الأحد، 9 نوفمبر 2008

فيلم "عين شمس": تحرير السينما وتحرير اللغة السينمائية

شارك فيلم "عين شمس" للمخرج المصري ابراهيم البطوط داخل مسابقة مهرجان قرطاج السينمائي، وفاز بجائز (تانيت خاص) تقديرا لمستواه الفني المتميز من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام السينمائية الطويلة.
وتعتبر تجربة فيلم "عين شمس" تجربة غير مسبوقة في تاريخ السينما المصرية، وهي تؤكد أن الثوابت القديمة يمكن أن تتغير وتتعدل، بل وتتهاوى أيضا مع زحف أفكار وأشكال وطرق جديدة، سواء في الإنتاج أو في التعبير.
فيلم "عين شمس" اثار طوال عام كامل ضجيجا كبيرا في مصر، بعد أن وجدت الرقابة المصرية نفسها أمام فيلم مكتمل، أخرجه مخرجه ابراهيم البطوط بدون ميزانية تقريبا، بل اعتمادا على المبادرات الفردية التطوعية من جانب فريق العاملين والممثلين، وصوره بكاميرا الديجيتال الرقمية الصغيرة، وتمكن بدعم من المركز السينمائي المغربي من تحويله إلى شريط سينمائي من مقاس 35 ملم، وطاف به على عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، وحصل على جوائز وتقديرات عدة.
هنا أصبح الفيلم أمرا واقعا يفرض نفسه على الساحة، لكن الرقابة المصرية رأت أن مخرجه (البطوط) ومنتجه (شريف مندور) خالفا التعليمات والشروط الرقابية التي تنص على ضرورة حصول الفيلم على موافقة على السيناريو قبل التصوير، ثم على الفيلم نفسه بعد انتهاء المونتاج وقبل السماح بعرضه عروضا عامة في مصر.
إلا أن ابراهيم البطوط رفض تقديم سيناريو الفيلم بأثر رجعي، ساخرا من الفكرة، بل وضاربا عرض الحائط أساسا، بموضوع الرقابة بأسره.
وأصبح هناك بالتالي واقعا جديدا في السينما المصرية، نتج عن التطور التكنولوجي الجديد في كاميرات الفيديو الرقمية التي يمكن استخدامها بسهولة لتصوير الأفلام، بدون الاستعانة بالديكورات الضخمة أو الاستديوهات، وبذلك يتحرر السينمائي من قيود الصناعة من ناحية، ومن قيود الرقابة من ناحية أخرى، وهذا بالضبط ما فعله ابراهيم في سابقة خطيرة الدلالة، لاشك أنها تعكس تطورا كبيرا في العلاقة بين السينما والدولة، وبين الرقابة والسينما.

التطور الأخير
انتهت المعركة أخيرا بين صناع فيلم "عين شمس" والرقابة المصرية، لصالح الفيلم، بعد أن وافقت الرقابة على السماح بعرضه داخل مصر، ليس باعتباره فيلما مغربيا كما أرادت من قبل تجنبا لما نتج من حرج بعد ما حصل عليه الفيلم من جوائز في مهرجانات خارج مصر، بل كفيلم مصري.
هذه النتيجة تعكس انتصارا لاشك فيه للسينما المستقلة في مصر أي السينما التي تنتج بميزانيات محدودة للغاية، بعيدا عن قيود الصنعة التقليدية: النجوم، الديكورات، الاستديوهات، الأجهزة السينمائية المعقدة، ومع التحرر من أدوات الصنعة التقليدية يتحرر السينمائي أيضا من الخضوع للمقاييس السائدة في السوق: الصيغة الخفيفة المسلية، ذات الطابع الكوميدي غالبا، والتي تتضمن بعض المغامرات، وتمتلئ بالتعليقات اللفظية، وتعتمد على بطل- نجم، يضحك الجمهور ويدغدغ حواسه بحركاته وتعليقاته.
"عين شمس" فيلم من نوع آخر، ينتمي إلى ما يعرف بـ"سينما المؤلف"، أي أنه يعبر عن فكر وخيال ورؤية مؤلفه ومبدعه.

سينما متحررة
ومن الناحية السينمائية يعتمد الفيلم على التحرر في السرد والبناء، فالفيلم لا يقوم على "حبكة" محددة تدور من حولها "الأحداث"، وتتجسد الشخصيات، ثم يدور الصراع بينها ويتصاعد لكي تنفك "عقدة" الأحداث في النهاية، سواء في اتجاه الحل، أو التطهير، أو الهزيمة. لكننا أمام نسيج من نوع آخر مختلف، يبدأ بطبقة أو شريحة إنسانية رقيقة، سرعان ما تكشف لنا تدريجيا عن باقي الشرائح..
ولا يخرج المتفرح في النهاية بنتيجة "درامية" مؤكدة، بل بمشاعر وأفكار وتأملات تنبع من نسيج الفيلم وصلبه، ويصبح مطلوبا منه أن يعيد ترتيب نثرات الفيلم في ذهنه، ويستوحيها، لا لكي يستمتع بها فقط، بل لكي يستوعب ما تحتويه وتتضمنه، ما تكشف عنه، وما تخفيه من أفكار أو نثرات أفكار، ربما لا تكون مكتملة تماما، واضحة المعالم من البداية، بل توجد في تلك المساحة الرمادية بين الواقع والفيلم، الخيال والحقيقة، الدرامي والتسجيلي، المبتكر والحقيقي، اللمحات المقصودة والإيماءات التلقائية.
من هذا المزيج اللانهائي واللامنتهي، ينبع سحر الفيلم وحلاوة أجوائه، فهذا أساسا، فيلم أجواء ومشاعر وأفكار وليس فيلما من أفلام الدراما المصنوعة المحبوكة. ولكن ماذا يوجد داخل نسيج هذا الفيلم؟
هناك تعليق صوتي (بصوت تامر السعيد المشارك في كتابة السيناريو) يأتينا من خارج الكادر، كما لو كان صوت مراقب محايد، لكنه مطلع على كل ما يحدث، على واقع الشخصيات، وعلى ما سيحدث لها أيضا. إذن هذا الصوت- القدري، يجعلنا من البداية نستطيع أن نثق فيه وأن نتلقى منه ما يريد أن يوصله إلينا.
إنه يحدثنا عن الدكتورة مريم: التي ذهبت إلى العراق عام 2003 قبل الغزو الأمريكي، لا لكي تساعد المرضى ولا لكي تشارك في أحد الدروع البشرية، بل لكي تبحث في موضوع اليورانيوم المستنفد الذي ثبت استخدامه في حرب عام 1991، وأدى فيما بعد إلى انتشار أمراض السرطان بنسبة كبيرة عند العراقيين.
ومن بغداد إلى مستشفى البصرة، وحديث عن انتشار حالات الإسهال بسبب تلوث المياه، ثم يقول لنا صوت المعلق إن الرجل الذي نشاهده يقوم بأول رحلة صيد له بعد أن قضى 12 عاما في سجون صدام بتهمة بيع سجائر أجنبية.
ومن العراق إلى القاهرة.. ومن صائد السمك في البصرة إلى رمضان.. سائق التاكسي الذي يعمل أيضا سائقا خاصا عند سليم بك.. أحد رجال الطبقة الجديدة - القديمة في مصر.
صوت القدر الذي يأتينا من خارج الصورة ينذرنا بأن رمضان سرعان ما سيسمع خبرا يغير حياته تماما.
ابنته الوحيدة شمس التي لا تتجاوز السابعة من عمرها، هي بالنسبة له كل العالم، ولكنها مصابة بسرطان الدم. والخبر يهز حياة رمضان ويغير مسارها، ولكن سليم بك يقف إلى جواره، يساعده، ويحاول أيضا أن يساعد قريبا له على استخراج جواز سفر والهجرة إلى ايطاليا.
إلا أن سليم بك أيضا في مأزق، فيتعين عليه رد 80 مليون جنيه لأحد البنوك. وهو يصل في لحظة، إلى حالة من اليأس تكاد تدفعه إلى الانتحار. ولكنه يهرب من يأسه إلى المخدرات.

منتصف العالم
وحي عين شمس الذي تقطن فيه أسرة رمضان السائق هو "منتصف الدنيا" وقلب العالم، والتعليق الصوتي يقول لنا إن المنطقة أيضا "عائمة على بحر من الآثار، كما أن بداخلها يوجد بترول، وكانت في الماضي السحيق عاصمة للفراعنة".
ولكن كيف تبدو "عين شمس" اليوم: قمامة، وبيوت غير آدمية، وأكوام من القاذورات، وتدني في الخدمات، وأناس يعيشون على الكفاف لكنهم لم يفقدوا القدرة على الضحك واللهو والمعابثة والحلم بحياة أفضل.
هناك الكثير من النماذج التي يقدمها الفيلم في سياق الكشف التدريجي عن طبقاته وشرائحه: المرشح للبرلمان، الذي يقطن أحد أحياء الأثرياء لكنه يرشح نفسه عن حي عين شمس الفقير، ويقدم وعودا مجانية للناخبين لا يمكنه الوفاء بها.
وهناك الشباب الضائع المشغول بتركيب الأطباق اللاقطة لمشاهدة قنوات التسلية الفضائية.
وهناك المعلمة التي ترتبط بصداقة مع والدة شمس، ولكنها ترغب في الزواج حتى لو ارتدت ثياب الحداد السوداء بدلا من ثوب الفرح الأبيض.
شمس الصغيرة، تحلم برحلة إلى منطقة وسط القاهرة، كما قرأت عنها في كتاب بالإنجليزية، تتخيل أنها لاتزال تتمتع بسحرها القديم الموصوف في الكتاب، وعندما يستجيب والدها ويصطحبها مع امها في الرحلة المنشودة سرعان ما تكتشف أن الصور الموجودة في خيالها أجمل كثيرا من الحقيقة.
الغزو المسلح في العراق أنتج أمراضا اجتماعية وصحية والكثير الكثير من المعاناة، لكن المقارنات التي يعقدها الفيلم تؤكد للمشاهد أن مصر لم تكن في حاجة إلى غزو مسلح لكي تلحق بها كل أمراض الفقر والتخلف والتدهور والأمراض المستعصية.
ويشرح لنا كيف أصبحت الفاكهة والخضروات والدواجن ملوثة، وأصبح مرض جنون البقر يشكك الناس في قيمة اللحوم، ومرض انفلونزا الطيور يصرفهم عن تربية الطيور أو تناولها، وأصبح السمك مصدرا مرعبا للإصابة بأمراض السرطان بسبب الإشعاعات.

الحب والتسامح
لكن الفيلم ليس فقط عن المظاهر الحية للتدهور، بل عن قدرة الإنسان على التمسك بقيم الحب والتساند والتسامح في كل الظروف رغم افتقاد القدرة على الفعل الإيجابي.
ويصور الفيلم في مشهد يفيض بالرقة والجمال، وكما لم نر من قبل في أي فيلم مصري، كيف تقص الأم على ابنتها شمس داخل أحد الأديرة، قصة المسيح ورسالته السامية في الحب والسلام، وكيف تستمع شمس في هدوء، وتسأل في اهتمام عن السيدة مريم وابنها الذي أصبح رسولا.
ومن السلام إلى العنف: عنف الشرطة ضد المتظاهرين الذين يرغبون في التأكيد على أن الروح لم تستسلم بعد استسلامها الأبدي لما يمارس ضد الإنسان من قهر وقمع ومحو للهوية.
ويستخدم البطوط المشاهد التسجيلية، والكاميرا المحمولة على اليد في الكثير من مشاهد الفيلم، ويستفيد من آخر ما صوره من مشاهد في العراق، ومن المشهد الحي المباشر للصدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين في القاهرة، ويستغل تطور الأحداث في الواقع في تكثيف الكثير من المواقف في فيلمه كما نرى مثلا عندما يرفض سائق للتاكسي توصيل رجل أصيب في المظاهرة.
ويجعل البطوط صوت الموسيقى يطغى على صوت النائب عندما يأخذ في ترديد وعوده للناخبين الفقراء، في حين يعرف الجميع أنه يكذب.

ويمزج في لقطاته القريبة "كلوز أب" بين شخصيات الممثلين والشخصيات الحقيقية من أهالي الحي، ويجعل من الفيلم بأسره تعليقا ساخرا حزينا، على ما يحدث في مصر اليوم، دون أن يفقد الإحساس بالتعاطف مع شخصياته، ودون أن يدين أحدها أو يرفع من شأن الآخر.
ولأن الفيلم يبتعد تماما في أسلوبه عن رواية قصة درامية، أو ميلودرامية بأسلوب السينما السائدة، فهو لا ينتهي نهاية مغلقة، لكننا نعرف من خلال التعليق الصوتي الذي يعود في الجزء الأخير من الفيلم، أن شمس توفيت، وأن اسرتها انجبت بعدها طفلين، وأن سليم بك لم ينتحر كما كنا نتصور، بل هاجر إلى ايطاليا، وأن الحياة تستمر كما هي حتى إشعار آخر.
وينهي البطوط فيلمه بلقطة معبرة عن الوضع الراهن في مصر، عندما يجعل شرطيا يشير إلى رمضان وهو يقود سيارة التاكسي ويأمره بالتوقف. يتوقف التاكسي ويتوقف الفيلم، ويصبح مطلوبا منا أن نعيد ترتيب المشاهد والشخصيات حسب قراءتنا الخاصة للفيلم.

عن موقع بي بي سي العربي

الجمعة، 7 نوفمبر 2008

حول فيلم «الرقص مع بشير»




إنسانية كاذبة حولت السينما إلي وسيلة لتزويرالتاريخ
بقلم: أميرالعمري

حملة دعائية كبيرة سبقت إطلاق الفيلم الإسرائيلي "الرقص مع بشير" في بداية صيف العام الجاري ثم انتقاله إلي عدد كبير من المهرجانات السينمائية في العالم، صورته باعتباره دليلا آخر علي "يقظة" الضمير الإسرائيلي، والقدرة علي انتقاد المؤسسة الحاكمة وفي مقدمتها بالطبع الجيش الإسرائيلي، وإدانة ما وقع في صبرا وشاتيلا، ومحاسبة النفس علي ما جري من مذابح في حق الفلسطينيين من النساء والأطفال. وقد جاء هذا الفيلم أخيرا للعرض في مهرجان لندن السينمائي وأحيط باهتمام كبير وعرض في احتفالية خاصة في منتصف المهرجان بمناسبة الاحتفال بمرور 60 سنة علي قيام إسرائيل.
إلا أن تأمل الفيلم بشكل دقيق، بعيدا عن المبالغات الإعلامية التي وصلت إلي حد قول صحفي عربي إن ما يصوره "لا يجرؤ مخرج عربي علي تقديمه"، يكشف طبيعته الحقيقية ونواياه وأغراضه وحدوده السينمائية أيضا.مخرج الفيلم «أري فولمان» كان جنديا شابا في الجيش وقت الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية واقتحام بيروت عام 1982 فيما أصبح يعرف حتي الآن باسم "حرب لبنان"، وقد فقد أي أثر لأي ذكريات عن تلك الحرب التي انتهت كما هو معروف بمذابح صبرا وشاتيلا التي قتل خلالها مئات الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال.
يبدأ الفيلم بزميل سابق في الجيش للمخرج يطرق عليه باب منزله في وقت متأخر من الليل لكي يقول له إنه يعاني من مطاردة كابوس ليلي له يطارده خلاله 26 كلبا متوحشا، وإن هذا الكابوس يعود إلي فترة اشتراكهما معا في "حرب لبنان" أي غزو عام 1982.
ويروي الجندي كيف أنه كلف وقتها بمهمة قتل عدد من الكلاب بلغ 26 كلبا في قرية لبنانية كانت تهاجم الجنود الإسرائيليين عند محاولتهم اقتحام القرية لاصطياد المسلحين. ويحاول زميل فولمان تذكيره بما حدث في صبرا وشاتيلا من مذابح رهيبة كان الجيش الإسرائيلي شاهدا عليها، لكن المشكلة أن فولمان لا يتذكر أي شيء من تلك الفترة وإن كان يشعر بقلق غامض كلما فكر فيها. ولذا يقرر العودة للبحث فيما حدث.
ولأنه لم يشأ تصوير فيلم تسجيلي بدون توفر وثائق علي تجربته الشخصية مع زملائه في تلك الحملة، فقد اختار صنع فيلم من أفلام الرسوم يستعيد خلاله أحداث الفترة من خلال شهادة 9 من زملائه.
يتردد في الفيلم حوار واضح تماما بين فولمان وزميله "بوز" الذي يعاني من "كابوس الكلاب". يسأله فولمان: لماذا أتيت إلي وأنا مجرد مخرج سينمائي ولست طبيبا نفسيا؟ فيرد قائلا: يمكنك أن تصنع فيلما عن ذلك، أليست الأفلام أيضا وسيلة للعلاج النفسي؟!
هذه العبارة تلخص فلسفة الفيلم كله، فنحن أمام جندي سابق في الجيش أصبح مخرجا سينمائيا، يريد أن يستدعي ذكريات أغلق عليها ذهنه تماما رغبة في الهرب من بشاعتها، بغرض تصفية حسابه مع الماضي، واستعادة ثقته بنفسه والخلاص مما يؤرقه في الداخل.
ومن هذه النقطة بالفعل تبدأ رحلة صنع الفيلم الذي لقي تمويلا من فرنسا وألمانيا.ويركز الفيلم بشكل أساسي علي عدة عناصر تتبدي في معظم لقطاته ومشاهده:
أولا: صغر سن الجنود، بل إنه يصورهم في لقطة تتكرر أكثر من 4 مرات عبر الفيلم، كما لو كانوا أطفالا يافعين، وهم يخرجون من البحر علي شاطئ بيروت، عراة تماما، ثم يبدأون في ارتداء ملابسهم في لقطة مصبوغة باللون الذهبي القاتم، كما لو كانوا يخرجون من بحيرة زيت تنعكس عليها أشعة شمس ما قبل الغروب فتضفي عليها جوا شديد الكآبة والرعب.
واللقطة المتكررة مصورة بالحركة البطيئة، بحيث تجعل الفتيان يبدون كما لو كانوا يسيرون نياما.هذه اللقطة تعكس براءة الفتيان وتمهد لما سيشهدون عليه من مذابح رهيبة.وتصور ما حدث باعتباره انتهاكا لبراءة الشباب اليافع، وهي فكرة متكررة في الأفلام الإسرائيلية المناهضة للحرب، أي أن ما يشغلها ليس القتل في حد ذاته بل تأثر ممارسة القتل علي نفسية شباب الجيش الإسرائيلي.
ثانيا: يصور الفيلم العنف الشديد من جانب الجنود الشباب في "جيش الدفاع" الإسرائيلي واستمرارهم في إطلاق الرصاص بشكل متواصل من الدبابات علي طول الشاطئ كما نري في مشهد متكرر، كرد فعل لشعور قوي بالخوف في داخلهم.. الخوف من الموت، هكذا بشكل "وجودي" دون الإشارة إلي أنهم يشاركون في غزو دولة، ويقتحمون أرضا غريبة عليهم لتحقيق هدف سياسي محدد ومعروف مسبقا، وليس حسب المعني الذي يتردد في الفيلم: لم أكن أعرف ماذا نفعل ولا أين نحن. كنت فقط أنفذ الأوامر!
ويعقب هذا المشهد الواضح الدلالة مشهداً آخر حين يصل الجندي إلي قاعدة جوية ويري عددا من جثث الجنود الإسرائيليين والمروحيات تستعد لنقلها، ويزداد شعوره بالخوف من الموت، أو عندما يروي أحدهم كيف أصيبت دبابته وهرب منها مع زملائه الذين قتلوا جميعا فيما عداه، وكيف تمكن من السباحة حتي عاد إلي وحدته.
ثالثا: يؤكد الفيلم من خلال كل شهادات الجنود والضباط، كيف أن القوات الإسرائيلية التي كانت مكلفة بالتمركز قرب مخيمات صابرا وشاتيلا لم تكن تعرف ماذا سيحدث بعد اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل وقبل تنصيبه، ولم تكن علي اطلاع علي ما تخطط له قوات الكتائب، فكل الشهود في الفيلم يؤكدون أنهم "سمعوا عنها ولم يشاهدوا بأنفسهم إلا بعد أن انتهت"، ويقول كثيرون منهم إن تصرفات مقاتلي الكتائب بعد اغتيال بشير الجميل أثارت الشك في نفوسهم وأنهم أبلغوا قيادتهم بذلك دون أن يتخيلوا أن الأمر مرتبط بمذبحة وشيكة.
ويروي أحد الضباط في الفيلم كيف أنه اتصل بشارون لكي يخبره بما يجري في المخيمات من مذابح، وأن شارون شكره علي لفت انتباهه للأمر، دون أن يتعهد بتحري الأمر كما هي العادة. ويتخذ المدافعون عن الفيلم هذا المشهد كدليل لا يقبل الشك، علي إدانة الفيلم للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، في حين أن شارون تحمل بالفعل مسئولية عدم التدخل لوقف المذابح بموجب ما توصلت إليه لجنة تحقيق خاص في الكنيست.
ويصور الفيلم ضابطا إسرائيليا يقود سيارته ويتوقف بها داخل المخيمات أمام عدد من مسلحي الكتائب يسوقون عددا كبيرا من النساء والشيوخ والأطفال قبل إطلاق النار عليهم، ويأمرهم بوقف الرصاص والتفرق، مرددا عليهم أن "هذا أمر". وعلي الفور يترك مسلحو الكتائب الفلسطينيين يعودون إلي المخيمات ويتفرقون. وهو ما يقول لنا إن الإسرائيليين هم الذين أوقفوا المذبحة!
ولا جديد في اللقطات التي تستعيد مظاهر الموت والخراب والدمار وتراكم الجثث بين أنقاض صابرا وشاتيلا، ولا جديد في تصوير يد ورأس لطفلة فلسطينية مدفونة تحت الأنقاض يعلق عليها ضابط إسرائيلي بقوله: إنها تشبه ابنتي!
فيالها من إنسانية كاذبة تلك التي تسعي إلي تطهير نفسها علي شاشة السينما، فتسيء استخدام السينما وتجعل منها أكثر وسيلة للتضليل في التاريخ الإنساني، بدلا من أن تصبح وسيلة للتنوير والوعي.

مهرجان قرطاج السينمائي: ما له وما عليه


الدورة الثانية والعشرون من أيام قرطاج السينمائية انقضت بعد ان استمرت اسبوعا شهد خلاله الجمهور نحو 150 فيلما من خلال برامج واقسام عديدة.
هذه الدورة حققت الكثير من النجاحات كما عانت من بعض الاخفاقات. ولكي نكون موضوعيين، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في تطوير هذا المهرجان العريق يجب الالتفات إلى السلبيات ومعالجتها حفاظا على تاريخ المهرجان ومصداقيته على الساحة العربية والعالمية.
تمثل نجاح المهرجان في النقاط التالية:
1- تنظيم جيد في عرض الأفلام واستقبال الضيوف وتوزيع المهام واصدار نشرة يومية منتظمة تغطي اخبار المهرجان، وإن تأخرت قليلا في التوزيع عن موعجها المفترض في التاسعة صباحا.
2- نجاح واضح في استقطاب عدد من الأسماء المهمة من خبراء السينما في العالم العربي والعالم وعلى رأسهم بالطبع كاتب السيناريو الفرنسي الكبير جان كلود كاريير، رفيق درب الراحل العظيم لوي بونويل الذي ألقى محاضرة مهمة في كتابة السيناريو.
3- تنظيم واقامة ورشتين لدعم انتاج الأفلام القصيرة والطويلة في العالم العربي وافريقيا وتخصيص دعم مناسب للأفلام الفائزة، وبذلك يكون المهرجان لا يستهلك اأفلام فقط بل يساهم في انتاجها وتطويرها بشكل عملي ملموس.
4- النجاح في حصر التكريم الذي يقام عادة للشخصيات السينمائية في ثلاث شخصيات فقط منها واحدة تونسية (المنتج احمد عطية) وعربية (يوسف شاهين) ودولية (أومبير بالزان) والابتعاد عن ظاهرة تكريم الذات بفرض عدد من الأسماء التونسية مثلا على غرار ما يحدث في مهرجانات أخرى لا تزال تعاني من "النرجسية" وتكريم من لا يمكن تكريمه.
5- النجاح الكبير والمشرف في الوصول إلى الجمهور الحقيقي للسينما في تونس، فقد استقطب المهرجان اهتمام عشرات الآلاف من الأشخاص من محبي السينما من الشباب، وهم من جمهور العاصمة ومن خارجها أيضا، وهذا جانب على درجة كبيرة من الأهمية لأن الاصل في المهرجان السينمائي أن يتوجه إلى جمهور المدينة التي يقام فيها، ولا معنى لمهرجان بدون جمهور، ومعظم ما يقام من مهرجانات في العالم العربي حاليا يقام من أجل حفنة من الضيوف والمدعوين أساسا إضافة إلى نخبة محلية محدودة.

أما النقاط السلبية فقد تمثلت فيما يلي:
1- عدم التوفيق في اختيار فيلم الافتتاح (هي فوضى) ليوسف شاهين، وهو فيلم عرض عروضا عامة لمدة عام كامل في الكثير من المهرجانات كما عرض عروضا عامة في كل مكان، وكان الأجدر أن يكتفى بعرض فيلم قصير عن شاهين مثلا (ظهر أنه موجود بالفعل) والافتتاح بفيلم تونسي أو افريقي جديد.
2- غياب منطق اختيار أفلام المسابقة الـ18. فليس من المفهوم أن تضم المسابقة أفلاما "قديمة" نسبيا مثل "القلوب المحترقة" المغربي، و"جنينة الأسماك" المصري، و"البيت الأصفر" الجزائري، بينما تغيب السينما السورية بالكامل رغم امكانية عرض "خارج التغطية" وهو ليس اكثر قدما من الأفلام السابق ذكرها، إن لم يكن الفيلم السوري الجديد "حسيبة" لريمون بطرس. ولا نعرف أيضا لماذا لم يعرض فيلم "في انتظار بازوليني" المغربي. وهنا يطرح السؤال: لماذا 18 فيلما فقط، ولم لا تضم المسابقة 24 فيلما مثلا، ولماذا لم تمثل السينما الافريقية إلا بأربعة أفلام فقط، ولماذا لم ينضم للمسابقة فيلم "بصرة" لأحمد رشوان من مصر أو "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي من مصر أيضا رغم انهما فيلمان جديدان تماما!
3- سوء اختيار الأفلام التونسية المشاركة في المسابقة (وهي ثلاثة أفلام) منها اثنان من الإنتاج الفرنسي وناطقة في معظمها باللغة الفرنسية وأحدها وهو فيلم "خمسة" فيلم فرنسي بالكامل باستثناء أن مخرجه من أصل تونسي. ومفهوم بالطبع أن الدولة المنظمة للمهرجان كان لابد أن تشارك في المسابقة، ولأن الأفلام التونسية الجيدة الأخرى لم تكن قد أصبحت جائزة للعرض بعد فقد اضطرت الادارة إلى قبول هذه الافلام وهو خطأ غير مبرر. والغريب أيضا أن المهرجان أعلن منذ اليوم الأول أنه سيعرض في الختام الفيلم الفائز بالتانيت الذهبي لكنه عرض بدلا من ذلك وبشكل مفاجئ فيلما تونسيا جديدا كان قد انتهى اعداده للعرض هو فيلم "ثلاثون" للفاضل الجزيري ولم يتمكن كثيرون من مشاهدته بسبب تأخر حفل الختام كثيرا عن موعده المحدد وامتداده طويلا بسبب تعدد اعلان الجوائز على نحو يصيب بالارتباك، وهي مشكلة أخرى.
4- من غير المفهوم أن يستمر مهرجان قرطاج كما بدأ أي يظل مهرجانا فرانكفونيا تغلب عليه اللغة الفرنسية، فليس من المعقول أن يتم تقديم الأفلام باللغة الفرنسية فقط كما شاهدنا مثلا عند عرض الفيلم المغربي "لولا"، ولا أن تتم مناقشة الأفلام في قصر ابن خلدون باللغة الفرنسية دون ترجمة، وباللغة العربية لمن يتكلمها دون ترجمة إلى الفرنسية والانجليزية.
5- ليس مفهوما أن تحصر مناقشات الأفلام في قصر ابن خلدون وليس في احدى قاعات فندق افريقيا الفسيحة القريبة التي تتوفر على مساحة أكبر وامكانيات أفضل من القصر الذي لا يصلح إلا لاستقبال عدد محدود من الصحفيين.
6- غياب قاعة مخصصة لعرض الأفلام للصحفيين والسينمائيين الضيوف وأعضاء لجان التحكيم، فقد ظل الجميع يتدافعون ويكافحون مع الجمهور من أجل دخول قاعات العرض التي كانت تمتلئ عن آخرها بالجمهور قبل نصف ساعة من موعد عرض الفيلم، مما خلق حالة من الفوضى والبلبلة وعدم تمكن الكثير من النقاد والسينمائيين من مشاهدة الكثير من الأفلام.
7- ازدحام البرنامج بطريقة تستعصي على الفهم، فليس من المفهوم مثلا أن يوجد قسم تحت عنوان "ميزانيات محدودة من أيرلندا وافريقيا" يشمل عرض عدد من الافلام التي انتجت بميزانيات محدودة في القارة الافريقية وايرلندا. ولا ندري أولا ما الذي يجمع بين الاثنين، وثانيا: هل هناك ملامح خاصة للأفلام المحدودة التكاليف، وهل تعد الميزانيات المحدودة ميزة في حد ذاتها، أو انها تخلق "مدرسة" جديدة في السينما مثلا.
كان يمكن في تصوري الاكتفاء بعرض 60 فيلما في كل الأقسام بحيث يكون الاختيار أكثر دقة وبعيدا عن العشوائية، فاذا كان قسم "فلسطين ضد النسيان" مفهوما فماذا عن السينما التركية، ولماذا عرض 14 فيلما من انتاج العامين الأخيرين وليس بانوراما شاملة، ولماذا شملت بانوراما السيتما التونسية افلاما قصيرة فقط.
8- تعدد المسابقات وتعدد لجان التحكيم حتى أننا فوجئنا بلجنة تحكيم من 9 اطفال لاختيار احسن فيلم من أفلام الكبار (اختير الفيلم الجزائري "مسخرة") بينما يجب فصل مهرجان الأطفال عن مهرجان الكبار فكل مهرجانات العالم لا تسمح أصلا بدخول الأطفال إلى عروضها إلا إذا كان الفيلم مناسبا للأطفال وتحدد ساعة صباحية لعرضه، والفيلم الجزائري المشار اليه ليس مناسبا على الاطلاق!
9- تعدد الجوائز بشكل يدعو للحيرة والدهشة بل والاستنكار، فقد سمحت لجان التحكيم لنفسها بابتكار عشرات الجوائز الأخرى (العشوائية) منها ما سمى بجوائز الأمل، وجوائز التصوير والموسيقى والمونتاج، وجائزتي التمثيل الثانوي، والتانيت الخاص، وجائزة راندة الشهال، وأخرى على اسم المخرج التونسي الراحل الياس الزرلي، وهكذا، على نحو ربما فاق عدد جوائز الأوسكار (المسابقة الوحيدة التي تمنح جوائز فرعية متعددة). وهو ما يفقد الجوائز قيمتها ويجعل المهرجان يبدو متميعا.
لقد بات من الضروري اعادة النظر في لائحة المهرجان بحيث يحدد عدد الجوائز وتحدد شروط منحها أيضا، فليس من المعقول أن يصعد رئيس لجنة من لجان التحكيم إلى المنصة في حفل الختام لكي يقول لنا إن اللجنة ابتكرت وابتدعت عددا من الجوائز التي يفوق عددها العدد الأساسي (جوائز التانيت الثلاث) عشر مرات!!
10- باستثناء النشرة اليومية والدليل الرسمي غابت المطبوعات باللغة العربية تماما، وفي ظل ندرة المطبوعات السينمائية في تونس كان يجب أن يهتم المهرجان بالنقد السينمائي (باللغة العربية) ويمنحه الفرصة للتعبير عن نفسه من خلال مجموعة من الكتب والكتيبات. ولكن الغريب أن يصدر كتاب "مدونة السينما التونسية" للناقد والباحث التونسي الهادي خليل مثلا عن ناشر خاص وليس عن المهرجان نفسه.
وأخيرا لعل هذه الملاحظات وغيرها تدفع إلى إعادة النظر في مسار المهرجان وتكوينه وتشكيله بما ينهض به ويمنحه دفعة قوية إلى الأمام بدلا من الاستمرار في الاحتفال بالذات الذي هو آفة أي عمل من الأعمال. ولعل أول قرار يتعين أن يتخذ من أجل تصحيح مسار هذا المهرجان هو جعله مهرجانا سنويا، فقد مضى ذلك العهد الذي كان يجب ان يقام فيه كل سنتين.

الخميس، 6 نوفمبر 2008

السلطات السورية مستمرة في قمع السينمائيين ومنع الأفلام

شملت مسابقة أفلام الفيديو القصيرة في مهرجان قرطاج السينمائي فيلما سوريا بعنوان "زبد" لمخرجة اسمها ريم علي، وهو فيلم يبلغ توقيت عرضه 42 دقيقة، وهو من انتاج معهد العالم العربي. وعندما ذهب الجمهور إلى قاعة العرض لمشاهدة الفيلم المدرج ضمن برنامج المهرجان وكذلك في الدليل العام للمهرجان، فوجئوا باستبداله بفيلم آخر بدعوى أن الفيلم لم يصل.

ولكن الطريف أن مخرجة الفيلم ريم علي كانت قد وصلت واقامت مع الوفود السينمائية في نفس الفندق، وشوهدت هنا وهناك، ولكن دون اي ذكر للفيلم. وقد تكرر غياب الفيلم عن كل العروض المحددة له مع فيلم آخر هو التونسي "ذاكرة امرأة". وبتحري الأمر علمنا أن السلطات السورية اتصلت بسفارتها في تونس التي قامت بدورها بممارسة ضغوط على ادارة المهرجان عبر القنوات الدبلوماسية لكي يمنع المهرجان الفيلم. وهو ما تم بالفعل.

اما الفيلم نفسه فقد حاولت الحصول على نسخة منه من المخرجة لكي اشاهده، وعرضت اجراء مقابلة اذاعية مفتوحة مع المخرجة حول الفيلم وما حدث على أن تبث عبر اذاعة بي بي سي، وقد وافقت هي بحماس كبير في البداية. ولكنها عادت فتراجعت ولم تظهر في الموعد حسب الاتفاق. وفهمت أن هناك من أخافها من الادلاء بحديث لمحطة اذاعية خوفا مما يمكن ان يحدث لها عند عودتها إلى بلادها.

وقد اضطرت لجنة تحكيم أفلام الفيديو إلى حجب جائزة الأفلام القصيرة بسبب منع عرض الفيلم في المهرجان، وهي سابقة خطيرة أيضا في مهرجان قرطاج يجب التنبه لها، إلا أن المسؤول الأول هو النظام السوري الذي يستخدم ضغوطا دبلوماسية على أعلى مستوى لحجب الفكر، ومنع كل ما يتعارض مع وجهة النظر الديماجوجية الغوغائية الرسمية المستمرة منذ حكم القبيلة المتشبثة بالبعث القبلي.

وهكذا يثبت النظام الحاكم في دمشق مرة أخرى ديكتاتوريته وفاشيته وعدائه الأبدي لحرية التعبير الفني والفكري والأدبي في الوقت الذي يتشدق زبانيته باقامة مهرجان (دولي) يزعم أنه يحتفي بالفن السينمائي فيما يتم قمع الأصوات المطالبة بالإصلاح في الداخل. ففي الوقت نفسه تأكدت أنباء وضع المخرج السينمائي الكبير محمد ملص تحت المراقبة ومنعه من السفر إلى الخارج بقرار من السلطات الأمنية وليس بقرار بسبب مواقفه المؤيدة لحركة ربيع دمشق التي تم قمعها بشكل دموي.

لا أعرف كيف يشعر السينمائيون والنقاد الموجودون حاليا فيما يسمى بمهرجان دمشق السينمائي وماذا سيفعلون، في الوقت الذي تقمع فيه اصوات كبار السينمائيين وتمنع الأفلام التي تتكلم بوضوح عن القهر السياسي في معتقلات نظام فقد كل مبررات وجوده بسبب طائفيته المقيتة وديكتاتوريته الفاشية بزعم أنه يواجه إسرائيل بينما يواجه الشعب السوري بأسنة الحراب.. وأي سينما تلك التي يحتفي بها الموجودن في دمشق!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger