الخميس، 4 فبراير 2010

يوميات مهرجان روتردام 6

أنطوان خليفي المسؤول عن المهرجانات السينمائية والأفلام في مؤسسة يونيفرانس المختصة بالترويج للسينما الفرنسية في العالم، ترك هذه المؤسسة أخيرا، بتليفزيون العرب (إيه آر تي) التي تتخذ من القاهرة مقرا لها، والتي تردد أن صاحبها الشيخ صالح كامل قد باعها أو في طريقه إلى تصفيتها بشكل كامل.
أنطوان أصبح مستشارا للشركة لشؤون التوزيع،ولكنه باق في باريس. وهو يصرح لصحيفة المهرجان الومية بأن إيه آرتي تريد حاليا أن تكثف من استثماراتها في الأفلام العربية التي يمكن أن تحمل في مشاريعها آفاقا لاختراق أسواق التوزيع العالمية.
ويعلن أيضا أن الشركة ستقدم تمويلا جزئيا للفيلم الجديد للمخرجة اللبنانية نادين لبكي (صاحبة فيلم سكر بنات) التي أوشكت على الانتهاء من كتابة النسخة النهائية من سيناريو الفيلم الجديد، دون أن تختار له عنوانا بعد. ويتوقع أن تقدم المنتجة الفرنسية آن ماري توسان من شركة "ليه فيلم ديه تورنيل" أكثر من نصف ميزانيته.
أما مشاركة إيه آرتي فهي ستأتي على أساس الحصول على حقوق توزيع الفيلم في عموم بلدان الشرق الأوسط.
خليفي موجود في مهرجان روتردام الذي سبق أن تردد عليه كثيرا عندما كان مسؤولا عن التسويق في يونيفرانس.
بالمناسبة، منصبه في يونيفرانس لايزال خاليا، ليت أحد أصدقائنا، خبراء السينما العرب المقيمين في العاصمة الفرنسية، يتقدم له.. ولم لا؟
حتى ما بعد منتصف الليل قضيت نحو ساعتين في مشاهدة الفيلم التركي "10 إلى 11" للمخرجة بيلين اسمر، وهو أول أفلامها الروائية الطويلة بعد عدد من الأفلام التسجيلية.
الفيلم نفسه لم يبهرني كما بهر آخرين، وأظن ان مخرجته أكثر جاذبية منه بكثير، فهي تجيد الحديث عن نفسها وعن فيلمها الذي قالت لي إنها استوحته من قصة حياة عمها العجوز المسن (83 سنة).. والقصة تدور حول هذا الرجل العجوز المغرم إلى حد الهاجس أو الوسواس القهري الملح، بجمع واقتناء الصحف والمجلات والمطبوعات والدوريات، بل وكل ما يتعلق بما هو مطبوع بما في ذلك الاعلانات، بل وبكل ما هو قديم. وهو يضع تواريخ وعلامات معينة على كل من تلك المقتنيات. وقد كدس أكواما من تلك المقتنيات كما يسميها، في مسكنه في ذلك المنزل القديم الذي أصبح آيلا للسقوط بفعل زلزال ضرب استانبول أخيرا. سكان المنزل يرغبون في بيعه والحصول على مبالغ مالية كبيرة تتيح لهم الانتقال إلى مسكن أكبر وأحدث، لكن صاحبنا لا يريد أبدا أن يتزحزح ويهجر تاريخه الشخصي وكل حياته القائمة في تنلك الشقة، مصرا على البقاء بها رغم التهديدات والتحذيرات التي يتلقاها من البلدية.
أما الجانب الآخر الذي يحدث نوعا من التوازن مع تلك الشخصية في الفيلم فهو بواب المنزل (علي) الذي يختلف كلية في طموحاته وتطلعاته وخلفيته وإحساسه بأهمية تلك الكتب والمطبوعات والمقتنيات عن صاحبنا. فهو شاب قادم من الريف إلى المدينة، لا يشعر ابدا بالمدينة وتاريخها كما يشعر الرجل العجوز (مدحت بك) الذي يكلفه بقضاء بعض الأشياء له، لكن البواب يستغل الفرصة لتحقيق بعض المكاسب التي قد تكفل له الخروج من الشقة الرطبة الخانقة الكائنة في الطابق الأرضي.
الفكرة، دون شك، جديدة، ولكنها تروى من خلال أسلوب سينمائي ، يبدو أن صاحبته تسير بالمسطرة، على الكتاب، سواء في استخدام الكاميرا، أو في المونتاج، أو في استخدامها المكثف للحوارات الطويلة المرهقة للتعبير عن التناقض بين الشخصيتين، دون طموحات كبيرة لاختراق الشكل الكلاسيكي، بل إنه بدا في الكثير من المشاهد، وكانه جزء من مسلسل تليفزيوني أو تمثيلية سهرة تليفزيونية.
هذا الفيلم حصل على جائزة أحسن اخراج لفيلم من الشرق الأوسط في مهرجان أبو ظبي الأخير، وكان رأيي الذي قلته لانتشال التميمي بعد أن شاهدت الفيلم في روتردام، إنني لا أتفق مع تلك الجائزة، بل أمنحه جائزة التمثيل لبطله العجوز الذي أبدع وبرع، بل إنه صنع بحق، معجزة حقيقية بأدائه البسيط التلقائي الذي جعله يحمل الفيلم على كتفه. انتشال قال لي: عليك أن تسأل صديقك محمد خان في ذلك فقد كان عضوا في لجنة التحكيم واعجب كثيرا بالفيلم!
الطريف أن مخرجة الفيلم فاجأتني عندما قالت لي إن الممثل الذي أدى دور (مدحت بك) هو عمها الحقيقي، وإنه لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا قط، وأن الكثير من السينمائيين والنقاد في تركيا كان رأيهم من رأيي، أي أنه يجب منحه جائزة التمثيل في المهرجان السنوي الوطني، لكن الفكرة استبعدت بدعوى أنه ممثل غير محترف، وهو في رأيي، أسخف تبرير، فأداء هذا الرجل، واسمه مدحت أسمر، أداء عبقري شديد الإقناع والتأثير والجمال، بكل تصلبه ورقته وهمساته الحالمة التي تجعله يبدو غائبا عن الدنيا وعن ما يحدث فيها، مستغرقا في عالمه الخاص. لقد بدا مقنعا أكثر من أي ممثل محترف في القيام بدوره الحقيقي في الحياة.
ولعل من أفضل ما في هذا الفيلم أيضا، المشاهد العديدة التي تظهر لمعالم مدينة استانبول غير السياحية، مما يجعله أيضا، فيلم عن المدينة، عن ذاكرتها، وعن ماضيها وحاضرها، خاصة واننا نستمع مع الرجل، إلى بعض شرائط التسجيل القديمة، منها ما يبثه بيان للجيش التركي في الراديو، يعلن فيه استيلائه على السلطة عام 1960، في انقلاب عسكري شهير.
أما أفضل الأفلام التي شاهدتها في المهرجان فهو دون أدنى شك، الفيلم الصيني "مدينة الحياة والموت" City of Life and Death للمخرج الكبير لو شون الذي يعيد تجسيد الأحداث الرهيبة التي صاحبت غزو الجيش الياباني لمدينة نانجنج التي كانت تعتبر العاصمة المتقدمة للصين، عام 1937، وما أعقب استيلاء اليابانيين على المدينة، من قتل جماعي واغتصاب منهجي، لنسائها، وكيف قاومت النساء، وكيف كان هناك شهود على تلك المشاهد التي تقدم هنا باستخدام كاميرا حرة محمولة على اليد، وبالأبيض والأسود، بكل تفاصيلها ودقائقها، دون أن يخلو هذا العمل الكبير من حس شاعري نبيل، وإحساس عذب بضرورة انتصار الحياة.
سيناريو مكتوب ببراعة، يحتوي على كل التفاصيل والشخصيات المتباينة، من الخائن الذي يتعامل مع الغزاة، إلى الجندي الياباني ذي النزعة الإنسانية الذي يرفض الانسياق وراء القتل، ويدفع الثمن، إلى المرأة التي تحاول مساعدة السجناء الذين يساقون إلى الاعدام وغيرها.
وليس من الممكن هنا الاكتفاء بهذه العجالة التي تهدف إلى التعريف العام بالفيلم، بل إنه دون شك، يستحق مقالا قائما بذاته في المستقبل.

2 comments:

غير معرف يقول...

شكراً على مشاركة هذه اليوميات الجميلة

بالتوفيق دايماً

اتمنى أن تعطيني رأيك الذي بالتأكيد سيفيدني ويهمني كثيراً في ما كتبته هنا عن فيلم حلمي الف مبروك


http://itsmyshot.blogspot.com/

أمير العمري يقول...

عزيزي محمد:
طالعت مدونتك وهي تتميز بلغة راقية وتعبر ببساطة وتلقائية عما تشعر به تجاه الدنيا والسينما.. مبروك.. تقبل تحياتي

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger