الأحد، 2 أغسطس 2009

عام على "حياة في السينما"

لقطة من فيلم "1900" لبرتولوتشي


بقلم: أمير العمري


وُجدت المدونات على شبكة الانترنت لكي يعبر أصحابها عن آرائهم بكل حرية وصراحة وجرأة، ويذكروا الأشياء بأسمائها الحقيقية.
وعندما يكون صاحب المدونة، كاتبا وناقدا محترفا، فهو ينشر كتاباته عادة، في جهات عدة، أو من خلال الجهة التي يعمل لها، وباستخدام كل الأشكال المطبوعة والمسموعة والمرئية المتاحة له. لكن المدونة تظل شيئا آخر، فهي فضاء إضافي للتنفس بعيد عن قيود العمل الصحفي التقليدي وحساباته الخاصة، وخارج حدود المسموح والممنوع في كتابة النقد السينمائي والثقافي عموما.
ولذا أصدرت هذه المدونة قبل عام، لأنني باختصار شديد، لا يمكنني نشر كل ما أريده بالطريقة التي أريدها وعلى المساحة التي أتطلع إليها في الصحف والمطبوعات والمواقع الأخرى التي أعمل أو أكتب لها بشكل احترافي، رغم ما أتمتع به أنا شخصيا من حرية أوسع كثيرا من غيري كوني أعمل لمؤسسة لا تتحكم فيها الرقابة العربية أو الحكومات العربية التي لا تطيق أي معارضة تتجاوز نطاق المسموح من طرف أجهزتها.
ومنذ أن صدرت هذه المدونة قبل عام على وجه التحديد (أي في الثاني من أغسطس 2008) وقد أخذت على عاتقي التطرق، بكل حرية، إلى قضايا الفن والفكر والسياسة والمجتمع والسينما، بعيدا عن إرهاب كل من يلوحون لنا بسيوف القهر كونهم نشأوا وتربوا في مجتمعات القهر، ولم يتخلصوا بعد من عقدة "الرقيب" ورجل الأمن.

وقد نشرت في هذه المدونة ومازلت أنشر، مقالات نقدية، ودراسات، وآراء وتعليقات، ونقد للأفلام العربية والأجنبية، كما نشرت مذكرات وذكريات وتأملات شخصية، بحرية تامة، كما كتبت عن رحلاتي ويومياتي من مهرجانات مختلفة، ونشرت انطباعاتي الخاصة، وصوري وصور أصدقائي من أرشيفي الخاص، وهو ما أرى أنه في صلب فكرة التدوين التي تختلف، كما قلت، عن الصحافة "الموضوعية" العامة المقيدة، سواء أعجب هذا البعض أم أثار غيظه!
وقد تناولنا هنا قضايا السينما والنقد، وتعاملنا نقديا مع عشرات الأفلام والقضايا والظواهر، من تاريخ السينما، ومن حاضرها، من مهرجاناتها الدولية والعربية، ومع كتابها ونقادها وذاكرتها وكتبها وصحفها. ولكننا في الوقت نفسه تطرقنا إلى المؤسسات الثقافية والقائمين عليها مثل الرقابة ووزارات الثقافة والمؤسسات السينمائية وبعض المهرجانات الهزلية التي تسيء إلى السينما في رأيي، أكثر مما تفيدها.
وبكل أسف أقول إن هذه المؤسسات الفاسدة، والتظاهرات المتعفنة، يديرها بالضرورة أشخاص، يتحملون مسؤولية أو وزر ما تجود به علينا، وبالتالي ليس هناك مناص من التعرض لهؤلاء الأشخاص، وذلك في إطار نقد الظاهرة الأشمل وليس اهتماما بالاشخاص في حد ذاتهم. فليست هناك قضية مع أشخاص، وفي اليوم التالي الذي يتخلون فيه عن مسؤولية ما يديرون من مواقع، تنتهي قضيتنا معهم لتبدأ مع من يتولون بعدهم مواقع المسؤولية، فالبحث عن الحق والخير لا يجب أن يتوقف، ومقاومة الاستغلال والانتهازية والتخريب والفساد لا يجب أن تنتهي بل إنها مهمة كل كاتب حقيقي ومثقف حقيقي.
لقد كنا نذكر الأسماء صراحة لكي يعرف كل من يريد أن يعرف، من المسؤول عن تدهور الثقافة واضمحلال السينما، وتفشي الفكر الرقابي البشع، وأيضا انتشار الكتابات التي تدعي التعامل مع النقد في حين أنها لمرتزفة ولصوص مقالات ومزورين، يغذون التخلف القائم بكتاباتهم الهزيلة ويتعيشون عليه، وهؤلاء جميعا، نماذج للمفاهيم والأفكار التي نحاربها منذ أن بدأنا نعي ونكتب وننشر قبل أكثر من ثلاثين عاما.
وربما تكون كتابات نقدية من هذا النوع قد أزعجت بعض من يقرأون هذه المدونة، دون أن تجعلهم يتوقفون عن التردد عليها يوميا، مرات عدة أيضا كما نعرف جيدا، فهؤلاء يعتبرون "الجرأة" في النقد خروجا عن الحدود التقليدية التي درجوا عليها.. حدود الموالاة والانصياع والتبعية لكل مسؤول حتى يتغير ويأتي غيره فيلحقون بذيل القادم الجديد.
وهذه تحديدا هي مشكلة هذا النفر من البشر وليس مشكلتنا، فكما قلت، فإن المدونات والكتابة فيها، وجدت أصلا لتجاوز الأعراف السائدة في التعبير الصريح الجريء عن المواقف والأفكار وليس لمجرد ادعاء القدرة على "تثقيف" الآخرين، فمن حق ناشر المدونة أن يكتب لكي يعبر عن أفكاره ومواقفه وآرائه بكل حرية، ودون أي حجر من أحد حتى لو أزعجت هذه الكتابات البعض وأقلقت مضاجعهم.. بل إن إزعاج هؤلاء وإقلاق مضاجعهم واجب مقدس.
وهنا أود القول إنني لم آت أصلا إلى عالم الكتابة والنقد لكي أرضي المؤسسات السينمائية وغير السينمائية والقائمين عليها، أو الباحثين عن التذيل لها والارتزاق منها، وابتزازها حينا، ثم الممالئة معها حينا آخر. وجزء من مهمتنا تتلخص في فضح مثل هذه المؤسسات والأفراد لذلك كان من الطبيعي أن يغضب علينا هذا الصنف من الكائنات. وغضبهم علينا شهادة لنا بأننا نسير في الاتجاه الصحيح.
لماذا أكتب؟
إنني لم آت إلى عالم الكتابة والفكر لتدليل المخرجين وصناع الأفلام السينمائية وامتداحهم بمناسبة وبدون مناسبة، ولا لكي أكسب رضا وحب منتجي الأفلام في المشرق أو في المغرب، ولا مديري المهرجانات الذين يتصورون أن نقاد السينما يموتون بعيدا عن مهرجاناتهم، في حين أن المهرجانات لا يمكنها الوجود أصلا بدون النقاد كما يجب أن يعرف كل النقاد الذين يحترمون أنفسهم فلا يهينون أنفسهم ويتهافتون ويقدمون من التنازلات ما لا يليق.
لقد جئت أساسا إلى عالم الكتابة، لكي أقلق، وأزعج، وأدعو إلى نسف القديم السائد المتخلف، وإلى تغيير الدنيا والعالم عن طريق الفكر الجديد المتحرر من الأفكار المتعفة الاقطاعية البالية السائدة، وإلى مواكبة التقدم الثقافي الموجود على الساحة العالمية، وإعادة النظر في المسلمات المتخلفة القائمة التي تحكم نظرتنا الثقافية منذ قرون، وتقيدنا وتحول بيننا وبين الانطلاق لكي نصبح جزءا فاعلا من العالم، لا نكتفي بدور المستهلك، أو المتباكي على تاريخه المفقود، والملتحف دائما بلحاف المؤامرة المستمرة ضده وضد وجوده منذ فجر التاريخ حتى الآن.
ومن يريد أن يتفهم هذا ويتعامل معه، فأهلا به إلى هذه المدونة، وسنواصل معا ما بدأناه. أما من يجد نفسه سعيدا في استسلامه للثقافة السائدة، فلديه الكثير جدا من المنابر القائمة التي يمكنه أن يذوب في أحضانها وتذوب هي فيه، فيسعدان ببعضهما البعض.. بعيدا عنا بالطبع.

وأخيرا.. إذا كانت السينما عند البعض، وسيلة للارتزاق والغش والوصولية، فنحن على استعداد لأن نترك لهم تلك السينما.. شريطة.. أن يتركوا لنا الحياة!

4 comments:

omar manjouneh يقول...

عيد ميلاد سعيد ل (حياة فى السينما) -ان جاز التعبير- و تمنياتى بدوام الاستمرار.
بالمناسبة اللقطة المختارة من فيلم 1900 متناسقة مع المقال.

خالص التحية . عمر منجونة

Amir Emary يقول...

شكرا لك ياعمر..اللقطة من فيلم (1900) أحد أفلامي المفضلة، وهي مقصودة تماما مع الموضوع وليس الانتقاء عشوائيا.. وأنت بذكائك أدركت ذلك بسهولة.. تحيتي.

صلاح هاشم يقول...

عزيزي امير
مبروك مرور سنة علي انشاء المدونة ، ومرحبا ب " حياتك " في السينما ، ودعواتنا لك بطول العمر ، وعقبال مائة سنة ، وليتهم كما تقول صديقي في مقالك يتركون لنا الحياة ، انهم لا يريدون ان يتركوا لنا اي شييء بالمرة،
لان حقيقتنا تفضحهم، وكلامنا يجرحهم ، وانتقاداتنا لمهرجاناتهم المدعية الاحتفالية الاستعراضية المزيفة التي لا يتردد عليها احد لا تعجبهم، و لذلك فالمعركة مستمرة ، وهي كما نوهت في كلمتك ، ليست مع اشخاص، بل ضد مؤسسات عفنة و فاسدة بعينها ، ولن نرحمها ، لاننا احرار ، وان لم يعجبنا الحال ، كما عرف عنا ، صفقنا الباب خلفنا وتركنا
صلاح هاشم
سينما ايزيس

هبة محمود يقول...

مقال حضرتك كالعادة مقال جميل وقوي ويعبر جيدا عن المدونة وموقفها وما فيها.. وكل سنة وحضرتك بخير والمدونة موجودة ومستمرة بنفس القوة.. وثق اننا جميعا معها ومع ما تكتبه.. ومبروك جائزة النقد التي تشرفت بك يااستاذ امير..

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger