السبت، 14 نوفمبر 2009

من رسائل الأصدقاء: أساليب التمثيل والفيلم كإبداع فردي (مع إضافة وتصويب)

بعد أن نشرت الردود المنشورة أسفل هذا الكلام وصلتني الرسالة التالية من (محمد التوبي) يصحح لي بعض المعلومات التي وردت في ردي.. وأشكر كاتبها كثيرا وأقول له إن ما لدي من معلومات تعتمد على ما قرأته في الماضي أي من الذاكرة، وربما يكون مفيدا عمل بحث خاص في موضوع التمثيل مستقبلا، وليس عيبا على الإطلاق أن يخطيء المرء بل العيب كل العيب في تجاهل التصويب والتقويم والاعتراف بالخطأ وانا هنا أعترف بالخطأ وسأراجع معلوماتي في هذا المجال.. وهذه هي فائدة الجدل المفيد.. وليس هناك في النهاية، من يعرف كل شيء بل إننا جميعا نحاول ونجتهد.. اليس كذلك؟ (أ. ع).
في جوابك على أسئلة القراء أردت أن أعقب على الموضوع الذي يخص التمثيل بالنسبة لبراندو وستراسبيرغ فليس بينهما صلة الأستاذ بالتلميذ . - براندو لم يدرس عند لي ستراسبيرغ كما ذكرت -منهج ستانسلافسكاي أبرز ناشريه ستراسبيريرغ ومن تلاميذه آل باتشينو ولكن براندو تتلمذ عند ستيلا أدلير المنافسة لستراسبيرغ المرأة التي درس عندها كذلك روبرت دي نيرو أيضا . التالي من وايكيبيديا :: في عام 1943، وصل براندو إلى نيويورك؛ وسجّل لفصل دراسي في الورشة الدرامية للمدرسة الجديدة للبحث الإجتماعي، الموجّهة من قبل المهاجر الألماني إرون بيسكاتور. معلّمته في الورشة كانت ستيلا أدلر. ستيلا أدلر عاشت في موسكو في أوائل الثلاثينات، ودرست مع قسطانطين ستانيسلافسكاي في مسرح فنون موسكو. في عودتها إلى أمريكا، علّمت أعضاء مسرح المجموعة اليساري استعمال "طريقة" ستانيسلافسكي، والتي بها يجب على أيّ ممثل أن يطوّر كلّ جزء يؤدّى من عواطفه الخاصة، وهي طريقة قام لي ستراسبيرج بتعليمها لاحقاً أيضاً. براندو اختلف مع ستراسبيرغ ولا يعترف به.لا أحد من الممثلين الكبار يدينون لستراسبيرغ سوى آل باتشينو الذي كان التلميذ المباشر وقد جلبه آل للتمثيل معه في العراب الجزء الثاني وقد كانت له فرصة للفوز بأوسكار أفضل ممثل مساعد ولكن خسرها لروبرت دي نيرو تلميذ ستيلا إدلر معلمته ومعلمة الأستاذ الأكبر مارلون براندو الذي يدين له الجميع .ويؤكد ذلك السيرة الذاتية لكل الأسماء المذكورة . لي ستراسبيرغ في العراب الجزء الثاني، وفي فلم العدالة للجميع .. صراحة يرثى لحاله .. يلهث وراء مجد مستعصي على مثله ربما هو عيب آل باتشينو.
=======================================================
* هل هناك أساليب تمثيل مختلفة وما هى تعريفاتها ومن هم روادها العالميون ؟ ومن هم أبرز اللاعبون - الممثلون - على شاشة التلفاز والسينما من الوطن العربي على مر العصور؟ ومن هو المخرج وما هو الإخراج. شكرا ونرجو لكم دوام الموفقية والنجاح.
هاشم
من الكويت
* أسئلة الأخ هاشم من الكويت تحتاج إلى كتاب كامل للإجابة عنها لكني سأوجز بقدر ما أستطيع. نعم هناك أساليب مختلفة للتمثيل، هناك أسلوب التقمص المطلق الذي يعتمد على منهج مدرسة ستانسلافسكي الروسي (مسرحي أساسا) والتي اعتمدت عليها طريقة "المنهج" أو الميثود التي وضعها المخرج والممثل الأمريكي لي ستراسبورج (من العشرينيات) من خلال ما عرف باسم "ستديو الممثل". وقامت عليها فيما بعد مدرسة نيويورك أو معهد التمثيل المسرحي والسينمائي التي تأسست عام 1969، وعلى يدي ستراسبورج درس عدد من كبار ممثلي وعمالقة السينما الأمريكية مثل مارلون براندو، ولي ج كوب وداستين هوفمان وآن بانكروفت وجيمس دين وبول نيومان وآل باتشينو، وإيلي والاش، ومارلين مونرو ورود شتايجر وغيرهم.
وتعتمد "الميثود" على استدعاء المشاعر والانفعالات الشخصية من داخل الممثل لمساعدته على أداء الدور حد التقمص المطلق. وهناك طبعا الطريقة الأخرى التي يحاكي فها الممثل الشخصية من الخارج من خلال الصوت أو حركة الوجه، دون أن يستدعي انفعالاته الخاصة.. وهناك مدرسة التحليل النفسي للشخصية أو المنهج السيكولوجي في التعامل مع الشخصية التي يؤديها الممثل.
وأساس التمثيل هو فن المسرح، ويطوع التمثيل السينمائي أمام الكاميرا لكي يتخلص من المبالغة والتلويح باليدين والاعتماد أكثر على التعبير بالوجه ونغمة الصوت..إلخ.
أما المخرج فهو الشخص المسؤول عن توجيه الممثلين: ماذا يفعلون بالضبط، وكيف يتحركون داخل المشهد، كما أنه يوجه المصور ويشرف على توليف الفيلم في النهاية، بل انه يتدخل في كل جوانب العمل السيمائي من السيناريو إلى الديكورات إلى الموسيقى، يحدد التأثير المطلوب من كل منها ويتعاون مع الجميع من أجل انجاز الفيلم الذي يصبح مسؤوليته بالكامل في النهاية.
لا أستطيع الحديث عن كل عمالقة التمثيل في العالم العربي على مر العصور هناك الكثير ولابد أنك تعرفهم لكن يبدو انك تريد رأيي الشخصي: هناك على سبيل المثال: زكي رستم وأمينة رزق ومحمود المليجي وحسين رياض وعبد الوارث عسر وشكري سرحان ورشدي أباظة وسعاد حسني ونادية لطفي ومحسنة توفيق وزوزو حمدي الحكيم ومحمود مرسي وأحمد زكي ونور الشريف وفردوس عبد الحميد وشريهان.. ومن الدول العربية غير مصر كثيرون يضيق المجال بهم لكن الأفلام قليلة وهناك من الأفلام الجزائرية والمغربية ما لا يعتمد اساسا على عمل الممثل بل على عمل المخرج أكثر.. طبقا لنظرية سينما المؤلف التي تهمل الممثل- النجم.
====================================================
* تحياتى أستاذ أمير. أولا أهنئ حضرتك بمناسبة صدور كتابك الجديد (حياة فى السينما). ثانيا هناك جملة ذكرتها فى مقالك ردا على مقال الأستاذ أحمد يوسف وهى أنك ترى أن الفيلم عمل ابداعى فردى يعبر عن رؤية مبدعه (الفرد) هذه الفكرة بالتحديد تشغلنى منذ فترة ليست بالقليلة أو منذ أن عقدت النية على دراسة السينما والتساؤل الذى يطوف بذهنى فى كل فيلم جديد أراه هل يُسئل المخرج (فلان) بقدر ما يسئل الروائى (فلان) مثلا عن عمله الأدبى؟ وبعيدا عن دراسة السينما لايزال الأمر يشكل بالنسبة لى معضلة فى (تذوق الفيلم) كعمل مترابط يعبر عن وجهة نظر فنية وفكريه موحدة، ودائما ما سبب لى وصف (صناع الفيلم) نوعا من الصداع. وللأسف عظم ما قرأته لم يفدنى فى الوصول الى ما يمكننى القول عنه "أساس مبدئى لوجهة نظر". أردت من حضرتك - ان اتيحت الفرصة - أن تكتب عن " المبدع الفردى للفيلم " كما تراه . خالص تحياتى
عمر منجونة
* في مجال الرد على صديقي عمر أقول: عزيزي عندما نقول "صناع الفيلم" فنحن نقصد المنتجين أو أطراف الإنتاج المتعددة والأطراف الممولة التي اشترت الفكرة والسيناريو، وبينهم الموزع أيضا، أي القائمين على الفيلم من ناحية الجانب الصناعي والتجاري (صناع الفيلم أي الذين يقفون وراء صناعته) ومنهم المخرج أيضا، فالإشارة إلى الصناعة هنا ليست خطا، لأن هذا الجانب قائم في السينما، ومن يشتري فكرة يريد بالطبع أن يجعلها "سلعة" أليس كذلك، اي سلعة فنية أو ثقافية أو للتسلية- حسب نظرة كل منا للسينما بالطبع، وبالتالي هو مسؤول عن هذه السلة بشكل أو بآخر.
أما قولي إن الفيلم ابداع فردي فالمقصود به كنت أعتقد أنني أوضحته في مقالي، وأكرره وأزيده هنا وهو أن الأفلام مثل أي نشاط إنساني آخر كالرسم مثلا، صحيح أن وراءها صناعة، لكن الفكرة، والموضوع، البناء، والرؤية، كلها أشياء تنبع من شخص أو أكثر (يكون منهم المؤلف وكاتب السيناريو) يتفقون معا في النهاية على عمل الفيلم طبقا لهذه الرؤية، وليس نتيجة "إجماع الأمة" أو "مقتضيات المرحلة" أو من أجل "مواجهة الصهيونية" أو للرد على "الاختراق الغربي" أو تعبيرا عن "ضمير الجماعة أي ضمير الأمة" أو بناء على تكليف أو قرار حكومي بعمل أفلام "تمجد الإنسان المسلم مثلا" أو تبرز "عظمة تاريخنا وتقاليدنا" او "تعبر عن عظمة الجندي المصري أو السوري في حرب أكتوبر".. هذه كلها أفكار عامة ساذجة يطرحها الكثير من الكتاب المشغولين بالقضية الاجتماعية والسياسية على حساب الجانب الفني وأصله وأساسه، وهو انه ابداع فردي لا يمكن صنعه طبقا لتوجيهات أو بقصد مبيت.. وعندما يتم ذلك بل وهو يحدث هنا وهناك، فإنه لا ينتج أعمالا فنية بل مجرد "أشياء ولافتات" دعائية فاشية سخيفة لها علاقة بالظاهرة الاجتماعية والسياسية لكن لا علاقة لها بالفن أو بالابداع. والفيلم كما ذكرت أعلاه ردا على السؤال السابق، مسؤولية المخرج أساسا، فالمؤلف ينتهي دوره بتقديم النص سواء رواية أم سيناريو، وتبدأ مسؤولية المخرج وهذا ليس لغزا بل أمر يعرفه الجميع بما فيهم نجيب محفوظ العظيم نفسه الذي كان دائما ينأى بنفسه عن الأفلام التي أعدت عن أعماله ويعتبرها أفلام مخرجيها.
وعندما جاء حزب البعث العراقي إلى السلطة أراد عمل أفلام تمجد حركة البعث وتلعب على فكرته الفاشية التي تتلخص في أن الفيلم يجب أن يوظف في خدمة الأمة.. والأمة هنا تعبير بديل عن سياسة الحزب المهيمن على السلطة والمتحكم في الأمة، فكانت النتيجة تدمير الابداع السينمائي في العراق وهجرة كل السينمائيين القادرين على الفعل إلى الخارج. إن حزب البعث أراد أن يخلق "الإنسان البعثي" و"السينمائي البعثي" أي الذي يتحدث بلسان الحزب ولا يكون له لسانه الخاص أو عينه، ولذا يمكن القول إنه حزب قطع الألسنة. وكل ايديولوجية شمولية تريد أن تصنع الإنسان على شاكلة محددة.. أن تضعه في قالب وخصوصا الفنان، ولكن المفارقة ان الفنان تحديدا لا يمكنه أن يخضع لاي قالب.
وفي ليبيا لا توجد سينما تحديدا لنفس السبب، لأنه نظام شمولي يؤمن بفكرة جوفاء وضعها شخص نصف أبله.. نصف حشاش، اراد أن يجعل الطبيعة نفسها تتغير من أجل أن يثبت أنه على صواب، ولم يظهر في ليبيا اي فنان لأن الأبله جعل من نفسه الفنان والمفكر والأديب الأوحد وهجرت كل العقول ليبيا إلى الخارج. وفي سورية تصدر تعليمات بعمل مسلسلات تدور في اتجاه معين (تاريخي يخدم توجهات البعث السوري القومية) ويهمل البحث في مشاكل الانسان السوري ودائما يهرب المخرج التليفزيوني إلى التاريخ أو إلى تقديم اعمال عن "القضية الفلسطينية" مثلا، من وجهة نظر لا يمكنها الخروج عن أفكار الحزب المسيطر، واذا حدث وخرجت عنها يصادر الفيلم أو يمنع صاحبه من العمل كما في حالة المخرج محمد ملص مثلا. وكان الدوجماتيون في الحزب الشيوعي السوفيتي في عهد ستالين يروجون لمثل هذا النوع من الأفلام التي تجسد أولويات الحزب والفكر الجمعي والتعبير عن البروليتاريا.. إلخ لكن التمرد جاء وحدث في الفن والسينما وأصبح هناك مثلا تاركوفسكي، فهل يعبر تاركوفسكي في أفلامه عن الأيديولوجية التي كانت سائدة في بلده، وهل أخرج أفلاما عن النضال الوطني الروسي أو السوفيتي في مواجهة الغرب الرأسمالي في اطار الحرب الباردة، أم صنع "افلامه" هو التي تعبر عن افكاره الخاصة في الحياة والدنيا والعلاقة بين الإنسان وما يدور حوله بل وعلاقته أيضا بالله وبتاريخه الخاص؟
هل وصلت الفكرة؟ إن أفكار الكثير من أصدقائنا الناصريين لاتزال تدور في اطار عتيق يتخيل أن هناك غزوا سينمائيا يجب مواجهته إما بالمقاومة، بصنع أفلام "تدعو إلى نصرة قضايانا"- كما يقولون، أو بالغزو المضاد، وهو تصور يفترض أن هناك حروبا دائمة مستمرة بين البشرية، يجب أن تصبح السينما فيها اداة حرب وليست وسيلة تعبير إنساني تنشد حرية الإنسان.
ولكنك لن تنجح الا اذا كنت صادقا، وإلا إذا كانت لديك إبداعات فردية متنوعة ومتعددة شأن المجتمعات الانسانية نفسها، فمن الذي يمكنه أن يقول إنني مثلك، أفكر مثلك لأننا ولدنا ونشأنا في مجتمع واحد؟ هذا غير صحيح فكل إنسان له تفكيره وثقافته وخياله الخاص، صحيح أنه ابن ثقافة مجتمعه ومحيطه، لكنه يدخل في حالة نقدية مع ما يوجد حوله أيضا، أو لا يدخل، والفنان المبدع بالضرورة يعيش علاقة حب- كراهية مع مجتمعه، حب لما هو أصيل وجميل، وكراهية لكل تشويه وقبح. وإلا ما وجد الإبداع.
أما "ضمير الأمة" أي الفكرة السياسية الحزبية: ناصرية كانت أم بعثية أم شيوعية، فهي تريد أن يصبح الفنان أداة لخدمة عقيدة الحزب أو المسيطرين على السلطة.. وهذا تحديدا ما يريده أحمد يوسف والذين يكتبون على طريقته. وقد تصادف أنني قرأت اليوم فقط تقريرا عن ندوة تكلمت فيها الأخت درية شرف الدين المذيعة التليفزيونية، عن "الغزو الفكري كما يتمثل في أفلام هوليوود وكيف أن الأمريكيين ينتجون أفلاما تخدم توجهاتهم في العراق- بل إنها ذكرت تعبير "كل الأفلام التي ينتجها الأمريكيون" علما بأن أكثر الأفلام انتقادا للدور الأمريكي في العراق لم تأت إلا من هوليوود.. فهل هناك بعد ذلك "بارانويا قومية" أكثر من هذا!
أخيرا أقول إن المخرج هو المسؤول الأول عن فيلمه مثلما أن الروائي مسؤول عن روايته، حتى لو لم يكتب فيلمه لأنه يختار طريقة تجسيد الرواية أو القصة التي كتبها غيره بتصور آخر مختلف فلا توجد كاميرا في الرواية.. أليس كذلك. أرجو أن أكون قد وفيت.

الخميس، 12 نوفمبر 2009

الاحتفاء بالتفاهة

المهرجانات تصنع ثقافة، خصوصا في البلدان التي تعاني من قلة الثقافة، أو احجام المؤسسات الخاصة على القيام بدور ثقافي بعد أن توحش رأسمال الخاص وأصبح كل ما يشغله هو اقامة الأفراح والليالي الملاح، بأكثر أنواع البذخ والاستعراض كما لم يحدث ولا في "ألف ليلة وليلة".
ومن أولويات الاهتمام بالثقافة أن تحتفي المهرجانات السينمائية بالنماذج المثقفة من فنانيها ومبدعيها ومفكريها السينمائيين الذين يمكنها بحق أن تباهي بهم العالم.
غير أن مهرجان القاهرة السينمائي اختار- كعادته وبحكم اتكوين الثقافي الهزيل للمسؤولين عنه – تكريم رموز التفاهة والتدهور. وقد أصبح ما يجري في هذا الإطار "المسكوت عنه" تماما في الصحافة والإعلام والنقد، لأن الجميع يريدون أن يجدوا لأنفسهم بابا يدلفون منه إلى "ضجة الدروشة"- باقتباس تعبير نجيب سرور العظيم.
لا أفهم كيف يمكن اقامة تكريم لممثلة متواضعة سوقية نمطية مثل نادية الجندي التي اساءت، ليس فقط إلى فن التمثيل، بل إلى المراة المصرية عموما، في مهرجان يزعم القائمون عليه أنهم يحاولون الترويج للصورة الإيجابية للسينما المصرية.. فهل نادية الجندي ضمن تلك الصورة، وهل يمكن اعتبارها ممثلة مبدعة أصلا، أم ان هذا التكريم يعكس الانهيار الثقافي والفني الذي بلغناه في عصر الانحطاط الاجتماعي السعيد.
كان من المتصور مثلا أن يتم الاحتفاء بممثلة من طراز فردوس عبد الحميد أو محسنة توفيق، خاصة أن الاثتنين يعانيان من التجاهل التام من جانب أجهزة "التلميع" التي يشرف عليها الوزير الرسام، أما أن يتم تكريم نادية الجندي أو حتى شويكار طوب صقال (وهذا هو اسمها الكامل) التي لن تقدم شيئا ذا قيمة في السينما منذ أن اشتغلت بها في أوائل الستينيات، فهذه هي قمة المهزلة.
هل يكفي أن يكون المحتفى به قد ظل يراكم أعدادا من الأفلام بلا معنى أو مغزى حتى يحتفة به؟
إن هذه الاحتفاءات والاحتفالات والتكريمات الوهمية لا تعني سوى أننا لا نعرف الفرق بين فن التمثيل وفن العلاقات العامة، بين السينما كفن يقوم على الفهم والمعرفة، والفهلوة التي تجعل سهير عبد القادر مسؤولة عن أهم مهرجان سينمائي في تاريخ مصر، والرسام المتواضه المستوى يكتم على صدر الثقافة المصرية لمدة 23 عاما بلا أدنى أمل في أن يرحل عنها قريبا، ويبدو أنه فعلا زمن "سلم لي على البنتجان" فعلا باقتباس تعبير العبقرية اللولبية في فيلم "الباطنية"!

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

أسماء في "حياة في السينما"


ذكرت الكثيرمن الأسماء، أو توقفت أمامها، في كتاب "حياة في السينما" (الصادر حديثا) من مصر والعالم العربي وهي تشمل عددا كبيرا من المثقفين والسينمائيين والنقاد والشخصيات العامة التي وردت وقائع بشأنها في الكتاب الذي يحوي الكثير من الفصول غير المنشورة من قبل، كما يروي بالتفصيل، قصة بداية مهرجان القاهرة السينمائي عام 1976 ويبين الهدف الذي كان قائما من وراءه، ولماذا وقف النقاد ضده من البداية وكيف غير البعض مواقفهم، كما يستعرض الكتاب صعود وسقوط عدد من المثقفين الذين غيروا مواقفهم وآثروا الارتماء في أحضان السلطة، في حين أن آخرين لم يجدوا امامهم، بعد تدهور الأوضاع الثقافية والسياسية في مصر، من ملجأ سوى الهروب إلى الخارج، للعيش في نوع من المنفى الاختياري بدلا من الموت البطيء في الداخل، ومنهم الناقد الكبير الفاروق عبد العزيز الذي لايزال يعيش في الكويت منذ 1978، وكاتب هذه السطور الذي يعيش في لندن، في حين أن الذين كانوا يبشرون بتقديم الكثير عادوا، وكان لزاما عليهم الاندماج في "اللعبة"، أي لعبة السلطة والمراكز والمناصب والنفوذ والسيطرة.. أي الضلوع بشكل ما في منظومة الفساد الكبرى القائمة حتى الآن، وهذا لا يمنع من وجود الكثير من الأسماء التي لاتزال تقاوم في الداخل، وتحاول التماسك والعمل، دافعها ايمانها بأن الخير لابد أن ينتصر في النهاية على الشر. إنها شهادتي التي يهمني أن تصل إلى جميع الأصدقاء والمهتمين بمعرفة الحقائق: كيف كنا وكيف أصبحنا، وما نحن مقبلون عليه إذا كان في العمر لاتزال بقية بعد. وهذه بعض الأسماء التي توقفت أمامها في كتابي هذا، أنشرها هنا بدون ترتيب معين:
صلاح أبو سيف، يوسف شاهين، محمد خان، داود عبد السيد، أسامة فوزي، رضوان الكاشف، محمد ملص، نوري بوزيد، فريد بوغدير، محمد حلمي هلال، سامي السيوي، عبده جبير، فاروق عبد القادر، عادل السيوي، جلال الجميعي، فتحي فرج، مصطفى درويش، سامي السلاموني، أحمد الحضري، سمير فريد، علي أبو شادي، مجدي أحمد علي، الدكتور محمد حسن خليل، هاني المنياوي، عبد الرحمن المنياوي، حسين بيومي، حسن بيومي، أحمد قاسم، محمد كامل القليوبي، شحاتة هارون، عطيات الأبنودي، صلاح هاشم، عزت العلايلي، خميس الخياطي، الطيب لوحيشي، سمير نصري، يوسف شريف رزق الله، أحمد رأفت بهجت، محسن محمد، عبد المنعم الصاوي، يوسف السباعي، صلاح عيسى، السيد سعيد، محمد رضا، أمجد ناصر، جان شمعون، جاد الحاج، أحمد الحسني، ليلى علوي، قصي درويش، سعد الدين وهبة، أسامة خليل، أمير سالم، فوزي سليمان، فايز غالي، الفاروق عبد العزيز، انور خورشيد، صبحي شفيق، نديم ميشيل، ثروت عكاشة، أنور السادات، محمد عبد السلام الزيات، توفيق حنا، ماجدة واصف، الدكتور خليل فاضل، بهيجة حسين، يحيي الفخراني، جميلة اسماعيل، محمد الدرديري، ماريان خوري، خيري بشارة، الممثلة سيمون، عزة كامل، عبد الفتاح الجمل، رشيد مشهراوي، سعد هنداوي، نجيب الرفايف، بوسي، يسري نصر الله، عاطف الطيب، ابراهيم البطوط، رمضان سليم، رضا الباهي، زهير الدواليبي، سمير نصري، محمود سامي عطا الله، خالد شوكات، محمد بكري، قاسم عبد، محمد توفيق، محسن ويفي، شريف عرفة، وحيد حامد، كمال رمزي، عادل حسني، محمود حميدة، سهيل حداد، رءوف توفيق، أحمد صالح، د. لويس عوض، أنيس البرغوثي، محيي اسماعيل، أحمد عبد الحليم، هايني سرور، نبيهة لطفي، ماجدة موريس، يحيى حقي، أحمد راشد، هاشم النحاس، ياسر هويدي.

زواج رأس المال بمهرجان القاهرة السينمائي

في مصر زواج " كاثوليكي" معلن، بين رجال المال (الذين يطلق عليهم البعض رجال الأعمال في حين أنه لا هم لهم سوى جمع المال بكل الطرق، المشروعة وغير المشروعة)، وبين رجال السياسة أي حكامنا الأفاضل الذين لا يغادرون مقاعدهم إلا بمعرفة عزرائيل شخصيا. يحصل رجال الطرف الأول على العقود والتسهيلات والتوكيلات والترخيصات من رجال الطرف الثاني، في حين يحصل رجال الطرف الثاني على الرشاوى والهدايا والأراضي والشقق والفيلات والدعم المالي المطلق من رجال الطرف الأول.بعد هذا الزواج "غير الشرعي" بين شيطان المال وشيطان السياسة، يبدو أن هناك من يريدون أن يستحضروا لنا شيطانا من نوع آخر، الشيطان المعدل.. بين المال ومهرجان القاهرة السينمائي.

فقد سرت أخيرا دعوة إلى ضرورة تبرع رجال المال بمليون دولار تخصص لجوائز مهرجان القاهرة السينمائي، من أجل "إغراء" السينمائيين المصريين بالمشاركة بأفلامهم في المهرجان الذي يعاني من إحجام هؤلاء عن المشاركة فيه، ليس لأنه لا يغريهم بجوائز مالية ضخمة كما يردد البعض، بل إحساسا منهم بأنه أصبح مهرجانا "غير محترم"، فهو مهرجان ترأسه امرأة لو تقدمت في اختبار مفتوح للحصول على وظيفة سكرتيرة في المهرجان لرسبت لعدم إلمامها باللغات الأجنبية إلماما كافيا على الأقل، إلى جانب نواقص أخرى عديدة. وهو أيضا مهرجان فضائحه متكررة منذ 33 عاما، لا يمكنه أن يتعلم لأنه مثل كل المؤسسات القائمة، مهرجان هرم، عجوز، يفتقر للحيوية وللثقافة وللمعرفة وللعلم وللشباب أيضا، وتتكالب عليه حفنة من أعضاء جمعية المنتفعين والانتهازيين الذين يتميزون بالجهل المطبق فيما يتعلق بالسينما: تياراتها واتجاهاتها، باستثناء اسم واحد أو اسم ونصف. وعندما يقترح عليهم ذلك "الإسم" الذي يعرف، شخصية لتكريمها مثل المخرج الإيطالي العظيم ماركو بيللوكيو (صاحب الفيلم- التحفة "الانتصار" الذي عرض في مهرجان كان الأخير، وهو من جيل السينمائيين الايطاليين المخضرمين) يقدم المخرج في حفل الافتتاح الاخير على خشبة المسرح، ويعرضون لقطات يفترض أنها من أحد أفلامه، لكي يفاجأ الجمهور بالمخرج يتناول الميكروفون ويقول إن المقطع الذي عرض ليس من فيلمه بل من فيلم مخرج ايطالي آخر هو ايليو بتري.. أي أن بتري مثل بيللوكيو في عرف الست سهير عبد القادر ورفاقها الطيبين. وقديما، قبل 23 سنة، كان هناك مخرج عظيم، لو وجد في أي مهرجان لأصبح الحدث الأكثر أهمية، هو الراحل الكبير سيرجيو ليوني صاحب البصمة المميزة لأفلام بـ"الويسترن ساباجيتي". لكن أحدا في المهرجان لم يلتفت إليه، ولم يتم تقديمه بالشكل اللائق، وقد رأيته يجلس وحيدا متبرما ملولا في ردهة الفندق أكثر من مرة ثم آثر أن يغادر المهرجان قبل نهايته. وعندما جاء المخرج الأمريكي أوليفر ستون قبل 14 عاما إلى المهرجان، أجرى معه صديقنا يوسف شريف رزق الله مقابلة تليفزيونية (على الهواء) وعندما سأله عن رأيه في المهرجان والقاهرة، انبرى ستون يعرب عن استيائه من المهرجان ومن الفوضى القائمة والاهمال، واشتكى من أن لا أحد هنا يريد أن يحدثه عن أفلامه، بل يبدون جميعا أكثر اهتماما بالفقاقيع الموجودة حوله، وقال إن القاهرة مدينة مزعجة، مزدحمة لا تصلح لتنظيم مهرجان.. وكانت مفاجأة مذهلة لصديقنا يوسف الذي اضطر إلى ترجمة معان مخالفة تماما لما قاله ستون، مثل: إنه يقول إن المهرجان جميل والقاهرة بلد دافئ.. وما إلى ذلك بافتراض أن معظم المشاهدين ليسوا من خريجي الجامعة الأمريكية بالطبع!

أما موضوع الزواج المطلوب الآن بين رجال المال ومهرجان القاهرة، فليس مفهوما على الإطلاق بأي حق يمكن أن يطلب المهرجان من رجال المال أن ينفقوا مليون دولار على جوائز المهرجان، فما الفائدة التي ستعم عليهم؟ هل سيقدمون ذلك من "أجل عيون مصر"، أو إرضاء للسيد فاروق حسني الوزير، أم أنهم سيطالبون في هذه الحالة بفائدة ما محددة تجود بها الوزارة عليهم، مثل الحصول على عطاءات محددة لترميم المساجد والأماكن الأثرية التي تتكفل بها وزارة الثقافة وتنفق عليها مئات الملايين مثلا.. وهو ما تردد أيضا أنه يحدث بانتظام مكافأة على شراء هؤلاء الكثير من لوحات الوزير الرسام بإيعاز من مديري مكتبه على طريقة "معرض السيد الوزير يوم الاثنين القادم.. ولا تنس معاليك أن تحضر.. الوزير شخصيا مهتم بحضورك وقد كلفني بدعوة سيادتك.. وربما يعجبك لوحة أو إثنتين من لوحات الوزير.. هه.. هه؟". واللوحة في هذه الحالة لا تباع بآلاف الجنيهات بل بمئات الآلاف طبعا.. أليست "لوحة الوزير".. على وزن "حذاء اللجنة" في رواية صنع الله العظيمة!

ولذا فالسيد الوزير الفنان يردد دائما بثقة أن كل ما حققه من ثروة جاءت من دخل معارضه وبيع لوحاته.. نعم.. وهذا صحيح تماما، وهذه هي تحديدا طبيعة زواج المال بالثقافة، أي مزيد من الفساد.. والعياذ بالله!

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger