الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

يوميات لندن: ثلاثة مهرجانات في الطريق



أمير العمري


أمامي برامج لثلاثة مهرجانات سينمائية دولية ستقام كلها في شهر أكتوبر (المجيد!).. مهرجان لندن (14- 30 اكتوبر)، ومهرجان أبو ظبي (الشرق الأوسط الدولي من 8 إلى 17 أكتوبر)، ومهرجان الدوحة (تريبيكا) من 29 أكتوبر- 1 نوفمبر.
الأفلام تداخلت وتناسخت وتكررت بطريقة تستعصي على الترتيب. أقدم هذه المهرجانات هو مهرجان لندن السينمائي (هذه الدورة ستكون الثالثة والخمسين)، أتابعه منذ سنوات طويلة، منذ أن كان الكثير من الكاتبين في نقد الأفلام وغير الأفلام لايزالون في مرحلة الطفولة المبكرة جدا، وليست هذه ميزة لي بالضرورة، كما أنها لا يجب أن تكون عيبا، لكنها الحقيقة التي ترعبني أحيانا!
أما مهرجان أبو ظبي فهو يجتاز هذا العام دورته الثالثة بطموح كبير جدا لأن يصبح مهرجانا دوليا كبيرا، مع العلم أنه يقام في بلد ليس فيه صناعة سينمائية ولا حركة سينمائية أصلا، لكنه يسعى إلى اجتذاب العالم كله إلى عاصمة دولة الإمارات، وجعلها بؤرة سينمائية، للصناعة وللفن.. وكان المهرجان قد تعثر في دورتيه السابقتين، وقرأت عنه تقارير سلبية من كتاب أثق في أحكامهم.
هذا العام استورد المهرجان مديرا فنيا له هو بيتر سكارليت (وهو ناقد وخبير مهرجانات بلاشك). ورأيي الشخصي في هذا الأمر، بموضوعية كاملة، أن هذا القرار صائب للغاية، ولم لا؟ لقد سبق أن طالبت باستيراد مبرمجي ومديري المهرجانات العربية لكي يضعونها في السياق الصحيح قبل الادعاء بالقدرة على تنظيم المهرجانات، فمن واقع خبرتي الخاصة في المهرجانات العربية أثبتت التجربة فشلها دائما، فمهما كان المدير العربي منظما وطموحا دائما هناك من يفرضون عليه أشياء لا يقبل بها فقط كونه عربيا مثلهم (يتحدث بلغتهم) أما الأجنبي فله عند العرب رهبة كبيرة (وأنا هنا لا أستثني أحدا من العرب، العاربة منهم والمستعربة).
ولا يخفى على أحد أن "عقدة الخواجة" موجودة فعلا، لسبب بسيط للغاية، أن الخواجة (الأوروبي الأمريكي تحديدا) أثبت خلال أكثر من أربعة قرون أنه الأكثر تفوقا، سواء عن طريق الاستعمار أو غير الاستعمار، ولكن أساسا، وحتى بعد زوال عصر الاستعمار، واصل "الخواجة" تقدمه في مجال العلوم الطبيعية والإنسانية في حين انزوى العربي في خيمته (مجازا) يغط في نومه، ويرضى بفكرة أن "الله معه" دائما لأنه الأكثر إيمانا. ومن جهة أخرى أخذ العربي الموجود في مراكز السلطة والنفوذ يضطهد ويستبعد ويطرد العربي الذي يعرف، لسبب بسيط أيضا، أن الذي يعرف يهدد بضياع نفوذ من لا يعرف ولكنه يحكم ويتحكم في مراكز النفوذ والقوة.. ومهرجانات السينما أيضا!
بيتر سكارليت من خلال البرنامج الذي وصلني، وضع أفضل برنامج لمهرجان "دولي" يقام في المنطقة العربية، وأشدد على كلمة "دولي" هنا بمعنى international أي ليس مهرجانا عربيا أو افريقيا متخصصا بل مهرجان مفتوح لسينما العالم كله.

بيتر سكارلت مدير مهرجان أبو ظبي السينمائي


ولكن بحكم طبيعة البلد والمنطقة التي يقام بها، اهتم سكارليت كثيرا بالسينما العربية، بتسليط الأضواء على تجاربها الجديدة المتميزة حتى لو كانت تتمثل في فيلم أول لمخرج شاب يجرب حظه في الإخراج شأن فيلم "هليوبوليس" المصري لمخرجه أحمد عبد الله مثلا.
هنا جاء جدول المسابقة الرسمية متوازنا بدرجة كبيرة، ما بين الأفلام القادمة من العالم، وتلك القادمة من العالم العربي ومحيطه الطبيعي الذي يعرف بالشرق الأوسط، أي من تركيا وإيران مثلا. سيشهد المهرجان مثلا العرض العالمي الأول لفيلم "بالألوان الطبيعية" للمخرج أسامة فوزي الذي لم يقدم شيئا منذ فيلمه الشهير "بحب السيما" (2004). وفي رأيي الشخصي أن الافتتاح بفيلم أسامة فوزي كان أفضل من الافتتاح بفيلم "المسافر" للمخرج أحمد ماهر الذي احترق بعد عرضه في فينيسيا وردود الفعل السلبية العديدة تجاهه خاصة من جانب بطله الممثل الكبير عمر الشريف!
وتضم مسابقة الأفلام الروائية 18 فيلما منها 6 أفلام عربية، و7 أفلام من بلدانى العالم الثالث (منها تركيا وايران وبنجلاديش)، و5 من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا. والملاحظ وجود فيلم واحد أمريكي في المسابقة على العكس من الدورتين السابقتين.
أما مهرجان الدوحة فهو أقل طموحا، سواء في عدد أيامه (4 ايام فقط)، أو في نوعية برنامجه، أو في الشخصية التي تديره.
فقد وقع الاختيار على مقدمة برنامج السينما في قناة الجزيرة العالمية (الناطقة بالانجليزية).. ولابد أن يكون الشخص أو المسؤول الذي أسند المهمة إلى هذه المذيعة (وهي استرالية شقراء تدعى أماندا بالمر) قد أعجب بطريقتها في تقديم برنامج السينما وبالمقابلات التي تجريها مع نجوم السينما، وتصور أنها يمكنها أن تصنع لهم في الدوحة مهرجانا سينمائيا ناجحا. ولعل هذا يذكرني على نحو ما، بشخصية عربية رحلت الآن، كانت قد قررت عمل مهرجان دولي لأفلام التليفزيون فكلفت شركة سوني بتنظيمه، فقط لأن المسؤول العربي رأى أن "ماركة" جهاز التليفزيون الموجود في مكتبه من نوع "سوني"!
ما علينا.. الأخت بالمر المعجبة بنفسها (وهذا من حقها طبعا، فهي تتمع بالحسن والجمال) وضعت روابط لعشرات الحلقات التليفزيونية التي قدمتها من برنامجها التليفزيوني على موقع مهرجان الدوحة السينمائي لعلها بذلك تقول للمترددين عليه إنها البنت "الشطورة" "اللهلوبة" "بتاعة السيما ونجوم السيما" التي ستأتي لهم بما لم يأت به الأولون، بل وكتبت في مجال التعريف بنفسها على الموقع ذاته (بالانجليزية) إنها اكتسبت الاعتراف الدولي عن طريق دعمها غير المحدود للسينمائين المستقلين في العالم، وإنها من أكبر الخبراء في العالم بالسينما العربية!
وقد وضعت صورتها في كل مكان في الموقع، وكتبت تحتها في الصفحة الرئيسية "بالمر تقدم مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائي" وهو رابط إلى شريط فيديو صنعته تتحدث فيه عن المهرجان وعلاقته بمهرجان نيويورك التي لا نفهم شيئا عنها، كما لا نفهم كيف يمكن لبالمر بقدراتها المحدودة كمقدمة برامج تسلية entertainment أن تتحدث عن "تعليم المجتمع القطري وتأهيله سينمائيا"!
ولا تضع بالمر إلى جوارها أي شخصية أخرى من الشخصيات التي تستعين بها في ادارة المهرجان ومنها أسماء مثل ليزا كيرشنر، وتامي روزين وجوناثان روسو وغيرهم.

أماندا بالمر مديرة مهرجان الدوحة

أما مشكلة بالمر الحقيقة، أو لعله هنا "مأزق بالمر"، فينحصر في أن مهرجانها الذي تقيمه هيئة قطر للمتاحف وسيقام في مقر المتحف الاسلامي بالدوحة، يأتي بعد مهرجان أبو ظبي مباشرة، وقبل مهرجانات القاهرة ودمشق ودبي، وهي مهرجانات "عملاقة" قياسا إلى مهرجان الأخت بالمر مهما كان رأينا في هذه المهرجانات أو ملاحظاتنا عليها التي يعرفها قراء هذه المدونة جيدا، بل إن مهرجان الدوحة (الذي لا ندري بالضبط فائدة تعاقده مع مهرجان تريبيكا بنيويورك سوى أنه يحمل اسمه تماما مثل الكوكاكولا التي تنتج في بلدان العالم الثالث أو سجائر مارلبورو التي تشتري الإسم، ثم تصنع توليفتها الخاصة غير الأصلية بالطبع!) يتقاطع مع مهرجان دمشق (الذي يفتتح في 31 اكتوبر) ومهرجان أوسيان للسينما العربية والآسيوية بالهند (الذي يفتتح في 24 أكتوبر ويستمر حتى 30 منه).
والغريب أيضا أن مهرجان الدوحة لا يهتم بالأفلام التسجيلية، على العكس من مهرجان أبو ظبي الذي خصص مسابقة كاملة لهذا النوع من الأفلام تشمل 15 فيلما منها ما يعرض للمرة الأولى في العالم، ومنها أفلام "نعيش هنا" لمحمد زرن من تونس، و"1958" لغسان صلهب من لبنان، و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا من لبنان أيضا، و"جيران" لتهاني راشد، و"كاريوكا" لنبيهة لطفي من مصر، و"من مرفأ الذاكرة" لكمال الجعفري من فلسطين، و"مبدأ الصدمة" للمخرج البريطاني الكبير مايكل وينتربوتوم، كما سيعرض خارج المسابقة فيلم جديد هو "ما هتفت لغيرها" للناقد والمخرج اللبناني محمد سويد.
وقد كان بودي أن أذهب إلى الدوحة، ليس لمشاهدة الأفلام التي سيعرضها المهرجان فقد شاهدت معظمها في كان وفينيسيا، بل وفي مهرجان روتردام الذي يقام عادة في بداية العام مثل فيلم "المر والرمان" لنجوى النجار الذي يتردد أن بالمر قررت ضرورة حصوله على جائزة رئيسية من الجوائز المخصصة للأفلام العربية، كما قررت أيضا حصول فيلم "بابل" لمحمد الدراجي على احدى الجوائز، لكني كنت أرغب فقط أن أرى كيف سيتمكن فريق بالمر الذي لا خبرة سابقة له ولها في إدارة المهرجانات، من اقامة هذا المهرجات، وأن أعرف ما الذي يربطه بمهرجان نيويورك الذي حصل على 15 مليون دولار مقابل بيع اسمه، لكن يبدو أن المهرجان لا يرحب بالنقاد المخضرمين من أمثالي ولا يرحب أصلا بالنقاد العرب، بل سيكتفي على الأغلب، بدعوة البعض من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وغالبا أيضا، بعض مديري المهرجانات الذين يقومون بتسهيل حصول أماندا بالمر على الدعوات التي تبقيها طيلة العام تدور وتلف بالمهرجانات الدولية بحجة الإعداد لبرنامجها السينمائي.. إنها هنا "عقدة الخواجة" بالمعنى السلبي، ليس الخواجة صاحب الخبرة بل الخواجاية صاحبة العيون الزرق والشعر الأشقر!
وقد ترددت أنباء أيضا عن اهتمام خاص لدى بالمر بالسينما الإسرائيلية، وبأنها قد تدعو أفلاما إسرائيلية وسينمائيين من اسرائيل بعد أن كانت قد خصصت حلقة من برنامجها لفيلم "عجمي" الذي اشترك في اخراجه مخرجان: يهودي وفلسطيني. ولكن يبدو أن أحدا في الدوحة لفت نظر بالمر إلى خطورة هذه الخطوة (التي نعلم يقينا أنها كانت شديدة الحماس لها) واكتفت بأن أتت بالمخرج المشارك وهو اسكندر قبطي (من فلسطينيي اسرائيل) وأسندت إليه مهمة تنظيم ورشة عمل للشباب الراغب في تعلم تصوير الأفلام.
جدير بالذكر أنه بعد أن ترك الصديق محمد مخلوف عمله بالمهرجان كمستشار اقليمي، لم يعد هناك أي عربي يعمل في إدارة المهرجان بل كلهم من العجم، وحتى المسؤولة الصحفية (وهي أمريكية من أصل عربي) لا تعرف اللغة العربية. مهرجان الدوحة السينمائي سيعرض 33 فيلما منها 22 فيلما من دولتين فقط هما الولايات المتحدة وبريطانيا. وباقي الأفلام من ايران وكندا ومصر والمجر وتونس وفرنسا والنمسا وفلسطين والصين. والمهرجان لا ينظم مسابقة لكنه سيمنح جائزتين باسم الجمهور لأحسن الأفلام (باستفتاء أو استطلاع رأي عبر أوراق توزع على المشاهدين) تبلغ قيتها المالية 100 ألف دولار. ويتردد حاليا أن محمد مخلوف يعد لعقد مؤتمر صحفي يعلن فيه أسباب الخلافات التي نشبت مع مديرة المهرجان الاسترالية أماندا بالمر، وقد استغنى المهرجان أيضا عن العربي الذي حل محل مخلوف وهو الموزع السينمائي اللبناني طلعت قبطان. وأصبح المهرجان حاليا يعمل ببركة دعاء الوالدين.

الأمر الملفت للنظر بشدة في برامج المهرجانات الثلاثة تكرار أسماء معينة من الأفلام مثل "ابن بابل" للمخرج العراقي المقيم في بريطانيا محمد الدراجي. وقد قيل إن عرضه في أبو ظبي سيكون العرض العالمي الأول، وهي معلومة غير صحيحة فقد ثبت أنه شارك في مهرجان سان سباستيان الدولي في اسبانيا الذي انتهى أخيرا.
وهناك من بين الأفلام المتكررة أيضا "الرأسمالية قصة حب" للأمريكي مايكل مور، و"احكي ياشهرزاد" للمصري يسري نصر الله، و"واحد صفر" للمصرية كاملة أبو ذكري، و"أسرار مدفونة" للتونسية رجاء عماري، و"لا أحد يعرف عن القطط الفارسية" للإيراني بهمن قوبادي، و"عن إيلي" للإيرانية أشجار فرهادي، و"المخبر" للأمريكي سودربرج، و"الزمن الباقي" للفلسطيني إيليا سليمان.
سأحضر مهرجان أبو ظبي للمرة الأولى، وسأحضر مهرجان لندن السينمائي أو الجزء الأعظم منه. وبعد ذلك سأذهب إلى الهند لحضور مهرجان أوسيان للأفلام العربية الآسيوية في نيودلهي، وهو مهرجان جدير بالاكتشاف تماما مثلما الهند "قارة" جديرة بالاكتشاف.

الأحد، 27 سبتمبر 2009

فاروق حسني ضحية الموساد!


"فاروق حسني ضحية مؤامرة شارك فيها 8 من ضباط المخابرات الاسرائيلية (الموساد) ذهبوا إلى باريس وأخذوا يضغطون على الوفود التي ستدلي بأصواتها في انتخابات رئيس اليونسكو الجديد".

"فاروق حسني ضحية إسرائيل التي جندت خبيرين من خبراء العلاقات العامة والدعاية من شركة "ساتشي آند ساتشي" المعروفة لكي يقودا حملة تشويه في الصحافة الفرنسية ضد المرشح المصري فاروق حسني".

هذه الأقوال وغيرها أبرزتها أجهزة الإعلام المصرية خلال اليومين الماضيين استنادا إلى ما ورد في مقال لصحفي فرنسي كان أساس اهتمامه في الحقيقة إبراز ذلك الشرخ في العلاقة القائمة بين رئيس الوزراء الفرنسي كوشنير (وهو على الأغلب يهودي ومتعاطف مع اسرائيل) ورئيس الجمهورية الفرنسية ساركوزي (وهو ايضا يهودي ولكنه متعاطف أكثر مع حسني وربيبه فاروق في هذه القضية بالذات)!

هذا هو موجز بسيط لتلك الحملة المضادة التي بدأها الاعلام المصري بقيادة سدنة فاورق حسني من المثقفين والمتثاقفين، الصحفيين والمتصاحفين، من صحف الحكومة وعشيقتها المعارضة، وخصوصا جريدة الحزب الناصري المسماة (العربي) والمعروف أن توزيعها لا يزيد عن 60 نسخة (توزع غالبا على المشتغلين بالجريدة من قوى الشعب العامل)!

وقد توعد الكاتب محمد سلماوي (الذي كان مرشحا لخلافة فاروق حسني في وزارة الثقافة لأسباب كثيرة يعود بعضها إلى التشابه بينهما في السلوك والتفكير) بأن يكشف لنا "مؤامرة الموساد" ضد وزيره الحبيب، ولكي يثبت للجميع كيف تدخلت الدولة الإسرائيلية لاسقاط فاروق حسني. والهدف الواضح حتى للعميان، محاولة تبرير استمرار فاروق حسني على رأس وزارة الثقافة إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا. فبعد هزيمته في اليونسكو أشارت كل الاستطلاعات حتى بعض ما أجرته صحف وبرامج تليفزيونية في قنوات مصرية مثل "الحياة" وغيرها إلى رفض شعبي كبير لاستمرار فاروق حسني على رأس وزارة الثقافة، وطالبته بالرحيل، تعبيرا عن رفض الشارع استمرار سياسة الرجل الواحد التي تشل الحياة السياسية والثقافية في مصر منذ 30 عاما.طبيعي أن تستعين إسرائيل لتحقيق هدفها بعدد من العاملين في سلكها الدبلوماسي أو غير الدبلوماسي بما في ذلك المخابرات، وهو نفس ما فعلته الحكومة المصرية بالضبط حين خصصت وفدا هائلا من العاملين بالخارجية والمخابرات والعلاقات العامة، لكي يقيموا لمدة شهرين في باريس للدعاية لفاروق حسني، والحديث إلى الوفود والصحف والمسؤولين الفرنسيين وغير الفرنسيين. وقد ظهرت رئيسة هذا الوفد أكثر من مرة على شاشة التليفزيون لتتفاخر بأن أعضاء الوفد لا ينامون الليل بل يواصلون عملا شاقا على عدة جبهات من أجل إنجاح المرشح المصري.

هذا النوع من النشاط جزء لاشك فيه من "الحملات" التي تدور قبيل أي انتخابات في أي مكان في العالم. فهل الحملة بكل ما يستخدم فيها من أساليب، سواء كانت أخلاقية أم غير أخلاقية، موسادية أم ملوخية، تعتبر نوعا من التآمر.. والمؤامرة.. والعيب، أم أن هذه هي طبيعة الأمور؟

الواضح أن كلمة "الموساد" بكل ما تمثلها في الضمير العربي تستخدم هنا لإشاعة نوع من الإثارة الشديدة التي يترتب عليها أن يصبح كل من يعارض فاروق حسني "خائنا للوطن"، وربما أيضا عميلا للموساد.

ولكن.. أليست إٍسرائيل هذه التي يحملون عليها اليوم صديقة لهم بحكم المعاهدة.. والكويز.. والغاز.. والتنسيق الأمني والاستخباراتي.. والملف الغزاوي.. وأشياء أخرى!أليست أمريكا ربيبة اسرائيل هي الحليف الاستراتيجي لكم، وهي التي قادت الحملة ضد فاروق، بينما أعلنت إسرائيل من البداية أنها ضد ترشيحه ثم تظاهرت بأنها تنازلت عن المعارضة وانضمت إلى الحكومة بعد أن ناشدناها على طريقة (والنبي سيبوا لنا فاروق المرة دي يعدي لليونسكو ياخويا الله يخليك!).

فلما فشل فاروق نتيجة لمحصلة حملات سياسية متبادلة من جانب مؤيديه ومعارضيه، جاء موسم العويل والبكاء وتصويره باعتباره بطلا وضحية للموساد أيضا مما يستوجب بقاءه في السلطة حتى الموت الزؤام.ولذا لزم التنبه والتحذير أيضا من الوقوع في الفخ!

رحلة بالكاميرا داخل عقل الإرهاب


تتناول عناوين الأخبار كثيرا موضوع الإرهاب والجماعات الإرهابية وما يكتنفه من غموض، وما يحيط به من طقوس وأساليب وطرق خاصة خفية، خاصة ما يتعلق منها بتجنيد عناصر يكون لديها الدافع من البداية للتورط في عمليات ترويع للآمنين من الناس.
وتتناول الأفلام التسجيلية والوثائقية المصورة للسينما والتليفزيون جوانب كثيرة تتعلق بموضوع الإرهاب، سواء من خلال أسلوب "التحقيق" الشهير وإعادة ترتيب الوقائع والمعطيات المتوفرة وتحليلها واستقراء الآراء المتباينة فيها، أو الاعتماد على المزج بين المواد المصورة وتقليب النظريات المختلفة ودعمها بآراء الخبراء والقريبين من الأحداث والاستعانة بمواد الأرشيف وغير ذلك.
غير أن الخيال السينمائي نادرا ما يتعامل بموضوعية مع موضوع الإرهاب والإرهابيين، فإما أنه يلجأ إلى الصور النمطية الكاريكاتورية للشخصيات التي تمارس العنف بغرض دفع المشاهدين إلى النفور منها، أو جعل الموضوع مسيسا تماما واستخدامه لطرح رسالة سياسية تتفق وأغراض صناع الفيلم.
وأحيانا ما تتعامل السينما مع الإرهاب من خلال منهج التحليل النفسي في محاولة للتعرف على الدوافع "المَرَضية" للإرهابيين، مع مزجه باستعراض الدوافع الاجتماعية المحتملة.
ولعل الفيلم الفلبيني "مدينة كافيتي" يتجاوز بجرأة يحسد عليها مخرجاه: إيان جامازون ونيل ديلا لانا، الخط التقليدي الذي يفصل عادة بين التسجيلي والروائي، وينتقلان في رحلة مثيرة بالكاميرا بهدف إعادة اكتشاف آلية الإرهاب من خلال عمل ربما يصلح أن يندرج في نوع أقرب إلى "سينما العصابات" على غرار "حرب العصابات".



دراسة بالصورة
هذا فيلم روائي (أي يفترض أنه خيالي) لكنه يعتمد على دراسة دقيقة موثقة للأماكن والشخصيات والأساليب التي تتبعها الجماعات الموسومة بالإرهاب في تجنيد العملاء واللجوء خلال ذلك السعي المحموم - إلى أكثر الوسائل تطرفا وانعداما للإنسانية.
تدور أحدث هذا الفيلم الصاخب في مدينة كافيتي الساحلية الواقعة إلى الجنوب من العاصمة الفلبينية مانيلا. هذه المدينة التي تمتلئ بمظاهر الفقر المدقع هي أبعد ما تكون عن الصورة السياحية التي تقدمها عادة الأفلام التي تدور في الفلبين. وصور أطفال الشوارع الفقراء في أسمالهم البالية والتكدس السكاني والمواصلات البدائية وتردي الخدمات والأحياء القصديرية ، كلها تختصر الوعاء الحاضن للإرهاب حسب ما يعتقد صناع الفيلم.
بطل الفيلم شاب في الثانية والثلاثين من عمره، فلبيني ولد ونشأ في الولايات المتحدة، عاد لتوه في زيارة إلى بلده الأصلي الذي لا يعرفه بل ولا يستطيع الحديث بلغته وإن كان يفهمه.
هذا الشاب (آدم) يفاجأ منذ وصوله بأنه أصبح مختطفا عن طريق هاتفه المحمول، فهناك من تمكن من الوصول إليه ومحاصرته طوال الوقت، من خلال الهاتف، بعد ان يخبره أن والدته وشقيقته اختطفتا وأصبحتا محتجزتين كرهينتين.
والمفترض أن عناصر تابعة لجماعة أبو سياف هي التي اختطفت والدته وشقيقته، وأن زعيم الجماعة هو الذي يخاطبه عبر الهاتف، يصدر له تعليمات صارمة يتعين عليه أن ينفذها في الحال وإلا قتلت الرهينتان.
والفيلم مصور باستخدام كاميرا حرة محمولة على اليد، ونحن نشاهد الأحداث من وجهة نظر (آدم) الذي يبدو وقد اصبح سجينا داخل إطار الصورة، يحاول طيلة الوقت الإفلات والتذرع بشتى الذرائع، ولكن دون جدوى.
يطلب (الزعيم) منه أن يتبع رجلا يسير في الشارع، إلى أن يشاهد ما يحدث للرجل الذي يذبحونه في أحد الشوارع الخلفية، ويقال له إنه قتل لأنه لم ينصاع لتعليمات الجماعة، ويحاول آدم الفرار لكنه يجد نفسه محاصرا، يختطف طفل حقيبة يده ويهرب، يتابعه آدم محاولا استعادتها، لكن "الزعيم" يحذره بقوله: أنت لست في حاجة إليها.
يطلب منه أن يشتري بيضة ويكسرها ويشرب ما في داخلها، يشعر بالقرف الشديد والغثيان، ثم يتوغل في حي من الأحياء الهامشية التي لم يسبق أن دخلتها كاميرا سينمائية من قبل، يطلبون منه التوجه إلى البنك وسحب مبلغ 75 ألف دولار، هي كل ما تركه له والده الذي قتل لأنه رفض الانصياع للجماعة.
ويكتشف أنهم يعرفون كل شئ عنه وعن أسرته بل يقال له إن والده كان عضوا في الجماعة، وإنه قام بتفجير حافلة في مانيلا راح ضحيتها 28 شخصا. يرفض مذهولا تصديق ذلك، يحاول التمرد والنكوص، يتوسل بكل طريقة أن يعفونه من المهمة وأن يرحما والدته وشقيقته، يلومه الزعيم على إهماله للدين، واستغراقه في المجتمع الأمريكي الذي أنساه أصله وثقافته ودينه.


غسيل مخ
آدم يقول له إن الإسلام الذي يتحدث عنه هو دين الرحمة والتسامح والمغفرة، وإن أمثاله هم الذين يسيئون إلى الإسلام. يأمره الزعيم بشراء تذكرة لمشاهدة مصارعة الديوك التي تجري في أماكن بدائية بطريقة وحشية. يقول له إنهم قتلوا والده لأنه وشى بهم للسلطات.
إنها عملية غسيل المخ المنظم التي تتبعها الجماعة.
يتمكن آدم من سحب المبلغ بالفعل، يأمرونه بالحصول على حقيبة من طفل يلتقطها ويذهب، يعتقد أن في داخلها قنبلة، ويطلبون منه التوجه إلى بلدة قريبة لوضعها داخل كنيسة.
يرفض ويصر ويتشدد في الرفض: لا أستطيع أن أفعل ذلك.. ليس ممكنا.. بطارية الهاتف المحمول فرغت من الشحن، يختطف هاتفا من يد فتاة في الشارع ويتكلم مع الزعيم، يقول له الأخير إنهم قتلوا والدته لأنه لم ينفذ التعليمات. يصرخ غضبا وحنقا وإحباطا: لقد ماتت البطارية.. كنت أبحث عن هاتف. يبكي من شدة التأثر، يوشك على الانهيار التام.
لم تُقتل والدته لكنهم قطعوا لسانها، كما يسمع عبر الهاتف وسيقتلون الرهينتين إذا لم ينفذ المطلوب. هذا ما يخبره به الزعيم. يوافق في النهاية مضطرا راضخا.
الزعيم يحدثه عن المذابح التي ترتكبها الحكومة ضد المسلمين وقيامها بتدمير آلاف من منازلهم. "لقد قتلوا 69 مسلما داخل مسجد و يأمره بدخول مبنى كنيسة قديمة في البلدة، يصر على البقاء إلى جوار الحقيبة التي بداخلها القنبلة. الزعيم يأمره في إلحاح مشوب بالتهديد الحاد بتركها ومغادرة الكنيسة.
يغادر الكنيسة.. لا نرى الانفجار.. موسيقى الناي الحزينة تغلف المشهد.. يقول له الزعيم عبر الهاتف: "اذهب وتطهر من ذنوبك.. اعتتنق الجهاد".

يتذكر الفتاة التي أراد الزواج منها في أمريكا وهي تقول له: "لا أستطيع أن أنجب ابنا مسلما".
يتجه في النهاية يتوضأ ويصلي، وينتهي الفيلم الغريب ويتركنا مع تساؤلات عن مصير بطله: هل يصلي ندما وتوبة على ما اقترفت يداه، أم نزولا على ما نصح به "الزعيم"؟ هل آدم في طريقه للانضمام إلى الجماعة والانسلاخ من ثقافته الأخرى "الأمريكية"، هل جذبته التربة الفلبينية وعاد إليه وعيه وانتماؤه، أنه فقد حريته وأصبح آلة في يد عصابة لا تعرف الرحمة.
الفيلم بأكمله يبدو مصورا في لقطة واحدة ممتدة، واللقطات إما قريبة للشخصية الحبيسة، أو عامة لتحقيق الإحاطة بالمكان من جهة، وخلق التناقض الحاد مع اللقطات القريبة من جهة أخرى.
ويجعل مخرجا الفيلم بطله القادم من الخارج، من الثقافة الأخرى، يتحدث بالإنجليزية، بينما يخاطبه "الزعيم" باللغة المحلية.

واقعية تسجيلية
ويعتمد الفيلم على الإيقاع السريع اللاهث، وعلى الكاميرا الحرة اتي تجعل المنظور يهتز، والصورة تتأرجح لكي تعكس حالة الاضطراب الشديد التي يعاني منها البطل.
ويستخدم المخرجان طريقة كتابة التوقيت والتاريخ والمكان على الشاشة في كل مشهد، لمزيد من إضفاء الواقعية التسجيلية على الأحداث.
ورغم الواقعية الصارمة في بناء وتصميم المشاهد واللقطات، لا يكشف الفيلم عن آلية الإرهاب من خلال مشاهد التفجيرات والشخصيات الشيطانية التي تظهر عادة في الأفلام، بل من خلال الكشف عن القناعات الثابتة من خلال الحوار، وعملية غسيل المخ القاسية التي يتعرض لها البطل.
ويبتعد الفيلم عن تصوير مشاهد العنف باستثناء لقطة واحدة لذبح رجل في الطريق، فاهتمام الفيلم ينصب أكثر على سيكولوجية الإرهاب وليس على أشكاله المباشرة. وهو درس في البلاغة لمن يريد أن يرى ويتعلم.
((تحذير: جميع الحقوق محفوظة ولا يجوز اعادة نشر هذه المادة دون إذن من ناشر المدونة))

الخميس، 24 سبتمبر 2009

حول الفيلم التونسي الجديد "الدواحة" أو "أسرار مدفونة"


هذا رابط إلى مقالي عن الفيلم التونسي "الدواحة" أو (أسرار مدفونة" الذي شارك في قسم "آفاق" في مهرجان فينيسيا السينمائي الأخير كما نشر في موقع "الجزيرة الوثائقية" وهو موقع متميز يهتم بالسينما بكل أنواعها وليس بالأفلام الوثائقية فقط، كما يقدر نقاد السينما ويهتم بابراز مقالاتهم وكتاباتهم ويسلط الأضواء على النشاط السينمائي في العالم العربي والعالم، وينشر مجلة شهرية مخصصة للسينما التسجيلية تهتم بالدراسات والأبحاث الجادة. موقع لا غنى عنه لكل المهتمين بالسينما من القارئين بالعربية.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger