الخميس، 17 ديسمبر 2009

مضحكات ومبكيات في جوائز مهرجان دبي السينمائي

ميشيل خليفي
لم يكن مفاجئا لي فوز فيلم ميشيل خليفي "زنديق" بالجائزة الأولى في مسابقة المهر للأفلام العربية في مهرجان دبي السينمائي فهو من أهم ما عرض في هذه الدورة (السادسة) وسأتناوله تفصيلا فيما بعد، لكن أود فقط التأكيد على اختلافه التام عن كل ما ظهر من أفلام أخرجها فلسطينيون من قبل.
والحقيقة أن الدورة السادسة كانت دورة فلسطينية بلاشك، فقد حفلت بأكبر عدد من الأفلام "الفلسطينية" الجديدة ولو كان التمويل أجنبيا في معظم الأحوال. فقد شهدت عرض فيلم "كما قال الشاعر" لنصري حجاج، و"صداع" لرائد أنطوان، و"زهرة" لمحمد بكري، و"غزة في الهواء لسمير عبد الله، و"أمريكا" لشيرين دعبس، و"إطلاق النار على الفيل" لمحمد رجيلة.. و"زنديق" لميشيل خليفي، وافلام أخرى بالطبع.
لكني دهشت من فوز فيلم شديد التواضع بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة المهر للأفلام الروائية هو فيلم "حراقة" وهو فرنسي الانتاج ومن اخراج المخرج الجزائري مرزاق علواش الذي يقيم في باريس. ويبدو أن رئيس لجنة التحكيم المخرج الجزائري أحمد راشدي لعب دورا واضحا في منح هذه الجائزة لهذا الفيلم الذي يفتقد إلى كل ما يمكن أن يميز فيلما روائيا طويلا (في 104 دقيقة) فشل تماما في تقديم معالجة سينمائية جذابة بأي مستوى، لموضوع هجرة الشباب العاطل من الجزائر إلى ايطاليا. والمؤسف أن صديقنا الناقد السينمائي المغربي الكبير مصطفى المسناوي كان عضوا في اللجنة، وإن كنت استبعد أن يكون قد أعجب بهذا العمل المتواضع. وكان هذا الفيلم قد عرض في برنامج "أيام فينيسيا" في مهرجان فينيسيا الأخير ولم يحصل حتى على شهادة تنويه، وسبق لي تناوله بالنقد تفصيلا . ** رابط إلى مقالي عن فيلم "حراقة"
لكن فوزه يجسد مهازل لجان التحكيم "العربية" في مهرجانات السينما العربية، وانعدام الموضوعية التي تتسم بها جوائز هذه اللجان في معظم الأحوال!
وجاء التنويه بالفيلم "الكردي" "ضربة البداية" لشوكت أمين كوركي اعترافا بذلك النشاط الخاص الذي ميز عددا من الأفلام الجديدة لمخرجين ينتمون إلى كردستان العراق قدموا أفلامهم في المهرجان. ولاشك أن في الفيلم ما يثير الفكر ويجذب المتفرج حتى النهاية رغم ما في الموضوع من سذاجة. وربما عدنا إلى تناوله فيما بعد.

محمد بكري في "زنديق"

جائزة التمثيل التي حصلت عليها نسرين فاعور عن دورها في فيلم "أمريكا" لشرين دعبس (فلسطينية تقيم في الولايات المتحدة) في محلها الصحيح بلاشك.
ولم أشاهد الفيلم المغربي "الرجل الذي باع العالم" الذي فاز بطله سعيد بيه بجائزة أحسن ممثل.
ومازلت لا أفهم سر تخصيص مسابقة خاصة تمنح جوائز للأفلام الإفريقية والآسيوية في مهرجان دبي، فلم لا تكون المسابقة عالمية (إلى جانب المسابقة العربية) ولماذا أفريقيا وآسيا دون أمريكا اللاتينية مثلا، واذا كان لابد من وجود طابع "إقليمي" فلم لا يكون آسيويا فقط!
أما فوز الفيلم المصري الممتاز "واحد صفر" بجائزتي التصوير والسيناريو فهو من نوع تحصيل الحاصل أو لإبعاده عن المنافسة على الجائزة الرئيسية وترضية للمشاركة المصرية بثمن بخس، وكان الفيلم يستحق الجائزة الكبرى أو جائزة لجنة التحكيم الخاصة لولا النظرة السائدة للسينما المصرية لدى معظم السينمائيين العرب الذين يحكمون في مثل هذه المسابقات، فهم يعتبرونها "سينما تجارية" أو "لديها سوق" أو "سائدة ومتفوقة في العالم العربي"، أو في أفضل الأحوال، "لا تحتاج إلى التشجيع"، وكلها تبريرات خاطئة وتافهة، لأنها توحي بمعاقبة الفيلم المصري لأنه ينتمي إلى سينما لديها سوق، كما لو أنها لا تعاني من مشاكل ويعاني مخرجوها المتميزون من انعدام فرص الإخراج (وها هو مخرج مثل داود عبد السيد مثلا لم يستكمل بعد فيلمه الجديد الذي انتظر اخراجه من 9 سنوات) ناهيك بالطبع عن أن القاعدة دائما هي أن الفيلم الجيد هو الفيلم الجيد، وليس الفيلم "غير المصري".. أليس كذلك؟!
وكاتب هذه السطور بالمناسبة، لمن لا يعرف، من أشد نقاد السينما المصرية. ** رابط إلى مقالي عن هذا الفيلم
وأما أكثر جائزة أضحكتني كثيرا فهي جائزة أحسن مونتاج التي منحت للفيلم المصري "عصافير النيل" لمجدي أحمد علي، فربما يكون مونتاج الفيلم أضعف جوانبه الفنية.. ولهذا الفيلم تحديدا مقال آخر تفصيلي. ولكنها سياسة التوازنات المضحكة التي تتبعها لجان التحكيم عندما لا تحكم معاييرها الفنية بل توازناتها السياسية وغير السياسية بل واندفاعات بعض أعضائها ودوافعهم "الشخصية جدا". وأرجو أن يكون هذا الكلام مفهوما، أي لا يحتاج إلى توضيحات أكثر من هذا ربما يسيء البعض تفسيرها في خضم حالة الانهيار العصبي الحاد التي تسيطر على البعض في العالم العربي!

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

في مهرجان دبي السينمائي 5


لو أراد مهرجان دبي السينمائي أن يتميز على كل المهرجانات الدولية التي تقام في العالم العربي فمطلوب منه أن يقدم على تحقيق أمرين، لن يكلفانه شيئا على الإطلاق، ولكنهما سيمنحانه سمعة دولية واحتراما كبيرين:
الأمر الأول: تخصيص قاعة مسرح سوق المدينة لعرض برنامج يومي مكون من خمسة أفلام يكون قاصرا على النقاد والصحفيين وضيوف المهرجان من السينمائيين، علما بأن هذا المسرح الممتاز من كل النواحي يظل معطلا عن العمل معظم الوقت.. على أن يبدأ البرنامج في العاشرة صباحا وينتهي عند منتصف الليل بحيث يتيح فترات استراحة في الظهر والمساء لاتاحة الفرصة لتناول طعامي الغداء والعشاء، على غرار ما يحدث في "كان" و"فينيسيا"
وغيرهما من المهرجانات الكبيرة التي نغرم بنقل مظاهرها السطحية مثل البساط الأحمر وخلافه، ونهمل جوهرها، وهو اتاحة الفرصة للمتخصصين لمشاهدة الأفلام بدون عناء كبير مثل الانتقال في حافلات إلى سوق تجاري مزدحم لا يتوفر على أي وسيلة تجعله ملتقى للسينمائيين والنقاد هو "مول الامارات" الذي يعج بالمتسوقين وجمهور الوجبات السريعة.. إلخ
إن مسرح سوق المدينة في دبي مكان مثالي لعرض برنامج يتم اختياره بعناية من الأفلام (داخل وخارج المسابقات)، فهو يوجد على بعد خطوات من المركز الصحفي والاعلامي وقاعات المناقشات حيث يمكن للصحفيين والسينمائيين الانتقال منه وإليه، لحضور الأفلام والالتقاء مع بعضهم البعض وحضور جانب من المناقشات والندوات التي تقام، كما يوفر المركز مكانا للراحة بين الأفلام وتناول المشروبات بدلا عن ذلك "الماراثون" اليومي من الفندق إلى مول الامارات (البعيد نسبيا) ثم بالعكس، وأحيانا يعجز المرء عن استكمال الرحلات المرهقة لأنه يفضل الراحة في الفندق على المغامرة مجددا باقتحام قلعة المول (وهي قلعة حقيقية من الخرسانة المسلحة والزجاج والصلب تضم مئات المحلات التجارية وقلاع التسوق الأخرى المشهورة عالميا.
ويمكن أن تصبح قاعات السينما (12 قاعة) الموجودة في مول الامارات مخصصة فقط للعروض الجماهيرية العامة. وهنا فإننا نقر مبدأ شديد الاحترام، هو عدم جعل النقاد والصحفيين مضطرين لمزاحمة الجمهور والاصطفاف يوميا من أجل الحصول على 4 بطاقات لدخول الأفلام في قاعات مختلفة، بينما يمكن أن يتغير مزاج الراغب في المشاهدة، فيرغب مثلا في تغيير الفيلم دون أن يتمكن من هذا، فلا يمكن ارجاع البطاقات التي تم صرفها أو استبدالها!

إن الهدف الأساسي من حضور كل هذا العدد من الصحفيين والنقاد والسينمائيين من ضيوف المهرجان هو، كما نفهم، التردد على عروض الأفلام. ومن غير المفهوم أن ينفق المهرجان بكرم حقيقي، على السفر والانتقال والاقامة، ويبخل تماما في توفير العروض اللائقة التي تتيح فرصة أيضا للاحتكاك والتواصل بين البشر. إن مسرح المدينة مكان مثالي للعروض واللقاءات في المركز الصحفي وأيضا لملاصقته لمجموعة كبيرة من المطاعم بالإضافة بالطبع إلى ما تتميز به المنطقة كلها من تصميم معماري خلاب، مع وجود عدد من المقاهي المفتوحة في الهواء الطلق وليس في هواء التكييف كما في "مول الإمارات". وتخصيص قاعة للضيوف أمر عجزت عن تحقيقه كل مهرجانات السينما التي تقام في العالم العربي حتى الآن.. بما في ذلك مهرجان قرطاج السينمائي الأعرق، والذي ينقل عن "كان" من البداية كل شيء فيما عدا الاعتراف بأهمية الإعلام والنقد فهل يسبقها مهرجان دبي ويقدم على تغيير الوضع بقرار شجاع عملي؟
أود أن اتساءل هنا أيضا عن الحكمة من تطبيق هذا النظام السيء في مهرجاني أبو ظبي ودبي تحديدا، أي نظام منح الصحفيين عددا من البطاقات يجب الحصول عليها من شباك التذاكر يوميا.. وهو نظام كما أعرف، يرتبط بالمدير الكندي الأول لمهرجان دبي، وقد ظل قائما بعد رحيل المدير.
هذا نظام غير معمول به على حد علمي سوى في مهرجاني برلين ورورتردام، إلا أن هذين المهرجانين يخصصان عروضا خاصة للنقاد، وأما بطاقات الدخول فهي لمشاهدة عروض عامة (إضافية) مع الجمهور إذا كان قد فات على الناقد أو السينمائي مشاهدة فيلم ما في عرضه الخاص، كما يحدث أيضا في مهرجان لندن أو اذا كان يرغب في مشاهدة المزيد خارج نطاق العروض الصحفية الخاصة.
وعادة ما تكون وجبة العروض الخاصة دسمة للغاية. ويجب أن ينظم مهرجان دبي ثلاثة عروض للفيلم الواحد، على أن يتم الاتفاق على هذا مع أصحاب الأفلام المشاركة كشرط للمشاركة في المهرجان: عرض أول خاص للصحافة والإعلام (يمكن أن يشمل السينمائيين الضيوف وأهل الصناعة)، وعرض ثان رسمي بحضور النجوم والمخرجين (في المسرح الكبير الرسمي بقصر المهرجان)، وعرض ثالث للجمهور في قاعات سوق مول الإمارات.
الأمر الثاني: هو جعل مهمة مدير المكتب الصحفي مهمة رفيعة لا تقل عن منصب المدير الفني للمهرجان، لذا يجب التوقف عن اعتبار هذه الوظيفة وظيفة سكرتارية، تسند عادة إلى فتيات يقمن بدور أقرب إلى التنسيق والسكرتارية والاتصالات، فهذا النوع من الموظفين يصلح أكثر كمساعدين في المكتب الصحفي وليس لإدارته. ويجب أن يكون مدير المركز الصحفي ناقدا سينمائيا، أو خبيرا في السينما، يلم باتجاهاتها ورموزها واعلامها، يكون مطلعا جيدا على برنامج المهرجان وأفلامه ومخرجيه، ويعرف الكثير عن عالم السينما وتياراتها، ويمكنه ادارة مؤتمر صحفي بنجاح، ويدير المناقشات المهمة البارزة مع السينمائيين الكبار، ويمكنه أيضا التحدث باسم المهرجان أي يكون ناطقا بلسانه أمام أجهزة الإعلام. وهو ينشغل عادة بالتنسيق والاشراف على أعمال القسم الصحفي: الدعوات والمطبوعات وإعداد العروض الصحفية والإشراف على مسارها، والتدخل في الوقت المناسب لحل أي مشاكل تنشأ في هذا المجال، لذا فهو عادة يتمتع بصلاحيات حقيقية ولا يضطر للعودة في كل كبيرة وصغيرة إلى مدير المهرجان.
أود فقط الإشارة هنا إلى أن بادرة تكريم فاتن حمامة (أو الاحتفاء بها) في المهرجان هذا العام كانت بادرة تدل على الذكاء والمعرفة، ففاتن حمامة الأكثر تأثيرا في المشاهد العربي، الأقل احتفاء بها، كما أنها نموذج ممتاز للممثلة المثابرة المتفانية بالاضافة إلى نجاحها في تصوير المرأة المصرية من جميع الطبقات على العكس من نادية الجندي التي كرمها مهرجان القاهرة السينمائي رغم اساءتها الدائمة للمرأة المصرية وتقديمها الوجه القبيح البشع لهذه المرأة بل والوجه القبيح للسينما المصرية التجارية السائدة في أدنى حالاتها.
وكنا نتمنى لو تمكنت فاتن حمامة من الحضور إلى دبي كما فعل عمر الشريف لكن يبدو أن ظروفا قوية منعتها من القيام بهذا الظهور "التاريخي".

ملحوظة أخيرة: لولا ثقافة وجهود ودماثة خلق المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي مسعود أمر الله لما أمكن حل الكثير من المشاكل وحسم الكثير من الأمور بكفاءة عالية، فإدارة مهرجان من هذا النوع وبهذا الحجم الكبير ليست أمرا سهلا.. تحية لمسعود يستحقها عن جدارة، ولكن مطلوب منه التطوير واعادة النظر في النقاط التي أثرناها هنا لصالح المهرجان، كما نطالبه أيضا بتدريب أطقم من الشباب الإماراتي يكون مؤهلا في المستقبل القريب لكي يحل محل الأجانب.

الاثنين، 14 ديسمبر 2009

في مهرجان دبي السينمائي 4


عمر الشريف وصل إلى دبي للمشاركة في مهرجانها الكبير. هذا خبر كبير بحجم عمر وتاريخ وموهبة عمر الشريف. الفيلم الجديد الذي يشارك به عمر الشريف في المهرجان هو فيلم فرنسي بعنوان "أنت لم تخبرني" يقوم فيه بدور رجل طاعن في السن يتعرف على فتاة خرجت لتوها من السجن وتبحث عن انتماء بأي شكل، ويقوم هو بدور أقرب إلى جد يتبناها ويرشدها إلى الطريق القويم، ويطلعها على أشياء كثيرة في الحياة تجعل لها طعما آخر أفضل من خلال تجربته الحياتية الكبيرة بالطبع. عمر سيعقد مؤتمرا صحفيا بعد ظهر الثلاثاء بعد أن كان مقررا أن يعقده الاثنين.
شاهدنا فيلما فرنسيا آخر بعنوان "قرطاجنة" والمقصود المدينة الشهيرة في كولومبيا، حيث تدور الأحداث. والفيلم يصور طيف تنمو علاقة عاطفية خاصة جدا بين امرأة مشلولة، ورجل في الأربعين من عمره يقوم على خدمتها بعد أن يأس في العثور على أي عمل، وكان في الماضي ملاكما ويود استعادة أمجاده ولو من خلال تدريب فتاة محلية (سوداء) لكي ينتقل بها من عالم الدعارة والسرقة إلى حيث يمكنها أن تحقق ذاتها وتحقق أيضا حياة كريمة.
المهم في هذا الفيلم الرومانسي كيف تمكن مخرجه من صنع الحبكة ومن ادارة دفة التمثيل بين عملاقين من عمالقة التمثيل هما صوفي مارسو الجميلة ذات الوجه المعبر الذي لا يشيخ أبدا، وكريستوفر لامبرت، صاحب النظرات النفاذة القوية الذي بدت على وجهه الآن علامات التقدم في العمر. ولعل معظمنا لايزال يتذكر ظهوره الأول قبل ربع قرن في دور البطل الأسطوري طرزان.. ويبرع المخرج أيضا في تصوير تطور العلاقة من تشكك وانعدام ثقة إلى اقتراب مثير بين عالمين انسانيين لكيانين مختلفان تمام الاختلاف، وكيف تنمو الثقة بينهما، ثم تتدرج العلاقة رغم حالة اليأس التي تسيطر على المرأة بسبب حالتها المرضية التي لا شفاء منها. فيلم رقيق عذب، يفضي بالمواقف الكبيرة ولكن بدون أي ادعاءات أو ايحاءات دخيلة، بل من خلال بناء شاعري يقوم على لحظات الصمت، والتأمل، والتوحد بين الإنسان والطبيعة.
فيلم المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي لاشك أنه عمل جديد وشديد الجرأة في اطار السينما الفلسطينية التي كان خليفي أحد رواد التمرد عليها، أو بالأحرى، على أشكالها وقوالبها العتيقة التقليدية التي تمتلء بالخطابة، وتجسد عادة نموذج "البطل الإيجابي". لكن هذا الفيلم وهو بعنوان "زنديق" يستحق وقفة خاصة لتحليله.
فيلم الختام "أفيتار" لجيمس كاميرون يقولون انه سيغير تاريخ ومسار السينما في العالم، كيف؟ لا أحد يعرف، فالفيلم من النوع الخيالي المصور بالأبعاد الثلاثية المجسمة، ويبدو أن البطل الحقيقي فيه سيكون المؤثرات البصرية الخاصة التي تطورت كثيرا بعد تطور العلاقة بين الصورة وما يمكن أن يتولد عن برامج الكومبيوتر.. لننتظر ونرى. وسيكون عرضه في ختام المهرجان ايذانا بانطلاق عروضه العالمية.
تناولت طعام الافطار صباح اليوم مع صديقنا الناقد السينمائي الكبير كمال رمزي الذي كان متألقا كعادته، وكنت قد التقيته قبل أقل من اسبوعين في القاهرة عندما قام بتقديم كتابي "اتجاهات في السينما العربية" وأدار مناقشته في الندوة التي خصصتها دار العين احتفالا بصدور الكتاب.
صديقي الناقد المغربي مصطفى المسناوي الذي يشارك في لجنة تحكيم أفلام مسابقة المهر العربي أهداني مجموعة قصصية صدرت له حديثا، وهي قد تكون تجربته الأولى في كتابة القصة القصيرة بعد أن خاض تجربة كتابة الدراما التليفزيونية. وعدت أن أستغل رحلتي من دبي إلى لندن (وتستغرق أكثر من سبع ساعات) لقراءة المجموعة على متن الطائرة رغم أنني لا استطيع عادة أن أفعل أي شيء وأنا محلق في الفضاء، أي بين السماء والأرض.. لكني سأحاول هذه المرة.. فربما أنجح!

السبت، 12 ديسمبر 2009

في مهرجان دبي السينمائي 3

قد يكون من السلبيات التي لاحظتها هنا عدم وجود برنامج عروض صباحية من العاشرة صباحا مثلا، وازدحام البرنامج بعد الثانية عشرة ظهرا بالعديد من الأفلام التي إن أهملت أحدها لا يمكنك تناول طعام الغذاء، وإذا فشلت في اللحاق بعروضها المسائية (في السابعة والتاسعة والنصف والعاشرة والنصف) لا تستطع أن تتناول طعام العشاء أيضا لأنك في هذه الحال سترغب في أن تمضي إلى النوم مباشرة- كما حدث معي الليلة- بعد منتصف الليل، مجهدا مرهقا، مشبعا بالأفلام التي يمكن أن تتداخل في الذهن غير المدرب، وتختلط صورها.
ازدحام البرنامج ليس ميزة، بل يجب تنقية المهرجانات العربية لها من هذه البدعة، أي بدعة عرض عشرات الأفلان (البعض يفخر بعرض أكثر من 200 فيلم) وكلما زاد العدد زادت المباهاة، وكأننا في مباراة. وكنت قد طالبت من قبل بألا يزيد عدد الأفلام في كل أقسام أي مهرجان دولي كبير عن 80 فيلما، فسيتيح هذا، إن حصل، السيطرة أكثر على البرنامج، وعدم الاضطراب، واتاحة الفرصة لأنشطة أخرى غير العروض والمشاهدات، أي المناقشات والمؤتمرات الصحفية، والأحداث الجانبية الثقافية المهمة وغيرها، وهي أساسية في كل المهرجانات. لكن عندما تأتي لتقول لي عليك أن تحضر مناقشة للسينما الفلسطينية مثلا، أجد نفسي مضطرا لتجاهلها لأن هناك فيلما مهما في المسابقة العربية سيعرض في نفس التوقيت، ويجب أن أشاهده.
أيضا لم أفهم سر الاحتفاء المبالغ فيه بالسينما الهندية.. كيف نروج لسينما تجارية في معظمها على هذا النحو، هل هي دعوة إلى سيطرتها على الأسواق العربية، وقتل سينمانا التي تعاني من الوجود أصلا.. لماذا يتعين علينا الترويج لسينما لا تعاني من أي نكران في بلادها بل هي منتشرة وأصبحت الأكبر والأضخم من حيث الانتاج في العالم قاطبة!
هل نحن نرضي الجاليات الهندية من العاملين بدول الخليج؟ وهل لدى هؤلاء وقت أصلا لمشاهدة الأفلام؟ ومن الذي سيفتح لنا أبواب الفنادق وأبواب السيارات، وهم يتراصون بالعشرات حتى أمام آلات اصدار بطاقات ترك السيارات في المواقف المخصصة لذلك داخل "مول الإمارات" وغيره بدون أن تكون هناك أي حاجة إلى عامل يؤدي هذه الوظيفة!
وإذا افترضنا أن الخليج يهتم تاريخيا بالثقافة الهندية، فماذا عن مهرجان القاهرة السينمائي الذي يحتفي، ليس فقط بالتفاهة كما سبق أن كتبت، أي بأفلام نادية الجندي ومثيلاتها من أسطوات الفن المتدهور أو الانحطاط الفني والفكري وتشويه المرأة، بل بالسينمات التجارية الشائعة ورموزها.. فماذا قدم أميتاب باتشان للحضارة البشرية أو للثقافة العالمية لكي نحيطه بكل هذه الهالة والاهتمام؟!
لا أفهم.. وربما يعتبرني بعض المهووسين بهذا النوع من الفنون الشائعة من أنصار "الموضة القديمة" أو أنصار فنون النخبة على حساب فنون الشعب!
* الفيلم الفلسطيني الجديد "صداع" عمل مثير للتأمل بلا أدنى شك ويستحق التوقف عنده فيما بعد.

* أفلام المخرجين الأكراد متوفرة بشكل يدعو للدهشة في هذا المهرجان" ويبدو أنه يكفي أن تقول إنك كردي وترغب في عمل فيلم عن المشكلة الكردية والهوية الثقافية الكردي حتى لو لم تكن موهوبا أصلا، لكي تحصل فورا على التمويل الغربي، من فرنسا وبريطانيا وغيرها. شاهدت فيلمين "كرديين" في يوم واحد وغدا سيعرض فيلم ثالث وربما يوجد المزيد، يتعين علي مراجعة البرنامج.. وقريبا ربما نجد البعض يحدثنا عن "السينما الكردية"!
* مازلت عاجزا عن فهم لماذا يحضر ممثل محدود القيمة والشأن، أو نموذج للمهرج النمطي السخيف مثل سمير غانم حفل الافتتاح في هذا المهرجان (وأرجو ألا يتهمني أحدهم بأنني أعادي الكوميديا، وكأننا نتحدث مثلا عن شارلي شابلن أو وودي ألين في حين أن دماغ سمير غانم توقفت عن النمو منذ اسكتش "دكتور.. إلحقني" عام 1960!، بل ولماذا دعي أصلا، ولماذا جاءت مقدمة برامج المنوعات التليفزيونية هالة سرحان، وماذا تفعل في هذا المهرجان: هل هي مسألة أمزجة شخصية مثلا؟!
يجب أن نعرف ماذا نفعل وماذا نقدم، فلا يصح أن نعرض أفلاما ممتازة، لها علاقة حقيقية بفن السينما، وتعرض إلى جوارها نماذج بارزة لا تدلل سوى على إفلاسنا الفني!
* رغم إعجابي الكبير بفيلم "واحد صفر" لكاملة أبو ذكري، إلا أنني لم أجد أنه لم يكن هناك بديل له في مسابقة المهر العربي لتمثيل السينما المصرية (مع عصافير النيل) فقد عرض في الكثير من المسابقات والمهرجانات، ويبدو أنه سيظل يدور في المهرجانات العربية للعام القادم أيضا، في حين أن مهرجان دبي كان يمكنه أن يحقق "ضربة" حقيقية إذا ما أدرج فيلم "بالألوان الطبيعية" لأسامة فوزي في مسابقة المهر للأفلام العربية أو افتتح به هذا القسم في عرضه العالمي الأول (الذي لم يحدث بعد) ولكن أحد أصدقائي قال لي إن مهرجان دبي في إطار منافسته المحتدمة مع مهرجان أبو ظبي، لا يرغب في الحصول على أي فيلم سبق ادراجه في برنامج أبو ظبي، حتى لو لم يكن قد عرض كما حدث مع فيلم "بالألوان الطبيعية" الذي اكتشفوا هناك، قبل شهرين، أن النسخة التي وصلت منه لم تكن صالحة للاستهلاك الآدمي.. غالبا بسبب الاستعجال للحاق بالمهرجان ذي الجوائز المغرية.. مسكين أسامة فوزي فقد دفع الثمن مرتين في حين أن المحظوظ "واحد صفر" سيظل يلف ويدور في كل مهرجانات الأرض لدرجة اصابتنا بالملل خاصة وأن الموضوع أصبح ميتا الآن في ضوء الهستيريا الكروية التي أعقبت مباراتي مصر والجزائر في كرة القدم!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger