بقلم: فجر يعقوب
اختتمت قبل أيام فعاليات الدورة الخامسة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي
للسينما التسجيلية والقصيرة بتوزيع الجوائز على مستحقيها، وبعضها رعته جهات
متخصصة في هذا النوع من الأفلام في تعاون أول لها مع إدارة المهرجان
الجديدة المؤلفة من المخرج مجدي أحمد علي (رئيساً)، والناقد السينمائي أمير
العمري (مديراً) له. هنا ثمّة رسائل جديدة طافية على سطح القناة البحرية
الخالدة، أو بمحاذاة بحيرة التمساح التي تدخل هنا عنصراً إضافياً في تلوين
صفحة المهرجان،
وهو يستعيد ألقه هذا العام، بعد أن توقف قسراً في العام الماضي بحكم الظروف
التي مرّت بها “أم الدنيا”. بعض هذه الرسائل يجيء من السينما الجديدة التي
ينبّه إليها المهرجان، وبعضها يجيء من استعادات وتجارب لا يمكن نكرانها في
سياق الزمن السينمائي “الجميل”، مع أنّه ثمّة من حاول، في السياق ذاته،
التشويش وإرباك البرنامج من خلال الأعداد من خارج جسم المهرجان لقسم ملتبس
عن السينما التجريبية، رغم أنّ معظم الأفلام التي عُرضت تحوي نفساًَ
تجريبياً باهراً، وليس بحاجة إلى مزاعم من هذا النوع تحت أيّ بند أو مسمّى.
باءت المحاولة بالفشل طبعاً، فليس ثمّة هنا من يرهن برامجه لمحاولات فقيرة
لاتؤدي بأصحابها إلا إلى الإفلاس، وانتظار المهرجان التالي، بغية الترزّق
والنوم في “عسل” النقد السينمائي المريض القائم على الوهم والخيالات
المجدبة.
بالنسبة إلى الضيوف العرب الذين سبق لهم أن حضروا بعض الدورات
السابقة، سيبدو سهلاً أمامهم ملاحظة بعض الفروقات الجوهرية التي شابت هذه
الدورة، حتى مع تخفيض ميزانية المهرجان إلى النصف تقريباً بحكم الظروف
الاستثنائية والطارئة التي يمرّ بها البلد المضيف. وبالطبع لم يكن التخفيض
الاضطراري هو العلامة الفارقة هنا، فهي بالكاد لوحظت من قبل الضيوف العرب
والأجانب، وظلّت محصورة بأهل المهرجان فقط؛ إذ وجدت الإدارة الجديدة
“ضالتها” في بعض المشاركات من قبل بعض الجهات الراعية، وهو قد انعكس
إيجاباً على التحديات التي فرضتها تعقيدات الوضع الحالي الذي تلا انتخاب
محمد مرسي رئيساً لمصر، وحجم التحديات المفروضة على مختلف مناحي المجتمع
والدولة.
الدورة الخامسة عشرة من المهرجان ستشكّل انعطافة في تاريخه،
ليس لجهة اختيار رئيس ومدير جديد له فقط. هذه ربما تلحظ في الدورات القادمة
أكثر، فلا أحد ينكر هنا أنّ الظروف التي تمر بها البلاد، بالفعل،
استثنائية، وتأخذ طابعاً يغالبه التحدي والمكابرة، فالأخبار التي تتوزعها
البلاد، أو حتى في المدينة البحرية التي تستضيف فعالياته كانت مقلقة إلى
حدّ ما، فبعد أيام فقط من اختتام المهرجان نقلت وسائل الإعلام خبراً عن
قيام ثلاثة متشددين من جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نقلاً عن
شهود عيان بقتل شاب من “ثوار” السويس بالسيف كان برفقة خطيبته بالقرب من
الكورنيش المحاذي لسينما رينسانس نفسها التي شهدت على برامج العروض، ما
يعني أنّ المدينة البحرية الوادعة تمرّ بانعطافة جديدة ومسار مختلف، ربّما،
يفرض تحديات أكبر على الدورات القادمة من الآن فصاعداً، وهذا بالتأكيد
ستلحظه إدارة المهرجان، وتأخذه في الاعتبار، فحتى حادثة من هذا النوع، لا
يمكن تجاهلها، بخاصة أنّ أحاديث جانبية كانت تدور هنا وهناك عن محاولات
“متشددين” من أهل المدينة تنظيم مظاهرات احتجاجية ضدّ المهرجان بذريعة
“الميزانيات الضخمة” التي يصرفها على فعالياته وضيوفه، لكن شيئاً من هذا لم
يحدث.
ربما
تكون المصادفة وحدها هي ما دفع باتجاه تنظيم العروض في سينما “النهضة “.
ربما لايتعدّى الأمر تضامن المنتجة السينمائية إسعاد يونس “صاحبة الصالة”
مع السينما والسينمائيين، بعد أن “فشل” قصر الثقافة سابقاً في حلّ عقدة
التواصل بين الجمهور الاسماعيلي والنشاطات السينمائية التي يجيء عليها
المهرجان سنوياً، وظلّت “حكراً” دائماً على الضيوف. ومع ذلك بدا لافتاً
أنّ تقريب هذه الفعاليات التسجيلية من المدينة قد غيّر قليلاً في شكل
هذه العلاقة الملتبسة، وربما أوجد حلولاً في منتصف الطريق إن أمكن قول
ذلك، وهذا قد يفوسط رض تحديات أكبر في ظلّ ظروف بالغة التعقيد، لا يمكن
نكرانها أو القفز عنها، فحتى اللحظة لم يكن ممكناً التكهن بالنظرة الجديدة
التي أخذت بالتكون حول الفن والسينما والمهرجانات في البلاد، وهذا أمر لم
تغفله الإدارة الجديدة، فقد لحظته في الافتتاح، وفي الختام، وحتى من
طريقة برمجة العروض نفسها، كان ثمّة رسالة واضحة، من نوعية التوجه الذي
سيحكم إيقاع السينما والسينمائيين المصريين المعنيين، مثل شرائح مجتمعية
أخرى، وربما أكثر من غيرهم، بالتوجهات السياسية للحكام الجدد. ربما جاءت
“نوستالجيا مصرية” في هذا السياق لتؤكد على عمق هذه النظرة من خلال أفلام
قصيرة لسينمائيين مصريين روّاد وطليعيين، تؤكد على الولاء للسينما بمختلف
وجوهها، وهذا ما لحظه الضيوف في طبيعة الأفلام نفسها التي عرضت وشكّلت
مناسبة مهمّة للتعريف بالجوانب المنسية لمخرجين كبار من وزن صلاح أبو سيف،
وخيري بشارة، وداود عبد السيد، ومحمد خان، وهاشم النحاس، وعلي بدرخان،
ونبيهة لطفي، وعاطف الطيب، وآخرين. هل في الأمر إعادة هنا؟ وربما لا، ففي
الأمر استزادة، بخاصة أنّ تنظيم مثل هذه النظرة السينمائية على ماضٍ
سينمائي “جميل” يحمل في طيّاته رسالة مهمّة على هذا الصعيد لا تقل عن
رسائل الأفلام نفسها التي واكبت “ثورة” 25 يناير، وأطاحت نظام الرئيس حسني
مبارك، وتشي بتحديات جديدة، جسيمة وصعبة ومنفردة بتعقيدات لاحصر لها،
ربما تزيد في دقة الأفلام التسجيلية التي يَعِد المهرجان باستضافتها في
دوراته القادمة، بعد أن تيقن الجميع هنا في المدينة البحرية من أنّ الواقع
لايغلبه غلاب، وأنّ سينمائيي البلد المضيف عازمون على قبول مثل هذه
التحديات.
0 comments:
إرسال تعليق