الغاء مهرجانات السينما التي تقام في مصر هذا العام بسبب الأوضاع السياسية والأمنية لو كان سيساعد أيضا في اعادة النظر في هذه المهرجانات وكل ما يحيط بها بحيث يمكن تطويرها شريطة أن يتعاون في ذلك الخبراء والمثقفون والسينمائيون، ولا يترك الأمر لجهاز الدولة البيروقراطي الذي أثبت فشله في ادارة العملية الثقافية كلها منذ فض أنور السادات ذلك التحالف عير المكتوب، بين المثقفين والدولة، قبل أربعين عاما وقرر أن يصبح "كل شيء للبيع" (وهو عنوان فيلم من أفلام أندريه فايدا العظيمة)!
لقد أصبحت مهرجانات السينما في مصر مهرجانات سيئة السمعة، وهو التعبير الذي استخدمناه منذ التسعينيات ويجده البعض "غير مفهوم" في أحسن الأحوال!
لقد أصبحت مهرجانات السينما في مصر مهرجانات سيئة السمعة، وهو التعبير الذي استخدمناه منذ التسعينيات ويجده البعض "غير مفهوم" في أحسن الأحوال!
والمقصود بسوء السمعة هنا التدني في كل شيء: من أول الافتتاح الى البرنامج الى نظام العرض الى تشكيل لجان التحكيم الى الختام.
المشكلة المزمنة المعروفة التي كانت دائما تتكرر في معظم مهرجانات مصر السينمائية هي تقديم المسؤولين من أول الوزير (رمز السلطة الغاشمة الفاسدة) إلى المحافظ وغيره على كل الفنيين المسؤولين عن المهرجان نفسه وأولهم يجب أن يكون المدير الفني، لكن في مصر هذا المدير الفني غير موجود أو مهمش أو مغيب تماما، فالنظام المهرجاني في مصر "رئاسي" يتمتع فيه الرئيس أي رئيس المهرجان، أي شيخ القبيلة أو ناظر العزبة أو المسؤول عن ادارة تلك "الاقطاعية" التي حصل عليها مكافأة من أسياده في قمة السلطة على إجادته دور "الحذاء" أي حذاء السلطة، يتمتع بكل جوانب الوجاهة والظهور الاعلامي الوقح دون أن يكون له أي دور في الواقع، بل إنه في الحالة المصرية لا يعرف اصلا من هم ضيوف المهرجان ولا أهمية أفلامه اذا كانت لها أي أهمية، كما لا يطلع على أي جانب فني يتعلق بمسار المهرجان، اكتفاء بالظهور في حفلي الافتتاح والختام والوقوف أمام الكاميرات لالتقاط الصور مع النجوم!
اما موظفي وزارة الثقافة الذين يتولون مناصب مديري المهرجانات التي تصف نفسها بـ"الجادة" فهم أيضا لا يتمتعون بأي درجة من درجات المعرفة بثقافة المهرجانات، ويتصرفون عادة كخدم للوزير، ولا يستنكف الواحد منهم أن يقف على المنصة في حفل الختام لكي يسرد على الوزير احصائية بالارقام لعدد الافلام والضيوف وغير ذلك من "انجازات" مهرجانه وكأنه يقدم تقريرا لرئيسه وولي نعمته!
وعندما نقول إنها مهرجانات "سيئة السمعة" فنحن نقصد أنها مهرجانات لا تحترم جمهورها بل تمارس الاحتيال عليهم، فهي لا تحترم تقاليد العرض المتعارف عليها عالميا (وضوح الصوت والصورة وملائمة دور العرض من حيث المقاعد وتصميم الشاشة واجهزة الصوت..الخ) كما لا تحترم تقاليد المشاهدة، فهي تسمح لفئة معينة من الجمهور (من موظفي وزارة الثقافة وأفراد أسرهم) بالدخول والخروج من قاعات العرض وقتما شاءوا طوال عرض الفيلم بما يحدثه هذا من ضجيج وفوضى مستمرة وممتدة في ظاهرة لا وجود لها في أي مكان على وجه الأرض!
وهي "سيئة السمعة" أيضا لأنها مهرجانات لا تحترم البرنامج الذي تضعه، فأنت تذهب الى دار العرض لمشاهدة فيلم معين موجود في البرنامج في هذا الوقت لكي تجد فيلما آخر مختلفا مكانه أو لا تجد أي فيلم على الاطلاق، فالأمر يخضع لمزاج صاحب دار السينما الذؤي ربما يجد أن الفيلم المعروض لا يجذب شريحة كبيرة من الجمهور فيمنع عرض الفيلم، وقد يمنعه أيضا في حالى وجود مشاهد فيه لا تتناسب مع نظرته الخاصة للسينما!
وهي "سيئة السمعة" لأنها لا تحترم النشاط الثقافي، من ندوات ومطبوعات، ولا تحترم الصحافة الدولية فتترجم لهم المؤتمرات الصحفية أو المعلومات، كما لا تحترم جمهورها الأصلي في بلد المهرجان بتجاهل ضرورة ترجمة الأفلام الى اللغة العربية اكتفاء بالانجليزية أو الفرنسية!
"سيئة السمعة" لأنها تقدم حفل العشاء على فيلم الافتتاح، أي تضفي عليه أهمية كبرى تجعل الضيوف يغادرون القاعة قبل عرض الفيلم بينما يتطلع مخرج الفيلم في استغراب ودهشة!
وكما حدث أكثر من مرة قد يعرض الفيلم دون ترتيب في فصوله أي يعرض الفصل السابع مكان الرابع دون أن يدرك أحد الخلل، وعندما ينتبه مخرج الفيلم ويلفت نظر المسؤولين عن العرض لا أحد يهتم بوقف العرض واعادة عرض الفيلم بالترتيب الصحيح. وقبل ثلاث سنوات فقط عرضت لقطات من أفلام جوليانو مونتالدو بدلا من أفلام ماركو بيللوكيو الذي كان مكرما في المهرجان، وكان الرجل يقف على المنصة الى جوار وزير الحظيرة فاروق حسني فتناول الميكروفون وقال انها هذه اللقطات ليست من افلامه ولنما من افلام صديقه المخرج الايطالي الذي يكن له كل ود وتقدير واحترام، ولم يعتذر أحد من ادارة المهرجان واكتفى الوزير بالابتسامة البلهاء!
وسيئة السمعة أيضا لأنها تضع عددا كبيرا من الأعضاء في لجان التحكيم من الدولة المضيفة إلى جانب واحد أو اثنين من الدول العربية "الصديقة" أي أن مهرجانا مثل مهرجان القاهرة يتحول الى مهرجان "إقليمي"، كما أنه يصبح مهرجانا محليا عندما يصر على الاحتفال (أو تكريم) عدة شخصيات سينمائية وموسيقية من مصر، وقد يصل العدد الى سبع شخصيات، وفي سورية يصل الى 12 شخصية، فماذا نطلق على تلك المهرجانات التي تحتفل بنفسها. وعندما لا تجد شيئا تفعله تجعل دورة المهرجان مخصصة للاحتفال بالسينما المصرية، ولكن عن طريق الاستعراض وليس عرض مجموعة من الأفلام الجيدة في نسخ جديدة صالحة كما يعمل به في العالم.
إنه منطق السلعة المغشوشة والاحتفالية الزائفة واختصار المهرجان السينمائي الذي يفترض أن يقيم ندوات ومناقشات ومؤتمرات للاحتكاك الثقافي بين الشرق والغرب، إلى "زفة" على البساط الأحمر!
هل سيتمكن نفس الأشخاص الذين كانوا دائما هناك، في الحياة الثقافية والسينمائية في مصر، من الإصلاح والتقويم وتقديم خطط بديلة للنهوض بمهرجانات السينما، وهل يمكن أصلا التجديد باستخدام "القديم"!
1 comments:
رائع
إرسال تعليق