* هناك أولا بعض الرسائل التي تتساءل عما إذا كنت طرفا في مدونة جديدة صدرت باسم "سرقات سينمائية". ولهؤلاء أقول بوضوح إنني بلا اي شك مع فكرة التصدي لمحاربة السرقات الأدبية والفكرية خاصة على الفضاء الالكتروني، من باب أن للناقد والكاتب كل الحق في الحصول على حق النشر، وليس من حق أي شخص أن ينهب جهد الآخرين وينسبه إلى نفسه.
ولكني أؤكد ايضا لهؤلاء أنني لست طرفا في هذه المدونة التي صدرت أخيرا، ولست من أعضاء هيئة تحريرها ولا صلة لي بها، بل إنني رفعت زاوية من زوايا مدونتي "حياة في السينما" كانت تحمل عنوان "سرقات سينمائية" لكي لا يختلط الأمر على الآخرين. والواضح لي من المدونة الجديدة أنها لا تهتم فقط بالجانب الذي يعنيني وهو سرقة النصوص النقدية بل تتطرق إلى جوانب أخرى مثل عمل مديري المهرجانات ومبرمجي الأفلام والمشرفين على التظاهرات السينمائية، وغير ذلك من الامور.
* هل يمكن تنسيق عمل النقاد في تجمع عربي يضمهم؟ سؤال طرحه كثيرون أيضا سواء من خلال الرسائل أو بشكل مباشر اثناء زيارتي الأخيرة إلى القاهرة. وردي على ذلك بكل بساطة إنه ما لم توجد اساسا تجمعات لنقاد السينما (محلية) أي في البلدان العربية التي تعرف النشاط السينمائي، تتولى حمايتهم والدفاع عن مصالحهم وتمثيلهم أمام الجهات الرسمية المحلية والدولية، فلن يكون لأي اتحاد عام أي معنى خصوصا لو نشأ في المهجر أي في أوروبا او أمريكا مثلا.
* تلقيت قبل فترة هذه الرسالة الطويلة من الصديق محمود مخلص:
أكتب إليك بعد فترة طويلة من الغياب منذ آخر رسالة والتي كنت اتكلم فيها عن افلام الاوسكار. ولكن هناك الكثير من الاحداث التي حدثت ومنعتني من الكتابة ولكن لم تمنعني من متابعة المدونة، فقد توفي والدي منذ شهرين وظهرت لنا البيروقراطية المصرية في احلي صورها والتي لاتحترم اي نوع من حزن الاهل علي وفاة الميت.
تابعت كلامك عن صلاح عيسي والمثقفين الذين غيروا موقفهم ولا اعرف فعلا ما هو تأثير سيادة الوزير الفنان عليهم كلهم؟ وحتي محمد صبحي الذي اعتقدت ان له موقفا ثابتا من الوزير انساق له عندما جعله مستشاره للمسرح، ويعتقد انه يستطيع حل مشاكل المسرح بلجنة وما اكثر اللجان في مصر!
وسبقه ايضا عبد الرحمن الابنودي الذي تنكر لمواقفه الثابتة بل تبني الكثير من مواقف الحكومة طبعا مقابل ان يطلق عليه الخال عبد الرحمن،
واخرين واخرين والذين يحصلون علي مكانة وتستضيفهم الفضائيات لمجرد كبر سنهم وكلامهم علي تاريخ ساذج من صنعم هم- يذكروني بشخصية في فيلم اماركورد الذي يصر على أن يحكي حكاية عن كل شيء- اليس كذلك؟؟
* "يهيمون حبا بأسلوب ولغة كياروستامي ويبالغون كثيرا في تفسير خواء أفلامه وفراغها، وجنوحها إلى التجريد، وافتقادها المرعب إلى روح السخرية والمرح، وتركيزها على "الريفي" و"البدوي"، وابتعادها المتعمد، عن تناول أي مشاكل اجتماعية قائمة، وتغييبها المرأة على نحو ما، بحيث يمكن أن نقول إن كياروستامي هو المسؤول عن تيار الالتفاف على الرقابة، وصنع تلك "السينما المحجبة" التي يعتبرها نقاد فرنسا والغرب عموما، معادلا لسينما "الآخر" الغريب، الإسلامي، الذي لا يمكن أن نفهمه أبضا بموجب قوانين المجتمع الحديثة بل يجب أن نخترع له قوانين خاصة.. وسأتناول هذه الأسطورة في مقال تفصيلي فيما بعد."
هذا نص كلام حضرتك عن عباس كياروستامي وارجو ان تتطرق لهذا الموضوع فأنا أري انه فعلا يأخذ أكبر من حجمه ففيلم شجرة الكرز لم استطيع استكماله لنفس الاسباب التي كتبتها فوق..
سؤال أخير من أين كان يضمن فيلليني انتاج لما كان يقدمه فأفلامه انتاجيا مكلفة فعلا بخصوص كلام حضرتك عند ديفيد لينش.
اخيرا هل اعمال المخرج الهندي ساتيا جيتراي اعمال مهمة وتستحق المشاهدة فعلا؟
محمود مخلص- القاهرة
* عزيزي محمود.. أولا البقية في حياتك ورحم الله الفقيد ألف رحمة.. دعنا نبدأ من النهاية: نعم أفلام المخرج الهندي الراحل ساتيا جيتراي أفلام مهمة في معظمها وتستحق ليس فقط المشاهدة، بل التدريس في معاهد السينما، لكننا لا نعرف من السينما الهندية سوى افلام الرقص والغناء والمبالغات الميلودرامية، فجيتراي هو اديب السينما الهندية بلا شك، فقد رفعها إلى درجة موازية للأدب والشعر، وخلصها من التوابل الهندية الحراقة والمناظر الفارغة.
أماعن كياروستامي فسأكتب عندما تتوفر لي مساحة جيدة من الوقت لمراجعة أعمال هذا المخرج الذي يردد الكثيرون الاعجاب به دون فحص جيد وواف لأفلامه حسبما أعتقد.
فيلليني كان يحصل على تمويل لأفلامه لأنه ببساطة "فيلليني" أي المخرج الذي كان اسمه كافيا لكي يبيع الفيلم في زمن كانت السينما الايطالية افضل حالا كثيرا مما هي الآن. وكانت نسبة تردد الجمهور على دور السينما كبيرة. وأتذكر ان الأمور بدأت تتغير في الفترة الأخيرة من حياته، وأنه حصل على تمويل لفيلمه قبل الأخير "المقابلة" من منتج ياباني كان معجبا به وبأفلامه، وقد أدخل فيلليني في فيلمه بعض المشاهد الطريفة التي يسخر فيها من هوس السياح اليابانيين بتصوير أي شيء في أوروبا.
* هذه الرسالة وصلتني أخيرا من الصديق سامر من الأرض المحتلة، الذي كان قد توقف منذ فترة عن مراسلتي.
لم أراسلك منذ مدة طويلة إذ لم يكن لدي ما أقوله، لكن هنالك مسألتان أريد أن أسألك عنهما:
أولا، بالنسبة لمسألة توفيق صالح كنت قد لاحظت رمزا خفيفا عابرا في أحد تعليقاتك السابقة لكونك تراه يحظى بتقدير أكثر مما يستحق وأردت مراسلتك حينها لكنني عدلت عن ذلك والآن أرى أنك قد كتبت فقرة خاصة عنه.. أنا لا أعرف الشخص ولا أريد نقاش الأحداث الأخيرة وما حدث معه ما أريده هو معرفة رأيك بتاريخه الفني.. أول فيلم شاهدته من إخراجه كان فيلم "المخدوعون" الذي عرض في مهرجان محلي للفيلم الفلسطيني، أذكر أن الأستاذ وقتها (كنت لا أزال تلميذا مدرسيا) كان قد نصحني بمشاهدة الفيلم بسبب مخرجه... وقد أعجبني الفيلم وقتها. وسيمر وقت طويل قبل أن أشاهد الفيلم مرة أخرى وأشاهد يوميات نائب في الارياف ودرب المهابيل... وقد قرأت عن توفيق صالح مما وجدت في الإنترنت (من مقالات ومقابلات)... الحقيقة أنني حتى قراءتي لتعليقاتك فانطباعي كان أن الرجل مخرج موهوب لكن صعب المراس وليس دبلوماسيا مما سبب له المتاعب في الحصول على تمويل لأفلامه (بالإضافة إلى متاعب الرقابة ومتاعب إنتاج فيلم "غير تجاري") فقضى أغلب حياته في التعليم... وكنت أعتقد أنه مخرج لم يحصل على حقه من الشهرة أو التقدير فأغلب أبناء جيلي لم يسمعوا بوجوده وأذكر أنني قرأت في موقع الجزيرة (أو العربية) أنه في جنازة يوسف شاهين قام الصحفيون بمقابلة كل من كان له علاقة بشاهين مهما صغرت (حتى بعض الممثلات الشابات اللاتي لم يعملن معه سوى بفيلم واحد) لكنهم لم يتعرفوا على توفيق صالح حتى أن أحدهم سأل من هذا الرجل الشائب الذي يقف هنا... رغم أن توفيق صالح كان زميل يوسف شاهين في المدرسة وهو مخرج مهم (قد نختلف في درجة الأهمية لكنه يبقى مهما... لذا استغربت قولك أنه أصبح أسطورة في بعض الأوساط اليسارية لكن ذلك يعود ربما إلى اندثار هذه الأوساط اليسارية "المثقفة" بعد أن أرخو العنان للحاهم واهتدوا إلى ربهم (وهو عكس المسار الذي عبره حافيير باردم في أشباح غويا)... لذا أود لم تخبرني المزيد عن رأيك به.
ثانيا، شاهدت مؤخرا فيلم "عيد ميلاد ليلى" من إخراج رشيد مشهراوي وبطولة محمد بكري.. ومن عادتي أن أبحث عما كتب عن الأفلام التي أشاهدها وقد وصلت إلى صفحة في مدونتك فيها مقالة كتبها أحدهم عن كتابك حياة في السينما وفيها يذكر إعجابك بسينما رشيد مشهراوي... ليتك تخبرني ما رأيك في الفيلم... لأنه شخصيا الفيلم من ناحية المحتوى جميل ينتقد الحالة الفلسطينية الراهنة ببلاغة واختياره سردها بواسطة قصة رجل فلسطيني مستقيمم كانت موفقة... لكن بعض الأمور أزعجتني (مثلا أنا أحب التأني في اللقطات وقد رأيت أن قطعها كان سريعا - لا أعلم كيف أشرح ذلك- مما يحيل إلى نفسية عصبية بدلا من التأمل الذي يريد الفيلم منك أن تفعل كذلك... وأكثر ما أزعجني هو شخصية أبو ليلى لا أعلم لكنني وجدت صعوبة كبرى في التماثل معه ولا أعلم هل الأمر ذنب محمد بكري أم ذنب السيناريو واضح أن الفيلم يرتكز كليا على دور أبو ليلى ولكنني وجدته أحيانا عصبيا أكثر من اللازم مثلا عندما تحدث بالهاتف بعد الانفجار أو عندما لمح صاحب الهاتف أنه ربما لا يرغب بإعادته... لا أعلم كان يفضل لو يكون شخصا أكثر وافعية أي شخص مبدئي لكنه لا "يحمل السلم بالعرض" ولا يغضب من كل ربع كلمة... لكن في نهاية الأمر الفيلم جيد وبه نوع من الكوميديا السوداء وإن كانت أخف من أسلوب إيليا سليمان إلا أنها تذكر بها ولعل وضعنا العبثي لا يتيح لنا إلا أن تحوي أفلامنا هذه اللمحات الساخرة (شر البلية ما يضحك).
* عزيزي سامر:
أهلا بك مجددا.. بالنسبة لتوفيق صالح هو أخرج خلال مسيرته الفنية سبعة أفلام فقط أهمها بلاشك في رأيي فيلم "المخدوعون" الذي أنتجته مؤسسة السينما السورية بعد خروج توفيق صالح من مصر عام 1970 لخلافاته العديدة مع المسؤولين عن مؤسسة السينما المصرية التابعة للحكومة في عهد ما عرف بالقطاع العام إبان العهد الناصري (الذي كان توفيق ينتقده بشدة، وعاد اليوم وياللعجب، للدفاع عنه واتهام كل من يوجه له النقد بالتفاهة والجنون والجهل وأشياء أخرى يعاقب عليها القانون، وذلك في الندوة الأخيرة التي انعقدت لمناقشة ما يسمى بدور "ثورة" يوليو في السينما المصرية. ولكن عودة إلى الناحية الفنية فاظن ان "درب المهابيل: فيلم جيد يستعيد أجواء فيلم "العزيمة"، وباقي أفلام توفيق صالح يمكن مناقشتها وربما يكون المضمون فيها أقوى كثيرا من الجوانب السينمائية الفنية، وهذا على أي حال هو ما نراه تحديدا في فيلم "المتمردون" الذي أظنه عملا رتيبا مملا مسرحيا لا يحمل أي طموح لتجديد طريقة السرد. ومع ذلك فقد أحيط بهالة كبيرة وبولغ كثيرا في أمره من قبل نقاد اليسار المؤدلجين (للتفرقة بينهم وبين اليساريين أصحاب الفكر المفتوح على الدنيا بأسرها وغير الخاضعين للهوس الايديولوجي!). وكلامك أيضا صحيح بشأن صعوبة التعامل مع شخصية توفيق صالح، لذلك نأى المنتجون بأنفسهم عنه وعن تقلباته المزاجية منذ عودته إلى مصر قبل أكثر من عشرين عاما، لم ينجح في أن يقف خلالها مرة واحدة وراء الكاميرا، ولعل المشكلة ترجع أيضا إليه ذاته، فقد تردد أنه يخشى الإقدام على فيلم جديد لأنه فقد قدرته على السيطرة على العمل السينمائي أو نسى السينما، تماما مثلما يمكن أن يفقد العازف قدرته (ولا أقول مهارته) على العزف اذا ما احتجب عن ممارسة الفن لأكثر من ثلاثين سنة مثلا.. أليس كذلك!
وطبيعي أن مخرجا محتجبا عن العمل يثير فضول الجيل الشاب جدا (في العشرينيات من عمره) عندما يظهر في جنازة شاهين. فلا أحد يعرفه رغم كونه منتشرا في كل لجان التحكيم في مصر كما سبق أن كتبت. لدرجة أننا اصبحنا نطلق عليه: توفيق صالح عضو لجنة التحكيم!
أما بخصوص فيلم "عيد ميلاد ليلى"لرشيد مشهراوي فقد كتبت عنه حين ظهوره ومقالي منشور في موقع بي بي سي ويمكنك مطالعته عبر هذا الرابط:
عيد ميلاد ليلى
0 comments:
إرسال تعليق