الخميس، 16 يناير 2014

فيلم إيدا".. الهولوكوست صناعة بولندية!




يعيد الفيلم السينمائي البولندي "إيدا" Ida للمخرج بافل باولكوفسكي المقيم في بريطانيا، مجددا- تصوير موضوع درامي إنساني يرتبط بما يعرف بـ"الهولوكوست"، أي إضطهاد النازيين لليهود، وما يقال عن إرسالهم إلى "غرف الغاز" بغرض "الإبادة الجماعية" خلال الحرب العالمية الثانية. هذا الموضوع الذي أنتجت عنه مئات الأفلام الدرامية والتسجيلية والمسلسلات التلفزيونية. وتتفق معظم هذه الأعمال على أن "الهولوكوست" صناعة ألمانية، وأنه مرتبط بالعنصرية النازية تحديدا، التي كانت موجهة - بشكل إستثنائي- ضد اليهود واليهود وحدهم، وهي نظرة تلقى أيضا من يشكك في صحتها وينقدها بل وينفيها بأبحاث وكتابات مضادة في الغرب.
أما فيلم "إيدا" فهو يرد الموضوع إلى طرف آخر، فهو يتهم البولنديين الكاثوليك باستغلال الخطاب النازي الدعائي المعادي لليهود  خلال الحرب العالمية الثانية، والمشاركة في قتل اليهود البولنديين، بغرض الاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم. لكن أهمية الفيلم ونقاط تميزه لا تعود فقط إلى هذا الجانب الذي يجعله مختلفا عن كثير من الأفلام التي سبقته، بل إلى شكل تناوله للموضوع وأسلوبه الفني الخاص والمتميز كثيرا.

يبدو هذا الفيلم للوهلة الأولى، تقليديا في بنائه، إلا أن نظرة متعمقة في أبعاده وتضاريسه الفنية تكشف أننا أمام فيلم "طليعي" بدرجة كبيرة، يتمرد على الجماليات السائدة في مثل هذا النوع من الأفلام، بل ويتلاعب بالشكل تماما، كما يغير من مسار الموضوع ليبعده تماما عما يمكن ان يتوقعه وينتظره المشاهد.
الفيلم يبدو أولا، مخلصا لمنطق الدراما التقليدية (الأرسطية) في حفاظه على وحدتي الزمان والمكان، فالأحداث تدورفي عام 1960 أي بعد خمسة عشر عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945. وثانيا يخلص سيناريو الفيلم للنصيحة الأولية التي توجه عادة لكتاب السيناريو، مما يجعله يركز على شخصيتين رئيسيتين فقط هما: الفتاة (إيدا) وخالتها "فاندا".



ضياع الفرصة الأخيرة



إلى كل الذين يتشدقون اليوم بالحديث عن "العرس الديمقراطي" وعن المستقبل المزدهر، وعن "البطل المفدى" الذي أرسلته لنا العناية الإلهية لانقاذ الأمة وتحقيق الديمقراطية التي حلمنا بها طويلا.. أقول لهم إن اليوم هو إعلان رسمي بموت الفرصة الأخيرة التي أتيحت خلال السنوات الثلاث الماضية لتحقيق ما يشبه الديموقراطية.. فباسم خطر االإخوان المسلمين (الذي حذر منه كل الشرفاء طويلا) ترتكب الآن كل التجاوزات وكل أعمال القمع والتنكيل بأي صوت مختلف خصوصا اصوات الثوار الحقيقيين الذين واجهوا بصدورهم العارية في 25 يناير 2011 رصاصات أمن الدولة أو بالأحرى أمن النظام الذي عاد بقوة الآن ليطالب بالانتقام لسقوطه المروع في يناير.. اليوم اصبح لا صوت في اعلام مصر يعلو فوق أصوات اللواءات السابقين ومساعدي وزير الأمن السابق حبيب العادلي الذين يهددون الشرفاء من أبناء الوطن ويلوحون لهم بكل اشكال التشهير والقمع والتشويه والاغتيال المعنوي... واليوم، وهذا هو الأخطر، يتحول شباب ممن يفترض فيهم فهم العالم الحديث ومعرفة آلياته، الى جماعات فاشية مستعدة للقتل وتشجيع قتل كل من يختلف معها في الرأي تماما مثلما يفعل الاخوان ومناصروهم من جماعات التكفير الديني، فجماعات التكفير السياسي أصبحت أشد خطورة..
اليوم بدلا من أن يصبح الاستفتاء على الدستور فرصة لترسيخ مبدأ الديمقراطية الأول وهو حرية التصويت بنعم أو لا ترتفع أصوات غالبة بل وطاغية رسمية وشعبية، تقول لنا ان من يقول لا هو آثم، وأن التصويت بنعم فقط هو الذين سيمنحك صك الوطنية، وان الجنرال السيسي هو قدر مصر ومنقذها الوحيد مما هي عليه الآن... ناسين ان عمر الرجل في حقل السياسة لا يزيد عن 5 أشهر.. وقبل أن نعرف له أي برنامج سياسي ففكرة التفويض عادت بقوة بعد ان تصورنا أنها توارت بعد رحيل مبارك ومن قبله السادات وعبد الناصر، وهي الفكرة القائمة منذ 1954 في مصر.
أخيرا... لاشك أن مناخا كهذا لا ينتج أي ديمقراطية بل فقط حربا أهلية نتمنى ألا تقع رغم وجود كل الشواهد على قدومها..

عواجيز الثورة



كما أن لدينا ما يطلق عليه العامة "عواجيز الفرح" وهم من يتهتكون في الرقص والمسخرة في أي حفل زفاف ويسبقون الشباب في المبالغة بالاحتفاء وكأنهم صبيانا بعد، لدينا أيضا (في مصر تحديدا) عواجيز الثورة.. وهؤلاء الذين اكتشفوا بعد سن السبعين ان الثورة حاجة حلوة، وأنهم كانوا- ياعيني- غافلين عن أهمية الثورة، عندما كانوا يرتمون في احضان نظم القمع السائد منذ 1952، وبعد ان اصبحوا دائما بنفس راضية، جزءا من النظام، يمتدحونه أو لا يتجرأون على انتقاده ولو من طرف خفي، طالما أنهم يغترفون من عطاياه ويحصلون على جوائزه وعلى المناصب، ويلمعون، وتصدر عنهم الكتب، وتقام لهم الأعراس والاحتفالات في القومي والوطني والدولي والتسجيلي وغير ذلك. وعواجيز الثورة أخطر بكثير على الثورة من غيرهم، لأنهم يطمسون الماضي، كأنهم ولدوا اليوم، ونسوا ما شاركوا فيه بالتأييد أو الصمت الجبان على كل ممارسات القمع منذ السادات وكامب ديفيد حتى سيطرة أمن الدولة على الحكم وتسخير المثقفين للعمل لحساب السلطة مقابل تولي المناصب والتلميع الاعلامي والحصول على الجوائز الرسمية (المالية!). وهنا لا اشير الى شخص بعينه بل الى فصيل كامل من المثقفين والسينمائيين أيضا، يصدعون رءوسنا اليوم بحديث الثورة ويزايدون علينا وعلى من آثروا منذ سنوات بعيدة العمل خارج دولاب الدوقة القمعية وحافظوا على استقلاليتهم وواجهوا الأنظمة الباطشة بكل أشكال المعارضة من الخارج ومن الداخل.. عواجيز الثورة الآن يتشنجنون في تأييد النظام القمعي الجديد الذي سيتأسس قريبا بعد انتخاب أو بالأحرى (إعلان انتخاب) رئيس جديد من العسكريين وكأننا نعود مجددا الى تلك الحلقة المفرغة التي أدخلتنا فيها حركة ضباط يوليو 52.. أي تلك الحالة التي تحتقر الديمقراطية وتؤمن بالسمع والطاعة وتمام ياافندم فيما لا نراه يختلف في أي شيء عن منطق جماعات الاسلام السياسي وعلى رأسها الاخوان المتأسلمين التي تدين بنفس المبدأ.. والصراع ببن الفاشيتين لاشك أنه سيشتد وسيدفع الثمن البسطاء وليس بالطبع عواجيز الفرح!

محنة النقد


من الظواهر المؤسفة التي تحول النقد السينمائي من عملية علمية لا مجاملة فيها تخضع للتحليل العلمي والفني المبني على أسس ومعطيات محددة ورؤية جمالية أيضا للناقد، إلى عملية عشوائية مزاجية، أن تمليء صفحات صحف ومواقع بتعليقات وكتابات انطباعية سطحية سريعة مقصود بها التأييد والمحاباة والمجاملة لفيلم ما خاصة إذا كانت مخرجته فتاة او امرأة، وخصوصا إذا كانت من الجيل الشاب، وخصوصا خصوصا إذا كان فيلمها عما يسمى بالثورة والتغيير ومولد جيل جديد..إلخ تلك الترهات المنتشرة بشدة هذه الأيام.

هناك مثلا فيلم معين ظهر وسرعان ما سود الكثيرون الصفحات في الاشادة بعبقرية مخرجته المبتدئة المرتبكة لأن منتج الفيلم "صاحبنا" و"ومنا وعلينا"، وأحيانا أخرى لأن صاحبة الفيلم "صاحبتنا وفتاة رقيقة وهذا الفيلم اولى تجاربها ولابد من تشجيعها"، وأحيانا ثالثة لأن الفيلم "نسائي بامتياز" ويعبر عن فكر جديد.. وطبعا يجب أن نلاحظ هنا ان "الكلام اصبح ببلاش" كما يقال، فكلمة فكر هي في حد ذاتها اهانة للفكر عندما تتوقف أمام هذا الفيلم البسيط الذي يمكن لأي ناقد متمرس من خارج منظومة نقاد مقاهي وسط القاهرة من الشباب وغيرهم، أو من خارج العالم العربي كله، أن يدرك أنه فيلم مفكك ضعيف مترهل يعاني من سوء الاختيار سواء في الفكرة أو الممثلين أو من حيث لغة الاخراج.. وليس المهم هنا اسم الفيلم، ولكننا نضرب مثالا بهذا النوع من "الاتفاق التآمري" بين عدد من الكاتبين، يعتقدون أن الاسراع الى كتابة كلمات المديح المجاني واعتبار كل ما يجده النقد العلمي ضعيفا في الفيلم عنصر قوة يشاد به، الأمر الذي يشير حقا الى "محنة النقد"...
حرام أيضا أن يتورط نقاد راسخون في ممارسة هذا العبث حتى يقال عنهم فقط أنهم من "النقاد الذين يشجعون المبتدئين" ومن "النقاد الحلوين" أصحاب "الدم الخفيف" ..إلخ فهم بمثل هذا السلوك يسقطون في المستنقع ويساهمون في انحطاط السينما نفسها!
قد يمكن لمهرجانات لا تعرف ماذا تفعل بالفلوس أن توزع جوائزها المالية الضخمة على كل ما تراه من أفلام بالتساوي حتى ترضي الجميع من كل الجنسيات العربية ولكي لا يغضب أحد او يقول ان هناك تحيزا لبلد ما، وهذا شأن هذه المهرجانات، ولا تعني الجوائز في هذه الحالة أي شيء عند الناقد الحقيقي الجاد الذي يتعامل مع الأفلام بمنطق محدد له معاييره العلمية، لا بمنطق أن الجائزة تؤكد قيمة الفيلم.. وكثيرا ما منحت الجوائز لأفلام لا تستحق أن تنتج أصلا..
وأخيرا لا شك أن هناك فرقا كبيرا بين الاحتفال وبين النقد.. ومن يريد ان يحتفل بفيلم ما وصاحبه أوصاحبته يستطيع ان يقيم له حفلا في بيته.. أما كتابة مقالات النقد فموضوع آخر.. أليس كذلك!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger