معالجة جديدة للمسرحية الشهيرة
استمتعت أخيرا بمشاهدة الإنتاج الجديد لمسرحية شكسبير الشهيرة "هاملت" التي تعرض حاليا على مسرح أوليفييه التابع لدار المسرح القومي البريطاني National theatre في لندن.
قدمت هاملت منذ أن كتبها شكسبير عام في 1601 آلاف المرات، في المسرح وفي السينما، في معالجات وتفسيرات مختلفة، وقام بالدور الرئيسي عدد من ألمع الممثلين في تاريخ المسرح البريطاني مثل لورنس أوليفييه وجون جيلجود وكنيث برانا وغيرهم.
أما العرض الجديد فيقدم هاملت مختلفا تماما عما سبق تقديمه. إنه هاملت عصري بكل معنى الكلمة، فهو أقرب الى طالب يعيش في غرفة غير منظمة، يلقي الكتب هنا وهناك، يدخل السجائر، يسعى بكل الطرق لمعرفة من الذي قتل والده ملك الدنمارك، ويصر على إنزال العقاب بالقاتل وهو عمه كلاوديوس الذي تزوج والدته جيرترود.
هاملت العصري هنا، شاب متمرد يعيش في عالم أصبح يمتليء بالعنف. كلاوديوس يبدو مثل حاكم ديكتاتور أو رجل أعمال يمتلك امبراطورية صناعية، يوظف حراسا مدججين بالسلاح، وشرطة خاصة تراقب هاملت وجميع الشخصيات الأخرى في المسرحية، تستخدم أجهزة الاتصال الحديثة.
هذه المعالجة العصرية، بالملابس الحديثة، وبلغة رفيعة ولكن قريبة من المشاهد العادي، لغة كل يوم مع إيحاءات شعرية خاصة، تنجح تماما في تقديم مضمون معاصر للدراما الشهيرة.
عندما ينطق هاملت بمونولوجه الشهير "تكون أو لا تكون" يجعله المخرج نيكولاس هيتنر يدخن سيجارة، بل هو يشعل كثيرا من السجائر خلال العرض، كما يجعل أمه جيرترود وقد أقبلت على احتساء الويسكي في محاولة للتغلب على احساسها بالذنب إزاء ابنها، بعد ان تزوجت قاتل أبيه.
أما أوفيليا هنا فهي فتاة من الممكن أن تكون ابنة الجيران: وعندما تفقد عقلها تجوب خشيبة المسرح وهي تدفع عربة من عربات التسوق التي نستخدمها في"السوبرماركيت". وبدلا من أن تموت غرقا في حادث عرضي، هناك اشارات واضحة الى أن الشرطة الخاصة التابعة لكلاوديوس هي التي قامت باغراقها.
وعلى الرغم من الطابع التراجيدي المعروف لمأساة "هاملت" أمير الدنمارك- وهو العنوان الأصلي للمسرحية، إلا أن شخصية هاملت بتكوينها الخاص، كشاب شديد الحساسية، يمتلك خليطا من البراءة والتمرد على الواقع، بين ذكاء المثقف وحسه الساخر، وجموح الابن الذي يرغب في انزال الانتقام بخصمه.
الإعداد الدرمي والمعالجة الدرامية تجعل شخصيات "هاملت" متعددة الأجناس فدور أوفيليا مثلا تؤديه ممثلة هندية بلكنتها، وهوراشيو يؤديه ممثل أسود، ولاريتيس يؤدي دوره ممثل من أصول لاتينية ينطق الانجليزية أيضا بلكنة اجنبية واضحة، وهكذا، في إشارة لا تخفي دلالتها على أننا أمام لوحة درامية معاصرة لما يحدث في العالم.
هذا العرض لاشك ان من أهم ما يميزه ذلك الأداء المميز للممثل الشاب روي كينيار في دور هاملت، فهو يحمل العرض باكمله على كتفيه، ينوع ويجدد في استخدام الحوار، يعرف أين يتوقف، وكيف يمط الكلمات حينا، أو يضغط عليها حينا آخر، يمزج بين الحس المأساوي والحس الكوميدي، يبدو واعيا بما يوجد حوله من شرور، لكنه أيضا يتمتع بوجود أقرب الأصدقاء بالقرب منه "هوراشيو". إن هذا العرض يعد ميلادا حقيقيا لممثل كبير سيمضي موهبة راسخة في المسرح والسينما البريطانية بلاشك.
ولعل من المثير للاهتمام أيضا أن نعرف أنه بدءا من التاسع من الشهر القادم ستعرض هذه المسرحية في مئات من دور العرض السينمائي في الولايات المتحدة وبريطانيا على الشاشات بعد تصويرها بكاميرا الفيديو، في تطور من الواضح أنه سيصبح سمة راسخة من سمات العلاقة بين المسرح والسينما في المستقبل.
0 comments:
إرسال تعليق