السبت، 18 يوليو 2009

فيلم "خفي".. فرنسا- الجزائر: الأنا والآخر والمسكوت عنه

لم يعجبني فيلم مايكل هانيكه الجديد "الشريط الأبيض" الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان الأخير. وكان رأيي أنه أقل طموحا من ناحية الشكل واللغة والأسلوب بل والموضوع أيضا، من أفلام سابقة له اعتبرها علامات في تكور السينما.
من هذه الأفلام فيلمه البارز "خفي" Hidden أو "دفين" وهو من الإنتاج الفرنسي أخرجه هانيكه الذي يعمل منذ أكثر من خمس عشرة سنة في نطاق السينما الفرنسي عام 2005. وقد حصل على ست من جوائز السينما الأوروبية في تلك السنة منها أحسن فيلم. وهذا ماكتبته عنه في حينه:
للوهلة الأولى يبدو كما لو كنا أمام أحد أفلام التشويق والإثارة البوليسية، فعناصر الفيلم البوليسي المشوق تبدو متوفرة هنا:
* الحبكة التي تدور حول أسرة من الطبقة الوسطى الفرنسية: "جورج" مقدم تليفزيوني ناجح لبرامج الحوارات الحية وزوجته "آن" التي تعمل في إحدى دور النشر الباريسية، وكيف تبدأ هذه الأسرة في تلقي شرائط فيديو تصور المسكن الذي تقطن فيه من الخارج، ثم تتطور أكثر إلى تلقي مكالمات هاتفية غامضة، ثم وصول شرائط تصور أشياء تحمل إشارات إلى الماضي من حياة الزوج "جورج".
* من هنا يبرز التساؤل التقليدي الذي يطرح عادة في الأفلام البوليسية: من الذي يرسل هذه الشرائط وماذا يريد؟
* حالة اضطراب تقترب من "البارانويا" تصيب الأسرة، ثم يبدأ الزوج في البحث عمن يمكن أن يكون وراء تلك التهديدات الغامضة.
* اختفاء الابن الصغير "بييرو" (12 سنة) بعد خروجه من المدرسة وانقطاع أي خبر عنه عن والديه مما يؤدي إلى مزيد من التخبط والاضطراب.
هذه العناصر كلها ليست سوى حيلة خارجية من مؤلف ومخرج الفيلم مايكل هانيكه، لاستدراج المتفرج إلى موضوع فيلمه الذي يتناول قضايا أبعد ما تكون عن ما يطرح عادة في الفيلم البوليسي الذي لا هدف له إلا التشويق في حد ذاته.
ما هو الموضوع إذن؟ ولماذا هذه الطريقة في معالجته؟

أشباح الماضي
شرائط الفيديو التي يتعاقب وصولها إلى عتبة باب مسكن الأسرة تستدعي كوابيس من الماضي المدفون داخل مكنون بطلنا "جورج".
ثقة جورج بنفسه تبدأ تدريجيا في التراجع إلى أن يكاد يصل إلى الانهيار.
علاقة جورج بزوجته تبدو لنا في البداية علاقة متماسكة بين زوجين لا ينقصهما شئ لتحقيق السعادة: البيت الجميل والعمل المثمر والإبن ومجموعة من الأصدقاء من صفوة الطبقة الوسطى الباريسية.
وتحت وطأة ذلك التهديد الخارجي أو ذلك المجهول الذي يقتحم حياتهما بقسوة، تتأزم العلاقة بينهما ويتضح مدى ضعفها رغم تماسكها الظاهري.
جورج تطارده ذكريات من طفولته عندما كان عمره 6 سنوات، وكانت هناك أسرة جزائرية تعمل في خدمة والديه في الريف. وكان للأسرة الجزائرية ولد يدعى "مجيد" هو في عمر جورج تماما.
مجيد يظهر في أحد كوايبس جورج وهو يهوي على رأس دجاجة بمعول حاد فيفصله عن جسدها.
هذا المشهد المروع سنعود في مسار الفيلم فيما بعد عندما يرضخ جورج لإلحاح زوجته ويقبل أن يقص عليها من ماضيه، فنعرف أنه مسؤول عن هذا لأنه أدخل في روع الفتى أن هذه الدجاجة تجلب الشر إلى الأسرة وأن والده يريد منه (أي من مجيد) أن يقطع رأسها لاستئصال الشر نهائيا.
ويعترف جورج أنه اخترع الحكاية، وأنه قال لوالديه حكاية مخالفة عن روح الشر المتأصلة داخل مجيد.
ويروي جورج أيضا كيف التحق والدا مجيد بمظاهرة ضخمة من الجزائريين في باريس لدعم مطلب الاستقلال عن فرنسا وما انتهت إليه من إغراق الشرطة 200 جزائري في نهر السين، بينهم والدا مجيد.


المشكلة الآن أن جورج يشك في أن مجيد هو الذي يطارده بشرائط الفيديو، لتعميق عقدة الإحساس بالذنب لديه، بغرض ابتزازه.
أحد شرائط الفيديو يصور رواقا داخل مبنى سكني في أحد ضواحي باريس، بكاميرا تتحرك إلى أن تستقر على باب مسكن من المساكن.
يفحص جورج وزوجته الشريط مرات على أن يتمكنا من تحديد الشارع، ويذهب جورج يطرق باب المسكن فيجد مجيد في انتظاره.
يرفض الجزائري رفضا تاما اتهامات جورج له، ويؤكد أنه سعيد باللقاء، وأنه لا يريد منه شيئا، لكن حزنا نبيلا كبيرا يشع من عينيه.
يتعمق بنا الفيلم أكثر فأكثر ويكبر السؤال نفسه: من وراء إرسال الشرائط؟
جورج يبدو واثقا إن المسؤول هو مجيد أو ربما ابنه الذي يكتشف وجوده عندما يعود فيما بعد لتهديد مجيد.
أما نحن المشاهدون فيبدو لنا مسار الفيلم يبتعد تماما عن الإشارة بإصبع الاتهام إلى مجيد، بل إن الفيلم لا يبدو معنيا على الإطلاق بالأمر برمته.


مواجهة الذات
المخرج مايكل هانيكه، يستخدم الحيلة لكي يطرح المخفي والمسكوت عنه على المستوى الأعم والأشمل:
عقدة الذنب الفرنسية إزاء الجزائر، العلاقة الشائكة المعقدة بين الشمال الغني والجنوب الفقير: جورج يعيش حياة مرفهة مع أسرته يتمتع بالزوجة والابن والعمل الجيد والشهرة والمال والأصدقاء، في حين يعيش مجيد في مسكن بائس، بلا عمل وبلا أسرة، باستثناء ابنه الوحيد وبدون زوجة.
بعد المدخل الأول المعقد تبدأ أطراف الفيلم في مواجهة نفسها.
جورج يواجه مسؤوليته الآثمة عما وقع في الماضي، موهما نفسه بالطبع بأن ما فات ولى وانقضى وليس هناك أي مبرر للعودة والتكفير عما وقع.
الزوجة "آن" تواجه حياتها التي قامت على الزيف والتظاهر، مع زوج يفضل أن يخفي عنها أشياء تتعلق بحياتهما المشتركة معا وبما يواجهانه من خطر وتهديد.
الابن الذي يعجز عن التحقق وسط والدين انشغلا بأزمتهما عنه فيفضل الهرب من المنزل عن صحبتهما.

مجيد الذي لا يمكنه أن ينسى حتى لو اختار الغفران والاندماج، فهو على الهامش بكل معنى الكلمة. والدة جورج العجوز التي ترقد على فراش الموت لا ترغب في الخروج لأنها تشعر بوحدة أكثر مما تشعر به من وحدة أمام جهاز تستطيع أن تتخلص من سطوته بضغطة بسيطة على "الريموت كنترول". يتجه جورج إلى مسكن مجيد بعد أن اتصل به الأخير يدعوه لزيارته لكي يوضح له أمرا.


نهاية مفتوحة
مجيد يقول لجورج إن لا شأن له إطلاقا بشرائط الفيديو. ويضيف "أردت فقط أن تكون حاضرا"، ويقوم بقطع رقبته بموسى حادة فيتصاعد الدم مغرقا الجدار ويسقط الرجل على الأرض جثة هامدة، في واحد من أكثر المشاهد إثارة للفزع.
وينتهي الفيلم دون أن يصل المتفرجون إلى غرضهم المشروع: معرفة من الفاعل؟
ولا يجيب هانيكه عن السؤال بل يترك نهاية فيلمه مفتوحة، فالهدف ليس معرفة الجاني والقبض عليه وتقديمه لكي ينال جزاءه أما العدالة، فما هي العدالة هنا، وهل الأمر يتوقف عند حدود العامل الشخصي، وهل هناك جريمة أصلا، أم أننا أمام "فكرة" تقوم على عناصر تتوازن مع بعضها البعض لكي نتعرف من خلالها على صورة أعمق واشمل لما يدور في العالم؟
ما هي حقيقة ذلك الإرهاب الذي يتحدثون عنه في الفيلم، من المسؤول عنه، ومن أين أتى، وهل هناك فكرة أحادية مجردة تجيب عن كل شئ.
جورج يتلقى "نصيحة" من رئيسه في العمل بألا يعرض عمله للانهيار جراء ذلك كله.
إنه إذن مهدد. والشاب الجزائري (ابن مجيد) يحاصره في مكتبه قرب النهاية لا لشئ كما يقول له إلا لكي يرى كيف يواجه أمثاله ما حدث، فتكون الإجابة الواثقة من جانب جورج أن ما حدث حدث ولا شأن له به ولا ينبغي أن يكون هذا مدعاة للابتزاز وإلا!
ما هي العلاقة بين وعي جورج المدفون في سبات عميق بصورة إرادية، واللقطات التي يبثها التليفزيون عن وجود القوات الإيطالية في الناصرية وتعيين امرأة إيطالية قائدا عسكريا على الناصرية تحت إشراف البريطانيين!
ما علاقة اللقطات الثابتة الطويلة المصورة لمنزل الأسرة الفرنسية من الخارج، وما يقال من أن السينما هي الحقيقة 24 مرة في الثانية، وإلى أي حد يصدق هذا القول؟

24 كذبة في الثانية
يقول المخرج مايكل هانيكه: "في كل أفلامي أفحص ماهية الحقيقة في السينما والإعلام. وأشك كثيرا في يكون بوسع المرء العثور على الحقيقة من خلال مشاهدة فيلم.
"ودائما ما أقول إن الفيلم الروائي هو 24 كذبة في الثانية، وهي أكاذيب قد تروى بغرض الوصول إلى الحقيقة، بيد أن الأمر ليس كذلك دائما.
"أعتقد أن الطريقة التي استخدمت بها شرائط الفيديو هنا تهز ثقة المتفرج في الواقع. إن المشهد الأول في الفيلم هو واقع مجرد (مسكن الأسرة من الخارج) بينما هو في الواقع صور مسروقة بكاميرا فيديو. إنني واع بالطبع بحقيقة الواقع الذي يُفترض أننا نشاهده من خلال وسائل الإعلام".
في أفلام مايكل هانيكه لا يوجد تفسير درامي سهل واضح معتاد، بل تساؤلات مقلقة ومضنية تنطلق من منطلقات أخلاقية لتصل إلى آفاق تتعلق بالوجود الإنساني نفسه ومغزاه، في علاقته بالآخر.
إنها سينما قلقة معذبة تفتح الأبواب لتدخلك معها، غير أنها لا تكشف لك تماما عما في الداخل.
في المشهد الأخير من الفيلم نرى جورج يعود إلى مسكنه، يتناول قرصين من الأدوية المهدئة، يتصل بزوجته هاتفيا ليقول لها إنه يرغب في أن ينال قسطا من الراحة، ويود ألا يزعجه "بييرو" عندما يعود.
ويتجه إلى نوافذ الحجرة فيسدل الستائر السميكة فوقها، ويدلف إلى الفراش، يغطي نفسه جيدا ويرقد في الظلام.. لقد عاد إلى التقوقع على نفسه ورفض مواجهة الضوء ، وفضل أن تبقى الأشياء مخبأة مدفونة!


((تحذير: جميع الحقوق محفوظة))

الجمعة، 17 يوليو 2009

دهشة اكتشاف السينما في السينماتيك الفرنسية

المبنى الحالي للسينماتيك في بيرسي
بعض الأزياء والمقتنيات القديمة في السينماتيك
هذه مجموعة من اللقطات التي قمت بالتقاطها خلال رحلتي الأخيرة إلى باريس من داخل متحف السينماتيك الفرنسية العريقة التي أسسها الرائد هنري لانجلوا، وتظهر فيها بعض الأجهزة القديمة وأهمها الكنتوسكوب الذي اخترعه أديسون وكان من أوائل أجهزة العرض السينمائي في العالم. والمبنى الذي زرته يقع في حي بيرسي في العاصمة الفرنسية وهو المبنى الجديد الذي انتقلت إليه السينماتيك أي دار التحف والقتنيات السينمائية بعد أن ظل لعقود في موقعه القديم في منطقة تروكاديرو بالقرب من برج إيفل الشهير.
وقمت بزيارة السينماتيك بصحبة الصديق القديم صلاح هاشم المقيم في باريس منذ سنوات طويلة، ودارت بيننا مناقشات عديدة ثرية حول السينما في العالم وموقعنا منها. والتقط صلاح لي مشكورا بعض الصور من داخل السينماتيك أنشر منها واحدة هنا.
وتعد السينماتيك الفرنسية الأعرق والأكبر في العالم وهي تحتوي على أكبر كمية من المقتنيات في أي دار من نوعها كما تضم أكبر عدد من الأفلام من شتى أنحاء العالم. وقد بدأ لانجلوا جمع الأفلام في الثلاثينيات ثم تعرض قسم كبير منها للتدمير على أيدي الألمان النازيين بعد احتلال باريس، فقد أمروا بالقضاء على كل الأفلام التي صورت قبل عام 1937 إلا أن لانجلوا تمكن بمساعدة بعض الأصدقاء من تهريب عدد كبير منها خارج باريس وانقاذها بالتالي من الدمار ثم خصصت الحكومة الفرنسية بعد نهاية الحرب في 1946 منحة صغيرة لدعم السينماتيك كما خصصت لها مقرا مؤقتا تغير عدة مرات إلى أن استقر في تروكاديرو قبل أن ينتقل إلى مقره الحالي في مبنى من تصميم معماري أمريكي في بيرسي.
وقد شهدت السينماتيك عصرها الذهبي في الخمسينيات عندما كانت بمثابة معهد لتعلم السينما من خلال المشاهدة والمناقشة التحليلية للأفلام عندما كان يتردد عليها عدد من النقاد وهواة السينما من أمثال جودار وتريفو وريفيت ورينيه وشابرول وفاديم، وهم الذين شكلوا فيما بعد مجموعة السينمائيين الذين صنعوا حركة "الموجة الجديدة" La Nouvelle Vague الفرنسية الشهيرة التي غيرت الكثير من المفاهيم المستقرة عن الفن السينمائي. وكان قد سبقهم جيل السينمائيين المخضرمين الأساتذة مثل روبير بريسون ورينيه كلير وجورج كلوزو في اكتشاف السينما من خلال السينماتيك.

كينتوسكوب إديسون الشهير


ملصق فيلم "كارمن" الفرنسي (1926) الذي قامت ببطولته راكيل ميللر وأخرجه جاك فيدير

الخميس، 2 يوليو 2009

من رسائل الأصدقاء

الصديق محمد هاشم من القاهرة بعث يطلب رأيي في لجنة تحكيم معينة في مهرجان "كان" يطلق عليها البعض في كتاباته- كما يقول محمد- لجنة التحكيم الإنجيلية، وآخرون يطلقون عليها الوحدوية والكونية إلخ، ويضيف "بدوري أريد أن أعرف منك على وجه التحديد التسمية العربية الصحيحة لها، ولماذا هي متجاهلة دون كل لجان كان، ما هي طبيعتها؟ علمًا بأن هناك الكثير من أعلام السينما فازوا بها، أو بجوائزها مثل تاركوفسكي وأنجلوبولوس"؟
جوابي على محمد هو التالي: نعم هناك لجنة تحكيم تتكون من ستة أعضاء تمثل الاتحاد الكاثوليكي الدولي للاتصال (هذا هو اسمه) والمنظمة البروتستانيتة الدولية للسينما. هذه اللجنة تمنح جوائز لبعض الأفلام على أساس ديني وفني معا.
هذه اللجنة يطلق عليها لجنة وحدة العالم المسيحي Ecumenical Jury وهذا اجتهادي الشخصي في الترجمة لأنني أرى أن الترجمات الأخرى تبدو غامضة (فما معنى الوحدوية أو الكونية!).. المقصود وحدة العالم المسيحي تحديدا لأنها مستمدة من إسم الحركة التي تأسست في القرن التاسع عشر وانتشرت في الأوساط البروتستانتية في أوروبا وكان هدفها الدعوة إلى توحيد الكنائس المسيحية عبر العالم، عن طريق القيام بأنشطة مشتركة بين الكنائس المختلفة تدعم الوحدة المسيحية.
وقد منحت جائزتها في الدورة الأخيرة إلى الفيلم البريطاني "البحث عن إريك" لكن لوتش. كما منحت شهادة تنويه إلى فيلم "الشريط الأبيض" الألماني.
ولا أحد يهتم كثيرا بها لأنها تدخل العامل الديني (الأخلاقي) في قراراتها، ولأن من يحكمون في لجانها من المحسوبين على الكنيسة ومن يدورون في فلكها، وهو ما يراه الكثيرون اقحاما للدين في الفن وهو أمر أصبح منذ عهود طويلة مستبعدا في أوروبا الحديثة، أما عندنا فطبعا هناك من لا يحكمون على الأعمال الفنية إلا من خلال منظور أخلاقي حتى أن البعض أصبح يستفتي الإخوة إياهم، الذين يفتون على الفضائيات مقابل ريالات من الذهب والفضة، في شأن مشاهدة أفلام معينة، وهل هي حرام أم حلال.. والله أعلم!

الأحد، 28 يونيو 2009

نقاد السينما بين النجوم



لا تقل الحقيقة عنهم وإلا فلن تدعى في المرة القادمة

بقلم سيمون هاتينسون

(( ترجمت هذا المقال الطريف قبل أكثر من عشر سنوات عن صحيفة "الجارديان" البريطانية، ونشر ضمن فصول كتابي "النقد السينمائي في بريطانيا" الصادر عن مكتبة الاسكندرية عام 2004. وأهميته في كونه يكشف لنا تفاصيل خافية علينا، من عالم الصحافة السينمائية، ومن عالم السينما أيضا)).

في الأسبوع الماضي تلقيت مكالمة هاتفية من شركة "فوكس". وكان هذا شيئا مفاجئا لأن "فوكس" نادرا ما تتصل بالصحف ذات المستوى الرفيع، فهي تعرف أن "الخبطات" الصحفية ذات التأثير تختص بها عادة صحف "التابلويد" الشعبية، فإشاعة من النوع المتقن أو كلمة أو كلمتان عما شاهده الصحفي في عرض خاص لفيلم ما، قد يساهم في إنجاح الفيلم. وعلاوة على ذلك فقد أصبح روبرت ميردوخ هو الذي يمتلك شركة فوكس، وأصبح المجال بالتالي أوسع للترويج لأفلام الشركة في صحف التابلويد التي يملكها ميردوخ مثل "ذي صن" و"نيوز أوف ذي وورلد".
ولكن كان هناك سبب لهذه المكالمة، فقد نشر لي مقال صغير في ذلك اليوم ضمن ملحق الجمعة عن بيتي توماس مخرج فيلم "دكتور دوليتل" الجديد لإيدي ميرفي. لم يكن مقالا رصينا لكنه كان دقيقا وبعيدا عن الهجومية.
وجاء صوت مسؤولة العلاقات العامة في الشركة عبر الهاتف: "هالو سيمون.. مقالك عن بيتي توماس لم يكن لطيفا.. أليس كذلك؟".
ماذا كانت تقصد؟
"أتعرف.. كان مقالا حادا.. لم يكن إيجابيا".سألتها هل طلب أحد أن تبلغني بأن المقال لم يكن لطيفا؟ وجاءت الإجابة: نعم، لقد تلقيت مكالمة هاتفية من أمريكا وقالوا لنا أن نخبركم بأنهم غير سعداء بالمقال. ويقولون إنه في المستقبل، إذا كان هناك أي مستقبل....".
ولم تكمل مسؤولة العلاقات العامة العبارة، أو ربما أكملتها، لكني من شدة الصدمة لم أعد قادرا على سماع ما قالته بعد ذلك. والأمر المدهش أيضا أن مكالمتها معي جاءت في الساعة الثالثة بعد الظهر، أي في السابعة صباحا بتوقيت لوس أنجليس. وتساءلت أنا بصوت خفيض: في أي وقت بالضبط يستيقظ عادة أساطين السينما في لوس أنجليس ويبدأون في تمشية كلابهم!
إنني أذكر هذه المكالمة- وقد تكررت معي كثيرا خلال الأسابيع الماضية- لكي أوضح جانبا خطيرا أعتقد أن مشاهدي السينما لا يعرفون عنه الكثير، فبينما تزداد المساحة المخصصة للسينما في الصحافة، يتضاءل الاهتمام بنقاد السينما وبتوفير الظروف المناسبة لهم من أجل أداء وظيفتهم. وإذا كانت شركات الإنتاج تتهافت عادة على نشر ولو بضعة أسطر عن أفلامها، فإنها في الوقت نفسه ترغب في التحكم فيما ينشر.
قبل سنوات ذهبت في رحلة صحفية لزيارة ستديوهات شركة "يونيفرسال" لمشاهدة افتتاح مدينة الملاهي والخدع السينمائية التي استخدمت في فيلم "الحديقة الجوراسية" Jurasic Park وقد أجلسونا في مقاعد الدرجة الأولى في الطائرة، وقدموا لنا ما لذ وطاب من الطعام والشراب طوال الرحلة، وأنزلونا في فندق من الدرجة الأولى، بل ووضعوا رئيسة قسم العلاقات العامة في الشركة في خدمتنا.
عادة ما يردد مديرو العلاقات العامة في شركات السينما السؤال نفسه: ما رأيك؟ فقد كان رأيهم أن مدينة ملاهي الحديقة الجوراسية هي أعظم مدينة من نوعها في العالم. وكانت الإحصائيات لديهم جاهزة للبرهنة على ذلك. ولكنهم لم يعرفوا أن رأي الصحفيين لا يتكون إلا بعد الانتهاء من المشاهدة الفعلية وبعد نهاية الرحلة.
وسأل أحد الصحفيين ما إذا كان ممكنا أن يأخذونا في جولة داخل ديزني لاند، وهي مدينة الملاهي المنافسة لمدينة يونيفرسال. وغضبت مديرة العلاقات العامة من الاقتراح لدرجة أنها لم تستطع الرد على الصحفي. وبعد استشارة زملائها جاءت الإجابة بالرفض. وقد رفضوا أن يسمحوا لنا حتى بزيارة وسط لوس أنجليس لأنهم رأوا أن هذا الجزء من المدينة ربما لا ينعكس إيجابيا في مقالاتنا الصحفية عن الرحلة.
وبعد يومين من إعدادنا للحدث المنتظر، أخذونا أخيرا إلى مدينة الحديقة الجوراسية. ولسوء الحظ لم تكن قد اكتملت بعد، ولكن يونيفرسال كانت تأمل أن نكتب عنها كما لو كانت قد اكتملت بالفعل. وقالوا لنا إن المدينة الجوراسية أكبر من مجرد مدينة للملاهي، بل "تجربة" كبيرة، وكجزء من هذه التجربة الكبيرة قررت الذهاب إلى المقهى الجوراسي لكي أتناول سندوتشا من البرجر الجوراسي. وأخذت أتحدث مع رجل جوراسي كان يقوم بالخدمة في المقهى. كان شابا وسيما، وممثلا عاطلا عن العمل يعمل في المقهى مقابل أجر زهيد إلى حين يعثر على عمل في السينما. وأخذت أسأله عن أجره وعن طموحاته السينمائية، وفجأة وجدت مديرة العلاقات العامة تجذبني من ذراعي وتجرني بعيدا وهي تقول لي: لا أعتقد أن هذا الشخص يمكنه أن يساعدك كثيرا في كتابة مقالك الصحفي. عدني ألا تنشر شيئا مما قاله لك.
وبعد عودتي من الرحلة نشرت مقالا شديد النقد للنظام الشمولي في يونيفرسال. وكان من السهل أن أفعل ذلك بحكم أنني أتمتع بوظيفة دائمة في الصحيفة التي أكتب لها، ولكن المشكلة أن معظم الصحفيين الذين يذهبون في رحلات مثل هذه هم من الصحفيين الذين يكتبون بالقطعة، وهم يحرصون بالتالي على دعم علاقاتهم بشركات الإنتاج، فإذا طلبت منهم يونيفرسال عدم التحدث عن شخص قابلوه في مقهى ما فإنهم يحرصون على الالتزام بذلك.
إن ما تفعله شركات الإنتاج إذن أنها تلتف حول الصحف وتمنح بعض الصحفيين من الذين يكتبون بالقطعة المقابلات الصحفية بشكل مباشر. وهم يقولون لنا إن هذه الطريقة هي الأفضل لأن هؤلاء يمكن الاعتماد عليهم أكثر. وهذا صحيح، وللأسف فمعنى أنه يمكن الاعتماد عليهم أنهم ينقلون بشكل مباشر، المادة الصحفية الجاهزة التي تتضمنها المطبوعات الدعائية التي توفرها لهم شركات الانتاج للترويج لأفلامها دون محاولة لتكوين رأي خاص بهم. وهناك في لوس أنجليس، مجموعة من الصحفيين الذيم يعملون بالقطعة ويتمتعون بمعاملة "خاصة" من جانب شركات الانتاج. وهم يقولون لك إنهم في موقف لا يسمح لهم بأن يكونوا شرفاء، دعنا من التمتع بروح نقدية، لذا فإنهم يجلسون بهدوء حول الموائد المستديرة، يبتسمون بينما تروي لهم "الموهبة" كيف كان المخرج عظيما، ثم يهرولون لكتابة مقالات المديح التي تضمن لهم الحصول على مقابلات صحفية أخرى.
صديق لي حضر مؤخرا حفلا صحفيا أقامته شركة وورنر أطلقت عليه "أول مؤتمر عالمي للتليفزيون". وقد قصدت وورنر بذلك أن الصحفيين المأجورين يستطيعون قضاء ثلاثة أيام في صحبة نجوم فيلمي "إي آر" ER و"أصدقاء" Friends ثم يعودون إلى بلادهم وهم يحملون بعض المقالات الدعائية لبيعها. إنه "اتفاق جنتلمان" فشركة وورنر تحصل على الدعاية التي تلزمها، والصحفيون إياهم يحصلون على بعض المال مقابل كتاباتهم. وبالطبع عليهم جميعا أن يحددوا مسبقا للشركة الصحف التي سينشرون فيها مقالاتهم، وتملك وورنر حق "الفيتو".
وقد تم تقديم صديقي هذا إلى نجوم فيلم "أصدقاء"، وقيل للجميع إنهم يستطيعون توجيه الأسئلة كما يشاءون "فأنتم في بلاد الحرية" (بالمناسبة تحتفظ شركة وورنر داخل صندوق زجاجي بقطعة من جدار برلين).
وكانت ليزا كيدرو قد اختيرت لتوها أكثر شخصيات الفيلم شعبية. ووجه صديقي إليها السؤال التالي: كيف تشعرين بعد أن أصبحت أكثر شخصيات الفيلم شعبية؟ وهنا قفزت موظفة العلاقات العامة قائلة: "أعتقد أنني أستطيع الاجابة على هذا السؤال بالنيابة عن ليزا. إننا جميعا نشعر بالألفة مع بعضنا البعض كثيرا جدا".. أو شيء من هذا القبيل!
ولكن هذه هي أمريكا. في بريطانيا نحن أسعد حظا، ففيما عدا استثناءات قليلة فإن كل المقابلات التي تقرؤونها في "الجارديان" هي مقابلات تمت بشكل مباشر: صحفي واحد يجري الحديث مباشرة مع النجم أو المخرج. أما في أمريكا فقد يشترك عشرة أو خمسة عشر صحفيا في إجراء مقابلة صحفية مع شخصية واحدة. فهل يستطيع الصحفي أن يكتب في مقدمة موضوعه أنه قضى عشرين دقيقة في انتظار أن يوجه سؤالا واحدا؟ نعم يستطيع أن يفعل ذلك، ولكن من الذي سيرغب بعد ذلك في قراءة المقابلة. إن كل قاريء وكل رئيس تحرير يريد أن يشعر أن أمامه مقابلة خاصة نادرة أو قطعة من روح النجم السينمائي.
شركات هوليوود ترى أن هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة، فمع الإقبال على إجراء المقابلات الصحفية مع النجوم يجب تنظيم مقابلات جماعية لعدة صحفيين وإلا كيف يمكن الاستجابة لكل هذا العدد. وبسبب صعوبة تنظيم هذه المؤتمرات أو اللقاءات الصحفية الجماعية يصبح من الضروري التحكم فيها مسبقا. ويصبح أمرا طبيعيا بالنسبة للصحفيين المتحلقين حول المائدة أن يتم إسكات ذلك الصحفي المشاغب الذي لا يفتأ يكرر أسئلة بعيدة عن الموضوع حسبما ترى مندوبة العلاقات العامة.
ربما تقول لنفسك: إننا أسعد حظا في انجلترا العجوز فليس لدينا نجوما كثيرين، وعندما نجري معهم مقابلات صحفية فإننا نجريها حسب شروطنا نحن.. أليس كذلك؟
ليس تماما. أولا هناك عملية تدقيق شديدة، فقد يتصل بك مندوب الصحافة أو وكيل الفنان لكي يقول لك مثلا: سيمون.. هل يمكنك إرسال بعض النسخ من مقالاتك المنشورة إلى مستر ألبرت فيني لكي يلقي نظرة عليها. ثم يتضح أن المستر ألبرت فيني ألقى نظرة سريعة عليها ولم يعجبه ما تتضمنه، وإذن فلن تحدث المقابلة.
قد تقول لنفسك: ولكننا نستطيع أن نلتقط صورا خاصة بنا للفنانين.. أليس كذلك؟
إلى حد ما. فقد أصبحت شركات الإنتاج والتوزيع تعرض علينا صورا التقطها مصورو الشركة أو المصور الخاص للنجم. أما صورنا الخاصة فينبغي أن نحصل على تصريح منهم بنشرها. قد تسمع مثلا هذا التعليق على لقطة التقطتها أنت: "هذه لقطة رائعة للسير أنطوني هوبكنز. غريب أنه استطاع الاحتفاظ بهذه النظرة الساخرة في عينيه رغم تقدمه في العمر". ولكن لا تندهش إذا ما تبعها شيء من هذا النوع: سير أنطوني يطلب ضرورة أن تحصل على حق نشر الصورة أولا.
على الأقل (ستقول لنفسك) نحن في انجلترا غير مضطرين للتجمع حول مائدة مستديرة ضمن حشد من الصحفيين للاستماع إلى ما يتعطف علينا به نجم سينمائي. هذا صحيح لكن معظم المقابلات الصحفية التي تقرأها في هذه الصحيفة أجريت في فنادق. وتحديدا في فندق دورشستر، لدرجة أنني كنت أتصور أن فندق دورشستر أبرم اتفاقا تجاريا مع شركات السينما. إن هذا يخلق جوا كان بريخت سيسعد به كثيرا ويأخذ في تذكيرنا بعدم واقعيته طوال الوقت.
أحيانا تستطيع أن تقابل النجم في غرفته بالفندق، ألا يبدو هذا رائعا أو مغويا، أو على الأقل مشبعا للغرور؟ كلا. إنه أمر يسبب الحرج، فالصحفي في موقف كهذا يتحول إلى شخص متطفل بمجرد دخوله إلى الغرفة. ولا عجب إذن أن يصبح النجوم عادة عدائيين تجاه الصحافة ويرفضون التحدث إلى الصحفيين (رغم أن عقودهم تنص على عكس ذلك).. وهنا يبدأ الصحفيون في تخمين من الذي سيرقد في الفراش ومن الذي سيبقى جالسا أثناء اجراء المقابلة!
ولكن على الأقل عندما نصل إلى النجم نستطيع أن نوجه له ما نشاء من أسئلة. أليس كذلك؟
أحيانا، فغالبا ما يناولك مندوب العلاقات العامة أثناء اجتيازك عتبة باب الحجرة قائمة بالمحظورات. ولي تجربة شخصية في هذا المجال، فقد كنت في طريقي لاجراء مقابلة صحفية مع كورتناي لوف (نجمة موسيقى البوب التي تحولت إلى ممثلة سينمائية)، وكان يتردد أنها استُغلت كثيرا في الدعاية لنفسها، فقد كثر الحديث عن علاقتها بكيرت كوبان، وعن إدمانهما المخدرات، وعن ماضيها في رقص التعري (ستربتيز). وكان الفيلم الذي تألقت فيه هو فيلم "الشعب ضد لاري فلينت" لميلوش فورمان، وهو عن العلاقة بين صانع أفلام إباحية (بورنوجرافية) وزوجته راقصة الاستربتيز ومدمنة المخدرات، وكما هو شائع فالشخصية تعكس جانبا من الحياة الخاصة للممثلة. وكان من المستحيل عدم الربط بين الاثنتين في الأسئلة.
ولكنهم قالوا لي قبل المقابلة: غير مسموح بتوجيه أي أسئلة عن كيرت كوبان أو عن المخدرات أو الاستربتيز. وإذا كنت قد عدت إلى صحيفتي بدون توجيه هذه الأسئلة لكان رئيس التحرير قد وجد مبررا لطردي من العمل. ولذلك أخذت في توجيه الأسئلة. وجاءني صوت مندوبة العلاقات العامة من ركن الغرفة: ما هذا .. هذا لعب خشن.. سؤال آخر من هذا النوع وستجد نفسك مطرودا.. وهنا انتهت المقابلة.
الشركات تقول: إننا نريد أن نحمي نجومنا.. لا نريد أسئلة استفزازية. وأنا أقول: ولا أنا أيضا، لكن أفضل الكتابات تلك التي يستطيع الكاتب أن يقبض فيها على ثنايا موضوعه، وأن يربط بين أجزائنه.
ما هو الحل إذن؟
ربما كان يتعين علينا أن نقلل من الاعتماد على المقابلات الصحفية ونهتم أكثر بكتابة "البورتريه" السينمائي للممثل. ولكن هنا أيضا سنواجه مشاكل من نوع آخر، فهذا النوع من الكتابة يتطلب تكوين علاقات مع المحيطين بالموضوع أو بالنجم الذي نعتزم كتابة بورتريه عنه. فأنت تحتاج إلى معلومات دقيقة. ثانيا: سنجد أنفسنا وقد أصبحنا أكثر اعتمادا على مواد الأرشيف المنشورة عن الشخصية.. قصاصات الصحف وما إلى ذلك، وهو ما قد يجعلنا نردد نفس الأحكام والمعلومات القديمة بأخطائها.
ربما يصبح بوسعنا أن نلجأ إلى النوع الرفيع من مقالات الفكر حول: كيف فشلت السينما الفرنسية في استعادة موقعها منذ وفاة جان فيجو. ولكن يجب أن نكون واقعيين، فمعظم الناس يهتمون بالنجوم وبحياة النجوم بما في ذلك قراء صحيفة "الجارديان". ونحن نحرص على تحقيق نوع من التوازن بين المواد المنشورة: أن نستخدم مواضيع قد لا تثير سوى اهتمام الأقلية، لكي نغطي مواضيع أكثر شعبية.
أما شركات الإنتاج فلديها إجابة أفضل تتمثل فيما يطلقون عليه EPK وهم يوزعونها على محطات التليفزيون، وهي مقابلات تليفزيونية مصورة معدة سلفا مع نجوم السينما من خلال أسئلة وأجوبة بارعة. وتستطيع محطات التليفزيون التعامل مع هذه المقابلات وإعادة تقطيعها وترتيبها بحيث تجعل النجم يبدو وكأنه يتحدث إلى مقدم البرنامج بشكل شخصي ويجيب عن أسئلته.
وماذا عن المقابلة الصحفية التي أجريتها مع ليوناردو دي كابريو؟ لقد نشرتها تماما كما تمت، ولم يحدث من قبل أن تلقيت ردود فعل إيجابية من مسؤولي العلاقات العامة كما حدث هذه المرة. لقد اتصلوا بي تليفونيا، واحدا وراء الآخر، وهتفوا: "عظيم.. يالها من خبطة.. لقد كان رائعا أن نقرأها كما وقعت بالضبط".
وواحدا بعد الآخر أكدوا لي أنهم سيحرصون على ضمان ألا أدعى إلى أي حفل من حفلاتهم في المستقبل!

(صحيفة "الجارديان" 21 اغسطس 1998)
((تحذير: جميع الحقوق محفوظة))
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger