الدين الصايل في مهمة مدير المركز السينمائي؟
جواب : هوية الناقد الحقيقي تكمن أساسا في المكاشفة والمصارحة وتتبع مسار الملفات السينمائية لأن ذلك يساعده أكثر على فهم ما يجري وتمثل مكامن القوة والضعف في مسار المهرجانات السينمائية بالمغرب، كيف نشأت ؟ وكيف تطورت؟ وكيف أصبحت تعرف فتورا ملحوظا في الخمس سنوات الأخيرة حتى أن بعض المهرجانات لا يهتم فيها منظموها إلا بحفلي الافتتاح والختام؟، أما ما عدا ذلك فلا يهم. بالنسبة لمهرجان خريبكة كانت الأمور سجالا بين جهتين أساسيتين في التنظيم: الجامعة الوطنية للأندية السينمائية والمجلس البلدي دون أن ننسى دعم المكتب الشريف للفوسفات.
 لكن باحتضار الجامعة وتخلي المجلس البلدي عن دوره الأساسي في الاقتراح والتتبع والمراقبة ترك المجال مفتوحا أمام الرأي الواحد الأحد في اختيار الأفلام وضبط لائحة الضيوف المغاربة والأجانب، واختيار لجن التحكيم ووضع البرنامج الكامل لكل دورة حسب مزاج واحد، الأمر الذي جعل المهرجان في السنوات الأخيرة يدخل حالة روتينية قاتلة لا ابتكار فيها ولا إبداع... لحد أننا أصبحنا نعرف مسبقا، بعد الاطلاع على لائحة الأفلام المشاركة في المسابقة، من سيفوز بالجائزة؟ وكيف؟... ولا أدل على ذلك من المهزلة التي حصلت في إحدى الدورات الأخيرة حيث حصل فيلم عادي جدا على الجائزة الكبرى للمهرجان أمام تحفة سينمائية من إثيوبيا.

أما ندوات المهرجان فلا قيمة علمية لها بحيث تعالج مواضيع فضفاضة كالسينما والتنمية والإنتاج المشترك في إفريقيا، ندوات يسيرها طيلة هذه السنين كلها رئيس المؤسسة وحده كما يسير كل اللقاءات وغالبا ما تدور حول شخصه كما كان الحال في السنة الماضية حيث نظم لقاء مع الشباب ولقاء مع النساء.

أما علاقاته بالنقاد وخاصة مع الجمعية المغربية لنقاد السينما فهي جد متوترة لأننا لا نترك هذه الأمور تمر مرور الكرام. من حق السيد مدير المركز السينمائي المغربي ألا تعجبه طناطن النقاد ولكن ليس من حقه أن يقصيهم من المشاركة. عليه أن يتعامل مع الجميع بالمثل: فإذا كان سبب عدم دعوتنا للحضور في المهرجان يعود إلى قلة أماكن الإقامة كما صرح بذلك السيد المندوب العام لوسائل الإعلام فإنني أؤكد أن مشكل الإقامة لم يكن مطروحا بالنسبة لكثير من المدعوين الآخرين حتى لا أقول كلاما آخر.

أما من سيخلف المدير الحالي في المركز فإن ذلك لا يعنينا إطلاقا كجمعية سوى أننا نأمل أن تتغير  السياسة العامة التي يدبر بها الشأن السينمائي في بلادنا سواء تحت إدارة المدير الحالي أو الذي سيخلفه.  فالمغرب عرف تحولات لا بأس بها على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي كما تغيرت رؤى الناس وعقلياتهم، فليس من حق أي أحد أن يستمر في استبلاد  الناس ولم يعد أحد يتحمل الخطاب الوحيد وخاصة في المجالين الثقافي والفني.

سؤال 5 : ما هو موقف الشركاء الآخرين وباقي المهتمين من هذا الإقصاء؟
جواب : للأسف الشديد هناك صمت مطبق على ما يجري. حقا هناك كلام في المقاهي وفي الكواليس ولكن لا أحد يتجرأ بالتعبير صراحة وأمام الملأ عن موقفه، ربما خوفا من فقدان دعوة للحضور أو عدم الاستفادة من امتيازات... أو أشياء أخرى.

سؤال 6: ماهي أهم نقط الضعف والقوة في مهرجان خريبكة السينمائي؟ وماهي اقتراحاتكم المستقبلية؟
جواب : نقط القوة في مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية أنه يحتضن سينما قارة لها تاريخها، لها تراثها ولها تفردها. وهي سينما في حاجة إلى دعم وإلى مشاهدة لأنها تكتب بأسلوب مغاير عما تكتب به سينمات في قارات أخرى.
قوة مهرجان خريبكة أنه يجمع ولا يفرق. يلتف حوله الإقليم برسمييه ومثقفيه وشبابه. الكل يريد أن ينخرط ويقدم يد الله كما يقال. وبالتالي تشعر بحميمية كبرى قلما تشعر بها في مهرجانات أخرى. قوة مهرجان خريبكة أنه تمكن من الحفاظ على هذه الحميمية إذا استثنينا الثلاث سنوات الأخيرة. إنك في خريبكة يسري معك دفء إنسان المنطقة وحرارته وأصالته البدوية عندما يناقش الأفلام الإفريقية وعندما يحتفي بالضيوف الأفارقة خصوصا إذا كانوا من عيار عصمان صامبين وسليمان سيسي والطاهر شريعة ونوري بوزيد ومحمد اشويخ وصافي فاي... هذه القوة يستمدها المهرجان من صدق السينما الإفريقية رغم الظروف الصعبة التي تمر منها .

نقط ضعف المهرجان أنه لم يتطور كثيرا. لم يعد ذلك المهرجان الذي كان يستقبل أعدادا كبيرة من الأفارقة. وفي الغالب تتم دعوة الأفارقة الذين يعيشون في فرنسا وبالتالي سيطرت عليه النزعة الفرنكوفونية ونسي المنظمون أن إفريقيا تنتج أفلاما ناطقة بالفرنسية وأفلاما ناطقة بالعربية وأفلاما ناطقة بالإنجليزية كما أن هناك أفلاما ناطقة باللهجات المحلية. وهذا التنوع لم نعد نشعر به في البرمجة الحالية.

نقطة ضعف أخرى تتمثل في كون المهرجان ظل حبيس البرمجة التقليدية الصرفة المرتبطة بالأفلام الروائية الطويلة في حين يمكن برمجة الفيلم الإفريقي القصير، وبرمجة الفيلم الوثائقي في إفريقيا ، وأفلام الشباب بحيث يكون لكل قسم جوائزه إلى غير ذلك من الإنتاجات الإفريقية مع طرح الصعوبات التي تعترضها للنقاش مع المعنيين بالأمر.

أيضا لا بد من الحفاظ على طابعه الثقافي المتميز بتقديم الإصدارات الوطنية والإفريقية وتقديم الأفلام قبل عرضها بطريقة لائقة من طرف أشخاص يفقهون في السينما أو على الأقل ينطقون جيدا أسماء المخرجين والممثلين مع نبذة عن إنتاجاتهم... وإرجاع جوائز كانت تقدم في الماضي لكنها حذفت ، يتعلق الأمر بجائزة السينيفيليا وهي خاصة بالنوادي السينمائية وجائزة النقد تقدمها الجمعية المغربية لنقاد السينما. كما يجدر بالمهرجان أن ينظم حفلا ساهرا في كل دورة يضم فقرات من الموسيقى والأغاني الإفريقية. وبالتالي يستعيد المهرجان حيويته ودفأه الذي فقده في السنوات الأخيرة.

كل هذا يتطلب إعادة النظر في الجانب التنظيمي بحيث يتكلف كل مسؤول بمهمته ويحاسب عنها لا أن تشعر وأنت في المهرجان بأن هناك مسؤولين وهناك مسخرون لا يفيدونك في شيء تسألهم عن معلومة بسيطة فلا يستطيعون تقديم أية إجابة على الإطلاق.

عن العدد 13 من جريدة " خريبكة الآن " ـ أغسطس 2012


جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger