الخميس، 16 يناير 2014

عواجيز الثورة



كما أن لدينا ما يطلق عليه العامة "عواجيز الفرح" وهم من يتهتكون في الرقص والمسخرة في أي حفل زفاف ويسبقون الشباب في المبالغة بالاحتفاء وكأنهم صبيانا بعد، لدينا أيضا (في مصر تحديدا) عواجيز الثورة.. وهؤلاء الذين اكتشفوا بعد سن السبعين ان الثورة حاجة حلوة، وأنهم كانوا- ياعيني- غافلين عن أهمية الثورة، عندما كانوا يرتمون في احضان نظم القمع السائد منذ 1952، وبعد ان اصبحوا دائما بنفس راضية، جزءا من النظام، يمتدحونه أو لا يتجرأون على انتقاده ولو من طرف خفي، طالما أنهم يغترفون من عطاياه ويحصلون على جوائزه وعلى المناصب، ويلمعون، وتصدر عنهم الكتب، وتقام لهم الأعراس والاحتفالات في القومي والوطني والدولي والتسجيلي وغير ذلك. وعواجيز الثورة أخطر بكثير على الثورة من غيرهم، لأنهم يطمسون الماضي، كأنهم ولدوا اليوم، ونسوا ما شاركوا فيه بالتأييد أو الصمت الجبان على كل ممارسات القمع منذ السادات وكامب ديفيد حتى سيطرة أمن الدولة على الحكم وتسخير المثقفين للعمل لحساب السلطة مقابل تولي المناصب والتلميع الاعلامي والحصول على الجوائز الرسمية (المالية!). وهنا لا اشير الى شخص بعينه بل الى فصيل كامل من المثقفين والسينمائيين أيضا، يصدعون رءوسنا اليوم بحديث الثورة ويزايدون علينا وعلى من آثروا منذ سنوات بعيدة العمل خارج دولاب الدوقة القمعية وحافظوا على استقلاليتهم وواجهوا الأنظمة الباطشة بكل أشكال المعارضة من الخارج ومن الداخل.. عواجيز الثورة الآن يتشنجنون في تأييد النظام القمعي الجديد الذي سيتأسس قريبا بعد انتخاب أو بالأحرى (إعلان انتخاب) رئيس جديد من العسكريين وكأننا نعود مجددا الى تلك الحلقة المفرغة التي أدخلتنا فيها حركة ضباط يوليو 52.. أي تلك الحالة التي تحتقر الديمقراطية وتؤمن بالسمع والطاعة وتمام ياافندم فيما لا نراه يختلف في أي شيء عن منطق جماعات الاسلام السياسي وعلى رأسها الاخوان المتأسلمين التي تدين بنفس المبدأ.. والصراع ببن الفاشيتين لاشك أنه سيشتد وسيدفع الثمن البسطاء وليس بالطبع عواجيز الفرح!

محنة النقد


من الظواهر المؤسفة التي تحول النقد السينمائي من عملية علمية لا مجاملة فيها تخضع للتحليل العلمي والفني المبني على أسس ومعطيات محددة ورؤية جمالية أيضا للناقد، إلى عملية عشوائية مزاجية، أن تمليء صفحات صحف ومواقع بتعليقات وكتابات انطباعية سطحية سريعة مقصود بها التأييد والمحاباة والمجاملة لفيلم ما خاصة إذا كانت مخرجته فتاة او امرأة، وخصوصا إذا كانت من الجيل الشاب، وخصوصا خصوصا إذا كان فيلمها عما يسمى بالثورة والتغيير ومولد جيل جديد..إلخ تلك الترهات المنتشرة بشدة هذه الأيام.

هناك مثلا فيلم معين ظهر وسرعان ما سود الكثيرون الصفحات في الاشادة بعبقرية مخرجته المبتدئة المرتبكة لأن منتج الفيلم "صاحبنا" و"ومنا وعلينا"، وأحيانا أخرى لأن صاحبة الفيلم "صاحبتنا وفتاة رقيقة وهذا الفيلم اولى تجاربها ولابد من تشجيعها"، وأحيانا ثالثة لأن الفيلم "نسائي بامتياز" ويعبر عن فكر جديد.. وطبعا يجب أن نلاحظ هنا ان "الكلام اصبح ببلاش" كما يقال، فكلمة فكر هي في حد ذاتها اهانة للفكر عندما تتوقف أمام هذا الفيلم البسيط الذي يمكن لأي ناقد متمرس من خارج منظومة نقاد مقاهي وسط القاهرة من الشباب وغيرهم، أو من خارج العالم العربي كله، أن يدرك أنه فيلم مفكك ضعيف مترهل يعاني من سوء الاختيار سواء في الفكرة أو الممثلين أو من حيث لغة الاخراج.. وليس المهم هنا اسم الفيلم، ولكننا نضرب مثالا بهذا النوع من "الاتفاق التآمري" بين عدد من الكاتبين، يعتقدون أن الاسراع الى كتابة كلمات المديح المجاني واعتبار كل ما يجده النقد العلمي ضعيفا في الفيلم عنصر قوة يشاد به، الأمر الذي يشير حقا الى "محنة النقد"...
حرام أيضا أن يتورط نقاد راسخون في ممارسة هذا العبث حتى يقال عنهم فقط أنهم من "النقاد الذين يشجعون المبتدئين" ومن "النقاد الحلوين" أصحاب "الدم الخفيف" ..إلخ فهم بمثل هذا السلوك يسقطون في المستنقع ويساهمون في انحطاط السينما نفسها!
قد يمكن لمهرجانات لا تعرف ماذا تفعل بالفلوس أن توزع جوائزها المالية الضخمة على كل ما تراه من أفلام بالتساوي حتى ترضي الجميع من كل الجنسيات العربية ولكي لا يغضب أحد او يقول ان هناك تحيزا لبلد ما، وهذا شأن هذه المهرجانات، ولا تعني الجوائز في هذه الحالة أي شيء عند الناقد الحقيقي الجاد الذي يتعامل مع الأفلام بمنطق محدد له معاييره العلمية، لا بمنطق أن الجائزة تؤكد قيمة الفيلم.. وكثيرا ما منحت الجوائز لأفلام لا تستحق أن تنتج أصلا..
وأخيرا لا شك أن هناك فرقا كبيرا بين الاحتفال وبين النقد.. ومن يريد ان يحتفل بفيلم ما وصاحبه أوصاحبته يستطيع ان يقيم له حفلا في بيته.. أما كتابة مقالات النقد فموضوع آخر.. أليس كذلك!

الأحد، 12 يناير 2014

"فيلومينا": مصائر إنسانية تصنعها الأقدار






مرة أخرى يعود المخرج البريطاني المرموق ستيفن فريرز (72 عاما) إلى مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي بفيلم جديد هو "فيلومينا" Philomena، الذي ينافس بقوة على جائزة الأسد الذهبي. وكان فريرز قد حقق نجاحا كبيرا بفيلمه "الملكة" The Queen وحصلت بطلته هيلين ميرين على جائزة أحسن ممثلة وبالتالي حرم الفيلم من الحصول على جائزة الأسد الذهبي التي كان يستحقها، لكن المهرجان لا يبيح الجمع بين الأسد الذهبي وأي جائزة أخرى. 
لقد كنا نتابع بدهشة ما يقدمه ستيفن فريرز من أفلام منذ عام 1984 عندما شاهدنا فيلمه البديع "مغسلتي الجميلة" الذي قدم للعالم ذلك الممثل الفذ، دانييل داي لويس، الذي أصبح فيما بعد، واحدا من أهم الممثلين في تاريخ السينما. وكان مصدر الدهشة والإعجاب تلك القدرة الخاصة الفريدة لدى فريرز على التنويع المذهل في مواضيع أفلامه، وقدرته في الوقت نفسه، على الإبتكار دائما في طريقة تقديمها، وهي التي تعكس حسا إنسانيا رفيعا، ويمكنها ولو من خلال الإغراق والاستغراق في المحلية، الوصول إلى الجمهور العريض في العالم.
الفيلم الجديد الذي يأتي بعد فيلمه السابق "أعظم معارك محمد علي"  هو "فيلومينا" المقتبس عن كتاب "طفل فيلومينا المفقود" من تأليف الصحفي الإنجليزي مارتن سكسميث، يروي فيه القصة
الحقيقية لتلك السيدة التي جمعه بها القدر لكي يعيش معها تجربة من أغرب تجارب الإنسان في المجتمعات الأوروبية الحديثة.

السبت، 11 يناير 2014

رسائل وردود






وصلتني أخيرا مجموعة من الرسائل من قراء هذه المدونة أعرض هنا لبعضها خاصة من يطرح تساؤلات محددة بعيدا عن المديح الشخصي والثناء على ما أقوم به من جهد متواضع لا أراه يستحق الشكر..

·      أولا رسالة من القارئة عبير من القاهرة ترحب بعودة المدونة الى النشاط السابق ونشر المواضيع "الساخنة" – حسب وصفها- وتتساءل لماذا انقطعت فترة عن الكتابة للمدونة، ولماذا أمتنع أحيانا عن ذكر أسماء من أقصدهم بالانتقادات.
إجابتي أنني لم أنقطع بل قلت مساهماتي فيها بقدر انشغالي كثيرا في الكتابة لمواقع أخرى أراها أيضا مهمة، كما أن الكثير مما أرشه من مواضيع أو بالأحرى، آراء "ساخنة" تتسبب أحيانا في اساءة الفهم أو في قيام بعض من يستمتعون بتصيد أي شيء والاسراع بالوشاية بغرض احداث الوقيعة بين الأصدقاء وتفسير أي طلمة أككتبها على اعتبار أنها موجهة لفلان أو علان، علما بأنني لست معنيا بأشخاص معينين لا اجدهم يمثلون لي أي خطورة أو تهديد بل الحياة كما هو معروف (اختيارات).. وأضيف أنني لا أمتنع عن ذكر الأسماء بوضوح عندما أقصد التصدي لشخص معين يمثل حالة خاصة، أما المواضيع التي لا نذكر فيها أسماء محددة فيكون الهدف منها عادة التعامل مع ظاهرة ما أو حالة معينة لا ترتبط بشخص واحد بل بالكثيرين.

·      رسالة من القاريء فاضل من العراق يسأل عن كتب جديدة تطون قد صدرت لي.. والحقيقة أن آخر أو احدث كتاب صدر لي كان في أوائل العام الماضي 2012 وهو كتاب "سينما الخوف والقلق" ولم تصدر بعده كتب لي غير أن لدي حاليا كتابا جاهزا أعده للنشر قريبا.  فدعونا نتفاءل بعام 2014.
·      رسالة من الصديق "س" من فلسطين: يقول إنه يتابع ما أكتبه باستمرار ويتساءل عن سر انقطاعي عن مهرجانات سينمائية كعينة في العالم العربي. والاحابة: ليس هناك اي موقف من أي مهرجان.. لكنها الظروف التي تفرض على المرء أحيانا أن يقلل من السفر خاصة مع طول المسافات وخاصة أيضا وانا من النوع الذي يكره الرحلات الطويلة بالجو، وربما يكون هذا تحديدا السبب في أنني لم أسافر في حياتي حتى وقتنا هذا الى الغرب الأمريكي حيث عاصمة السينما العالمية هوليوود مثلا!
·      من مصر يكتب صلاح السيوي: "أعتقد ننا في حاجة كاسة لمراجعة موضوع النقد السينمائي بعد أن أصبحت كتابة النقد مسألة يستسلها الكثيرون الذين يكتبون يوميا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مثل توتير وفيسبوك وغيرها.. ويدلون بآراء خطيرة عن كثير من الافلام التي تستحق بيانات وافية اكثر تعمقا من الاحكام السريعة المبتسرة التي نقرأها". ويتساءل الصديق في نهاية رسالته: ماذا يمكن عمله بالنسبة لهذه الحالة المنتشرة؟
رأيي الشخصي أن هذه الكتابات ليست "مؤثرة" كثيرا على عكس ما يعتقد الكثيرون، بل هي تدور عادة في اطار مجموعات محددة من الاصدقاء الموجودين في هذا العالم الافتراضي، ولا أحد ممن يهتمون حقا بالسينما يأخذ هذه التعليقات والآراء السطحية الانطباعية مأخذ الجد خصوصا وأنها تكتب عادة باللغة العامية المبتذلة، وتنضح بالكثير من المجاملات. اتركها تموت بالسكتة القلبية أفضل.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger