الأحد، 10 يناير 2010

بريد الأصدقاء: عن السيناريو والارتجال والمونتاج

تحياتي لك وشكرا جزيلا على المجهود الذي تبذله في هذه المدونة الفريدة.

لدي سؤال يشغلني لأني اريد ان اصور فيلما بكاميرا الديجيتال أرجو أن أعرف هل يمكن عمل أفلام بدون سيناريو، كما أقرأ كثيرا، وهل صحيح ان المونتاج هو الذي يأتي بالنتيجة النهائية لأي فيلم؟

محمد مرادالقاهرة

* للاجابة على هذا السؤال المركب اقول بالنسبة للشق الأول منه: عن إمكانية اخراج فيلم بدون سيناريو.. لا أظن على الإطلاق أن هذا صحيح. البعض يردد أحيانا ذلك بالفعل، لكنه عادة ما يكون قصده أنه يدخل التصوير بدون سيناريو تفصيلي مكتمل ونهائي، أي احيانا يكون لدى المخرج وريقات تحتوي على الخط الرئيسي للفيلم كما يتصوره، لكنه يترك المجال مفتوحا أمام الارتجال والتطوير حسبما يسير العمل مع الممثلين. وليس بالضرورة أن الفيلم الذي يبدأ تصويره بدون سيناريو نهائي يكون أفضل من غيره، لكن الأمر يحتاج لعبقريات خاصة للعمل بمنطق الارتجال لكي تخرج في النهاية بفيلم له أهمية، مثل جان لوك جودار وأمثاله، ليس لأنه لا يفكر في الفيلم قبل تصويره، أو يدخل (ورزقه على الله).. بل لأنه مثقف كبير، تدور في رأسه الفكرة عشرات المرات قبل أن يبدأ التصوير دون ان تكون مكتوبة تفصيلا على الورق. أما المخرج المغامر الذي يعتمد فقط على ما يأتي به الواقع فهو مجرد مصور تلقائي ربما ينتهي عمله إلى الغرق في الوحل، فلابد أن يدرك المرء قدراته الحقيقية، وألا يسرف في التفاؤل. والمنطق الذي تعلمناه هو ضرورة أن تقوم بواجبك المنزلي، أي تدرس وتفكر وتخطط وتكتب بالتفصيل بقدر الامكان.* أما بالنسبة للمونتاج ودوره في تشكيل الصورة النهائية للفيلم، فهذا صحيح اذا كان الفيلم من تلك التي يلعب فيها المونتاج دورا بلاغيا، أي يعيد ترتيب اللقطات داخل المشهد او تترك الحرية للمونتير بالاتفاق مع المخرج، في الحذف واعادة ترتيب بعض المشاهد ايضا، أو استخدام مساحات صامتة، ولكن ليس المونتاج الذي يقوم على القطع بين شخصيات تعبر عن نفسها بالحوار طوال الوقت، فهذا النوع مونتاج "آلي" ليس فيه أي ابداع حقيقي بل هو مجرد "صنعة" أو حرفة لضبط الايقاع واحكام الانتقالات.. وهذا هو المونتاج السائد في الكثير من الأفلام (العربية على وجه الخصوص المتأثرة بمسلسلات التليفزيون).

وتحضرني في بيان قدرة المونتاج الإبداعية تجربة خاصة، فعندما التحقت بالعمل في تليفزيون بي بي سي (عام 1994) كنا نتدرب على تقديم تحقيقات أو أفلام تسجيلية قصيرة جدا (3 دقائق مثلا) نقوم أولا بكتابة سيناريو بسيط جدا، ثم نذهب للتصوير ونأتي بكل ما نتصور أنه يفيد العمل من لقطات ومقابلات، ثم نبحث في الأرشيف عن وثائق قديمة أو لقطات سابقة يمكن استخدامها لتدعيم الموضوع، ونقوم بعد ذلك بعمل المونتاج للصور فقط، دون أن يكون هناك أي تعليق صوتي عليها أو موسيقى مصاحبة، أي مونتاج صامت تماما للصور فقط.. وفي النهاية يمكن أن نبدأ في كتابة التعليق المناسب للصورة، ونبحث عن الموسيقى التي نضعها في مقاطع معينة من العمل. وكان هذا كله يتم في يوم واحد فقط. في نهاية اليوم يتعين عليك تسليم شريط مصور صالح للعرض.هذه الطريقة لاشك في صعوبتها، لكن لاشك أيضا في انها شديدة الجاذبية وتمثل تحديا كبيرا أمام صانع أي فيلم، أن يكون بمقدوره التحكم في الصور واللقطات والايقاع لكي يجعل هذه العناصر كلها تروي موضوعا، قبل أن يكتب له تعليقا صوتيا مصاحبا أو ربما حتى بدون أي تعليق مصاحب. إنه بلاشك تدريب شديد الفائدة لكل دراسي السينما والتليفزيون. أرجو أن أكون قد أجبت عن سؤالك كما ينبغي.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger