السبت، 9 مايو 2009

فلسطين وإسرائيل وإيليا سليمان


لا أفهم إصرار ناقد، يكتب عمودا يوميا في صحيفة مصرية يومية، على اعتبار فيلم المخرج الفلسطيني إيليا سليمان المشارك في مسابقة مهرجان كان فيلما إسرائيليا. فهو يكرر ويعيد ويزيد يوما بعد يوم، أن فيلم "الزمن المتبقي" أو "ما يتبقى من الزمن" (في انتظار أن نرى العنوان العربي للفيلم كما سماه مخرجه) هو فيلم إسرائيلي، في حين أن إسرائيل موجودة في الفيلم بحكم الاستعانة بشركة تقديم خدمات إنتاجية قد تكون لا علاقة لها على الإطلاق بالسياسة الرسمية الإسرائيلية بل وقد تكون مناهضة لها.
في الوقت نفسه الفيلم يحمل أسماء شركات أو جهات إنتاجية ساهمت في إنتاجه من كل من فرنسا وبلجيكا وإيطاليا فلماذا إذن لا يقال إنه فيلم "إيطالي" أو "فرنسي" أو "بلجيكي" كما يقال إنه فيلم "إسرائيلي"!
هل هي محاولة للتأكيد على أن إسرائيل دولة تتمتع بديمقراطية حتى في التعامل مع أعدائها الفلسطينيين، وأنها تتيح لهم بالتالي، فرصة تحقيق أفلامهم وعرضها في المهرجانات الدولية أيضا؟
هل هي محاولة للانتقاص من جهود إيليا سليمان والتقليل من شأن ما يفعله، أم للقول إنه يحقق ما يحققه بفضل "إسرائيل"!
الحقيقة أن الأمر يبدو محيرا بالنسبة لي، فلا أفهم تماما ما يرمي إليه هذا الناقد ولا غيره ممن يصرون على استخدام نفس التعبير. فهل كون إيليا سليمان يحمل جواز سفر من إسرائيل بحكم انتمائه للأرض التي سلبها الإسرائيليون من الفلسطينيين، يتيح أن نصفه هو أيضا بأنه "إسرائيلي"؟ وبهذا المعنى، هل كان محمود درويش شاعرا إسرائيليا؟ وهل كانت أشعاره التي طبعت في "إسرائيل" أشعارا إسرائيلية؟
قلت من قبل وأكرر اليوم أن أعلام الدول التي تحملها الأفلام لم تعد لها أهمية كبيرة كما يعتقد صديقنا الناقد إياه، ومهرجان كان على أي حال كف منذ سنوات طويلة عن أن يكون "مهرجان دول" بل أصبح بحق مهرجان مخرجين، وخصوصا بعد أن تعددت جهات الإنتاج وتشابكت بصورة محيرة. المهم هو الهم والهاجس الثقافي ولغة التعبير والموضوع الذي يعالجه ومن أي أرضية ينطلق في معالجته.
إن لصق كلمة "إسرائيل" بالفيلم في تصوري لا علاقة لها سوى بأن المخرج "إسرائيلي الجنسية" وكان حريا القول إنه فلسطيني لولا خشية إدارة مهرجان كان من رد الفعل الإسرائيلي الذي لا يعترف بـ"فلسطين"، وربما يتغاضى عن تعبير "أراضي السلطة الفلسطينية" لكنه لا يسمح أن يكون ما تعتبره "مواطنا" إسرائيليا ممثلا لفلسطين!
ونحن لم نر الفيلم بعد ولا نعرف عما يتكلم سوى من خلال الأسطر القليلة المنشورة هنا وهناك.
المؤكد في النهاية أن إيليا سليمان ينتمي "ثقافيا" إلى العالم العربي، وإلى الثقافة العربية، وقبل هذا وذاك، إلى فلسطين وثقافتها.

الجمعة، 8 مايو 2009

"وودستوك" وهيباتيا والاسكندرية

لا أعرف لماذا يصر معظم من يكتبون التقارير الصحفية في الغرب على أن هناك فيلما واحدا يمثل السينما الأمريكية في مسابقة مهرجان كان السينمائي الثاني والستين الذي سيفتتح في الثالث عشر من مايو.
كل التقارير والبيانات التي تنشر في صحف ومجلات محترمة ومعروفة تتباكى على قلة الأفلام الأمريكية في المسابقة وتركز كلها على فيلم المخرج كوينتين تارانتينو المغرم بألاعيبه الشكلية المتحذلقة وابتكاراته في تصوير العنف والمغالاة في ذلك.
الجميع يتوقف طويلا عند فيلمه الذي تسبقه كلمة (المنتظر) وهو بعنوان "صعاليك مجهولون" (أو على نحو اكثر دقة "أولاد زانية شائنون") رغم ان موضوعه على ما يبدو، يعود إلى الماضي، على الحرب العالمية الثانية، ويدور حول مقاومة مجموعة من المتطوعين (بينهم بعض اليهود) ضد النازية.
لكن هناك فيلما ثانيا أمريكيا في المسابقة لا يشير إليه أحد هو فيلم "تحرير وودستوك" للمخرج الأمريكي من اصل تايواني أنج لي. ولا أفهم لماذا لا يعتبره بعض كتاب تلك التقارير الصحفية فيلما أمريكيا رغم أن موضوعه أكثر أمريكية بكثير من موضوع فيلم تارانتينو الذي لا أتوقع منه كثيرا شخصيا. ففيلم أنج لي يدور في اجواء تلك "الثورة" الخطيرة التي عرفتها أمريكا في الستينيات ووصلت إلى ذروتها في 1968 في "وودستوك" وشارك فيها ملايين الشباب الذين أعلنوا تمردهم على القيم الاجتماعية المتخلفة القديمة، ورفضوا الخضوع للتجنيد في حرب فيتنام، وتحدوا المؤسسة القائمة العتقية: الأسر، والدولة، والكنيسة، والجيش.
من ناحية أخرى سعدت سعادة شخصية بتحول موضوع "هيباتيا" إلى فيلم سينمائي سيعرض خارج المسابقة بعنوان Agora وهي كلمة يونانية معناها "الساحة" التي كان يجتمع فيها المثقفون والشعراء والعلماء في أثينا القديمة أو في الاسكندرية (في هذه الحالة تحديدا). وهيباتيا هي العالمة الاغريقية الأسطورية التي اثارت سخط الكنيسة القديمة التقليدية، كنيسة الاسكندرية، بسبب نبوغها العلمي وتأثيرها الكبير في المجتمع رغم كونها "وثنية" رفضت الانصياع للتعاليم الجامدة للكنيسة في تلك الفترة من القرن الرابع الميلادي.
وهيباتيا إحدى الشخصيات الرئيسية في رواية "عزازيل" العظيمة للكاتب يوسف زيدان الفائزة بجائزة بوكر العربية لعام 2009 (سبق أن نوهت بأهميتها في هذه المدونة)، وهي التي ينتهي مصيرها بالقتل بطريقة تقشعر لها الأبدان، على أيدي المتعصبين، الذين يبيحون قتل الآخرين باسم الدين، بل ويحرقونوها وهي مازالت حية. وقد قدم زيدان في روايته وصفا تفصليا أدبيا رفيعا لحادث اغتيالها في "الساحة" الرئيسية بمدينة الاسكندرية وهي في طريقها لالقاء محاضرة على جمهورها.
وهيبا- من هيباتيا- هو الإسم الذي أطلقه بطل الرواية، الراهب المصري الذي جاء من الصعيد إلى الاسكندرية للتزود بعلوم اللاهوت، وبدلا من ذلك انساق وراء التعلم من تجارب الحياة ذاتها. وقد تسمى باسم هيبا تحية وإعجابا بالعالمة اليونانية العظيمة التي راحت ضحية التعصب والتزمت والجهل. ألا يعيد التاريخ نفسه اليوم ولكن على شكل مهزلة، كما كان قال كارل ماركس!
"أجورا" Agora فيلم للمخرج الاسباني أليخاندرو أمينبار جرى تصويره في جزيرة مالطا، حيث شيدت ديكورات هائلة لمدينة الاسكندرية القديمة. ونحن في انتظاره بترقب لنعرف ما اذا كان سيرقى إلى مستوى التوقعات.

فيلم كوبولا الجديد في نصف شهر المخرجين


نجح أوليفييه بير مدير تظاهرة "نصف شهر المخرجين" المستقلة التي تقام بالتوازي مع مهرجان كان السينمائي في إقناع المخرج الأمريكي الكبير فرنسيس فورد كوبولا بالمشاركة بفيلمه الجديد "تيترو" Tetro الذي سيعرض في افتتاح التظاهرة (يوم 14 مايو) التي تلقى عادة اهتماما كبيرا من المتابعين والنقاد.
وكان كوبولا قد أعلن رفضه المشاركة بفيلمه خارج المسابقة في البرنامج الرسمي بعد استبعاده من المسابقة وقال إن فيلمه "فيلم مستقل، ممول ذاتيا، وسيوزع بالجهود الذاتية" وأضاف أن مساعديه سيركزون كل وقتهم وجهدهم على السوق الأمريكية التي سيبدأ فيها توزيع الفيلم في العاشر من يونيو القادم.
إلا أن نجاح "نصف شهر المخرجين" في الحصول على الفيلم يعد ضربة لإدارة المهرجان الرسمي، ويدعم التظاهرة التي ستنطلق عروضها الرسمية يوم 14 مايو القادم.
ويعد الفيلم نوعا من السيرة الذاتية، فهو يدورحول العلاقة بين شقيقين في أسرة فنية من أصل إيطالي. ويقوم بالأدوار الرئيسية في "تيترو" فنسنت جاللو وكلاوس ماريا براندور (بطل الفيلم المجري الشهير "ميفيستو") وألدن إهرينريتش.
وتظاهرة "نصف شهر المخرجين" مهرجان آخر مستقل ومواز لمهرجان كان الرسمي، له مطبوعاته الخاصة ومكتبه الصحفي ومقر عروضه في قاعة نوجا هيلتون التاريخية التي كان المهرجان قديما يعقد بها.
وقد تأسست هذه التظاهرة المهمة التي تنظمها جمعية السينمائيين الفرنسيين كتظاهرة مناهضة للمهرجان الرسمي (الذي اعتبر في ذلك الوقت احتفالا بالسينما البورجوازية التقليدية) عام 1969 في عز الغضب والثورة والتمرد شارك فيها كبار السينمائيين الفرنسيين مثل فرنسوا تريفو جان لوك جودار، بعد التأثير الذي تركه امتداد انتفاضة 68 الباريسية الصاخبة بشاطيء الكروازيت وارغام منظمي مهرجان كان على إلغاء دورة 68.
ونجحت التظاهرة في اكتشاف الكثير من الأسماء الجديدة في عالم الاخراج السينمائي والتي أصبح لها شأن كبير فيما بعد مثل فيم فيندرز وفيرنر فاسبندر وفيرنر هيرتزوج وناجيزا أوشيما وجورج لوكاش ومارتن سكورسيزي ومايكل هانيكه وجيم جارموش وسبايك لي.

العرب في مهرجان كان (13- 24 مايو)


ليست هناك أفلام "عربية" في مهرجان كان السينمائي هذا العام. والمقصود أن تكون من الإنتاج العربي وتتناول مواضيع تدور في البلدان العربية وينتمي مخرجوها للعالم العربي وللثقافة العربية عموما، والأفضل طبعا أن تكون أيضا ناطقة باللغة العربية.
ودعونا لا نخدع أنفسنا كثيرا. هذه هي الحقيقة. فيبدو أن أفلام مرزاق علواش ويسري نصر الله ومروان حامد وكاملة أبو ذكري التي دار الحديث طويلا حول احتمال اشتراكها في المهرجان لم تنجح في إقناع المسؤولين عن البرنامج في إداراجها، سواء بالمسابقة أو خارجها علما بأن علواش يخرج أفلاما "فرنسية" وإن كانت يمكن أن تنسب ثقافيا للعالم العربي.
هناك في المسابقة فيلم واحد لمخرج ينتمي "ثقافيا" إلى العالم العربي هو إيليا سليمان الفلسطيني الذي سيعرض فيلمه "ما يبقى من الزمن" وهو شرف كبير لأي سينمائي. لكن الفيلم من الإنتاج المشترك الذي لا يدخل فيه – بكل أسف- أي طرف عربي، فهو من الانتاج المشترك بين (إسرائيل- فرنسا- بلجيكا- ايطاليا) ولاشك لدينا أن كلمة "إسرائيل" هنا كطرف في الإنتاج يعود إلى الاستعانة بشركة إسرائيلية لتقديم بعض الخدمات أثناء التصوير داخل فلسطين المحتلة التي يطلق عليها الفرنسيون إسرائيل، والأجدر بهم أن يطلقوا عليها "فلسطين المنهوبة"!
أما الفيلم الثاني الذي سيعرض ضمن تظاهرة "نصف شهر المخرجين" فهو فيلم "أمريكا" للمخرجة شيرين دابس الفلسطينية – الأردنية الأصل التي تقيم في الولايات المتحدة. والفيلم من الإنتاج الأمريكي مع مساهمة من الكويت. وشأنه شأن فيلم إيليا سليمان لابد أنه يعبر ثقافيا عن انتماء مخرجته وعما يشغلها.
وهناك مخرج ثالث هو رياض سطوف وهو فرنسي الجنسية من أصل عربي (نصف ليبي نصف سوري)، ومن مواليد باريس. ويعرض فيلمه "الأطفال الحلوين" وهو من أفلام الرسوم، أيضا ضمن تظاهرة "نصف شهر المخرجين" وهو فيلم فرنسي بالكامل.
فيلم الختام في تظاهرة "نصف شهر المخرجين" هو الفيلم الإسرائيلي "عجمي" ِAjamai الذي أخرجه المخرج الفلسطيني من داخل الأرض المحتلة اسكندر قبطي (وهو اسم جديد تماما) بالاشتراك مع المخرج الاسرائيلي يارون شاني، وهو عن مدينة بافا والعلاقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين الذين يعيشون فيها.
أما في تظاهرة "إسبوع النقاد" فيشارك الفيلم الفرنسي "الوداع ياجاري كوبر" للمخرج نسيم عموش وهو من أصل جزائري، ويشارك أيضا فيلم كردي (أي ناطق بالكردية) يمثل العراق بعنوان "همسة من القلب" لمخرج شاب هو شهرام العيدي.
في لجان التحكيم يشارك المخرج التونسي فريد بوغدير في لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، ويشارك أمير العمري (كاتب هذه السطور) في لجنة التحكيم الدولية للنقاد. وكفى الله المؤمنين شر القتال!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger