الاثنين، 6 يناير 2014

السينما العربية.. أزمة المصطلح

لقطة من فيلم "وجدة"

بقلم" أمير العمري


"أزمة السينما العربية" موضوع مطروح للمناقشة يتردد منذ أن وعينا على الدنيا، تردده وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات باستمرار، وتقام بشأنه -بين حين وآخر- الكثير من المؤتمرات والندوات والموائد المستطيلة والمستديرة دون أن يتطرق أحد المشاركين في تلك المناقشات إلى طرح معنى السينما العربية أصلا.
 
يجدر التساؤل بشأن ماهية السينما العربية قبل أن نحدد ما إذا كانت في أزمة، أم أن سؤال الأزمة بأكمله سؤال "مفتعل" لإشغال البعض بالبحث والجد والاجتهاد في ما لا يوصلنا قط إلى فهم عميق للموضوع بل إننا نخرج منه كما دخلنا عادة!
عندما نقول "السينما العربية" يجب أن يكون هناك أولا -وقبل كل شيء- اتفاق على معنى المصطلح، فهل نحن متفقون فعلا؟

الأحد، 5 يناير 2014

حكايات وطرائف من كواليس السينما




من فيلم "الطيب والشرس والقبيح"


يروي الممثل الأمريكي الراحل إيلي والاش عن تجربته في العمل مع المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني في فيلم "الطيب والشرس والقبيح" The Good, the Bad and the Ugly الذي قام فيه بدور القبيح، فيقول إن ليوني لم يكن يعير اهتماما كبيرا لما يمكن أن يتعرض له الممثلون منمخاطر بل كان يستغرقي في التفكير في فيلمه بحيث ينسى كل ما حوله من البديهيات، ومنها ضرورة توفير السلامة للممثلين. ويقول والاش إنه كان أن يسقط من فوق ظهر الحصان عندما كان يصور مشهدا يقتضي أن تقيد يداه خلفه ثم يتم لف حبل المشنقة حول عنقه.. وهو المشهد الذي تكرر في الفيلم وكان ينتهي كل مرة بتدخل البطل الغامض الذي قام بدوره كلينت إيستوود باطلاق النار حتى يقطع الحبل ويفلت صاحبنا من الموت. وذات مرة تم بالفعل قطع الحبل بطريقة ما كما كانوا يفعلون، لكن الحصان أخذ يجري بعيدا وإيلي مقيد اليدين لا يمكنه عمل أي شيء وابتعد الحصان بسرعة كبيرة لمسافة ألفي متر وكان صاحبنا أن يقع من على ظهر الحصان ويصاب إصابات خطيرة.
ويقول إنه تعرض أيضا للموت عندما كانوا يقومون بتصوير المشهد الذي يفلت ويداه مقيدتان بالقيود الحديدية ويلجأ لوضعها على شريط الشكة الحديدية لكي يقطعها القطار القادم.. ويأتي القطات فعلا وهو رابض بجوار القضبان ينتظر أن يمر القطار فوق قيوده الحديدية فيقطعها، ولكنهم لم يعرفوا أن القطار يتحرك الى الخارج بنحو قدم كامل وكاد بالتالي أن يصطدم برأس إيلي والاش فيقضي عليه لولا أنه أبعد رأسه في اللحظة الأخيرة لينجو بمعزة من الموت!
ويروي كلينت إيستوود عن تجربته في العمل مع ليوني في ثلاثة من أفلامه (ثلاثية الدولارات كما تعرف) فيقول إن ليوني لم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة الإنجليزية وأن الحوار معه كان عبر مترجم، وكان يستعين بالكثير من الممثلين الإسبان (كان التصوير يجري في اسبانيا) والايطاليين ومن هولندا وغيرها.. وكان كل منهم يمثل بلغته أمام الآخر، ولم يكن الممثل الي أمامه يفهم بالتالي ماذا يقوله له كلينت كما لم يكن كلينت يفهم لكنهم كانوا يتعاملون حسب الحوار المطلوب مع بعض الارتجال بالطبع. ويضحك غيستوود عندما يتذكر أن المساعدين وبعض الممثلين الثانويين (الكومبارس) كانوا يتركون جهاز الراديو مسموعا يستمعون إلى الأغاني وهم يضحكون ويلعبون الورق قرب مكان التقاط المشهد، دون أن يكلف ليوني نفسه بأن ينهرهم. وكان المخرج الإيطالي الكبير الراحال يعتمد بالطبع فيما بعد، على الدوبلاج، باستخدام أصوات أخرى لممثلين تخصصوا في القيام بأدوار أبطال معينين فقد كان هناك من تخصص من الإيطاليين في القيام بدور كلينت ايستوود، وهكذا. ومعروف أن الأفلام الأمريكية تتم دبلجة حواراتها إلى الإيطالية والأمر نفسه في ألمانيا وفرنسا.  
وهناك الكثير الذي يروى عن تطرف المخرج الأمريكي الراحل سام بكنباه وتصراته المجنونة أثناء التصوير، فقد كان معروفا بادمانه الخمر، وكان عادة يذهب الى مواقع التصوير مخمورا، ولم يكن من شدة استغراقه في التعايش مع الفيلم كأنه في حالة حلم، يدرك أنه أعاد تصوير المشهد بما فيه الكفاية، أي عشرات المرات.. ويروي مساعده أنه كان ينبهه إلى ضرورة التوقف هنا. وذات مرة أعادة تصوير مشهد ما في فيلم "أعد إلي رأس ألفريدو جارثيا" مرات عدة ثم اقتنع أخيرا بأن الاعادة الأخيرة هي الأفضل وأنه سيتوقف الآن.. ويروي الرجل كيف أنه انتهى من تصوير الفيلم تماما وحمل جميع التقنيين معداتهم ووضعوها في السيارات والشاحنات وبدأوا في تشغيل محركاتها، وكان باكنباه لايزال جالسا يفكر في اللقطة الأخيرة التي انتهى تصويرها. وعندما  سار مبتعدا عن موقع التصوير مع مساعده أخذ يقول له إن أول ما سيفعله صباح اليوم التالي أن يصور هذه اللقطة مع الممثل نفسه، ناسيا أن تصوير الفيلم انتهى ولم يعد هناك المزيد!

من فيلم "كلاب القش"

وروى كثيرون ممن عملوا مع سام باكنباه أنه كان شديد العصبية وكان يتشاجر أحيانا بشكل مكشوف مع الممثلين، ويصيح في وجوههم ويهدد بوقف العمل في الفيلم. وقد اكتسب سمعة لدى شركات الانتاج (الاستديوهات) بأنه مخرج مثير للمشاكل، كما لم يكن يعرف قيمة الوقت أبدا، فقد كان من النوع الذي ينشد الكمال دون أن يصل إليه أبدا بالطبع.
وعندما بدأ العمل في مونتاج فيلمه الشهير "كلاب القش" Straw Dogs  (1972) وكان يقوم بالمونتاج مونتير انجليزي (الفيلم كله صور في اسكتلندا) أخذ يطالب المونتير بأشياء لا يمكنه القيام بها باتصل المونتير بشركة الانتاج في هوليوود يشكو باكنباه ويقول لهم إنه مخرج جاهل لا يعرف ماذا يريد وإنه سيدمر الفيلم. وقد قام المنتج المنفذ للفيلم الذي كان موجودا في لندن، عندما علم بذلك، باستبعاد المونتير على الفور لأنه لم يكن ممكنا أن يستمر التعاون بينه وبين باكنباه.
وروى الناقد الأمريكي الراحل روجر إيبرت أن السؤال الأول الذي وجه إلى باكنباه في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد العرض الخاص للفيلم لنحو 350 ناقدا وصحفيا لفيلم "العصبة المتوحشة" The Wild Bunch جاء من سيدة قالت بكل بساطة وبشكل يعبر عن الاستنكار: لماذا صنع هذا الفيلم أصلا؟

وقد أصبح الفيلم بعد سنوات طويلة من ظهوره عام 1969 من أهم أعمال السينما الأمريكية وواحدا من أفضل أفلام الويسترن.

السبت، 28 ديسمبر 2013

عن الحرامي والعبيط والضحك على الذقون!




حرام أن يتورط إثنان من أهم وأفضل الممثلين في السينما المصرية هما خالد الصاوي وخالد صالح، ويقبلان القيام بهذين الدورين في فيلم ساذج وبدائي مثل "الحرامي والعبيط" لمخرج يدعى محمد مصطفى (أوقات فراغ والماجيك). هذا فيلم من تلك الأفلام التجارية الشائعة التي ينتجها السبكي. وفكرة أن تكون هناك أفلام تجارية فكرة مقبولة بالطبع بل ولابد ان توجد الأفلام التجارية لكي تستمر الصناعة وتسير إلى الأمام. لكن فيلم "الحرامي والعبيط" عودة إلى الوراء، إلى ما يمكن وصفه بـ"أفلام الاستهبال" أي الأفلام التي تفترض في المتفرج البلاهة والتخلف العقلي، فمطلوب منك أن تجلس لنحو ساعتين تشاهد كيف يستغل "بلطجي" هو (خالد الصاوي) ضعف الحالة العقلية لرجل يصور لنا الفيلم كيف أن صدمته في خيانة زوجته له قد أدت به إلى حالة من الجنون، لكنه ليس مجنونا بل يفهم ويستوعب كما هو واضح بل أصبح اقرب إلى البلاهة، بحيث يضحك عليه البلطجي ويستغله لكي ينقل له قرنية عينه فيصبح هو سليما العينين، يمكنه الرؤية بهما، في حين يفقد الىخر عينا، ويتمادى صاحبنا في غيه أمام إغراء الحصول على المال السهل من عصابات نقل الأعضاء لكي يبيع لهم العبيط يحصلون من ا‘ضائه على ما يشاءون.. ولن أستطرد كثيرا في رواية تفاصيل القصة فليس للقصة أي مغزى، ولا لذلك السيناريو المتهافت الذي لم أصدق أن كاتبا مثل أحمد عبد الله صاحب الفيلم الممتاز "ساعة ونص" يمكن ان "يتورط" في كتابته!
المهم أن "الحرامي والعبيط" الذي يبدأ بداية جيدة تذكرنا بفيلم "الفي" Alfie البريطاني من عام 1966 (إخراج لويس جيلبرت)، وأيضا بالفيلم الجزائري الأول للمخرج مرزاق علواش "عمر قتلاتو" (1973) حينما نرى بطله خالد الصاوي ينتقل في الحي العشوائي الذي يقيم فيه يواجه الكاميرا من حين إلى آخر، لكي يصف لنا الشخصيات التي يقابلها ويعلق على ما يجري من أحداث في الحي يوميا.. سرعان ما يتحول إلى مجرد هزلية ميلودرامية تتخفى وتتقنع بقناع النقد الاجتماعي بدعوى معالجة مشكلة تجارة الأعضاء، من خلال تلك الأنماط التي كانت دائما لصيقة بالفيلم المصري الكوميدي التجاري المتدني منذ الأربعينيات حتى اليوم. وللأسف أن مثل هذه الأفلام (نطلق عليها أفلاما تجاوزا) لاتزال تجد لها مشاهدين في تلك الأوقات التي نعيشها في زمن الانهيار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والتدهور الثقافي بالتالي.
ليس هناك أي سلوك أو حدث يمكنه إقناعك في هذا الفيلم بأن ما تشاهده له علاقة بالعالم الذي نعيش فيه رغم أنه يتدثر بثياب "الواقعية" بالطبع، فلا الحرامي أو البلطجي يبدو أن له ملامحا إنسانية من أي نوع، ولا العبيط الذي يستسلم كالنعجة لذلك الحرامي، يمكن أن يكون من عالمنا. الإثنان ليسا مثلا ضحية أي نوع من القهر الاجتماعي بل ضحية صناع هذا الفيلم المتهافت. أما الآنسة روبي في دور الممرضة فلا علاقة لها أصلا بعالم السينما، وظني أنها لا تصلح للوقوف أمام الكاميرا، لا من حيث الشكل ولا من حيث الأداء.

لقد ظلم خالد الصاوي نفسه كثيرا بقبوله مثل هذا الدور الذي يهبط فيه مستوى أدائه (المركب عادة) إلى أسفل مستوى، بل ويفشل حتى في إضحاك المتفرج بنكاته السخيفة وتعليقاته اللفظية السميكة، وهو اللهدف الأول من وراء صنع هذا الفيلم. أما خالد صالح، فقد اهان نفسه بقبوله هذا الدور الأحادث الذي لا يفعل فيه سوى تكرار ما يقوله اي ممثل أمامه بطريقة بلهاء! 

السبت، 21 ديسمبر 2013

وزارة الثقافة المصرية: الفساد مستمر.. والثورة مستمرة!



صابر عرب وزير الثقافة المصري



بقلم: محمود قرني



قبل حوالى الأسبوعين؛ أصدر تيار الثقافة الوطنية بالاشتراك مع مجموعة من المثقفين المستقلين، بيانا شديد اللهجة، يعلنون فيه موقفهم المناهض لما يرونه فسادا واسعا في وزارة الثقافة. انتهوا فيه الى المطالبة بإقالة وزير الثقافة ومحاكمته مع رموز وزارته، ثم أعلنوا البدء في خطوة أخرى تتضمن مذكرة تفصيلية، سترفع لرئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور وكذلك لرئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي. من يقرأ البيان يدرك على الفور أن الأوضاع الشائنة في إدارات وهيئات الوزارة وأداء وزيرها صابر عرب وكل ما ترتكبه الإدارة الحالية من تضليل وإفساد لا يتلاءم وطموحات مصر ومثقفيها عقب ثورة الثلاثين من يونيو، بداية من ممارسات الوزير منذ توليه المسؤولية في الحكومة الجديدة وفي حكومتين سابقتين جمعت بين المجلس العسكري ثم نظام حكم الإخوان المسلمين. من هنا تتعاظم المشكلة وتتسع دائرة التناقض بين فصائل من المثقفين الطموحين لمستقبل يتساوق مع طموحات الثورة، وبين إدارة ثقافية غارقة حتى أذنيها في الفساد وإعادة إنتاج الماضي عبر الإصرار على بعث الحياة في رميم المقبورين فيه. 

من هنا نستطيع القول إن اتساع دائرة معارضي الوزير وسياسته لم يكن مرجعها الوحيد مساخر ما أطلق عليه ‘مؤتمر المثقفين’ الذي أقيم قبل صدور البيان بعدة أيام، بل إن السياسة الثقافية برمتها باتت موضع تساؤل وموضع رفض أيضا، غير أن كثيرين يتعشمون في انتهاء الفترة الانتقالية دون خسائر تتجاوز ما هو كائن حفاظا على ما تبقى من بنية أساسية مهددة هي الأخرى بالضياع، فالوزارة الآن تقع بين فكي كماشة، الفك الأول تشكله مجموعات النظام القديم التي عادت للسيطرة على الجزء الأعظم من مواقع الوزارة، وهي مجموعة تعادي كل التيارات الطليعية في الفكر والإبداع والتشكيل وكافة الفنون، ومع الوقت أنشأت جماعات مصالح داخل الوزارة أصبح من الصعب تفكيكها، أما الفك الثاني فتمثله مجموعات من المرتزقة ممن يسمون أنفسهم ‘رجال الاعتصام’، أعني المعتصمين في الوزارة قبل الإطاحة بمرسي، وهذه مجموعة حققت مصالح ضخمة من علاقتها بالوزارة منذ عصر مبارك وفاروق حسني، لكن أخطر ما يحدث الآن أن هذه المجموعة تدفع باتجاه تفكيك الوزارة وبيع مؤسساتها وفتح الباب على مصراعيه للتمويل الأجنبي لجماعات وأفراد يتعاملون مباشرة ضمن روشتة جهات التمويل. ومن المعروف أن هذه المجموعة تقف وراءها عدة تنظيمات أهلية ممولة من الخارج وعلى رأسها مؤسسة فورد. وهذه المجموعة ترى أن استمرار سيطرة الدولة على العملية الثقافية يحول دون تحقيق أهدافها، ومن ثم يدفعون في اتجاه إعادة هيكلة وزارة الثقافة بقصد التخلص من إدارتها حكوميا لصالح جهات التمويل الأجنبي وبيع قطاعاتها الإنتاجية وطرد العاملين بها تحت نظام المعاش المبكر.
وبذلك فإن وزارة الثقافة تواصل دورها في تعزيز العمل على عزل جماهيرها ومنح قبلة الحياة لأعدائها، بمواصلة بث الروح في رميم قياداتها القديمة ورموز فسادها المقيم، يتم ذلك عبر إعادة تمثيلها لنظامين فاشيين، بعد أن كتب الشعب نهايتهما في الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو. 

فتحت شعار يضج بتلفيقية أصحابه ؛ انعقد ما يسمى بمؤتمر ‘الثقافة المصرية في المواجهة’ تحت رعاية وزير الثقافة ‘صابر عرب’، حيث كانت البداية من المسرح الصغير بدار الأوبرا، وحيث القاعة تكتظ بموظفي الوزارة كبديل للغياب الإجمالي للمثقفين المصريين، وحيث يقف ثلاثة من حضور الافتتاح، أثناء كلمة الوزير، يهتفون بأعلى أصواتهم في وجهه: ‘إنزل يا فاسد’. الوزير يقول لهم : شكرا .. ويستمر في إلقاء كلمته. 

ويكشف هذا التجاهل والتعالي المكذوب للرأي العام أن الثقافة المصرية تقف بين أكذوبتين، الأولى: وزير أقصر قامة من موقعه، يعاشر كل موبقات الأنظمة البائدة وكيلا ومديرا ووزيرا. وككل نهّازي الفرص، ينجح في التواؤم مع الجميع. والثانية: نخبة كتائب التبرير والتمويل والمزايدة، التي تقدم نفسها باعتبارها صانعة ثورة الثلاثين من يونيو ومن ثم ترى، على غير الحقيقة، أنها لا تحصد إلا استحقاقا تاريخيا، ومن هنا فإنها مستعدة لمنازلة من يفكر في المرور من أمام قصعتها. في الوقت نفسه تتزايد عزلة وزارة الثقافة وكافة أجهزتها عن الحراك المجتمعي المتقدة جذوته. فرؤساء هيئاتها مشغولون بتعظيم مكاسبهم وصناعة التحالفات مع وضعاء الصحافيين وصغار المنتفعين وغيرهم من أصحاب المصالح دفاعا عن كراسيهم. ومن عجب أن يكون بين سدنة هذا المؤتمر من كان مستعدا لإطلاق لحيته إبان حكم الإخوان، وأحد هؤلاء قدم كتابا لسيد قطب، منظّر الإرهاب في العالم، اعتبره فيه واحدا من أهم نقادنا وروائيينا الطليعيين! وتكتمل حلقات هذا الفساد بقيام أحمد مجاهد بنشر تلك الترهات في هيئة الكتاب.

في هذه المناخات ليس غريبا أن تغلق الوزارة قاعاتها على ممثلي مؤتمرها، الذين لا يمثلون، في الحقيقة، سوى مصالحهم ومكاسبهم، بينما تظل هيئات الوزارة منشغلة بالكرنفالات الفارغة التي تقام وتنفض دون أن يسمع عنها أحد.
لم يسأل وزير الثقافة نفسه سؤالا واحدا: ما الذي تفعله هيئة قصور الثقافة التي تمتلك ما يزيد على خمسمائة بيت وقصر ثقافة على مستوى الجمهورية، وأين دورها في مقاومة العنف الديني الذي تمارسه جماعات منبوذة وفاشية ؟ لماذا لا تصل مطبوعات الوزارة الى عموم الشعب؟ تلك المطبوعات التي كلفت المواطن ملايين الجنيهات، ونخص بالذكر مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة. ولماذا كل هذا الغثاء والفساد الذي تطبعه هيئة الكتاب دون حسيب أو رقيب ؟ ولماذا لم تحل مشكلات الفرق المسرحية المستقلة وفرق وبيوت الفنون ؟ وأين وزارة الثقافة من مشكلات صناعة السينما؟ ولماذا أعيد تعيين كل من نبذتهم الثورة على رأس المواقع المؤثرة بالوزارة؟ ولماذا تستمر مجلات لا يقرأها أكثر من كتابها ؟ مثل مجلة إبداع التي يترأسها الشاعر ‘المزمن’ أحمد عبد المعطي حجازي، وكذلك مجلتي فصول والرواية، وغير ذلك العشرات، ولماذا تستمر هيئة قصور الثقافة في انتزاع دور ليس لها بالاستمرار في مشروع النشر الإقليمي الذي ساهم في إفساد الذوق العام وأهدر كل قيمة إبداعية؟ هل لتحقيق مكاسب ومصالح عبر مشروع النشر؟ وذلك طبعا على نفقة دورها الرئيسي في الوصول الى نجوع وقرى مصر لنشر ثقافة الحوار ونقل الفنون المصرية الى كافة المواطنين؟!! 

في هذا المناخ لم يكن مفاجئا أن يقوم الدكتور سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بإعادة تشكيل لجان المجلس طبقا للمعايير نفسها التي تكرس الماضي بفجاجة ليس لها مثيل. فقد تمت الإطاحة بالروائية وكاتبة الأطفال نجلاء علام من رئاسة لجنة الطفل لتحل محلها الدكتورة فاطمة المعدول التي كانت عضوا بلجنة السياسات، كذلك تم اختراع لجنتين جديدتين أولهما لجنة للإعلام والثانية لجنة للشباب. الأولى طبعا لا تخفي مقاصدها حيث تستهدف جمع أكبر عدد ممكن من الولاءات الصحافية حتى يضمن المجلس ومعه الوزارة ولاءات هنا وولاءات هناك، مع الوضع في الاعتبار أن أهداف المجلس لا علاقة لها من قريب أو بعيد بموضوع الإعلام. أما اللجنة الثانية فهي لجنة الشباب وتستهدف هي الأخرى ضم عدد لا بأس به من الشباب المنتسبين للثورة مثل أحمد دومة وخالد تليمة ويترأسها المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وقد شهدت اللجنة عددا من الاستقالات في أولى جلساتها فضلا عن تغيب أبرز أسمائها عن الحضور. 

بالسفور نفسه تمت إزاحة لجنة الشعر التي لم تكمل أكثر من عام ونصف العام وأعيدت لجنة أحمد عبد المعطي حجازي إلى سابق عهدها، وهي اللجنة التي سبق للشعراء المصريين أن ثاروا ضدها عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير.
لقد تمدد فساد وزارة الثقافة المصرية فغطى فضاء ثورة الثلاثين من يونيو، وأصبح ريحها العطن يزكم الأنوف. وبدت مشكلة وزيرها كامنة في عدم إيمانه بالثورة، لذلك لجأ الى إعادة إنتاج الفساد القديم عبر إحياء رموزه، أسماء وسلوكا، في الوقت الذي كان يتعين فيه إزالة آثار التعدي الصارخ على عقول المصريين إبان نظامين فاشيين انحاز أولهما للفساد والقمع والتدجين وأضاف ثانيهما الرجعية لكتلة صفاته المسيئة تحت شعارات ثورية كاذبة. غير أن واقع الحال يقول إن الفساد مستمر .. لكن الثورة أيضا مستمر
ة.

** نشرت في صحيفة القدس العربي بتاريخ 12 ديسمبر 2013
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger