الأحد، 20 أبريل 2014

"محاكمات محمد علي": معركة الأفكار











أفلام كثيرة ظهرت عن الملاكم الشهير "محمد علي كلاي"، ما بين الوثائقية والروائية، كان أحدثها على الصعيد الروائي ما شاهدناه العام الماضي وهو فيلم "أعظم معارك محمد علي" لستيفن فريرز، وكان يقوم بإعادة تجسيد (متخيلة) لما دار وراء الستار من مداولات مرهقة طويلة داخل المحكمة العليا الأمريكية، التي كانت تنظر استئناف الملاكم الأشهر في تاريخ اللعبة ضد الحكم القضائي الذي صدر بتجريده من اللقب والحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بعد أن رفض الخضوع للتجنيد الإجباري في فيتنام!

هذه المرة نحن أمام فيلم "وثائقي" جديد مختلف عما سبقه من أفلام كان معظمها، يركز عادة، على مباريات الملاكمة التي حقق فيها "محمد علي" ما لم يحققه غيره من بطولات. هذا هو الفيلم الأمريكي "محاكمات محمد علي" The Trials of Muhammed Ali للمخرج بيل سيجيل، وهو عنوان "رمزي" يشير إلى ما واجهه محمد علي من "محاكمات" ومعارك أخرى خارج الحلبة لا تقتصر فقط على معركته القضائية، بل معاركه داخل المجتمع، مع الذين رفضوه ورفضوا أفكاره وصبوا عليه لعناتهم، ومن إعتبروه جزءا من حركة "عنصرية" أخرى مضادة تعادي المجتمع وتحرض على العنف، ومن إعتبروه "إهانة" لأمريكا بعد رفضه أداء الخدمة العسكرية، ومن رفضوا أن يفهموا وا حدث له من تحول في اتجاه التماثل مع هويته الشخصية وقناعاته الفكرية، التي تؤدي بالضرورة إلى مواقف سياسية ونظرة اجتماعية قد تغضب الكثيرين.

هذا فيلم مثير للجدل، لكنه يسعى نحو تحقيق نوع من "الاستنارة" فيما يتعلق بـ"قضية محمد علي" الأساسية، أي إختياره، وهو في قمة مجده الرياضي بعد أن حصل على بطولة العالم في الوزن الثقيل للمرة الأولى (التي سيحتفظ بها ثلاث مرات) أن يعلن إعتناقه الإسلام، ويقوم بتغيير إسمه من "كاسيوس كلاي" إلى محمد علي كلاي، ويصبح أحد الأعضاء البارزين في جماعة "أمة الإسلام" التي أسسها الداعية إليجا محمد في أمريكا وكانت تطالب بفصل السود الأمريكيين عن البيض، وتأسيس مجتمع خاص بالأمريكيين من أصول افريقية، وهي الحركة التي امتلكت الكثير من المدارس والمستشفيات والأراضي والعقارات ودور الرعاية المخصصة للسود الأمريكيين.

في بداية الفيلم نشاهد محمد علي في أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة، يتحدث بجرأته المعهودة عن موقفه من التجنيد الاجباري، ثم كيف ينبري المنتج والمعلق ديفيد سسسكند لكي يصفه بأنه "أحمق ووصمة عار في جبين الأمة الأمريكية"!

محمد علي- الذي يصر دائما، حتى خلال استجوابه أمام لجنة من لجان الكونجرس فيما بعد على مقاطعة أحد أعضاء اللجنة، مذكرا إياه مرات عدة، بأنه ليس "كاسيوس كلاي" بل "محمد علي"، واحد من أكثر الرياضيين في التاريخ جرأة في الحديث المباشر الصريح أمام أجهزة الإعلام، حتى أننا نشاهد في مقابلة مصورة مع الممثل الكوميدي الشهير جيري لويس الذي كان يقدم في الستينيات برنامجا من برامج "التووك شو"، كيف أنه يصر على الكلام وإعلان موقفه السياسي والتعبير عن إدانته للعنصرية بأكثر الألفاظ قسوة، في حين يحاول جيري لويس أن يوقفه قائلا له أكثر من مرة أمام الكاميرا "هل يمكنك أن تغلق فمك لثانية واحدة فقط"!



بناء الوثائقي

يعتمد فيلم "محاكمات محمد علي" على مواد جيدة من الأرشيف، من الستينيات، لمقابلات محمد علي وظهوره العلني وتتبع مواقفه وتطورها خطوة بخطوة، كما نشاهد مقتطفات من أهم مباريات الملاكمة التي حقق انتصاراته الشهيرة فيها، ويسلط الفيلم الأضواء على حياته الأولى، أسرته ووالده وأشقائه، ثم كيف كان بروزه كملاكم في دورة روما الأوليمبية عام 1960 قبل أن يحصل على بطولة العالم في 1964 ثم يعتنق الاسلام في نفس العام، ويصبح من أشد المعارضين لسياسة التمييز العنصري في الولايات المتحدة، يقيم علاقات صداقة وتحالف مع مالكولم إكس الذي كان في البداية زميلا له في قيادة جماعة "أمة الإسلام" قبل أن ينشق عنها ويوجه انتقادات لاذعة للطريقة التي يدير بها أليجا محمد الجماعة، لكن كلاي يظل مدافعا عن الفصل بين السود والبيض رغم ما يتعرض له من هجوم، وإن كان أبرز ما يصوره هذا الفيلم، تمسكه بمبادئه، بإيمانه العميق بما يعتنقه، بالإسلام كدين يرفض أي تفرقة بين البشر، يرفض العبودية، ويدين الاستغلال والقتل والاعتداء.

لا يقتصر الفيلم على مواد الأرشيف التي تشمل أيضا قصاصات من الصحف وصورا ثابتة فوتوغرافية عديدة، بل يطعمها ويدعمها بعدد من المقابلات مع شخصيات بارزة في حياة محمد علي، لم يسبق لها الظهور على الشاشة في أي فيلم من الأفلام التي صنعت عن "محمد علي"، مثل لويس فاراقان الذي خلف أليجا محمد في قيادة جماعة أمة الإسلام، وروبرت لبستايل المحرر الرياضي السابق في صحيفة نيويورك تايمز (وهو يقوم في الكثير من فصول الفيلم بدور الراوية الذي يحكي ويشرح ويفسر ويسلط الأضواء بموضوعية لا تخلو من الإعجاب، على مسيرة محمد علي المثيرة للجدل) كما نشاهد أيضا مقابلات مع الزوجة الثانية لمحمد علي (خليلة)، وإبنته من زوجته الثالثة (حنا)، وشقيق محمد علي (عبد الرحمن)، ومدربه الذي يروي كيف كان يسعى بكل وسيلة أثناء السنوات التي أوقف محمد علي عن ممارسة الملاكمة، للعثور على أي ولاية تقبل إقامة مباراة للملاكمة يشترك فيها محمد علي، دون أن ينجح قط في مسعاه. ويتحدث في الفيلم أيضا أحد الموظفين في المحكمة العليا، الذي يروي تفاصيل ما كان يجري وراء الكواليس من مداولات وكيف أن العضو الأسود في هيئة المحكمة تنحى عن نظر القضية حتى يجنب القضاة الآخرين الحرج، وبالتالي أصبح يتعين على الأعضاء الثمانية التوصل إلى قرار بشأن استئناف محمد علي ضد الحكم بسجنه، وفي حالة انقسام أصواتهم كانت ستتم ادانة محمد علي.

إننا نتابع كيف وصل محمد علي في قوة إيمانه بما يعتقده وبمبادئه، التي ليس من الممكن لأحد المزايدة عليه أو التشكيك فيها، إلى أن انتماءه للاسلام يحتم عليه رفض المشاركة في حرب فيتنام التي وصفها بأنها حرب " الرجل الأبيض لقتل الشعوب الملونة"، وقال كلمته الشهيرة "لماذا يطلب مني القتال في فيتنام في حين أن الفيتناميين لم يغتصبوا أمي ولم يحرقوا بيتي ولم ينعتوني بالزنجي"!

محمد علي يحظر من ممارسة الملاكمة من 1967 إلى 1971، وفي تلك السنوات كان يتعين عليه- كما نرى في الفيلم- إعالة أسرته، فيلجأ إلى الظهور المكثف في البرامج التليفزيونية، وإثارة النقاش حول أفكاره التي كانت تعكس أفكار حركة الوعي الأسود في الستينيات، ويلجأ أيضا إلى الظهور في عروض مسرحية على مسارح برودواي (نرى لقطات نادرة بالألوان له وهو يرتدي شعرا مستعارا كثيفا ويلعب دورا في مسرحية تحريضية تنادي بتحرير السود من العبودية).

لقد أصبحت انتصارات محمد علي الرياضية المبهرة في الستينيات، رمزا لاستمرار النضال من أجل تحقيق المساواة في أمريكا، وكان الكثيرون داخل مجتمع السود المسلمين في الولايات المتحدة يعتبرونها أيضا "إشارة من الله" على أنه يقف بجوار عبده الذي إتجه إليه وسلم له أمره، أي كان ينظر إليها على أنها قد تكون من "المعجزات"، لكن أفكار محمد علي المتشددة أخذت في الاعتدال كثيرا بعد وفاة أليجا محمد، وأصبحت رؤيته الإسلامية تميل للتعايش الإنساني: نرى لقطات نادرة له مع كل من مالكولم إكس ومارتن لوثر كنج زعيم حركة الحقوق المدنية، واقترب محمد علي أكثر من حركة المناضل الأسود ستوكلي كارمايكل التي أعلنت أنها ضد العنف بكل أشكاله، ونراهما في الفيلم معا في أكثر من مشهد.

في الفيلم أيضا يظهر ويتحدث أحد أعضاء مجموعة الأحد عشر رجلا من لويزفيل بولاية كنتكي (موطن محمد علي) الذين وقفوا وراء محمد علي من البداية، ودعموه في مجال الملاكمة ومولوا مبارياته وحملاته الدعائية، وظلت علاقته بهم جيدة حتى النهاية، وحظر على أعضاء جماعة "أمة الإسلام" التعرض لهم باي شكل، وكانوا جميعهم من البيض. 





رواية قصة

يعتمد الفيلم على الانتقالات المحسوبة بدقة بين مقاطع المقابلات التي تسلط الضوء على الشخصية في إطار تاريخ الفترة، وبين المواد المأخوذة من الأرشيف، التي تكشف عن جهد كبير ومثير للإعجاب، في البحث والاختيار، مع قدرة كبيرة على الصياغة الفيلمية من خلال مونتاج يحرص على رواية قصة في تدفق وسلاسة آثرتين: قصة صعود، وقصة صراع، وقصة تمسك بالمبادي وبالهوية، تنتهي بالنصر.

في الفيلم بعض الأصوات التي تنتقد موقف محمد علي وتعترض على اختياراته، لكن الفيلم دون شك، يميل للانحياز إلى الملاكم الأسطوري الذي نراه في الكثير من صور الأرشيف يقوم بزيارة عدد من البلدان الافريقية من بينها مصر، ثم بعد أن أصبح سفير الأمم المتحدة للسلام، ونراه وهو يجاهد ارتجافات ذراعه جراء مرض الشلل الرعاش الذي أصيب به عام 1982، لكي يرفع الشعلة الأوليمبية في دورة الالعاب الرياضية في أطلانطا عام 1996.

إن فيلم "محاكمات محمد علي"، ليس فيلما عن شخصية محمد علي فقط (النجم في إطار عصره)، بل عن عصر كامل: عن النضال من أجل المساواة، حركة الحقوق المدنية واغتيال مارتن لوثر كنج، حرب فيتنام بما سببته من شرخ كبير في المجتمع الأمريكي، والإصرار على إدانة رجل ليس بسبب رفضه المشاركة في الحرب، بل بما بدا أنه عقاب له على تمرده وعلى إعلانه وهو في قمة مجده، اعتناق الإسلام، والحديث بجرأة وإدانة معتقدات راسخة قديمة في المجتمع الأمريكي.

محمد علي لايزال يعيش بيننا، عاجزا عن الحديث وعن الحركة، بعد أن شغل العالم كله، بحديثه وأبهر الكثيرين بقدرته غير العادية على الحركة داخل الحلبة.. لكنه- على الأقل- عاش حتى شهد وصول أمريكي أسود إلى البيت الأبيض!


الخميس، 3 أبريل 2014

برنامج حافل في مهرجان إسطنبول السينمائي





 




تشير ملامح الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان إسطنبول السينمائي الدولي إلى الطموح الكبير الذي يدفع القائمين على أمر هذا المهرجان المرموق إلى الانفتاح على كل التجارب السينمائية في العالم، مع عدم إغفال ذلك الاهتمام المعتاد بالسينما التركية، فالهدف الأساسي لأي مهرجان سينمائي هو تطوير السينما المحلية في البلد الذي يقام فيه المهرجان، وليس مجرد تحقيق عروض للمتعة والتسلية للجمهور لبعض الوقت ثم ينتهي الأمر.


وأساس اهتمام ضيوف المهرجان الأجانب والنقاد والمتخصصين والسينمائيين، يتجه عادة الى الإطلاع على طبيعة النشاط السينمائي في الدولة المضيفة وليس فقط متابعة الأفلام التي تتنافس على الجوائز، أو تلك التي تعرض في البرامج الموازية التي تتوجه في الأساس ، إلى جمهور البلد الذي ينظم المهرجان.

وإذا عدنا إلى تاريخ مهرجان إسطنبول الدولي سنجد أنه نشأ في بدايته، عام 1982، كأسبوع سينمائي باسم "أيام إسطنبول السينمائية الدولية" كجزء من مهرجان إسطنبول للفنون، ثم أصبح حدثا سينمائيا مستقلا بذاته في 1984 ، وفي العام التالي بدأ الأسبوع (أو الأيام) في تنظيم مسابقتين، الأولى دولية، والثانية للأفلام التركية.  وفي عام 1989 أصبح "الأسبوع السينمائي" مهرجانا دوليا حصل على اعتراف الاتحاد الدولي لمنتجي الأفلام (الفياف) وأصبح ينظم مسابقة متخصصة تعرض الأفلام اتي تدور حول الفن والفنانين أو الأفلام المقتبسة عن أعمال أدبية.

وقد أصبح المهرجان ينظم منذ 2006، لقاءات بين المنتجين الأوروبيين ونظرائهم الأتراك بغرض تشجيع التعاون في مجال الإنتاج المشترك تطورت هذه اللقاءات إلى ورشة مكثفة لتقييم ودعم المشاريع السينمائية، كما يقيم المهرجان منذ 2007، مسابقة للأفلام التي تتناول مواضيع تتعلق بحقوق الانسان، ويمنح جائزة لأحسن فيلم في هذا المجال باسم جائزة المجلس الأوروبي لحقوق الانسان.

يعرض المهرجان أكثر من 200 فيلم، ويبلغ عدد المترددين على عروضه نحو 190 ألف شخص، وهو مهرجان طويل نسبيا إذ يستغرق 16 يوما. والدورة الجديدة وهي الثالثة والثلاثون، ستقام في الفترة من 5 إلى 20 أبريل 2014.

ينقسم إلى أقسام عديدة تغطي كل الاهتمامات وأنواع الأفلام، من الكلاسيكية إلى التسجيلية والروائية والتحريك وافلام الاطفال وافلام الشباب، إلى جانب المسابقة الدولية ومسابقة لأفلام حقوق الإنسان.

تشمل المسابقة الدولية عرض 12 فيلما من بولندا وبلجيكا وفرنسا وكندا وأيسلندا وألمانيا وإيطاليا والنرويج والسويد وبريطانيا واستراليا وأيرلندا.  أفلام المسابقة هي "20 ألف يوم على الأرض" للمخرج البريطاني إيان فورسايث، و"تربتيك" TRIPTYQUE  للمخرج الكندي روبير لوباج، و"فيوليت" للفرنسي مارتن بروفوست، و"عمياء" أول أفلام المخرج النرويجي إسكيل فوغت، و"أنا ونفسي وأمي" Me, Myself and Mum للمخرج والممثل الفرنسي عليوم غليين، و"تلك السنوات السعيدة" للمخرج الإيطالي دانييل لوتشيتي، و"بابسوزا" لاثنين من المخرجين البولنديين، عن حياة الشاعرة والمغنية الغجرية البولندية الشهيرة برونسلافا فايس التي عرفت باسم "بابسوزا" PAPUSZA .

لقراءة باقي المقال انقر على الرابط هنا

الجمعة، 21 مارس 2014

مهرجان القاهرة السينمائي يعوم على بحيرة من الفساد!



توليت رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي لمدة شهر واحد. كان وزير الثقافة السابق- علاء عبد العزيز- الذي لا تربطني به أي علاقة شخصية من أي نوع، هو من عرض علي هذا المنصب. وكنت أرى من واقع خبرتي ومعرفتي بعالم السينما وعالم المهرجانات الدولية عبر أكثر من ثلاثين عاما، سواء كعضو في لجان التحكيم أو كمشارك فاعل قريب من عدد كبير من المهرجانات السينمائية الدولية المرموقة، أنني جدير بتولي هذه المهمة، وأنها فرصة لوضع خبراتي التي قمت بتحصيلها عبر ثلاثين عاما أو أكثر قليلا، في خدمة المهرجان "الكبير" الذي يقام في بلادي وباسمها، والذي كان قد اكتسب عبر سنوات، سمعة سيئة في العالم، أساسا، بسبب إسناده الى غير المتخصصين وغير المحترفين وغير المهتمين أصلا بقضية الثقافة السينمائية بالاضافة إلى التدخل المزري من جانب أجهزة الدولة (التي يسمونها بالعميقة) في أعماله وبرامجه. وكانت قناعتي ومازالت، أن صناعة المهرجان السينمائي الدولي مهمة ذات علاقة وثيقة بالثقافة السينمائية، وليست مجرد إحتفال استعراضي يقصد من وراءه الترويج للسلطة.
وكنت أكتب، منذ أكثر من عشرين عاما، في نقد مهرجان القاهرة السينمائي، ونشرت الكثير من المقالات التي وجهت نقدا شديدا لهذا المهرجان، داخل مصر وخارجها، وتحدثت في الاذاعات الدولية ومحطات التليفزيون الدولية كثيرا. وعندما جاءت الفرصة لتولي هذه المسؤولية رحبت بها، وتساءلت كما تساءل كثيرون وقتها: وهل يمكن قبول مهمة من وزير محسوب على حكومة الإخوان المسلمين؟ وكانت الاجابة بنعم ونعم.. فهي بمثابة اعتراف بالدور الثقافي للمهرجان، ورد للأمور إلى نصابها الصحيح، وعودة الحق لنا نحن المثقفين الذين قضينا عمرنا دفاعا عن قضية الثقافة والثقافة السينمائية.ومازلت غير نادم عن قبولي تولي المهمة.
ليس دفاعا عن علاء عبد العزيز
لماذا؟ لأن محمد صابر عرب وزير الثقافة في عهد الاخوان المسلمين وحكومة محمد مرسي وهشام قنديل أيضا هو من عملت معه مديرا من قبل لمهرجان الاسماعيلية السينمائي، وهو الوزير المهيمن حاليا على الأمور ويعمل معه جميع من هاجموا علاء عبد العزيز وشككوا بجهل فاضح، في قيمته ومعرفته، رغم أنه الوزير القادم من محيط الثقافة السينمائية كمدرس في معهد السينما ومونتير، وليس قادما من "التنظيم السري العقائدي" للاخوان بل ولم يكن أصلا عضوا في تنظيم الاخوان، بل إنني وجدته- وهذه شهادة للتاريخ- أكثر انفتاحا وليبرالية ونزاهة وشرفا واستقامة وأمانة وصدقا – من الأغلبية العظمى من حفنة المثقفين والمتثاقفين الذين وقفوا ضده، واعتصموا في مبنى وزارة الثقافة بعد توليه منصبه (وأنا أعرفهم معرفة شخصية طويلة واعرف عنهم وعن مواقفهم وتطلعاتهم الكثير مما يمكن أن يملأ مجلدات)، وقد خضع هؤلاء بشكل يدعو للتعجب، لتوجيهات ثلاثة من موظفي الوزارة الذين يلطخ الفساد وجوههم وذممهم، الذين أعفاهم علاء عبد العزيز من العمل معه بعد ان سمحوا باحتلال مبنى الوزراة وشجعوا على دخوله، بل وسهروا على راحة المعتصمين وتقديم الشاي والقهوة لهم،  رغم ان علاء عبد العزيز لم يقطع رزقهم بل اعادهم الى الجهات الحكومية  التي انتدبوا منها للعمل في مقر الوزارة.. مما يدل على استماتتهم في الدفاع عن "مصدر النهب العام" الذي يغترفون منه، وهو نفس ما فعله ببعض من يطلق عليهم "قيادات العمل الثقافي" من أمثال أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، وإيناس عبد الدايم، رئيسة دار الاوبرا، وغيرهما. وقد اطلعت بنفسي على وثائق رسمية بتوقيعهم تدينهم بالفساد المالي وتبديد المال العام والحصول- بدون وجه حق- على مكافآت مالية ضخمة.
وكان علاء عبد العزيز على حق فيما اتخذه من قرارت ضدهم، وقد أصبح هناك اليوم من يطالب علانية بمحاسبة أمثال هؤلاء من قيادات في الوزارة، ومنهم من قام بنهب وسلب المال العام في القطاع الذي يعمل به، لسنوات طويلة ومنهم أيضا من تقاعد أخيرا وكان ينتظر إسناد منصب الوزير إليه تكريسا ومكافاة للفساد الذي يقال لنا أن السلطة الحالية تحاربه، ولو أرادوا محاربته حقا لفتحوا ملفات التحقيق مع عبد الدايم ومجاهد بل وصابر عرب نفسه المتهم بالكثير من وقائع الفساد عندما كان رئيسا لدار الكتب والوثائق القومية، ويقال إنه في عهده ايضا- هو وسلفه، سرقت مخطوطات نادرة وتم بيعها بعد تهريبها خارج البلاد، وكتب الكثير أيضا عن كيف أنه تمكن من اغلاق ملفه الذي كان موجودا أمام النائب العام!
وأود أن أؤكد هنا، ما يعرفه الجميع من ان إسناد رئاسة المهرجان إلي لم يكن بأي حال قائما على أساس سياسي بل مهني بحت، وأن الجميع يعرف جيدا أنني من كبار معارضي الاخوان المسلمين بل وكل فرق الاسلام السياسي منذ عشرات السنين، عندما كان الكثيرون يرحبون بهم ويعتبرونهم جزءا من الحركة الوطنية، بل وهناك من كتبوا شعرا في خطاب يوسف القرضاوي الشهير عشية انتصار ثورة يناير 2011 في ميدان التحرير وقالوا عنه إنه من أعظم خطابات العصر الحديث وإنه ينبغي تدريسه على طلاب المدارس. وقد تحول الكثيرون من هؤلاء الآن بين ليلة وضحاها الى اعتبارهم "جماعة ارهابية" بعد أن أعلنت السلطة ذلك.
وكنت من أشد ناقدي الفكر السياسي الديني وكتبت في عشرات المواقع والمطبوعات معبرا عن ذلك بل وأصدرت بيانا وهم في عز سطوتهم بعد أن توليت المهمة، قلت فيه بوضوح أنني لا اتفق مع قناعات علاء عبد العزيز السياسية فأنا أنتمي لليسار، في حين يقف هو الى اليمين. لكني الآن أود أيضا أن أؤكد أنني لا أنطلق في أحكامي على البشر من منطلقات أيديولوجية، بل كنت دائما وسأظل، أدافع عن الحرية وعن الحقيقة. وليس من الممكن أبدا إنكار الحقيقة الواضحة لحساب الانحياز العقائدي. والحقيقة أن علاء عبد العزيز كان صادقا في رغبته في تطهير وزارة الثقافة. وأن ميزته الكبرى أنه كان قادما من خارج دولاب السلطة والوزارة وعملاء الأمن وفرق كتبة التقارير الذين قصرت عليهم المناصب والمسؤوليات الكبرى في مصر دون غيرهم، منذ عشرات السنين وحتى يومنا هذا، بدليل بقاء محمد صابر عرب وزيرا للثقافة في كل العهود. وما أقوله هنا هو الحق الذي أعرفه، وهذه حقيقة للتاريخ. وليس من الممكن نكران الحق، نكاية في "الإخوان" أو في غيرهم. وأود أن أضيف أيضا أنني وجدت كل تشجيع وحرية في العمل من جانب علاء عبد العزيز الذي لم يتصل بي ولا لمرة واحدة طوال فترة قيامي بالمهمة ولم يصدر لي أي توجيه أو يطلب مني أي طلب خاص او يتدخل في عملي كما هو معروف من جانب الوزراء.. وهذه أيضا، شهادة للتاريخ.
وقد علمت- قبل أن يعرض علي منصب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي- أن ناقدا سينمائيا معروفا كان يسعى للحصول على هذا المنصب، وأنه ونحن بعد في دورة مهرجان كان السينمائي العام الماضي، كان يوسط من يمكنه التحدث إلى الوزير الجديد علاء عبد العزيز في هذا الشأن، بل وعلمت من علاء عبد العزيز نفسه فيما بعد، أن الناقد الكبير قام بتوسيط صحفي من أصدقائه قابل الوزير وطرح أمامه إسم الناقد الكبير لتولي مسؤولية المهرجان. ولم يكن لدي إعتراض من أي نوع على "خبرة" الناقد الكبير في هذا المجال، بل واحترم معرفته وخبراته وأقدرها.


الممثل محمود قابيل اجتمع مع علاء عبد العزيز وخرج بعد اللقاء وصرح بأنه تأكد بنفسه من وجود فساد وتجاوزات في الوزارة وأعلن تأييده لقرارات الوزير واقتناعه بسياسته ثم عاد فالتحق بالاعتصام ضده.. فالمسألة كانت سياسية تماما!

ولم يكن العمل مع "الوزير الإخواني" - كما يحب البعض أن يصفه، مرفوضا من ناحية المبدأ، بل إن الناقد الكبير دافع عنه في عدد من مقالاته في البداية كما هاجم اعتصام من يسمون أنفسهم بالمثقفين، ثم تحول إلى الهجوم عليه ومطالبته بالاستقالة بعد ذلك!
هذا الكلام أكتبه الآن بكل صراحة للتاريخ، ليس بقصد الإساءة لأحد، بل لوضع الأمور في نصابها أمام الجميع وحتى لا تتم المتاجرة بأي موقف أو المزايدة على أي موقف.

حملة التشويه
وقد تعرض كاتب هذا المقال لأبشع حملة تشويه وهجوم من بعض من كنت أعتقد أنهم من "الأصدقاء" أو على الأقل، من "غير الأعداء"، وكشفت لي هذه الحملة التي تسترت في الموقف السياسي المناهض للاخوان المسلمين وفكرهم، عن كم الأحقاد والغيرة والحسد التي تملأ قلوب البعض لمن يأتي من خارج "حظيرتهم" محصنا بثقافة سينمائية رفيعة وتجربة ثرية لم يتح لأحد منهم تحصيلها، صنعها بجهده الشخصي وفي معظم الاحوال، تحمل نفقاتها من جيبه الخاص دونما حاجة لدعوة من أحد، أو راع من منتجي الأفلام الاستهلاكية أو "فنانة" معروفة مثلا، لكي ينفق على سفرياته إلى مهرجانات السينما الدولية.
وقد تصور بعض هؤلاء الذين إنغمسوا في تلك الحملة القذرة وقتها أنهم الأجدر والأولى، وأنهم أحق من أمير العمري "الذي عاش طويلا في أوروبا"- كما قال بعضهم وصرح في الصحف، كما لو أن العيش في الداخل الملوث بالفساد يمثل قيمة في حد ذاته، وكما لو أن تجربة الغربة التي تكسب المرء الكثير من الخبرات والمعارف أصبحت عيبا في زمن تحولت فيه البعثات العلمية إلى اوروبا إلى مجال للارتزاق وتحويل العملة ومجاملة أبناء و"أزلام" المسؤولين ومكافآت تدفع لمن ينافقون هذا أو ذاك، من "القيادات الثقافية المشبوهة".
وقد رأينا بأعيننا بعد أن سكتت الضجة- ضجة المهزلة - كيف كوفيء أحد نقاد السينما من "الفئة الثالثة"، بموقع لا يستحقه في أكاديمية الفنون، مكافأة له على هجومه الشديد الهستيري على علاء عبد العزيز وعلى العمري، لحساب رئيس الأكاديمية سامح مهران الذي يوجد ملف ضخم لفساده لم يجرؤ حتى الوزير الأسبق للثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد، على كشفه أمام رئيس الحكومة الجنزوري (في ذلك العصر والأوان) واقناعه باعفائه من منصبه، فالعلاقات مع أجهزة الأمن، تظل هي الأقوى في دولة بوليسية محكومة بالقهر، حولت قطاعات عريضة من المثقفين منذ 1954 إلى قطيع من كتبة التقارير والتجسس على أقرانهم في الداخل والخارج.
كان من أسباب الحملة ضدي أيضا أنني كنت أتصدى عبر ثلاثين عاما لنقد الأفلام المصرية الرديئة الفاشلة، ولذلك سنجد الكثير ممن انتقدت أفلامهم يتقدمهم مخرج نكرة، لم يصنع سوى فيلم واحد ولا أظنه سينجح في صنع فيلم ثان، ولعل تجربة إنتاج هذا الفيلم أيضا، تملأ ملفا من أكبر ملفات الفساد السينمائي في وزارة الثقافة في عصر فاروق حسني.
وقد وجدها أيضا فرصة، بعض من حثالة صحفيي المنوعات وأخبار النجوم والفضائح ولصوص المقالات، ممن فشلوا في الحصول على دعوة لمهرجان الاسماعيلية الذي عملت مديرا له في دورة 2012. وهؤلاء لا أسماء لهم أصلا، فهم، وبينهم أيضا عدد من صغار الصحفيات الفاشلات، مجموعة نكرات لكن صحف التدني في زمن الانهيار الثقافي المصري ترحب بما يبعثونه إليها من نفايات!

هاني مهنى

والطريف أيضا أنني تلقيت هجوما شرسا من المدعو هاني مهنى، عزف الأورج الذي انتخب نقيبا للفنانين في مصر، بدوعى أنني غير معروف لدى الفنانين وأنني فشلت في مهرجان الاسماعيلية، في حين ان هاني مهنى كان يتقافز وهو يدق بأصابعه على آلة الاورج عضوا في فرقة عبد الحليم حافظ، عندما كنت أنا أجوب ربوع مصر ثم العالم العربي في السبيعينات والثمانينيات أنشر الثقافة السينمائية وأعلم الشباب كيف يشاهدون الأفلام. وقد ولد على يدي عشرات من السينمائيين المصريين والعرب الذين أصبحوا اليوم من كبار السينمائيين المرموقين، فأين كان السيد هاني مهنا الذي لم يعرف له أدنى اهتمام بالسينما في تلك السنوات!

عن الاعتصام مجددا
كان رأيي في ذلك الاعتصام المشبوه في وزارة الثقافة، أن هذا الاعتصام يمكن قبوله لو كان في الشارع، أما احتلال المباني العامة فهذه جريمة يعاقب عليها القانون، وكان يجب على أجهزة الشرطة المصرية أن تتدخل لاخراج هؤلاء المعتصمين من مقر الوزارة.. وأنا الآن أقولها بمليء الفم، إن احترامي وتقديري لبعض من انضموا لهذا الاعتصام، قد تراجع الى نقطة الصفر، أي لم يعد له وجود بعد أن رأيتهم وهم يتحولون الى "أدوات" في أيدي مجموعة من "أزلام" وخدم بعض أصحاب المصالح الذين أضيروا بعد اعفائهم من مناصبهم على يدي الوزير الشجاع علاء عبد العزيز. واليوم يطالب كل الشرفاء بعودة نفس ما فعله علاء عبد العزيز في وزارة الثقافة وما كان يعتزم فعله.. ألا يشعر هؤلاء الذين استخدمت أسماؤهم وصورهم بالخجل اليوم؟!
ولكن لماذا تم التغاضي عن تلك "الجريمة" من جانب أمن الوزارة وأمن الدولة بل وتشجيعها على الاستمرار؟ وهل من الممكن أن يقتحم المثقفون الآن- الذين اكتشفوا أخيرا أن محمد صابر عرب – وزير الثورة الثانية العظيمة- لا يمثلهم أيضا، هل يمكنهم اقتحام مبنى الوزراة الآن واحتلالها بدعوى الدفاع عن "الثقافة الوطنية"!؟
الاجابة بالطبع لا.. فمبنى الوزارة مغلق ومحصن حاليا وعلى كل من يقترب من بابه أن يبرز شخصيته وسبب قدومه، ولا يسمح لأي مجموعة من مدعي الثقافة النفاذ من الباب. وأما سبب ترك الأمور تسير نحو الفوضى في يونيو 2013 فقد كان جزءا واضحا من مخطط الأجهزة الأمنية لاسقاط حكومة الاخوان المسلمين، وتشجيع التظاهر وخلق العراقيل الممكنة أمامها وصولا الى 30 يونيو عندما خرجت جموع الشعب مطالبة بتدخل الجيش لاسقاط الاخوان. ومعروف للكل ما حدث في ذلك التاريخ والقوى التي اجتمعت معا لتغيير نظام الإخوان، ومعروف أيضا الآن بكل وضوح، القوى التي استفادت من سقوط الاخوان وحلت مكانهم واستعادت السيطرة على مقدرات الأمور في مصر.
لقد كانت الفترة المحدودة التي قضيتها في رئاسة مهرجان القاهرة كافية لكي أضع يدي على الكثير من مظاهر فساد ضارب بجذوره في أرضية ذلك المهرجان منذ تأسيسه.. ويكفي أن أنشر الآن الاستقالة التي تقدم بها في 2012 المخرج أحمد عاطف (الذي تعاون معي في البداية ثم سرعان ما قفز من المركب عندما تغير الوزير وأدرك أنني لن أبقى للعمل مع صابر عرب.


منيب شافعي

ملاحظات
وقبل ان أنشر نص الاستقالة أحب أن أوضح النقاط التالية:
1- أنني اكتشفت وجود توقيع للسيد منيب شافعي رئيس غرفة صناعة السينما في مصر على حساب من حسابات مهرجان القاهرة السينمائي بالعملة الأوروبية (اليورو) في بنك مصر، جنبا إلى جنب مع توقيع رئيس المهرجان، جدون أن تكون لمنيب شافعي أي صفة أو علاقة مباشرة بالمهرجان.. فما معنى هذا؟!
2- غياب أي تسويات مالية لحسابات ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه تأتي من أموال الرعاة للمهرجان، فليست هناك وثائق توضح من أين جاءت ولا كيف تم انفاقها وعلى ماذا، كما  اكتشفت أن السجادة الحمراء التي تستخدم في حفل الافتتاح تتكلف 900 ألف جنيه (نشر الرئيس الجديد للمهرجان الذي جاء بعدي الناقد سمير فريد مؤخرا- ما يشير الى أنه وجد أن حفل الافتتاح كان يتكلف ثلاثة ملايين جنيه!).
3- لم يحرك وزير الثقافة الحالي والأسبق وما قبل الأسبق، أي محمد صابر عرب الذي قدم إليه أحمد عاطف هذه الاستقالة ساكنا ولم يأمر بالتحقيق فيها، بل طلب ممن قدمها التزام الصمت وترك الأمور الى أن يمر المهرجان "على خير"، وبالتالي أصبح السؤال قائما: ما مصلحة الوزير في التستر على وقائع بهذه الضخامة، وما معنى تستره عليها؟ بل وما معنى أن يستمر صاحب الاستقالة في العمل مع من يتهمهم بالفساد على هذا النحو، ولماذا لم يتقدم بما لديه من معلومات وأدلة للنائب العام، ولماذا عاد إلى طرق باب الوزير نفسه بعد ذلك رغم ان الوزير لم يعيره التفاتا؟!

نص الاستقالة (تركنا النص كما هو أي بكل أخطائه النحوبة واللغوية كما كتبها صاحبها الذي أخرج ثلاثة أفلام، لكنه أساسا، صحفي معين في أهم صحف مصر أي "الأهرام"):

استقالة مسببة
من مهمة المدير التنفيذى لمهرجان القاهرة السينمائى في دورته
الخامسة والثلاثين
معالى الدكتور محمد صابر عرب
وزير الثقافة ،
تحية طيبة وبعد
لقد شرفت بقرار سيادتكم تعييينى مديرا تنفيذيا لمهرجان القاهرة السينمائى الصادر فى 15 سبتمبر 2012
واعتبرته مهمة قومية لانقاذ المهرجان كما دعوتم سيادتكم دائما في الأسابيع الماضية، أن يتقدم كل صاحب خبرة هذا المجال لانقاذ مهرجان مصر الأكبر.
ولما كنت ولله الحمد من الخبراء في هذا المجال حيث وفقنى الله لاكتساب تجارب عديدة في مجال ادارة المهرجانات الدولية بالاضافة لتخصصى الاخرين كمخرج سينمائى وكاتب صحفى.
فوضعت كل جهدى ووصلت الليل بالنهار طوال شهر كامل من أجل نجاح هذا المهرجان وخروجه بصورة مشرفة. وقررت أن يكون عملى تطوعيا بدون أجر ايمانا منى بالمهمة الجسيمة وأبلغت بذلك رسميا السيدة نائب رئيس المهرجان وكل العاملين بالمكتب الفنى للمهرجان.
وتحملت سهام الكثير من زملائى اللذين اتهمونى بالتخاذل وقبول هذة المهمة في وسط الصراع الدائر حول مهرجان القاهرة الان، والانتصار لموقف الوزارة ضد عدد من السينمائيين.لم اعبأ بكل ذلك لاحترامى الكبير لكم كممؤرخ وكمسئول ثقافى رفيع أراك على حق في موقفك أن تنظم وزارة الثاقافة المهرجان.
ولكنى اليوم وكلي حزن وأسي، أجد نفسي مضطرا لكى أطلب من سيادتكم قبول استقالتى من هذا الموقع الذى أراه موقعا رفيعا يستحق أن يتحمل المرء من أجله الكثير.
واسباب استقالتى مفندة لسيادتكم كالاتى:
-       - لا أستطيع أن أعمل فى جو تحيط به مسائل مالية تدعو الى الريبة. حيث راعنى أن تقوم شركات  بعينها بالكثير من الأنشطة فى المهرجان في حين انه من الممكن ان يقوم بها افراد من الخبراء أو هيئات وزارة الثقافة بتكاليف أقل بكثير مما يتم التعاقد به. أى ما يمكن أن يتكلف 10 الاف جنيه على الأكثر يتم دفع نصف مليون جنيه فيه. وتمنعنى السيدة نائب رئيس المهرجان أن أحضر الاجتماعات مع تلك الشركات أو معرفة تفاصيل نشاطها. بل وعندما أسال السيدة سهير عبد القادر عما تفعله تلك الشركات تنفعل وتخرج عن شعورها قائلة: أه أنا بأدلع الشركات، دى طريقتى.وعندما أحاول دخول اجتماع به هذه الشركات يغيرون الموضوع أو يصمتون.
- ولكن بسبب وجودى بشكل يومى بالمهرجان فاتحا الأعين والاذان، معتبرا نفسي عين شريفة على ما يحدث وحارسا على المال العام. فوجئت بأن تلك الشركات ( ماكسيمام فيجان وكنوز للسياحة وأروما وأم سي ام ) لها تاريخ طويل مع المهرجان. ومجال المخالفات في التعامل معها كالاتى:
- ماكسيمام فيجان مثلا وظيفتها جلب رعاة للمهرجان. وهى التى تتفق مع الرعاة وتحدد بالاتفاق مع نائبة رئيس المهرجان مبلغ الرعاية. وتستلم الشركة المبلغ وتخصم من المبلغ ما صرفته من مصاريف جلب للراعى، ثم يتبقي مبلغ، فلا تقوم بتسليمه للمهرجان بل تقوم بعمل خدمة ما للمهرجان من خلاله.

وزير الثقافة الحالي محمد صابر عرب: تولى المنصب 4 مرات في حكومات الاخوان والمجلس العسكري وسلطة 30 يونيو
- وعادة ما تكون تلك الخدمة تقديرها المالى من الشركة أكثر من قيمتها فى الواقع. فمثلا قامت شركة أروما  بعمل أفيش المهرجان في الاعوام السابقة بتكلفة بلغت 500 ألف جنيه فى العام الواحد.
- بالنسبة لحفلى الافتتاح والختام فهو مجال واسع  لشبهات التربح والسرقة واهدار المال العام. فمتوسط تكلفى الحفلين 2 مليون جنيه بما يشكل عادة ما بين ربع أوثلث الميزانية الاجمالية للمهرجان. فبدلا من الصرف علي الانشطة الثقافية يتم دفع ذلك في تكاليف وهمية مثل شركة (ركن سيارات ضيوف الحفلين ) أو انشاء السجادة الحمراء بتكلفة 750 الف جنيه رغم ان المبلغ الطبيعى لتلك السجادة بطولها وحجمها المعتاد لا تزيد عن 150 ألف جنيه. بل ولا توجد حاجة أصلا للاستعانة بشركة لتقوم بعمل تلك السجادة، فورش الأوبرا تستطيع عمل ذلك. ونفس تلك الشركة أروما تقاضت مبالغ تجاوزت المليون جنيه مصرى مقابل اقامة حفل الافتتاح والختام رغم أن المهرجان كان يستطيع الاستعانة بمخرجى متخصصين في حفلات الافتتاح والختام من العاملين بوزارة الثقافة. مثل خالد جلال.
- وهناك أيضا شركة اسمها أم سى ام دأبت على صناعة خيم للمهرجان وهى شركة كانت تقوم بكل انشطة زوجة الرئيس المخلوع لكى يقام بها المركز الصحفى وبعض الأنشطة الأخرى، ولا أعرف لماذا الاحتياج لخيم رغم أن المهرجان كل عام فى شهر نوفمبر ولا توجد شمس حارقة نحتاج معها للخيم.
- وهناك شركتى سياحة اسمهما كنوز وماكسيمام فيجان مالكهما شخص واحد هو محمد منير.يقوم بجلب الرعاة ومسئول عن عروض ليزر هذا العام فى الافتتاح. ومسئول عن انشاء السوق.  ولا أعرف كيف تقوم شركة سياحة بتلك الاعمال وهو ليس تخصصها.
- وقد قالت لى السيدة نائب رئيس المهرجان فى احدى المرات وهى لا تنتبه أنها سافرت لمهرجان أبو ظبي على حساب شركة ميك أب فور ايفر وهى شركة أدوات ماكياج عالمية من رعاة المهرجان منذ سنوات.
- وطوال سنوات طويلة بكتالوج المهرجان: توجد أسماء رعاة رغم أنهم رسميا لا يدفعون شيئا للمهرجان. أو يدفعون ولا أعرف اين يذهب المبلغ. مثل شركات مرسيدس بنز. بل يقال انهم رعاة بالخدمات.
- وفى اجتماع ادارة المهرجان مع سيادتكم الذى تم بتاريخ 17 سبتمبر 2012 . حدث أمران الأول أن السيدة سهير عبد القادر قالت أمام الجميع أن الشركات دى هتعمل لنا الحاجات دى ببلاش ماهم كسبوا مننا كتير قبل كدا.
- والأمر الثانى أن نائبة رئيس المهرجان أصرت على ذكر اسماء هذة الشركات باعتبارها من رعاة المهرجان فى الخبر الصادر من المكتب الصحفى للسيد وزير الثقافة، وذلك لتمنح تلك الشركات شرعية رغم ان تلك الشركات لم توقع بعد أية عقود مع الوزارة أو مع المهرجان ومن غير اللائق أن يخرج خبر كذلك به أن الوزير قابل الشركات الفلانية أو العلانية.
- ونفس الامر بالنسبة لشركة الشحن والتأمين التى يتعامل معها المهرجان. فلم تجرى مزايدات أو منافصات لاختيارهما رغم أن كلاها ليس من الشركات الكبيرة فى مجالهما.فلماذا يتعامل المهرجان مع شركة شحن (سكاى نت) التى لم أسمع عنها فى حياتى. فأنا سمعت فقط عن فيديكس ودى اتش ال وأرامكس و يوبى اس.
- وبناءا على كل ذلك:
- فانه غير معلوم ماهية ضوابط اختيار الرعاة وكيفية تحديد المبلغ الذى يدفعه كل راعى وماذا يتلقى مقابله .وهل هذا المبلغ مناسب أو اقل مما ينبغى.
- ولماذا هناك وسطاء لجلب الاعلانات بعيدا عن وزارة الثقافة. واذا كانت هناك نسبة تتلقاها تلك الشركات لجلب الرعاة. لماذا لا تكون هذه النسبة معلنة.
- وما هى الضوابط التى تحكم أوجه صرف المبالع القادمة من الرعاة. علما بأن المهرجان له قيمته التسويقية الكبيرة بسبب عراقته واسمه الكبيرين وحجم النجوم اللذين يترددون عليه.
- وباعتبارى مدير تنفيذى للمهرجان حسب القرار الوزارى فانه يتم منعى من معرفة أية تفاصيل خاصة بهذه  الشركات أو حضور التفاوض معها أو معرفة أى شئ عن عملها.
- ماذا يفعل المرء اذن سيادة الوزير أمام كل هذا؟ ان هذا التعتيم واخفاء المعلومات ونقص الشفافية وشبهة الاسترباح الواضحة  تمارسها السيدة نائب رئيس المهرجان أمامى فماذا أفعل.
- الأمر الثانى الذى يضطرنى لطلب الاستقالة هو:
- محاولة السيدة نائبة رئيس المهرجان أن تحول المهرجان (لفرح بلدى) أو هيكل خارجى بدون مضمون. ففي الوقت الذى تقوم فيه بدعوة 20 رئيس مهرجان سينمائى دولى تجتمع معهم هى ولا يقابلهم اى سينمائى منذ أعوام، وفي الوقت الذى تتعاون فيه مع ابنة خالتها السيدة ميمى جمالى المقيمة في لندن وتجلب فوق ال 15 ضيفا من أصدقاء السيدة ميمى وهم علاقتهم ضعيفة بالسينما.
- ترفض السيدة سهير عبد القادر دعوة ولو ضيف واحد كمدرس بالورش التى اقترحتها بالمهرجان، وترفض اصدار حتى لو كتاب واحد حتى لو كان بالتنسيق مع احدى هيئات وزارة الثقافة. وترفض الاحتفال بمئوية اسماعيل ياسين واسمهان مثلا رغم ان ذلك لن يكلفها شيئا. ولا تسألنى سيادة الوزير عن دور المكتب الفنى، فجزء منه يرضخ لها والجزء الاخر تخفى عنه المعلومات الأساسية وهم فنانون كبار لن ينشغلوا بالتفاصيل. ويوجد محضر لأول اجتماع للمكتب الفنى فلم يناقشوا فيه أيا من أمور المهرجان بل ناقشوا الخوف من التيارات المتشددة وكأنهم في ندوة.
- والسبب أن المهرجان كحدث ثقافى هو اخر ما فى ذهن السيدة عبد القادر. فهى تنظر له باعتباره حدثا احتفالىا صاخبا. ولا تخفى كراهيتها للسينمائيين عدا بعض النجمات من صديقاتها من الأجيال القديمة.
- والسبب الاخر أن السيدة عبد القادر غير متخصصة فى السينما ولم تفلح تلك السنوات فى اثارة الاهتمام لديها بفن السينما. ويا ليتها تكتفى بالأمور الادارية والمالية لكنها تتدخل فى كل تفصيلة فنية بالمهرجان. فقد اختارت وحدها بدون الرجوع لأحد أكثر من 75 بالمائة من أعضاء ثلاث لجان تحكيم للمسابقات الثلاث للمهرجان. وتركت كلا منا يطرح اسما واحدا ذرا للرماد. حتى ماريان خورى المدير الفنى للمهرجان اختارت عضوين فقط من 27 عضوا بلجان التحكيم.
وخلال هذا الشهر فوجئت بالاكذوبة التى تراكمت مع السنوات ان السيدة عبد القادر صاحبة قدرات ادارية فذة وانها الشخص الوحيد الذى يستطيع ادارة المهرجان. والواقع أثبت لى عكس ذلك. فالادارة هى عمل هدف وتحديد لمهام كل شخص وجدول زمنى لبلوغ الهدف. واستغلال لقدرات العاملين وتنويع العمل ما بين أصحاب الخبرة وأصحاب الموهبة الجديدة والحماس. تلك هى الادارة الحديثة.
أما السيدة عبد القادر فهى تصحو من النوم لتقوم بجهد عشوائى فى الادارة على طريقة أنها تنجز ما تتذكره وما يرتاح اليه قلبها من ضيوف أو فعاليات. وبالطبع الاساطير المعروفة عنها من دكتاتورية ومركزية في القرار  ظهرت فى التعامل اليومى لى معها. بالاضافة لعصبيتها وعدم قدرتها على الاستماع الى الاخرين وفقدانها لأعصابها فى أقل الأمور. فأحيانا يصل الأمر الى اساءة بالقول أو الى تطاول على كل من يعارض.
وبناءا على كل ما سبق، فقد أقدمت على المهمة الرفيعة التى شرفتمونى بها لايمانى بضرورة أن يكون المهرجان مساحة للحوار والصداقة  والتفكير والتأمل والبهجة.
وعليه فلا استطيع أن استمر فى تلك المسيرة العشوائية التى ستنتج شيئا ساذجا به البريق الخارجى لكنه خاو من الداخل. فذلك ما يتناقض مع مبادئى ومع ما تعلمته اكاديميا وما خبرته عمليا. واشهد الله أننى بذلت قصارى جهدى دون كلل أو ملل وتحملت الكثير من الامور السيئة ومحاولة التقليل من دورى وتهميشى لا لشيئ الا للانفراد بقرارات يا ليتها كانت للمصلحة العامة. وأرفق لمعاليكم كشفا تفصيليا لما قمت به خلال الشهر الذى عملته بالمهرجان. ورأيى المتواضع أن المهرجان فى هذة المدة المتبقية لبدئه يستطيع أن يستمر بدونها وبجهود الفريق الموجود. فقد وضعت شخصيا تحديدا لكل يوم من أيام الفعاليات وطريقة دخول العروض والمتطلبات التقنية لها.
نهاية الأمر اليكم أنهى حديثى وانتهى. وهذه استقالتى قدمتها بين يديكم ولكم فيها ما تشائون. والأمر مفوض.
مقدمه
أحمد عاطف
 ( المخرج والناقد السينمائى)   30 سبتمبر 2012
((للموضوع بقية))

الجمعة، 7 مارس 2014

حول المطالبة بمنع عرض فيلم "نوح" في مصر




كانت مصر دائما تعرف عرض الأفلام "التوراتية" كما يقال لها، أي الأفلام التي تتناول نشأة المسيحية وحياة المسيح والأفلام التاريخية الدينية مثل الوصايا العشر وباراباس وغيرها... واليوم الأزهر (أبو الوسطية كما يقول البعض) يطالب بمنع فيلم عن "نوح".... فهل انكشفت الآن "وسطية الأزهر" تلك المؤسسة المسؤولة عن كل أشكال الفكر الديني المتطرف في مصر والتي يتخرج من عباءتها آلاف مؤلفة من المتطرفين والارهابيين سنويا، الذين يتعلمون بين جنباتها أن الاسلام دين ودولة وسلطة سياسية، أي أن من حق الجماعة التي يقال لهخا الآن (محظورة والارهابية) السعي للوصول للسلطة واقامة دولتها (وكله حسب الشريعة- كما يقولون). هل لجنة الفتوى وجماعة كبار العلماء والمجلس الأعلى للبحوث وهي مؤسسات تابعة بشكل ما للفكر الأزهري، التي تطالب بمنع الافلام اليوم، هي التي ستقف بجانب السلطة الجديدة في مقاومة الدعوة إلى إقامة الدولة الاسلامية- حسب الشريعة، بما يشمله ذلك من هدم دور السينما وحرق كتب الفلسفة الحديثة (الغربية) وهدم المعابد الفرعونية والتماثيل.. وما الفرق بينها وبينهم.... أليس كله في النهاية (على كله)!
وعلى الذين يزعمون أن تصوير الأنبياء في السينما وغيرها حرام شرعا أن يأتوا لنا بنص قرآني واضح في هذا المجال- أكرر- نص قرآني- وليس أحد الكتب التي وضعها أشخاص من البشر ومكن أن يكون لأي انسان رأي مخالف لما تتردد فيها "آراء" ظهرت قبل اختراع السينما وغيرها بقرون!

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger