لا يكتب كبار القادة والحكام والمسؤولين خطاباتهم أو كلماتهم الموجهة لعموم الناس، بل دائما هناك كتاب متخصصون في هذا النوع من الكتابة، توكل إليهم مهمة متابعة الشخصية الكبيرة أينما ذهبت، والاستعداد للحدث الذي ستحضره بتدبيج الكلمات والخطابات التي سيلقيها المسؤول أو الحاكم بل والرسائل التي يبعث بها إلى رؤساء الدول الأخرى في مختلف المناسبات.
هذه هي طبيعة الأمور، فالكتابة ليست مهنة الحكام ولا المسؤولين، خاصة اذا كانوا مثل معظم الحكام العرب أي: إما شبه أميين، ورثوا الحكم في غفوة من التاريخ، أو مجموعة من "الأومباشية" – على حد تعبير الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم- يقصد مجموعة من العسكر غير المؤهلين للاشتغال بالفكر أو بالسياسة ناهيك بالطبع عن فن الكتابة!
وحتى جمال عبد الناصر الذي كان عسكريا متميزا عن أقرانه دون شك بما كان يبذله من جهد منذ شبابه لتثيقف نفسه عن طريق البحث والقراءة ومقابلة شخصيات لها وزنها السياسي وتدوين الملاحظات، كان يعرف حدود قدراته، وأنها لم تكن تشمل القدرة على الكتابة فكان يعهد بكتابة رسائله وبياناته وخطاباته إلى الكاتب والصحفي المعروف محمد حسنين هيكل.
أما خليفته أنور السادات فقد لجأ إلى صحفي من نوعية أدنى هو موسى صبري بعد خلافه مع هيكل. وعندما كان السادات "يخرج عن النص" أي يرتجل في الخطابة، كان يقول أشياء يموت الناس ضحكا عليها وسخرية منها، بل سرعان ما كان الكثير منها يتحول في اليوم التالي إلى نكات يرددها العامة!
مفهوم طبعا أن الحاكم يملك أن "يكلف" كاتبا بكتابة خطاباته، سواء بأمر تكليف مباشر، تحت تهديد الدبابات، أو تحت سطوة "الإغراء" بحكم ما يمكن أن يعود من فوائد على الصحفي أو الكاتب المكلف بكتابة خطابات "الريس" مثلا. ولكن الطريف أيضا أن الحاكم يحب دائما أن يتظاهر أمام الجميع بأنه هو الذي يكتب خطاباته بنفسه، وأن الكلمات الواردة فيها هي كلماته، رغم أنه يبدو أحيانا وكأنه لا يفهم الكثير مما يرد في سياق تلك الخطابات. ومن تلك مثلا أن السادات أخذ يردد في أحد خطاباته التي كتبها له هيكل في بدايات عهده قبل أن يفترق الرجلان، كلمة انجليزية هي catalyst وأخذ يعيد ويزيد فيها كثيرا.. وكلما حاول أن يشرحها ارتج عليه الأمر، وقال كلاما لا يبدو أنه يفهمه تماما فكان يقول إن الكلمة معناها "العامل المساعد واحنا ما في عندنا عامل مساعد ولا catalyst".. وكانت الكلمة قد وردت على لسان مسؤول أمريكي هو وليم سكرانتون مساعد وزير الخارجية روجرز، عندما كان يعرض استعداد بلاده للتوسط أو القيام بدور الـ catalyst في حل أزمة الشرق الأوسط عام 1971!
والطريف أيضا أن خطاب عبد الناصر الشهير الذي أعلن فيه تنحيه عن الحكم بعد هزيمة 1967 أصبح مقررا في العام التالي 1968 على طلاب الثانوية العامة، يدرسونه كلمة كلمة، كمثال على البلاغة اللغوية، باعتبار أن عبد الناصر هو كاتبه، أي صاحب أسلوبه البليغ.. فهل كان أحد يملك الاعتراض!
في المجال السينمائي هناك الكثير من "الناقدات السينمائيات" اللاتي ظهرن فجأة خلال السنوات الأخيرة وأصبحن يرغبن بشدة في الظهور، دون أن تكون "الموهبة" ناهيك عن القدرات، موجودة أصلا لديهن. أليست السينما كتابة عن النجوم والممثلين والمخرجين المشاهير، وتتيح الفرصة لمجالسة هؤلاء والحديث معهم؟
المشكلة أن القدرات أقل كثيرا من الطموحات.. وهنا ظهر من هو على استعداد لأن يكتب لهذه أو لتلك وينشر لها ويساهم في تلميع صورتها خضوعا لتلك "السلطة الناعمة" التي يمكن اعتبارها أحيانا أقوى من بطش كل السلطات!
ولكن لأن الكتابة اليومية والأسبوعية إلى جانب الكثير من الأعباء الأخرى قد تستغرق الكثير من الجهد والوقت، فقد أصبح أولئك الذين يكتبون لبعض الكاتبات في الصحافة المصرية، حكومية كانت أم معارضة، يلجأون أحيانا، بغرض اختصار الوقت، إلى سرقة ما ينشر من مقالات الآخرين أو اقتباس عبارات مما نشر في مقابلات صحفية مرتبة ومنظمة مع كاتب أو ناقد يعرف عادة ما يقول ويحسبه بالكلمة والمسطرة!
وعندما تواجه الكاتبة المسكينة وهي متلبسة بهذا الفعل الفاضح الفادح، تبكي وتنوح، وربما تقسم لك أيضا، أنها لا تعرف كيف وقع ما وقع، وإنها لم تكن تقصد سرقة أي شيء.. وهذا كله مفهوم وواضح، فقد فوجئت المسكينة على ما يبدو بانفضاح الأمر، في حين أنها لم تكتب شيئا بالفعل، بل وأغلب الظن أنها أيضا، لم تقرأ ما كتب باسمها، فيكفي ظهور الإسم لكي تزداد هي نفوذا وحضورا في الساحة ويرتفع سعرها!
زميلنا الكاتب اللامع الساخر سليم عزوز له قول بديع أعجبني كثيرا في هذا المقام. فهو يقول: "عهدي بمن يكتبون للآخرين، أنهم لا يكتبون بجودة عالية، حتي وان كانوا كتابا كبارا يكتبون لكتاب كبار، فضلا عن أن من يكتب للغير سرعان ما يصاب بالملل، لاسيما اذا كانت "المكتوب لها" ليست لها سلطة، ربما سلطة واحدة، إن وجدت، ونحن قوم نتميز بالملل".
صدق سليم عزوز وصدق.. وسنراهن على حدوث هذا الملل فربما توقفوا عن سرقة ما نكتبه لحساب "السلطة الناعمة" على الأقل لحين العثور على غيرها!
هذه هي طبيعة الأمور، فالكتابة ليست مهنة الحكام ولا المسؤولين، خاصة اذا كانوا مثل معظم الحكام العرب أي: إما شبه أميين، ورثوا الحكم في غفوة من التاريخ، أو مجموعة من "الأومباشية" – على حد تعبير الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم- يقصد مجموعة من العسكر غير المؤهلين للاشتغال بالفكر أو بالسياسة ناهيك بالطبع عن فن الكتابة!
وحتى جمال عبد الناصر الذي كان عسكريا متميزا عن أقرانه دون شك بما كان يبذله من جهد منذ شبابه لتثيقف نفسه عن طريق البحث والقراءة ومقابلة شخصيات لها وزنها السياسي وتدوين الملاحظات، كان يعرف حدود قدراته، وأنها لم تكن تشمل القدرة على الكتابة فكان يعهد بكتابة رسائله وبياناته وخطاباته إلى الكاتب والصحفي المعروف محمد حسنين هيكل.
أما خليفته أنور السادات فقد لجأ إلى صحفي من نوعية أدنى هو موسى صبري بعد خلافه مع هيكل. وعندما كان السادات "يخرج عن النص" أي يرتجل في الخطابة، كان يقول أشياء يموت الناس ضحكا عليها وسخرية منها، بل سرعان ما كان الكثير منها يتحول في اليوم التالي إلى نكات يرددها العامة!
مفهوم طبعا أن الحاكم يملك أن "يكلف" كاتبا بكتابة خطاباته، سواء بأمر تكليف مباشر، تحت تهديد الدبابات، أو تحت سطوة "الإغراء" بحكم ما يمكن أن يعود من فوائد على الصحفي أو الكاتب المكلف بكتابة خطابات "الريس" مثلا. ولكن الطريف أيضا أن الحاكم يحب دائما أن يتظاهر أمام الجميع بأنه هو الذي يكتب خطاباته بنفسه، وأن الكلمات الواردة فيها هي كلماته، رغم أنه يبدو أحيانا وكأنه لا يفهم الكثير مما يرد في سياق تلك الخطابات. ومن تلك مثلا أن السادات أخذ يردد في أحد خطاباته التي كتبها له هيكل في بدايات عهده قبل أن يفترق الرجلان، كلمة انجليزية هي catalyst وأخذ يعيد ويزيد فيها كثيرا.. وكلما حاول أن يشرحها ارتج عليه الأمر، وقال كلاما لا يبدو أنه يفهمه تماما فكان يقول إن الكلمة معناها "العامل المساعد واحنا ما في عندنا عامل مساعد ولا catalyst".. وكانت الكلمة قد وردت على لسان مسؤول أمريكي هو وليم سكرانتون مساعد وزير الخارجية روجرز، عندما كان يعرض استعداد بلاده للتوسط أو القيام بدور الـ catalyst في حل أزمة الشرق الأوسط عام 1971!
والطريف أيضا أن خطاب عبد الناصر الشهير الذي أعلن فيه تنحيه عن الحكم بعد هزيمة 1967 أصبح مقررا في العام التالي 1968 على طلاب الثانوية العامة، يدرسونه كلمة كلمة، كمثال على البلاغة اللغوية، باعتبار أن عبد الناصر هو كاتبه، أي صاحب أسلوبه البليغ.. فهل كان أحد يملك الاعتراض!
في المجال السينمائي هناك الكثير من "الناقدات السينمائيات" اللاتي ظهرن فجأة خلال السنوات الأخيرة وأصبحن يرغبن بشدة في الظهور، دون أن تكون "الموهبة" ناهيك عن القدرات، موجودة أصلا لديهن. أليست السينما كتابة عن النجوم والممثلين والمخرجين المشاهير، وتتيح الفرصة لمجالسة هؤلاء والحديث معهم؟
المشكلة أن القدرات أقل كثيرا من الطموحات.. وهنا ظهر من هو على استعداد لأن يكتب لهذه أو لتلك وينشر لها ويساهم في تلميع صورتها خضوعا لتلك "السلطة الناعمة" التي يمكن اعتبارها أحيانا أقوى من بطش كل السلطات!
ولكن لأن الكتابة اليومية والأسبوعية إلى جانب الكثير من الأعباء الأخرى قد تستغرق الكثير من الجهد والوقت، فقد أصبح أولئك الذين يكتبون لبعض الكاتبات في الصحافة المصرية، حكومية كانت أم معارضة، يلجأون أحيانا، بغرض اختصار الوقت، إلى سرقة ما ينشر من مقالات الآخرين أو اقتباس عبارات مما نشر في مقابلات صحفية مرتبة ومنظمة مع كاتب أو ناقد يعرف عادة ما يقول ويحسبه بالكلمة والمسطرة!
وعندما تواجه الكاتبة المسكينة وهي متلبسة بهذا الفعل الفاضح الفادح، تبكي وتنوح، وربما تقسم لك أيضا، أنها لا تعرف كيف وقع ما وقع، وإنها لم تكن تقصد سرقة أي شيء.. وهذا كله مفهوم وواضح، فقد فوجئت المسكينة على ما يبدو بانفضاح الأمر، في حين أنها لم تكتب شيئا بالفعل، بل وأغلب الظن أنها أيضا، لم تقرأ ما كتب باسمها، فيكفي ظهور الإسم لكي تزداد هي نفوذا وحضورا في الساحة ويرتفع سعرها!
زميلنا الكاتب اللامع الساخر سليم عزوز له قول بديع أعجبني كثيرا في هذا المقام. فهو يقول: "عهدي بمن يكتبون للآخرين، أنهم لا يكتبون بجودة عالية، حتي وان كانوا كتابا كبارا يكتبون لكتاب كبار، فضلا عن أن من يكتب للغير سرعان ما يصاب بالملل، لاسيما اذا كانت "المكتوب لها" ليست لها سلطة، ربما سلطة واحدة، إن وجدت، ونحن قوم نتميز بالملل".
صدق سليم عزوز وصدق.. وسنراهن على حدوث هذا الملل فربما توقفوا عن سرقة ما نكتبه لحساب "السلطة الناعمة" على الأقل لحين العثور على غيرها!
2 comments:
الموضوع ليس موجودا فقط في النص العام او المقال بل المصيبة انه موجود ايضا في الشعر.. هل تعرف ياسيدي العزيز ان هناك من يكتب الشعر لبعض الشاعرات المشهورات.. أقصد شاعرات الصحافة!!!!
حتة قنبلة .. قذيفة من العيار الثقيل.. والثقيل جدا.. أتمنى الهدف يكون فهم!
إرسال تعليق