من أهم الأفلام التسجيلية التي عرضت في مهرجان روتردام السينمائي 2010، فيلم "الحدود" Border القادم من سلوفاكيا للمخرج الموهوب ياروسلاف فويتشك.
هذا الفيلم استغرق تصويره سبع سنوات. وهو يتابع بشكل دءوب وشبه يومي، ما يحدث في حياة سكان قرية سليمنشي، وهي قرية تقع أساسا، في أراضي سلوفاكيا، ولكن بعد دخول القوات السوفيتية عند نهاية الحرب لعالمية الثانية، ثم القيام برسم الحدود بين تشيكوسلوفاكيا وجمهورية أوكرانيا (السوفيتية)، قرروا أن يمر خط الحدود بهذه القرية فيقسمها إلى قسمين، يتبع كل قسم منهما دولة من الدولتين، دون أدنى مراعاة لأوضاع سكان القرية الواحدة، ولا معاناتهم وتمزقهم بين الدولتين عبر الحدود.
والطريف أيضا أن معظم سكان القرية من أصول مجرية، وكان منهم من أصبح تابعا لسوفاكيا حاليا ومنهم من ظل تابعا لأوكرانيا حتى بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات.
ويتابع الفيلم مصاعب الحياة اليومية للسكان الذين انقسمت عائلاتهم فيما بين الجهتين، بل إن أفراد من أسرة واحدة تصادف أنهم كانوا يقومون بزيارة أقاربهم في الشق الشرقي من المدينة استيقظوا صباح يوم التقسيم لكي يجدوا أنفسهم وقد أصبحوا تابعين لأوكرانيا، عاجزين عن الالتحاق بذويهم علىالجانب الآخر بعد ان رفضت السلطات السماح لهم بالعبور إلى الجانب الآخر، بل قام المسؤولون أيضا بتقسيم منطقة مقابر القرية، وحرموا بالتالي الكثيرين من زيارة أقاربهم الأموات ووضع أكاليل الزهور على مقابرهم في المناسبات الدينية المختلفة بعد أن حالت الاسلاك الشائكة على الحدود عبورهم إلى الجانب الآخر. الكنيسة أيضا أصبحت في الجانب الآخر وتعذر وصول سكان المنطقة الغربية إليها!
هذا الوضع الغريب قائم منذ أكثر من ستين عاما في قلب أوروبا، دون أن يعرف العالم شيئا عنه، إلى أن ظهر هذا الفيلم التسجيلي الشجاع.
يعتمد الفيلم على المقابلات المصورة، وعلى التصوير عند نقطة الحدود بين شقي القرية، من الجانب السلوفاكي أولا ويصور كيف أنه لكي يعبر شخص ما من شق إلى آخر، يتعين عليه الحصول على تأشيرة من أقرب مدينة توجد فيها قنصلية وتقع على مسافة 150 كيلومترا ثم يعود إلى القرية ويسمح له بعبور الحاجز القائم بين الشقين أو بالأحرى، بين الدولتين. وحتى بعد انضمام سلوفاكيا للاتحاد الأوروبي أصبح العبور من شق إلى آخر أكثر مشقة عما كان.
ويتابع المخرج بكاميرا المصور العظيم توماس شتانيك، كيف يتجمع بعض سكان الشق الغربي يوميا لتحية أقاربهم على الشق الشرقي، وسؤالهم عن أحوالهم بينما يراقب حراس الحدود الموقف، وأحيانا يأتي أحد الجنود لكي يطلب من المصور وقف التصوير.
ويبدأ الفيلم من تصوير يوم إحياء ذكرى مرور 55 عاما على تقسيم القرية، في عام 2001، حيث يتجمع سكان القرية على كلا الجانبين من الحدود لتذكر تلك اللحظة الفارقة في حياتهم.
وينتقل المخرج إلى الجانب الأوكراني لكي يجري المقابلات المصورة مع الكثير من سكان الشق الأوكراني بعد انضمام سلوفاكيا للاتحاد الأوروبي، لكي يرصد كيف تحولت منطقة الحدود إلى منطقة للتهريب، فسكان القسم السلوفاكي الذي ارتفعت فيه الأسعار ارتفاعا كبيرا، يمارسون التسلل عبر الحدود من منطقة معينة يصورها المخرج بمصاحبة أحد السكان الذي يشرح له الأمر بقوله إن المسألة لم تعد الرغبة في الالتقاء بالأهل وتوحيد أبناء القرية معا، بل أصبحت هذه مجرد ذريعة الآن للحصول على حرية العبور بين الناحيتين بعد ان أصبح الوضع المأساوي القائم يخدم أهداف المهربين على الجانب السلوفاكي الذين يشترون بضائع رخيصة للغاية من الشق الأوكراني لبيعها بعشرة أضعاف أسعارها في الجانب الآخر. وتتابع الكاميرا بعض المهربين وبينهم حتى عدد من النساء تقمن بعملية الاحتيال لتهريب البضائع.
ويصل الفيلم إلى عام 2008 حيث أقيمت نقطة تفتيش أكثر قوة تحصينا وتجهيزا بالأجهزة الالكترونية الحديثة بين شقي قرية سليمنشي، ويصور كيف لايزال سكانها يكافحون من أجل إسقاط الحدود، أو على الاقل توفير حرية الانتقال بين الشقين دون حاجة للحصول على تأشيرة، ولكن كيف وقد أصبح العبور من أوكرانيا إلى سلوفاكيا يعني الانتقال إلى دولة من دول الاتحاد الأوروبي الذي يتشدد كثيرا تجاه بلدان الاتحاد السوفيتي السابق التي لم تنضم بعد للاتحاد.
يتميز هذا الفيلم البديع (72 دقيقة) بالإيقاع السريع اللاهث، وبالدقة الشديدة في تقديم المعلومات، واستعراض التاريخ، سواء باستخدام الجرافيك أي الرسوم البيانية، أو بتوثيق المعلومات من خلال مضاهاة الشهادات الحية لمن بقى على قيد الحياة من سكان القرية الذين عايشوا فترة التقسيم الأولى في عام 1946، بالواقع القائم وتدرجه عبر سبع سنوات، بل غن المخرج يعود غلى نفس الشخصيات التي سبق أن التقاها واجرى معها المقابلات المصورة قبل سبع سنوات، لكي يعرف من خلالها صورة الوضع الحالي.
وعلى الرغم من ثقل موضوع الفيلم إلا أن المخرج بمساعدة المصور، ينجح في كسر الرتابة والتغلب على وطأة الموضوع عن طريق المشاهد المبتكرة الصامتة واستخداماته للموسيقى المصاحبة بحيث يخلق قصيدة بصرية تشع بالرقة والجمال.
ويتميز الإيقاع بالسرعة، ويلعب المونتاج دورا في الربط بين التصوير الحي المباشر الذي يمثل نوعا من المغامرة أحيانا، نظرا للتصوير في عمق المنطقة الحدودية في الليل، وبين تصوير المشاهد التلقائية لسكان القرية وهم يتخاطبون معا عبرالحدود، أو عندما نرى إحدى النساء تحاول التحرك فقط لمسافة عدة أمتار داخل المنطقة الحدودية لكي تخاطب شقيقتها فيمنعها الجندي على الجانب الآخر بإصرار.
ويتميز الفيلم أيضا بالربط بين الخاص والعام، أي بين القصص الشخصية العديدة التي ترويها الشخصيات التي تظهر في الفيلم من الجانبين، وبين المسؤولون الذين يبدون عاجزين عن القيام بأي فعل من شأنه تغيير الوضع العبثي القائم بحيث يبدو مصيريا كالقدر.
ويصور الفيلم أيضا كيف أصبح موضوع تقسيم البلدات والقرى ممارسة مستمرة بعد أن تم تقسيم تشيكوسلوفاكيا، فقد اقيمت الحدود بين جمهورية التشيك وسلوفاكيا وهو ما أدى إلى تقسيم العديد من المناطق المأهولة بالسكان، وبالتالي تقسيم الأسر والعائلات وحرمانهم من التواصل معا، دون أن يهتم أحد بالأمر، بل ونرى أيضا كيف أصبح المسؤولون على الجانب التشيكي يحركون الحدود تدريجيا ناحية الشرق، لابتلاع مساحات من الأراضي السلوفاكية، ولكي يتخلصوا من المباني القديمة الآيلة للسقوط على الجانب الآخر، دون أدنى مراعاة لمشاعر الناس وللحقائق الديموغرافية القائمة على الأرض.
يقول المخرج: "بعد أن شاهدت الاحتفالات بالذكرى العشرين على سقوط جدار برلين في نوفمبر عام 2009 ، وبعد أن استمعت لكلمات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التي يقول فيها إنه يشعر بالسعادة بأننا أصبحنا نعيش في أوروبا ببعد زوال الحدود والجدران، أصبحت لدي رغبة شديدة في أن أرسل إليه شريطا من هذا الفيلم لكي يرى بنفسه حقيقة أوروبا المعاصرة، والمآسي الشخصية المستمرة التي يعيشها الناس".
إن "الحدود" ليس فقط مغامرة في تصوير الفيلم التسجيلي ونموذجا على قوة السينما التسجيلية، بل هو كتابة للتاريخ بالكاميرا، وهي كتابة تستحق أن تبقى شاهدة على عبث التاريخ.
هذا الفيلم استغرق تصويره سبع سنوات. وهو يتابع بشكل دءوب وشبه يومي، ما يحدث في حياة سكان قرية سليمنشي، وهي قرية تقع أساسا، في أراضي سلوفاكيا، ولكن بعد دخول القوات السوفيتية عند نهاية الحرب لعالمية الثانية، ثم القيام برسم الحدود بين تشيكوسلوفاكيا وجمهورية أوكرانيا (السوفيتية)، قرروا أن يمر خط الحدود بهذه القرية فيقسمها إلى قسمين، يتبع كل قسم منهما دولة من الدولتين، دون أدنى مراعاة لأوضاع سكان القرية الواحدة، ولا معاناتهم وتمزقهم بين الدولتين عبر الحدود.
والطريف أيضا أن معظم سكان القرية من أصول مجرية، وكان منهم من أصبح تابعا لسوفاكيا حاليا ومنهم من ظل تابعا لأوكرانيا حتى بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات.
ويتابع الفيلم مصاعب الحياة اليومية للسكان الذين انقسمت عائلاتهم فيما بين الجهتين، بل إن أفراد من أسرة واحدة تصادف أنهم كانوا يقومون بزيارة أقاربهم في الشق الشرقي من المدينة استيقظوا صباح يوم التقسيم لكي يجدوا أنفسهم وقد أصبحوا تابعين لأوكرانيا، عاجزين عن الالتحاق بذويهم علىالجانب الآخر بعد ان رفضت السلطات السماح لهم بالعبور إلى الجانب الآخر، بل قام المسؤولون أيضا بتقسيم منطقة مقابر القرية، وحرموا بالتالي الكثيرين من زيارة أقاربهم الأموات ووضع أكاليل الزهور على مقابرهم في المناسبات الدينية المختلفة بعد أن حالت الاسلاك الشائكة على الحدود عبورهم إلى الجانب الآخر. الكنيسة أيضا أصبحت في الجانب الآخر وتعذر وصول سكان المنطقة الغربية إليها!
هذا الوضع الغريب قائم منذ أكثر من ستين عاما في قلب أوروبا، دون أن يعرف العالم شيئا عنه، إلى أن ظهر هذا الفيلم التسجيلي الشجاع.
يعتمد الفيلم على المقابلات المصورة، وعلى التصوير عند نقطة الحدود بين شقي القرية، من الجانب السلوفاكي أولا ويصور كيف أنه لكي يعبر شخص ما من شق إلى آخر، يتعين عليه الحصول على تأشيرة من أقرب مدينة توجد فيها قنصلية وتقع على مسافة 150 كيلومترا ثم يعود إلى القرية ويسمح له بعبور الحاجز القائم بين الشقين أو بالأحرى، بين الدولتين. وحتى بعد انضمام سلوفاكيا للاتحاد الأوروبي أصبح العبور من شق إلى آخر أكثر مشقة عما كان.
ويتابع المخرج بكاميرا المصور العظيم توماس شتانيك، كيف يتجمع بعض سكان الشق الغربي يوميا لتحية أقاربهم على الشق الشرقي، وسؤالهم عن أحوالهم بينما يراقب حراس الحدود الموقف، وأحيانا يأتي أحد الجنود لكي يطلب من المصور وقف التصوير.
ويبدأ الفيلم من تصوير يوم إحياء ذكرى مرور 55 عاما على تقسيم القرية، في عام 2001، حيث يتجمع سكان القرية على كلا الجانبين من الحدود لتذكر تلك اللحظة الفارقة في حياتهم.
وينتقل المخرج إلى الجانب الأوكراني لكي يجري المقابلات المصورة مع الكثير من سكان الشق الأوكراني بعد انضمام سلوفاكيا للاتحاد الأوروبي، لكي يرصد كيف تحولت منطقة الحدود إلى منطقة للتهريب، فسكان القسم السلوفاكي الذي ارتفعت فيه الأسعار ارتفاعا كبيرا، يمارسون التسلل عبر الحدود من منطقة معينة يصورها المخرج بمصاحبة أحد السكان الذي يشرح له الأمر بقوله إن المسألة لم تعد الرغبة في الالتقاء بالأهل وتوحيد أبناء القرية معا، بل أصبحت هذه مجرد ذريعة الآن للحصول على حرية العبور بين الناحيتين بعد ان أصبح الوضع المأساوي القائم يخدم أهداف المهربين على الجانب السلوفاكي الذين يشترون بضائع رخيصة للغاية من الشق الأوكراني لبيعها بعشرة أضعاف أسعارها في الجانب الآخر. وتتابع الكاميرا بعض المهربين وبينهم حتى عدد من النساء تقمن بعملية الاحتيال لتهريب البضائع.
ويصل الفيلم إلى عام 2008 حيث أقيمت نقطة تفتيش أكثر قوة تحصينا وتجهيزا بالأجهزة الالكترونية الحديثة بين شقي قرية سليمنشي، ويصور كيف لايزال سكانها يكافحون من أجل إسقاط الحدود، أو على الاقل توفير حرية الانتقال بين الشقين دون حاجة للحصول على تأشيرة، ولكن كيف وقد أصبح العبور من أوكرانيا إلى سلوفاكيا يعني الانتقال إلى دولة من دول الاتحاد الأوروبي الذي يتشدد كثيرا تجاه بلدان الاتحاد السوفيتي السابق التي لم تنضم بعد للاتحاد.
يتميز هذا الفيلم البديع (72 دقيقة) بالإيقاع السريع اللاهث، وبالدقة الشديدة في تقديم المعلومات، واستعراض التاريخ، سواء باستخدام الجرافيك أي الرسوم البيانية، أو بتوثيق المعلومات من خلال مضاهاة الشهادات الحية لمن بقى على قيد الحياة من سكان القرية الذين عايشوا فترة التقسيم الأولى في عام 1946، بالواقع القائم وتدرجه عبر سبع سنوات، بل غن المخرج يعود غلى نفس الشخصيات التي سبق أن التقاها واجرى معها المقابلات المصورة قبل سبع سنوات، لكي يعرف من خلالها صورة الوضع الحالي.
وعلى الرغم من ثقل موضوع الفيلم إلا أن المخرج بمساعدة المصور، ينجح في كسر الرتابة والتغلب على وطأة الموضوع عن طريق المشاهد المبتكرة الصامتة واستخداماته للموسيقى المصاحبة بحيث يخلق قصيدة بصرية تشع بالرقة والجمال.
ويتميز الإيقاع بالسرعة، ويلعب المونتاج دورا في الربط بين التصوير الحي المباشر الذي يمثل نوعا من المغامرة أحيانا، نظرا للتصوير في عمق المنطقة الحدودية في الليل، وبين تصوير المشاهد التلقائية لسكان القرية وهم يتخاطبون معا عبرالحدود، أو عندما نرى إحدى النساء تحاول التحرك فقط لمسافة عدة أمتار داخل المنطقة الحدودية لكي تخاطب شقيقتها فيمنعها الجندي على الجانب الآخر بإصرار.
ويتميز الفيلم أيضا بالربط بين الخاص والعام، أي بين القصص الشخصية العديدة التي ترويها الشخصيات التي تظهر في الفيلم من الجانبين، وبين المسؤولون الذين يبدون عاجزين عن القيام بأي فعل من شأنه تغيير الوضع العبثي القائم بحيث يبدو مصيريا كالقدر.
ويصور الفيلم أيضا كيف أصبح موضوع تقسيم البلدات والقرى ممارسة مستمرة بعد أن تم تقسيم تشيكوسلوفاكيا، فقد اقيمت الحدود بين جمهورية التشيك وسلوفاكيا وهو ما أدى إلى تقسيم العديد من المناطق المأهولة بالسكان، وبالتالي تقسيم الأسر والعائلات وحرمانهم من التواصل معا، دون أن يهتم أحد بالأمر، بل ونرى أيضا كيف أصبح المسؤولون على الجانب التشيكي يحركون الحدود تدريجيا ناحية الشرق، لابتلاع مساحات من الأراضي السلوفاكية، ولكي يتخلصوا من المباني القديمة الآيلة للسقوط على الجانب الآخر، دون أدنى مراعاة لمشاعر الناس وللحقائق الديموغرافية القائمة على الأرض.
يقول المخرج: "بعد أن شاهدت الاحتفالات بالذكرى العشرين على سقوط جدار برلين في نوفمبر عام 2009 ، وبعد أن استمعت لكلمات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التي يقول فيها إنه يشعر بالسعادة بأننا أصبحنا نعيش في أوروبا ببعد زوال الحدود والجدران، أصبحت لدي رغبة شديدة في أن أرسل إليه شريطا من هذا الفيلم لكي يرى بنفسه حقيقة أوروبا المعاصرة، والمآسي الشخصية المستمرة التي يعيشها الناس".
إن "الحدود" ليس فقط مغامرة في تصوير الفيلم التسجيلي ونموذجا على قوة السينما التسجيلية، بل هو كتابة للتاريخ بالكاميرا، وهي كتابة تستحق أن تبقى شاهدة على عبث التاريخ.
0 comments:
إرسال تعليق