الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

في مهرجان أبو ظبي السينمائي (3)

مايا نصري


* دردشة طويلة على الافطار مع الناقد كمال رمزي وطارق الشناوي وانتشال التميمي. حديث كمال مثير للكثير من المواجع لكنه يمتلك القدرة على توصيل ما يريد من رسائل بأسلوب رشيق ودبلوماسي للغاية. اتفق معه في بعض النقاط وأختلف في غيرها. الوضع السينمائي المؤسساتي في مصر وما أطلقت عليه "مشروع تخريب السينما" كان محور الحديث.
* الفيلم الأول التحفة الذي أشاهده في المهرجان حتى الآن هو فيلم "مبدأ الصدمة" The Shock Doctorine للمخرج البريطاني مايكل وينتربوتوم الذي يوازي في قدرته التحليلية بالصوت والصورة فيلم مايكل مور الأخير "الرأسمالية: قصة حب".
* الإعلان مساء أمس عن إلغاء العرضين اللذين كانا مخصصين للفيلم المصري "بالألوان الطبيعية" للمخرج أسامة فوزي (جنة الشياطين، عفاريت الأسفلت، بحب السيما) أحدث ارتباكا ولازلت غير متأكد ماما من الأسباب. وقد أعلن عن عرض وحيد للفيلم بعد ظهر الجمعة. وقد سمعت أن مشادة بالصوت العالي وقعت أمس بين أسامة ومدير المهرجان بيتر سكارليت ربما ترجع لعدم تخصيص استعراض للعاملين بالفيلم على البساط الأحمر (موضة وصرعة اصابت كل المهرجانات العربية حاليا حيث يدعون المصورين ومحطات التليفزيون لالتقاط الصور فيما الممثلون يرتدون ملابس السهرة – أحيانا في عز الظهر- ويتمايلون على البساط الأحمر على غرار ما يحدث في مهرجان كان). وسمعت أيضا أن سكارليت عقد جلسة فيما بعد مع أسامة وقام بتهدئة الأمر.
* قابلت مصادفة الممثلة العملاقة كما تبدت في دورها في فيلم يسري نصر الله "احكي ياشهرزاد" رحاب الجمل. ودار حوار رائع بحضور الممثلة والمغنية اللبنانية مايا نصري التي اكتشفت أنها تتمتع بروح عالية وبقرة على "التأمل" الفلسفي أيضا في مغزى الحياة، وتطرح الكثير من التساؤلات الجريئة. وقد علمت من الصحفي وائل عبد الفتاح أنها خطبت للمخرج المصري ايهاب لمعلي مخرج فيلم "الدكتاتور". وقد انضم الينا في المناقشة الممثل الكبير محمود حميدة.
* فيلم محمد زرن "زرزيس" غير الروائي مثير للتأمل والاهتمام، وسأعود إلى مشاهدته في نسخة رقمية للاستمتاع به. بالمناسبة قاعة سيتي ستار التي عرضته كانت ممتلئة، كما امتلأت عن آخرها أيضا بالجمهور لمشاهدة فيلم "مبدأ الصدمة" وهو ما يؤكد نظريتي الخاصة بوجود جمهور عريض على استعداد لشراء تذاكر لمشاهدة أفلام تسجيلية.
* الفيلم الهندي "أزرق" يحمل نفس عنوان الفيلم الشهير من بطولة جوليت بينوش للمخرج البولندي الراحل كيشلوفسكي، نال الكثير جدا من الدعاية هنا.. لا أظن أنه سيتاح لي الوقت لمشاهدته. ومنتجو الفيلم أقاموا حفلا ساهرا كبيرا وجهوا فيه الدعوة إلى كل ضيوف المهرجان.
* من أكثر ما سمعت إثارة من تعليقات في الأفلام ما قاله رجل لمجموعة من الصبية في فيلم "زرزيس" التونسي "دعونا نفجر أنفسنا حتى يرانا الناس في قناة الجزيرة"!

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

في مهرجان أبو ظبي السينمائي (2)

من فيلم "الليل الطويل"


الآن بدأت معالم المسابقات تتضح بل وتشتد المنافسة بعد عرض حوالي نصف الأفلام المتسابقة.
النظام دقيق للغاية، وحركة الانتقال بين الفنادق وأماكن العروض متصلة ومنتظمة، وعدد المتطوعين وغيرهم من العاملين في المهرجان كبير بدرجة ملفتة، وبمجرد أن تطا قدماك أرض قصر الإمارات مثلا تجد الجميع في خدمة الضيوف والصحفيين بدون أدنى تفرقة.
مشكلة العرض في مهرجان أبو ظبي هي نفسها في كل مهرجانات السينما التي تقام من المحيط إلى الخليج كما سبق أن كتبت قبل عام بالضبط وأنا في صدد رصد سلبيات مهرجان قرطاج السينمائي ،وأقصد بالطبع أن المهرجان لا يخصص قاعة للعروض الصحفية أو للعروض التي يقتصر حضورها على الضيوف من السينمائيين والصحفيين شأن كل المهرجانات الكبيرة المعروفة في العالم. وهو ما يجعل النقاد مضطرين إلى حجز بطاقات المشاهدة للعروض مسبقا، فالبطاقة الصحفية حتى لا تكفي لدخولهم إلى قاعات العروض، وهو أمر أجد استمراره غريبا في ظل إدارة بيتر سكارليت الذي يمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال. لكني أضيف أيضا للموضوعية، أن الحصول على بطاقات للمشاهدة سهل وميسور بل ومن الممكن أن يحجز الصحفي بطاقات كل العروض حتى نهاية المهرجان من اليوم الأول.
* لاشك على الإطلاق، وهذا أمر يجب تكراره والتذكير به دائما، على أن من أهم ما توفره المهرجانات العربية لنا نحن النقاد فرصة الالتقاء وتجديد الصلات والاتصالات بيننا وبعضنا البعض، وبيننا وبين السينمائيين أيضا.
* التقيت هنا بالصديق القديم الناقد السينمائي المصري كمال رمزي الذي تربطني به علاقة قديمة تاريخية من أيام بداياتي الأولى، من الزمن الذي ذهب ولن يعود، أيام نادي سينما القاهرة في السبعينيات. وميزة كمال أنه إنسان طيب ومتسامح وأيضا لا ينسى الأيام الجميلة والصحبة وما يعرف بالعيش والملح، وبالتالي هو على استعداد لأن يغلب الجانب الإنساني الجميل على أي شيء آخر. وكمال هو الناقد الرسمي لمسابقة أفلام من الإمارات هذا العام.
والتقيت أيضا بالناقد اللبناني والمخرج حاليا محمد سويد الذي لم أره منذ أن التقينا في مهرجان كان في منتصف التسعينيات تقريبا، كما قابلت الصديق الناقد المغربي الكبير مصطفى المسناوي، والمخرج التونسي الصديق محمد زرن (وسويد وزرن لهما فيلمان في المهرجان) وبالمناسبة صديقنا الناقد التونسي الكبير خميس الخياطي اعتذر لأسباب صحية عن عدم حضور هذا المهرجان شفاه الله وعافاه.
وهنا أيضا الناقد المصري المقيم في الكويت عماد النويري الذي لم أعد أراه كثيرا في المهرجانات العربية التي أحضرها، أقصد المهرجانات غير الخليجية، والناقد السوري الشاعر فجر يعقوب، وطبعا الناقد الأردني الكبير عدنان مدانات الذي لم أره منذ أن قابلته آخر مرة في أحد مهرجانات المغرب قبل نحو 17 عاما!
وقابلت الناقد الأردني الصديق ناجح حسن، وهو يدوم على المهرجانات العربية، وقد بادرني عندما رآني بضرورة حضور هذه المهرجانات، فلما أبديت بعض التحفظ استطرد قائلا "لكي نراك أساسا"!
هنا أيضا الصديق أحمد الحسني مدير مهرجان تطوان السينمائي، والصحفي طارق الشناوي، والصحفي وائل عبد الفتاح ومن السينمائيين الذين أرتبط بصداقات والموجودين هنا أيضا معهم محمد خان عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية، ويسري نصر الله الذي يرأس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، وأسامة فوزي (الذي سيعرض فيلمه "بالألوان الطبيعية" بعد يومين، في عرضه العالمي الأول بعد أن انتهى من استكماله أخيرا)، والمخرج الفلسطيني الصديق رشيد مشهراوي (عضو لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية). وهنا أيضا الممثل البارز محمود حميدة، وطبعا كل أو معظم المثلين والممثلات في فيلم "هليوبوليس" (حنان مطاوع وهي ممثل رائعة لم تحصل بعد على فرصتها للوصول للنجومية)، وخالد أبو النجا، والممثلة الناشئة يسرى اللوزي (التي تحتاج بالتأكيد إلى تدريبات على الأداء الصوتي)، وغيرهم وغيرهن.
* وبمناسبة لجان التحكيم من ضمن ما يؤخذ على هذا المهرجان، وما أجده شخصيا أمرا شاذا ومثيرا للاستنكار أن تخلو لجان التحكيم الثلاث في المهرجان (الروائية الطويلة، والوثائقية الطويلة، والأفلام القصيرة) من النقاد السينمائيين تماما، كما لو كان نقاد السينما قد أصبحوا أعداء للسينما، في حين أن النقاد هم الأكثر قدرة في الحكم على الأفلام من الممثلين والممثلات بل وإحداث نوع من التوازن داخل لجان التحكيم لأنهم لا ينحازون إلى أسلوب سينمائي معين (أو هذا ما يفترض أساسا) بل ينحازون للأفلام الجيدة بغض النظر عن أسلوب الإخراج.
والأمر الآخر الأشد غرابة أن تضم لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الممثلة هند صبري التي لا يعرف لها أي اهتمام أو ساق خبرة، لا بممارسة نقد وتحليل الأفلام الوثائقية أو صنعها، فكيف يمكن أن تحكم ممثلة على أفلام وثائقية أو تسجيلية. إنها المرة الأولى على حد علمي الشخصي، التي أرى فيها شيئا شاذا كهذا، بل وأضيف أيضا أن هند صبري قد لا تكون قادرة على الحكم على الإخراج في فيلم سينمائي بحكم النظرة الضيقة التي تنظر بها أي ممثلة عادة إلى الفيلم فهي عادة تقف أمام الكاميرا للقيام بدورها في سياق ربما سيقوم المخرج يتغييره وتعديله وإعادة توليفه على طاولة المونتاج.
أحمد عبد الله وخالد أبو النجا أثناء تصوير فيلم "هليوبوليس"

ومن ناحية أخرى تضم لجنة تحكيم الأفلام القصيرة الممثلة منة شلبي التي لا أعرف أيضا كيف يمكنها أن تحكم على هذه الأفلام بخبرتها المحدودة في العمل السينمائي عموما. ورأيي أنه إذا كان ولابد أن تضم لجان التحكيم ممثلين أو ممثلات للحكم على مستوى التمثيل في الأفلام المتنافسة فيجب أن تكون تلك الأسماء من الممثلين أصحاب الخبرة الطويلة في التمثيل، وليس من ممثلات شابات ناشئات مهما كان اعجابنا الشخصي بهن!
* شاهدت فيلم "الليل الطويل" السوري لحاتم علي، وهو دراما ثقيلة عن الاعتقال السياسي في سورية ولاشك في جرأته الفكرية، وشاهدت فيلم "هليوبوليس" المصري للمخرج الشاب أحمد عبد الله، وهو تجربة جديدة من تجارب "السينما المستقلة"، وطبعا يجمع بين الفيلمين أنهما صورا بكاميرا الديجيتال ثم جرى تحويلهما إلى شريطين سينمائيين. وقد توجهت بسؤال خلال المؤتمر الصحفي لفيلم "هليوبوليس" بعد ظهر اليوم إلى مخرج ومنتج الفيلم حول ما اذا كانت هناك أصلا "ضرورة" فنية وإنتاجية لتصوير الفيلم بكاميرا الديجيتال (الرقمية) فكان رأي المخرج أن طبيعة الموضوع الذي صور في حي مصر الجديدة بالقاهرة، في شوارع تمتليء بالرحكة والبشر، كانت تفرض الاستعانة بكاميرا صغيرة من نوع الديجيتال، وأضاف أن التكلفة الكلية للفيلم قلت بشكل واضح أي أن استخدام هذه الكاميرا أدى إلى تقليل التكلفة، في حين قال المنتج شريف مندور (صاحب تجربة انتاج فيلم "عين شمس") إن التصوير بكاميرا الديجيتال لم يقلل كثيرا من التكلفة إذا أخذنا في الاعتبار التكاليف الكبيرة التي تنفق لتحويل الفيلم إلى شريط سينما. ولكنه أوضح أنه والمخرج، ناقشا الأمر في البداية وكان القرار أن تستخدم كاميرا الديجيتال لأسباب فنية تماما وأساسا.
* وقد شاهدنا أيضا فيلم "كاريوكا" التسجيلي المنتظر للمخرجة نبيهة لطفي التي لم تقدم أفلاما منذ أكثر من عقد من الزمان، وفيلم "ما هتفت لغيرها" لمحمد سويد، وسنعود فيما بعد لتناول كل هذه الأفلام بالنقد والتحليل.
أخيرا، وعلى العكس من تقارير صحفية كثيرة في الماضي، تحدثت عن عدم وجود جمهور للأفلام في مهرجان أبو ظبي، أشهد أن الجمهور موجود، ويقبل على معظم العروض بل إن الأفلام الوثائقية أيضا لها جمهورها، وقد شاهدت أفلاما خارج قصر الإمارات (المقر الرسمي للعروض) في المجمع السينمائي بسيني ستار مثلا ووجدت إقبالا، بل وقابلت اثنين من الأصدقاء اللذين يأتيان يوميا خصيصا من دبي لمشاهد الأفلام والعودة في آخر الليل.. غير الطويل!
وللحديث بقية بالطبع.

الأحد، 11 أكتوبر 2009

في مهرجان أبو ظبي السينمائي (1)


أكتب من مهرجان أبو ظبي السينمائي الذي أطلق عليه منظموه مهرجان الشرق الأوسط وهي تسمية لا غبار عليها من وجهة نظري مثلما نقول صحيفة "الشرق الأوسط" و"إذاعة الشرق الأوسط" وغير ذلك. وليس بالضرورة أن يعني إطلاق هذا الإسم على المهرجان أنه يخفي وراءه دعوة إسرائيل أو أفلام إسرائيلية، وإذا كانت هناك أي نية لـ"ارتكاب" تلك الجريمة لكانت قد ظهرت الآن وأصبحت مكشوفة للجميع. لكن الصحيح أن مهرجان أبو ظبي (الجميع يسمونه هكذا على أي حال) لم يقبل أفلاما إسرائيلية، وربما كانت هناك محاولة من قبل مسؤول معين (سابق) في المهرجان للقيام بذلك في الدورة الأولى عام 2007، غير أن هذه المحاولة انتهت كما هو معروف للجميع، إلى لاشيء.
التسمية إذن لا تستحق كل ما يثار حولها من ضجيج بدليل أننا نتعامل مع "كيانات" أخرى تحمل اسم "الشرق الأوسط" دون أن نتحفظ عليها.
أما المهرجان نفسه بعيدا عن التسمية، فهو حقا يقام في بلد غير معروف بنشاطه السينمائي، ربما تكون هناك أفلام مصورة بكاميرا الفيديو الرقمية طويلة أو قصيرة، قد ظهرت خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لاتزال تواجه المشكلة الأخطر من الإنتاج أي العرض والتوزيع والقدرة على الوصول لجمهورها الطبيعي ولو من خلال التليفزيون.. فهل يحدث هذا قريبا؟
الإجابة ليست عندي، والطريق لايزال طويلا وشاقا، ليس فقط أمام صناع الأفلام في الإمارات، بل في منطقة الخليج العربي بأسرها بما فيها السعودية بالطبع التي لا يجب أبدا استثنائها تحت أي مبرر.
وربما يكون من المهم كثيرا التذكير بأن مخرجي الأفلام المصورة بكاميرا الديجيتال، أحيانا على نفقتهم الخاصة، يتحملون الكثير من المشاق، ويعجزون عن الوصول بأفلامهم إلى الجمهور وهذا يحدث في مصر أيضا، الدولة التي يحسدها الكثيرون على وجود "صناعة" سينمائية عريقة فيها وحر كة سينمائية وإنتاج سينمائي متنوع!
المعاناة إذن ليست قاصرة على فئة دون أخرى، بل يشمل الجميع، والتواصل والتعاون بين هذا القطاع "المستقل" الذي نشأ حديثا، مهم أيضا لفتح طرق جديدة للعرض وللإنتاج أيضا.
أعود إلى مهرجان أبو ظبي الذي لم أحضره من قبل. وربما اكون أيضا قد أبديت الكثير من التحفظات عليه وعلى غيره من المهرجانات التي تقام في الخليج، وكانت تحفظاتي أساسا، وربما ستظل، تتركز في نقطة واحد هي المبالغة الشديدة في الاعتماد على المال وحده: في الجذب.. أي جذب الأفلام والمخرجين والصحفيين والنجوم من العرب والأجانب، والاهتمام الشديد بالسينما الأمريكية على حساب سينما المنطقة (سمها العالم العربي، أو الوطن العربي، أو الشرق الأوسط). وهنا لا فرق لدي بين أي من هذه المهرجانات: دبي (أقدمها وربما أكثرها طموحا .. لا أدري)، وأبو ظبي، والدوحة ترابيكا الوليد الذي يبدو أنه سيبدأ في أواخر الشهر الجاري من حيث بدأ مهرجان أبو ظبي أي بالاهتمام بالسينما الأمريكية والناطقة بالانجليزية عموما (هناك 23 فيلما من أمريكا وبريطانيا من بين 33 فيلما هي كل ما سيعرض المهرجان).
وهذه أسباب أظن (وبعض الظن إثم) أنها أسباب موضوعية تماما وتستحق الانتباه والاهتمام، من النقاد ومن غير النقاد، وأساسا من القائمين على أمر تلك المهرجانات. ويبدو لي أن مهرجان أبو ظبي هذا العام تحديدا في عهد مديره الجديد بيتر سكارليت الذي تولى مسؤوليته بعد دورتين ترددت أصداء فشلهما في الصحافة العربية، اللتين لم أحضرهما ولا رأي لي فيهما غير أنني اطلعت على برنامج العروض واتفقت مع المنتقدين على أنه كان شديد الاهتمام بالأفلام الأوروبية والأمريكية التي كانت تخرج ايضا من المهرجان بحصة الأسد من الجوائز المالية الضخمة في حين كانت السينما العربية بأفلامها تمنح هامشا ضيقا وتبدو كاليتيم!
عن دورة هذا العام سبق أن كتبت وقلت إن البرنامج جيد ومتوازن، بل وإن الأفلام الجديدة التي تعرض من آسيا وأوروبا وأمريكا يبدو الكثير منها مهموما بالكثير من المشاكل التي تهمنا في هذه المنطقة من العالم، وبالتالي يمكن أن يصبح المهرجان فرصة للحوار حول القضايا المشتركة.

ومما أعجبني أيضا قبل أن أتوجه إلى المهرجان "التقسيمة" الجديدة للجوائز، أي جعلها أقل جنونا بكثير عما كانت فأكبر جائزة لا تزيد عن 100 ألف دولار بعد ان كان ربع مليون (وهو يظل بالتأكيد مبلغا ممتازا) ويمنح لأفضل فيلم في مسابقة الأفلام الروائية ويمنح مثيله للأحسن في مسابقة الأفلام الوثائقية كما تمنح جائزتان لأفضل الأفلام من الشرق الأوسط بنفس القيمة المالية وهو ما يحقق توازنا جيدا. وهناك 50 ألف دولار تمنح لأفضل مخرج روائي جديد وأفضل مخرج وثائقي جديد، وهي مبادرة جيدة لتشجيع السينمائيين الناشئين.
مؤكد أنني لا أوافق على أن يصبح سلاح المال هو السلاح الحاسم في المنافسة بين مهرجان ابو ظبي وغيره من مهرجانات المنطقة سواء المهرجانات التي تقام في الدول النفطية مثل دبي والدوحة، أو في الدول المائية مثل القاهرة ودمشق وقرطاج وتطوان (لا أذكر مهرجان مراكش أبدا ولم يسبق لي أن أشرت إليه لا من قريب ولا من بعيد، وهذا اختيار مقصود لأنني ببساطة لا أعتبره مهرجانا عربيا بل أمريكي يقام في المغرب (العربي) لأسباب "شخصية".. ولن أزيد على ذلك، ومن لا يفهم هذه العبارة عليه أن يعيد القراءة أو يتصل بصديق!
سمعت بالطبع ما تردد عن دفع الكثير من الأموال لبعض المخرجين للحصول على حق العروض الأولى لأفلامهم، وهو سلوك مرفوض أساسا لأنه يفسد السينمائيين ويجعل المال هو القيمة الأساسية في مشاركتهم بالمهرجانات، كما أنه سلاح لا يأخذ في الاعتبار أن الذين يستخدمونه يسيؤون إلى أنفسهم ايضا وإلى مهرجاناتهم، لأنه يظهرهم باعتبارهم أناسا من فصيلة "محدثي النعمة" الذين يستسلهون كثيرا اخراج دفاتر شيكاتهم وشراء كل من يمكن شراؤه بالمال.
الجانب الآخر الذي أود التأكيد عليه أن مهرجانات السينما التي تتكاثر في العالم العربي (ولا أظن أبدا أن أحدا ضد وجودها من ناحية المبدأ) تفتقر كثيرا إلى القيام بدور "ثقافي" واضح وبارز أو يغيب عنها التواجد ضم مشروع ثقافي متكامل وشامل يسعى للتنوير واشاعة الوعي بأهمية السينما والفنون البصرية عموما، ويعلي من شأن ثقافة الصورة، ويهتم بالمطبوعات السينمائية وبنقاد السينما وما يساهمون به من "فكر"- وأضع هذه الكلمة بين أقواس لأن من المهم أن تستوعب هذه المهرجانات أن هناك نقادا للسينما، وهناك صحفيون للمنوعات. وفاروق كبير بين النوعين، فالنوع الأول ينتج "فكرا" تحليليا ناتجا عن ثقافة وتعمق في الفهم والرؤية والمعرفة، بينما يقدم النوع الثاني "معلومات وأخبارا وتحقيقات سريعة. ولا ينبغي أن ينفي النوع الثاني النوع الأول أو العكس. بل يجب الاهتمام بالنوعين على قدم المساواة. وليس معنى أن هناك ندوة دولية أو عربية للنقد قد قشلت أن نوقف الاهتمام بالنقد بل علينا أن نبحث عن وسائل لتطويرها وتخليصها من الشللية والمحسوبية والوساطة ومن الاعتماد على "نقاد وزرات الثقافة" و"المؤسسات الرسمية"، والتوقف عن الاعتماد على "التقارير" التي تصب في مكاتب المسؤولين عن السينما في الدول "المائية" قبل أن نقرر من يحضر ومن لا يحضر، من يأتي ومن لا يأتي، كما يجب التوقف عن محاربة المهرجانات بعضها البعض، بخطف هذا الفيلم من هنا أو من هناك، واطلاق الشائعات ضد هذا المهرجان، أو تشكيل فرق من الميليشيات التي تسبح بحمد هذا المسؤول المهرجاني أو ذاك، بدعوى أنه الأفضل والأنقى والأقدر حتى لو قضى عمره "الافتراضي" كله جاثما على صدر المهرجان كنموذج يتحدى الطبيعة، وعلى مقاومة التغيير ووقف مبدأ التطور، وقبل هذا كله، يجب التوقف عن سياسة معاقبة النقاد والمفكرين السينمائيين على آرائهم ومواقفهم ورؤاهم السينمائية وتجاهلهم أو وضعهم في قوائم سوداء، فهذا يجعل المهرجان، أي مهرجان، مهرجانا لقارعي الطبول وعشاق الأكل على كل الموائد والكتابة حسب مستوى الطعام وكميته.. وأشياء أخرى ونوعيات أخرى أربأ بنفسي عن ذكرها!
وقد كان من دواعي سروري الشخصي أن أسمع من الصديق انتشال التميمي، مستشار مهرجان الشرق الأوسط، أن المهرجان اقتنع هذا العام بضرورة حضور النقاد الكبار الذين أدوا واجبهم وتقاعدوا عن ممارسة النقد وإن استمروا في عطائهم في مجالات أخرى، على سبيل التكريم والتحية، ومنهم الصديق الأستاذ خميس الخياطي (من تونس) مثلا، فهذا موقف متقدم لابد من تحيته وتشجيعه.
وللحديث بقية.

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

مهرجان لندن السينمائي الـ53


تنعقد الدورة الـ53 من مهرجان لندن السينمائي في الفترة من 14 إلى 30 اكتوبر الجاري بمشاركة أكثر من 200 فيلم من 50 دولة. هذا المهرجان العريق يعرض عشرات الأفلام من سينما العالم في برامجه المختلفة ومنها أفلام عربية.


جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger