السبت، 31 يناير 2009

ذاكرة السينما والتاريخ في روتردام



عودة رائد السينما التشيكية الجديدة - القديمة


من أهم "الأحداث" السينمائية هنا في مهرجان روتردام السينمائي هذا العام عرض الفيلم التشيكي "فتاة دينو فيراري" The Ferrari Dino Girl (لا أدري لماذا أصبح المخرجون الكبار يفضلون إطلاق أسماء طرز سيارات شهيرة قديمة على أفلامهم فقد أطلق كلينت إيستوود على أحدث أفلامه كمخرج اسم "جران تورينو" Gran Torino).
أما "فتاة الفيراري" فهو فيلم غير خيالي non- fiction للمخرج الأسطور التشيكي يان نيمتش Jan Nemec الذي اعتبر رائدا حقيقيا للسينما التشيكية الجديدة التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي متأثرة بالموجة الجديدة الفرنسية، وكانت تقدم أفكارا شديدة الجرأة، شكلا ومضمونا- وتسبح ضد التيار السائد في السينما الذي عرف باسم "الواقعية الاشتراكية".
الحفل الضيوف
كان نيمتش صاحب فيلم "تقرير عن الحفل والضيوف" O slavnosti a hostech الذي اعتبر من أكثر الأفلام التشيكية نقدا للستالينية، بل وكانت الشخصية الرئيسية فيه ترمز إلى لينين نفسه.
وقد ظهر الفيلم عام 1966 أي قبل عامين من "ربيع براغ" أي تلك الحركة التي تزعمها الأمين العام للحزب الشيوعي نفسه الكسندر دوبتشك لتجديد الاشتراكية وجعلها ديمقراطية شعبية عن حق، والاستجابة لمطالب النخبة في ضرورة إتاحة حرية الفكر والنقد والانتقال.
وكانت أساسا حركة مثقفين لاقت تأييدا كبيرا وانتهت كما هو معروف تاريخيا، بدخول قوات حلف وارسو العاصمة التشيكية براغ، وإخماد الحركة واعتقال زعمائها وإعادة النظام القديم، فقد كانت نظرة الكرملين أنها "ثورة مضادة" يجب قمعها كما فعلوا في المجر عام 1956.
يان نيمتش من مواليد 1936 أي أنه كان في الثلاثين من عمره وهو يتألق ويقدم تحفته السينمائية "تقرير عن الحفل والضيوف" لكنه حاضر في روتردام بفيلمه الأحدث (يقول هو إنه قد يكون الأخير فالرجل يعاني من تدهور في حالته الصحة وقد أجرى جراحتين في الفترة الأخيرة، وبالتالي غاب بشخصه عن المهرجان وحضر بتاريخه وفيلمه).
الغزو السوفيتي
والفيلم يقدم ويروي ويستعرض تفصيلا .. كيف كان نيمتش السينمائي التشيكي الوحيد الذي تجرأ وصور فيلما وثائقيا عن الغزو السوفيتي (أو اقتحام قوات حلف وارسو) عاصمة بلاده.
وكان من أوائل الذين عرفوا بوصول القوات في الرابعة صباحا، وسار مع رفاقه في الشوارع وهم يصيحون بأعلى أصواتهم، ينبهون السكان إلى الخطر القادم، والسكان، كما يروي في الفيلم، ينهروهم باعتبارهم مجموعة من الشباب العابث فلم يكن أحد يتخيل أن موسكو ستجنح إلى على اختيار التدخل العسكري.
يعود نيمتش اليوم في هذا الفيلم، من خلال شخصية مخرج يلعبها ممثل، إلى الأماكن الحقيقية التي صور فيها ومنها الدبابات السوفيتية والناس يتجمهرون حولها، حرق الحافلات، واطلاق الرصاص، محاصرة جسور براغ الشهيرة ومنها أشهر وأعرق جسر في العالم وهو جسر تشارلز أو فاكلاف الذي يعود إلى القرن الرابع عشر (قمت بزيارة براغ مرتين واعتبرها من أجمل مدن أوروبا).
رحلة فيلم
ويروي الفيلم أيضا كيف تم تهريب نيجاتيف الفيلم وتسليمه للتليفزيون النمساوي قبل أن تصبح اللقطات التي صورها نيمتش أشهر اللقطات التي عرضت في العالم كله لدخول القوات إلى براغ. وقد تمكن نيمتش من اخراجها من تشيكوسلوفاكيا مع صديقة له، مشروع ممثلة شقراء برفقة صديق لها، بينما منعته السلطات من الخروج لكنه عاد وتحايل حتى يمر عبر الحدود وقام بنفسه بتسليم الفيلم إلى المسؤول النمساوي ولم يعد نيمتش إلى بلاده إلا عام 1989 بعد سقوط النظام السابق، وعمل وعاش أولا في ألمانيا ثم في الولايات المتحدة.
شخصية الممثلة والصديق يعاد تجسيدهما في الفيلم بممثلة وممثل، ويعود نيمتش إلى المنطقة الحدودية التي شهدت خروجهما، ويروي عن طريق صوت المعلق الكثير من التفاصيل التي تتعلق بالفترة، ويشرح كيف أنه فشل أولا في إقناع حراس الحدود بأنه إيطالي بعد أن ظل يردد كلمات إيطالية لا معنى لها واضح أنه حفظها من الأفلام، ثم كيف عاد واعترف بأنه تشيكي وقدم لهم جواز سفره.
ويروي أن الجنود السوفيت لم يفهموا شيئا مما حدث وكانوا يتطلعون إلى زملائهم التشيك الذين كان واضحا أنهم متعاطفين مع نيمتش بل إن أحدهم اقل له في النهاية: إن الجمهورية التشيكية ستبقى، وهو ما يدل على اشتعال الروح الوطنية بسبب صدمة الغزو السوفيتي.
مؤخرا فقط تمكن نيمتش من العثور على النسخة السلبية من فيلمه الوثائقي عن اقتحام براغ أو "اغتصاب تشيكوسلوفاكيا" كما يصفه هو. وهو يستخدم ذلك الفيلم القديم داخل الفيلم الجديد ويعرض كامل اللقطات التي اقتنصها بصحبة مصور بارع كان يصور أحيانا من داخل سيارة، وأحيانا في عرض الطريق، وتعرض الاثنان للموت عدة مرات، وكانا يلجآن إلى التصوير من داخل مساكن لا يعرفون أصحابها بل كان نيمتش يدق الباب وتفتح له سيدة مثلا، فيطلب الدخول للتصوير من شرفة مسكنها.. وهكذا.
خفة غير محتملة
لم تكن كاميرا الفيديو قد ظهرت وانتشرت على نحو ما نعرف اليوم، وكان نيمتش قد اتصل بمدير شاب للاستديو السينمائي الذي كان يعمل له وكان بالطبع من القطاع العام أي خاضع للدولة، وطلب منه ارسال مصور مع بعض عُلب الفيلم الخام على الفور، واستقل الاثنان سيارة نيمتش وشرعا في تصوير تلك الأحداث التاريخية الدرامية التي أعاد المخرج الأمريكي فيليب كوفمان تجسيدها في فيلمه الشهير "خفة الكائن غير المحتملة" The Unbearable Lightness of Being المقتبس من راوية للكاتب التشيكي الاصل ميلان كونديرا.
أما الفتاة الشقراء التي حملت نسخة الفيلم في حقيبة وتمكنت من خداع السلطات زاعمة أنها ايطالية الجنسية فقد كانت تقود سيارة فيراري، في حين أن نيمتش، كما يقول في فيلمه الجديد، كان يقود الطبعة الشعبية أي سيارة من نوع فيات.. لعله لايزال يحتفظ بها حتى اليوم!
لقاء مع شابرول
ولعل من أكثر الجوانب طرافة في الفيلم ما يرويه نيمتش عن أنه عندما كان في نيويورك، طلب المخرج الفرنسي الشهير كلود شابرول، وهو أحد رواد الموجة الجديدة مقابلته، وعندما التقيا بادره شابرول بالتساؤل عن الفيلم الوثائقي الذي سمع أنه صوره.. فأخذ نيمتش يروي له تجربته في تصوير الفيلم، فلم يبد أي حماس على شابرول الذي علق قائلا بنوع من الدهشة: ولكن السوفيت على حق فتشيكوسلوفاكيا تابعة لهم.. لقد كسبوها.
وكان رد نيمتش: كلا.. نحن لسنا تابعين لهم. فقال شابرول: لقد جاءت الدبابات عام 1945 لكي تحرر تشيكوسلوفاكيا من النازية.. فرد نيمتش قائلا: لكنهم انسحبوا وتركونا. فعلق شابرول دون يأس: لكنها أصبحت تابعة لهم هم حرروها بالدبابات وبالتالي أصبح هناك قانون الدبابات التي يمكنها أن تحضر في أي وقت.. فما هي المشكلة، تماما كما أصبحت بلدان أخرى تابعة للأمريكيين الذين اكتسبوها بالحرب. هذا قانون المنتصر في الحرب.
بعد برهة قال له شابرول: أنت مخرج موهوب قدمت "تقرير عن الحفل" الذي أعرف أنه كان فيلما جيدا، وأنت تستطيع أن تقدم أفلاما فيها الكثير من الجرأة من خلال خيالك الفني الخصب، فلماذا تشغل نفسك بأفلام وثائقية حول قضايا تحسمها الدبابات سيختلف حولها التاريخ، فضلا عن أن أحدا لا يريد أن يراها!
يعلق نيمتش في الفيلم على عبارة شابرول الأخيرة قائلا: ربما كان شابرول على حق!

الجمعة، 30 يناير 2009

روتردام: إغلاق مجلة سينمائية عظيمة


* مسلسل توقف وإغلاق مجلات السينما المتخصصة في الثقافة السينمائية الرفيعة مستمر مع الإعلان خلال مهرجان روتردام المنعقد حاليا عن توقف إحدى أهم مجلات السينما الأوروبية وهي مجلة "سكرين" Skrien أو الشاشة الهولندية بعد أربعين عاما من الصدور المنتظم شهريا.
وأعلن رئيس تحرير المجلة، أندريه واردين، أن "مجلس الثقافة" الحكومي الذي كان يدعم المجلة ماليا قد أبلغ هيئة التحرير قبل ستة أشهر من احتفالها بعيد ميلادها الأربعين في نوفمبر الماضي، أن الدعم سيتوقف.
هل هذا نتاج للأزمة الاقتصادية العالمية؟ رئيس تحرير "سكرين" يستبعد أن تكون الأزمة هي السبب، ويضيف أن المجلس الحكومي لدعم الثقافة لا يرغب في دعم مشاريع ثقافية بل يفضل الاستثمار في مشاريع تحقق ربحا من الناحية التجارية.
بعد أن أبلغت ادارة المجلة من طرف وزارة الثقافة الهولندية بوقف الدعم اعتبارا من أول يناير الجاري بحثت هيئة التحرير عن جهة أخرى تدعمها لكي تستمر في الوجود لكنهم فشلوا في ذلك.
هذا هو الجانب السيء من الخبر.
أما الجانب الجيد فيتلخص في أن المديرة السابقة لمهرجان روتردام (أجريت معها مقابلة منشورة قبل 3 سنوات) ساندرا دن هامر التي تركت المهرجان لكي تتولى إدارة متحف السينما في أمستردام، تعتزم إصدار مجلة جديدة بعنوان جديد وقد عرضت أن يتعاون طاقم تحرير مجلة "سكرين" مع المجلة الجديدة التي ستصدر على غرار "سايت آند ساوند" التي يصدرها مركز الفيلم البريطاني الذي يحصل على دعم مالي من وزارة الثقافة البريطانية ومهمته الحفاظ على السينما كثقافة وتاريخ، ورعاية دار المحفوظات السينمائية (الأرشيف)، وعرض مختارات من الأعمال السينمائية الفنية على مدار العام من خلال نافذة عروضه في "مسرح الفيلم الوطني".
يقول أندريه واردين إن المجلة السينمائية الجديدة ستصدر اعتبارا من الخريف القادم، وسيتركز اهتمامها أيضا على قضايا السينما الفنية، سينما المؤلف، وتاريخ السينما، وقضايا الثقافة السينمائية والتذوق.
لكنه يعلق بحزن قائلا إن النقاد في هولندا يفقدون وظائفهم، والصحف لم تعد ترحب بالنقد بل تفضل الكتابة عن نجوم السينما.. أليس الحال من بعضه كما يقولون!
* سوق الأفلام في روتردام اختتمت أمس، ولوحظ احجام الموزعين البريطانيين الباحثين عن الأفلام الفنية المتميزة عن الدخول في صفقات هنا ، والسبب الأساسي اقتصادي بحت أيضا، أي تدهور قيمة الجنيه الاسترليني أمام العملية الأوروبية (اليورو) وامام الدولار الأمريكي. وهو ما يجعل الأسعار أكثر ارتفاعا عما كانت عليه بكثير في الصيف الماضي قبل أن تلقي الأزمة العالمية بثقلها.

الخميس، 29 يناير 2009

عن الوجود العربي والإيراني في روتردام

من الفيلم الإيراني "كن هادئا وعد إلى سبعة"
انتشال التميمي مع هاني قرط منتج فيلم "المر والرمان" الفلسطيني

الأفلام "العربية" أو الناطقة بالعربية أو التي أخرجها مخرجون من العالم العربي (قل ما تشاء فأنا لم أعد قادرا على استخدام التعبير الصحيح فالأشياء تتغير يوميا) ليست بوفرة ما كان متاحا هنا العام الماضي والأعوام السابقة.
ما السبب؟ هل هي سياسة المدير الجديد للمهرجان روتجر ولفسون؟
الصديق انتشال التميمي المسؤول عن اقتراح واختيار الأفلام العربية ينفي ذلك ويقول إن المدير الجديد لا يتمتع بالخبرة وبالتالي فالأمر في معظمه، في أيدي مجموعة المبرمجين الذين يمكنهم فرض ما يريدونه عليه لأنه مازال يتلمس خطاه.
الاهتمام السياسي كالعادة ينعكس على الاختيارات، فإيران التي اختفت من خريطة معظم المهرجانات أو لم تعد تتمتع بنفس ما كانت تتمتع به من وجود بارز قبل سنوات، عادت بعدد من الأفلام إلى روتردام وإن كانت تعاني من المواهب الحقيقي المتألقة، فقد قضى صاحب التعليقات النارية الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد، على الانتعاش ومناخ الحرية النسبية الذي كان سائدا خلال سنوات التسعينيات في السينما الإيرانية.
هناك بعض المخرجين ممنوعون من العمل عقابا لهم على ما اقترفت أيديهم.. مثل المخرج الإيراني الكردي الموهوب بهمن قبادي بسبب اخراج فيلمه البديع "نصف القمر" Half Moon
وهناك سينمائيون آخرون فضلوا الرحيل عن إيران كلها والاستقرار في الخارج وعمل أفلامهم هناك، كما فعل أهم السينمائيين الإيرانيين المخرج محسن مخملباف منذ سنوات، الذي صار "مؤسسة" في حد ذاتها مع بناته وأولاده.
والملاحظ أيضا أن مساهمة المخرجات (النساء) في السينما الايرانية قلت كثيرا جدا أو خفتت، والسبب أن أحمدي نجاد يكرس صورة المجتمع الذكوري، الجاد المتجهم، الذي يهدد بأنه سيرد الصاع صاعين، وبالتالي يخفت التعبير النسائي الرقيق بطبعه ويصبح صوته أضعف كثيرا.
وقد كان رأيي ولايزال، أن المرأة في أي مجتمع، أكثر تقدما في أفكارها بكثير، عن الرجل، بل وأكثر استعدادا لتقبل الأفكار الجديدة التي تعيد النظر في الأفكار والمفاهيم السائدة، وهو أمر طبيعي في اعتقادي، بحكم التاريخ الطويل من قهر المجتمع الذكوي للمرأة، تارة باسم القيم والتقاليد، وتارة أخرى باسم المعتقدات الدينية.
لم يشارك فيلم "خلطة فوزية" للمخرج المصري مجدي أحمد علي في المهرجان. وكنت قد سمعت في القاهرة أنه ذاهب بالتأكيد إلى روتردام فقلت لنفسي (إذن ستتاح الفرصة لمشاهدته هناك بعيدا عن المناخ العبثي السائد في القاهرة، وكأنها تشهد المرحلة الأخيرة من عهد كامل بكل ما يعنيه هذا من فوضى حتى في العلاقات الشخصية).
لكن الفيلم لا أثر له هنا. وقد سألت انتشال التميمي الذي أكد لي أنه كان قد اقترح عرض الفيلم وقدم للمهرجان نسخة رقمية (دي في دي) واختير بالفعل في التصفية الأولى، إلا أنهم استبعدوه في التصفية النهائية.
انتشال رأيه أن الفيلم جيد، وأنه لا يقل مستوى عن كثير من الأفلام المعروضة هنا من الشرق والغرب، بل يفوق الكثير منها، ويبدي تعجبه من استبعاده. لكن الرجل ليس أحد المسؤولين عن البرنامج، بل هو فقط يختار ويقترح ويرشد، ولهم القرار، وقراراتهم محسوبة في ضوء الاهتمامات السياسية للجمهور هنا.
وبالتالي كان هناك فيلم يمثل فلسطين، وفيلمان يمثلان لبنان (سياسيان بامتياز حسب التعبير اللبناني السائد في الصحافة والإعلام الذي يذكرني بأيام الدراسة الجامعية.. والحصول على شهادات التخرج بتقدير امتياز!) وفيلم رابع يمثل المغرب، وطبعا الفيلم "التجريبي" المشغول بنوع من المراهقة البصرية "داخل البلاد" الذي يمثل الجزائر رغم ابتعاده الكامل بصريا عن لغة الجزائر، وجماليات الحياة والواقع وايقاع البشر في الجزائر التي قضيت فيها نحو أربع سنوات من حياتي وأعرفها جيدا.
أخيرا.. يبدو أن الأزمة الاقتصادية الضاربة بأطنابها في حياتنا وحياة الأوروبيين، ستنعكس على مهرجان الفيلم العربي الذي يقام سنويا في روتردام، فقد سمعت أن الدعم الذي كان يحصل عليه المهرجان من السلطات المحلية (وقدره 75 ألف يورو) سوف يتوقف هذا العام. وسمعت أيضا أن مدير المهرجان والمؤسسة التي تتبناه يسعيان حاليا إلى القيام بنشاط آخر للإنفاق من دخله على المهرجان.."نشاط ثقافي"، وإن كان أمر هذا النشاط الثقافي الذي يمكن أن يحقق دخلا يظل لغزا بالنسبة لي!

نقاد الرقص مع بشير


كوني موجودا في روتردام لا يعني أنني لا أتابع ما يجري هنا وهناك، فقد ضحكت كثيرا على الفتوى التي أصدرها أخيرا أحد شيوخ النقد السينمائي عندما قال إن فيلم "الرقص مع بشير" الإسرائيلي رشح لجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي ليس لأنه إسرائيلي بل لأنه القائمين على جوائز الأوسكار في هوليوود من دعاة السلام.
وياله من اكتشاف يجب أن تهتز له الأرض بالفعل. صناع السينما في هوليوود من دعاة السلام؟
لابد أن نكون نحن من دعاة الحرب إذن!
هوليوود في أعلى مستوياتها معروفة باعتبارها جيبا رجعيا شديد التخلف والجمود فيما يتعلق بموضوع الصراع العربي الاسرائيلي تحديدا، وهم يدعمون اسرائيل في كل العصور والأزمنة بشتى الطرق، وأي فيلم اسرائيلي يلقى دعمهم وتأييدهم خصوصا لو كان من النوع الذي يساهم في تحسين صورة اسرائيل (الديمقراطية القادرة على انتاج أفلام وكتب واغاني، تنتقد السياسة الرسمية للدولة) فليس المهم حفنة أفلام بل أن يستولي جيش الدفاع الاسرائيلي المعروف بالجيش النازي الصهيوني، على الأرض، ويخضع سكانها، ويمارس ضدهم الإبادة الجماعية بانتظام.
ولم يسبق أن قدمت هوليوود في تاريخها كله فيلما واحدا يناصر الفلسطينيين.ربما يختلف عدد محدود جدا من الممثلين مع سياسة اسرائيل في الشرق الأوسط ويتحفظون عليها أو حتى يوجهون لها الإدانة مثل روبرت دي نيرو وودي أللين (وإن كنا لم نسمع له صوتا خلال غزو غزة)، لكن السائد والمستقر هو التأييد الأعمى لاسرائيل ليس فقط بحكم الأصول اليهودية الصهيونية لمعظم العاملين في الاستديوهات الكبرى، بل بحكم المصالح أيضا. وربما يكون دي نيرو قد أصبح أكثر توازنا بعد أن أصبحت له مصالح مع العرب (مع قطر تحديدا) التي سيحصل منها على 15 مليون دولار مقابل الاشراف على الطبعة القطرية من مهرجان ترابييكا الذي يرأسه الممثل الشهير!وطبعا لو كان عربي محترف من أصل أمريكي مثلا قد طلب نصف مليون دولار فقط من القطريين مقابل تنظيم مهرجان حقيقي كبير من الألف إلى الياء، ما كانوا دفعوا له فلسا واحدا (كيف يطلب هذا نص مليون.. هذا ما يسوا.. نبي أمريكاني أصلي مستورد ما يحشي عربي بالمرة)!
المثل المصري القديم جميل جدا لأنه يلخص الموقف في أن هذا ليس سوى (رزق الهبل على المجانين)!
وشوفوا حضراتكم كم تريليون سنحتاج لشراء ولاء العاملين في صناعة السينما الأمريكية بل والأغلبية المصوتة في الشعب الأمريكي قياسا على الـ 15 مليون التي استولى عليها دي نيرو رغم أنني من المعجبين به كممثل. وهو بالمناسبة غير مسؤول عن تصرفات السفهاء .. وأي شخص في مكانه كان سيقبل المبلغ ويضحك في كمه على هؤلاء البلهاء.. فلماذا تحتاج دولة "الجزيرة" لمهرجان سينمائي دولي، وهل هناك أصلا جمهور يمكنه أن يملأ قاعات العرض على مدى اسبوعين، ولماذا لا تكتفي قطر بمهرجانها الميت للأفلام التسجيلية المعروف بمهرجان أرناؤوط الدولي الطائفي.. وشعاره "ممنوع الدخول إلا لشركاء الأرناؤوط في البزنسة" وأشياء أخرى!
لكن هل لأرناؤوط هذا أي تاريخ سينمائي أم أنه مجرد ماكينة تنفيذ مسلسلات استهلاكية لا يراها أحد!
بالمناسبة أعضاء رابطة الأوسكار هم أساس صناعة السينما في هوليوود، وهم أكثر من ستة آلاف شخص من كل الفروع السينمائية وهم مجموع أعضاء هذه الرابطة التي يضفون عليها نوعا من القداسة العلمية بأن يسمونها أكاديمية بينما هي مجرد تجمع مهني، وسأطلق عليها منذ هذه اللحظة "رابطة" السينما الأمريكية أو رابطة الأوسكار استبدالا للإسم الضخم الذي يحمل من المعاني ما يتناقض مع طبيعته .. وتأملوا الإسم السائد (الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون السينمائية (مجرد احتيال أمريكي للإيهام بالعظمة)!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger