الجمعة، 7 نوفمبر 2008

حول فيلم «الرقص مع بشير»




إنسانية كاذبة حولت السينما إلي وسيلة لتزويرالتاريخ
بقلم: أميرالعمري

حملة دعائية كبيرة سبقت إطلاق الفيلم الإسرائيلي "الرقص مع بشير" في بداية صيف العام الجاري ثم انتقاله إلي عدد كبير من المهرجانات السينمائية في العالم، صورته باعتباره دليلا آخر علي "يقظة" الضمير الإسرائيلي، والقدرة علي انتقاد المؤسسة الحاكمة وفي مقدمتها بالطبع الجيش الإسرائيلي، وإدانة ما وقع في صبرا وشاتيلا، ومحاسبة النفس علي ما جري من مذابح في حق الفلسطينيين من النساء والأطفال. وقد جاء هذا الفيلم أخيرا للعرض في مهرجان لندن السينمائي وأحيط باهتمام كبير وعرض في احتفالية خاصة في منتصف المهرجان بمناسبة الاحتفال بمرور 60 سنة علي قيام إسرائيل.
إلا أن تأمل الفيلم بشكل دقيق، بعيدا عن المبالغات الإعلامية التي وصلت إلي حد قول صحفي عربي إن ما يصوره "لا يجرؤ مخرج عربي علي تقديمه"، يكشف طبيعته الحقيقية ونواياه وأغراضه وحدوده السينمائية أيضا.مخرج الفيلم «أري فولمان» كان جنديا شابا في الجيش وقت الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية واقتحام بيروت عام 1982 فيما أصبح يعرف حتي الآن باسم "حرب لبنان"، وقد فقد أي أثر لأي ذكريات عن تلك الحرب التي انتهت كما هو معروف بمذابح صبرا وشاتيلا التي قتل خلالها مئات الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال.
يبدأ الفيلم بزميل سابق في الجيش للمخرج يطرق عليه باب منزله في وقت متأخر من الليل لكي يقول له إنه يعاني من مطاردة كابوس ليلي له يطارده خلاله 26 كلبا متوحشا، وإن هذا الكابوس يعود إلي فترة اشتراكهما معا في "حرب لبنان" أي غزو عام 1982.
ويروي الجندي كيف أنه كلف وقتها بمهمة قتل عدد من الكلاب بلغ 26 كلبا في قرية لبنانية كانت تهاجم الجنود الإسرائيليين عند محاولتهم اقتحام القرية لاصطياد المسلحين. ويحاول زميل فولمان تذكيره بما حدث في صبرا وشاتيلا من مذابح رهيبة كان الجيش الإسرائيلي شاهدا عليها، لكن المشكلة أن فولمان لا يتذكر أي شيء من تلك الفترة وإن كان يشعر بقلق غامض كلما فكر فيها. ولذا يقرر العودة للبحث فيما حدث.
ولأنه لم يشأ تصوير فيلم تسجيلي بدون توفر وثائق علي تجربته الشخصية مع زملائه في تلك الحملة، فقد اختار صنع فيلم من أفلام الرسوم يستعيد خلاله أحداث الفترة من خلال شهادة 9 من زملائه.
يتردد في الفيلم حوار واضح تماما بين فولمان وزميله "بوز" الذي يعاني من "كابوس الكلاب". يسأله فولمان: لماذا أتيت إلي وأنا مجرد مخرج سينمائي ولست طبيبا نفسيا؟ فيرد قائلا: يمكنك أن تصنع فيلما عن ذلك، أليست الأفلام أيضا وسيلة للعلاج النفسي؟!
هذه العبارة تلخص فلسفة الفيلم كله، فنحن أمام جندي سابق في الجيش أصبح مخرجا سينمائيا، يريد أن يستدعي ذكريات أغلق عليها ذهنه تماما رغبة في الهرب من بشاعتها، بغرض تصفية حسابه مع الماضي، واستعادة ثقته بنفسه والخلاص مما يؤرقه في الداخل.
ومن هذه النقطة بالفعل تبدأ رحلة صنع الفيلم الذي لقي تمويلا من فرنسا وألمانيا.ويركز الفيلم بشكل أساسي علي عدة عناصر تتبدي في معظم لقطاته ومشاهده:
أولا: صغر سن الجنود، بل إنه يصورهم في لقطة تتكرر أكثر من 4 مرات عبر الفيلم، كما لو كانوا أطفالا يافعين، وهم يخرجون من البحر علي شاطئ بيروت، عراة تماما، ثم يبدأون في ارتداء ملابسهم في لقطة مصبوغة باللون الذهبي القاتم، كما لو كانوا يخرجون من بحيرة زيت تنعكس عليها أشعة شمس ما قبل الغروب فتضفي عليها جوا شديد الكآبة والرعب.
واللقطة المتكررة مصورة بالحركة البطيئة، بحيث تجعل الفتيان يبدون كما لو كانوا يسيرون نياما.هذه اللقطة تعكس براءة الفتيان وتمهد لما سيشهدون عليه من مذابح رهيبة.وتصور ما حدث باعتباره انتهاكا لبراءة الشباب اليافع، وهي فكرة متكررة في الأفلام الإسرائيلية المناهضة للحرب، أي أن ما يشغلها ليس القتل في حد ذاته بل تأثر ممارسة القتل علي نفسية شباب الجيش الإسرائيلي.
ثانيا: يصور الفيلم العنف الشديد من جانب الجنود الشباب في "جيش الدفاع" الإسرائيلي واستمرارهم في إطلاق الرصاص بشكل متواصل من الدبابات علي طول الشاطئ كما نري في مشهد متكرر، كرد فعل لشعور قوي بالخوف في داخلهم.. الخوف من الموت، هكذا بشكل "وجودي" دون الإشارة إلي أنهم يشاركون في غزو دولة، ويقتحمون أرضا غريبة عليهم لتحقيق هدف سياسي محدد ومعروف مسبقا، وليس حسب المعني الذي يتردد في الفيلم: لم أكن أعرف ماذا نفعل ولا أين نحن. كنت فقط أنفذ الأوامر!
ويعقب هذا المشهد الواضح الدلالة مشهداً آخر حين يصل الجندي إلي قاعدة جوية ويري عددا من جثث الجنود الإسرائيليين والمروحيات تستعد لنقلها، ويزداد شعوره بالخوف من الموت، أو عندما يروي أحدهم كيف أصيبت دبابته وهرب منها مع زملائه الذين قتلوا جميعا فيما عداه، وكيف تمكن من السباحة حتي عاد إلي وحدته.
ثالثا: يؤكد الفيلم من خلال كل شهادات الجنود والضباط، كيف أن القوات الإسرائيلية التي كانت مكلفة بالتمركز قرب مخيمات صابرا وشاتيلا لم تكن تعرف ماذا سيحدث بعد اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل وقبل تنصيبه، ولم تكن علي اطلاع علي ما تخطط له قوات الكتائب، فكل الشهود في الفيلم يؤكدون أنهم "سمعوا عنها ولم يشاهدوا بأنفسهم إلا بعد أن انتهت"، ويقول كثيرون منهم إن تصرفات مقاتلي الكتائب بعد اغتيال بشير الجميل أثارت الشك في نفوسهم وأنهم أبلغوا قيادتهم بذلك دون أن يتخيلوا أن الأمر مرتبط بمذبحة وشيكة.
ويروي أحد الضباط في الفيلم كيف أنه اتصل بشارون لكي يخبره بما يجري في المخيمات من مذابح، وأن شارون شكره علي لفت انتباهه للأمر، دون أن يتعهد بتحري الأمر كما هي العادة. ويتخذ المدافعون عن الفيلم هذا المشهد كدليل لا يقبل الشك، علي إدانة الفيلم للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، في حين أن شارون تحمل بالفعل مسئولية عدم التدخل لوقف المذابح بموجب ما توصلت إليه لجنة تحقيق خاص في الكنيست.
ويصور الفيلم ضابطا إسرائيليا يقود سيارته ويتوقف بها داخل المخيمات أمام عدد من مسلحي الكتائب يسوقون عددا كبيرا من النساء والشيوخ والأطفال قبل إطلاق النار عليهم، ويأمرهم بوقف الرصاص والتفرق، مرددا عليهم أن "هذا أمر". وعلي الفور يترك مسلحو الكتائب الفلسطينيين يعودون إلي المخيمات ويتفرقون. وهو ما يقول لنا إن الإسرائيليين هم الذين أوقفوا المذبحة!
ولا جديد في اللقطات التي تستعيد مظاهر الموت والخراب والدمار وتراكم الجثث بين أنقاض صابرا وشاتيلا، ولا جديد في تصوير يد ورأس لطفلة فلسطينية مدفونة تحت الأنقاض يعلق عليها ضابط إسرائيلي بقوله: إنها تشبه ابنتي!
فيالها من إنسانية كاذبة تلك التي تسعي إلي تطهير نفسها علي شاشة السينما، فتسيء استخدام السينما وتجعل منها أكثر وسيلة للتضليل في التاريخ الإنساني، بدلا من أن تصبح وسيلة للتنوير والوعي.

مهرجان قرطاج السينمائي: ما له وما عليه


الدورة الثانية والعشرون من أيام قرطاج السينمائية انقضت بعد ان استمرت اسبوعا شهد خلاله الجمهور نحو 150 فيلما من خلال برامج واقسام عديدة.
هذه الدورة حققت الكثير من النجاحات كما عانت من بعض الاخفاقات. ولكي نكون موضوعيين، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في تطوير هذا المهرجان العريق يجب الالتفات إلى السلبيات ومعالجتها حفاظا على تاريخ المهرجان ومصداقيته على الساحة العربية والعالمية.
تمثل نجاح المهرجان في النقاط التالية:
1- تنظيم جيد في عرض الأفلام واستقبال الضيوف وتوزيع المهام واصدار نشرة يومية منتظمة تغطي اخبار المهرجان، وإن تأخرت قليلا في التوزيع عن موعجها المفترض في التاسعة صباحا.
2- نجاح واضح في استقطاب عدد من الأسماء المهمة من خبراء السينما في العالم العربي والعالم وعلى رأسهم بالطبع كاتب السيناريو الفرنسي الكبير جان كلود كاريير، رفيق درب الراحل العظيم لوي بونويل الذي ألقى محاضرة مهمة في كتابة السيناريو.
3- تنظيم واقامة ورشتين لدعم انتاج الأفلام القصيرة والطويلة في العالم العربي وافريقيا وتخصيص دعم مناسب للأفلام الفائزة، وبذلك يكون المهرجان لا يستهلك اأفلام فقط بل يساهم في انتاجها وتطويرها بشكل عملي ملموس.
4- النجاح في حصر التكريم الذي يقام عادة للشخصيات السينمائية في ثلاث شخصيات فقط منها واحدة تونسية (المنتج احمد عطية) وعربية (يوسف شاهين) ودولية (أومبير بالزان) والابتعاد عن ظاهرة تكريم الذات بفرض عدد من الأسماء التونسية مثلا على غرار ما يحدث في مهرجانات أخرى لا تزال تعاني من "النرجسية" وتكريم من لا يمكن تكريمه.
5- النجاح الكبير والمشرف في الوصول إلى الجمهور الحقيقي للسينما في تونس، فقد استقطب المهرجان اهتمام عشرات الآلاف من الأشخاص من محبي السينما من الشباب، وهم من جمهور العاصمة ومن خارجها أيضا، وهذا جانب على درجة كبيرة من الأهمية لأن الاصل في المهرجان السينمائي أن يتوجه إلى جمهور المدينة التي يقام فيها، ولا معنى لمهرجان بدون جمهور، ومعظم ما يقام من مهرجانات في العالم العربي حاليا يقام من أجل حفنة من الضيوف والمدعوين أساسا إضافة إلى نخبة محلية محدودة.

أما النقاط السلبية فقد تمثلت فيما يلي:
1- عدم التوفيق في اختيار فيلم الافتتاح (هي فوضى) ليوسف شاهين، وهو فيلم عرض عروضا عامة لمدة عام كامل في الكثير من المهرجانات كما عرض عروضا عامة في كل مكان، وكان الأجدر أن يكتفى بعرض فيلم قصير عن شاهين مثلا (ظهر أنه موجود بالفعل) والافتتاح بفيلم تونسي أو افريقي جديد.
2- غياب منطق اختيار أفلام المسابقة الـ18. فليس من المفهوم أن تضم المسابقة أفلاما "قديمة" نسبيا مثل "القلوب المحترقة" المغربي، و"جنينة الأسماك" المصري، و"البيت الأصفر" الجزائري، بينما تغيب السينما السورية بالكامل رغم امكانية عرض "خارج التغطية" وهو ليس اكثر قدما من الأفلام السابق ذكرها، إن لم يكن الفيلم السوري الجديد "حسيبة" لريمون بطرس. ولا نعرف أيضا لماذا لم يعرض فيلم "في انتظار بازوليني" المغربي. وهنا يطرح السؤال: لماذا 18 فيلما فقط، ولم لا تضم المسابقة 24 فيلما مثلا، ولماذا لم تمثل السينما الافريقية إلا بأربعة أفلام فقط، ولماذا لم ينضم للمسابقة فيلم "بصرة" لأحمد رشوان من مصر أو "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي من مصر أيضا رغم انهما فيلمان جديدان تماما!
3- سوء اختيار الأفلام التونسية المشاركة في المسابقة (وهي ثلاثة أفلام) منها اثنان من الإنتاج الفرنسي وناطقة في معظمها باللغة الفرنسية وأحدها وهو فيلم "خمسة" فيلم فرنسي بالكامل باستثناء أن مخرجه من أصل تونسي. ومفهوم بالطبع أن الدولة المنظمة للمهرجان كان لابد أن تشارك في المسابقة، ولأن الأفلام التونسية الجيدة الأخرى لم تكن قد أصبحت جائزة للعرض بعد فقد اضطرت الادارة إلى قبول هذه الافلام وهو خطأ غير مبرر. والغريب أيضا أن المهرجان أعلن منذ اليوم الأول أنه سيعرض في الختام الفيلم الفائز بالتانيت الذهبي لكنه عرض بدلا من ذلك وبشكل مفاجئ فيلما تونسيا جديدا كان قد انتهى اعداده للعرض هو فيلم "ثلاثون" للفاضل الجزيري ولم يتمكن كثيرون من مشاهدته بسبب تأخر حفل الختام كثيرا عن موعده المحدد وامتداده طويلا بسبب تعدد اعلان الجوائز على نحو يصيب بالارتباك، وهي مشكلة أخرى.
4- من غير المفهوم أن يستمر مهرجان قرطاج كما بدأ أي يظل مهرجانا فرانكفونيا تغلب عليه اللغة الفرنسية، فليس من المعقول أن يتم تقديم الأفلام باللغة الفرنسية فقط كما شاهدنا مثلا عند عرض الفيلم المغربي "لولا"، ولا أن تتم مناقشة الأفلام في قصر ابن خلدون باللغة الفرنسية دون ترجمة، وباللغة العربية لمن يتكلمها دون ترجمة إلى الفرنسية والانجليزية.
5- ليس مفهوما أن تحصر مناقشات الأفلام في قصر ابن خلدون وليس في احدى قاعات فندق افريقيا الفسيحة القريبة التي تتوفر على مساحة أكبر وامكانيات أفضل من القصر الذي لا يصلح إلا لاستقبال عدد محدود من الصحفيين.
6- غياب قاعة مخصصة لعرض الأفلام للصحفيين والسينمائيين الضيوف وأعضاء لجان التحكيم، فقد ظل الجميع يتدافعون ويكافحون مع الجمهور من أجل دخول قاعات العرض التي كانت تمتلئ عن آخرها بالجمهور قبل نصف ساعة من موعد عرض الفيلم، مما خلق حالة من الفوضى والبلبلة وعدم تمكن الكثير من النقاد والسينمائيين من مشاهدة الكثير من الأفلام.
7- ازدحام البرنامج بطريقة تستعصي على الفهم، فليس من المفهوم مثلا أن يوجد قسم تحت عنوان "ميزانيات محدودة من أيرلندا وافريقيا" يشمل عرض عدد من الافلام التي انتجت بميزانيات محدودة في القارة الافريقية وايرلندا. ولا ندري أولا ما الذي يجمع بين الاثنين، وثانيا: هل هناك ملامح خاصة للأفلام المحدودة التكاليف، وهل تعد الميزانيات المحدودة ميزة في حد ذاتها، أو انها تخلق "مدرسة" جديدة في السينما مثلا.
كان يمكن في تصوري الاكتفاء بعرض 60 فيلما في كل الأقسام بحيث يكون الاختيار أكثر دقة وبعيدا عن العشوائية، فاذا كان قسم "فلسطين ضد النسيان" مفهوما فماذا عن السينما التركية، ولماذا عرض 14 فيلما من انتاج العامين الأخيرين وليس بانوراما شاملة، ولماذا شملت بانوراما السيتما التونسية افلاما قصيرة فقط.
8- تعدد المسابقات وتعدد لجان التحكيم حتى أننا فوجئنا بلجنة تحكيم من 9 اطفال لاختيار احسن فيلم من أفلام الكبار (اختير الفيلم الجزائري "مسخرة") بينما يجب فصل مهرجان الأطفال عن مهرجان الكبار فكل مهرجانات العالم لا تسمح أصلا بدخول الأطفال إلى عروضها إلا إذا كان الفيلم مناسبا للأطفال وتحدد ساعة صباحية لعرضه، والفيلم الجزائري المشار اليه ليس مناسبا على الاطلاق!
9- تعدد الجوائز بشكل يدعو للحيرة والدهشة بل والاستنكار، فقد سمحت لجان التحكيم لنفسها بابتكار عشرات الجوائز الأخرى (العشوائية) منها ما سمى بجوائز الأمل، وجوائز التصوير والموسيقى والمونتاج، وجائزتي التمثيل الثانوي، والتانيت الخاص، وجائزة راندة الشهال، وأخرى على اسم المخرج التونسي الراحل الياس الزرلي، وهكذا، على نحو ربما فاق عدد جوائز الأوسكار (المسابقة الوحيدة التي تمنح جوائز فرعية متعددة). وهو ما يفقد الجوائز قيمتها ويجعل المهرجان يبدو متميعا.
لقد بات من الضروري اعادة النظر في لائحة المهرجان بحيث يحدد عدد الجوائز وتحدد شروط منحها أيضا، فليس من المعقول أن يصعد رئيس لجنة من لجان التحكيم إلى المنصة في حفل الختام لكي يقول لنا إن اللجنة ابتكرت وابتدعت عددا من الجوائز التي يفوق عددها العدد الأساسي (جوائز التانيت الثلاث) عشر مرات!!
10- باستثناء النشرة اليومية والدليل الرسمي غابت المطبوعات باللغة العربية تماما، وفي ظل ندرة المطبوعات السينمائية في تونس كان يجب أن يهتم المهرجان بالنقد السينمائي (باللغة العربية) ويمنحه الفرصة للتعبير عن نفسه من خلال مجموعة من الكتب والكتيبات. ولكن الغريب أن يصدر كتاب "مدونة السينما التونسية" للناقد والباحث التونسي الهادي خليل مثلا عن ناشر خاص وليس عن المهرجان نفسه.
وأخيرا لعل هذه الملاحظات وغيرها تدفع إلى إعادة النظر في مسار المهرجان وتكوينه وتشكيله بما ينهض به ويمنحه دفعة قوية إلى الأمام بدلا من الاستمرار في الاحتفال بالذات الذي هو آفة أي عمل من الأعمال. ولعل أول قرار يتعين أن يتخذ من أجل تصحيح مسار هذا المهرجان هو جعله مهرجانا سنويا، فقد مضى ذلك العهد الذي كان يجب ان يقام فيه كل سنتين.

الخميس، 6 نوفمبر 2008

السلطات السورية مستمرة في قمع السينمائيين ومنع الأفلام

شملت مسابقة أفلام الفيديو القصيرة في مهرجان قرطاج السينمائي فيلما سوريا بعنوان "زبد" لمخرجة اسمها ريم علي، وهو فيلم يبلغ توقيت عرضه 42 دقيقة، وهو من انتاج معهد العالم العربي. وعندما ذهب الجمهور إلى قاعة العرض لمشاهدة الفيلم المدرج ضمن برنامج المهرجان وكذلك في الدليل العام للمهرجان، فوجئوا باستبداله بفيلم آخر بدعوى أن الفيلم لم يصل.

ولكن الطريف أن مخرجة الفيلم ريم علي كانت قد وصلت واقامت مع الوفود السينمائية في نفس الفندق، وشوهدت هنا وهناك، ولكن دون اي ذكر للفيلم. وقد تكرر غياب الفيلم عن كل العروض المحددة له مع فيلم آخر هو التونسي "ذاكرة امرأة". وبتحري الأمر علمنا أن السلطات السورية اتصلت بسفارتها في تونس التي قامت بدورها بممارسة ضغوط على ادارة المهرجان عبر القنوات الدبلوماسية لكي يمنع المهرجان الفيلم. وهو ما تم بالفعل.

اما الفيلم نفسه فقد حاولت الحصول على نسخة منه من المخرجة لكي اشاهده، وعرضت اجراء مقابلة اذاعية مفتوحة مع المخرجة حول الفيلم وما حدث على أن تبث عبر اذاعة بي بي سي، وقد وافقت هي بحماس كبير في البداية. ولكنها عادت فتراجعت ولم تظهر في الموعد حسب الاتفاق. وفهمت أن هناك من أخافها من الادلاء بحديث لمحطة اذاعية خوفا مما يمكن ان يحدث لها عند عودتها إلى بلادها.

وقد اضطرت لجنة تحكيم أفلام الفيديو إلى حجب جائزة الأفلام القصيرة بسبب منع عرض الفيلم في المهرجان، وهي سابقة خطيرة أيضا في مهرجان قرطاج يجب التنبه لها، إلا أن المسؤول الأول هو النظام السوري الذي يستخدم ضغوطا دبلوماسية على أعلى مستوى لحجب الفكر، ومنع كل ما يتعارض مع وجهة النظر الديماجوجية الغوغائية الرسمية المستمرة منذ حكم القبيلة المتشبثة بالبعث القبلي.

وهكذا يثبت النظام الحاكم في دمشق مرة أخرى ديكتاتوريته وفاشيته وعدائه الأبدي لحرية التعبير الفني والفكري والأدبي في الوقت الذي يتشدق زبانيته باقامة مهرجان (دولي) يزعم أنه يحتفي بالفن السينمائي فيما يتم قمع الأصوات المطالبة بالإصلاح في الداخل. ففي الوقت نفسه تأكدت أنباء وضع المخرج السينمائي الكبير محمد ملص تحت المراقبة ومنعه من السفر إلى الخارج بقرار من السلطات الأمنية وليس بقرار بسبب مواقفه المؤيدة لحركة ربيع دمشق التي تم قمعها بشكل دموي.

لا أعرف كيف يشعر السينمائيون والنقاد الموجودون حاليا فيما يسمى بمهرجان دمشق السينمائي وماذا سيفعلون، في الوقت الذي تقمع فيه اصوات كبار السينمائيين وتمنع الأفلام التي تتكلم بوضوح عن القهر السياسي في معتقلات نظام فقد كل مبررات وجوده بسبب طائفيته المقيتة وديكتاتوريته الفاشية بزعم أنه يواجه إسرائيل بينما يواجه الشعب السوري بأسنة الحراب.. وأي سينما تلك التي يحتفي بها الموجودن في دمشق!

الاثنين، 3 نوفمبر 2008

فيلم "تيزا" الفائز بذهبية قرطاج


رفض القهر، والأمل في التغيير

بقلم: أمير العمري


لم يأت فوز فيلم "تيزا" الإثيوبي بجائزة التانيت الذهبي في الدورة الثانية والعشرين لمهرجان قرطاج السينمائي مفاجأة، بل كان متوقعا من البداية، ولو لم يفز الفيلم بالجائزة التي تعد أرفع جوائز المهرجان، لكانت الجوائز قد فقدت مصداقيتها، فالفيلم يعد أحد الأعمال السينمائية الرفيعة القليلة التي ظهرت خلال العام الجاري، 2008.
ويعتبر فيلم "تيزا" Teza أو "العودة"، بمثابة عودة طال انتظارها لمؤلفه ومخرجه الإثيوبي المرموق هيلا جيريما، أشهر السينمائيين الأفارقة وأهم إضافة سينمائية من إثيوبيا إلى خريطة السينما في العالم منذ السبعينيات.
يروي الفيلم على مدار ما يقرب من ساعتين ونصف الساعة، قصة طبيب إثيوبي شاب، غادر بلاده في الثمانينيات وعاش سنوات طويلة في ألمانيا الشرقية (السابقة) حيث درس هناك الطب، ثم قرر العودة إلى بلاده للقيام بدور فاعل في محيطه الاجتماعي، ومساعدة اهل بلدته والمساهمة بخبرته وما حصله من علم، في علاجهم.
غير أن بطلنا الشاب يعود فيجد نفسه قد أصبح محاصرا بشتى أنواع المشاكل. هذه المشاكل تنبع أساسا من الجهل، والإيمان بالخرافات، وسيطرة القيم القبلية.
بطلنا يسير في عالمه القديم- الجديد، تطارده ذكريات طفولته "عندما كانت الأشجار تثمر تفاحا" على حد تعبيره، وأصبحت الآن جافة، جدباء، لا نفع فيها ولا جدوى.
شريط الذكريات يختلط بالواقع الكئيب، ويصنع المخرج منهما عملا ملحميا كبيرا يطرح من خلاله الكثير من القضايا التي نجد لها صدى في الكثير من بلدان العالم الثالث.
هناك مشاكل الفقر والمرض والجهل التي يرجعها الفيلم إلى استنزاف موارد البلاد. لكنه أيضا يوجه انتقادات قاسية لعهد الجنرال مانجستو، الذي انقلب على الامبراطور السابق هيلاسيلاسي عام 1990، وأقام نظاما يحكم باسم الاشتراكية والعدل على حين اشاع الفوضى والاضطهاد العرقي والقلاقل والتصفيات الدموية للمعارضين، واشعل صراعا لا يهدأ بين القوات الحكومية وقوات المتمردين.
بطلنا يقع في الحب، ويتزوج، لكنه يكسب زوجة ثم يفقد أعز صديق له، رفيق حياته في المهجر الذي عاد معه إلى الوطن، لكي يكتشف استحالة الاستمرار في تحقيق ما كان يصبو إليه. وصديقه يفقد حياته في إطار تصفيات النظ ام الدموية لمعارضيه السياسيين قبل أن يتمكن من العودة مجددا إلى المهجر في أوروبا.
يبدأ الفيلم بلقطات لرسوم قديمة تصور الإلهة التي تحاسب الناس يوم الحساب، على خلفية لغناء شعبي شجي تقول كلماته "أين الرجال.. يوم الحساب اقترب.. أين الرجال الذين يفضون التعويذة.. ويكشفون السر" ثم يأتي صوت البطل يقول: النار فقط هي التي تعرف بعودتي".
ونرى مجموعة من الرجال يرتدون الملابس البيضاء يرحبون بالشاب العائد بعد غياب.. النساء تطلق زغاريد الفرح.. ويحتضن الجميع العائد ويصحبونه في موكب أخاذ.
لكن هذا الجو الاحتفالي المميز لا يطول، يقطعه المخرج ليدخلنا مباشرة إلى قلب موضوع فيلمه الذي يناقش القهر: هو أولا يحدد لنا زمن الاحداث في 1990، ثم نرى لقطات لجنود الحكومة وهم يطاردون شباب القرية، لكي يقبضوا عليهم يسوقوهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية ويرسلونهم إلى الحرب.
التعليق على شريط الصوت يقول بصوت البطل "عرفت وقتها أن بلادي تخوض حربا". والده كان بطلا ناضل ضد الاستعمار الايطالي وقتل العشرات من الجنود الايطاليين كما يقول له أهل البلدة. تزحف امرأة عجوز تريد التبرك به، تحاول تقبيل يده لكنه ينهرها قائلا إن هذا مجرد هراء. إنه يعبر من البداية عن رفضه الخضوع للموروث المتخلف.


الدين والأسطورة
يتجول البطل في القرية. يلمح مبنى كبيرا مميزا له سقف من جذوع الأشجار. إنها كنيسة القرية. في الداخل يمارسون طقسا من طقوس العبادة، يتسلل إلى الداخل لكنه سرعان ما يفر في فزع شديد. الرجال يتعجبون من حالته.
يتأمل في البيئة الجافة من حوله: ماعز، أطفال يلعبون.. طفل يتوقف ويشير إليه أن يلحق به. يبدو هذا الطفل الذي يتكرر ظهوره كما لو كان مرادفا لطفولة البطل نفسه. يتداعي الماضي في مخيلته: "هذا جبل موسوليني حيث كنت ألعب وأنا صغير".
لقطات رائعة للشمس تنعكس على صفحة مياه النهر. قارب والطفل يضرب صفحة الماء بالمجداف. موال شعبي ينطلق. "والدي قتل في معركة جبل تيزيت على أيدي عسكر موسوليني".
فجأة نرى أطفالا يجرون ويصيحون "تقدمي ياإثيوبيا على طريق الاشتراكية". المعلم في المدرسة يشرح للتلاميذ كيف يجب أن تتمسك إثيوبيا بمبادئ الاشتراكية. يتأمل العائد، يرى امرأة تحمل وليدها الرضيع على ظهرها. أولاد يطاردهم العسكر. أم أحد الأولاء تهجم على العسكر تحاول منعهم من القبض على وليدها.
عند بحيرة تانا التي يصفها البطل بأنها "المكان الذي يلتقي عنده الماء بالسماء.. وحيث انتهى عملي" نرى أطفالا يقفزون في الماء ويسبحون. البطل يعاني من ضعف الذاكرة.. يتساءل بصوت مسموع: كيف لي أن أحقق ما تنتظره أسرتي مني وأنا بلا ذاكرة. أين أذهب؟
رجل مسن يسأله: هل عندك ذاكرة للبلاد التي زرتها؟ امرأة تسأله في دهشة: إلى من تتحدث؟ هل أنت بخير؟
أمه تحدثه عن سر المياه المقدسة (الذين عاشوا في الخارج لا يعرفونها). يتجمع حشد من الناس يقيمون الصلاة عند نقطة تشتعل فيها النيران. الأم تحتضن ابنها بينما يصرخ هو ويبكي. هي لا تفهم ما يحدث له، تحضر شقيقته تبكي عليه، ويقرا قس من الانجيل ويصلي عليه. الإبن يفقد رشده.
يتجمع حوله أناس من أهل القرية، يدق جرس الكنيسة، يسحبونه إلى داخلها ويرشونه بالماء المقدس الشديد البرودة.. صوته على شريط الصوت يقول لنا: أعادتني صدمة الماء البارد إلى رشدي.
في برلين الشرقية حيث كان يدرس ويقيم، مناقشات بين فتيات ورجال من افريقيا وفتيات ألمانيات منهن من تزوجت اثيوبيا صديقا للبطل.
مناقشات حول العنصرية: هل ستقبل ألمانيا طفلا أسود من امرأة ألمانية؟ كساندرا فتاة من الكاميرون تروي كيف انتحرت امها في ألمانيا هربا من العنصرية. هو يقول إن الاشتراكية هي الحل لمشاكل الفقر والتخلف.



الماضي والحاضر
هذا الأسلوب في الانتقال ما بين الحاضر والماضي، يستمر طوال الفيلم في نسيج مركب وشديد الثراء. ويعتمد المخرج الإيقاع السريع في الانتقال ما بين اللقطات. إنه ينسج فيلمه من نثرات، ومن لقطات تتداعى في ذهن البطل، ويجعل بطله شاهدا على كل ما يمر به.
ويمزج جيريما في فيلمه بين الماضي والحاضر، وبين الكوابيس التي تطارد بطله باستمرار، والذكريات التي تبزغ لكي تطارده دفعة واحدة من الماضي.
ويستخدم الموسيقى والأغاني الإثيوبية الريفية في التعليق على الأحداث أو التمهيد لها، كما تضفي طابعا ملحميا غنائيا على الفيلم.
ودلالة على بشاعة الظروف التي انتهت إليها إثيوبيا تحت حكم الجيش في عهد منجستو، نرى امرأة إثيوبية من نساء القرية تقتل ابنها داخل الكنيسة خنقا بسبب عدم استطاعتها توفير الأكل له. يطاردها الأهالي ويقبضون عليها يريدون الفتك بها، لكن البطل يخلصها من بين أيديهم. تروي له قصتها وتختتمها بالقول: "كان ميتا بالفعل".
عودة إلى الماضي القريب بعد وصول البطل من الخارج وقبل عودته إلى القرية. يقضي فترة في الفندق مع صديقه الذي كان وراء قرار عودتهما معا. لكن الصديق سرعان ما يكتشف خطورة النظام الجديد الذي يحكم باسم الاشتراكية: إنك لست في ألمانيا هنا. هنا إما أنت معنا أو ضدنا.
بطلنا الطبيب يكتشف أن الكثيرين يموتون بسبب أمراض قابلة للعلاج. داخل المستشفى يرى زميله كيف يذبح متعهد اللحوم الذبائح داخل المستشفى قبل التأكد من سلامتها. لكن المتعهد قيادي في الحزب الحاكم، وزعيم من زعماء العمال، يقود مظاهرات التاييد لنظام منجستو، يعطل العمل، ويعقد اجتماعات حزبية داخل المستشفى.
اعتراض صديق البطل على كل هذه الممارسات ينتهي بقتله في مشهد بشع مثير للرعب. وبطلنا نفسه يصبح مهددا بسبب اعتراضه، يحولونه إلى مجلس تأديب ويطلبون منه ادانة نفسه، لكنه يرفض، يقضي المجلس بأنه "أكد بهذا أن سلوكه غير ثوري".
يلوحون له بمعلومات تلقوها من الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية تدمغه بالانخراط في أنشطة معادية للنظام.
داخل مقهى ينشد مغن عجوز أغان تقول إن كل الذين ناضلوا ضد الفاشيست الايطاليين أعدموا. رجل ينتفض ويهتف: إثيوبيا أولا. ينهره المغني بصرامة. بعد قليل يأتي الجنود ويقبضون على المغني.

المخرج هيلا جيريما

دراما تسجيلية
يستخدم المخرج الأسلوب التسجيلي ويمزجه بالدراما الروائية التي نتابع خيوطها، ويجعل من بطله رمزا لتيار الوعي الذي لا يموت، كما يضفي عليه مسحة تجعله مرادفا أو معادلا دراميا لشخصية المخرج نفسه، ومرآة يعكس من خلالها مشاعره وأحاسيسه عندما يعود إلى وطنه من محل اقامته في الولايات المتحدة.
وهو يستخدم أيضا المزج بين الماضي والحاضر، وبين الواقع والأحلام والكوابيس التي تمتلئ بالدماء وذبح الأبقار، والمطاردات المرعبة. وتتكرر عبر الفيلم في خيال البطل لقطة لصنبور يسرب الماء ببطء شديد ويصدر صوتا مرتفعا في الليل. وتتكرر لقطة البطل وهو يستيقظ يحاول أن يفتح الصنبور بقوة دون جدوى، فهو لا ينفتح أبدا لدرجة تجعل بطلنا يضرب راسه في الحائط إحباطا ويأسا.
يتم اعتقاله في النهاية ويسوقونه في سيارة عسكرية إلى مبنى محاط بحشد من الجنود. يلتقي في الطابق الثاني بمسؤول حزبي يدعوه للجلوس وتناول الشاي، ثم يقول له إنهم قبضوا على قتلة زميله الدكتور روتسنايا، ويطالبه بضرورة القيام بواجبه تجاه الثورة. وتتحرك الكاميرا ببطء إلى أن تستقر على صورة منجستو المعلقة على الحائط.
الصنبور ينفتح في النهاية لكن بطلنا يغادر هربا إلى ألمانيا. وهناك يكتشف أن ابن صديقه فر من أمه الألمانية البيضاء بعد أن تعمقت المسافة بينهما وأصبح يهيم على وجهه مع مجموعات من المشردين في الشوارع. وعندما يقابله البطل يقول له: إنها لن ترتبط بي أبدا لأنها مختلفة. أبي فقط كان يمكنه أن ينقذني. أنا أفريقي في برلين.
يسقط جدار برلين وتأتي جماعة من الألمان العنصريين يهاجون المبنى الذي يقيم فيه مع عدد من الأفارقة المهاجرين. يعتدون عليه بالضرب المبرح، تتحطم عظامه. لكنه مازال حيا يروي ويتذكر القرية وجثة صديقه.
المرأة التي تزوج بها في القرية تلد ولدا. النساء يملئن الجبل، يفترشنه في لقطة مبهرة تجعل الأرض ملكا للنساء.. أو مملكة لهن، بعد أن تحررن من سيطرة الرجل. إنها صورة ما بين الواقع والخيال.

الفيلم والطبيعة
يمتلئ فيلم "تيزا" باللقطات الخلابة لإثيوبيا بمناظرها الطبيعية الممتدة، وسمائها الصافية، وأجوائها الطبيعية المتنوعة، ويتوغل مخرجه في تصوير البيئة الأرضية الطبيعية في علاقتها بالبشر أنفسهم: النباتات والحيوانات والطيور والحشرات، وطعم التربة الحمراء، ورفرفة أوراق الشجر، ولون جداول الماء التي تتهادى بين جنبات تلك التلال الخضراء.
إنها قصيدة غزل مرئية في حب الوطن، بقدر ما هي صفعة هجائية ضد القهر، وصرخة في وجه التخلف وقسوة الإنسان على الإنسان.
القهر في الوطن، والعنصرية في المهجر. إن البطل يفر في النهاية إلى الشتات، ولكنه لايزال يواجه الاضطهاد، بينما يحمل الوطن وهمومه على كتفيه وفي وعاء ذاكرته إلى الأبد، ويبدو بالتالي، محكوما بالعذاب الأبدي.
لكن المخرج يختتم فيلمه ببصيص من الأمل عندما يجعل الطفل الوليد، الذي تنجبه الزوجة لبطلنا، رمزا لاستمرار رحلة المعرفة والوعي والرغبة في التغيير. تغيير الوطن وتغيير العالم لكي يصبح أكثر جمالا وحبا وانسجاما.
والعالم عند جيريما ينطلق من القرية، من البيئة المحلية الخاصة، إلى الدنيا الفسيحة، ولعل هذا البعد في الفيلم هو ما يضفي عليه لمسة إنسانية ويجعل الجمهور في العالم يتفهمه ويتعايش مع شخوصه، وينفعل بصوره ولقطاته.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger