الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

"الهافر".. أو العالم كما هو وكما ينبغي أن يكون!

من أجمل واقرب الأفلام إلى قلوب المشاهدين في دورة مهرجان كان السينمائي الـ64 فيلم "الهافر" Le Havre للمخرج الفنلندي الشهير أكي كوريسماكي Kaurismaki..
هذا المخرج الذي يواصل تقديم الأفلام المثيرة للإعجاب، كونه يجمع بين طابع سينما المؤلف، أي السينمائي الذي يملك رؤية خاصة للعالم وهي سينما "نخبوية" عادة، وبين طابع الفيلم الشعبي، الذي يتميز ببساطته، بوضوح رؤيته، بحميميته، وبموضوعه الإنساني القريب من القلوب.
هنا في هذا الفيلم الجديد، يخرج كوريسماكي عن حدود هلسنكي، عالمه الأثير، ليقدم عملا من الإنتاج المشترك مع فرنسا، يصوره في الميناء الفرنسي الشهير الذي يحمل الفيلم اسمه، ولكن دون أن يتنازل، أو يتقاعس عن تقديم رؤيته الخاصة، مجسدا من خلالها عالمه الخاص الأثير إلى نفسه، عالم الشخصيات الهامشية الوحيدة التي تشعر بغربتها في العالم، وحاجتها الى التعاضد الانساني، قدرتها رغم ذلك على السخرية، وعلى التحلي بروح متفائلة.
هذا العالم الخاص هنا يتمحور بين الواقع والخيال، ما يحدث فعلا وما يمكن أن يحدث، وما نتمنى أن يحدث، تعقيدات الواقع التي تتبدل تدريجيا مع اكتشاف أن البشر في معظمهم أنقياء وأوفياء وعلى استعداد لتقديم ما ينتظر منهم وقت الضرورة، كبشر يتضامنون معا بغض النظر عن حواجز الدين والجنس والهوية القومية، وقسوة الواقع الذي يمكن ان يفقد فيه الانسان حياته لأي سبب، أو يصبح ضحية للحواجز المفروضة بقسوة، والسجون الكبيرة التي تقام لكي تحد من حرية البشر في الانتقال والعمل رغم كل ما يقال عكس ذلك.

سيناريو متقن
فيلم كوريسماكي يعتمد كعادته، على سيناريو متقن، يجسد أزمة الفرد في المجتمع، ولكن عندما يكتشف أن تحققه يمكن ان يأتي من خلال توحده مع الآخرين، وعلى أداء تمثيلي محكوم، وعلى أسلوب إخراج، صحيح أنه يعكس طريقة صاحبه في التعبير، لكنه يبدو أيضا في هذا الفيلم تحديدا، متأثرا بأسلوب بعض المخرجين الفرنسيين الذين يهيم هو بهم وباعمالهم من فترة الواقعية الشعرية مثل مارسيل كارنيه على وجه الخصوص.
بطل الفيلم "ماكس"، رجل في خريف العمر، مهاجر فنلندي متجنس بالجنسية الفرنسية يعيش مع زوجته المعتلة صحيا "أرليتي"، فهي مصابة بمرض خطير، لكنها تخفي الأمر على زوجها وتتشبث بمعجزة الشفاء التي قد تأتي في نهاية الأمر.. من يدري!
وماكس فنان كان ذات يوم في الماضي، مرموقا ثم تدهور به الحال واضطر الى العمل كماسح للأحذية على أرصفة ميناء الهافر وأمام مقاهيه.
يسوق القدر إليه ذات يوم طفلا افريقيا من المهاجرين غير الشرعيين الذين تقبض عليهم السلطات وتضعهم في معسكر كبير للمهاجرين تمهيدا لترحيلهم. هذا المعسكر المعروف الذي ذاع صيته عبر نشرات الأخبار خلال الفترة الأخيرة، ويعرف باسم "الغابة" وتمت تصفيته بقسوة وفظاظة من قبل السلطات الفرنسية.



دور الكلبة
الطفل "إدريسا" يتمكن من الهرب من الشرطة، ويلجأ الى منزل ماكس الذي يأويه ويمده بالرعاية ويخفيه عن عيون الشرطة، في غياب زوجته المريضة في المستشفى، وبمعاونة كلبته الأليفة الذكية "لايكا"، وهي في الحقيقة الكلبة التي يصفها بعض النقاد بـ"الكلبة الأكثر شهرة في السينما الأوروبية"، فهي تظهر في معظم أفلام كوريسماكي وترتبط به.
لكن ضابط الشرطة المخضرم المفتش مونيه يشك في وجود الصبي في منزل ماكس، ويحاول استدراجه للاعتراف. ولكن هذا الضابط القاسي الملامح، الجامد من الخارج سنكتشف قرب النهاية أنه يخفي قلبا شديد الطيبة لا يقل في طيبته عن جيران ماكس جميعا واصدقائه الذين يساعدونه بتوفير احتياجاته من المواد الغذائية بمن فيهم البقال الجزائري الأصل المتزوج من فرنسية، وعامل القمامة الصيني الأصل، وجارته الفرنسية الطيبة صاحبة المخبز التي تزوده بالخبز يوميا.
يبدأ الجميع في جمع التبرعات من أجل دفع تكاليف تهريب الصبي "إدريسا" على متن سفينة تعبر الى الساحل البريطاني لكي يلتحق الصبي بأمه التي سبقته في التسلل الى بلاد الانجليز وتقيم في لندن.
وفي اللحظة التي توشك الخطة التي يشترك فيها الجميع على النجاح، يظهر المفتش مونيه، ولكن لكي يحمي تهريب الصبي من مطاردة رجال شرطة الهجرة، ويقدم يد المساعدة للآخرين.
مزيج من الواقعية والحلم، تسيطر على أجواء الفيلم بحيث أننا أحيانا نتخيل اننا نشاهد فيلما من الأفلام الفرنسية في الأربعينيات تلك التي تميزت بما يعرف بـ"الفيلم- نوار".. أي بأجواء الغموض، والسرية، والتوتر، والظلال القاتمة، وفي أحيان أخرى، نشعر أننا نشاهد "كوميديا" من تلك التي تعتمد على المفارقات المشهدية لا على المبالغة في الأداء أو المفارقات المصطنعة.
وبين الطابعين تتلون المشهدية، من الاضاءة الناعمة ذات الألوان الواضحة: الأزرق والأحمر بوجه خاص، وينتقل التصوير من الداخل الى الخارج، وبالعكس، دون أن يفقد التتابع حيويته وهدوئه مع المحافظة على إيقاع رصين لا يخرج عن المسار باستثناء ربما في المشهد الذي يستعين فيه ماكس بمغني معتزل لأغاني البوب من جيل الستينيات، ويقنعه باقامة حفل محلي لجمع لصالح تمويل رحلة "إدريسا" إلى لندن.

عن الأداء
الأداء كالعادة في أفلام كوريسماكي، محسوب بدقة، والحوار قصير ومختصر ولكنه يعبر عن كل شخصية بأقل الكلمات، كما يعبر حوار بطلنا "ماكس" عن خلفيته المثقفة مع لمسة فلسفية أيضا، ولاشك أن "ماكس" الذي يحمل فلسفة كوريسماكي نفسه، هو شخصية "مخترعة" أي سينمائية أساسا، وكذلك معظم الشخصيات التي تأتي كما أشرت في السابق، متآلفة، إيجابية، تسعى للخير، رغم ما يكمن في الواقع من قسوة شديدة نلمحها في المشهد الأول عندما يقتل أحد زبائن ماكس في تصفيات بين عصابات الأشقياء فيما يبدو، وأيضا في المشهد شبه التسجيلي الذي صوره كوريسماكي داخل معسكر ايواء اللاجئين المعروف بـ"الغابة"، أثناء بحث البطل عن أحد يمكنه أن يرشده الى مكان والدة ادريسا.
وينهي كوريسماكي الفيلم بخروج زوجة ماكس تخرج من المستشفى بعد ان شفيت من مرضها العضال فعلا، لكي تكون بمثابة المكافأة له على موقفه النبيل.
"الهافر" في النهاية، رغم عدم حصوله على جوائز في مهرجان كان بينما كان كثيرون يتوقعون له "السعفة الذهبية" لا أقل، يمثل خطوة الى الأمام في مسيرة مخرجه الطويلة، ونقلة تتجاوز كثيرا ما حققه في فيلمه السابق "أضواء في الغسق" الذي عرض في مسابقة كان عام 2006.جدير بالذكر أن كوريسماكي من مواليد 1957، وقد أخرج حتى الآن 28 فيلما، ما بين طويل وقصير وتسجيلي. وفيلمه السابق مباشرة هو فيلم تسجيلي صوره في الشيشان ويحمل عنوان "برزخ" Barzakh.

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

تحذير من هجوم التتار على السينما وعلى الوطن!





الإخوان المتسعودون قادمون، لا ريب في ذلك، قادمون الى برلمان مصر، هم ومعهم مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم السلفيين (والأحق أن يقال السفليين!)، ومجموعة أخرى ممن يمكن أن نطلق عليهم "نواب الإرهاب"، أي الذين يمثلون ما يسمى بتنظيم الجهاد وجماعة التكفير والهجرة والجماعة الإسلامية.
هذه الجماعات التي تنتمي للعمل السياسي، ومنها ما اكتشف قيمة وأهمية العمل في الساحة السياسية بعد أن كان يحرم ويجرم هذا النشاط (السفليون على وجه التحديد وهم حوالي 5 ملايين شخص) بل وكانوا يحرمون الثورة والخروج على الحاكم وتعاونوا طويلا مع أجهزة أمن الدولة وتعذيب المواطنين، أقول إن هذه الجماعات تتفق جميعها في عدة أشياء أساسية منها الانطلاق من فكر تكفير الآخر، أي كل من لا ينتمي لها الفصيل، وكل من لا يعتبر من وجهة نظرهم متدينا على طريقتهم، ومن لا يرتدي ملابس مثلما يرتدون، ولا يطلق لحية شيطانية مثل لحاهم المقيتة البشعة التي تخيف الأطفال الأبرياء، وكل من لا يتفق مع شعارهم "الإسلام هو الحل" الذي يرهبون به غيرهم من المسلمين، ويخيفون المسيحيين من "شركاء الوطن والمصير"، لدفعهم دفعا إلى الهجرة من مصر.
ومن ضمن الأشياء التي يتفق فيها هؤلاء من أصحاب الفكر التكفيري (وعلى رأسهم تنظيم الإخوان المتأسلمين مهما ادعوا عكس ذلك والذين خرج من معطفهم كل دعاة الارهاب وجماعات التطرف) كراهية السينما، والميل إلى تحريمها، ومصادرة الأفلام التي لا تحمل فكرا موجها يتبنى دعوتهم وأفكارهم السياسية وتفسيراتهم العقيمة المتشددة للدين، ولذلك فوصول هذه القوى السياسية التي تنتمي للعصور الوسطى الى الحكم في مصر معناه ببساطة أن أيام السينما المصرية باتت معدودة، فليس من المتصور أن يسمحوا باستمرار أفلام تنتقد وتصور الواقع والعلاقات الاجتماعية القائمة بما فيها من فساد وتدهور وتفسخ جاء نتيجة ستين عاما من التسلط والديكتاتورية وحكم مجموعة من العسكر الجهلاء الذين لا يتميزون بأي ميزة بل يستندون أساسا، إلى قوة المدرعات والطائرات المدمرة التي يمكن أن تحاصر وتقصف وتقتل (أبناء الشعب العزل طبعا وليس جنود الأعداء).
إن السينما المصرية ذات التاريخ العريق ستواجه أصعب مراحلها التاريخية في العصر القادم أي يبشرنا كثير من أصحاب الفكر اليوم بأنه سيكون عصر الحريات والديمقراطية، فيما نرى ان فئة معينة تنتمي في فكرها الى العصر الحجري، تستعد لالتهام كعكة الثورة المصرية التي رفضت هذه القوى في البداية المشاركة فيها بل وأصدرت بيانات تعاديها وتناهضها وتعلن فيها تمكسها بما كان يسمى بـ"الشرعية" أي بشرعية نظام مبارك الذي يتشدقون الآن بأنهم كاوا من أشد معارضيه!



إن نهاية السينما في مصر معناه نهاية الحداثة والفنون البصرية وفن الصورة إلا تلك التي تحمل دعاية مباشرة للعقيدة السياسية لجماعات التأسلم السياسي على شاكلة الدعاية الفاشية والنازية، لذلك لا أرى أي شكل آخر من مناهضة هذه القوى الزاحفة بقوة اليقين الشيطاني الى الاستيلاء على السلطة في غيبة الوعي العام، سوى الاستعداد التصدي لها بالقوة.
ولعل الدرس الألماني لايزال أمامنا واضحا، فلو كان القطاع الديمقراطي الوطني في ألمانيا قد تصدى للتيار النازي بالقوة وأنزلوا بأنصاره الهزيمة، لما أوصلوا ألمانيا الى ما وصلت اليه من عار وهزيمة لاتزال تدفع ثمنها حتى يومنا هذا رغم الفارق الكبير بالطبع بين أيديولوجية علمانية من صنع البشر أيا كانت شموليتها، وأيديولوجية دينية تزعم أنها تستند الى ما أنزله الله عز وجل!
فكيف سنواجه تلك القوى وهي تشهر في وجوهنا السيوف متخذة من الإسلام رهينة بين يديها، وكيف سنتمكن من قهرها؟ في صندوق الانتخابات؟
أشك أن هذا الصندوق سيكون متاحا بعد أربع سنوات من وصول تلك الشراذم الى السلطة في مصر، فستصبح عملية الاقتراع نفسها في خبر كان، وسيتم تدمير المؤسسات العصرية والاعتماد على ما يصدر من فتاوى موجبة من "المرشد العام"!
السينمائيون اليوم في حاجة الى أن يتحولوا من فنانين انعزاليين الى مقاتلين ليس فقط من أجل انقاذ السينما، بل وانقاذ الوطن نفسه. 

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

حول موقف الوفد المغربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي


لقطة من فيلم "أياد خشنة" لمحمد العسلي


صدم زملاؤنا وأصدقاؤنا من السينمائيين والنقاد الحاضرين في مهرجان أبو ظبي السينمائي بعد إعلان نتاج مسابقات الدورة الخامسة من المهرجان التي اختتمت السبت الماضي.
جاءت السينما المغربية إلى أبو ظبي بخمسة من أفلامها الروائية الطويلة معظمها كما نعلم جميعا، من الإنتاج المشترك (مع فرنسا تحديدا) بل ومنها فيلم مثل "رجال أحرار" من الإنتاج الفرنسي بالكامل دون أي مشاركة مغربية، ولكنه لمخرج مغربي متميز هو اسماعيا فروخي صاحب التحفة السابقة "الرحلة الكبرى" قبل سبع سنوات.
من بين كل من فازوا بالجوائز التي يبلغ عددها 42 جائزة (!) في هذا المهرجان السخي ماليا (يمنح المهرجان مليون دولار بالتمام والكمال للفائزين من صناع الأفلام) أقول من بين الفائزين جميعا لم يحصل سوى اسماعيل فروخي على جائزة أحسن مخرج عربي في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومقدارها 50 ألف دولار. ولكن فيلمه "رجال أحرار" لم يفز بالجائزة الكبرى بل فاز بها أجمل وأكمل أفلام المسابقة بالفعل وهو الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" لمارجان ساترابي وهو الفيلم الذي كان جديرا بالفوز بالأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا من وجهة نظر كاتب هذه السطور، كما ورد خلال تغطيتنا لمهرجان فينيسيا.
المشكلة أن المغرب حضر بمجموعة متميزة من الأفلام دون أدنى شك، ومنها ما كان جديرا بالفعل بالحصول على جائزة أو أكثر مثل الفيلم البديع "أياد خشنة" لمحمد العسلي. وكان من المتوقع أن يحصل هذا الفيلم نحديدا على جائزة أفضل فيلم في مسابقة "آفاق جديدة" التي نعيب عليها أن تعرض فيلما بهذا المستوى لمخرج كبير مثل العسلي في هذا القسم وليس في المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، والسبب يعود الى أن "آفاق جديدة" مخصص لعرض الأفلام الأولى والثانية للمخرجين.
لكن المهرجان ولجانه المتخصصة ارتكبت خطأ كبيرا عند اختيار فيلم "على الحافة" المغربي أيضا للعرض في المسابقة الرئيسية رغم كونه الفيلم الأول لمخرجته ليلى كيلاني!


لقطة من فيلم "رجال أحرار" لاسماعيل فروخي


هذا التناقض يعكس نوعا من الاضطراب الناتج عن فكرة غير مطبقة في أي مهرجان وهي تخصيص مسابقة خاصة للأفلام الأولى والثانية للمخرجين، في حين أن من الأفضل ادماج هذا النوع (إذا جاز التعبير) ضمن قائمة أفلام المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة بغض النظر عن كونها الأولى أو الثانية او لمخرج سبق له اخراج أكثر من ثلاثين فيلما.
في هذه الحالة تمنح لجنة التحكيم جائزة لأفضل فيلم أول لمخرجه. ويعامل الفيلم الاول عادة معاملة أي فيلم آخر، وهو ما يحدث في كبرى المهرجانات السينمائية في العالم.
ومن أسباب غضب الوفد المغربي أيضا ليلة الختام، منح جائزة أحسن ممثلة (بالمناصفة) للممثلة التي قامت بدور البطولة في الفيلم الاسباني "دموع الرمال" وهو الفيلم الذي أثار احتجاج الوفد المغربي على عرضه في المهرجان بسبب تبنيه لفكرة أن اقليم الصحراء الغربية يجب أن ينال الاستقلال عن المغرب وانه ليس جزءا من التراب المغربي (كما تعتبره كل الأحزب والكتل السياسية في المغرب من اليمين إلى اليسار).
وقد علمت أن المهرجان استجاب لطلب الوفد المغربي بسحب الفيلم من مسابقة "آفاق جديدة" بعد أن قيل للقائمين على المهرجان هل تقبل دولة الامارات فيلما ايرانيا يدافع عن اعتبار الجزر الثلاث التي استولت عليها ايران في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، جزرا "فارسية" يجب أن تتبع ايران!
غير أن عدم ابلاغ المهرجان للجنة التحكيم بسحب الفيلم أدى على ما يبدو الى حصوله على جائزة أحسن ممثلة. أما اذا كان المهرجان قد اكتفى بتهدئة المغاربة فقط وأبقى على الفيلم في المسابقة فهذا يعد نوعا من الاضطراب المربك حقا، ويصبح من حق المغاربة الاحتجاج على هذا التخبط.
الجوائز عند كاتب هذه السطور، لا قيمة لها ولم تكن أبدا، مقياسيا حقيقيا لقيمة الفيلم الفنية. وبالتالي لا ينبغي البكاء على ضياعها فالفيلم الجيد يبقى شاهدا على نفسه، ويدخل تاريخ السينما في بلاده بقيمته الفنية وليس بما حصل عليه من جوائز في المهرجانات.

الخميس، 20 أكتوبر 2011

نحو مهرجان سينمائي في أبو ظبي أكثر إحكاما وأقل ازدحاما بالأفلام




أكتب هذه الكلمة وأنا من المحبين لمهرجان أبو ظبي. لماذا؟ لأنه نجح في دعم الأفلام العربية ويواصل مشواره مع مهرجان دبي في دعم الأفلام الفنية العربية تحديدا أي تلك الأفلام المستقلة بمعنى استقلاليتها عن شركات الانتاج الكبيرة التي تضع عادة شروطا "تجارية" مسبقة أو وصفة يجب أن تتوفر للفيلم الذي ترحب بتمويله أو انتاجه، وكذلك شركات التوزيع السينمائي في العالم العربي صاحبة السمعة السيئة في الهبوط بالفيلم الذي ينتج في البلدان المنتجة للأفلام والتي تلقى توزيعا في السوق العربية.

مهرجان أبو ظبي يسعى أيضا إلى أن يكون احتفالا بفن السينما بجميع أنواعها، أي أنه ينفتح على كل أنواع الأفلام. وقد أضافوا هذا العام تقسيمات في دليل أفلام المهرجان يقسم الأفلام المشاركة حسب النوع، فهناك الأفلام الميلودرامية والرياضية والكوميدية والاجتماعية والمثيرة بل وهناك أفلام تقع تحت أفلام النساء وأفلام الـ"موكوكوميدي" وأفلام الفكاهة السوداء وأفلام البيئة وأفلام "الانعطافات" حسب تقسيم القائمين على هذا الدليل!

لكننا رأينا أيضا رغبة واضحة في التوسع الكبير في أقسام المهرجان دون أي معنى أو هدف سوى حشد أكبر عدد ممكن من الأفلام وتصنيفها ضمن هذه الأقسام.

ولعل الملحوظة الأولى تكمن في وجود عدد كبير يستعصي على الفهم للمسابقات (5 مسابقات تحديدا) مما يفقد فكرة التنافس معناها في الكثير من الأحيان، فمثلا لماذا تخصص مسابقة مستقلة للأفلام الأأولى والثانية للمخرجين في حين أن من الممكن استيعاب أفضل هذه الأفلام في مسابقة الأفلام الروائية، ولماذا التفرقة بين الروائي والوثائقي في حين أن الفروق بينهما تتضاءل تدريجيا والعالم كله أصبح الآن يضم الوثائقي الى المسابقة المخصصة للروائي!

ثالثا لماذا الاصرار على تنظيم مسابقة لأفلام الامارات في حين أن هذه المسابقة مكانها الحقيقي والطبيعي في المهرجان المستقل الذي يقام سنويا وهو مهرجان أفلام الخليج. هل هي الرغبة في المنافسة من أجل المنافسة، أم أن هناك هدفا محددا من وراء المسابقات هو  محل الاهتمام!

رابعا: ما معنى أن يخصص قسم يطلق عليه أفلام العائلة فهل معنى هذا مثلا أن باقي الأفلام لا تصلح لأن تشاهدها العائلات؟ وما معنى المسابقة المسماة "مسابقة أفلام عالمنا" وهل باقي الأفلام في باقي المسابقات ليست من عالمنا مثلا!

هناك خلط واضح بين أفلام البيئة وأفلام من عالمنا، وبين الأفلام الروائية الطويلة في المسابقة وأفلام قسم آفاق جديدة، وبين الدولة الضيف أي السويد التي يعرض لها عدد من الأفلام، وبين تداخل الكثير من هذه الأفلام في أقسام أخرى، الأمر الذي يعكس نوعا من العشوائية في التسميات والتقسيمات والمسابقات. ومعروف أن كثرة عدد المسابقات والجوائز ولجان التحكيم يفقد أي جائزة مصداقيتها.

ومن الأفضل في رأيي أن تكون هناك مسابقة للأفلام الطويلة (روائية وتسجيلية) ومسابقة للأفلام القصيرة. وأن تمنح جائزة واحدة لأفضل فيلم أول أو ثاني لمخرجه من الأفلام المعروضة داخل المسابقة الرئيسية. على أن تخصص القيمة المالية لباقي الجوائز لدعم السيناريوهات الجديدة، أي للمساهمة في دفع مزيد من السينمائيين للعمل.

ومن الضرروي أيضا أن يبدأ التفكير في جديا في الغاء الكثير من التظاهرات الموازية التي لا تجد في نهاية الأمر جمهورا لها مثل تظاهرة أفلام البيئة وما الى ذلك، فهذا النوع المتخصص من الأفلام يحتاج الى مهرجانات أي مسابقات خاصة تكون تحت اشراف مؤسسات دولية تهتم بهذا النوع من الأفلام تحديدا.

ومرة أخرى لعل المهرجان يعيد النظر في طريقة التنظيم والعلاقة بين أماكن اقامة الضيوف وأماكن العرض السينمائي وتقليص تلك المسافات الطويلة التي يتعين على الصحفيين والنقاد تحديدا قطعها يوميا للوصول الى مقر المهرجان في فندق يقع في أقصى الطرف من المدينة.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger