السبت، 24 يناير 2009

في مهرجان روتردام السينمائي

الجمهور داخل مجمع باثيه
شعار المهرجان (النمر) في كل مكان من المدينة

الطقس في روتردام ليس باردا كما اعتدنا في السنوات السابقة.. أي أنه بارد ولكن ليس إلى حد التجمد بل محتمل إلى حد ما.
جمهور المدنية في حالة احتفال كبير بالسينما والأفلام كعادته. زحام شديد على قاعات العرض وهي أساسا مجمع شاشات باتيه Pathe (8 قاعات)، وسينيراما (6 قاعات) وفنستر (4 قاعات) بالاضافة بالطبع إلى دار سينما الأقصر وهي دار فخمة كلاسيكية من الزمن الماضي الجميل.. زمن الأصالة وتقدير السينما باعتبارها فنا له قيمة المسرح وليس مجرد سلعة يمكن تعليبها في قاعات صغيرة (تيك أواي) على الطريقة الأمريكية التي حولت دور العرض إلى علب لتلقي الأفلام شبيهة بالعرض التليفزيوني وأفقدتها أهم ميزة فيها وهي التوحد مع المجموع خلال "طقس" المشاهدة الجماعية.
وليس معنى كلامي هذا أن قاعات مجمع باثيه مثلا ضيقة كلها، هناك اثنتان أو ثلاثة ضيقة نسبيا أما القاعات الأخرى فهي معقولة المساحة جدا مقارنة بما نراه اليوم في أماكن أخرى.
المهم أن ملامح المهرجان بدأت تتضح مع وفود الكثير من السينمائيين والباحثين عن شراء الأفلام وعقد صفقات التوزيع والإنتاج المشترك إلى المدينة التي تموج بالحياة رغم برد الشتاء.
دورة هذا العام التي يتولاها بالكامل وبحرية كاملة المدير الجديد للمهرجان روتجر ولفسون (كان قد تولى الادارة العام الماضي متأخرا وورث بالتالي حصيلة المديرة السابقة وكانت حصيلة جيدة ولكن تعبر عن فكرها وليس عن ابتكاراته الشخصية ومنها عرض 3 الأفلام على واجهات أكبر ثلاث بنايات في المدينة في تجربة تعد الأولى من نوعها وبتركيز خاص على "الحجم"!).
ولعل من ملامح التغيير أيضا تقليل عدد الأقسام الرئيسية للمهرجان إلى ثلاثة فقط تنحصر في الأقسام التالي: "المستقبل المشرق" للمواهب السينمائية الجديدة وتشمل أيضا أفلام المسابقة، و"سبكتروم" أو المجال أو الفضاء ويشمل عرض
مجموعة كبيرة من الافلام لسينمائيين اتضحت ملامحهم وأصبحت بصماتهم واضحة في السينما العالمية. وثالثا قسم "اشارات" الذي يشمل "ثيمات" معينة سواء حول المواضيع أو الأشكال.
ومن الملامح الجديدة أيضا أن النشرة اليومية "يومية النمر" كما يطلق عليها، التي كانت تصدر باللغة الهولندية باستثناء صفحتين بالإنجليزية أصبحت أكبر في حجمها (32 صفحة) منها 10 صفحات بالانجليزية.
عروض فيلم "مليونير فقير الأصل" أو Slumdog Millionaire بيعت كل تذاكرها مسبقا في اقبال مرعب يجسد حجم الدعاية الهائلة التي اكتسبها فجأة المخرج البريطاني داني بويل الذي ظل في الظل منذ فيلمه الطليعي الجرئ "رصد القطارات" Trainspotting الذي شاهدناه في دورة مهرجان كان 1996.. وكان اكتشافا جيدا لمخرج شاب يتطلع إلى المجد، غير أنه سرعان من ذهب طي النسيان، إلى أن عاد بفيلم يبدو "هنديا" أكثر منه بريطانيا، وإن كنت أحتفظ بتقييمي الحقيقي له بعد أن أشاهده.. ولن يكون هذا في روتردام بالتأكيد بل بعد عودتي إلى لندن!
لاشك أن الذين ينظمون المهرجانات في بلادنا في موسم الطقس الجميل ويتاجرون بكل ما هو سياحي لجذب "الزبون"، سيشعرون بالغيرة والحسد من تألق مهرجان روتردام رغم ابتعاده عن كل هذه النواحي وتركيزه الأساسي على الفن السينمائي والصناعة السينمائية سواء بسواء، وسبب الحسد سيعود بلا شك إلى ما يتمتع به المهرجان من جمهور محب بحق للسينما ولاكتشاف الجديد فيها عاما وراء عام. هذا الجمهور الذي أصبح مفقودا أو غائبا عن معظم ما يقام من مهرجانات في العالم العربي (قرطاح بالتأكيد استثناء خاص حسب ما أعلم).

الأربعاء، 21 يناير 2009

"المصارع": فيلم يحمل الكثير من المشاعر الإنسانية



بعيدا عن زحام المهرجانات والمسابقات وبعد حصول ميكي رورك على جائزة أحسن ممثل في مسابقة جولدن جلوب، وهو ممثل ُظلم بكل المقاييس واستبعدته هوليوود من صفوفها الأولى منذ سنوات، ذهبت لمشاهدة فيلم "المصارع" The Wrestler في إحدى قاعات السينما اللندنية. جلست في هدوء، أتأمل في البناء، وأستمتع بالأداء، وأتابع اللغة التي يستخدمها المخرج في الفيلم.. وخرجت ببعض القناعات والآراء في هذا الفيلم الذي أتخيل أنه سيكون له حضور بارز في حفل جوائز الأوسكار هذا العام.
قيمة السيناريو
إن أساس هذا الفيلم، وأساس كل فيلم كما كانت قناعتي دائما ومازالت، السيناريو ، وهو هنا ممتاز من كل النواحي: شخصيات رئيسية محدودة ومحددة وواضحة المعالم، ثلاث شخصيات تحديدا لا أكثر.. أولها الشخصية الرئيسية الأولى لبطلنا، وهو نموذج لما يعرف دراميا بـ" نقيض البطل" anti-hero وهو مصارع قارب على نهاية مسيرته ولم يعد يمكنه تقديم المزيد بعد أن أصيب بنوبة قلبية أولى قد تعقبها وفاته إذا لم يغير طريقة حياته ويعتزل المصارعة الحرة. وهو نموذج أيضا للشخص الوحيد الذي يعاني من جفاف في حياته الخاصة، افترق منذ سنوات طويلة عن ابنته الوحيدة بعد ان هجر الحياة الزوجية، يسعى لإقامة علاقة حميمية مع امرأة تعمل راقصة ستربتيز في ملهى ليلي لكنها أيضا تتجه نحو نهاية الطريق، وابنة ترفض التسامح مع والدها الذي تنكر لها وأهملها عندما يعود إليها اليوم يطلب استئناف علاقة الدم ولكن بعد أن تجمد أو كاد في عروق الإبنة التي تبدو وقد استغنت أيضا عن كل الرجال، وفضلت العيش مع فتاة. السيناريو صحيح أنه تقليدي في بنائه وشخصياته بل وربما أيضا في حبكته، إلا أنه يمتلئ بالكثير من التأملات والأفكار التي تردنا إلى أنفسنا، لنطرح من التساؤلات ما يتعلق بمسار الحياة نفسها.. إلى أين تسير بنا، وهل يصلح لها أن نتطلع إلى الوراء، إلى ما مضى، ومتى يمكننا حقا تعويض ما فات وتحقيق ما شغلتنا الحياة عن تحقيقه لأنفسنا ولأحبابنا من حولنا، قبل أن يتأخر الوقت.

عمل المخرج
السيناريو الجيد وحده في السينما لا يصنع فيلما جيدا بالضرورة إلا إذا كان هناك إخراج جيد، وهنا لاشك أن إخراج دارين أرونوفسكي واثق ومتمكن، فهو يدرس جيدا مشاهده ولقطاته.. حركة الكاميرا الرصينة وانتقالاتها المتناسبة تماما مع سيكولوجية التعبير في المشهد، والتي أحيانا ما تكون محمولة على الكتف، مهتزة يهتز معها منظور الصورة في لحظات التأرجح النفسي الشديدة التي يمر بها بطلنا المصارع راندي روبنسون (ميكي رورك)، كما يعرف كيف ينتزع من الممثلين أقصى ما لديهم، وهو الذي نجح أساسا في إسناد الأدوار إلى الممثلين الذين يعرف أنه سيتمكن من الحصول على ما يريد منهم. ويجيد أونوفسكي التحكم في الإيقاع الخاص داخل كل مشهد، فلا توجد أي لقطة زائدة أو شئ ناقص في هذا العمل البديع المثير للكثير من التأملات.
أرونوفسكي يعرف جيدا متى يقطع اللقطة، ومتى ينتقل من لقطة إلى أخرى، ومتى يستخدم الموسيقى، ومتى ينتقل إلى الصمت. إنه ينتقل أحيانا من لقطات المصارعة العنيفة إلى لقطات لبطلنا والمساعد يضمد جروحه بعد انتهاء مبارة الملاكمة بالفعل، ويمهد تمهيدا جيدا للسقوط البدني الذي يكتشف بعده بطلنا أنه أصيب بنوبة قلبية.
ويجيد أرونوفسكي إجادة أقرب إلى تجسيد الحياة الحقيقية، في إخراج مشاهد المصارعة الحرة العنيفة، لكنه ينجح أيضا في إخراج الكثير من المشاهد المليئة بالشاعرية والرقة مثل المشهد الذي يدور بين راندي وابنته عندما يحضر لها هدية ثم يصطحبها في نزهة سيرا على الأقدم ثم يدخل الاثنان إلى قاعة دائرية فسيحة لكنيسة مهجورة مزينة بالنقوش البديعة حيث يرقصان معا رقصة تعبر عن رغبة خجولة مترددة من جانب أب يرغب في استعادة ابنته لكنه لا يعرف تماما كيف، وفتاة أصبح الأب عندها أثرا من آثار الماضي لكنه موجود أمامها الآن من لحم ودم.
دور الأداء
ولاشك أيضا في براعة الأداء التمثيلي الممتاز من كل الممثلين، وعلى رأسهم ميكي رورك، الذي يستخدم كل ما لديه من خبرة تمثيلية وشخصية، في هذا الفيلم ويجسدها في تعبيره بالعينين وباليدين وبالجسد عموما، كما يتحكم تماما في نبرة صوته، وفي نظراته الزائغة الحائرة بعد أن بات مشرفا على أعتاب النهاية، وبعد أن وجد نفسه عاجزا عن تغيير حياته، مدركا انه عاش بالمصارعة ويجب أن يموت أيضا بالمصارعة.. العمل الوحيد الذي يجيده والذي يمنحه متعة الإحساس بالعالم.. من خلال جمهوره الذي ينتظره ويهتف باسمه ويطالبه بالفوز بأي طريقة وبكل طريقة.
ميكي رورك، العائد بقوة في هذا الفيلم لاستعادة مجده المفقود، يستحق دون شك جائزة جولدن جلوب التي فاز بها، ولم يحصل عليها في فينيسيا بعد أن فاز الفيلم بالأسد الذهبي لأن قانون المهرجان يحرم منح اي جائزة أخرى إلى الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى.

تعليق حزين
فيلم "المصارع" تعليق حزين على ما يحدث للفرد في مجتمع لا مكان فيه إلا للقوي الذي يمكنه أن يبيع جسده من أجل إسعاد الآخرين.. تماما مثل تلك الراقصة.. راقصة التعري التي يقلقها كثيرا أنها أوشكت أيضا على فقدان قيمتها في السوق كسلعة، لكنه أيضا فيلم عن الحياة عندما تستبد بنا وتدفعنا إلى الاختيار الصعب: إما أن نحياها محرومين من السعادة التي ننشدها ونتطلع إليها ونحن قرب نهاية الطريق، أو نعجل بالنهاية ونحن مازلنا نتمتع بصورة البطولة والنصر.. حتى لو كانت هذه الصورة زائفة!
فيلم "المصارع" عمل كبير، لا يعيبه أبدا أنه من الأفلام التقليدية في الشكل، فالعبرة دائما وأبدا، كما سأظل أردد دائما، بمقدار الصدق في العمل الفني، بل وفي كل عمل. وفي هذا الفيلم الكثير من الصدق: في الصورة، وفي الأداء، وفي الإخراج.. لذلك فإنه سيبقى في الذاكرة.

الثلاثاء، 20 يناير 2009

فرانس برس وغزة وعادل إمام



نشرت وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) تقريرا بتاريخ 19 يناير 2009 حول الجدل الدائر بشأن تصريحات عادل إمام عما يجري في غزة، وما تردد حول اهدار دمه، وتعليق أمير العمري على تصريحاته في جريدة "البديل" وفي هذه المدونة.
وهذا نص التقرير الذي نشره عدد من الصحف.

القاهرة (ا ف ب) - يؤكد الفنان المصري عادل امام انه مقتنع تماما بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي رغم عدم تاييده لمواقف حركة حماس التي حملها مسؤولية شق الصف الوطني الفلسطيني ما جعله يتعرض للتهديد من جانب اسلاميين.
واكد عادل امام الاثنين في اتصال هاتفي اجرته معه فرانس برس في باريس ما تردد بشأن قيام جماعة سلفية جزائرية على علاقة بتنظيم القاعدة باهدار دمه.
وقال عادل امام الموجود في باريس للعلاج " لم اتلق اية رسالة او اتصال تهديد من هذه الجهة باستثناء ما جاء في صحيفة اشارت الى ان زعيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية ابو مصعب عبد الودود قد اطلق فتوى تهدر دمي وهذه ليست المرة الاولى التي تهدر جماعة سلفية دمي".
وتابع "لقد تعرضت لمثل هذه المواقف اكثر من مرة من قبل السلفيين المصريين خصوصا اثر قيامي بعرض مسرحية في الصعيد وبعد الافلام التي قدمتها على الشاشة اعلن فيها رفضي لممارساتهم وطريقة تفكيرهم التي تتعارض مع الحياة والمستقبل".
وتداولت مواقع اسلامية في الجزائر بيانا اكدت انه صدر عن زعيم الجماعة السلفية ويتضمن فتوى بهدر دم عادل امام لانتقاده حركة حماس والمظاهرات التي اجتاحت الشارع المصري. ولم يتسن التاكد من صحة البيان.
وردا على هذه الانتقادات قال عادل امام ان "من حق الانسان ان ينتقد ما لا يراه صوابا وانا شاهدت كيف قامت حماس بشق الصف الوطني الفلسطيني وما ارتكبته في غزة ضد ابناء الحركة الوطنية الفلسطينية" في اشارة الى المواجهات الدامية مع حركة فتح واجهزة الامن الموالية للرئيس محمود عباس والتي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة في حزيران/يونيو 2007.
وتابع "واعتقد انهم الان ايضا اختاروا لحظة غير مناسبة لفتح المعركة في ظل الاختلال الكبير في موازين القوى امام عدو ينتظر الفرصة السانحة ليرتكب الكثير من المجازر ضد ابناء الشعب الفلسطيني وفي ظل حالة الانقسام التي يعيشها الشارع الفلسطيني. كان عليها ان تتعظ مما جرى في لبنان في حرب 2006".
ولكن عادل امام اكد ان "من يخوض المعركة الان في غزة ليست حماس وحدها بل كل المقاومة الفلسطينية وهي تواجه عدوها موحدة".
وكان موقف عادل امام لاقى هجوما من عدد من كبار نقاد السينما المصريين خصوصا الناقد المصري المقيم في لندن امير العمري والناقد طارق الشناوي.
وقال العمري في مقال انه " كان من المفروض ان يكون عادل امام اذا كان يعتبر نفسه حقا من فناني الشعب واصحاب التأثير في الجماهير ويريد ان يلعب دورا في قيادة تيار الوعي في مجتمعه ان يقود مظاهرات الغضب على ضرب غزة وقصف المدنيين والعزل الابرياء هناك".
وتابع "غير ان عادل امام الذي لم تعرف عنه اي اهتمامات سياسية تتجاوز السائد والمكرر في الاعلام الرسمي لم يخرج في مظاهرات الغضب وآثر في الوقت نفسه الا يكتفي بدوره المناسب تماما وهو +الواد سيد الشغال+ (نسبة لاحدى مسرحيات عادل امام) بل اعلن موقفا يتطابق مع الموقف المتخاذل للاعلام الرسمي في مصر في التبرير لاسرائيل هجمتها الاخيرة ويلتمس لها الاعذار دون ان يبدي اي نوع من التعاطف الانساني حتي مع الضحايا الذين تسيل دماؤهم انهارا في غزة اليوم".
واعتبر ان "سقوط عادل امام جاء ايضا بادانته لمظاهرات الغضب التي اندلعت في بلده احتجاجا على ما يجري من مذابح جماعية في غزة وهو موقف يرد عليه موقف الفنانين والمثقفين البريطانيين الذين يتظاهرون يوميا واسبوعيا في العاصمة البريطانية ضد البربرية الاسرائيلية".
وانتقد طارق الشناوي في مقالة بعنوان "فيفي عبده تصرخ وعادل امام يصمت" في اسبوعية "صوت الامة" الصادرة اليوم الاثنين عادل امام ولكن بلهجة اقل حدة حيث وصفه بانه "حريص دائما على ان يضبط مؤشر موجته الانفعالية بالضبط طبقا لما تريده الدولة".
غير ان عادل امام يرفض هذا المنطق مؤكدا "انا حريص على مصلحة بلادي ومصر قدمت ما عليها لفلسطين وهي حريصة على ان تقدم لفلسطين لان فلسطين جزء من امنها القومي وانا من حقي ان انتقد ما لا اراه صحيحا".

الأحد، 18 يناير 2009

القضية نائمة في سيارة كاديلاك!

الصحفي صلاح عيسى


بعض الصحف في مصر تخجلني بل وتجعلني أشعر بالقرف والاستياء مما تنشره من ترهات يوما بعد يوم، وكأنها تصدر في بلاد الواق واق، أي بعيدا عن العيون التي تقرأ وتتابع يوميا ما ينشر في شتى أرجاء العالم بفضل التكنولوجيا الحديثة، التي لم يكن لنا أي دور فيها بكل أسف سوى الاستهلاك طبعا.
والبعض الآخر من تلك الصحف تجعلني أستلقي على ظهري من الضحك ليس فقط لرداءة المادة التي تنشرها، بل أساسا بسبب سياسة التحرير التي ترتبط بما عفا عليه الدهر.
على رأس هذه الصحف جريدة "القاهرة" الأسبوعية، لسان حال (تعبير مهذب لكلمة "بوق") السيد وزير الثقافة المصري فاروق حسني المعروف بـ"الفنان".
هذه الصحيفة التي تخسر سنويا ما يعادل مرتبات جميع موظفي وزارة الثقافة، إذا ما استثنينا بالطبع حفنة الكبراء أو المستكبرين، أي كبار كهنة الوزارة، المهيمنين على شؤون تضليل الوعي الثقافي بانتظام في مصر منذ عشرات السنين، انتبهت في الفترة الأخيرة إلى أن هناك حدثا كبيرا يقع قطاع في غزة المتاخم للحدود المصرية.. فماذا فعلت؟
لجأت إلى الطريقة المتبعة منذ مئات السنين في صحف التخلف الحكومية، أي التكليف والتوجيه الرسمي العلوي.. فقد بادر الجنرال صلاح عيسى وهو صحفي يسارجي سابق شاء الانتحار في أحضان السلطة التي كان يعارضها عندما كان "مغررا به" في تنظيمات اليسار السياسي في الستينيات، إلى عقد اجتماع تحريري صاخب أصدر خلاله الأوامر والتعليمات العليا تحت قيادة الجنرال (في الحقيقة والواقع) فاروق عبد السلام الذي تحول إلى "أفندي" منذ سنوات، يعمل مديرا لمكتب الفنان. وطالب صلاح عيسى جمع "الصحفجية" العاملين المغلوبين على أمرهم بشحذ العزائم والهمم، والبحث عن كل ما يتعلق بغزة "ثقافيا" وما يمكن أن يساهم في "تسخين الجبهة الداخلية" بعيدا عن المظاهرات طبعا، على طريقة التوجيه المعنوي لجنرالات وزارة الارشاد القومي في الأزمنة الغابرة الذين قال وزيرهم للرئيس السادات قبيل حرب 1973 إن بوسعه "تسخين" تلك الجبهة في ظرف ساعتين.
والنتيجة- فيما يتعلق بالسينما والفنون على الأقل- فضيحة كاملة بكل معنى الكلمة. فالجريدة، التي تنفق عليها ميزانية طائلة تذهب في معظمها إلى جيوب بعض أصحاب الحظوة، لم تهتم الحصول على وثيقة جديدة مثلا أو شهادة سينمائية مباشرة تستطيع الكتابة عنها وإبرازها، ولم تبادر إلى اكتشاف الجديد فيما يقع ويحدث وتبحث تأثيره على السينما، كما فشلت في رصد ردود فعل السينمائيين والمسرحيين الفلسطنيين أنفسهم وما اذا كان منهم من يصور شيئا هناك في الوقت الحالي (وأنا أعرف أن هناك من يفعل)، وتجاهلت المؤتمرات والمسيرات التي نظمت بين جموع السينمائيين والمسرحيين في مصر رفضا واحتجاجا على الغزو الاسرائيلي، بل وتجاهلت أيضا أي تصريحات متخاذلة في هذا المجال.
لكن "الجنرال" لجأ إلى أسهل الطرق وأكثرها تخلفا: أي تكليف عدد من كتاب ونقاد السينما والمسرح بالبحث في دفاترهم القديمة وإعادة إنتاج ما أكل الدهر عليه وشرب.
والنتيجة أننا أمام سياق مضحك عن "الأفلام التي تناولت قضية فلسطين" من سنة 1948 حتى اليوم. وهل نجح كمال الشيخ في فيلم "فتاة من فلسطين" أم لم ينجح في تصوير القضية، وكيف تناول الفلسطينيون القضية في أفلامهم النضالية، ومن الذي اقترب من الأجانب من التعبير عن القضية في السينما.. و"مأساة فلسطين في قلب المسرح المصري" .. وغير ذلك من ملفات قديمة بالية.
وعندما أرادت الجريدة أن تتفلسف وتقدم كشفا جديدا، بدا وكأنها تهين القضية بأسرها عندما أبرزت ما أطلقت عليه موسيقى "الهيب هوب والراب بين أحضان الدلعونة والميجانة" وكأن ما يشغل بال الفلسطينيين حاليا هو التشبه في موسيقاهم بالأمريكيين من سكان حواري هارلم لأن باحثة فلسطينية متأمركة تسعى لإدخال هذا النوع من الموسيقى إلى أرض فلسطين!
والموضوع بأكمله في النهاية من نوع "تخليص الذمة"..
ورحم الله إحسان عبد القدوس صاحب القصة الشهيرة "القضية نائمة في سيارة كاديلاك"!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger