الخميس، 27 فبراير 2014

الفيلم الوثائقي "رائحة الثورة"










أول ما يسترعي الانتباه في هذا الفيلم الوثائقي الطويل (98 دقيقة) الذي عرض في مهرجان برلين السينمائي في دورته الرابعة والستين التي اختتمت مؤخرا، عنوانه الغريب باللغة العربية، إذا وهو "أريج".. فالكلمة- أولا- غير متداولة كثيرا بين الناطقين العربية، وثانيا لا يعبر العنوان عن الفيلم ولا عن موضوعه، افترضنا أن هناك موضوعا واحدا لهذا الفيلم. أما العنوان الذي اختارته مخرجة الفيلم: المصرية- الألمانية فيولا شفيق، وهو "رائحة الثورة" هو أيضا عنوان مفتعل، فالفيلم ليس عن الثورة المصرية التي انفجرت في 25 يناير 2011 أي أن العنوان مضلل للمتفرج الذي يؤهل نفسه- من البداية- لمشاهدة فيلم وثائقي جديد عن الثورة من زاوية مختلفة.

إن مشاهد الثورة في الفيلم لا تتجاوز نصف دقيقة، وهي لقطات مأخوذة مما عرضته بعض قنوات التليفزيون للمشهد الشهير للحشد الكبير فوق جسر قصر النيل. وبعد ذلك يأتينا صوت المخرجة نفسها من وراء الكاميرا في تعليق طويل، يظهر ويختفي ليظهر مجددا عبر الفيلم كله. ويقول التعليق في البداية إن المخرجة لم تكن تعتزم أن يكون هذا الذي سنشاهده هو موضوع فيلمها، بل كانت ستتخذ مسارا آخر لولا أن الثورة وقعت فغيرت شكل ومضمون فيلمها. هذا ما فهمناه من التعليق. أما ما لم نفهمه وبدا ملتبسا بدرجة كبيرة، فهو كيف يمكن أن يحمل فيلم ما عنوان "رائحة الثورة" في حين أنه لا علاقة له حتى بما يمكن أن نطلق عليه إرهاصات الثورة!؟

يفتقد فيلم "أريج" على نحو واضح، لما يعرف في الفن عموما، بـ"وحدة الموضوع"، أي أن من الصعب التحدث هنا عن "موضوع" ما، محدد المعالم يدور حوله البحث التوثيقي أو الوثائقي للمخرجة التي عرفت كباحثة جيدة، فالواضح أن هناك درجة كبيرة من التشتت الفكري، فهي تنتقل بين أربعة مواضيع وقضايا تراها هي- وهي فقط طبقا لقناعاتها الخاصة التي لا تتضح لنا- تعكس صورة لما بدا في الأفق أنه سيتحول من حالة غضب إلى ثورة عارمة، في حين أن ما تصوره كان يمكن أن نراه في فيلم تسجيلي قبل أو بعد الثورة، لا فرق!

الفكرة قد تكون جيدة من الناحية النظرية، أما في الحقيقة وعلى الشاشة فهناك تشتت واضح وانعدام لأي شكل من اشكال البناء السينمائي. ولكن ما هي القصة التي يرويها الفيلم؟ وأرجو أن يكون واضحا أن أي عمل تسجيلي يجب أن يتضمن "قصة ما" فما هي قصة فيلم "أريج"؟


هناك عدد من القصص المتنافرة التي لا علاقة لها ببعضها البعض، منها أولا القصة التي تتناول بوضوح وبشكل مؤثر، تدهور البنية المعمارية التراثية في مدينة الأقصر الأثرية الواقعة في جنوب مصر والتي تعتبر من اكثر المقاصد السياحية في العالم رواجا، أو كانت تعتبر كذلك، قبل أن تتعرض لعملية "إغتيال" منظمة من جانب السلطات كما تكشف فيولا شفيق في هذا الجزء الأول من فيلمها.

وتتمثل عملية الاغتيال كما يشرح بطل القصة الناشط القبطي الذي يظهر في الفيلم وكذلك رجل آخر قبطي هو صفوت سمعان، يمتلك مجموعة نادرة من الصور الفوتوغرافية التي تسجل مراحل تاريخ المدينة منذ بدأت زيارات الرحالة الأروبيين للأقصر في ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى اليوم

إضغط هنا لقراءة المقال كاملا

الأربعاء، 19 فبراير 2014

12 عاما في العبودية: الأسلوب السينمائي الفريد




أمير العمري



ليس أهم ما يميز فيلم "12 عاما في العبودية" للمخرج البريطاني ستيف ماكوين، أنه يعيد تناول موضوع العبودية في الولايات المتحدة في السينما بشكل مؤثر وقوي. لاشك أنه أحد أهم ما ظهر من أفلام حول هذا الموضوع الذي سيظل يلهم الكثير من السينمائيين لأجيال قادمة. وربما يكون المخرج كوينتين تارانتينو قد لعب دورا بارزا في إعادة تسليط الأضواء على هذا الموضوع الإنساني - التاريخي بفيلمه "جانجو طليقا" (2012).


لكن على حين كان "جانجو" يقدم رؤية فنية سينمائية (خيالية) تستند إلى بعض الحقائق التاريخية، يأتي "12 عاما في العبودية" مستندا إلى الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه، من تأليف سولومون نورثوب (صدر عام 1853) وفيه يروي تجربته المريرة القاسية التي عاشها بعد أن استدرج من نيويورك إلى واشنطن عام 1841 وهو الرجل الحر، ثم يختطف ويتعرض للتعذيب الشديد ويلقنونه أن إسمه "بلات" وأنه عبد هارب من جورجيا، ثم يباع إلى أحد ملاك الأراضي وينقل إلى الجنوب الأمريكي حيث يرغم على القيام بالأعمال الشاقة مع غيره من العبيد، وينتقل عبر البيع، بين عدد من ملاك الأراضي، إلى أن يتمكن من إثبات الحقيقة بعد مرور 12 عاما في العبودية، فيتحرر ويعود للالتحاق بأسرته.


هذا هو باختصار موجز موضوع الفيلم، وهو كما نرى، كان من الممكن أن يصنع فيلما تقريريا تقليديا لا يلفت الأنظار كثيرا من الناحية الفنية، فالغرض الأساسي لابد أنه سيتركز في توصيل الرسالة، أي الاحتجاج على ما كان يفعله الإنسان بالإنسان، ولايزال!

أما بين يدي مخرج رفيع المستوى مثل ستيف ماكوين (الذي سبق أن برزت موهبته في فيلميه السابقين "جوع" Hunger و"عار" Shame) فلا يصبح الفيلم مجرد "تقرير" سينمائي، أو قصة ميلودرامية تُروى على وتيرة واحدة، بل يصبح عملا فنيا كبيرا يبرز الحس التشكيلي والإحساس بالإيقاع السينمائي، يحتفي بالصورة ويجعل الدراما تتفجر من خلال مكونات الصورة، ويكتسب بالتالي، أهميته في تاريخ السينما.


الثلاثاء، 18 فبراير 2014

سر قوة فيلم "12 عاما في العبودية"







أمير العمري





بعض التعليقات التي كتبت على الفيلم الأمريكي البديع "12 عاما في العبودية"  12 Years A Slave  تقول إن الفيلم لا يضيف جديدا، وإنه يجعل من قضية تحرير العبيد قضية قانونية تتعلق أيضا بشخص واحد بدلا من المجموع، وإنه بالتالي يقلل من قيمة وأهمية القضية، بل ويهمشها حينما ينتهي بحصول بطله على الحرية مع بقاء أقرانه عبيدا!

الحقيقة أن الفيلم يميل أولا، إلى الاخلاص للأصل الأدبي الذي يعتمد عليه، وهو الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه الذي أصدره سولومون نورثروب في القرن التاسع عشر.. الذي يروي قصته الشخصية وما وقع له من مأساة. 

والرد على اتهام الفيلم بأنه يجعل القضية قضية أوراق قانونية فقط يجب أن يكون كالتالي: إنه حتى الأمريكي الأسود الذي كان يحما أوراق انعتاق من العبودية في تلك الفترة النظلمة من التاريخ الأمريكي، لم يسلم من الاستبعاد والبقاء في العبودية لإثني عشر عاما.. وهو ما يقوي موضوع الفيلم وقضيته وليس العكس، أي أن هذه الحالة الخاصة هي أبلغ ادانة لسياسة التفرقة العنصرية على أساس اللون، واستبعاد الانسان لأخيه الانسان وليست تهميشا للقضية. واختيار مشكلة شخصية تتعلق برجل معين، موهوب، يعزف على آلة الكمان، يجيد القراءة والكتابة، يتمتع بالفطنة وحسن التدبير والقدرة على الابتكار، كلها أمور تجعل الاختيار مثاليا في التعبير عن ضراوة المشكلة، فرجل بهذه المواصفات، أرغم على العمل في الحقول مثل أي عبد من زملائه، كما بقى في العبودية سنوات طويلة عاجز عن اثبات أنه رجل حر وكان يلقى السخرية حينا، أو الانكار والاتسنكار حينا آخر كلما انبرى يدافع عن حقوقه الى أن أرغم بالقوة على الصمت والقبول حتى بتغيير إسمه وتاريخه الشخصي حسب رغبة السادة الذين اختطفوه ثم باعوه ونقلوه الى الجنوب الأمريكي.

 بطل الفيلم يتمتع بقدرة عالية على ضبط النفس، وعدم اللجوء للعنف إلى أن يشتد الضغط عليه فينبري مرة واحدة للدفاع عن نفسه فيكون ذلك الانتقام القاسي الذي يتعرض له كما شاهدنا في مشهد الشنق الوحشي الذي لم يكتمل، إلا أن الفيلم لم يهمل تصوير غيره من نماذج بشرية أخرى بائسة تتعرض لشتتى أنواع الاعتداء والتنكيل ومنها الاغتصاب الجنسي والجلد والشنق الفعلي..إلخ
إذن الفيلم لم يهمل تصوير الموضوع في كليته وشموليته، ولكنه لم يكن ممكنا أن ينتهي بمشاهد عنيفة بطولية على طريقة (جانجو)- لأنه فيلم يقوم على موضوع وقصة حقيقيتين وليس على افتراضات خيالية فنية مثل تلك التي أبدعها تارانتينو في فيلم شديد الاختلاف حقا. 

ان الانتصار على العنصرية على الشاشة فقط لا يغير حقائق التاريخ، ولكنه ربما يغير صورة التعبير عن تلك الحقيقة على الشاشة. وهو ما لم يلجأ إليه المخرج ستيف ماكوين الذي ليس من الممكن اتهامه بأي درجة بأنه من السينمائيين الذين ينطبق عليهم وصف أنصار كوخ العم توم، بل على العكس تماما. إنه يستنكر ويصرخ ويحتج عبر بطله في هذا الفيلم البديع، على تلك الهمجية التي لم ينج منها حتى من اعتبرته "الحضارة الأمريكية" وقتها مواطنا حرا!
وهذا بلاشك من أفضل الأفلام التي عالجت المسألة بنظرة فنية رفيعة.

الخميس، 13 فبراير 2014

فيلم "كف القمر" هل أفلس خالد يوسف؟!



شاهدت أخيرا فيلم "كف القمر"- آخر فيلم أخرجه خالد يوسف قبل أن يصبح جزءا من الأحداث السياسية الصاخبة التي تشهدها مصر منذ نحو ثلاث سنوات. ولم يكن هذا الفيلم تحديدا قد حظى باهتمام نقدي أو حتى جماهيري مشابه لأفلام سابقة للمخرج نفسه، ومرجع ذلك أن عروضه العامة في مصر بدأت بعد أحداث إنتفاضة 25 يناير مباشرة التي أدت إلى إغلاق كثير من دور السينما واضطراب عروض البعض الآخر في تلك الفترة بسبب تدهور الأحوال الأمنية في الشارع.
الفيلم من تأليف ناصر عبد الرحمن (كتب القصة والسيناريو والحوار) الذي سبق أن إشترك في أكثر من فيلم مع خالد يوسف لعل أشهرها "حين ميسرة". أما في هذا الفيلم فيتراجع خالد يوسف إلى الوراء، ويترك العنان لطغيان الرمز السياسي الذي يولع به كثيرا بحيث يصل أحيانا إلى حد الصراخ المباشر من خلال الحوار، وحشو الكثير من المبالغات الدرامية التي تجعل من معظم أفلامه "بيانات سياسية احتجاجية مباشرة وضعيفة" لا تشهد على الظاهرة الاجتماعية المتدهورة بقدر ما تصبح جزءا منها!
إن مشكلة خالد يوسف أنه لا يريد أن يكتفي بدور السينمائي الذي يقدم رؤية فنية للواقع، بل يريد أن يقوم بدور الخطيب والداعية السياسي أو المصلح الاجتماعي ولو بوضع مجموعة من "الافتراضات الدرامية" التي تقارب بين الفيلم والواقع بطريقة رديئة تذكرنا بميلودرامات سينما أثرياء الحرب في الأربعينيات.





جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger