الجمعة، 24 ديسمبر 2010

جوائز مهرجان دبي السينمائي السابع

الممثل ماجد الكدواني يتسلم جائزة أفضل ممثل من رئيس المهرجان
للتوثيق ولتاريخ السينما أنشر هنا القائمة الكاملة بجوائز الدور السابعة لمهرجان دبي السينمائي حسب ما ورد في الموقع الرسمي للمهرجان.
المواهب الإماراتية
• الجائزة الأولى
ملل
مخرج سينمائي: نايلة الخاجة
الإمارات العربية المتحدة

• الجائزة الثانية
سبيل
مخرج سينمائي: خالد المحمود
الإمارات العربية المتحدة

• جائزة لجنة التحكيم الخاصة
حمامه
مخرج سينمائي: نجوم الغانم
الإمارات العربية المتحدة

• شهادة تقدير
ريح
مخرج سينمائي: وليد الشحي
الإمارات العربية المتحدة

مسابقة المهر العربي / أفلام الروائية
• أفضل ممثلة
ستة، سبعة، ثمانية
ممثل/ممثلة: بشرى
مصر

• أفضل ممثل
ستة، سبعة، ثمانية
ممثل/ممثلة: ماجد القدواني
مصر

• أفضل تصوير
براق
مصور: زايفير كاسترو
المغرب

• أفضل موسيقا
مطر أيلول
ملحّن: عصام رافع
سوريا

• أفضل مونتاج
ميكروفون
مونتير: هشام صقر
مصر

• أفضل سيناريو
عند الفجر
مخرج سينمائي: جيلالي فرحاتي
المغرب

• الجائزة الأولى
رصاصة طايشة
مخرج سينمائي: جورج الهاشم
لبنان

• جائزة لجنة التحكيم الخاصة
مدن الترانزيت
مخرج سينمائي: محمد الحشكي
الأردن

مسابقة المهر العربي / أفلام الوثائقية
• الجائزة الأولى
هذه صورتي وأنا ميت
مخرج سينمائي: محمود المساد
هولندا، الولايات المتحدة، الإمارات العربية المتحدة

• الجائزة الثانية
سقف دمشق و حكايات الجنة
مخرج سينمائي: سؤدد كعدان
سوريا, قطر

• جائزة لجنة التحكيم الخاصة
أبي من حيفا
مخرج سينمائي: عمر شرقاوي
الدانمارك

• شهادة تقدير
بيت شعر
مخرج سينمائي: أيمان كامل
مصر, ألمانيا, الكويت, الإمارات العربية المتحدة

• شهادة تقدير
تذكرة من عزرائيل
مخرج سينمائي: عبدالله الغول
فلسطين

مسابقة المهر العربي / أفلام القصيرة
• الجائزة الأولى
تليتا
مخرج سينمائي: سابين الشمعة
لبنان

• الجائزة الثانية
مختار
مخرج سينمائي: حليمة ورديري
كندا

• جائزة لجنة التحكيم الخاصة
قراقوز
مخرج سينمائي: عبدالنور زحزاح
الجزائر

مسابقة المهر الآسيوي-الإفريقي / أفلام الروائية
• أفضل ممثل
رجل صارخ
ممثل/ ممثلة: يوسف دجاوورو
فرنسا, تشاد, بلجيكا
• أفضل ممثلة

مرهم

ممثل/ممثلة: کروبري حسن زاده
إيران

• أفضل تصوير
العم بونمي الذي يتذكر حيواته السابقة
مصور: سايومبهو موكديبروم
المملكة المتحدة, تايلند, إسبانيا, ألمانيا, فرنسا

• أفضل تصوير
العم بونمي الذي يتذكر حيواته السابقة
مصور: يوكنتورن مينغمونغكن
المملكة المتحدة, تايلند, إسبانيا, ألمانيا, فرنسا

• أفضل موسيقا
غابة نرويجية
ملحّن:
اليابان
• أفضل مونتاج
رجل صارخ
مونتير: ماري- هيلين دوزو
فرنسا, تشاد, بلجيكا

• أفضل سيناريو
الرجاء عدم الإزعاج
كاتب سيناريو: محسن عبدالوهاب
إيران

• الجائزة الأولى
رجل صارخ
مخرج سينمائي: محمد صالح هارون
فرنسا, تشاد, بلجيكا

• جائزة لجنة التحكيم الخاصة
الحياة أولا
مخرج سينمائي: أوليفر شميت
جنوب إفريقيا، ألمانيا

• شهادة تقدير
نهاية حيوان
ممثل/ممثلة: من-جي لي
كوريا الجنوبية

مسابقة المهر الآسيوي- الإفريقي / أفلام الوثائقية
• الجائزة الأولى
ليتني عرفت
مخرج سينمائي: جيا زانج- كه
الصين

• الجائزة الثانية
الملهمات التسع
مخرج سينمائي: جون أكمفرا
غانا, المملكة المتحدة

• جائزة لجنة التحكيم الخاصة
كوندي والخميس الوطني
مخرج سينمائي: اريان استريد أتدجي
الكاميرون

• شهادة تقدير
إن شاء الله، كرة قدم!
مخرج سينمائي: اشفين كومار
الهند

• شهادة تقدير
أمين
مخرج سينمائي: شاهين برهامي
إيران, كندا كوريا الجنوبية

مسابقة المهر الآسيوي-الإفريقي / أفلام القصيرة

• الجائزة الأولى
الحلَق
مخرج سينمائي: نرجيزا ممتكولفا
قيرغيزستان

• الجائزة الثانية
لعبة غير طريفة
مخرج سينمائي: جونغ شول بارك
كوريا الجنوبية

• جائزة لجنة التحكيم الخاصة
النوم معها
مخرج سينمائي: شي يي ون
تايوان

جائزة الاتحاد الدولي لنقّاد السينما للأفلام الروائية والقصيرة
• أفضل فيلم روائي
مدن الترانزيت
مخرج سينمائي: محمد الحشكي

الأردن
• أفضل فيلم قصير
1/2 2

مخرج سينمائي: ايلي كمال
لبنان
جائزة الاتحاد الدولي لنقّاد السينما للأفلام الوثائقية

• أفضل فيلم
ظلال
مخرج سينمائي: ماريان خوري
مصر, فرنسا, المغرب, الإمارات العربية المتحدة

• أفضل فيلم
ظلال
مخرج سينمائي: مصطفى الحسناوي
مصر, فرنسا, المغرب, الإمارات العربية المتحدة

جائزة شبكة أفلام حقوق الإنسان
• أفضل فيلم
مشتبه به
مخرج سينمائي: روبيرتو هيرنانديز
المكسيك

• أفضل فيلم
مشتبه به
مخرج سينمائي: جيفري سميث
المكسيك

جائزة الجمهور من داماس
• أفضل فيلم
أبي من حيفا
مخرج سينمائي: عمر شرقاوي
الدانمارك

الجمعة، 17 ديسمبر 2010

مهرجان دبي السينمائي 3

فيلم"678" ومشاكل الأسلوب




من الأفلام المصرية التي احتفى بها مهرجان دبي السينمائي في دورته السابعة، الفيلم الجديد "678" الذي خصص له المهرجان عرضا كبيرا مميزا جاء في افتتاح البرامج العربية للمهرجان، وأقام ندوة صحفية واسعة لأبطاله ومخرجه قبيل عرضه مباشرة، كما حظى بتغطية واسعة عبر النشرة اليومية للمهرجان. وجدير بالذكر أن عرض الفيلم في دبي كان العرض العالمي الأول له قبل أن تبدأ عروضه في مصر في اليوم التالي أي في الخامس عشر من ديسمبر الجاري.
الفيلم لمخرج جديد قادم من عالم كتابة السيناريو هو محمد دياب. ومن إنتاج شركة "دولار فيلم" التي عادت أخيرا إلى مجال الإنتاج، وهي الشركة التي أنتجت عشرات الأفلام منذ نهاية الأربعينيات.
ويقوم بالأدوار الرئيسية في الفيلم بشرى ونيللي كريم وأحمد الفيشاوي وناهد السباعي وباسم سمرة وماجد الكدواني وسوسن بدر.
يرسم محمد دياب ببراعة شخصيات فيلمه المتعددة، التي يطرح من خلالها موضوعه الجريء، أو بالأحرى، يقدم بانوراما مكثفة مرعبة لما يقع يوميا في وسائل النقل العام في مصر بل وفي الشوارع والمدارس وغيرها أيضا، من تحرش جنسي تتعرض له النساء من جانب شريحة من الرجال، نتيجة للكثير من الأسباب الاجتماعية المرتبطة بحالة التدهور الاقتصادي وما يخلفه من عجز عن التحقق والإشباع من خلال الزواج، ونتيجة شيوع ثقافة التفوق الذكوري على "الأنثوية" التي تعد ضعيفة بالضرورة، وفي إطار هذه الثقافة تعتبر المرأة عموما "هدفا"، مشروعا للمعاكسات والمضايققات اللفظية والجسدية التي تصل في الكثير من الأحيان أيضا، إلى الاغتصاب، كما يعرض الفيلم بشكل صادم تماما.
إننا نحن أمام سبع شخصيات رئيسية تتداخل حياتها معا، وتتفرع وتتناقض لتنسج لنا تعقيدات الوضع الذي يفرز تلك الظاهرة، في حين أغمضت السلطات الرسمية عيونها عنها بل، ويتم تجاهل مناقشتها في الإعلام الرسمي بدعوى أنها إما تعد ظاهرة فردية محدودة، أو قد تسيء إلى سمعة مصر، وهي الذريعة نفسها التي تتخذ أيضا في مواجهة هذا النوع من الأفلام الاجتماعية.

بناء الشخصيات
شخصيات الفيلم هي أولا الشخصيات النسائية الرئيسية الثلاث: فايزة (بشرى) المرأة المحجبة الفقيرة التي تعاني من أجل تدبير نفقات الحياة مع زوجها وضمان تعليم طفليهما في المدارس الحكومية بمشقة بالغة. و"نيللي" (ناهد السباعي) التي تنتمي للطبقة الوسطى وتبو متحررة متماسكة تتمتع بقوة الشخصية والاستقلالية، و"صبا" (نيللي كريم" وهي امرأة ثرية حققت استقلالها الاقتصادي من خلال المشروع الخاص.
تتعرض النساء الثلاث للتحرش الجنسي في مواقف مختلفة، في حين تستمر معاناة "فايزة" بصورة يومية بسبب اضطرارها لاستخدام وسائل المواصلات العامة.
وفي مشهد من أفضل مشاهد الفيلم نرى كيف تتعرض "نيللي" للتحرش في عرض الطريق من سائق شاحنة يقبض على جسدها بقوة ويجذبها من داخل الشاحنة غير عابيء بما يمكن أن ينتج عن معابثته المستهترة لها من كارثة قد تودي بحياتها. لكن بسبب وعيها باستقلاليتها وعدم خوفها من مواجهة المعتدي، تقاوم نيللي بجرأة وشجاعة، بل وتطارد الرجل في مشهد شديد التعقيد من الناحية الفنية، لاشك أن محمد دياب ينجح بمساعدة المونتير، في تكثيفه وتجسيده واستخراج أكثر شحنة نفسية منه تصدم المتفرج وتضعه مباشرة في قلب المشكلة.
لا تخجل نيللي من مواجهة الموقف، بل وتصر على مقاضاة الرجل الذي اعتدى عليها في أول حدث من نوعه في مصر، وتتعرض خلال هذا للكثير من الضغوط من جانب أسرتها ومن جانب أسرة خطيبها الشاب الذي يبدو رغم قناعته بقضيتها وتفهمه لها، من النوع الذي يفضل الانحناء أمام العاصفة.
أما "صبا" فهي تتعرض لتحرش جنسي جماعي من جانب مجموعة من الشباب عقب مباراة مصر والجزائر في كرة القدم، فتلجأ بعد ذلك إلى توعية النساء من مخاطر التحرش وكيفية مواجهته، وتلتقي بالتالي بالضحيتين السابقتين، ومن هنا ينطلق الجميع لمعاقبة المتحرشين بالعنف المضاد.
ويدخل دور ضابط المباحث إلى الفيلم من خلال تعقبه لموضوع الاعتداء الجسدي على رجلين من المتحرشين، وتعقب الفتيات الى أن يتوصل لحقيقة ما حدث بل والى الأداة التي تستخدم في إصابة المتحرشين في مواضع حساسة من أجسادهم. ولكن هذه الشخصية تحديدا يمدها المخرج- الكاتب على استقامتها لكي يتعمق في نسيج حياتها الخاصة، في علاقته مع زوجته التي لا تنجب سوى الذكور، ثم كيف تموت بعد ولادة أول أنثى، وما ينتج عن ذلك من تطور مفترض في شخصيته وفي نظرته للحياة.
من الشخصيات الذكورية في الفيلم هناك أيضا شخصية زوج فايزة (باسم سمرة) الذي يشكو من اعراضها عنه بسبب نفورها المتولد عن الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها من جانب الرجال يوميا. وينتهي به الأمر إلى ممارسة العادة السرية.
وهناك أيضا الزوج السابق لصبا (أحمد الفيشاوي) وهو طبيب، ولكنه رغم ثقافته واطلاعه، عجز عن فهم أزمتها والتعامل معها بعد تعرضها للاغتصاب الجماعي أمام عينيه، وكأنه يلقي باللوم على الضحية، وهذا المفهوم سائد في الثقافة الشعبية المصرية والعربية عموما.
ولاشك أن الفيلم يطرح موضوعا جريئا لم يسبق طرحه في السينما المصرية والعربية من قبل بمثل هذه القوة والوضوح والتفصيل.

الأسلوب
ولاشك أن الأسلوب الواقعي في الإخراج الذي يصل أحيانا إلى محاكاة أسلوب الفيلم التسجيلي، باستخدام التصوير في الشوارع وفي ووسائل المواصلات العامة، ووسط الحشود خارج استاد القاهرة الرياضي، مع استخدام الكاميرا المحمولة المتحركة في الكثير من تلك المشاهد، يضفي الحيوية والواقعية على الفيلم، ويحقق هدفه في توصيل الفكرة إلى الجمهور، وتحقيق الصدمة المطلوبة التي تجعل المشاهدين يفتحون عيونهم على حقيقة ما يجري في المجتمع وانعكاساته وأسبابه.
وخلال الحبكة بتعقيداتها الدرامية والنفسية، يطرح الفيلم سؤالا كبيرا خلال هذا الطرح حول مدى مشروعية التصدي للعنف بالعنف، وحول العلاقة المعقدة (داخل البيوت والأسر) بين الرجل وزوجته، وهل يمكن أن تكون هناك أسباب أخرى (غير البرود الجنسي والإعراض بسبب عدم التوافق) من جانب الزوجة تجاه زوجها.. كما يطرح الكثير من الأسئلة حول مسؤولية الفرد ودور الدولة في التصدي للظاهرة، وحول مدى فهم رجل الشرطة لطبيعة المشكلة، ونظرة امجتمع للمرأة التي تتعرض للاغتصاب، وغير ذلك.
وكان يمكن أن يسجل لمحمد دياب أنه تمكن من تقديم عمل سينمائي شديد القوة والتميز، وأيضا التماسك والانسجام. فهو أولا عثر على موضوع جديد مثير للاهتمام، قريب من الجمهور.
ثانيا: نجح في تقديم عدد من الشخصيات الإنسانية التي يناقش من خلالها تلك القضية المعقدة الحرجة من القضايا المسكوت عنها في المجتمع.
وثالثا: لجأ إلى أسلوب سينمائي واقعي يعتمد على اقتناص اللقطات الموحية من زوايا صعبة، وربط مشاهد فيلمه ولقطاته بالإيقاع المتدفق السريع، وضبط الانتقال بين الشخصيات المتعددة، دون أن ينسى متابعة أحدها، وبحيث يستولي على اهتمام المتفرج طيلة الوقت.
إلا أن هذه السيطرة على الإخراج وعلى الأداء الجيد من معظم الممثلين المشاركين في الفيلم، وهو ما يميز الفيلم في ثلثيه الأولين، لا يستمر ويمتد بكل أسف إلى الثلث الأخير من الفيلم. هنا نجد الكثير من الحشو، ومن الخطابة المباشرة، والضغط بدون أي ضرورة فنية أو درامية، على "المعنى" و"الرسالة" وكأننا أمام عمل من أعمال التوجيه التعليمي النظري التربوي.
في الثلث الأخير من الفيلم الذي كان يجب أن يجمع فيه المخرج المؤلف خيوط فيلمه وينتهي بشخصياته إلى نهاياتها الطبيعية التي قد تكون أيضا نهايات مفتوحة، يحكم انفعالاتها، ويكتفي بالشحنة العاطفية الهائلة التي ولدتها المشاهد المتدفقة في الثلثين الأولين، إذا به يكشف عن تشوش فكري كبير، فهو حائر بين التفسير الواقعي العلمي للظاهرة، وبين التفسير الأخلاقي المبسط الساذج لها، بين ضرورة مواجهة الظاهرة بالعقل وبالوعي وبما تتركه من ندوب وآثار، والانحياز للمرأة ولحريتها في أن تخرج وتعمل وترتدي الملابس العصرية، وبين الخضوع للقيم الاقطاعية المتخلفة السائدة التي ترى أن المرأة قد تكون مسؤولة عما يحدث لها أيضا بسبب طريقتها في التزين والملبس.
ولعل جعل شخصية "فايزة" لامرأة ترتدي الحجاب والجلباب الطويل الذي يغطي جسدها بالكامل، ومع ذلك تتعرض يوميا لشتى أنواع التحرش، من أهم ما يصوره هذا الفيلم. وكان المرء يتخيل أنه بهذا الاختيار يريد أن يؤكد على أن ملابس المرأة ليست السبب فيما تتعرض له من اعتداءات من جانب رجال لا يردعهم حتى ما يسمى بالزي الإسلامي الذي يستر الجسد كله.
إلا أن الفيلم لا يثبت على موقفه هذا بل ينحرف في اتجاه خطاب شديد التزمت والرجعية عندما تقف فايزة، تلقي محاضرة على كل من نيللي وصبا، حول ضرورة ارتداء الملابس المحتشمة، وتتهمم الاثنتين بالتبرج والمبالغة والخروج على قيم المجتمع.. والتسبب بالتالي فيما جرى لهما. وينتهي هذا المشهد بصمت الاثنتين دلالة على عجزهن عن مواجهة منطق فايزة، ثم صعودها السلم إلى أعلى والتطلع إليهن بينما نراهن في أسفل السلم دلالة على هزيمة منطقهن. وفي مشهد تال نرى صبا وهي تقص شعرها أمام المرآة، وتتخلى عن التجميل. وهي تعود لكي تطلب مباركة فائزة لها بعد قص شعرها. وقد توقف المخرج قليلا عن جعلها ترتدي الحجاب أيضا بعد ادراكه أن شخصية المرأة المحجبة في فيلمه تتعرض للمضايقات ربما أكثر من غيرها، في نطاق الدراما التي كتبها على الأقل!

تناقضات
يتناقض هذا المشهد برؤيته الأخلاقية الساذجة، مع الطرح الواقعي القوي في البداية، ولذلك يمكن القول إن الفيلم يعاني من التشوش الفكري، بل ويرتد إلى السينما التقليدية ذات الرسالة المبسطة بسبب اللجوء إلى الخطاب المباشر، وإلى الوعظ والتصعيد الدرامي العنيف دون أي حاجة لذلك، خاصة وأنه يفرط أيضا في استخدام التعليقات اللفظية التي تصل إلى مستوى "النكات" رغبة في مغازلة الجمهور. وهذه هي آفة السينما التي يضع صاحبها دائما عينا على الفن، أي يرغب في الاخلاص لفنه، وعينا أخرى على الشباك، أي أنه مع ادراكه أنه يصنع فيلمه في إطار سوق لها مواصفاتها القاسية، يرغب في الوصول إلى الجمهور العريض الذي أدمن النمطية والتعليقات المضحكة وهو ما يتناقض تناقضا تاما مع طبيعة الموضوع الجاد الذي يناقشه الفيلم.

من زاوية الأداء التمثيلي يجب أن أشير هنا إلى أنه يمكن اعتبار "678" الفيلم الأول الحقيقي لبشرى كممثلة، فقد نجحت كثيرا في أداء شخصية فايزة بكل أبعادها، كما تفوقت ناهد السباعي كثيرا بل وبرزت بأدائها القوي الواثق، كممثلة جديدة لابد أن يكون لها شأن كبير في سينما المستقبل، وأضفي أداء ماجد الكدواني الطبيعي والمنساب في سلاسة ويسر وخفة كظل أيضا، في دور الضابط، الكثير من الرونق والجمال على المشاهد التي يظهر فيها. لكن من الضروري القول أيضا إن اختيار نيللي كريم في دور "صبا" لم يكن موفقا، فالدور غير ملائم لها من جميع الجوانب، رغم اجتهادها في التعبير، مع بعض المبالغات في الأداء التي ترمي إلى تأكيد شخصيتها.
مطلوب من محمد دياب أن يخفف من خطابه الأخلاقي، ومن سينما الوعظ والميلودراما المباشرة الثقيلة، وأن يتعلم قليلا، كيف يتحكم أكثر في الشحنة الدرامية بحيث يجعلها أكثر برودا، وأكثر مخاطبة للعقل والوجدان، وأن يتيح مساحات أكبر للتأمل وللاستيعاب. لكن التجربة، في المحصلة الأخيرة، إيجابية وكانت تستحق، دون شك، المخاطرة.

الخميس، 16 ديسمبر 2010

مهرجان دبي السينمائي 2


بلاغة التعبير في فيلم "مطر أيلول"


في إطار مسابقة الأفلام الروائية العربية الطويلة (المهر العربي) في مهرجان دبي السينمائي عرض الفيلم الجديد للمخرج السوري الكبير عبد اللطيف عبد الحميد، في عرضه العالمي الأول بعد عرضه الوحيد في بلده في إطار الدورة الأخيرة من مهرجان دمشق السينمائي.
ويمكنني القول إن فيلم "مطر ايلول" درس حقيقي رفيع في بلاغة استخدام الصورة والصوت في الفيلم السينمائي. وفيه يعود عبد اللطيف عبد الحميد مرة أخرى إلى ملامسته العابثة المثقفة لموضوعه، وتلاعبه بالشكل وبالشخصيات المتعددة التي يستخدمها بهدف "عرض حالة" أو تصوير مناخ عام، يرتبط فيه الحب بالقمع، يغيب فيه التحقق، وينمو فيه الشعور بالخوف: الخوف من عبور الشارع، من نظرات الجيران المتلصصة، من قمع الأب والأم، من سلطة هزلية تسجل حتى ارتفاع الأشجار، لكنها تلعب على الخوف المتغلل في النفوس وإن كان يمكن هزيمتها وتهميشها.
هذا فيلم عن عدم اكتمال الأحلام، عن البحث عن الحب في ظل مناخ عام يجثم بسطوته على كل شيء، فالحب لا يكتمل أبدا، فهو إما يقطعه الموت المفاجيء، أو نفاذ الهمة والحيلة بسبب الخوف، أو العجز عن اجتياز العتبات الممنوعة.
فيلم "مطر أيلول" ليس فيلما بسيطا في تركبيه رغم ما يبدو للمتفرج من على السطح الخارجي للفيلم، من أننا أمام مجرد "كوميديا ساخرة" عن البشر في دمشق المعاصرة.
إن عبد اللطيف، المخرج الذي يكتب أفلامه بنفسه، يستخدم المبالغة للتقريب، لتقريبنا من تلك الشخصيات العادية التي قد نصادفها يوميا في حياتنا دون أن ننتبه إلى ما يكمن في حياتها من مفارقات، ومن مآس أيضا.
بطل الفيلم أو شخصيته المحورية لأب – أرمل يعول ستة من الأبناء الشباب بعد وفاة زوجته، أحدهم متيم بحب جارته الحسناء، يأخذ على عاتقه أن يغسل يوميا سيارتها ويزينها بالورود وكأنه محكوم عليه بتنفيذ عقوبة.. هي عقوبة الحب المستحيل.. فالفتاة صامتة تماما، تكتفي بالابتسامات، وفي معظم الأحيان تبدو وكأنها قد استمرأت الفكرة، فكرة استعذاب تلك العبودية التطوعية.. إلى أن يخفق قلبها فتعترف للمرة الأولى والأخيرة بالحب همسا في أذن الشاب المشدوه، لكنها تفارق الحياة بعد ثوان في حادث اصطدام.

هناك أربعة من الأبناء منهم بائع البطيخ الذي يتوجه يوميا لكي يتطلع عبر نافذة إلى الفتاة التي يحبها والتي تداعبه بالنظرات والغمزات دون أن تكتمل أبدا هذه العلاقة الغريبة على أي مستوى، بل ويفاجأ صاحبنا ذات يوم بأن نافذتها أصبحت مغلقة بطبقة كثيفة من البناء الأسمنتي. ماذا حدث؟ لا نعلم وليس مهما أن نعلم، فنحن لسنا أمام فيلم من أفلام الشروحات، والمقدمات والتوالي، والدوافع النفسية للأبطال، بل أمام لوحة سينمائية يمكننا أن نستقبلها ونستمتع بها من خلال تلك اللمسات البسيطة الموحية، والإشارات الدالة، والرموز التي ترتبط معا بشيفرة ما تحت جلد الصورة.
أما الأبناء الأربعة الآخرون فهم متشابهون في اهتمامهم الكبير بل عشقهم للموسيقى، يكونون معا فرقة لا تكف طوال الفيلم عن عزف أجمل الألحان العربية لأغاني الحب الرومانسية من عصر مضى.. عندما كان للموسيقى والأغاني، معنى ومغزى ودلالات وحلاوة خاصة أيضا. وكأن الاحتفال بالموسيقى يمكنه أن يهزم الخوف أو أن هذا هو الانطباع الذي يرغب عبد اللطيف في ترسيخه.
يرتبط هؤلاء العازفون الأربعة بالخطوبة بأربع فتيات من أسرة من أسر الطبقة الوسطى، ولكن غير مسموح للفتيات بالخروج مع خطابهن، فقط يجتمعن معهم في منزل الأسرة بين حين وآخر، حيث يشرف الأب والأم على "الجلسة" التي قد تدور خلالها محاولات للتلامس من تحت مائدة الطعام، أو غمزات الحب، وهمسات الشوق والاشتياق، أو مناجاة عن طريق العزف الموسيقي البديع!
أما الأب فهو عاشق الموسيقى الأصيلة والطرب، يحاول أيضا موزانة حياته الرتيبة بعد تقاعده، باحثا أيضا عن الحب، عن التحقق الذاتي، وعن نوع من الاشباع العاطفي الذي فقده منذ دهر، لكنه يختار اقامة علاقة حب مع المرأة الخادمة التي تتولى نظيف مسكنه. وهو يضرب لها مواعيد في أماكن خلوية: في الغابة خارج المدينة، حيث يجلسان في سيارته القديمة يتناجيان ويغمضان عيونهما ويختلسان قبلات بريئة. وتعبيرا عن ولعه بالمرأة التي تبدو نموذجا جميلا للعاشقة التي تتمتع بذوق موسيقي رفيع، يستأجر من يستطيع أن يجعل الدنيا تمطر في أيلول ولو بطريقة صناعية، ورغم انكشاف الحيلة الطفولية، لا تغضب المرأة بل تبدو وقد راقت لها الفكرة وفهمت مغزاها الجميل.
هناك بين طيات هذا الفيلم احساس، ليس فقط بالعجز عن اقامة علاقات مكتملة، بل وبنوع من العجز عن التواصل أيضا بين الأبناء والأب من خلال الكلام، فهناك الموسيقى التي تتردد طوال الفيلم، وهناك ذلك الابن الذي يتابع قصة الحب التي يعيشها والده لكنه يتحدث معه بالهاتف المحمول قائلا إنه لا يستطيع أن يتكلم معه في مثل هذه الأمور ويتطلع إلى عينيه مباشرة.
الجيران تحولوا إلى جمهور للنظارة، مجموعة من المتفرجين الذين يتجمعون يوميا في الشرفات لمشاهدة الشاب الذي يغسل سيارة حبيبته، ويتابعون مسار القصة، ويعلقون على الأحداث، وهناك مجموعة الموظفين الحكوميين ورئيسهم المتسلط، وهو رغم تكونيه الهزلي، قاس، متجبر، يحاول أن يفرض حتى على صاحب الملهى تغيير الفرقة الموسيقية التي تتغنى بأغاني الحب، فهو معاد للحب، لا هم له سوى اشاعة الخوف. وعبد اللطيف باستخدام هذا النموذج لرجل السلطة يهزأ منه ويسخر، بل ويتمادى ايضا في إظهار غبائه، وجبنه وعدم قدرته على المواجهة.
إن فيلم "مطر أيلول" يقع في المسافة القائمة بين الوعي واللاوعي، بين الواقع وما ورء الواقع، وبين الحلم والحقيقة. وهو ينتمي إلى مدرسة سينما الحداثة التي تخاطب العقل والعاطفة معا، تعرض أكثر مما تشرح، وتدعوك للبحث في مغزى الأشياء من خلال الربط بين الصور واللقطات والاشارات والرموز الظاهرة والكامنة.
إن عبد اللطيف عبد الحميد، يستخدم الصورة السينمائية في سياق قريب من بناء القصيدة: صور تعقبها صور، تفيض بالمشاعر والاسقاطات، التي يختلط فيها الذاتي بالموضوعي، السياسي بالاجتماعي بالإنساني عموما.
وفي هذا النوع من السينما يصبح إغواء الوقوع في غرام المشهد السينمائي في حد ذاته أحيانا، أمرا واردا من جانب المخرج، فهو يتوقف أكثر مما ينبغي أحيانا أمام مشهد معين، ويبالغ في الضغط على الفكرة التي يمكن استنباطها منه كما في المشهد الذي يقوم فيه الأب بتنظيف الجروح والقرح المنتشرة في قدمي ابنه الذي يذرع طرق دمشق جريا كل يوم لكي يصل الى شباك الحبيبة المجهولة.
ورغم الاهتمام الكبير بضبط الإيقاع، هناك أيضا بعض التكرار واللعب على الفكرة الواحدة، والانتقالات المفاجئة بين عدد من المشاهد.
  لكن أي ملاحظات سلبية لا تفقد هذا الفيلم البديع رونقه وسحره وقدرته على أن يشدك إلى داخل عالمه، بكل عنفوانه وسخريته ونماذجه الإنسانية التي لا تتعاطف فقط، معها وتفهم سر أزمتها رغم ما فيها من جموح وسذاجة، أو بالأحرى، سذاجة الجموح، بل وتضحك من قلبك على المآزق العديدة الفكرية والبصرية التي يورط فيها عبد اللطيف تلك الشخصيات ويورطنا معها.
ويهتم عبد اللطيف كثيرا في فيلمه بفكرة "السيميترية" من الزاوية البصرية، أو التماثل بين الجانبين، ما هو مرأي على اليمين وعلى اليسار، خاصة في المشاهد التي يصور فيها اجتماع الخاطبين والخطيبات، وهو اهتمام نابع من اهتماماته التشكيلية الكبيرة بتفاصيل الصورة، بالاكسسوارات حتى أكثرها دقة، وبالضوء والمحافظة على مصادره الطبيعية طوال الفيلم، ومنح الصورة جمالا يأتي من تفاصيل المكان، ومن طريقة توزيع الممثلين واختيار زاوية التصوير، كما يتبدى مثلا في المشاهد التي تدور في الشارع أسفل العمارة السكنية المميزة بشرفاتها التي يتحلق فيها السكان يتطلعون على ما يجري في الأسفل، ويبدون التعليقات الطريفة. وهو أسلوب أيضا يسير في اتجاه كسر الاندماج أحيانا، بل ويصل التحرر في الأسلوب في أكثر من مشهد، الى ذروته خاصة عندما نرى الشباب الأربعة يتحدثون من خلال التليفونات المحمولة مع فتياتهم الأربع من جهة أخرى، وهن تحملن ايضا الهواتف المحمولة.. والجميع يتحركون في اطار المكان، سواء في مسكن الشباب، أوفي مسكن الفتيات، ونحن نسمع همهمات الأحاديث الحميمية الدائرة بين مختلف الأطراف دون أن نتبين على وجه التحديد ما يقال، إلى أن ينتهي المشهد مع ظهور الأم المتسلطة، والدة الفتيات الأربع، حيث تمتزج الصورتان معا وتتداخلان بحيث ينتهي المشهد والأم واقفة وسط الشباب الأربع كما لو كانت قد خرجت من المكان الآخر، من مسكنها وانتقلت عبر المكان إلى مسكن الشباب، وهو تلاعب فريد بالمكان في السينما، وتحطيم لقيوده ربما يكون غير مسبوق في السينما السورية.
ولعل فيلم "مطر أيلول" يستحق وحده أيضا دراسة أكثر عمقا في شريط الصوت الذي يتسع للكثير من الإشارات والمعاني التي تنبع من الأعاني والموسيقى البديعة التي يحفل بها، وقد تم اختيارها كلها بدقة وإحساس رفيع بقيمتها الفنية، ولكني أعترف بأنني لم أر علاقة ما بين هذا الشريط البديع وبين المقدمة التي تسبق نزول عناوين الفيلم التي نرى فيها الموسيقار السوري أو عازف البزق الشهير الراحل محمد عبد الكريم.

عبد اللطيف عبد الحميد

وربما يكون عبد اللطيف قد أراد أن يهدي الفيلم إلى تلك الشخصية الموسيقية التي تنتمي إلى العصر الذهبي في الموسيقى العربية في نوع من "النوستالجيا" الخاصة.
ولابد هنا من الإشارة إلى قدرة عبد اللطيف على قيادة هذه المجموعة الكبيرة من الممثلين والممثلات، وتقديم وجوه جديدة شديدة الجاذبية ربما يكون للكثير منها مستقبل واعد، وهم يبرع، ولو في أداء مشهد أو أكثر، أمام عملاق مثل أيمن زيدان في الدور الرئيسي، بقدرته الخاصة على الاستحواذ على أنظار المتفرج، حتى وهو في لحظات الهمس الرقيق، والتعبيرالتلقائي الرفيع عن الحب. ولابد أيضا من الإشادة بالأداء الكبير الفذ للممثلة سمر سامي، التي قامت بدور المرأة الخادمة العاشقة المثقفة.. وكان يكفي أن تعبر بجملة أو جملتين، وبنظرة من عينيها، وبصوتها المميز ذي النبرة الرخيمة المنومة، وتعبيرات وجهها، لكي نتوحد كمشاهدين مع هذا العمل، ونعيش في تلك المنطقة بين الحلم والواقع، التي منها تظهر عادة الأعمال الكبيرة في الفن.

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

في مهرجان دبي السينمائي 1


أفلام العالم ومسك الختام

أمير العمري- دبي


الممثل المصري هشام سليم: عضو لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي
يختتم مهرجان دبي السينمائي عام 2010 كأحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، ليس فقط بعدد ما يعرضه من أفلام، وهو عدد كبير يتجاوز المائة والخمسين فيلما روائيا، بل بتعدد أقسامه وفروعه ومسابقاته، وتنوع أنشطته الثقافية وانفتاحه الكبير على السينمائيين الشباب، ودعم تجاربهم الجديدة واتاحة الفرصة امامهم في العثور على تمويل لها من خلال تنظيم سوق يربط بين هؤلاء الشباب الساعين إلى خوض تجاربهم الأولى أو التالية، وبين المنتجين والموزعين من شتى أنحاء العالم.

المهرجان اذن لم يكتف بدوره في عرض الأفلام ودعوة جمهوره الكبير الذي تزدحم به القاعات، إلى الفرجة والاستمتاع والمناقشة الجادة مع السينمائيين، بل وامتد تأثيره ودوره إلى الترويج للنماذج السينمائية المتقدمة التي تمتلك ملامح محددة خاصة، بحيث يمكن القول إن مهرجان دبي، بفضل وعي مديره الفني ومعاونيه وعلى رأسهم مدير البرامج العربية الناقد الزميل عرفان رشيد، ومجموعة من خبراء المهرجانات من الشرق ومن الغرب، ينحاز تحديدا لنماذج الحداثة السينمائية، وإلى التجارب الجديدة الشابة، التي تطرح أفكارا جريئة تتجاوز السائد والمألوف، والانفتاج الكبير على التجارب السينمائية التي تنتج في الخليج، رغم ما يكمن في هذا الانحياز والتشجيع من مواجهة مع الكثير من الأفكار السائدة المحافظة والمتشددة أحيانا في المنطقة بشكل عام، الأمر الذي يجعل من مهرجان دبي السينمائي أداة ثقافية هامة للترويج لقيم التسامح، والفهم المشترك، والتعاون والتبادل الثقافي بين السينمائيين من بلدان مختلفة، وتخصيص مكان بارز للاحتفاء بالنماذج السينمائية المتقدمة والجيدة من العالم العربي دون تعصب ودون انحياز أو انغلاق على سينما معينة، أو الإعلان عن "كراهية"نوعية محددة من السينما كما يحدث في مهرجانات أخرى!
ورغم صعوبة الحصول على أفلام جديدة تشد الانتباه ونحن في أواخر عام 2010، وهو الوقت الذي يقام فيه المهرجان، إلا أنه يمكن القول إن مسعود أمر الله وفريقه من المساعدين والخبراء، تمكن بنجاح كبير من وضع برنامج جيد جدا من الأفلام واللقاءت الثقافية والندوات.
وتتميز الأفلام بالتنوع الشديد، من الفيلم التجريبي القصير إلى الفيلم التقليدي الكبير، وما بينهما من أفلام طليعية ووثائقية من سينما الدنيا.
يقول مسعود أمر الله في تقديمه للمهرجان "مؤشرات كثيرة: استحداث مسابقة المهر الإماراتي، إعادة هيكلة سوق دبي السينمائي، لتشمل التدريب وخلق فرص الإنتاج في ملتقى دبي السينمائي، إلى برنامج "إنجاز" الذي يحتفل المهرجان بجني ثماره الآن، وانتهاء بـ"فيلم مارت" لايجاد فرص التوزيع في الصالات السينمائية، عروض عالمية أولى تصل إلى 41، ومسابقة "المهر" التي أضفت نكهة خاصة للمهرجان".

مسعود أمر الله المدير الفني للمهرجان
 إذن، على الرغم من استحواذ المهرجانات العالمية التي سبقت مهرجان دبي الذي يختتم العام 2010، على الكثير من الأفلام الجديدة إلا أن المهرجان تمكن من الحصول على عدد كبير من هذه الأفلام (41 فيلما) تعرض للمرة الأولى في العالم، من بينها عدد كبير من الأفلام العربية التي تشترك في مسابقة المهر العربي التي يتميز بها مهرجان دبي عن سائر المهرجانات التي تقام في العالم العربي، وأنا هنا أقصد المهرجانات ذات المرجعية وتلك التي تسعى أيضا إلى تأسيس قيم جديدة وتستند إلى إمكانيات حقيقية، ليست فقط مادية، ولكن أساسا، بشرية وفكرية وثقافية، لدعم فكرة ومفهوم "المهرجان" السينمائي بعيدا عن تسلط فكرة البساط الأحمر، ونجوم السينما الأمريكية، وجاذبية عروض الأزياء التي تجري في حفلي الافتتاح والختام، والتهافت على الترويج لسينما "الآخر" على حساب السينما المحلية والاقليمية.
يشمل المهرجان ثلاث مسابقات رئيسية هي مسابقة المهر الافريقي الآسيوي للسينما الافريقية والآسيوية، باعتبار أن دبي تقع في مفترق الطرق بين هذه البلدان، وهذا هو البعد الكبير أو الدائرة الأوسع للمهرجان، ومسابقة المهر العربي لأفلام العالم العربي، وهذا هو البعد العربي أو الاقليمي لمهرجان يقام في مدينة عربية مهمة، ومسابقة المهر الاماراتي، وهذا هو البعد المحلي للمهرجان الذي أضيف هذا العام لكي يسلط الأضواء على التجارب السينمائية الجديدة لشباب الامارات.
أعضاء في فريق المهرجان مع مسعود
وتتعدد لجان التحكيم بسبب تعدد الأقسام النوعية للمسابقات الرئيسية، فمسابقة المهر العربي تتفرع الى ثلاث مسابقات: الأفلام الروائية والأفلام التسجيلية والافلام القصيرة.
ويحتفي المهرجان بثلاث شخصيات سينمائية هي صباح (الممثلة اللبنانية في السينما المصرية)، والممثل الأمريكي الكبير شون بن، والمخرج الافريقي (من مالي) سليمان سيسي. ولهؤلاء الثلاثة أفلام تعرض خلال المهرجان، لكن تغيب الكتب التي تتناول مساراتهم السينمائية والفنية وأعمالهم بالتحليل.
إلى جانب المسابقات يخصص المهرجان أقساما مثيرة للاهتمام مثل قسم "ليال عربية" ومعظم الأفلام التي تعرض في اطار هذا القسم أفلام أجنبية عن قضايا ومواضيع تتعلق بالانسان العربي، سواء من اخراج سينمائيين أوروبيين أو عرب يقيمون في المهجر.
ومن أهم أقسام المهرجان أيضا قسم سينما العالم الذي يشمل الكثير من العروض الأولى للأفلام الأجنبية من أهمها الفيلم البريطاني "127 ساعة" الذي سبق أن شاهدناه في ختام مهرجان لندن السينمائي، وهو دون شك، أحد أهم وأفضل أفلام العام. وهناك ايضا فيلم "بيوتيفول" للمكسيكي أليخاندرو جونزاليس، والفيلم الروماني الحاصل على جائزة رئيسية في مهرجان برلين "عندما أريد أن أصفر سأصفر".
ويمكنني القول هنا بكل دقة وحسم ووضوح إن قيمة أي مهرجان سينمائي في العالم تكمن في اختياراته. طبيعي أن العوامل الأخرى التي تدخل في تحديد قيمة أي مهرجان تشمل علاقته بالجمهور، وتنظيمه العام وسلاسة عروضه واتساق برنامجه وسهولة متابعته، لكن العامل الأول الحاسم الذي يحدد شخصية وهوية أي مهرجان في العالم هي اختياراته أي مجموعات الأفلام التي يتم اختيارها، عادة من قبل مجموعة من الأشخاص، يعملون بالتنسيق معا طيلة الوقت، بحيث تأتي النتيجة متجانسة في نغمة ونوعية وطبيعة الأفلام مهما تباينت في أنواعها وأطوالها. وهذه السمة واضحة بشكل كبير في مهرجان دبي السينمائي كما أوضحت في بداية هذا المقال.
وهذه النقطة تحديدا تعد ردا عمليا على الذين يتقولون إن الميزانيات الكبيرة هي التي تصنع المهرجانات، فليس هذا صحيحا على إطلاقه، فعلى الرغم من أهمية توفر ميزانية معقولة، إلا أنه ليس بالميزانية وحدها تقام مهرجانات السينما، ولا بالنوايا الحسنة أيضا، ولا بالاستناد إلى التاريخ وجاذبية الآثار القديمة، ولا بالاغداق بجنون على سينمائيين فرنسيين وأمريكيين (لأن شخصية مهمة رئيسية في دولة ما تحب أن تجالسهم أن تلتقط لها صورا معهم)!
والنقطة الرئيسية الثانية المهمة أنك عندما تقيم مهرجانا سينمائيا تأتي فيه بضيوف تستضيفهم، يجب أن تضمن لهؤلاء الضيوف حدا أدنى من الظروف الموضوعية التي تسمح لهم بالتردد على العروض بسهولة ويسر ومشاهدة الافلام في قاعات عرض صالحة للاستهلاك الآدمي، أي أنه من دون بنية أساسية صالحة لا توجد مشاهدة سينمائية جيدة. وهذه النقطة تتوفر تماما في عروض مهرجان دبي السينمائي، خلافا مثلا لما هو قائم في مهرجان آخر عريق في أحد بلدان المغرب العربي، يفشل حتى في ضمان مقاعد للصحفيين والنقاد والسينمائيين في عروضه العامة، مع غياب تام لأي عروض خاصة. وعفوا إذا كانت هذه المقارنة قد قفزت إلى ذهني الآن، فالمعاناة والتوتر والكفاح من أجل الدخول لمشاهدة فيلم سينمائي، أي فيلم على الإطلاق، تفسد للمشاهدة كل قضية.. أليس كذلك!

* في الحلقة القادمة: عبد اللطيف عبد الحميد: بلاغة التعبير بالصورة والصوت في "مطر أيلول".
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger