الجمعة، 6 فبراير 2009

هل امتد التأثير الإيراني للسينما الجزائرية؟


الفيلم الإيراني "كن هادئا وعد إلى سبعة" هو الفيلم الروائي الأول لمخرجه راتمين لافافيبور، وهو أيضا أحد الأفلام التي حصلت على تمويل من مشروع "هيوبرت بالس" المخصص لدعم التجارب الطليعية في سينما العالم في إطار مهرجان روتردام السينمائي.
وشأنه شأن معظم أفلام السينما الإيرانية "الجديدة" أي تلك الموجة من الأفلام التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، يمزج هذا الفيلم بين الروائي والتسجيلي، ويبتعد عن المدينة إلى قرية على الساحل، ويجرد موضوعه بحيث لا تصبح له ملامح إيرانية محددة بل يكتسب بعدا كونيا في المطلق، ويجعل بطله طفلا ينضج على نار التجربة قبل الأوان، وكلها عوامل مشتركة في معظم نتاجات السينما في إيران.
دور الصورة
هذه الملامح التي تعلي بلا أدنى شك، من دور الصورة على حساب الممثل، ومن دور المفردات الشعرية الخالصة على حساب الحبكة، هي أيضا نتاج لمنهج وطريقة المخرج عباس كياروستامي الذي يعد الأب الروحي للسينما الإيرانية الجديدة.
ولكن المحصلة السلبية لهذا الاتجاه أنه لا يعرف كيف يتطور، ولا كيف يخرج من الشكل النمطي المألوف الذي حبس نفسه فيه، ولا كيف يقيم علاقة حقيقية مع جمهوره في الداخل بعيدا عن جمهور المهرجانات السينمائية الدولية (الأوروبية أساسا) من الراغبين دائما في رؤية "المختلف" و"الغريب" و"المثير" exotic و"الغامض" في ثقافة الآخر الذي يعتبر مختلفا حتى بمقاييس الحضارة الحديثة.
خطورة هذه النظرة "الأوروبية" الأبوية للسينما التي تأتي من إيران، أنها تجعل البؤس "الجميل" إذا جاز التعبير، موضوعا في حد ذاته، وهذا تحديدا موضوع هذا الفيلم.
بطل الفيلم طفل لا يتجاوز الحادية عشرة من عمره، يعيش في قرية من قرى الصيادين الفقيرة على الساحل في جنوب إيران.
ومع تدهور أحوال الصيد يتجه سكان القرية إلى كسب عيشهم من التهريب، أوبالأحرى، المساعدة في تهريب البضائع التي تأتي عن طريق البحر في قوارب عديدة تهبط فجأة فيهرع العشرات من سكان القرية، وخصوصا نساؤها اللاتي يغطين وجوههن، لحمل الصناديق التي تحوي السلع ونقلها إلى بيوتهن حين يتم تحميلها فيما بعد على ظهر شاحنة يقودها وكيل المهربين في المنطقة.
الصبي "موتو" يعيش مع والدته وشقيقته، ويبذل كل جهده في العمل لكي يعيل الأسرة بعد أن غاب والده في رحلة صيد ومضت عدة أيام دون أن يرجع.

غير أن "موتو" يملؤه اليقين بأن أباه سيعود، ولكن مع استمرار غياب الأب، وبعد أن تمر سبعة أيام على غيابه يريد موتو أن ينتقل إلى الجانب الآخر من البحر لكي يتحقق من الأمر: هل مات والده، فهناك يمكن رؤية جثث الغرقى الذين يلقي بهم البحر.
لكن الحياة ليست سهلة، فتدريجيا ينغمس موتو في مساعدة المهربين، بل ويعرض أن يقوم أيضا بتهريب البشر، ويظل يبحث دون كلل، عن اللؤلؤ داخل قواقع البحر التي يصطادها ويشقها، إلى أن يعثر بالفعل على واحدة يجد داخلها لؤلؤة صغيرة.
مقابل اللؤلؤة يحصل من المهرب على معطف لوالدته، وقميص يحمل رقم عشرة واسم لاعب كرة القدم الأرجنتيني الشهير رونالدينو.
تستمر الحياة على ايقاعها، الجميع فيها أشقياء: الأهالي الذين يسعون للتغلب على شظف العيش بالمشاركة في التهريب، ورجال الشرطة المكلفين بمطاردتهم والقبض عليهم، ولذا فإنهم يغلبون روح التضامن الإنساني على التمسك بأداء المهمة.


الطابع التجريبي
ما الذي يحدث بعد ذلك؟ لا شئ.. فالمخرج يغلف اللقطات الخلابة للشاطئ والبحر والقوارب التي تندفع بقوة فوق سطح الماء، بسحر المكان، ويستخدم أحيانا الكاميرا المهتزة المحمولة لخلق تكوينات بصرية متنوعة تعبر عن قسوة حياة البشر، في لغة سينمائية يغلب عليها الطابع التسجيلي، ويتراجع فيها الموضوع أو يصبح مجردا على نحو يردنا إلى فيلم "العداء" The Runner (1984) للمخرج أمير ناديري الذي كان أول فيلم يلفت الأنظار إلى السينما الإيرانية في مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية.
هذا الطابع "التجريبي" الذي يقوم على التلاعب الدائم في الشكل، يفترض أن يكون مقصودا من أجل أن يوصلنا إلى شئ ما، إلى اكتشاف جوهر السينما والتعامل مع عالمنا وأناسه من خلال خصوصيته أيضا، لا أن يتركنا دائما عاجزين عن القبض على زمام الأشياء، ورد الأمور إلى مسارها الطبيعي الأرضي، أي تحديد دور الإنسان فيها بوضوح بدلا من الهرب إلى التجريد المطلق.

داخل البلاد
التجريب الإيراني في السينما أثبت نجاحه في أوساط السينما الغربية التي تنبهر عادة بالغريب وغير المألوف، ترحب بالسهل والبسيط والتجريدي والأحادي البعد و"الإكزوتي" في صوره ولقطاته، وبالتالي بتحويل الإنسان إلى مجرد صورة شاحبة غير محددة المعالم، وكأن الإنسان لم يصنع تلك الحضارة الهائلة التي تمتد إلى آلاف السنين، بل لايزال شبحا هائما يتبدى ويختفي حسب الحالة النفسية والمزاجية.
هذا "المفهوم" للسينما امتد أيضا إلى الفيلم الجزائري "داخل البلاد" Inland للمخرج طارق تقية.

"داخل البلاد" (أو قِبلة Gabbla) فيلم يمتد 137 دقيقة، صوره مخرجه أساسا بكاميرا الفيديو الرقمية قبل أن يحوله إلى شريط سينمائي، وهو من التمويل الفرنسي وإن كان قد صور بأكمله في الجزائر.
بطل الفيلم مهندس يرسل في مهمة إلى منطقة نائية في أعماق الصحراء، لمد خطوط الطاقة الكهربائية.
هناك يبدو بطلنا هذا "مالك" وكـأنه مقطوع الصلة تماما بالعالم. لكن الأمر ليس كذلك، فهو يسمع أصوات انفجارات قريبة ليلا لا يعرف مصدها. ثم يجد نفسه محل شك من رجال الشرطة الذين يتشككون فيه وفي طبيعة مهمته في تلك المنطقة، فالمناخ العام مناخ شك وريبة.
وفي الجزء الأول من الفيلم ينتقل المخرج على شكل "فلاشات" سريعة لمشاهد تجمع عددا من الأصدقاء في المدينة يتناقشون في كل شئ ويعبرون عما يشعرون به من إحباط بسبب عجز السياسات، وفشل مشروع الدولة المدنية الحديثة، وظهور الإرهاب.
هناك أحاديث مباشرة حول الديمقراطية والعنف والسلطة والثورة والحداثة ولكن من خلال لغة خطابية مباشرة تتناقض تماما مع الصور الممتدة الصامتة التي سننتقل إليها مع انتقال البطل إلى تلك البقعة المجهولة.
لكنها ليست مجهولة تماما، فبطلنا يكتشف أنها بمثابة معبر للهجرة من الجنوب إلى الشمال، من افريقيا إلى اسبانيا. ويلتقي ذات يوم بفتاة افريقية سوداء، جاءت على ما يبدو من النيجر تريد الفرار من هذا الجزء من العالم بأي ثمن.
غير أن الحوار بين مالك وهذه الفتاة حوار صعب فهي تتكلم الانجليزية التي لا يفهمها، ويكلمها هو بالعربية، لكنه يفهم ويرى أنها خائفة، لا تريد العودة، وهو لا يعرف ماذا يخيفها إلى هذا الحد.
يؤويها عنده بعض الوقت، ثم يقرر مساعدتها في قطع الطريق الشاق، إلى الحدود الجنوبية الغربية ومن ثم يمكنها أن تجد طريقها إلى الساحل.
وطوال الرحلة يتأمل مالك، ونحن معه، في البشر وفي الطبيعة ويدرك كيف يذوب الإنسان في الطبيعة، وكيف يصبح جزءا منها.

تدريب خاص
معظم لقطات الفيلم صامتة. والإيقاع العام بطئ ويحتاج من المشاهد إلى تدريب خاص على هذا النوع من السينما، والصورة تتبدل في ألوانها أحيانا داخل المشهد الواحد، وتنتقل من الظلمة إلى النور، ومن العتمة التي تغلفها حبيبات التراب، إلى الشمس التي تخلق تكويناتها السرابية الخاصة.

وفي الفيلم تكرار مقصود للعديد من اللقطات، ومن الزوايا نفسها. وإن كان هناك دون شك، حس تشكيلي رفيع يتبدى في التكوينات داخل اللقطات الثابتة والمتحركة.
ولاشك أن الخلفية الشخصية للمخرج طارق تقية الذي جاء أساسا من التصوير الفوتوغرافي وراء اهتمامه الكبير بالصورة.
لكن هناك أيضا تأثرا واضحا بأسلوب أنطونيوني الإيطالي: في جعل اللقطة تصبح مشهدا، وفي اللغة غير المباشرة التي تصور شيئا وتقصد شيئا آخر، والإغفال المتعمد لقيمة الحوار، الذي يصبح وسيلة أقل أهمية للتواصل.
لغة من الخارج
لكن مشكلة هذا الفيلم أن الأسلوب فيه ليس أصيلا، بل يبدو مفتعلا وشديد الاصطناع، وشديد المبالغة في الاهتمام بالصنعة، وبالرغبة في الإدهاش وفي استخدامه الإيقاع الطويل المجهد، واللقطات الطويلة الممتدة التي لا يبدو أن لها نهاية.
وينتقل المخرج أحيانا من الصورة الناطقة إلى الصورة الصامتة تماما فيلغي المؤثرات الصوتية الطبيعية (صوت القطار مثلا) لكن كل هذه الطرائق والألاعيب الشكلية، مع تكرارها بدون ضرورة درامية تبدو مفروضة من خارج الفيلم، كما تبدو مقصودة فقط لذاتها، ومن أجل التجريب للتجريب، وهو ما يزيد كثيرا من عزلة المشاهدين عن الفيلم بدلا من أن يقربهم من عزلة أبطاله.. عن بعضهم وعن عالمهم. أليست السينما في النهاية فن للتقريب بين البشر!

الأربعاء، 4 فبراير 2009

نجوى نجار: "المر والرمان" هو لون الواقع الفلسطيني

هيام عباس تألقت وطغت بأدائها على الآخرين

لقطة التلامس عبر الأسلاك

من الأفلام المتميزة التي عرضت بالدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان روتردام السينمائي الفيلم الفلسطيني "المر والرمان" للمخرجة نجوى نجار، وهذا فيلمها الروائي الطويل الأول.
يصور هذا الفيلم بأسلوب شاعري رقيق، العلاقات الإنسانية داخل عائلة مسيحية فلسطينية من رام الله تزوج ابنها حديثا فتاة من القدس، والمشاكل التي يمكن أن تنشب بعد مصادرة السلطات العسكرية الإسرائيلية الأرض التي تملكها هذه الأسرة والتي تعتبر مصدر الرزق والحياة بالنسبة لها، ثم اعتقال ابن العائلة "زيد" ولم يمض على زواجه بعد سوى أيام محدودة.
ماذا يمكن أن تفعل الزوجة الشابة "قمر" التي تهوى الرقص الشعبي، وتكون قد التحقت بفرقة فلسطينية في رام الله، هل يمكنها أن تستأنف حياتها بعد أن اصبحت "زوجة معتقل".. متى سيخرج زوجها "زيد"، وهل ترضخ لطلب أمها وتعود إلى بيت أسرتها في القدس حتى تنجو من الواقع المرير.
الجيش الاسرائيلي يضع مجموعة من الجنود داخل الأرض المصادرة، يحرسونها بقوة السلاح ويمنعون أفراد العائلة من الاقتراب منها، والعائلة تلجأ إلى محامية اسرائيلية للطعن في قرار السلطات العسكرية بمصادرة الأرض، واجراءات التقاضي تطول، وزيد في المعتقل يتعرض لأبشع أنواع التعذيب والحبس الانفرادي، ولكنه صامد يرفض توقيع التنازل الذي يطلبونه منه والعودة إلى عروسه.
أما العروس فهي ممزقة بين واجبها الذي يتحتم عليها القيام به تجاه زوجها وأسرته، وبين إحساسها الشخصي بالجفاف والحرمان والنبذ، محرومة حتى من التعبير عن مشاعرها المكتومة ولو بالرقص.
وللمرة الأولى في السينما الفلسطينية يصبح موضوع المرأة-الجسد محورا للفيلم على نحو ما، فالعروس تعود تدريجيا للرقص، يدربها مدرب فلسطيني شاب جاء من لبنان هو "قيس"، الذي يشعر نحوها ببعض المشاعر الغامضة.. لكنه هو أيضا ممزق، يبدو في عينيه كل حزن العالم بفعل التجربة المريرة التي مر بها في الماضي.
في الفيلم بعض الإشارات إلى الرغبة المتبادلة، وإلى العلاقة مع الجسد، والتمزق بين الواجب وبين الذات، وبين الهم الشخصي والهم الجماعي. ولكن المخرجة تتوقف على استحياء دون أن تجعل المشاعر المكبوتة تعبر عن نفسها في مشاهد صريحة، اكتفاء بالإشارات من بعيد.
في الفيلم مشاهد واضحة تماما للقهر الاسرائيلي: نقاط التفتيش التي يوقف الجنود عند احداها العريس وهو في طريقه من القدس إلى رام الله مع اسرته إلى العروس، كما لو كانوا من المشتبه فيهم. وهناك مشهد مصادرة الأرض والمشادة التي تنشب بين زيد والجنود ويعتقل على أثرها. وهناك التوغل الاسرائيلي المعتاد بالسيارات العسكرية واقتحام رام الله وإرغام السكان على النزول إلى الملاجئ، وهناك المستوطنون الاسرائيليون الذي يروعون عائلة زيد ويهددونهم بالسلاح.
غير أن الفيلم ليس كسائر الأفلام التي تحكي قصة الاحتلال وانعكاساته، فالمخرجة تتمتع بحس تشكيلي واضح في تكوين اللقطات، وتستخدم الرقص كمعادل للحرية، كما تستخدم الموسيقى الفلسطينية الحزينة بآلة العود وإيقاع الطبل.. وتنجح كثيرا في تنفيذ المشاهد التي تدور داخل السجن، خصوصا عندما تزور قمر زيدا وتتلامس أيديهما عبر الأسلاك، وتطبع هي على فمه قبلة من وراء السلك رغم اعتراض الجنود الاسرائيليين.
يخرج زيد في النهاية، ويحاول العودة للتأقلم مع حياته السابقة، لكن يستغرق الأمر مرور بعض الوقت قبل أن يصبح قادرا على استئناف حياته الطبيعية مع زوجته.
وتقوم الممثلة هيام عباس بدور صاحبة مقهى كانت قد عملت بالخدمة في بيوت الأسر الميسورة لمدة أربعة عشر عاما قبل أن تفتتح المقهى الذي يلتقي فيه الجميع ويبدو هنا بمثابة رمز للاحتفال الفلسطيني بالحياة رغم الاحتلال، كما أنها هي التي تجمع بين الشخصيات وتوفق بحكمتها بين الأطراف المختلفة، وتتصدى لجنود الاحتلال وتهزأ منهم، وترفض الانصياع لأوامرهم. إنها تبدو على نحو ما، في السياق، رمزا لفلسطين نفسها.

نجوى نجار مخرجة الفيلم

أجريت هذه المقابلة مع المخرجة نجوى نجار أثناء حضورها مع فيلمها الدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان روتردام السينمائي.
- أريدك أولا أن تحدثيني عن الخلفية الثقافية لك.. أين درست، ومن أين أتيت، وكيف أصبحت مخرجة سينمائية؟
- قضيت معظم حياتي خارج فلسطين في الولايات المتحدة والسعودية ثم درست في أوروبا علوم سياسية واقتصاد ثم سينما في الولايات المتحدة ثم عدت إلى فلسطين، إلى رام الله. والدي كان قد عمل صحفيا في فترة من حياته ووقتها أهداني كاميرا وكنت ألتقط بها الكثير من الصور، وكنت أيضا أقرأ كثيرا وأشعر أنني يمكن أن أعبر عما أريده بشكل أفضل من خلال السينما، وأحاول أن أعثر على لغة خاصة في التعبير.
- من أين جاءك موضوع فيلم "المر والرمان" وماذا يعني العنوان عندك؟
- عدت إلى فلسطين عام 1996، وفي سنة 2000 حدثت الانتفاضة الثانية وأصبح ممنوع علينا الحركة وبقيت مع أسرتي داخل البيت، وللمرة الأولى في حياتي أشعر أنني سجينة بالفعل. وشعرت بالغضب، وكانت التسلية الوحيدة أمامنا مشاهدة التليفزيون، لكن الصور التي كانت تعرض على محطات التليفزيون في العالم كانت تصورنا على أننا أناس يملؤهم الغضب فقط. لكني جزء من المجتمع الفلسطيني، ولذا خرجت مع الذين أصروا على الخروج وممارسة الحياة ولو حتى انتظرنا أكثر من ساعتين على حاجز تفتيش إسرائيلي. لم نجعل أي شئ يحول بيننا وبين ممارسة حياتنا العادية. في هذه الفترة كنت أقرأ في الفولكولور العربي وكنت أيضا أكتب. وقد وجدت في الفولكولور حكاية المر والرمان.. هناك داخل كل رمانة بذرة واحدة تأتي من الجنة. وبدأت أبحث في هذا الموضوع، إن هذه الرمانة هي رمز للأمل في الحياة، والمر أو المرارة هي الجانب السيء في الحياة.. هذه هي حياتنا.. مزيج من الإثنين.. ومن هنا كانت علاقتي بالموضوع.
إنني أروى في هذا الفيلم قصة امرأة تتزوج ثم يعتقل زوجها فتصبح زوجة سجين، وهي أيضا راقصة في فرقة للفولكلور الفلسطيني، وتجد نفسها سجينة مرتين: أولا داخل جسدها لأنها غير مسموح لها بالرقص كونها زوجة سجين، وثانيا سجينة في مجتمع الاحتلال والحصار.
- قبل هذا الفيلم هل كانت لديك تجربة في السينما.. في إدارة الممثلين؟
- هذا الفيلم أخذ ست سنوات من حياتي.. قبل أن يتحقق. وخلال هذه الفترة أخرجت عدة أفلام وثائقية وفيلمين قصيرين الأول دقيقتان ضمن فيلم أخرجه ستة مخرجين عن جوائز السينما الأوروبية، والثاني اسمه "ياسمين تغني". وعندما بدأت العمل في "المر والرمان" أجريت اختبارات لأكثر من مائة ممثل وممثلة.. كنت أبحث عن ممثلين يصلحون للأدوار في كل مكان: في الأردن وفلسطين ولبنان وفرنسا وأمريكا إلى أن اخترت الأفضل.. وكنت سعيدة الحظ أن أعمل مع هذا الفريق من الممثلين الموهوبين. وقد اشتركوا في العمل معي أنا التي تقف للمرة الأولى وراء الكاميرا، وهم سعداء يملؤهم الحماس. لقد كانت التجربة رائعة. كنا نعمل كعائلة واحدة. وكانوا يتعاونون معي في إنجاز الفيلم وفي تقديمي لعائلات فلسطينية أخرى.
وعندما جاءت المصورة ناقشت معها كيف يمكن أن تروي كل لقطة شيئا ولا يكون الهدف من التنويع في اللقطات مجرد الانتقال بين صورة وصورة أخرى لها حجم مختلف. كنا مثلا نناقش كيف يمكن أن نصور شخصية البطلة التي هي راقصة ومن أي زاوية، وكيف يكون من الأفضل أن نصور باستخدام الكاميرا المحمولة على الكتف (المهتزة) مشاهد مصادرة الأرض، كنا نريد أن يرى المشاهد الفيلم بإحساس جديد يختلف عن المتابعة الآلية لزوايا التصوير كما درسناها.
كنا نناقش الألوان التي نريد استخدامها في الفيلم. الأحمر معادل للحياة، والأخضر.. ركزنا على هذين اللونين، على ألوان العلم الفلسطيني.. ألوان فلسطين المنسية في السينما فدائما ما نرى الأشياء أسود وأبيض، فقد اثر الاحتلال كثيرا على رؤيتنا للأشياء. لقد أردنا أن نحتفل بفلسطيني الجميلة في هذا الفيلم.
- أريد أن أسالك عن اختيارك للممثلين.


- ياسمين المصري التي تقوم بالدور الرئيسي (قمر) هي ممثلة فلسطينية تعيش في لبنان، وقد لعبت دورا رئيسيا في فيلم "سكر بنات"، ومن حسن الحظ أنها تحمل الجنسية الفرنسية أيضا ولذلك تمكنا من ادخالها إلى القدس ورام الله. وهي أيضا راقصة، ولذا كانت مناسبة تماما للدور. وخصوصا أنها كانت المرة الأولى التي تأتي فيها إلى فلسطين، فهذا العامل كان شديد الأهمية بالنسبة للفيلم، فقد كنت أريد أن أصور لحظة اللقاء الأول، إنها تلعب دور عروس جديد تذهب لكي تعيش في رام لأول مرة في حياتها، ولم تكن تشعر بالراحة مائة بالمائة.. هذا الشعور بعدم الراحة، أو بالقلق كان حقيقيا لدى الممثلة وأردت الاستفادة من ذلك في الفيلم. أما أشرف فرح الذي يلعب دور زيد (الزوج) فلم يسبق له التمثيل من قبل، ولكن عندما وضعت الإثنان معا كان هناك نوع من الانسجام في الأداء فيما بينهما على الفور. أما علي سليمان الذي لعب دور قيس مدرب الرقص، فهو مناسب تماما للدور، ففي عينيه حزن خفي، وهو يتمتع أيضا بالرقة والحنان، كان لديه كاريزما معينة تخفي ألما وتجربة إنسانية عريضة. أما هيام عباس التي تلعب دور أم حبيب فلم يكن عليها أي نقاش. لقد جاءت وارتدت الدور وكأنه مصنوع خصيصا لها ومنحته أبعادا أعمق.
- كيف كانت تجربة التصوير في رام الله والقدس، وما هي المشاكل التي واجهتك هناك؟
- كانت تجربة شديدة الصعوبة. لقد أجرينا الكثير من التحضيرات والاستعدادت. ذهبنا إلى مواقع التصوير، ودرسنا كل شئ، ماذا سنفعل وماذا نريد، وكيف ستتحرك السيارات، وكم أفراد طاقم التصوير، وما هي المشاكل التي يمكن أن تقع لنا وكيف يمكننا التغلب عليها، هل في هذا المكان حاجز اسرائيلي، وماذا سنفعل إذا أوقفونا وما هو البديل لهذا الموقع.. إلخ. - لقد حاولنا بقدر الإمكان أن نتحسب لكل شئ، لكن التصوير في واقع تحت الاحتلال يجعل الأشياء عرضة للمزاجية والعشوائية، فمن الممكن أن يكون مزاج الجندي الاسرائيلي متعكرا فيقرر أن يوقف التصوير مثلا. كان لدينا طاقم تصوير وممثلين من حيفا وعكا ونابلس وايطاليا وفرنسا وفلسطينيون من غزة ولبنان، وكانت كل جماعة من جهة ما تحمل بطاقات لها لون معين. وكانت هناك مشاكل في انتقال الممثلين بسبب قرارات المنع الاسرائيلية التي تحظر مثلا انتقال أي شخص من القدس وحيفا ويافا ممنوع يدخلون إلى الضفة، والقادمون من غزة والضفة ممنوع دخولهم للقدس.. وهكذا كان هناك كابوس لوجستي.
- أخيرا.. لمن صنعت هذا الفيلم: هل للجمهور في العالم الخارجي أم للجمهور الفلسطيني، وهل عرض في فلسطين؟
- آمل أن يتمكن هذا الفيلم من التحدث بلغتين، فأنا لم أصنعه فقط للعرض في الداخل ويلقى التقدير ولا يصل للجمهور في العالم الخارجي، خصوصا في الغرب، ليس كافيا، والعكس صحيح أيضا. إنه يصور جانبا من حياتنا ومن معاناتنا وهذا الجانب من المهم أن يصل وهو لم يعرض بعد في فلسطين وهو لم يعرض بعد في الداخل لكنه سيعرض قريبا في مارس، ولكنه عرض في مهرجان دبي السينمائي ولقى استجابة جيدة.

الاثنين، 2 فبراير 2009

«فرنسية» فيلم مغربي يجسد أزمة الهوية وكراهية الذات




من الأفلام "العربية" التي عرضت بالدورة الثامنة والثلاثين لمهرجان رورتردام السينمائي اخترت أن أتوقف أمام فيلم "فرنسية" Francaise، هذا الفيلم المصنف علي اعتبار أنه من الإنتاج المشترك بين فرنسا والمغرب، في حين أنه فيلم أجنبي بكل معني الكلمة، وإن كان أحد الأفلام التي تحصل علي دعم مالي من المركز السينمائي المغربي، التي أشار إليها الناقد مصطفي المسناوي، في مقال حديث له أثار ضجة كبيرة، حين قال (بالحرف) "إن كل الخطاب الرسمي الذي تم تداوله في وقت من الأوقات عن "دعم السينما المغربية" ( بأموال دافعي الضرائب) قد انتهي عمليا إلي دعم وتشجيع شركات الإنتاج الأجنبية خاصة الفرنسية".
وقال المسناوي أيضا في مقاله المشار إليه: إن السينما المغربية التي يحتفل البعض هذا العام بالذكري الخمسين لظهورها (وهو تاريخ غير صحيح) لم تنجح طيلة نصف قرن من الزمان في إعطائنا ولو تقنيا (أو فنيا) واحدا مختصا بالمونتاج (من مراجعة الأفلام الطويلة المشاركة في مهرجان طنجة ويبلغ عددها 14 فيلما نجد أن 10 من بينها أنجز عملية "مونتاجها" أجانب). الفيلم من سيناريو وإخراج سعاد البوحاطي، والفيلم الروائي الطويل الأول لهذه المخرجة المغربية، التي تقيم وتعمل في باريس منذ أن أنهت دراستها للسينما في السوربون. وباستثناء ذلك فكل العناصر الفنية في التصوير والمونتاج والديكور والموسيقي وغيرها، من الفرنسيين. وهو من إنتاج جاك كيرسنيه وديفيد لوفافر.

مشكلة الموضوع والفكر
لكن المشكلة لا تتمثل فقط في هذا الجانب، أي جانب الإنتاج والتقنيين، بل أساسا، في موضوع الفيلم نفسه.
يطرح الفيلم مشكلة عجز الجيل الثاني من أبناء المهاجرين المغاربة، الذين ولدوا ونشأوا في فرنسا، عن قبول فكرة العودة إلي الوطن "الأصلي"، وعدم التكيف مع الواقع المغربي بعد العودة، والإحساس بالاغتراب عن الواقع ونمط الحياة المغربية، والحلم بالعودة إلي ما يعتبر "الوطن الحقيقي" أي فرنسا.
هذه الأزمة تعبر عنها مخرجة الفيلم ومؤلفته، من خلال الفتاة "صوفيا" التي تولد وتقضي سنوات عمرها الأولي في فرنسا، وترتبط بصداقة مع فتاة فرنسية من نفس عمرها، إلا أن والدها يقع في المشكلة التي قد تواجه المغتربين جميعا في أي وقت، أي البطالة، فيقرر العودة إلي المغرب مع أسرته المكونة من الزوجة والأبناء الثلاثة صوفيا وشقيقها وشقيقتها رغم احتجاج صوفيا ورفضها ومقاومتها الشديدة للرحيل.
وتعود الأسرة بالفعل إلي المغرب، ويتعاون أفرادها جميعا في زراعة قطعة من الأرض في منطقة ريفية خلابة بمناظرها الساحرة، وتقطن الأسرة في منزل يبدو كالقصر بمقاييس المغرب (والمشرق أيضا!)، وتمر عشر سنوات، وتكبر صوفيا وتصبح فتاة مراهقة متفتحة بالأنوثة وبالإحساس بذاتها وخصوصية شخصيتها.
ومرة أخري تعود صوفيا إلي التفكير في فرنسا التي تراها جنة الأرض بالنسبة لها، وتعبر بكل الطرق عن رفضها العيش في المغرب ورفض الارتباط بأي شخص فيها، وتتوتر علاقتها بشقيقتها وبوالدتها، وتتمرد حتي علي الدراسة في المدينة لأنها تعيش في بيت للطالبات تجده معادلا للسجن.

وطأة القيود
ولا تقدم المخرجة تفسيرا لهذا الرفض، ولا لذلك الحنين الذي لا يفتر أبدا إلي فرنسا، بل علي العكس مما يمكن أن يتوقعه المشاهد، يصور الفيلم التناقض بين الحياة الجافة للأسرة في فرنسا، كما يشير، وإن علي استحياء، إلي الروح العنصرية الكامنة لدي الفرنسيين تجاه المهاجرين من خلال طريقة تصرف المدرسة مع صوفيا، في حين يصور علي الجانب الآخر، كيف تتغير أحوال الأسرة إلي الأفضل بعد عودتها إلي المغرب، لكن إحساس صوفيا بالرفض يتصاعد، فهي تشعر بوطأة القيود التي يفرضها المجتمع علي الفتيات من سنها، فممنوع عليها الذهاب إلي المقهي، وممنوع أن تتأخر في الخارج بمفردها، والمصير الطبيعي لها أن ترتبط بشاب تتزوجه فيما بعد، وأن تواصل الدراسة، وتساعد الأسرة في العمل بالأرض، لكنها ترفض الاستسلام لهذه كله، وتواصل مسلسل الهرب من الواقع، وترفض الحديث إلي أفراد أسرتها، رغم معاملة والدها اللينة لها.
وأخيرا تنتصر إرادة الخروج، أي التحرر من أسر مجتمع المغرب، وتحصل صوفيا علي جواز سفرها، ونراها في المشهد الأخير من الفيلم بعد أن نضجت من خلال الاستقلال عن الأسرة، والعمل بإحدي الشركات في العاصمة، وهي تشق طريقها بعزم وتصميم، بعد أن حزمت أمرها علي الرحيل إلي فرنسا.

إشارات عابرة
مرة أخري ليست هناك مبررات "ظاهرية" أو خارجية في الفيلم لرفض صوفيا واقعها، مثل الفقر والتخلف، باستثناء إشارات عابرة كما في مشهد تستعرض فيه الكاميرا المتحركة من سيارة، مظاهر البؤس والبطالة والفقر والبيوت المهدمة وتجمعات الشباب العاطل، أو عندما تستعين الأم بامرأة عجوز تستشيرها في مشكلة صوفيا فتقترح المرأة وضع "تعويذة" في غرفة الفتاة.والواضح أن هذا القدر من التجريد الاجتماعي، إذا جاز التعبير، مقصود للإيحاء بأن هناك قوة أخري سحرية تربط بين الفتاة وبين فرنسا، قوة تتجاوز المادة المنظورة وتبدو كنداء غامض أقرب إلي"النداهة".
إن الفتاة تردد طوال الفيلم عبارة "أنا فرنسية.. وكني هناك.. لقد ولدت هناك وأنتمي إلي فرنسا". إنها بشكل واضح، ترفض هويتها المغربية "المكتسبة" بحكم العلاقة مع الأهل. فماذا يريد الفيلم أن يقول لنا من وراء هذه الفكرة؟
إن خطورة هذه "الرؤية" السينمائية لأزمة فتاة تنضج في مجتمع لم تولد فيه، أنه يروج لفكرة ضارة عن العلاقة بين الشرق والغرب، تتلخص في أن الشخص الذي يولد في الغرب يصبح منتميا "ثقافيا" رغما عنه وبقوة أكبر من أي قوة أخري، إلي ذلك الغرب حتي لو كان كل ما في جذوره وتاريخ عائلته يربطه ثقافيا ومعرفيا بالشرق.
"كراهية الذات" هذه تخلق إشكالية من نوع آخر، فإذا كان "الجيل الثاني" أو الثالث، يري أن وطنه الحقيقي في فرنسا وليس في المغرب، فهل ستقبل فرنسا بسعادة هذا الانتماء وتحتضنه وترحب به، بل تتعامل مع صاحبه علي قدم المساواة مع أبناء "السكان الأصليين"!
دور آخر يتناسب تماما مع شخصية حفظية حرزي التي تألقت في فيلم "كسكسي بالسمك" (يترجمه البعض في مصر "أسرار القمح"!) بتمردها وجموحها وصلابتها وقوة شخصيتها التي تجعلها تجرف في طريقها كل شيء، مصممة علي المضي قدما في مسعاها ومبتغاها، حتي يتحقق لها ما تريد. تري.. ماذا حققت بعد ذلك ياتري!

الأحد، 1 فبراير 2009

موسم جوائز السينما: العم أوسكار واخواته

ماريون كوتيار بعد حصولها على الأوسكار


موسم الجوائز بدأ قبل فترة مع الإعلان عن جوائز ما يسمى بجولدن جلوب ثم ترشيحات جوائز الأوسكار الأمريكية، وبافتا البريطانية وسيزار الفرنسية.. أشهر ثلاث مسابقات للجوائز في العالم بحكم التاريخ الكبير للسينما في الدول الثلاث.
الغريب في أمر الأوسكار الأمريكي أنه قرر منذ سنوات عديدة منح جائزة لأحسن فيلم أجنبي (أي غير ناطق بالانجليزية فاللغة هنا هي المعادل للقومية وهذا تصنيف واضح على الأقل وليس شأن السائد لدينا من فوضى، فنحن نقول فيلما عربيا لكل ما ينتج في أي مكان في العالم من إخراج مصطفى أو رشاد أو جميل حتى لو كان ناطقا بلغة الجن والعفاريت!).
أما الغريب أن الأوسكار الأمريكي قرر في السنوات الأخيرة منح جوائز أخرى قد تكون أفضل فيلم مثلا أو أفضل تمثيل لفنيين وممثلين في هذا الفيلم نفسه المصنف باعتباره أجنبيا كما حدث العام الماضي عندما حصلت الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في الفيلم الفرنسي "الحياة وردية"، وهو نوع من الفوضى التي لا يمكن تبريرها.
وقد فشل الاتحاد الأوروبي في إقامة "صرح" يضارع الأوسكار الأمريكي بجوائزه التي تمنح سنويا أيضا وتحاط بالأضواء، لكن لم يعد أحد ينتظرها منذ فترة طويلة أو يهتم بها.
وكان الأوروبيون قد أطلقوا على جوائزهم في البداية، عند تأسيس المسابقة عام 1988، اسم "فيليكس" (اسم سخيف قد يصلح اسما لكلب أو قط) ثم أقلعوا عن استخدام فيليكس وأصبحوا يكتفون بأن يطلقوا عليها "جوائز السينما الأوروبية". وقد منحت آخر مرة في ديسمبر 2008 ونال فيلم "جومورا" الإيطالي جائزة أحسن فيلم.
وأسخف ما وجدت أن البريطانيين رشحوا تقريبا نفس الترشيحات الرئيسية التي رشحها الأمريكيون للأوسكار مع بعض التنويعات البسيطة في الفروع الأخرى، لكي يثبتوا أنهم "مستقلين"، وهو المبدأ المتبع في السياسة البريطانية منذ تشرشل، فبريطانيا معروفة كـ "ذيل" لأمريكا سياسيا لكنها تحب أن توهم نفسها وشعبها بأنها مستقلة ولو حفاظا على الشكل.
أما الفرنسيون فهم من أنصار "التميز الخاص" المفتعل بحكم الاصطناع الكامن في اللغة نفسها وطريقة التعبير، فلو قلت لأي فرنسي من الطبقة الوسطى المثقفة مثلا أنك معجب بالخبز الفرنسي لربما يرد عليك بسؤال مثل: وهل تحب اختلاس القبلات؟
وكان يوسف شاهين – رحمه الله- يميل إلى كتابة السيناريو والحوار بالفرنسية أولا لكي يعرضه على الفرنسيين للحصول على التمويل، ولذلك كان يمكنك أن تجد في حواراته بعض الطرائف، كان تسأل داليدا مثلا محسن محيي الدين في فيلم "اليوم السادس" قائلة: إنت بتبصلي في عينية كده ليه؟
فيرد عليها قائلا: علشان ما بعرفش أطلع على اكتاف حد!
ما هي العلاقة؟ ابحث في طريقة التعبير "البورجوازية" الفرنسية.
وحسب التميز الخاص يختار الفرنسيون منح جوائزهم لأفلامهم ولا يخصصون جائزة لأحسن فيلم أجنبي ربما لأن معظم المخرجين المتميزين في السينما الفرنسية عمليا من الأجانب (جول داسان الأمريكي، جودار السويسري، كوستا جافراس اليوناني، عبد اللطيف قشيش التونسي، راؤول رويز التشيلي، رشاد بوشارب الجزائري، رومان بولانسكي البولندي، أندريه ديلفو البلجيكي، أوتار يوسيلياني الجورجي، وغيرهم كثيرون).
في مصر مهرجان للسينما المصرية تقيمه الدولة سنويا يعرف باسم المهرجان القومي للسينما المصرية ويمنح جوائز مالية لكن سمعته سيئة لأنه حكر على شخص واحد يديره، هذا الشخص مهما حاول أن يبدو نزيها لا يستطيع، ليس فقط بحكم تربعه على المنصب منذ سنوات طويلة تماما مثلما يحتكر شخص آخر السلطة السياسية لنفسه (وربما لأولاده من بعده)، ويحتكر وزيره "الفنان" السلطة منذ 22 عاما، ولكن أيضا بسبب مصالحه الشخصية التي باتت متعددة ومتشعبة وتداخلت معا بطريقة شائنة في عهد "الفنان". أما المهرجان الأهم الذي يلقى احترام كل السينمائيين المصريين فهو مهرجان جمعية الفيلم الذي لا يمنح جوائز مالية بل مجرد شهادات ورقية، من خلال لجنة تحكيم متخصصة تتمتع بالمصداقية لا يعينها جهاز حكومي بل أعضاء مجلس ادارة تلك الجمعية التي نشأت أصلا كجمعية لهواة السينما.
أما في المغرب فقد أصبح يقام بانتظام منذ عشر سنوات مهرجان الفيلم الوطني في طنجة. وقد منح هذا المهرجان جائزة أحسن فيلم لفيلم "أجنبي" ناطق بالانجليزية يدعى "كل ما تريده لولا" الذي سبق أن أوليناه اهتماما كافيا في هذه المدونة.. وابحث تجد ما تريد!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger