الخميس، 7 أكتوبر 2010

إقالة ابراهيم عيسى وأزمة "الدستور"


أكاد أجزم أن السيد البدوي أحد كبار ملاك جريدة "الدستور" المصرية المستقلة، الذي أصبح في واجهة الأحداث بعد قرار إقالة رئيس تحرير الجريدة المستقلة ليس هو "سيد قراره"، بل واجهة لمجموعة من الممولين الذين لم يكشف هو عن أسمائهم حتى الآن رغم تعهده بأن يفعل ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس الأول ولكن دون أن يفعل!
وحتى الآن لا نعرف من هم هؤلاء الممولين للصحيفة سوى إسم المدعو رضا إدوارد الذي يبدو أنه المعبر الحقيقي عمن يقفون وراء تمويل الجريدة وشرائها في صفقة يقال إنها بلغت 16 مليون جنيه مصري.
قولي هذا يستند أولا إلى أن السيد البدوي بدا في كل المقابلات التليفزيونية التي ظهر فيها حتى الآن، وقد تابعتها كلها، رجلا مسالما ضعيفا مغلوبا على أمره، لدرجة أنه بدأ يثير التعاطف بعد أن كان الاستياء العام قد بلغ مبلغه منه وبعد أن أصبح هو المسؤول أو الذي أريد له من قبل الشركاء القابعين في الخلف، عن إقالة ابراهيم عيسى، رئيس تحرير الصحيفة المعروف بمواقفه المعارضة وانتقاداته اللاذعة للرئيس مبارك وولده جمال.
السيد البدوي يبدو أنه اضطر اضطرارا إلى القيام بدور فرض عليه، هو إقالة ابراهيم عيسى دون حتى أن يواجهه، بل كان من واجهه هو المدعو رضا إدوارد أحد الشركاء في ملكية الجريدة التي أصبحت قضيتها قضية رأي عام في مصر، بعد أن اعتبرت الاطاحة برئيس تحريرها تمهيدا لتدجينها وتحويلها إلى صحيفة موالية أو خافتة الصوت أو معارضة على طريقة جريدة "الوفد" التي لم يعد لها لون ولا طعم، وذلك في إطار تلك الهجمة الضارية التي تشهدها وسائل الإعلام المستقل في مصر أخيرا فيما يبدو أنه تمهيد للقضاء على أي رأي آخر يغرد خارج السرب، قبيل عملية الانتخابات البرلمانية، وتخوفا من لفت الأنظار إلى ما سيجري فيها بكل تأكيد، من تزوير غير مسبوق في مستواه.
وأكاد أيضا أجزم بأن الشخصيات الأخرى للملاك الجدد للصحيفة هم من رجال الأعمال المحسوبين تحديدا على الحزب الوطني الديمقراطي، أي حزب السلطة، ومن المقربين تحديدا إلى جمال مبارك، وأنهم تلقوا بشكل غير مباشر، بعض "التنبيهات" التي تشير إلى ضرورة "لجم" ابراهيم عيسى وإخصاء جريدته. وإن لم يكن الأمر كذلك فما معنى أن ينفي السيد البدوي أن يكون مقال الدكتور البرادعي عن حرب أكتوبر هو سبب الإقالة، ثم ينفي أيضا أن تكون المسائل المالية أو الخلافات المالية مع ابراهيم عيسى هي السبب، ودون أن يقول لنا أبدا السبب الحقيقي اكتفاء بالقول إنه "ليس هو" الذي اعترض على المقال، وليس هو الذي أبلغ ابراهيم بالإقالة، وانه يحب ابراهيم ويحمل له الاحترام والتقدير، ولعل استقالة السيد البدوي من رئاسة مجلس ادارة الجريدة تقول لنا بوضوح إنه يريد أن يخلي مسؤوليته عن التداعيات التي جاءت عقب تلك الإقالة التعسفية المشبوهة بلاشك. ولعله بذلك يريد أن يضع المسؤولية على أكتاف شركائه الغامضين، كما تكشف الاستقالة عن خلافات مؤكدة داخل جبهة الملاك الجدد للجريدة بشأن طريقة التعامل مع ابراهيم عيسى.
وأنا على ثقة من أن الأيام القادمة ستكشف لنا الكثير من الأسرار وتحل الكثير من الألغاز الكامنة وراء هذه الأزمة التي تشهد على وجود أزمة أعمق داخل ذلك النظام القائم على التحالف المقيت بين المال والسياسة.

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

أيام قرطاج السينمائية: خبر وتعليق

تقام الدورة الـ23 من أيام قرطاج السينمائية (مهرجان قرطاج السينمائي) في الفترة من 23 حتى 30 أكتوبر الجاري. وقد أعلنت إدارة المهرجان برئاسة درة بوشوشة عن أسماء معظم الأفلام المشاركة باستثناء الأفلام التونسية التي ستشارك في المسابقة.
الأفلام العربية التي أعلن عنها هي "ميكروفون" لأحمد عبد الله من مصر، و"يوم آخر" لجود سعيد من سورية، و"كل يوم عيد" لديما الحر من لبنان، و"رحلة إلى الجزائر" لعبد الكريم بهلول من الجزائر، و"مدن الترانزيت" لمحمد هسكي من الأردن. ولاشيء حتى الآن من المغرب أكبر بلد عربي بعد مصر من ناحية كم الإنتاج السينمائي.

يتوقع عرض فيلمان على الأقل من تونس بالمسابقة الرسمية التي تضم أيضا افلاما افريقية، والفيلمان التونسيان اللذان نتوقع عرضهما هما "النخيل الجريح" لعبد اللطيف بن عمار، و"وقائع احتضار" لعائدة بن علية.
ويحتفي المهرجان بالمخرج الجزائي رشيد بوشارب بعرض كل أفلامه، كما يعرض فيلم "فينوس السوداء" للمخرج التونسي الذي يعمل في نطاق السينما الفرنسية، عبد اللطيف كشيش.
وقد تقرر افتتاح المهرجان بالفيلم الافريقي (من تشاد بتمويل فرنسي) "الرجل الذي يصرخ" للمخرج محمد صالح هارون، وقد سبق عرضه في مسابقة مهرجان كان هذا العام.

ويرأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الموسيقار التونسي أنور براهم، أما أعضاء اللجنة فهم المخرج الاثيوبي الكبير هايلا جيريما (الحاصل على التانيت الذهبي في الدورة الماضية عن فيلمه "تيزا")، والمخرج عبد الرحمن سيساكو من موريتانيا، والكاتب عتيق رحيمي من أفغانستان والممثلة ناتالي باي من فرنسا، والممثلة المصرية الهام شاهين.

مشكلة مهرجان قرطاج السينمائي مثل مشاكل المهرجانات التي تقام في العالم العربي، التي تخلو من قاعة مخصصة للعروض الصحفية للنقاد والمهتمين والدارسين، تتمثل في اهتمامه الشديد بإشراك شخصيات سينمائية ثابتة من مصر تحديدا، يتم تبادلها فيما بين المهرجانات (ثم قذفها بالأحجار في الصحافة المحلية بعد أن ينتهي المهرجان)، ولدينا مثال واضح على ما نقول هنا أي الممثلة الهام شاهين التي يختزلون من خلالها- منذ نحو 20 عاما - السينما المصرية والثقافة السينمائية في مصر، مما اعتبره شخصيا إساءة لهذه الثقافة وللحركة السينمائية الممتدة في هذا البلد منذ أكثر من 80 عاما.

إن الهام شاهين تجسد الصورة النمطية السائدة للتمثيل في السينما والتليفزيون في مصر، وليس التمثيل الحديث، ولا السينما الحديثة. وفكرة الاستغناء عن ضم مخرجين مصريين مشهود لهم إلى لجان التحكيم العربية، والاكتفاء دائما بممثلة- نجمة، هي فكرة تقوم على "التسليع" أي على أن المهرجان سلعة لا يصلح الترويج لها إلا من خلال "نجوم" من مصر مثل حسين فهمي والهام شاهين وهما قاسمان مشتركان في معظم المهرجانات السينمائية العربية حتى الجاد منها مثل مهرجان دبي، في حين أنهما ليسا من أفضل الممثلين في مصر ولا يمثلان الفيلم المصري الحديث الذي تحرص المهرجانات على الحصول عليها مثل "رسائل البحر" و"ميكروفون" و"الحاوي" و"عين شمس" و"جنينة الأسماك" (الفيلمان الأخيران مثلا من الدورة الماضية من قرطاج).
هذا التناقض بين الحرص على اختيار أفلام ذات قيمة فنية، وفي الوقت نفسه، إشراك ممثلات متخصصات في الظهور في أفلام تجارية سائدة، يعكس نوعا من الازدواجية في الفكر والهدف. فما المقصود من وجود الهام شاهين في لجان تحكيم معظم مهرجانات السينما التي تقام في العالم العربي: القاهرة والاسكندرية وأبو ظبي وتطوان ودمشق وسلا ووهران (الذي توفي بالسكتة القلبية!)؟
وما المقصود من غياب السينمائيين المصريين الحقيقيين عن لجان التحكيم؟ لست بالطبع أشير إلى مؤامرة من نوع ما، بل يقينا إلى تدخلات تأتي من سلطات خارج سلطة إدارة المهرجان وتفرض مثل هذه الشخصيات على لجان التحكيم. ولدي في هذا المجال الكثير من القصص التي سمعتها من مديري بعض المهرجانات.. وهي قصص ليس من الممكن روايتها هنا بالطبع!

الأحد، 3 أكتوبر 2010

موسم مهرجانات السينما في العالم العربي

بيتر سكارليت مدير مهرجان أبو ظبي

من أبو ظبي إلى مراكش

الثلث الأخير من العام، كالعادة، تزدحم فيه المهرجانات السينمائية التي تقام في العالم العربي، ويقال إنها "تتنافس"، لا أدري على أي شيء التنافس، فالتنافس عادة ما يكون حول هدف معين تبذل الأطراف المتنافسة جهدها من أجل تحقيق هذا الهدف أو الفوز به. غير أنني لا أدري كنه التنافس المقصود في هذه الحالة؟
هل هو تنافس على الجمهور مثلا؟ لا يمكن، لأن جمهور الخليج غير جمهور المغرب، غير جمهور تونس، غير جمهور سورية.
هل هو تنافس على الأفلام، أي للحصول على أحدثها وأهمها؟
ربما.. لكن الأفلام تتقاطع في معظم هذه المهرجانات بدرجة كبيرة، فهناك قواسم مشتركة عديدة بين مهرجانات أبو ظبي (الذي عاد إلى اسمه الحقيقي وودع تسمية "الشرق الأوسط" التي لا معنى لها)، والدوحة- ترايبيكا الذي لايزال متمسكا باسم يثير من الالتباس والابتسام أكثر مما يحمل من معنى، وقرطاج الذي لايزال مصرا على أن يقام كل سنتين بالتوازي مع مهرجان المسرح الدولي (على الأقل هذه هي المهرجانات التي أعلنت عن برامجها أو عن جزء منها حتى الآن).
أيا كان الأمر، فالملاحظ أن هذا الازدحام الكبير لا يترك فرصة حقيقية أمام المتخصص الراغب في متابعة هذه المهرجانات عن كثب بشكل جاد، سواء بسبب تقاطعها وتداخلها معا من ناحية، أو بسبب ازدحامها بدرجة كبيرة باعتبارها تشترك في سمة واحدة هي الرغبة في الاستحواذ على أكبر عدد من الأفلام التي تتجاوز عادة المائة فيلم مثلا، بينما ينفرد مهرجان فقير الموارد، ضعيف الامكانيات هو مهرجان دمشق السينمائي، بنوع من الحماقة التي لا تتناسب مع ما يفرض عادة من رقابة بوليسية مشددة على اختياراته للأفلام، عندما يعلن عن برنامج يحتوي على أكثر من 325 فيلما سرعان ما سيتضح بالطبع، أن معظمها نسخ من الأسطوانات الرقمية المدمجة DVD التي تباع على أرصفة المدينة العتيقة، والعهدة علىالراوي!
مهرجان الاسماعيلية السينمائي للأفلام القصيرة والتسجيلية، (3- 9 اكتوبر) هو أول المهرجانات التي تأتي في موسم الخريف هذا العام لكنه مهرجان متميز بنوعية عروضه التي لا يقابلها مهرجان آخر في المنطقة، يليه مباشرة مهرجان أبو ظبي وهو مهرجان كبير بكل المقاييس، في برامجه وطموحه ومساندته المرموقة لصناع الأفلام من العرب، سواء مخرجي الأفلام التسجيلية أو الروائية، عن طريق الصندوق الخاص الذي خصصه لدعم المشاريع الطموحة للسينمائيين في عموم العالم العربي بل وبعض السينمائيين المقيمين في أوروبا، وهي خطوة لابد من الترحيب بها، فها نحن نرى ما كنا دائما نطالب به وندعو إليه، ونشرح لمن يريد أن يفهم ويدرك، أن دعم السينما، أي الإنتاج نفسه، يجب أن يكون هدفا أساسيا بالنسبة لمهرجانات السينما التي تقام في منطقتنا التي تعد منطقة "ناشئة، جنينية" في مجال الإنتاج أو الحركة السينمائية، ولا تقتصر المهرجانات فقط على الاستهلاك، أي العرض والتصفيق وتوزيع الجوائز.

من "نسخة طبق الأصل" لكياروستامي الذي سيعرض في الدوحة

ولاشك أن من الإيجابي تماما أن يحصل السينمائيون العرب على دعم مالي ولو مبدئي، لمشاريعهم، من أبو ظبي أسوة بما يأتي من دعم من مهرجانات أوروبية مرموقة مثل روتردام الدولي.
ومن واجب الناقد بكل تأكيد، أن يسعى بكل قوته إلى دعم السينما المحلية والاقليمية في المحيط الثقافي الذي ينتمي إليه، أما موضوع تعامل الناقد مع هذه الافلام بالنقد فيما بعد، فامر آخر. فمن حق السينمائي أن يصنع أفلامه، ومن حق الناقد أن يمارس مهمته في نقدها وتقويمها بل ومن واجبه، دون أن يكون في هذا أي تناقض، فإذا كان من واجب الناقد أن يدعم حق أي سينمائي عربي في الحصول على فرصة لإخراج فيلمه، فمن واجبه أيضا نقد هذا الفيلم بعد أن يكتمل بكل موضوعية وصراحة، وليس في هذا أي تناقض، فهناك فارق كبير بين مدير "البروباجندا"، أي أن يتحول صحفي ما، إلى مندوب دعاية للأفلام، وبين أن يكون مخلصا لقرائه، أي لجمهور المشاهدين الذين يوجه كتاباته إليهم، فيتعامل مع الأفلام بالنقد استنادا إلى رؤيته وثقافته الخاصة. وهذه كلها من الأمور المسلم بها المعروفة في العالم، لكن يبدو أننا في حاجة دائما، إلى التأكيد عليها حتى لا يسيء البعض الفهم، سواء عن سوء قصد أو عن حسن نية.
بعد مهرجان أبو ظبي (14- 23 أكتوبر) الذي يمتلك برنامجا حافلا في أقسامه المختلفة للأفلام الروائية والتسجيلية والقصيرة والتجريبية وأفلام من الإمارات (المسابقة القديمة التي تم ضمها إليه هذا العام)، يأتي مهرجان الدوحة- ترايبيكا (26- 30 أكتوبر)، الذي يمكن أن نطلق عليه "ميني مهرجان" فهو يستغرق أربعة أيام فقط يعرض خلالها 30 فيلما.
 يفتتح مهرجان أبو ظبي (الرابع) بالفيلم الأمريكي الجديد "السكرتارية" للمخرج راندال والاس، ويختتم بفيلم "المفتش دي ولغز لهيب الشبح" للمخرج الصيني تسوي هارك.
أما مهرجان الدوحة (الثاني) فيفتتح بالفيلم الفرنسي "الخارجون عن القانون" للمخرج الجزائري رشيد بوشارب.
وبينما تحتوي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أبو ظبي على 15 فيلما، تحتوي مسابقة الدوحة للأفلام العربية (وهي مسابقة جديدة لم يكن لها وجود العام الماضي أي في الدورة الأولى) على 10 أفلام فقط منها 4 تعرض عرضا أول. وهذا تقدم كبير يحققه مهرجان الدوحة في مجال الاهتمام بسينما المنطقة التي يقام فيها، بعد ما وجه إليه من نقد العام الماضي بسبب غلبة العنصر الاجنبي الذي لا يتمتع بخبرة ما، على تشكيلة إدارته بقيادة مقدمة برنامج السينما في قناة الجزيرة الدولية الناطقة بالانجليزية الاسترالية أماندا بالمر.
أما مسابقة مهرجان أبو ظبي فهي دولية تماما، أي مفتوحة على أفلام العالم، وفيها من الأفلام العربية ثلاثة أفلام هي "رسائل البحر" لداود عبد السيد من مصر، و"الترويض" أو (روداج) لنضال الدبس من سورية، و"شتي يادنيا" لبهيج حجيج من لبنان.
وجدير بالذكر أن المهرجانان سيعرضان الفيلم الأمريكي "ميرال" الذي يتناول القضية الفلسطينية وتاريخها وكان قد عرض في مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي الأخير. سيعرضه ابو ظبي في مسابقته وهو أمر غريب لأنه سبق أن شارك في مسابقة مهرجان دولي، وسيعرض الفيلم أيضا في مهرجان لندن الذي يفتتح قبل أبو ظبي بيوم واحد (13- 28 أكتوبر) ولاشك أن الكثير من النقاد الانجليز في لندن سيجدون صعوبة في المواءمة بين المهرجانين لكن الإيجابي أن العروض الصحفية لمهرجان لندن بدأت بالفعل في 28 سبتمبر بمعدل ثلاثة أفلام يوميا.
مسابقة أبوظبي فيها أفلام جيدة جدا منها ما سبق أن شاهدناه في فينيسيا مثل "سيرك كولومبيا" للمخرج البوسني دانيش تانوفيتش، والفيلم الصيني – الفرنسي "الخندق" (او الحفرة" The Ditch والفيلم الروسي البديع "أرواح ساكنة". والفيلم الكندي من تأليف كاتب لبناني، هو فيلم "خدمات إنقاذ"، وهناك افلام جديدة مثل الفيلم الدنماركي "في عالم أفضل". ولكن المهرجان أعلن عن عرض الفيلم الفرنسي "كارلوس" في نسخة تقع في 159 دقيقة بينما المعروف أن زمن عرض الفيلم يتجاوز خمس ساعات ونصف الساعة وكان قد عرض في مهرجان كان الماضي. فهل اختصر المخرج فيلمه إلى نسخة تصلح للعرض في دور السينما التجارية هي التي سيعرضها المهرجان؟ ربما!
المخرج المصري ابراهيم البطوط أحد رواد ما يسمى بتيار السينما المستقلة في مصر (التي تصور عادة بكاميرا الديجيتال) سيعرض فيمه الجديد "الحاوي" في الدوحة، في حين سيذهب فيلم داود عبد السيد للعرض في مسابقة مهرجان قرطاج أيضا الذي سيقام في الفترة من 23 إلى 30 أكتوبر أي أن لدينا أربعة مهرجانات في شهر واحد (لا تنسوا الاسماعيلية الذي أطلق عليه الناقد الكبير مصطفى درويش مداعبا (مهرجان اسماعيلية- رايح جاي)!

من فيلم "ميرال" أكثر الأفلام إثارة للنقاش هذا العام

بعد قرطاج لدينا مهرجان القاهرة (غير القابل للتطور بسبب هيمنة امرأة لا تفهم شيئا في السينما على أموره ومقدراته منذ 30 سنة!) وسيقام في الفترة (30 نوفمبر- 9 ديسمبر)، ثم يأتي مهرجان دبي (12- 19 ديسمبر) الذي يعد أحد أبرز وأهم مهرجانات العالم العربي ولاشك أنه سيدخر مفاجآت كثيرة لجمهوره في جعبته، ثم تختتم السنة بمهرجان مراكش في أقصى المغرب العربي (من 3 إلى11 ديسمبر).
الطريف أن القائمين على أمر مهرجان الدوحة جعلوا شعاره "أنا الفيلم". ونسوا أن يضيفوا: "والفيلم أنا". وياله من تواضع!
سنتوقف قريبا أمام برنامج مهرجان أبو ظبي لاكتشاف مناطق القوة والضعف فيه، وخصوصا أمام ما سيقدمه من مفاجآت منها مثلا عرض فيلم "اليازرلي" السوري لقيس الزبيدي الذي لم يعرض قط منذ أكثر من ثلاثين عاما!
وكل عام وانتم بخير......

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

المؤثرات التسجيلية في فيلم "بيوتيفول"

فيلم "بيوتيفول" Biutiful هو أحدث أفلام المخرج المكسيكي الشهير أليخاندرو إيناريتو جونزاليس صاحب ثلاثية الموت "أموروس بيروس" (ملعون الحب)، "21 جراما"، و"بابل"، والفيلم، على نحو ما، امتداد لتلك الثلاثية. غير أنه الفيلم الأول لمخرجه، الذي لا يكتب له السيناريو الكاتب المكسيكي جيلرمو أرياجا، بل كتبه إيناريتو نفسه بالتعاون مع كاتب أرجنتيني. وهو أيضا فيلمه الأول الذي تدور أحداثه في إسبانيا.
أسلوب الإخراج المميز لأفلام إيناريتو واضح هنا رغم اختلاف طريقة السرد، الذي يقوم على محاور عدة، تلتقي وتتقاطع معا حول شخصية اللابطل، الفرد، المهزوم من البداية، المقضي عليه أيضا بالموت، فهو يعاني من سرطان المثانة ولم يعد أمامه سوى شهرين في الحياة، كما يقول له الأطباء.
"أوكسبال" (الذي يقوم بدوره الممثل الإسباني خافيير بارديم) لا يعاني فقط من المرض العضال الذي يأكل حياته ساعة بعد أخرى، بل من تمزق علاقته بزوجته (عاهرة سابقة، مدمنة خمر، مريضة بمرض ازدواج الرؤية، تعاني من نوبات توتر عصبي حاد).. وقد انفصل عنها منذ فترة، لكنها تتردد على مسكنه الضيق لرؤية طفليها منه، تريد العودة إليه، لكنها لا تستطيع رعاية الطفلين بعد أن قضت المحكمة بإسناد حضانة الطفلين إليه. وهي ايضا تخونه مع شقيقه.
ولكن كيف يعيش "أوكسبال".. هذا الرجل الذي فقد الأب أخيرا، وفقد الزوجة من قبل على نحو ما، والآن هو مهدد بفقدان الحياة نفسها وترك طفليه خلفه؟
إنه نموذج واقعي تماما للرجل الهامشي الضائع، الذي يعيش على هامش مجتمع الحياة في مدينة برشلونة. من هذا المدخل، أي من مدخل العلاقة بين الرجل والمدينة، يكثف إيناريتو (المكسيكي) رؤيته الخاصة لبرشلونة التي تختلف تمام هنا، عن برشلونة "السياحية" الملونة التي رأيناها في فيلم وودي ألين "برشلونة فيكي كريستينا".
إن "برشلونة إيناريتو" يناسبها أكثر الطابع التسجيلي المباشر، الذي يجعل بطله- اللابطل، شاهدا على هذا الواقع، ومنغمسا فيه أيضا: إنها برشلونة المهاجرين غير الشرعيين، والمطاردت بين الشرطة وهؤلاء، وبائعي المخدرات في الزوايا والأركان المظلمة من الشوارع، وكيف امتد الفساد إلى الشرطة، وأصبح هناك من الضباط من يتستر على ممارسات البعض من المهاجرين غير الشرعيين في مجال توزيع المخدرات مقابل الحصول على المال، والظروف الشاقة التي يعيش فيها المهاجرون على هامش الحياة..إلخ
يبدأ الفيلم بداية شاعرية ناعمة في مشهد يبدو كما لو كان يدور بين الحلم واليقظة، نرى فيه بطلنا "أوكسبال"، يقف في غابة في الصباح الباكر، يتأمل الطبيعة، ويرى جثة بومة ماتت لتوها، ويتبدى له شاب افريقي الأصل، يقول له كيف أن البومة قبل أن تموت تنفث شعيرات من أنفها وتلصقها بالأشجار، لتخلق حياة جديدة، ثم يقلد له أصوات الثعالب والريح.. وتتداعى الصور في مخيلة أوكسبال، الذي أصبح مشرفا على الموت، ويتكرر هذا المشهد عند النهاية، بعد ان أصبح أوكسبال متأهبا لاستقبال الموت.
الحي الذي يقيم فيه "أوكسبال" في برشلونة هو حي معروف بكثرة المهاجرين الوافدين الذين يقيمون فيه، من الآسيويين، والصينيين تحديدا، إلى الأفارقة من السنغال ووسط أفريقيا، إلى الرومانيين والبولنديين، وغيرهم.
تتقاطع حياة أوكسبال تقاطعا أصيلا مع حياة الكثير من هؤلاء المهاجرين، فهو مسؤول عن 24 صينيا استقدمهم للعمل أو ضمن دخولهم البلاد، ولكنه يبقيهم تحت رحمة اثنين من أقرانهم يستغلونهم أبشع استغلال ويبقونهم تحت خط الحياة في مخزن بارد تحت الأرض.
وفي الوقت نفسه يستخدم بعض المهاجرين الافارقة في بيع السلع التي يصنعها الصينيون في الشوارع. وهو بالتالي يلهث طيلة الوقت لتدبير الأمور، الحصول على المقابل المالي من الذين يشغلون الصينيين، ورعاية طفليه، واسكات الشرطي الذي يطالب بالمال وإلا أبلغ عن المخالفات العديدة المتراكمة التي يقوم بها، واللهاث وراء علاج قد يطيل بعضة أيام من عمره وهو الذي يتبول دما.
وفي مشهد يمتليء بالحيوية مصور في الشارع، نرى الباعة الأفارقة من المهاجرين غير الشرعيين، يحملون سلالهم الشهيرة، وفجأة تهاجم الشرطة الحي، ويحدث هرج ومرج، وتقع مطاردات وتعتدي الشرطة بوحشية على المهاجرين البؤساء، وتعتقل الكثيرين منهم، ويشهد بطلنا ما يجري وعندما يحاول التدخل يلقى القبض عليه أيضا.
هنا يطغى أسلوب الفيلم التسجيلي على المشهد تماما بكل عناصره: الكاميرا المحمولة على الكتف التي تضفي اهتزازاتها الطابع الواقعي التسجيلي على المشهد كما لو كنا نشاهد لقطات من الجريدة السينمائية أو من التقارير التليفزيونية الاخبارية، وزوايا التصوير المتنوعة التي تساعد في الإحاطة بكافة أركان المشهد، والانتقالات السريعة بين اللقطات، لتغطية المكان بما يحدث فيه في لقطات متنوعة، استخدام المجموعات الحقيقية من المهاجرين وتصوير كيف يتعرضون للمطاردة والمداهمة بالتفصيل وبكل ما يحمله المشهد من عنف بالغ.
وفي مشهد آخر نرى العمال الصينيين وهم يرقدون مكدسين في المخرن البارد، بينهم نساء وأطفال يبكون، وصاحب العمل يوقظهم في غلظة لكي يبدأوا العمل. وإلى مسكن جماعي يقيم فيه عدد كبير من المهاجرين الأفارقة، يتوجه بطلنا لكي يقدم مساعدة مالية لزوجة أحد المقبوض عليهم وكان من ضمن الذين يعملون لحسابه في توزيع المنتجات، ونرى كيف يتكدس المكان بالبشر في ظروف متدنية للغاية، آيات قرآنية معلقة على الحائط، امرأة افريقية تغسل الملابس، دورات مياه قذرة، أطفال يبكون. وعندما ينتهي هذا المشهد، ينتقل المخرج إلى منظر للكاتدرائية الشهيرة المميزة لمدينة برشلونة، أي كاتدرائية "العائلة المقدسة" التي تعد العلامة السياحية الشهيرة للمدينة، تجسيدا للتناقض الفاضح بين العالمين.
وفي مشهد آخر نرى مخيما كبيرا لإيواء المهاجرين الأفارقة، حيث يذهب أوكسبال للبحث عن الرجل السنغالي المسلم الذي ألقي القبض عليه، وهناك يعلم أنهم يقومون بترحيل المهاجرين دون النظر إلى وضعهم العائلي وظروفهم الشخصية، فزوجة هذا الرجل حصلت على اقامة شرعية، وهي ترعة ابنه، وهي التي سيوكل لها أوكسبال في النهاية رعاية طفليه قبيل رحيله عن الحياة، لكن صديق أوكسبال الشرطي يقول له بوضوح إنه لا يمكنه أن يفعل شيئا في هذه الحالة، أي لا يملك أن يغير من قرار الترحيل.
أجهزة التدفئة الرخيصة التي لا تتوفر فيها ضمانات الأمان التي يشتريها أوكسبال لتدفئة المخرن الذي يتكدس فيه العمال الصينيون، تتسبب في مأساة، عندما يتسرب الغاز منها ليلا، فيقضي 24 صينيا بينهم نساء وأطفال، حتفهم في مشهد مروع. وتتفجر الفضيحة في أجهزة الإعلام عندما تطفو جثث الصينيين فوق سطح البحر، ويتضح أن الرجلين الصينيين اللذين يقوما بتشغيلهم قاما بنقل الجثث وألقيا بها في مياه البحر لإخفاء حقيقة ما وقع.
أوكسبال إذن نموذج مكثف للبريء- المذنب، فهو مسؤول عما آلت إليه الأمور، لكنه أيضا البريء الذي يتحايل لكي يساعد نفسه ويساعد الآخرين على النجاة من هذا الواقع الكابوسي الذي يشده إلى أسفل. إنه الأب الذي يكتشف معنى الأبوة متأخرا، ربما بعد أن توفي والده، ويكتشف أنه أهدر حياته فيما لا ينفع، وأن وناياه الطيبة لا تؤدي دائما إلى الخلاص بل يمكن أن تقود إلى المآسي سواء لنفسه أو للآخرين.
ولعل من مشاكل البناء في الفيلم الافراط كثيرا في التفريعات والتعرجات الدرامية. صحيح أنها تخدم الفكرة، لكنها تنحرف بالفيلم في اتجاهات فرعية بعيدة عن البؤرة الدرامية الأساسية. إننا نرى مثلا، كيف يمتلك أوكسبال، رغم إغراقه في العالم السفلي الواقعي الصرف، قدرة روحية خاصة على محادثة الأرواح والاتصال بها، وكيف يستعين به الكثير من اقاربه ومعارفه لتسكين أرواح أحيائهم قبيل مغادرتهم الحياة وهم على فراش الموت.
ونرى أيضا كيف أنه في غمرة لهاثه من أجل البقاء في الحياة، لا يمانع من بيع قبر والده لشركة تقيم فوقه سوقا تجاريا كبيرا، مقابل الحصول على بعض المال، على أن يقوم بحرق الجثة، رغم ارتباطه الشخصي بوالده الذي توفي حديثا في المكسيك ونقلت جثته إلى اسبانيا.
وهناك أيضا المشهد الطويل الذي يدور في المرقص حيث يذهب للبحث عن شقيقه، والحديث الذي يدور بينه وبين إحدى العاهرات اللاتي يجالسهن شقيقه، وأوكسبال يحدثها عن الموت، وكيف أن نهاية حياته قد اقتربت، في حين تطالبه الفتاة بالرقص وتناول الشراب، دون أن تفهم بالضبط ما يتحدث عنه، وهو من المشاهد الزائدة التي كان من الأفضل التحلص منها.
ولعل أهم ما يبقى في الذاكرة من هذا الفيلم تلك المشاهد الخارجية التسجيلية الطابع التي تصبغ الفيلم بصبغة واقعية وتجعل الشخصية جزءا لا يتجزأ من المكان، من المحيط المتدني، وكأننا نشهد "الجحيم الأرضي" خاصة وأن شخصية أوكسبال تبدو لرجل باحث عن الخلاص، كما أنه يدرك متأخرا أن عليه دينا يتعين تسديده، لولديه أساسا، اللذين يجب أن يترك لهما أكبر مبلغ ممكن من المال قبل أن يودع الحياة.
وشأن افلام إيناريتو الأخرى، ليست هناك مساحة كبيرة للتفاؤل في هذا الفيلم، لكن ليس هناك أيضا فزع من فكرة الموت، فالدنيا التي يصورها لا تغري بالبقاء فيها طويلا، في حين أن الصورة العذبة النقية التي يقدمها في مشهد ما قبل البداية وهو نفسه مشهد النهاية، لعالم ما بعد الموت، تبعث على الإحساس بالراحة والانسجام مع النفس. إنها رؤية الفنان وفلسفته الخاصة تتجسد هنا بأبلغ ما يمكن من خلال الصور واللقطات والموسيقى الحزينة لنغمات البيانو أو الأورج، والإضاءة الشاحبة الداكنة، والأبخرة المتصاعدة في قاع مدينة برشلونة، ولعل المدينة هنا تصبح على نحو ما أيضا، وعاء يحتوي مختلف الأجناس كمعادل للدنيا.
والمؤكد ايضا أن هذا الفيلم ما كان لياتي على هذا النحو من التجسيد المكثف المعبر الموحي بعشرات المشاعر إلا بفضل الأداء التمثيلي المتميز كثيرا، للممثل الاسباني خاييم بارديم في الدور الرئيسي، فهو يحمل الدور بل الفيلم بأسره، على كتفيه، ويتعايش مع الشخصية من الداخل، ويعبر عن الألم البدني المباشر بتعبيرات الوجه وتأوهات الجسد كابلغ ما يكون، ولذا استحق عن دوره هذا جائزة التمثيل في مهرجان كان.
أخيرا، كلمة "بيوتيفول" (أي جميلة ولكن مكتوبة بخطأ في أحد الأحرف) هي في النهاية تعليق ساخر على الحياة في برشلونة.. التي نراها في هذا الفيلم كما لم نرها من قبل.. وهي كلمة تكتبها ابنة اوكسبال وبها الخطأ الإملائي، تعبيرا عن تلك الصورة المقلوبة للواقع.. الصورة الصادمة التي يقدمها لنا الفيلم.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger