الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

"موت البديل": معنى السينما المستقلة



بقلم: عماد إرنست



تستضيف مدونة "حياة في السينما" الكاتب والمخرج الصديق عماد إرنست أحد السينمائيين البارزين في مجال الفيلم التجريبي والفيلم الفني الذي يمزج بين الروائي والتسجيلي وغير الخيالي ويستخدم مفردات السينما في أفلامه ويصوغها بطريقته وطبقا لأسلوبه الخاص. في هذا المقال الذي يمكن اعتباره شهادة شخصية لكاتبه على علافته بالسينما وبالتعبير بالصورة، يناقش عماد العلاقة بين الفيديو والسينما ونظرته الخاصة لما يسمى بالسينما المستقلة في مصر. ولعل هذا المقال بحميميته يفتح الباب للمناقشة واتعليقات من جانب السينمائيين الشباب والمتطلعين لأن يصبحوا مخرجين في المستقبل.

بعد عرض فيلمي التسجيلي القصير، المصور والموَّلف بتقنيات الڤيديو الرقمية، وذلك ضمن أسبوع لأعمال الڤيديو بمصر، جلست بإحدى قاعات المجلس الأعلى للثقافة مع مخرجين زملاء لنتلقى ردود الفعل على أعمالنا المختلفة. وعلى مشارف انتهاء النقاش توجه أحد الحضور بسؤال لم يتم الإجابة عليه، لا أتذكر لماذا !كان السؤال مثيراً ، على الأقل بالنسبة لي ، هذا هو السؤال ..هل الڤيديو بديل للسينما ؟

سؤال مفاجئ رغم بساطته ، وأذكر عقب طرحه أني ابتسمت بلا سبب واضح في ذهني .شيء ما مرح، لكنه مرير في ذات الوقت، كان يتسلل بخلفية هذه الابتسامة. ولأني اعتدت على أخذ هذه الابتسامة بجدية كلما لمحتها تعبر وجهي. لذلك، ولدى مغادرتي مع صديقتي غامرت بالصمت غير المبرر والمقلق لها .
أقول : "غامرت" ؛ هذا لأني أعرف خطورة تعقب هذه الابتسامة الملتبسة !"
لقد أعجبهم الفيلم ، فلم أنت شارد !؟ "
" أنت تعرفين أني أقدر الأسئلة المفاجئة وقد واجهني اليوم أحدها . "
" أي سؤال تعني !؟ "
" هل ( أنا ) بديل ( لي ) !!؟ "
" لم يسألك أحد هذا السؤال !
كل ما أعرفه أن أكثر الحضور فهماً للسينما قال عنه رائع .
"ابتسمت لها بود وهي تطمئن راحة يدي برفق .
ركبنا تاكسي طرازه قديم عبر بنا جسر الأسود ثم وسط المدينة، وسؤال الرجال يطارد جبهتي من اليمين لليسار والعكس.
أعادتني اهتزازات التاكسي للحظة دخولي معهد السينما كطالب يسعى للتحقق بفن السينما.
تذكرت وقوفي المتوتر في بهو المعهد الداخلي، وترددي بالحديث مع زملائي، فقد كانت عيني تحاول احتواء البهو، والغرف، والممرات والسلالم، والنوافذ. كانت مشغولة في صراع بدائي متكرر مع المكان .. بين الحين والأخر كنت أشارك زميلاً، وأتعاطف مع أخر، الكل يصافح الكل بحرارة.
صافحت السائق وهو يعيد باقي الخمسة جنيهات لصديقتي، فضحكت صديقتي بصوت عال. تذكرت ضيق الرجل لعدم إجابة سؤاله، ووقوفه صامتاً وسط الحضور بالقاعة، لقد شعر أنه وحده مع سؤاله، تجمد للحظات وأخرج سيجارة، فإذا بأمن القاعة يمنعه بسرعة فتراجع متلفتاً حوله باحثاً عن تكملة .أحياناً تتحول علامة الاستفهام لمخلب وحشي يطاردك وسط الحشد ؟
هل الڤيديو بديل للسينما ؟لم أجد علاقة بين ذكرياتي وسؤاله ، فعدت ليدي صديقتي الحانية ، واستمتعت معها بالتنزة بأرصفة وسط القاهرة بين المارة المتلكئين أمام احتفالية الأوكازيون . تدفقنا معهم أكثر ثم أقل ، فأكثر ..
وإذا بالسؤال يعود ليواجهني بأفيش احدى دور العرض تعرض "للجمهور" "فيلماً" "روائياً" "طويل" : هل الڤيديو بديل للسينما التجارية ؟
فتحت باب مسكني وتوجهت إلى الكامير الـ Mini DV. أمسكت بحقيبتها ورفعتها، فإذا بها "خفيفة" فتوقفت عند نسب خفتها . خفيفة بالنسبة لأي شيء .. .. !؟
في شتاء ١٩٩١، وفي السنة الدراسية الثانية، طلب منا عمل فيلم تسجيلي عن أي موضوع نرغبه، ثم تسلمنا كاميرا V.H.S للتصوير بها. ولأنها كانت المرة الأولى التي سأضع فيها عيني بكاميرا تنتج صوراً متحركة؛ لذلك قررت أن أصور بنفسي. لم يكن بداخلي رغبة للخروج عن نطاق الحي الذي أسكنه، فنزلت بها يوماً كاملاً لأبحث عن موضوع من خلالها. "اللي عشته أحسن من اللي ماعشتهوش".
عدت خائباً، لكني اكتشفت شيئاً مشجعاً ، وهو أني بدونها كنت أفعل نفس الشيء ، كنت أمتلك قدرة تحديد الـ FRAME . لكن أي FRAME سيوقفني !!؟
غفوت شاعراً بتدفق ألم شديد بالكتف الأيمن .
اليوم الثاني تحركت بها بداخل الحي القديم المتهالك والأثري ( الجمالية ) . لم أرفعها أو أديرها ، توغلت بها حتى وصلت لحي اليهود ، وعبرت بوابة خان قديم ، وهنا بدأت تجتاحني العين المحتوية للمكان !!
شعور متدفق بأنك مألوف للبشر والجدران، وأن هذا المكان ينتمي إليك وأنت إليه ، شعور يزداد ثم ينقص لكنه لا يختفي أو ينقطع ، شعور خطي متصل !
أحسست بخفة الكاميرا بيدي لكني لم أجرؤ على إخراجها ؛ فقد كان الشعور يلتهم قراري بالتفاعل كمخرج، أو بالأحرى كمصور . أذكر بطئ حركتي وثقل خطواتي في الممرات والدهاليز المتكلسة .. وإذا بي أعود فجأة للخلف لأرى شيئاً قد مر علي !!
وقفت أرقب ما أراه وأنا منغمس مع حركتهم المتكررة بعمق القديم المتهالك . ندائهم من الداخل يأتي ."لم تعد الكاميرا موجودة" .. واندمج ما هو حسي مع ما هو معرفي في علامات ترقيم لغوية، وقرارات قوية حتى أصل إلى " لماذا توقفت وعدت للخلف لأرى ما قد مر علي " ؟
طلب مني الفنان مدكور ثابت (لاحظ الخلفية التجريبية لهذا المخرج) أن أكتب ورقة عما أنوي الوصول إليه من المادة المصورة. وقعت في حيص بيص. كان أكثر المواقف التي واجهتني قسوة، ولكني، ولكي أخرج من هذا المطلب، قدمت له ورقة أقل ما توصف به أنها هروب. لكنه بخبرته تفهم أني باحتياج للجلوس بغرفة المونتاچ، وبكم مفتوح من الساعات، ليكتمل حظي الاستثنائي بأن أضع قدمي على أول الطريق الحقيقي للتمتع بجدية بصنع الأفلام .. الانحياز للإسثثناء !
أغلقت الكاميرا الـ Mini DV ، ثم وضعتها بحقيبتها وأخرجت البطارية حتى لا تنفذ .شتاء ١٩٩١، كانت من نوع الـ V.H.S. ، استعدت تجربتي معها كاملة وتعرفت على نسب الخفة.
الأنالوج والديچيتال الخطي والرقمي مفردتان تستخدمان خارج النطاق التقني في التفسيرات الحديثة لعلم الإيكولوچيا فالاتصال الخطي يتضمن كماً متدفقاً بلا فراغات دالة ، ولا يوجد به " لا " ، و لا يتساءل " إما أو " كل شيء فيه أكثر أو أقل ، مثل كل الإيماءات والتحولات والإيقاعات غير التقليدية، والسياق الإتصالي ذاته. أما الاتصال الرقمي فيتضمن عناصر حرص ، وانقطاعات أو فراغات ، ويسمح بقول الـ " لا " و " إما / أو " بدلاً من " كِلا / و " ( مثل كل اتصال دلالي لغوي ) " .. هذان .. " الشكلان ليسا في موقف تعارض، فالوظيفة العامة لما هو رقمي أن يرسم حدوداً بداخل ما هو خطي، مثله في ذلك مثل مفتاح غلق وفتح دائرة كهربائية تعمل بداخل تيار متدفق " .
هذه ترجمة لتعريف موجز لـ "بيل نيكولز" لمفهومي الخطي والرقمي لدى "جريجوري بيتسون" صاحب كتاب "خطوات نحو إيكولوچيا العقل" .الآن .. السؤال يحتاج إلى إجابة أكثر وضوحاً !
فما سبق كان لعبة " سرد وأسلوب "" لماذا " يطارد الرجل ذاكرتي ؟ و " لماذا " كان السؤال هاماً له لحظتها !؟
"نصصت" أداتي الاستفهام لأنهما التجسد اللغوي لكاميرتين، الأولى ڤيديو والثانية سينما ٣٥ميلي .. الأولى ابتسامتي المرحة والمريرة والثانية تتمثل في قلقه من عدم تحققه في سؤاله. الاثنتان اندمجتا بلا صراع تقليدي بفراغ القاعة.
هنا نستطيع رؤية العلاقة الملتبسة بين مفهومي الخطي والرقمي عند بيتسون؛ فالابتسامة كانت إيماءة غير تقليدية (خطي/ متدفق) أعقبها صمت تأملي فيها (رقمي/حرص)، بينما بالنسبة له كان هناك أشخاص تتحدث بتدفق (خطي/مثرثر) قطعها ذهنه بسؤال متكلس (رقمي / لا) ثم فعل إنتظار متدفق لبرهة، أعقبه عدم السيطرة على سلوكه، بالتجمد وإشعال السيجارة، ثم الحيرة (خطي/ متدفق ومتحول). وهكذا تشابكت صراعاتنا الحسية والمعرفية ما بين تدفقات خطية وإنقطاعات رقمية. ويمكن متابعة الجزء السردي "في البداية" من هذا المنظور، إلى أن تتوقف عند كلمتي ..
السينما التجارية: هذه السينما غير معنية إلا بالجاهز من تفسيرات السلوك البشري، وبما يخدم صراعها التقليدي الأرسطي ذي الثلاث فصول، والتي لا تريد المغامرة بتغييره ، لأنه مستقر التواصل ومربح . وهنا يكمن خطأها ؛ فالقلق المتزايد التجزئة في الاتصال بين البشر لن يجد التهدئة بشاشتها ( لاحظ قلة البطولة الخارقة بعد ١١ سبتمبر، ولجوء السينما التجارية الأمريكية لأبطال ذوي بشرة غير بيضاء للتخفيف من القلق تجاه نسيج المجتمع. ومن قبل نجاح جماهيري لفيلم تلاعب فقط بسرد الصراع التقليدي وبأبطاله ـ ليس بطلاً واحداً ـ مثل فيلم Pulp Fiction ).
ولأن هذا القلق الاتصالي يحمل بداخله احتمالات ووعوداً بالضحك، لذلك أتوقع صعود أكثر لموجة الكوميديا بمصر ( لاحظ مقولات ممثلي الكوميديا بأنهم يأخذون قفشاتهم من الشارع . وعلى النقيض ، يتم الهرب بالحدوتة لخارج مواقع القلق مثل الجامعة الأمريكية ، هولندا ، شرم الشيخ ، أفريقيا ، ومواقع صراع عالمية وعربية جاهزة التفسيرات الصحفية ) . ثمة فيلم واحد اشتبك مع مواقع القلق على مستوى الفكرة الأولى بين ما هو حسي وما هو معرفي وهو " فيلم ثقافي".هل هذه هي السينما التي سيصبح الڤيديو بديلاً لها؟
يا صاحب السؤال ، أعرف أنك تعني العرض العاملكني أتخيل ذلك اليوم الذي سيحل بغرفة ماكينة العرض بمصر المحروسة جهاز صغير يُعرَض من خلاله اسطوانات الـ D.V.D وجهاز آخر فوقه ، أقل حجماً، ومن نفس الشباك السحري سيصدر صوراً، على نفس الشاشة االبيضاء ، في ذات القاعة المظلمة ، للآخر الجالس بكرسيه يطبق تذكرته و ينتظر ..
السؤال الآن أصبح ملكي ، إذن فالاجابة تتطلب تحديد إلى أي سينما أنتمي !
هناك ثلاثة أنواع من السينما تهتم بالمتفرج "المجهول" وشباك التذاكر مؤشر مهم لها ، حتى إذا إدعى من لا يعرفها غير ذلك !
وهم بترتيب درجة الاهتمام بالتواصل مع الآخر المجهول ـ المتفرج ـ وكذلك سبب الرغبة في هذا التواصل : ( سينما البحث ، السينما التجارية ، السينما المستقلة.سينما البحث : هي تلك السينما التي تعتبر البحث بعناصر صناعة الفيلم شرطاً أساسياً ورئيسياً لتجديد وتغيير اللغة السينمائية لكي تتجه بالفن السينمائي لخصوصيته السيميولوچية. وأمثلتها متروبوليس، والمواطن كين، وسايكو، وساتيركون، وتيوريما، وبرسونا، والقربان، ونظرة عوليس وهكذا .. العزيمة والسوق السوداء، المخدوعون، المومياء، الإختيار، السقا مات، مرسيدس، الطوق والإسورة، البحث عن سيد مرزوق، الحريف، وهكذا .. وهي تعمل على وتر الخيال الجمعي بمفهوم الإنعتاق المرفرف تحت راية الحداثة كمشروع فني وثقافي .
السينما المستقلة : هي تلك السينما التي راجعت أخطاء الطليعة بفن السينما، وأحدها الانجراف المبالغ فيه في التخصص اللغوي، نتج عنه الانفصال عن المتفرج والحديث للصفوة. وتعلمت أيضاً من نقاط القوة بالسينما التجارية، فيجب الابتعاد فيها عن الغموض الملتبس بالسرد، حتى إذا كان خطياً متقطع الصراع أو مغاير تماماً للسرد الأرسطي. وهي تنظر بحرص للماضي ومشروعه الحداثي ، وكذلك تنتقد بشدة الحاضر والمستقبل في مشروعهما المندفع "الما بعد حداثي"، إلا أنها تتبنى بعض أفكاره عن اللغة السينمائية التي تتواءم مع نقدها لسلبيات المشروع الحداثي . لافظة فكرة الإنعتاق وموجهة إهتمامها التام صوب اليومي والهامشي بألعابه الكامنة والعنيفة والبريئة معاً .
سقط بالقانون، دخان، حزن في الوش، رمبل فيش، بلب فيكشن، عاري، مقابر خاوية، جنس وأكاذيب وشرائط فيديو ، وهكذا ..يسري نصر الله و زكي فطين عبد الوهاب و أسامة فوزي، مخرجون كان لهم تماس متواتر مع ما سبق!
أنا أنتمي للسينما المستقلة، التي أعلن أحد ممارسيها العنيدين "چيم چاراموش" أنه لم يعد يعرف معناها بالتحديد. ذلك ربما لتسلق بعض الراغبين في السينما التجارية من خلالها، أو لجذب أضواء النيون للفراشات .. وربما أيضاً، والأهم، "نزول" بعض مخرجي سينما البحث لآليات التنفيذ المستقل بحثاً عن الخروج من أزمة إنتاج أفلامهم. كل هذا لا يهم، المهم أن هذه السينما قد طرحت نفسها بقوة، وساهمت في بث الحيوية بالوسيط السينمائي العالمي منذ السبعينات وبمصر منذ التسعينات . وكما ذكرت، هناك مخرجون بمصر كان لهم اقتراب قوي لمنطق السينما المستقلة، أولهم، وأعني نصر الله، صور فيلمه على ١٦مم بإرادة صلبة، ثم وبمساعدة تمويل فرنسي، أخرجه للنور وهو "سرقات صيفية". إلا أن بداخله صفات تميزه كسينما بحث أكثر من كونه مستقلاً، لذلك نجد فيلمه التالي "مرسيدس" ينتمي في طرحه اللغوي للتعقيد والغموض السردي، في محاولة لاكتشاف "الجديد" باللغة السينمائية على طريقة سينما البحث.
والملحوظة المهمة بهذا الفيلم، إنه بداخله وعود بسينما مستقلة، نراها في عالم سينما الدرجة الثالثة، وكذلك النقد الواضح لمشروع الحداثة السياسي والتخوف والريبة من فساد الحاضر الما بعد حداثي (مرسيدس)، وبالأخير ذلك القلق الكامن بمجمل رحلة البطل بين الحسي والمعرفي. ثم يأتي فيلم "المدينة"، الذي يزداد فيه اقتراب المخرج من السينما المستقلة، وابتعاده عن سينما البحث، ليس فقط بآليات الإنتاج، ولكن الأهم هو في ابتعاده عن الغموض والتعقيد السردي .
زكي فطين عبد الوهاب ، لسبب واحد لن أستطيع أن أتحدث عن فيلمه "رومانتيكا" وذلك لعدم اكتماله بالطريقة التي كان يريدها، وهنا تظهر فكرة التداخل الإنتاجي بين السينمات الثلاث التي قد تجهَض لعدم تحديد النوع بذهن الانتاج وصانع الفيلم. لكن اختيارات المخرج زكي فطين لفئة الخيرتية بالقاهرة وشخصياته الاستثنائية جعلت عالمه مستقل وقوي، وأرجو عودة هذا المخرج لصناعة الفيلم بأي إمكانية.
أسامة فوزي، ومصطفى ذكري، سينمائيان من العيار الغنوصي، فيلمهما الأول "عفاريت الإسفلت" فتح إطار جديد للسيناريو للنظر للهامشي، لكن طموحه لخلق مجتمع فيلمي ينتمي لطموحات سينما البحث؛ فالكثافة العددية للشخصيات المساعدة جنحت بالفيلم لكتابة تقترب لنوع تبتعد عنه السينما المستقلة، ألا وهي كتابة "الملحمة" بمفهومها القديم للإنعتاق .
جرأة الفكرة سمة أساسية ترتبط بالاستقلال . إلا أن نموها وتطورها يقع على عاتق الجهد وعدم التسرع. إن "جنة الشياطين" وبرغم عدم إجابته على : لماذا عزل ومسرحة الهامشي ؟ إلا أنه أصبح من أهم محاولات السينما المخلصة .هل الفيديو بديل للسينما ؟ بلقاء للمخرج "ڤيم ڤيندرز" مع شباب السينما بإيطاليا ، وذلك بعد تجربته بعمل فيلم روائي طويل بكاميرا Digital Hi 8 ، حثهم على عدم التنازل عن الأفكار ، والعمل بأي إمكانيات متاحة لهم .
وحيث أن فرص تمويل الأفكار المختلفة تقابل بمعوقات كثيرة ومتنوعة لتنفيذها بآليات السينما داخل مصر المحروسة ، أهمها التحمس وسرعة التنفيذ .ولأني أؤمن بأن صدأ القلب والعقل يجعلا ( البقاء ) هو الرهان الوحيد وليس " الحياة " !لذلك ، سأرد على سؤالك هل الڤيديو بديل للسينما بسؤالي لنفسي في البداية ، وهو ..هل أنت ( شتاء ٩١ ) بديل لك ( أبريل ٢٠٠٢) ؟
اختفاء تدريجي ترقيمي ـ Digital Fade Out

* نشِرَ ببرنامج السينما المستقلة بمهرجان الإسماعيلية سبتمبر ٢٠٠٢ وبنشرة ملتقى الأفلام المستقلة ٢٠٠٦

* بعد ما يقرب من ثلاث شهور عمل على المادة كانت النتيجة فيلم بعنوان "حمام تركي" ٢٤ دقيقة ١٩٩١ سيناريو وتصوير وإخراج عماد ارنست، ومونتاچ هناء ارنست، وصوت أحمد الجزار. وهو فيلم لا يخضع لشروط النوع عن عمال معالجة وتنقية أتربة ورش الصاغة بالجمالية من خلال أداء حركة واحدة لمدة ثماني ساعات يومياً للحصول على بواقي الذهب أو الفضة المتناثر بتلك الورش.

* نتيجة لفتوح الثورة العلمية وزيادة وتيرة التخصص بدأ علم الإيكولوچيا Ecology في أواخر القرن التاسع عشر كفرع من البيولوجيا. ويعود المصطلح للعالم الألماني إرنست هايكل عام ١٨٨٦ كنحت من كلمة oikos الإغريقية وتعني منزل الأسرة وكدراسة للعلاقات التي تربط ما بين أعضاء كوكب الأرض. وبعام ١٩٠٩ أصبح العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائن الحي وبيئته، ثم توسعت بحوثه لتتحرى التشوهات التي أصابت العقل والثقافة في مختلف أوجه الحضارة متطرقة للجدل والصراع الخاص بما هو حسي وما هو معرفي.

* لأنه لا يوجد نموذج واحد أمثل، وأنه لا توجد سينما واحدة بل سينمات ثلاث يندرج تحتها عدد متنوع من السينمات تعمل تحت مسماها بحسب ثقافة مكانها وصانعها، يأتي هذا التحليل المقتضب للسينمات الثلاث ـ مُنحياً التجريبية لمنطق سردها الخاص ـ ليصبح هذا الرأي شخصي مثله مثل هذا النص المُهدى لصاحب السؤال.

* لست من المحبذين لفكرة أن معيار المال قادر على تحديد من يقع بنطاق الإستقلال ومن بخارجه، وإلا سيصبح الأغنى مستقل أكثر من الفقير، والمستقيم أفضل من المكافح، وبالتأكيد سيترك العمل الفني ويبحث بالنيات مُسقِطاً المصطلح بدائرتي الثنائيات الكسولة و صيغة أفعل التفضيل المنغمس فيهما العقل المصري والعربي لدهور طويلة. لذا فالنص يبحث بالأساس في جدل الحسي والمعرفي بالفن، وأتى كمحاولة "شبه" تنظيرية لتأسيس المصطلح على أرضية "ثقافية" و"فنية" لا مراهقة سياسية تجادل بأمور تمويل بديهية الرفض في حالة خلافها مع قناعات صاحب العمل، طالما هو على قدر من الوعي والتمسك بهذه القناعات. وهو أيضاً ليس مراهقة إجتماعية تجعل من الدولة جزء منفصل عن الفرد، حتى وإن كانت مؤسساتها تمر بأوهن مراحلها، فما يحدث مجرد ظرف تاريخي، قاسي بلا شك، الرهان فيه على "صلابة الوعي والإرادة" ومدى "تماسك القناعات" وبالأخير على حب "السينما المصرية" دون شوفينية تحجم من إمكاناتها الكثيفة والغنية للغاية !!!

* يرجح ظهور الغنوصية كإتجاه فلسفي وديني لمصر القرن الأول الميلادي في الرسائل الرمزية لهرمز مثلث الحكمة أو العظمة. وكل مفاهيمها وتصوراتها تتمحور حول مفهوم التحرر والانعتاق. وخلاصها لا يأتي عبر عبادات شكلية أو طقوس ما لم تترافق مع المعرفة وتكون مقدمة لخلاص من الجسد والعالم بآن واحد. فبعثها هو بعث للأرواح لا للأجساد. لذا يعد صراعها الانساني صراع بين عرفان يؤدي به للخلاص، وبين جهل يبقيه في دورة الميلاد والموت. ولمن شاهد فيلم "جنة الشياطين" قد يلحظ التماس الشديد مع هذا البعد الفلسفي مع مزيج من الأبيقورية والنتشوية مغلفة بسحر بيرجماني كجماليات سينمائية جاذبة بشدة لهذه التوجه الفني.

الاثنين، 5 أكتوبر 2009

رحيل الفارس الثالث: محمد علي يغادر عالمنا


محمد علي (إلى اليمين) في شبابه مع الشيخ إمام ونجم في صورة نادرة


حزنت حزنا شديدا عندما علمت صدفة خلال الساعات الأخيرة بوفاة محمد علي (1930- 2009)، فنان الإيقاع الذي ظل يضبط الايقاع وراء الشيخ إمام العظيم لأكثر من ثلاثين عاما. عرف الشيخ إمام منذ أن كان طفلا في حي الحسين العريق بالقاهرة. وسكن معه في الشقة الضيقة التي عاش ومات فيها الشيخ إمام في حوش قدم الذي أصبح شهيرا بفضل الشيخ إمام.
الفارس الثالث هو محمد علي، بعد الشيخ امام (رحمه الله)، والشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم متعه الله بالصحة والعافية.
كان محمد علي رجلا نبيلا يشع من عينيه حزن دفين، ورغم أنه لم يتعلم القراءد والكتابة إلا أنه كان أكثر ثقافة ومعرفة بالعالم من كثير من المتعلمين والمثقفين، وكان له احساس خاص بموسيقى وألحان الشيخ إمام. وقد صرح في احدى المقابلات بأنه ترك مهنته الأصلية وكان من الصائغين (العاملين في محلات الذهب) لكي يلتحق بالشيخ إمام بعد انضمام أحمد فؤاد نجم اليه عام 1962، واخذ يردد أغاني الشيخ إمام ويضبط الايقاع أحيانا باستخدام يديه فقط (أي عن طريق التصفيق بيديه بايقاعات الاغنية). وهناك عشرات الأغاني التي يمكننا أن نستمع فيها إلى صوت صفق اليدين وكيف تمكن محمد علي بعبقريته الخاصة من ابتكار هذه الطريقة التي تنتمي للروح الشعبية المصرية البسيطة، لكي يستغني عن الطبل والرق وما شابه من آلات الايقاع الشرقي، وأصبح يستطيع بالتالي أن يتحرك بسهولة ويسر ويتواجد في أي مكان دون أن يحمل آلات خاصة وهو ما كان يتوافق مع الظروف والأوضاع التي كان يغني فيها الشيخ إمام.
وأتذكر أنني خلال مرحلة الجامعة في زمن السادات عندما كان محمد علي يأتي مع امام ونجم ويغني وراء الشيخ إمام في مدرجات الجامعة وسط مئات الطلاب، وكان محمد علي يطرق بيده على المنضدة الخشبية الموجودة فوق المنصة، ولم يكن يستخدم الطبل أو الرق. وكانت لديه القدرة حتى على ضبط الايقاع باستخدام الكرسي.
محمد علي، ضابط الايقاع الذي كان يردد أيضا وراء الشيخ امام وصوته تحفظه عشرات الأغاني الشهيرة، فاجأنا جميعا في السبعينيات حين كشف عن موهبة فطرية في الرسم، عن فنان تشكيلي تلقائي جميل، لوحاته تشبه حقا رسومات الأطفال إلا أنها تعبر أفضل ما يكون عن، رؤيته وتجربته الخاصة في الحياة، وكانت تنبض بالشقاء والألم وألوان وأحلام الفقراء الذين نشأ وتربى محمد علي وسطهم. وكانت أيضا تعكس موقفه السياسي الرافض للسادات وسياساته.
ولم يتخل محمد علي أبدا عن رفيق عمره الشيخ إمام، بل لازمه في كل رحلاته إلى الخارج: إلى فرنسا ولندن وروسيا واليمن ولبنان وسورية وليبيا والجزائر. وقد قابلته عندما جاء مع الشيخ امام إلى لندن عام 1985.
وبعد تفجر الخلاف الشهير الذي انتهى بالقطيعة بين الشيخ إمام ونجم في منتصف الثمانينيات، ظل محمد علي إلى جوار الشيخ إمام حتى النهاية.

عن تجربة الاعتقال في زمن عبد الناصر يقول محمد علي في إحدى المقابلات التي أجريت معه:
"مرت علينا فترات من الصدام مع السلطة منذ أيام عبد الناصر.. فقال له محمد حسنين هيكل: دى صرخة جوع. واقترح عليه أن نعمل فى الإذاعة والتليفزيون. وبالفعل دخلنا الإذاعة والتليفزيون على أساس أننا سنشبع ونخرس كما خطط هيكل. وعملت أيضا ضابطا للإيقاع معهم فى التليفزيون. وكان الأستاذ رجاء النقاش جزاه الله خيرا يقدم لنا برنامج نصف ساعة يوميا فى التليفزيون اسمه "من ألحان الشيخ إمام". وأحضر لنا مطربين مثل لبلبة ومحمد رشدى الذين أخذوا منا أعمالا. وبالفعل كان من أحسن ما غنته لبلبة أغانى مثل: "يا خواجة يا ويكا يا بتاع أمريكا، يا حرامى العامل جوه الفابريكا"، وغنت أغنية: "شعبان البقال عقبال الأنجال اتوظف واتنظف واتعدل له الحال". وغنى محمد رشدى أغنية "دلى الشيكارة"، وأغنية "الغربة". و غنت فايدة كامل أغنية "حى على الكفاح"، وأغنية "شوف الحكاية". يعنى عدة مطربين أخذوا من كلمات نجم ومن ألحان إمام. وظللنا نقدم البرنامج ونقول فيه كل ما نريده بالتليفزيون دون أن يمنعنا أحد. لدرجة أن أغنية "جيفارا مات" لما مات المناضل العظيم جيفارا استأجرت السفارة الكوبية ساعة فى التليفزيون وساعة فى الإذاعة وأذاعوا الأغنية. ولكن بعد شهر. وبعد دخولنا الإذاعة لاحظ عبد الناصر أن مريدينا يزدادون. وأننا لم نتوقف. فقرر الإيقاع بيننا وتعيين الشيخ إمام على الدرجة الثالثة مكرر. فامتنعنا عن الذهاب رفضا لهذا الإقلال من قيمة الشيخ إمام. فصدر أمر سياسى بتلفيق قضية مخدرات لنا. وعلمنا أن عبد الناصر كان يريد اعتقالنا. ولكن هيكل أشار عليه بالقول: "لو اعتقلتهم ستصنع منهم أبطالا. ومن الأحسن أن تلفق لهم قضية مخدرات". وبالفعل، حصل ذلك. حوالى سنة 1966 تقريبا".
أما عن اعتقاله في زمن السادات فيروي محمد علي الحكاية التالية في حوار مع الصحفي أشرف شهاب:
"اعتقلت مرتين بسبب أننى أيام السادات أيام ما كان بيهلفط (يردد تخاريف وكلاما أبله)، ويقول أننا لا نستطيع أن نحارب أمريكا، وكلاما عن الضباب والعلاقات وما شابه. فقمت برسم حمار ماشى فى طريق الضباب.. ورسمت الوجه وجه السادات، والجسم جسم حمار. فقام العيال ولاد الكلب بتوع جامعة القاهرة.. وأخذوا الصورة وطبعوا منها بالآلاف، وعلقوها على الجدران. فجاءنى البوليس إلى المنزل. ولكن الصورة لم تكن موجودة بالمنزل. فقالوا: لا.. إحنا مش جايين نقبض عليك.. إحنا جايين نتفرج على أعمالك الفنية. وتركونى ومشوا. وصدر أمر بالقبض علينا نحن الثلاثى بعدها مباشرة. وتحرجت الحكومة من أن تقول أن تهمتى هى رسم وجه الرئيس السادات على شكل حمار، فقالوا إن تهمتى أننى "عازف إيقاع أغانى لقلب نظام الحكم"!! هذا كان نص التهمة. وكان المحامى المعروف أحمد نبيل الهلالى سليل الباشاوات هو المحامى الذى يدافع عنى. وعندما دعانى القاضى، وقف الهلالى بصفته وكيلا عنى. فقال له القاضى تفضل.. فقام الهلالى وأخذ يدق بيديه على مكتب القاضى على شكل إيقاع أغنية. فسأله القاضى ما الذى تفعله يا سيادة المحامى المحترم؟ فقال له الهلالى: هذه يا سيدى القاضى تهمة موكلى.. تهمة محمد على هى الطبلة.. طبلة محمد على هى التى ستقلب نظام الحكم يا سيدى القاضى.. إذا كانت طبلة محمد على هى التى ستقلب نظام الحكم.. فماذا ينتظر السادات؟ لماذا لا يرحل؟ فانفجر جميع من كانوا فى قاعة المحكمة ضاحكين. فأعطانى القاضى حكما بالبراءة. ولكن السادات عاد مرة أخرى واعترض على حكم القاضى.. واعتقلنى للمرة الثانية".
رحم الله محمد علي ألف رحمة.

الخميس، 1 أكتوبر 2009

فيلم "حراقة" لمرزاق علواش




هذا رابط إلى مقالي عن فيلم "حراقة" للمخرج الجزائري الكبير مرزاق علواش الذي عرض في قسم "أيام فينيسيا" في مهرجان فينيسيا السينمائي الذي اختتم في 12 سبتمبر.




الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

يوميات لندن: ثلاثة مهرجانات في الطريق



أمير العمري


أمامي برامج لثلاثة مهرجانات سينمائية دولية ستقام كلها في شهر أكتوبر (المجيد!).. مهرجان لندن (14- 30 اكتوبر)، ومهرجان أبو ظبي (الشرق الأوسط الدولي من 8 إلى 17 أكتوبر)، ومهرجان الدوحة (تريبيكا) من 29 أكتوبر- 1 نوفمبر.
الأفلام تداخلت وتناسخت وتكررت بطريقة تستعصي على الترتيب. أقدم هذه المهرجانات هو مهرجان لندن السينمائي (هذه الدورة ستكون الثالثة والخمسين)، أتابعه منذ سنوات طويلة، منذ أن كان الكثير من الكاتبين في نقد الأفلام وغير الأفلام لايزالون في مرحلة الطفولة المبكرة جدا، وليست هذه ميزة لي بالضرورة، كما أنها لا يجب أن تكون عيبا، لكنها الحقيقة التي ترعبني أحيانا!
أما مهرجان أبو ظبي فهو يجتاز هذا العام دورته الثالثة بطموح كبير جدا لأن يصبح مهرجانا دوليا كبيرا، مع العلم أنه يقام في بلد ليس فيه صناعة سينمائية ولا حركة سينمائية أصلا، لكنه يسعى إلى اجتذاب العالم كله إلى عاصمة دولة الإمارات، وجعلها بؤرة سينمائية، للصناعة وللفن.. وكان المهرجان قد تعثر في دورتيه السابقتين، وقرأت عنه تقارير سلبية من كتاب أثق في أحكامهم.
هذا العام استورد المهرجان مديرا فنيا له هو بيتر سكارليت (وهو ناقد وخبير مهرجانات بلاشك). ورأيي الشخصي في هذا الأمر، بموضوعية كاملة، أن هذا القرار صائب للغاية، ولم لا؟ لقد سبق أن طالبت باستيراد مبرمجي ومديري المهرجانات العربية لكي يضعونها في السياق الصحيح قبل الادعاء بالقدرة على تنظيم المهرجانات، فمن واقع خبرتي الخاصة في المهرجانات العربية أثبتت التجربة فشلها دائما، فمهما كان المدير العربي منظما وطموحا دائما هناك من يفرضون عليه أشياء لا يقبل بها فقط كونه عربيا مثلهم (يتحدث بلغتهم) أما الأجنبي فله عند العرب رهبة كبيرة (وأنا هنا لا أستثني أحدا من العرب، العاربة منهم والمستعربة).
ولا يخفى على أحد أن "عقدة الخواجة" موجودة فعلا، لسبب بسيط للغاية، أن الخواجة (الأوروبي الأمريكي تحديدا) أثبت خلال أكثر من أربعة قرون أنه الأكثر تفوقا، سواء عن طريق الاستعمار أو غير الاستعمار، ولكن أساسا، وحتى بعد زوال عصر الاستعمار، واصل "الخواجة" تقدمه في مجال العلوم الطبيعية والإنسانية في حين انزوى العربي في خيمته (مجازا) يغط في نومه، ويرضى بفكرة أن "الله معه" دائما لأنه الأكثر إيمانا. ومن جهة أخرى أخذ العربي الموجود في مراكز السلطة والنفوذ يضطهد ويستبعد ويطرد العربي الذي يعرف، لسبب بسيط أيضا، أن الذي يعرف يهدد بضياع نفوذ من لا يعرف ولكنه يحكم ويتحكم في مراكز النفوذ والقوة.. ومهرجانات السينما أيضا!
بيتر سكارليت من خلال البرنامج الذي وصلني، وضع أفضل برنامج لمهرجان "دولي" يقام في المنطقة العربية، وأشدد على كلمة "دولي" هنا بمعنى international أي ليس مهرجانا عربيا أو افريقيا متخصصا بل مهرجان مفتوح لسينما العالم كله.

بيتر سكارلت مدير مهرجان أبو ظبي السينمائي


ولكن بحكم طبيعة البلد والمنطقة التي يقام بها، اهتم سكارليت كثيرا بالسينما العربية، بتسليط الأضواء على تجاربها الجديدة المتميزة حتى لو كانت تتمثل في فيلم أول لمخرج شاب يجرب حظه في الإخراج شأن فيلم "هليوبوليس" المصري لمخرجه أحمد عبد الله مثلا.
هنا جاء جدول المسابقة الرسمية متوازنا بدرجة كبيرة، ما بين الأفلام القادمة من العالم، وتلك القادمة من العالم العربي ومحيطه الطبيعي الذي يعرف بالشرق الأوسط، أي من تركيا وإيران مثلا. سيشهد المهرجان مثلا العرض العالمي الأول لفيلم "بالألوان الطبيعية" للمخرج أسامة فوزي الذي لم يقدم شيئا منذ فيلمه الشهير "بحب السيما" (2004). وفي رأيي الشخصي أن الافتتاح بفيلم أسامة فوزي كان أفضل من الافتتاح بفيلم "المسافر" للمخرج أحمد ماهر الذي احترق بعد عرضه في فينيسيا وردود الفعل السلبية العديدة تجاهه خاصة من جانب بطله الممثل الكبير عمر الشريف!
وتضم مسابقة الأفلام الروائية 18 فيلما منها 6 أفلام عربية، و7 أفلام من بلدانى العالم الثالث (منها تركيا وايران وبنجلاديش)، و5 من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا. والملاحظ وجود فيلم واحد أمريكي في المسابقة على العكس من الدورتين السابقتين.
أما مهرجان الدوحة فهو أقل طموحا، سواء في عدد أيامه (4 ايام فقط)، أو في نوعية برنامجه، أو في الشخصية التي تديره.
فقد وقع الاختيار على مقدمة برنامج السينما في قناة الجزيرة العالمية (الناطقة بالانجليزية).. ولابد أن يكون الشخص أو المسؤول الذي أسند المهمة إلى هذه المذيعة (وهي استرالية شقراء تدعى أماندا بالمر) قد أعجب بطريقتها في تقديم برنامج السينما وبالمقابلات التي تجريها مع نجوم السينما، وتصور أنها يمكنها أن تصنع لهم في الدوحة مهرجانا سينمائيا ناجحا. ولعل هذا يذكرني على نحو ما، بشخصية عربية رحلت الآن، كانت قد قررت عمل مهرجان دولي لأفلام التليفزيون فكلفت شركة سوني بتنظيمه، فقط لأن المسؤول العربي رأى أن "ماركة" جهاز التليفزيون الموجود في مكتبه من نوع "سوني"!
ما علينا.. الأخت بالمر المعجبة بنفسها (وهذا من حقها طبعا، فهي تتمع بالحسن والجمال) وضعت روابط لعشرات الحلقات التليفزيونية التي قدمتها من برنامجها التليفزيوني على موقع مهرجان الدوحة السينمائي لعلها بذلك تقول للمترددين عليه إنها البنت "الشطورة" "اللهلوبة" "بتاعة السيما ونجوم السيما" التي ستأتي لهم بما لم يأت به الأولون، بل وكتبت في مجال التعريف بنفسها على الموقع ذاته (بالانجليزية) إنها اكتسبت الاعتراف الدولي عن طريق دعمها غير المحدود للسينمائين المستقلين في العالم، وإنها من أكبر الخبراء في العالم بالسينما العربية!
وقد وضعت صورتها في كل مكان في الموقع، وكتبت تحتها في الصفحة الرئيسية "بالمر تقدم مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائي" وهو رابط إلى شريط فيديو صنعته تتحدث فيه عن المهرجان وعلاقته بمهرجان نيويورك التي لا نفهم شيئا عنها، كما لا نفهم كيف يمكن لبالمر بقدراتها المحدودة كمقدمة برامج تسلية entertainment أن تتحدث عن "تعليم المجتمع القطري وتأهيله سينمائيا"!
ولا تضع بالمر إلى جوارها أي شخصية أخرى من الشخصيات التي تستعين بها في ادارة المهرجان ومنها أسماء مثل ليزا كيرشنر، وتامي روزين وجوناثان روسو وغيرهم.

أماندا بالمر مديرة مهرجان الدوحة

أما مشكلة بالمر الحقيقة، أو لعله هنا "مأزق بالمر"، فينحصر في أن مهرجانها الذي تقيمه هيئة قطر للمتاحف وسيقام في مقر المتحف الاسلامي بالدوحة، يأتي بعد مهرجان أبو ظبي مباشرة، وقبل مهرجانات القاهرة ودمشق ودبي، وهي مهرجانات "عملاقة" قياسا إلى مهرجان الأخت بالمر مهما كان رأينا في هذه المهرجانات أو ملاحظاتنا عليها التي يعرفها قراء هذه المدونة جيدا، بل إن مهرجان الدوحة (الذي لا ندري بالضبط فائدة تعاقده مع مهرجان تريبيكا بنيويورك سوى أنه يحمل اسمه تماما مثل الكوكاكولا التي تنتج في بلدان العالم الثالث أو سجائر مارلبورو التي تشتري الإسم، ثم تصنع توليفتها الخاصة غير الأصلية بالطبع!) يتقاطع مع مهرجان دمشق (الذي يفتتح في 31 اكتوبر) ومهرجان أوسيان للسينما العربية والآسيوية بالهند (الذي يفتتح في 24 أكتوبر ويستمر حتى 30 منه).
والغريب أيضا أن مهرجان الدوحة لا يهتم بالأفلام التسجيلية، على العكس من مهرجان أبو ظبي الذي خصص مسابقة كاملة لهذا النوع من الأفلام تشمل 15 فيلما منها ما يعرض للمرة الأولى في العالم، ومنها أفلام "نعيش هنا" لمحمد زرن من تونس، و"1958" لغسان صلهب من لبنان، و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا من لبنان أيضا، و"جيران" لتهاني راشد، و"كاريوكا" لنبيهة لطفي من مصر، و"من مرفأ الذاكرة" لكمال الجعفري من فلسطين، و"مبدأ الصدمة" للمخرج البريطاني الكبير مايكل وينتربوتوم، كما سيعرض خارج المسابقة فيلم جديد هو "ما هتفت لغيرها" للناقد والمخرج اللبناني محمد سويد.
وقد كان بودي أن أذهب إلى الدوحة، ليس لمشاهدة الأفلام التي سيعرضها المهرجان فقد شاهدت معظمها في كان وفينيسيا، بل وفي مهرجان روتردام الذي يقام عادة في بداية العام مثل فيلم "المر والرمان" لنجوى النجار الذي يتردد أن بالمر قررت ضرورة حصوله على جائزة رئيسية من الجوائز المخصصة للأفلام العربية، كما قررت أيضا حصول فيلم "بابل" لمحمد الدراجي على احدى الجوائز، لكني كنت أرغب فقط أن أرى كيف سيتمكن فريق بالمر الذي لا خبرة سابقة له ولها في إدارة المهرجانات، من اقامة هذا المهرجات، وأن أعرف ما الذي يربطه بمهرجان نيويورك الذي حصل على 15 مليون دولار مقابل بيع اسمه، لكن يبدو أن المهرجان لا يرحب بالنقاد المخضرمين من أمثالي ولا يرحب أصلا بالنقاد العرب، بل سيكتفي على الأغلب، بدعوة البعض من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وغالبا أيضا، بعض مديري المهرجانات الذين يقومون بتسهيل حصول أماندا بالمر على الدعوات التي تبقيها طيلة العام تدور وتلف بالمهرجانات الدولية بحجة الإعداد لبرنامجها السينمائي.. إنها هنا "عقدة الخواجة" بالمعنى السلبي، ليس الخواجة صاحب الخبرة بل الخواجاية صاحبة العيون الزرق والشعر الأشقر!
وقد ترددت أنباء أيضا عن اهتمام خاص لدى بالمر بالسينما الإسرائيلية، وبأنها قد تدعو أفلاما إسرائيلية وسينمائيين من اسرائيل بعد أن كانت قد خصصت حلقة من برنامجها لفيلم "عجمي" الذي اشترك في اخراجه مخرجان: يهودي وفلسطيني. ولكن يبدو أن أحدا في الدوحة لفت نظر بالمر إلى خطورة هذه الخطوة (التي نعلم يقينا أنها كانت شديدة الحماس لها) واكتفت بأن أتت بالمخرج المشارك وهو اسكندر قبطي (من فلسطينيي اسرائيل) وأسندت إليه مهمة تنظيم ورشة عمل للشباب الراغب في تعلم تصوير الأفلام.
جدير بالذكر أنه بعد أن ترك الصديق محمد مخلوف عمله بالمهرجان كمستشار اقليمي، لم يعد هناك أي عربي يعمل في إدارة المهرجان بل كلهم من العجم، وحتى المسؤولة الصحفية (وهي أمريكية من أصل عربي) لا تعرف اللغة العربية. مهرجان الدوحة السينمائي سيعرض 33 فيلما منها 22 فيلما من دولتين فقط هما الولايات المتحدة وبريطانيا. وباقي الأفلام من ايران وكندا ومصر والمجر وتونس وفرنسا والنمسا وفلسطين والصين. والمهرجان لا ينظم مسابقة لكنه سيمنح جائزتين باسم الجمهور لأحسن الأفلام (باستفتاء أو استطلاع رأي عبر أوراق توزع على المشاهدين) تبلغ قيتها المالية 100 ألف دولار. ويتردد حاليا أن محمد مخلوف يعد لعقد مؤتمر صحفي يعلن فيه أسباب الخلافات التي نشبت مع مديرة المهرجان الاسترالية أماندا بالمر، وقد استغنى المهرجان أيضا عن العربي الذي حل محل مخلوف وهو الموزع السينمائي اللبناني طلعت قبطان. وأصبح المهرجان حاليا يعمل ببركة دعاء الوالدين.

الأمر الملفت للنظر بشدة في برامج المهرجانات الثلاثة تكرار أسماء معينة من الأفلام مثل "ابن بابل" للمخرج العراقي المقيم في بريطانيا محمد الدراجي. وقد قيل إن عرضه في أبو ظبي سيكون العرض العالمي الأول، وهي معلومة غير صحيحة فقد ثبت أنه شارك في مهرجان سان سباستيان الدولي في اسبانيا الذي انتهى أخيرا.
وهناك من بين الأفلام المتكررة أيضا "الرأسمالية قصة حب" للأمريكي مايكل مور، و"احكي ياشهرزاد" للمصري يسري نصر الله، و"واحد صفر" للمصرية كاملة أبو ذكري، و"أسرار مدفونة" للتونسية رجاء عماري، و"لا أحد يعرف عن القطط الفارسية" للإيراني بهمن قوبادي، و"عن إيلي" للإيرانية أشجار فرهادي، و"المخبر" للأمريكي سودربرج، و"الزمن الباقي" للفلسطيني إيليا سليمان.
سأحضر مهرجان أبو ظبي للمرة الأولى، وسأحضر مهرجان لندن السينمائي أو الجزء الأعظم منه. وبعد ذلك سأذهب إلى الهند لحضور مهرجان أوسيان للأفلام العربية الآسيوية في نيودلهي، وهو مهرجان جدير بالاكتشاف تماما مثلما الهند "قارة" جديرة بالاكتشاف.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger