الاثنين، 23 أكتوبر 2017

عقدة الذكورية الثقافية




من الصحيح القول إن المرأة في مجتمعاتنا لم تأخذ حقوقها كاملة بعد وأن المجتمع السائد هو المجتمع "الذكوري" الذي يهيمن فيه- ليس الرجال فقط- بل الفكر الذكوري بشكل عام حتى بين غالبية النساء. فقد أصبحت المرأة عموما، تعتنق دون مناقشة، الأفكار التي نشأت وتربت عليها تحت هيمنة الأب- الأخ- المدرس- الزوج- السيد، وتم حشو أدمغتها بأنها من النوع الأدنى- التابع- الموالي- الخاضع، وأن هذه التبعية حماية لها.
في مصر مثلا عندما كان المجتمع يزخر بالحراك الاجتماعي- السياسي في الماضي، ظهرت شخصيات نسائية مستقلة تماما عن الرجل، في الأدب والفن والفكر والثقافة والإبداع عموما. كان التمرد سمة انعكست على إبداعات المرأة التي لم تكن تعتبر نفسها أو تقبل أن ينظر إليها باعتبارها صنيعة الرجل، أي نتاج المجتمع الذكوري، بل كانت كيانا قائما بذاته.
وقد بدأ الهجوم المضاد مع تدهور ثم انهيار الطبقة الوسطى وصعود طبقة حاكمة تميل إلى سحق الثقافة وأصحاب الفكر والوعي، والقضاء على الضمير الحي للأمة، فتم تشجيع وتبني والترويج لما يمكن وصفه بكل أشكال "الميديوكرتي"ـ أو الوسطية والتدني الذي يخلو من الموهبة، في الفكر والفن والإعلام والسياسة. هنا لم تعد المرأة تعتبر نفسها كيانا مستقلا بعد أن أصبحت تسعى بشتى الطرق عمن يكفل لها الصعود في شتى مجالات الحياة، بالتحايل والوساطة والوصولية والتدجين مع ضرورة  نفاق السلطة والانسحاب من أي مواجهة محتملة معها، مقابل الحصول على فرصة لنشر قصة أو رواية أو طبع كتاب أو الحصول على درجة عملية من تلك الي أصبحت متاحة للبيع بمقابل أو إرضاء لنزعة الهيمنة الذكورية التي أصبحت تقوم بدور "صاحب الفضل" الذي يضمن بالتالي التباهي بقدرته على "صنع" وترويج الكائنات "الميديوكر".
المجتمع الثقافي الذكوري الذي أصبح يفرض هيمنته بقوة في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية والحراك السياسي الذي يمكن أن تلعب فيه المرأة المثقفة دورا مستقلا مماثلا موازيا ومكملا لدور الرجل، أدى إلى أن أصبحت المرأة بمفردها، عليها أن تثبت وجودها ليس اعتمادا على قدراتها الخاصة- بل أساسا- على علاقتها بالرجل وخصوصا من يملك الصيت أو الإسم أو النفوذ، مع ترسخ أقدام ذلك الأخبطوط الهائل الذي يتمثل في السلطة السياسية- الدينية- الاجتماعية- الاقطاعية العتيقة.
أصبح المجتمع الثقافي الذكوري يميل أكثر إلى التظاهر بمظهر الديمقراطي، المعتدل، المتوازن، الموضوعي، الذي لا يميل لاحتكار سلطة العمل الثقافي بل يرحب بتشجيع "الأنثى"- الميديوكر بالطبع، ليخلق منها صنيعته وشبيهه. لذا تم الإعلاء من قيمة ما يمكن أن نطلق عليه "أنصاف القوالب"- فلا يصح أن وصفها بـ"أنصاف المواهب"، فلا موهبة من الأصل، بل مجرد إفرازات أدبية أو فنية محدودة القيمة والأثر، لكنها كافية لتبرير التصعيد الذي يمارسه اصحاب الفكر الذكوري المهيمن، كنوع من "التطهر" من عقدة الإحساس بالذنب، مع ما يستتبعه هذا من احتفاء مبالغ فيه في المحافل الفكرية والأدبية والفنية بهذا النوع من "نساء الميديوكر" وتصديرهن باعتبارهن دليلا لا يقبل الشك على نزاهة الذكوريين الذين يشعرون أصلا باهتزاز من الداخل، يسندون أنفسهم ويحسنون من صورتهم السيئة بتصعيد ودعم وتلميع صاحبات المواهب المعطلة، في ظل حالة الجفاف الذي ضرب الواقع الثقافي بعد القضاء على التجمعات والجمعيات والنقابات المستقلة.
طغيان النزعة الذكورية التي تميل الى ستر وجهها بقناع من البراءة وادعاء تشجيع المرأة، أدى إلى أن أصبح معظم ما لدينا من نماذج للمرأة "المبدعة" نماذج زائفة لم تأت نتيجة جهد حقيقي بل نتاجا لـ"التصنيع" المفتعل من جانب مجتمع الذكورية الثقافية في ظل غياب تام للحركة النقدية الحقيقية التي تنأى بنفسها عن المجاملات وذلك الاحتضان الكاذب في المحافل الأدبية والفنية لهذا النوع من الطفيليات التي قصد بها سد الطريق أمام المواهب الحقيقية التي يمكن أن تنذر بكشف الغث والمفتعل والمزيف، ومواجهة ادعاءات الذكورية الثقافية الإقصائية المهيمنة.

الجمعة، 2 يونيو 2017

رأيت فيما يرى النائم







نمت مبكرا فحلمت، ورأيت في الحلم أنني كتبت عشرة مقالات في حب وزير الثقافة، أقصد الوزير الحالي والذين سبقوه، وعلى رأسهم بالطبع "الوزير الفنان". وقد نُشرت المقالات في الصحف المصرية وفوقها صورتي وأنا أبتسم ابتسامة كبيرة إرضاء للجماهير التي لا تقرأ لكنها تكتفي بالفرجة على الصور، خصوصا الفتيات الحلوات اللاتي لا يعجبهن سوى "الناقد المبتسم"!
وبعد نشر المقالات انهالت علي العروض للكتابة في صحف أخرى مرموقة داخل وخارج مصر فكتبت قصائد حب في الدكتور جابر عصفور وجابر نصار وجابر القرموطي، وتوفيق عكاشة وعبد الرحيم علي، وأخص بالذكر، "الدكتور" خالد عبد الجليل، الذي شكرته كثيرا على تحقيق حلمي القديم بأن تصبح وظيفة الرقابة على السينما، تصنيف الأفلام حسب أعمار المشاهدين- والأعمار بيد الله- لا المنع أو الحذف. وقد استجاب الدكتور خالد وقرر عرض فيلم "الصمت" لسكورسيزي منقوصا منه فقط 20 دقيقة.. وأصر على منع فيلم "آخر أيام المدينة" بسبب عنوانه التشاؤمي، وباعتباره فيلما يدعو للاكتئاب بينما نحن نرقص احتفالا بالإنجازات.
كتبت- في الحلم أيضا- برقية تهنئة للسيد الرئيس على الانجازات التي تحققت في عهده وخاصة تعويم الجنيه المصري بحيث أصبح الدولار يشتري حوالي عشرين جنيها مصريا، أي أن المليونير الدولاري من أمثالي، يمكنه أن يفك الألف دولار مثلا، بعشرين ألف جنيه، كما أرسلت برقيات تهنئة إلى رئيس الوزراء وشيخ الأزهر ومدير الأمن العام ورئيس رابطة الطرق الصوفية وجميع الاخوة الصالحين من أحزاب السفليين، على ضبطهم إيقاع الحياة بحيث لا تتسلل إليها أبدا أكاذيب العلم الكافر.
لم أكتف بهذا بل كتبت تهنئة لنقيب السينمائيين، وجميع رؤساء مهرجانات السينما في مصر، السابقين واللاحقين، وشكرت جميع نقاد السينما المصريين لدورهم البارز جنبا إلى جنب، مع الدولة، في الحرب على السينما، فهي جزء لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب.
في الحلم، طلب مني الكثيرون الظهور في برامج التوك شو الفضائية، فوجدت نفسي أنتقل من قناة إلى أخرى، أحمل في سيارتي بذلات وربطات عنق وقمصان كثيرة أغيرها في كل مرة حتى لا يصاب الجمهور بالملل. أخذت أشيد في كل القنوات بكل الأفلام الرديئة التي سبق أن انتقدتها، وأولها فيلم "المساخر"، واعتبرت ظاهرة "الجزارين" في السينما المصرية أعظم ظاهرة في العصر الحديث، واخترت أشرف عبد الباهي أفضل ممثل، وأجمد ممثلة نادية الجوندي. ثم أصبح عندي أيضا برنامج سينمائي أقوم بتقديمه أستضيف فيه نادية وعسرا والتهام ومنتج أفلام الكفتة محمد المعتدل، بشكل منتظم باعتبارهم من كبار النجوم في كل العصور.
أحدثت هذه البرامج أصداء رائعة فقد تلقيت اتصالات تليفونية من جميع النجوم وأشباه النجوم، يشكروني ويدعوني إلى حفلات العشاء وأعياد الميلاد والزواج، والذي منه، وحظيت بشرف اتصال خاص من النجم التليفزيونجي اللامع أحمد ناموسة، الذي وعدني باتصال قريب من "مؤسسة سيادية" تقديرا لوطنيتي وحبي لبلدي ووفائي للسينما المصرية. وقام "المجلس الأعلى لشؤون المقشة" بتكريمي في حفل خاص ومنحي وسام الجمهورية من الطبقة الصفيحية، وكذلك  فعل المهرجان القومي للكفتة السينمائية المصرية، وصدر عني بهذه المناسبة الجليلة كتاب أعده ناقد خفيف اليد، وضع بنفسه كل الأسئلة والإجابات!
 وبعد أن حققت هذه الانجازات العظيمة، تلقيت عروضا بتولي مناصب عامة أقلها مستشار- لا يستشار- ولكن فقط يقبض بالدولار، ولكني اعتذرت مفضلا أن أظل أعيش داخل أحلامي. لكني حلمت أنني مت، ثم أخذت بعد موتي أقرأ مقالات التأبين التي كتبت عني، فراعني أنهم أطلقوا علي: "الناقد الوطني الذي لم يغضب أحدا".. ثم جاء من يدعوني لمقابلة شخصية عظيمة، فقلت إنني ميت، ولا يصح أن يقابل "العظيم" رجلا ميت، لكنهم أصروا اعتقدوا أنني أمزح كما أفعل كثيرا، فاستسلمت، وقبل أن أعبر بوابة القصر الكبير، استيقظت من النوم.. فحمدت الله شكرا على أنني مازلت نفسي!

الأربعاء، 26 أبريل 2017

قتل السينما





حلمي النمنم وزير ثقافة مصر في خنام المهرجان
 
كتبت في الماضي القريب، بل وفي الماضي البعيد أيضا، وقلت إن النظرة الرسمية إلى السينما لا تعتبرها جزءا من الثقافة العربية، بل تنظر إليها بنوع من الحذر والتشكك وأحيانا – النفور. فالفيلم هو الفن الأكثر ديمقراطية بين الفنون، وقد جعلت وسائل الاتصال الحديثة الفيلم السينمائي متاحا بسهولة أمام الملايين في العالم، بعد أن أصبح من السهل اقتنائه وصنعه وتبادله بأيسر السبل وأقلها تكلفة.
مازالت السينما في مصر مثلا تعاني من سطوة الآلة البيروقراطية للدولة، فهي تتلقى الضربات أكثر من غيرها من الفنون والثقافات، فتارة يجعلونها مثل الملاهي أي الكباريهات ونوادي التسلية الليلية، ويفرضون عليها الضرائب الباهظة، وتارة أخرى يفرضون على السينمائي ضرورة الحصول على تصريح مسبق من جهاز الرقابة على السيناريو، أي عندما يكون الفيلم في مرحلة "الفكر" و"التفكير"، ثم رقابة ثانية على التصوير لكي يتأكد السيد الرقيب أن المخرج يلتزم بالسيناريو الذي حصل على الموافقة عليه بعد استبعاد ما أمكن استبعاده،  ثم تأتي مرحلة الرقابة على الفيلم نفسه بعد اكتماله للتصريح بعرضه، وربما تعترض الرقابة هنا وتطالب باستبعاد ما تراه من مشاهد ولقطات قد لا يفهمها السادة الرقباء، وهم مجموعة موظفين لا علاقة لهم أصلا بالعملية الإبداعية.
ومن أعراض "فوبيا السينما" التي تعاني منها السلطات بدرجة خطيرة، قيام ما يسمى بوزارة الثقافة بالغاء جميع النشاطات السينمائية خلال شهر رمضان، كما تقوم الصحف بوقف النشر عن السينما والنشاط السينمائي، كما لو كانت السينما من المحرمات أو من "الأشياء" التي تتنافى مع تعاليم الشهر الكريم. وكان من المثير للسخرية أيضا أن تقرر وزارة الثقافة المصرية مؤخرا وقف النشاط السينمائي داخل مؤسسات الوزارة بعد التفجيرات التي وقعت داخل كنيستين للأقباط في مصر وما لحق ذلك من إعلان حالة الحداد العام في البلاد، لكن الوزارة أبقت صراحة على "باقي النشاط الثقافي" وهو ما يعني أن الوزارة لا تعتبر السينما من الأنشطة الثقافية، بل تعتبرها مثل "الكباريه" أي نوعا من العروض المثيرة التي تتنافى مع حالة الحداد. ولست أدري ما العلاقة بين الحداد العام وبين النشاط الفني والإبداعي، ولماذا لا توقف الحكومة مثلا برامج الثرثرة الليلية التي تستغرق وقت المشاهدين كل ليلة في موضوعات تافهة الشأن، منها ما يتجه أحيانا إلى التحريض المباشر على قتل الآخر المختلف عبر  شخصيات تنتمي للقرون الوسطى، تلتحف برداء الدين وتظهر على الشاشات تمارس إرهاب الآخرين!
ومن أحدث المواقف التي أصبحت سابقة خطيرة غير مسبوقة في العالم كله على حد علمي ومن متابعتي للشأن السينمائي عبر سنوات طويلة، ما وقع أخيرا في مهرجان الاسماعيلية السينمائي المتخصص في عرض الأفلام التسجيلية والقصيرة. فبعد استعدادات امتدت شهورا داخل المركز القومي للسينما التابع لوزارة الثقافة التابعة بدورها للحكومة المركزية، ثم افتتاح المهرجان من جانب السيد اللواء محافظ الاسماعيلية، وفي اليوم التالي فوجئ ضيوف المهرجان من السينمائيين الذين جاءوا من بلادهم للمشاركة بأفلامهم متصورين أنهم ذاهبون إلى دولة يفترض أنها بلغت سن الرشد السينمائي منذ سنوات بعيدة، بقرار من السيد اللواء المحافظ نفسه بإلغاء جزئي للمهرجان، أي تقصير مدة انعقاده وتقديم موعد ختامه يومين عن موعده المقرر سلفا. والسبب أن هناك داخل دهاليز السلطة من اكتشف فجأة أن يوم الختام المحدد له 25 أبريل يوافق مرور 35 عاما على عودة سيناء للسيادة المصرية بموجب اتفاقات كامب ديفيد، وهي مناسبة يعتقد المسؤول الذي أصدر القرار أنها تستحق الاحتفال الرسمي، حتى لو كان على حساب مهرجان دولي له جدول محدد للعروض والمسابقات. وقد وقع المسؤولون عن المهرجان في مأزق مع اضطرارهم إلى إعادة جدولة العروض وتعديل مواعيد رحيل الضيوف قبل يومين من الموعد الأصلي بعد أن أصبح وجودهم في ذلك اليوم المشهود، "غير مرغوب فيه". وهكذا تنتصر البيروقراطية "العشوائية" على السينما وتقتلها!

الخميس، 23 فبراير 2017

الاحتفاء بالنقد العربي في برلين






أقام مدير مهرجان برلين السينمائي ديتر كوسليك، حفلا خاصا لتكريم الناقد السينمائي المصري الكبير سمير فريد، تقديرا لمسيرته في النقد السينمائي العربي عبر نحو 52 عاما من العطاء، من خلال الكتب والمقالات والدراسات والندوات وتأسيس الجمعيات واكتشاف المواهب الجديدة والترويج للسينما المصرية والعربية في المهرجانات الدولية.
أسعدني بوجه خاص تكريم سمير فريد الذي عرفته وزاملته في جمعية نقاد السينما المصريين منذ السبعينات حتى الآن، وقد استمرت العلاقة الشخصية بيننا قائمة على الود والتقدير، رغم بعض الاختلافات أو الخلافات في وجهات النظر- سواء حول ما يتعلق بالقضايا السياسية الرئيسية في بلادنا والموقف الذي ينبغي اتخاذه منها، أو ما يتعلق بالنظر إلى بعض الأفلام وتقييمها والمدخل إلى تقويمها، وهي خلافات مشروعة وصحية بين المشتغلين بالنقد والفكر.
الاحتفاء بسمير في صحبة مجموعة ممن عرفوه منذ سنوات بعيدة، سواء من السينمائيين والنقاد الأجانب أو العرب، ومنحه كاميرا "البرلينالي" التي تمنح للشخصيات التي تركت بصمة واضحة في علاقة مهرجان برلين بالسينما في بلادهم، أسعدني كثيرا- ليس فقط لأنه جاء تقديرا لناقد كبير كرس حياته للسينما والبحث في قضاياها واشكالياتها، وسلط الأضواء على الكثير من منعطفاتها، بل أساسا- لأنه احتفاء بالنقد السينمائي عموما، وهو ما أمارسه ويمارسه غيري ولا يلقى أي نوع من الاهتمام من جانب مهرجانات السينما التي تقام في العالم العربي. فعادة أن تحتفي هذه المهرجانات بالممثلات والممثلين من المشاهير، سواء من أضافوا من خلال أفلامهم الكثير للفن السينمائي، أو من لم يضيفوا شيئا، ومعظمهم ممن يرتبطون بعلاقات مصالح مع تلك المهرجانات، أو يأتي تكريمهم استجابة لرغبة الجهات الممولة ومسؤولي البلديات والمحافظات والوزرات الذين عادة ما يرحبون بمجالسة ومصادقة بعض مشاهير السينما ممن قد لا تكون لهم بصمة واضحة على فن السينما، بل تكفي في هذه الحالة شهرتهم. وهي شهرة يتصور القائمون على تلك المهرجانات أنها كفيلة بجذب الجمهور.
المشكلة أن النقد السينمائي الحقيقي ثقافة، والسينما بطبيعتها تتأرجح بين الفن والتجارة والصناعة وبعض الثقافة، ولذلك يصبح الناقد المثقف غريبا عن "الوسط" إلا إذا قبل أن يخضع كتاباته لقواعد "السوق"، يجامل المنتجين والمخرجين والممثلين، وفي هذه الحالة لا يصبح ناقدا بل مروجا، ويخرج من باب الثقافة ليدخل من باب الدعاية.
أما مهرجانات السينما الدولية الكبرى فتعتبر أن الثقافة تمثل جانبا أساسيا من وظيفتها، لذلك تحتفي بالنقاد وهم مازالوا على قيد الحياة، أما مهرجانات العالم العربي والجزء الجنوبي من العالم عموما، فهي قد تتذكر الناقد فقط بعد وفاته، ولكنها تنساه تماما في معظم الأحيان، فمن النادر أن تخصص جوائز للنقد، بل ولا تستعين بالنقاد سوى في القليل النادر، في لجان التحكيم،  وإذا كانت هناك جوائز من الدولة للكتاب إلا أن مؤلف الكتاب السينمائي يظل خارج المنافسة مع الشاعر والروائي والرسام.
إذا كان تكريم سمير فريد في برلين قد لقي كل ما لاقاه من اهتمام في الصحافة المصرية والعربية ومواقع التواصل الاجتماعي، فربما يكون هذا حافزا للمهرجانات العربية للاهتمام قليلا بنقاد السينما الذين تعرف مهرجانات الغرب والشرق أنه من دونهم لن يكون لها وجود، ومن دون كتاباتهم لن يمكن للسينما أن تتطور، ولن يتمكن العالم من التعرف على منجزات جديدة سواء من الأفلام أو من المواهب السينمائية.
سمير فريد علم كبير من أعلام النقد السينمائي العربي بما أنجزه، وبما أضافه إلى معنى النقد السينمائي والإعلاء من دور الناقد والتطلع إلى مساواته بنقاد الأدب والشعر والفن التشكيلي والمسرح. وهو ما نكافح منذ سنوات، من أجل إرسائه، ربما دون أن ننجح حتى الآن إلا على نطاق محدود. لكن جيلنا حاول ونال شرف المحاولة، وعلى الأجيال التالية أن تكمل المحاولة.
مبروك التكريم والاحتفاء.. لسمير، ومبروك لنقاد السينما العرب جميعا.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger