السبت، 21 مايو 2011

حول طرد لارس فون ترايير من مهرجان كان



في تاريخ مهرجان كان السينمائي كله، أي عبر 65 سنة، لم يحدث ان صدر بيان عنيف مثلما صدر أخيرا عن ادارة المهرجان ضد المخرج الدنماركي لارس فون ترايير، وهو البيان الذي اعتبره "شخصا غير مرغوب فيه" ونص على أن يعتبر هذا القرار ساريا من لحظة صدوره، وهو ما يعني طرد المخرج الشهير الموهوب، ومنعه من المشاركة في المهرحان مستقبلا.
ما السبب؟ السبب أن فون ترايير خلال مؤتمره الصحفي لمناقشة فيلمه المشارك في المسابقة الرسمية، صدرت عنه بعض الملاحظات التي أعرب فيها عن نوع من التحفظ على ما تقوم به اسرائيل وهو السلوك الذي وصفه حرفيا باللغة الانجليزية وحسب التعبير الشعبي الائع في عذع اللغة بسين أهلها والمتكلمين بها، بأنه pain in the assوالترجمة الحرفية لذلك بالعربية هي "وجع في المؤخرة" وقد ترجمناها تأدبا في الخبر المنشور في هذا الموقع "صداع في الرأس".
وعلىسبيل المغالاة في المزاح على طريقته المعهودة قال أشياء مثل "إنني أستطيع أن أفهم هتلر.. هو لم يكن بالشخص الذي يعتبر جيدا لكني افهمه.. وأنا أتعاطف مع اليهود كثيرا جدا.. لا ليس كثيرا بسبب أن اسرائيل قد اصبحت وجعا في المؤخرة".. وبهذا يكون فون ترايير قد تجرأ، من وجهة نظر القائمين على المهرجان، ولمس "العجل المقدس" الذي يعتبر محصنا ضد اي نقد من أي نوع، وهو ما أفزع الأوساط اليهودية واللوبي القوي في فرنسا الذي سرعان ما أجرى اتصالاه بوزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران، الذي اتصل برئيس مهرجان كان جيل جيكوب وطالبه باتخاذ موقف صارم ضد المخرج الدنماركي.
وكان فون ترايير قد اعتذر يوم الخميس، عن التصريحات التي بدرت منه في المؤتمرالصحفي يوم الاربعاء، لادارة المهرجان ولكل الذين وصلتهم تصريحاته، ونشر الاعتذار في الموقع الرسمي لمهرجان كان على الانترنت مساء الخميس، ونشر أيضا أن المهرجان قبل الاعتذار وانتهى الأمر. لكن الضغوط استمرت فعقدت ادارة المهرجان اجتماعا استثنائيا طارئا بكامل هيئتها لم يحدث في تاريخها كله، لإدانة فون ترايير وطرده ومنعه من دخول المهرجان.
خلال عشرين عاما تابعنا فيها المهرجان، جاء الكثير من السينمائيين، من الشرق ومن الغرب، هاجموا في المؤتمرات الصحفية كل شيء، وسخروا من كل الأجناس والعقائد والافكار، باستثناء جنس واحد لا يجوز أبدا المساس به، وإلا قامت القيامة واعتبر الأمر (عداء للسامية) بل إننا شاهدنا واستمعنا الى من أنكروا وجود الله سبحانه وتعالى من على منصة المؤتمرات الصحفية في كان، وسخروا منه علانية، دون أن يؤدي سلوكهم هذا إلى اي نوع من الاحتجاج أو الغضب من جانب ادارة كان او غيرها.
والآن، ولان الأمر يتعلق بالدولة الوحيدة في العالم كله التي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، ثارت ثائرة جيل جيكوب ورفاقه في لجنة المهرجان، فليس من الممكن أن تمر هذه السابقة الخطيرة في انتقاد تلك الدولة المارقة التي اصدرت الأمم المتحدة ضدها مئات القرارات الدولية التي لم تلتزم بها. فما معنى هذا؟
لقد ضرب المهرجان عرض الحائط بالمبدأ المعروف الذي يتشدق به الجميع هنا في كان وخارج كان، وهو مبدأ احترام حرية التعبير. ولكن يمكن الدفاع عن حريتك في التعبير حتى فيما يتعلق بالشرك بالله، ولكن غير مسموح لك انتقاد اسرائيل أو السلوك اليهودي فهذه تعتبر كبيرة الكبائر خصوصا في فرنسا التي نجح اللوبي الصهيوني فيها منذ عشرين عاما في اصدار قانون "فابيوس- غايسو" الشهير الذي يقضي بسجن كل من يشكك في المحرقة اليهودية (الهولوكوست). ومن فرنسا "بلد الحريات" انتقل هذا القانون ليصدر في طبعات أخرى في معظم بلدان الاتحاد الاوروبي، باستثناء بريطانيا.
إنني أكتب هذا المقال لكي أدين سلوك مهرجان كان في التفرقة بين المواقف المختلفة، وأطالب باسقاط هذا الحظر ضد سينمائي بارز مشهود له بالموهبة، خصوصا أنه اعتذر وقبل اعتذاره فماذا حدث بعد ذلك، وهل أصبح المهرجان ألعوبة في يدي القوى الصهيونية التي لا تقبل ادانة السلوط السياسية الذي أدانته مئات المرات هيئة الأمم المتحدة. وهل نسقط في هذه الحالة مهرجان كان، أم مطلوب منا الآن اسقاط الأمم المتحدة!

دليل المخرجين المصريين للحصول على السعفة الذهبية



1- ابحث عن موضوع يدور نصفه على الأقل في الصحراء، يتحرك أبطاله ببطء شديد، ويجب أن تصور مشهدا للسراب وانعكاس اشعة الشمس على الرمال، ويستحسن أيضا أن يضل بطل الفيلم طريقه ويدخل داخل مجموعة من الكهوف التي تؤدي الى متاهة كبرى.

2- اجعل في الفيلم شخصية إسرائيلي من يهود مصر كان قد هاجر من مصر الى اسرائيل وشارك في حربي 1967 و1973 ضد مصر وقتل عشرات المصريين، وهو يعود اليوم الى مصر ويزور بيت اسرته القديم في حي السكاكيني ويستقبله الجيران بحفاوة فيقرر الاستقرار في مصر لكي يموت فيها وسط اعجاب الجميع به وبشخصيته.

3- اجعل شخصيات الرجال داخل البيت المصري التقليدي (لابد أن يوجد فيه صحن الدار المفتوح على السماء) يخاطبون النساء من وراء الحجاب ولييس المقصود بالحجاب هنا غطاء الرأس، بل ستار كثيف يقسم الصالة الرئيسية في البيت ويخفي النساء وراءه. فالفكرة هي عدم اظهار المرأة بل فقط الاستماع لصوتها، واحظر عليها الخروج الا بصحبة الرجل وهي تتستر بالسواد الكامل في جنح الليل ونبدو مثل الشبح المخيف.

4- يجب ألا يقل طول اللقطة الواحدة عن 3 دقائق، والا يزيد طول المشهد عن 3 لقطات، بشرط عدم استخدام الكاميرا المتحركة (فهذه الميزة قاصرة فقط على الاوروبيين) بل استخدم الكاميرا الثابتة في الفيلم كله، واستخدم الضوء الخافت الباهت الذي يجعل المتفرج يتعب في الحملقة محاولا رؤية الاشباح التي تتحرك في الظلام، ولابهار نقاد كان بالأصالة الشرقية، حتى في المناظر الخارجية التي تدور في الاسواق الشعبية مثلا.

5- يجب أن يكون الحوار المستمر الذي لا يتوقف هو أساس الفيلم، ليس لكي تتحاور الشخصيات معا في ديالوج بل لكي يقفوا أمام الكاميرا يحدقون في الفراغ وكأنهم على خشبة مسرح، ويتحدثون في المطلق عن أشياء خارج الزمن والتاريخ... وليس مهما أن يحتوي الفيلم على حبكة أو يروي قصة ما بل المهم تصوير عدة شخصيات لا تكف عن الكلام طوال الوقت عن اشياء غير مفهومة. المهم أنها تبدو شخصيات متجهمة تفكر في مأساة ما خارج نطاق الفيلم.

6- الفيلم لا يجب ألا يقل عن 3 ساعات، ويجب ألا تستخدم أي موسيقى على الاطلاق، للإيحاء بثقل الزمن الذي يتسق مع ما يتصوره أعضاء لجان التحكيم عن "الشرق".

7- اجعل احدى شخصيات النساء تتمرد على العائلة بأن تخرج من وراء الحجاب الكبير وهي حامل لكي تبحث عن وسيلة من وسائل الطب الشعبي لاجراء عملية اجهاض، لدى امرأة عجوز تستخدم عود البخور والملوخية لاجهاضها مما يؤدي الى اصابتها بحمى النفاس وتقضي عدة ايام في آلام مبرحة ونزيف ينتهي بموتها في مشهد مفزع... حيث تغرق الدماء أرضية المنزل العتيق والشاشة.

8- يجب أن يبدأ الفيلم في الصحراء وينتهي في الصحراء أيضا، وتجعل بطل الفيلم يسير في اتجاه الأفق في لقطة مصورة بالحركة البطيئة، بينما تتبدى صورة أبو الهول في الخلفية.

9- احذر تماما التطرق الى أي فكرة سياسية تغضب الغرب كأن تجعل أحد الممثلين في الفيلم يأتي بسيرة سوء  عن اليهود او اسرائيل او الحروب، ولابد أن تصور مشاكل مصر كلها وقد نشأت بسبب طرد اليهود أو تهجيرهم، وان في عودتهم عودة الروح للبلاد لأنهم يحملون سر التاريخ.

10- انشر دعاية واسعة تقول ان الاسلاميين السلفيين يدعون الى حرق الفيلم، وان مؤلفه أو بطله اختطف واختفى منذ خمسين يوما ولذلك فلن يمكنه المشاركة في مهرجان كان وطالب السينمائيين في العالم باصدار بيان للدفاع عن الفيلم وبطله المختطف.

ملحوظة: اذا لم تستطع تصوير الفيلم في ثلاث ساعات بسبب عدم توفر الخام بما يكفي أو لضيق ذات اليد، ابتدع طريقة تجعلك تكتفي بساعة ونصف ولكن بحيث لا يقل طول اللقطة عن 5 دقائق، وبذلك يشعر المتفرج بالايقاع السرمدي الممتد وحبذا ايضا لو استخدمت حجم الكلوز أب تحديدا للانتقال في المشاهد الداخلية . فهذه ممن يعشقها نقاد الشانزليزيه تحديداّ الذين يضمنون لك السعفة الذهبية.

أخيرا على كل منكم نقل الرسالة الى زملائه، موفقين جميعا ان شاء واحد أحد.

الجمعة، 20 مايو 2011

هذه المهزلة وتلك الروح الشوفينية في كان!

أعتبر الممثل أحمد حلمي ممثلا موهوبا، خصوصا في أدوار الكوميديا التي تقف على حافة التهريج، أي أنها ليست تهريجا مطلقا كما يفعل مثلا ممثل "اللنبي" محمد سعد، أو كوميديا محترمة كما يجسدها أي ممثل محترم ولا يشترط بالمناسبة أن يقول عن نفسه إنه ممثل كوميدي فقد كان رشدي أباظة مثلا ممثلا يقدم الكوميديا الى جانب كل الأدوار الأخرى، وينجح فيها، تماما كما كان شكري سرحان مثلا أو عمر الشريف وغيرهم.
أما أن يكون أحمد حلمي المتحدث باسم شباب السينمائيين الثوريين أو بمناسبة ثورة يناير وتكريمها في مهرجان كان بعرض فيلم "18 يوم"، فهو آخر ما كان متصورا.

لقد صعد أحمد حلمي ليلقي كلمة باللغة العربية جاءت اهانة للثورة المصرية العظيمة عندما أخذ يستخدم تشبيهات سوقية من الدرجة السفلى كأن يشبه الشعب المصري بأنه كالخيط لا يوحي بأنهه سينقطع ثم ينقطع فجأة، وليس مثل "الأستيك" الذي ... لا اعرف ماذا ولا اريد أن اعرف فقد شعرت بالخجل من هذه اللغة السوقية والتشبيهات التي تأتي انطلاقا من فرط تأثر صاحبها بكلمات الحوار الهابط في معظم الأفلام التي يمثلها والتي كما قلت، تقف على حافة التهريج!

وعندما أخذته الحماسة وكان يسري نصر الله يترجم له كلماته للغة الفرنسية، اخذ يردد أنه يلقي الكلمة بالعربية لأنه أولا لا يعرف أي لغة أخر سواها، وهو اعتراف بالجهل يحمد عليه، لكنه انبرى بلسان شوفيني وأفق ضيق يتصور أنه يلقي كلمته في حانة من حانات باب اللوق امام حشد من الحشاشين والسكارى من المستوى المتدني لعله يدغدغ مشاعرهم المحدودة، قال إنه حتى لو كان يعرف عشر لغات لما تكلم سوى بالعربية لأنها لغة مصر.. وكأن العربية أفضل من كل اللغات، وكأن مصر ولدت في التاريخ وهي تتكلم العربية، وكأن الجهل أخيرا، قد أصبح "قيمة" تدعو للتفاخر!

شعرت بالخجل ليس فقط من اطلاق مثل هذه التعبيرات غير الموفقة بل الغليظة، بل ولأن كلمات أحمد حلمي عادت لتردد التبرة الاستعلائية الممجوجة حول التفوق المصري العنصري، وتحسيس الآخرين، من غير المصريين الجالسين في المقاعد والذين جاءوا احتفالا بمصر في كان، بأنه ينتمون الى شعوب أدنى، لأن "العبقري" اعتبر أن ما تحقق في مصر يجب أن يركع له الجميع، وهذه النغمات الاستعلائية من الموروث الاعلامي لنظام مبارك، وكانت دائما محاولة من جانب النظام لستر الانكسارات والهزائم والتراجعات المتتالية.

والغريب أن أحمد حلمي الذي طرد من ميدان التحرير بسبب مواقفه امؤيدة لنظام مبارك، جاء يركب مثل آخرين، موجة الثورة، تماما كما فعلت الممثلة التي لا تخجل من نفسها المدعوة يسرا. وهنا اللوم يقع على عاتق المخرد الصديق يسري نصر الله الذي اسند اليها دورا في فيلمه الذي يعد أحد الأجزاء العشرة من هذا الفيلم عن ثورة يناير. وإحقاقا للحق أقول إن الفيلم الذي أخرجه يسري من أضعف أجزاء الفيلم وأكثرها برودة وافتعالا بل وفراغا فنيا، فليس هناك موضوع أصلا وأنت لا تفهم عم يحكي بالضبط، ومن هذه الشخصيات الغريبة التي تتحرك مثل الروبوت.. وما هذا الشاب الأشعث الشعر الذي يبدو وقد ولد في جبلاية قرود لكنه يتصرف كأرستقراطي ويتصل بمن يدعوه "عم عبده لكي يحضر ليكوي له ملابسه داخل الشقة لأنه يخشى الخروج للشارع بسبب انتشار البلطجية واللصوص.. وما هذا الفيلم الذي يتوسع في الحديث عن اللصوص فيما الحديث عن الثورة ضئيل جدا في سياقه. وما الذي جاء بمنى زكي في هذا الفيلم لكي يجعل منها بطلة جماهيرية تصر رغم أنف زوجها الأشعث، على النزول للتحرير!

الأربعاء، 18 مايو 2011

فيلم إيراني "ممنوع" في مهرجان كان


هل تصنع المعارضة السياسية سينما عظيمة؟


أمير العمري

جاء فيلم "وداعا" للإيراني محمد رسولوف إلى مهرجان كان، مفاجأة لم تكن متوقعة، فمخرجه يقضي عقوبة بالسجن لمدة ست سنوات رغم أنه أعلن أنه سيستأنف الحكم، كما صدر قرار من السلطات الإيرانية بمنعه من الإخراج السينمائي لمدة عشرين عاما هو وزميله جعفر بناهي (الذي يعرض له فيلم جديد في المهرجان أيضا، يقال إنه أخرجه من وراء القضبان بمساعدة مخرجة إيرانية على طريقة الفيلم الأخير للمخرج التركي الراحل يلماظ جوني"، وكان أيضا معارضا سياسيا في تركيا، ولكن شتان بين الحالتين).

المفاجأة الأولى التي جاءت قبل بدء عرض فيلم المخرج محمد رسولوف (والمقصود محمد رسول ويكتبه الإيرانيون كما يظهر على شريط الفيلم "محمد رسول اف".. بينما تميل الصحافة العربية إلى ترجمته عن اللغات الأوروبية خطأ "راسولوف". وعموما الإسم ليس هو المفاجأة ولا تلك النغمة "الروسية" التي تصبغ الاسم، إلا إذا كانت كلمة "اف" لها معنى ما ديني أو على الأقل- حميد- في هذا السياق، في اللغة الفارسية التي لا ندعي أننا نعرفها!

أما المفاجأة أو ما اعتبرته شخضيا مفاجأة (ولا يبدو أن معظم الحاضرين،وكانت القاعة تغص بهم، اعتبروه كذلك) هو أن يتقدم وفد إيراني مكون من رجل ومجموعة من النساء الايرانيات بينهن بطلة الفيلم وصاحبة الدور الرئيسي فيه وغيرها أيضا، وجميعهن يرتدين الشادور أي الزي الايراني الاسلامي التقليدي ويغطين رءوسهن. والمعنى الواضح وراء ذلك أن هذا وفد "رسمي" جاء من إيران رأسا (ولم يأت مثلا من أمريكا)، بموافقة السلطات الإيرانية ومباركتها، فكيف يكون هذا الفيلم فيلما معارضا وتبارك السلطات عرضه، بل وترسل معه وفدا رسميا. ولو كان الفيلم ممنوعا بسبب معارضته للنظام، أو صور سرا كما أشيع، لكانت إيران قد اعترضت رسميا، كما سبق أن فعلت، على عرضه ضمن البرنامج الرسمي في مهرجان كان (يعرض الفيلم في تظاهرة نظرة خاصة أي يتسابق على نيل الجائزة المخصصة لأفضل الأفلام في هذا القسم وهو أمر غير مستبعد بعد سابقة حصول فيلم ايراني سياسي آخر ضعيف قيل أيضا أنه صور سرا على هذه الجائزة قبل سنتين، وهو فيلم بهمن قبادي "لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية)!

ولا أفهم كيف يكون الفيلم معارضا، وتأتي ممثلاته وقد وضعن على رءوسهن علم النظام "القمعي" أو "ساتر الرأس" الذي تفرضه شرطة الأخلاق والتهذيب الايرانية، وهي جهاز قمع النظام الايراني الشبيه بنظام المطوعين في السعودية!

رسولوف
أما الفيلم نفسه، كعمل فني، وليس كعمل سياسي، فقد جاء ضعيفا إلى حد يثير الرثاء حقا. بناء تقليدي، وايقاع ميت بمعنى الكلمة، قد تستغرق فيه لقطة واحدة نحو سبع دقائق مع كاميرا ثابتة تصور امرأتين من الجانب (البروفيل) تتبادلان الحديث الممل، المعاد، المكرر، دون توقف، فما هو الإبداع الاعجازي الذي يشهق له البعض في كان وغير كان، والذي يمكن أن يكون موجودا في فيلم متهافت رديء ممل من هذا النوع!

موضوع الفيلم أن محامية شابة متزوجة من رجل يفترض أن يكون في السجن، كمعتقل سياسي، ترغب في الحصول على تأشيرة للخروج من ايران، ولكننا أيضا لسنا متأكدين من حقيقة اعتقال زوجها، فهو يظهر في مشهد من المشاهد معها في البيت، يناقشها في موضوع السفر للخارج ويرفضه. وهي في الوقت نفسه تقول لكل من يسألها عنه (مثل صاحب المنزل الذي تستأجره وتريد أن تتركه لتحصل على مبلغ التأمين الذي دفعه زوجها) إنه يعمل في الجنوب، في منطقة صحراوية لا توجد فيها تغطية للهواتف المحمولة. بل انها تكرر هذا القول أيضا لرجال الشرطة السرية، وهو ما يحدث اختلاطا في الفهم لدى المشاهدين للفيلم، فكيف لا تعرف الشرطة أنه مسجون!

وليس في الفيلم شيء آخر عدا أن هناك زوجا "غائبا"، وزوجة تسعى في طرق تحت أرضية، للحصول على تأشيرات لدخول دولة أجنبية لها ولزوجها، وهي في الوقت نفسه حامل، ترغب أولا في الاحتفاظ بالطفل، ثم تحاول التخلص منه لكنها تواجه مصاعب في هذا السبيل. وهو جانب سبق تناوله كثيرا في الافلام الايرانية وغير الايرانية دون أن يكون له معنى خاص. وبعد مشاهد طويلة تمتليء بالحوارات المملة والتي تدور كلها في أماكن داخلية، كان قد ينتهي الأمر باعتقال المرأة ومنعها من السفر. فما هي العظمة الفنية وراء موضوع ممل ساذج، أحادي الجانب مثل هذا، وماذا يغري في فيلم تقليدي لو صنع في اندونيسيا مثلا لما لفت نظر أحد من القائمين على أمر مهرجان كان أو غيره من المهرجانات في الغرب.

جعفر بناهي
المسألة بوضوح أن إيران حلت سياسيا محل الاتحاد السوفيتي. وبعد أن ظلت الأوساط السينمائية في الغرب، وخصوصا في مهرجانات السينما الغربية مثل كان تحديدا، تذرف الدموع وتصدر بيانات الشجب والادانة طوال الستينيات والسبعينيات، ضد السياسة السوفيتية، وتطالب بالافراج عن الأفلام"الممنوعة" هناك وتتلقف ما يهرب منها سرا وتقرع له الطبول، أصبحت الأن تستبدل الاتحاد السوفيتي بإيران، وتعلي كثيرا من شأن أفلام إيرانية لا قيمة لها ولا يمكن أن تصمد في أي اختبار حقيقي يعتمد فقط على تحكيم المستوى الفني وحده، وبعيدا عن تلك المبالغات الاعلامية التي تدور حول المنع والقمع والاضطهاد، ووضع كراسي فارغة للمخرجين الغائبين، بينما تصادر الأفلام وتمنع يوميا هنا وهناك دون أن يلتفت أحد، بل واحيانا يقتل أيضا السينمائيون وتدفن جثثهم، دون أن ينبري السيد تيري فيرمو أو جيل جاكوب، للتباكي على ما يحدث لهم من قمع وقتل على الهوية. ولعل أمامنا مثل واضح لما يحدث يوميا من انتهاكات من أبشع ما يكون، تجري على أرض فلسطين. بل وماذا عما يحدث للسينمائيين السوريين؟ ولماذا لم يخصص مهرجان كان مثلا يوما للتضامن مع هؤلاء السينمائيين الممنوعين من العمل والذين يتساقطون واحدا وراء الآخر أو يضطرون للعيش في المنافي أو الصمت في الداخل!

إن السينما العظيمة لا تصنعها بيانات التنديد والتأييد، ولا ادعاءات أنها سينما معارضة سياسية، فأي معارضة تلك التي ترتدي أعلام النظام، وتأتي بأوامر منه، وأي معارضة تلك التي تستخدم فكرة المعارضة للمتاجرة بها في الغرب وتحقيق مكاسب لسينما ضعيفة، مفككة، تقليدية تمتليء بالحوارات المملة التي لا تنتهي، والمواقف الميلودرامية التي تتوقف الكاميرا أمامها لا تريد أن تتحرك ابدا؟ وما هذه السينما المتجهمة المنفرة التي لا تعرف أي نوع من الدعابة وكأن الشخصية الايرانية (المعارضة أو المضطهدة) لا تبتسم، ولا تضحك، ولا تملك أي قدرة على التفاؤل والأمل.

إنني لا أنسى عندما جاء المخرج الروسي المرموق اليم كليموف الى دار الفيلم البريطانية ودار معه نقاش مفتوح صريح عام 1987، وكان قد تولى أخيرا منصب الأمين العام لاتحاد السينمائيين السوفيت، ففاجأ الجميع ممن يسألونه عن الأفلام "الممنوعة" بأنه عندما تولى منصبه، أمر بإعداد قائمة بالأفلام الممنوهة او الموضوعة "فوق الرف"، واستدعي مخرجيها وسألهم إذا كانوا لايزالون يرغبون في عرضها هروضا عامة، فكانت المفاجاة أن معظمهم رفض عرضها لرداءة مستواها، وحتى لا تحسب عليهم أو بالأحرى، ضدهم، فنيا!

وأنا أكاد اثق أنه سيأتي يوم يعاد فيه فتح ملفات السينما الإيرانية، لنعرف حقيقة ذلك "المنع" المزعوم، والاضطهاد، والنضال الايراني ضد القمع السينمائي. والفيلم الجيد يظل في النهاية هو الفيلم الجيد، وليس الفيلم المؤيد أو المعارض.


جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger